دراسات سوسيولوجيةقضايا فلسفية

البحث العلمي في الجامعات العربية: الواقع، التحديات، والتوجهات المستقبلية

إعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــداد: أ/ بلبكــــــــــــــــــــاي جمـــــــــــــــــــال

عرض وتلخيــــــــص: أ/ كــردالـــواد مصطــفى

     إنا لنعجب من أمة كان فاتحة وحيها كلمة (إقرأ) أين أصبحت؛ بالرغم أن تاريخها يروي بأنها في يوم من الأيام الغابرة كانت منارة علمية؛ أما اليوم فيبدو جليا عمق المأساة، وحجم الكارثة، والمأزق التي هي واقعة فيه؛ لأن مجمل الشواهد والدلائل تُظهر بأن استراتيجية البحث العلمي في الوطن العربي غير واضحة المعالم، وإن وُجدت فهي لا تسير في الاتجاه السليم بمنهجية مدروسة ومخطط لها بأهداف ونتائج قابلة للتحقيق والقياس.

    يعتبر التدريس والبحث العلمي من أهم وظائف الجامعة في جميع دول العالم، لكن فيما يخص الجامعات العربية فنجدها تركز على التدريس أكثر منه على البحث العلمي؛ حتى أنه أي التدريس يحتل مركز الصدارة في كل الجامعات العربية، فالأعداد الكبيرة للطلبة التي تشكل نسبة مرتفعة مقارنة بعدد الأساتذة في الجامعات، جعلت من الأستاذ الجامعي يقضي معظم وقته في التدريس والمتابعة البيداغوجية، ولا يتوفر له الوقت الكافي للقراءة والبحث العلمي؛ بينما في جامعات الدول المتقدمة تمثل نشاطات البحث العلمي التي يقوم بها أعضاء هيئة التدريس تشكل حوالي 33 % من أعبائهم الوظيفية، في حين لا تمثل هذه النشاطات أكثر من5%  من أعباء أعضاء هيئة التدريس في جامعات الدول العربية.

   كما أن الباحث في الجامعات العربية يعمل بشكل منعزل في بعض الأحيان حتى عن زملائه في الكلية، وربما في نفس القسم أيضا، ضف إلى ذلك غياب التعاون والتنسيق بين جامعات البلد الواحد، وفيما بين جامعات الدول العربية، زيادة على نقص وانعدام وسائل البحث العلمي في أغلب مخابر الجامعات العربية، وافتقار مكتباتها للعديد من المصادر والمراجع الحديثة، وبالتالي حرمان الباحث العربي من مصدر مهم للمعلومات الضرورية لإجراء البحوث العلمية.

   وتبرز الصلة الضعيفة جدًا أو حتى المفقودة بين خطط البحث العلمي في الجامعات ومتطلبات التنمية في المجالات المختلفة، لذلك يوجد البحث العلمي في الجامعات العربية في وضع منعزل تماماً عن الوحدات الإنتاجية والقطاع الخاص، مما أدى إلى حرمان الباحث الجامعي من الدعم المادي الذي كان من الممكن أن يقدمه القطاع الخاص، هذا الأخير أي القطاع الخاص يستفيد مجانا من الإطارات الجامعية دون أن يساهم في دعم الجامعة عموما والبحث العلمي خصوصا، كل ذلك جعل الباحث العربي يعتمد على ما يُخصص للبحث العلمي في موازنات جامعته، وهو تمويل ضئيل جدًا إذا ما قُورن بما هو مخصص لنفس الغرض أي البحث العلمي في جامعات الدول المتقدمة أو حتى في بعض الدول النامية، وعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة يُمول القطاع الخاص الأمريكي نحو 60 %من إجمالي أنشطة البحوث والتطوير الأمريكية.

   ففي عام 2002 أصدرت منظمة العمل العربية تقريرا بعنوان البحث العلمي بين العرب والكيان الصهيوني وهجرة الكفاءات العربية،كشفت فيه عن حقيقة الفجوة التكنولوجية والعلمية بين العرب وهذا الكيان الذي حقق تفوقًا علميا وتكنولوجيا ساحقًا، فقد اتضح بأن معدل الإنفاق العربي على البحث العلمي لا يزيد عن اثنين في الألف سنويا من الدخل القومي ( 0.002 %)، في حين أنه يبلغ في الكيان الصهيوني 8.1 %، وأن نصيب المواطن العربي من الإنفاق على التعليم لا يتجاوز 340 دولارا سنويا، في حين يصل الإنفاق لدى الكيان الصهيوني إلى 2500 دولار سنويا.

     نتيجة لما سبق بيانه أصبح البحث العلمي في الجامعات العربية يغلب عليه الطابع الأكاديمي، ومن أهم دوافعه هو الترقية من رتبة جامعية إلى رتبة جامعية أعلى لا غير، ولا نجد إلا نسبةً ضئيلةً جدًا ترجع إلى الرغبة في زيادة المعرفة العلمية، لكن مسؤولية هذا الإخفاق العلمي وضآلة الإنتاج البحثي لا تتحمله فقط الجامعات والمراكز البحثية، لأن الإبداع العلمي بشكل عام، هو حصيلة لعمل مؤسسي في بيئة علمية مساعدة، وهذه البيئة لا تنحصر في الجامعة أو مراكز البحث فقط، بل تشمل طبيعة النظام السياسي والاجتماعي والثقافي السائد في البلاد العربية.

   وعليه إن لم تتنبه الحكومات والشعوب العربية من سباتها، لتبدأ من الآن بدايةً حقيقية وجديةً لإصلاح نظم التعليم الجامعي والبحث العلمي من أجل مواكبة تكنولوجيات التعليم الحديثة؛ فإن واقعها سوف يتأزم أكثر، وبالتبعية مستقبلها سيصير بيد غيرها من الأمم المتقدمة علميا .

المقال منشور كاملا في:

مجلة الإنسان والمجال، معهد العلوم الإنسانية والاجتماعية، المركز الجامعي نور البشير، البيض- الجزائر، العدد 04 ، أكتوبر  2016.

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى