القاموس الاجتماعيدراسات سوسيولوجية

التباعد الاجتماعي Social Distance

التباعد الاجتماعي يعني شعوراً بالمسافة بين الأفراد أو الجماعات؛ وكلما زاد التباعد الاجتماعي بين جماعتين -تختلفان في المركز والثقافة- قل بينهما التعاطف والتفاهم، والألفة والتفاعل. وقد يقر هذا التباعد الاجتماعي قواعد مقررة أو رسمية، كما هو الشأن في نظام الطوائف، ويُعد في هذه الحالة من الأوضاع المقبولة والمشروعة. وقد يكون التباعد أفقياً Horizontal، أي بين أشخاص أو جماعات يتمتعون بمراكز اجتماعية متساوية، كما قد يكون رأسياً Vertical، أي بين أشخاص أو جماعات، يتمتعون بمراكز اجتماعية غير متساوية.

ويميل بعض الباحثين إلى مصطلحات أخرى، مثل الاستبعاد الاجتماعي، والانعزال في أحياء مغلقة، أو شبه مغلقة (الجيتو)، والتهميش، والطبقة الدنيا. وهذه المفاهيم ليست متباعدة في معانيها؛ فمن المعتاد أن تفهم الطبقة الدنيا على أنها تتألف من أجيال عديدة من البشر، الذين ينتمون إلى أقليات إثنية، ويعيشون في أحياء مقصورة عليهم، يتلقون فيها خدمات الرعاية الاجتماعية، وقد حيل بينهم وبين الاتصال بأغلبية المجتمع. وقد قدم جينتز شكلين للاستبعاد في المجتمعات المعاصرة، وهما

  1. الأول استبعاد أولئك القابعين في القاع والمعزولين عن التيار الرئيسي للفرص، التي يتيحها المجتمع.
  2. أما الشكل الثاني عند القمة، فهو الاستبعاد الإرادي، حيث تنسحب الجماعات الثرية من النظم العامة، وأحياناً من القسط الأكبر من ممارسات الحياة اليومية، إذ يختار أعضاؤها أن يعيشوا بمعزل عن بقية المجتمع، وبدأت الجماعات المحظوظة تعيش داخل مجتمعات محاطة الأسوار، وتنسحب من نظم التعليم العام، والصحة العامة الخاصة بالمجتمع الكبير.

وموضوع التباعد الاجتماعي، أو الاستبعاد، اللذان هما نقيض التجانس والاندماج أو الاستيعاب، يشكل موضوعاً حيوياً وكاشفاً لطبيعة البنية الاجتماعية في أي مجتمع؛ فالتباعد هو حصاد بنية اجتماعية معينة، ورؤى محددة، ومؤشر على أداء هذه البنية لوظائفها، وهو ليس شأن الفقراء وحدهم، ولا همّ الأغنياء وحدهم، ولا موقفاً طبقياً فقط، وإنما هو مشكلة الجميع وليس أمامهم سوى تقليل التباعد والاستبعاد، وتعظيم التفاعل والاندماج، وتحقيق الاستيعاب.

وقد أوردت بعض المعاجم مصطلح التباعد، أو المسافة الاجتماعية، للإشارة إلى التشابك أو القرب -بين الأفراد والجماعات- المستند إلى متغيرات أو شبكات اجتماعية، كما هو الحال في الحراك الاجتماعي.

ومن أشهر مقاييس التباعد الاجتماعي مقياس بوجاردوس لقياس المسافة، أو التباعد الاجتماعي، الذي يعتمد على مدى استعداد جماعات عرقية أو سلالية معينة للسماح بوجود درجات من التقارب، أو الألفة فيما بينها. وكان بوجاردوس أول من استعمل هذا المصطلح، عندما أجرى بحوثه المتعلقة بقياس المواقف المتحيزة، أي مواقف الحب والكراهية، التي يعبر عنها الفرد تجاه الجماعات والمنظمات الاجتماعية. التقى بوجاردوس (1725) مواطناً أمريكياً ينتمون إلى أربعين جنسية مختلفة، وطرح عليهم مجموعة من الأسئلة تتعلق بانطباعاتهم عن المجتمعات والشعوب الأجنبية، بهدف قياس المسافة، أو التباعد الاجتماعي، بينهم وبين هذه المجتمعات والشعوب.

وكانت الأسئلة التي طرحها عليهم كانت كثيرة ومتشعبة، أهمها: “بناءً على مشاعري المباشرة اسمح عن طيب خاطر بأن ينضم أفراد من الجماعات لا بوصفها أحسن أفرادها أو أسوأ أفرادها، وإنما رغبتهم بقبول أحد الأجانب، بأن يكون قريبهم من طريق المصاهرة، والعضوية في نادٍ واحد معي مثل أصدقائي، والإقامة في شارع واحد معي مثل جيراني، والاشتغال معي في مهنة واحدة، وأن يكون مواطناً مثلي في بلدي، وأن لا يكون زائر لبلدي، وأن استبعده من بلدي.

وبعد تحليل الإجابات التي استلمها منهم، استطاع تكوين مقياس التباعد الاجتماعي، الذي كان يتمتع بمزايا صريحة تتعلق بقدرته على قياس مواقف الأشخاص من الأجانب والعناصر السكانية الأخرى؛ فالمواقف التي يتخذها الشعب الأمريكي نحو الأجانب تضع الإنجليز والهولنديين في قمة المقياس، وتضع الأتراك في أسفله.

المصادر والمراجع

  1. أحمد زكي بدوي، معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، مكتبة لبنان، بيروت، 1986 .
  2. جوردن مارشال، “موسوعة علم الاجتماع”، ترجمة محمد الجوهري وآخرين، الجزء الثالث، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2001 .
  3. جون هيلز وآخرون، “الاستبعاد الاجتماعي (محاولة للفهم)، ترجمة محمد الجوهري، سلسلة عالم المعرفة، العدد 344، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، أكتوبر 2007 .
  4. دينكين ميتشيل، “معجم علم الاجتماع”، ترجمة إحسان محمد الحسن، دار الطليعة، بيروت، 1981 .
  5. مصطفى سويف، “مقدمة لعلم النفس الاجتماعي”، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1978 .

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى