دراسات سوسيولوجية

مشاعر متضاربة – أحمد طه الغندور

   كم من الصعب أن تقنع الوالدة والأطفال بأن الليلة ستكون هادئة في غزة، وأن لا داعي للتوتر فالأمور عادية، وأنت في حوارك المارثوني لبث الطمأنينة في النفوس تأبى الطائرات الحربية الإسرائيلية بكافة أشكالها وأوزانها إلا تثبت لهم أنك الوحيد الغير صادق وأنك تلعب بمشاعرهم دون اكتراث.

كل ينظر إليك باستغراب كأنك القادم من المريخ، وهو يلوذ بالهاتف الذي أصبح مذياع لا يستقر على محطة إخبارية واحدة، وذاك يقلب الصفحات على جهازه اللوحي أو هاتفه الذكي، يحاولون التعايش مع المزيد من الكوارث والصدمات المصطنعة التي فُصلت لأهل هذا القطاع تفصيلا.

لماذا يأس هذا الشعب من كل أشكال الحياة الطبيعية ولم ييأس من القلق والتربص بالموت وأخبار العقوبات المتلاحقة التي تريد أن تثبت له ” أنه لا يستحق الحياة “.

حين تختلط في أذنيه أخبار المصالحة والهدنة ونهاية الحصار ونموذج سنغافورة، وعلى الأرض ترسيخ الانقسام وتحويله إلى مؤسسات تزيد في الانفصال ليس فقط بين شقي الوطن بل وبين الأخ وأخيه في الدين والوطن.

من يغريه أو يضطره خبر فتح المعبر للسفر عليه أن يُلقي كل ملامحه ومشاعره الإنسانية على بوابة المعبر الأخير قبل أن يخطو خارج الوطن متطلعاً إلى الحياة أو تحقيق بعضاً من أهداف الإنسانية وأن يتحول إلى مخلوق بلا تفكير أو أحاسيس أو مشاعر كي يصل إلى جهته إن لم يبتلعه البحر أو تتاجر بجثته قراصنة الموت من تجار الأعضاء البشرية.

من يخطط هذه الكوارث فوق رأس الشعب الفلسطيني واضح ككيان استعماري منحل بلا أخلاق ومن يسانده في كافة المحافل الدولية، بل هم يعلنون عن أنفسهم بغاية الصلف والغرور.

لكن المشكلة تكمن فيمن يمرر هذه المؤامرات داخلياً على الشعب الفلسطيني، هل هو ذلك الوطني الكبير الذي يرتجف قلبه عند سماع النشيد الوطني ” فدائي “.

أو الأخ المسلم الذي أقسم مراراً على عقيدة ” الولاء والبراء ” والطاعة في المنشط والمكره.

أم هو الأخ القومي العربي الذي ما فتئ يهتف ” بلاد العُرب أوطاني ” ولكن إذا الدولار نادني فهانت كل الأوطان!

لماذا أصبح الكذب شريعة في هذا الوطن؟

منا من لا يريد الوحدة الوطنية وتحقيق المصالحة ولكنه يكذب على الشعب بدعاوى وطنية أو فتوى دينية، والمصيبة أن الشعب بل أقرب المقربين منه يعرف ذلك ويداهن!

منا من يسعى حثيثاً لإنجاز صفقة القرن بأسوأ صورها وهو ” مفضوح ” ولكنه لازال يمتطي حصان الوطنية والقومية العاجز الذي لن يسعفه حتى للهرب!

لماذا على الشعب الفلسطيني اللاجئ المطحون في غزة أن يدفع ثمن جرائمكم بدمه المسفوح ليل نهار؟

لماذا علينا أن نكذب لبث القليل من الطمأنينة في قلوب أمهاتنا وأبنائنا علهم يحظوا بدقائق قليلة من السكون في ليل غزة المعتق بالحر والرطوبة القاتلة دون كهرباء؟

لماذا نصبر على موت الأمل في عيون شبابنا وشباتنا التي تفتك بهم العنوسة قبل أن تولد لديهم الحياة؟

أخيراً، اسمحوا لي أن أخاطب الشاعر الكبير الراحل محمود درويش ـ رحمه الله ـ الذي رحل في مثل هذا اليوم سنة 2008، رحل عاشق فلسطين قبل أن يري مسلسل الاغتيالات ينفذ بأيدي فلسطينية.

أصدقك القول يا عزيزي؛ إن في الموت سلوى، فلم يعد على هذه الأرض ما يستحق الحياة!

بقلم: أحمد طه الغندور.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى