دراسات اقتصادية

التأهيل البيئي للدول النامية النفطية و أولية تقدم وتيرة التنمية الاقتصاد

د. عبد الغني دادن
كلية العلوم الإقتصادية والعلوم التجارية وعلوم التسيير جامعة ورقلة، الجزائر
أ.هشام غربي
كلية العلوم الإقتصادية والعلوم التجارية وعلوم التسيير جامعة ورقلة، الجزائر
ملخص :
تتناول هذه الدراسة إشكالية الدول النامية و النفطية، في مواجهة تحديات تنفيذ برامجها التنموية في ظل الحراك غير المسبق من قبل الدول المتقدمة من أجل الوصول إلى أنظمة تنموية يستغل فيها كل المقومات والثروات الطبيعية كطاقات بديلة عن الطاقة الأحفورية ( النفط والغاز )، والتي تعتمد عليهما الدول النامية النفطية كمورد أساسي من أجل إتمام وتنفيذ مخططاتها التنموية الاقتصادية والاجتماعية، كما سنوضح واقع التلوث البيئي فيها ونحاول تحليل الجدل القائم حول إشكالية : من المتسبب أكثر في التلوث العالمي، الدول المتقدمة الصناعية كثير الانبعاثات أم الدول النامية قليلة الاهتمام بالتأهيل البيئي ؟ وعرض بعض التجارب الدولية، لنقف عند تجربة النرويج كدولة نفطية وكيفية الوصول إلى توليفة دقيقة تجمع بين النمو الاقتصادي والاجتماعي في ظل التحديات البيئية وتحقيق التنمية المستدامة .
الكلمات الدالة: التأهيل البيئي ، النفط ،التنمية

المقدمة :
شهدت قضية التنمية المستدامة بيئيا اهتماما كبيرا في الآونة الأخيرة وهذا في العديد من الاختصاصات التقنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهذا بسبب خطورة الوضع الراهن والناجم عن سوء استخدام الوسط البيئي من أجل بناء تنمية في الأصل هي هدامة لو لم يتم المحافظة على طبيعة العيش الصحي للأجيال القادمة ،سواء بالنسبة للإنسان أو بقية الكائنات الأخرى . مما أثار العديد من التساؤلات حول علاقة هذه المشكلات البيئية بالأنشطة الاقتصادية والتنموية، لمعرفة مدى تأثيرها على استمرار التنمية وتواصلها .
كما تشهد الفترة الحالية حراكا غير مسبق من أجل الوصول إلى أنظمة تنموية يستغل فيها كل المقومات والثروات الطبيعية كطاقات بديلة عن الطاقة الأحفورية ( النفط والغاز ) وهذا يعتبر من أهم التحديات التي تواجه الدول النفطية التي تعتمد على النفط والغاز كمورد أساسي من أجل إتمام وتنفيذ برامجها ومخططاتها التنموية الاقتصادية والاجتماعية، مع كثرة الانبعاثات الغازية الملوثة واستنفاد هذه الموارد مستقبلا، مما تقف عقبة أمام تحقيق التنمية المستدامة وتلبية حاجات الأجيال المستقبلية .
ومن غير المحتمل أن تكون النوعية البيئية أولوية قصوى بالنسبة للدول التي يكون فيها الناس بالكاد يعرفون مصدر وجبتهم التالية، فخفض معدل الشقاء وردع مخالب الجوع يسبقان المحافظة على البيئة ، ولكن لما يرتفع مستوى المعيشة يبدأ التفكير في إعطاء أهمية للبرامج البيئية وتحسينها هكذا كان الحال في أوربا الغربية، كما هو الحال في الدول النامية حاليا، وذلك على اعتبار أن الدول الغنية باستطاعتها مواجهة المشاكل البيئية ماليا حتى تستطيع أن تطور تكنولوجيا رفيقة بالبيئة كالسيطرة على المياه الملوثة و إنبعاثات محركات السيارات، وتصحح كل الأخطاء التي ارتكبتها في الماضي عندما كانت طامحة فقط في الوصول إلى التنمية مهما صاحبها من تجاوزات بيئية .
وبالتالي اتضحت الأهمية البالغة التي تكتسبها هذه الدراسة وفق رؤية تحليلية لمختلف الآراء والدراسات التي تعرضت لمثل هذه المواضيع ونعالج فيها التساؤلات التالية :
هل تقف برامج التأهيل البيئي وشروطه الانضباطية أمام تقدم النمو الاقتصادي للدول النامية النفطية؟ ومن المتسبب الأصلي في التلوث البيئي العالمي ؟ الدول الصناعية المتقدمة أم الدول النامية وما هي التجارب الدولية الناجحة في محاولة الإلمام بين ثنائية ) البيئة والتنمية ( ؟
وللتفصيل في مقتضيات هذه الإشكالية نقسم الدراسة منهجيا إلى العناصر التالية :
1- نتطرق في العنصر الأول إلى أهم المشاكل البيئية التي تعاني منها الدول النامية النفطية .
2- ثم نبين في العنصر الثاني متطلبات التأهيل البيئي في الدول النامية النفطية .
33- ثم نحلل العلاقة التي تربط بين متطلبات المحافظة على البيئة و كيفية تنفيذ برامج التنمية الاقتصادية بمختلف التفاعلات الصناعية.
4- و نوضح في العنصر الرابع مختلف انعكاسات تنفيذ برامج التنمية الاقتصادية التقليدية على البيئة في الدول النامية النفطية.
55- ونبين في العنصر الخامس التضارب الحاصل في معرفة من هو المتسبب الحقيقي في التلوث الناجم عن الإنبعاثات الملوثة للبيئة في العالم بين الدول المتقدمة والدول النامية
6- توضيح النموذج النرويجي في كيفية الموائمة بين البيئة والتنمية في إطار التنمية المستدامة
وبداية يجب توضيح معنى التنمية المستدامة حتى يتسنى لنا مناقشة علاقة التنمية الاقتصادية بالبيئة المحيطة بها .
التنمية المستدامة :وهي توسيع خيارات الناس وقدراتهم من خلال تكوين رأسمال اجتماعي لتلبية حاجات الأجيال الحالية بأعدل طريقة ممكنة دون إلحاق الضرر بحاجات الأجيال القادمة وإعادة توجيه النشاط الاقتصادي بغية تلبية الحاجات التنموية الماسة للدول والأفراد والأجيال القادمة واختبار الأنماط الاقتصادية والتنموية التي تتناسب مع الاهتمام البيئي الملائم ومنع حدوث أضرار سلبية تنعكس على البيئة العالمية .
وقبل الوقوف عن متطلبات التأهيل البيئي في الدول النامية نحاول ضبط مختلف المشاكل البيئية التي تعاني منها الدول النامية النفطية حسب خصوصيتها :
أولا : أهم المشاكل البيئية التي تعاني منها الدول النامية النفطية :
تعاني الدول النامية النفطية من مشاكل بيئية واضحة من أهمها آلية إحراق الغاز الطبيعي التي تتبع معظم الدول النفطية من أهمها دول الخليج والجزائر ونيجيريا ..وغيرها من الدول الأخرى بأقل قدر من ذلك وبالتالي سوف نوضح الأخطار التي يسببها إحراق الغاز الطبيعي على الهواء وبعدها نحاول تلخيص بقية المشاكل البيئية الأخرى في نقاط متتالية :
1 : إحراق الغاز الطبيعي :
مع ارتفاع أسعار النفط وزيادة الوعي البيئي، بدأ العالم ينظر نظرة مختلفة لموضوع إحراق الغاز، فكل متر مكعب من الغاز الذي يتم إحراقه يولد كيلوغرامين من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وكمية الغاز الطبيعي التي قامت البلدان والشركات المنتجة للنفط بإحراقها في عام 2006 بلغت حوالي 170 مليار متر مكعب، وتعادل هذه الكميات حوالي 27 % من مجموع استهلاك الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي و 5.5 % من مجموع الإنتاج العالمي من الغاز الطبيعي في تلك السنة ولو تم بيع كميات الغاز تلك في الولايات المتحدة الأمريكية بدلا من إحراقها، لبلغت قيمتها في السوق الأمريكية حوالي 40 مليار دولار أمريكي.
وقدرت دراسة للبنك الدولي حجم كميات الغاز التي يتم إحراقها أو هدرها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأكثر من 50 مليار متر مكعب سنويا وهو ما يضع المنطقة في المرتبة الثانية على هذا الصعيد في العالم بعد كل من روسيا ومنطقة بحر قزوين ( حولي 60 مليار متر مكعب ) وأمام أفريقيا جنوب الصحراء ( حوالي 35 مليار متر مكعب .
ودعت الدراسة دول المنطقة إلى الإنظمام إلى الجهود الدولية الرامية للحد من حرق الغاز الطبيعي على المستوى العالمي، كما دعت إلى زيادة كفاءة استخدام الطاقة بغرض التخفيف من حدة آثارها البيئية، وذكرت بأن صور الأقمار الصناعية تظهر أن بعض البلدان العربية ومنها العراق وعمان وقطر والسعودية واليمن قد شهدت زيادة في التلوث .
ولسنوات عديدة ظلت صناعة البترول تناضل من أجل الحد من الممارسة القديمة لحرق الغاز الطبيعي الذي يخرج من باطن الأرض مع النفط الخام ولقد انحسرت هذه الممارسة المثيرة للجدل في بقاع مختلفة من العالم بفضل جهود بعض الشركات والدول المنتجة للبترول .
وقد خلصت أبحاث الشراكة العالمية لتخفيض إحراق الغاز التابعة للبنك الدولي GGFRR وتقوم صناعة الغاز سنويا بحرق ما يعادل ثلث استهلاك أوربا من الغاز، ما يعني ضخ إنبعاثات بمقدار 400 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في الهواء أو حوالي 5.1 % من إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم .
وغياب التقدم العام يعكس صعوبة الحد من تلك الممارسات علاوة على ذلك تتسبب العديد من المعوقات الفنية و العملية في تعقيد الجهود المبذولة لاستخدام الغاز بصورة مفيدة، علما أن حقول النفط عادة ما تقع في مناطق نائية بعيدا عن خطوط الأنابيب أو الأسواق، ولا يمكن تخزين الغاز أو شحنه بسهولة مثلما هو الحال مع النفط، كما أن إعادة ضخه في باطن الأرض ليست دائما بالعملية السهلة لأن أي خلل مفاجئ يحدث أضرار أمنية كبيرة، وطبيعة هذه الأنشطة الصناعية دائما تتخللها احتياطات أمنية كبيرة .
إضافة إلى ما سبق فحتى وإن تم الحد من حرق الغاز، فستظل هناك حاجة إلى حرق كميات لازمة لأغراض السلامة مثل التخلص من الضغط الزائد . ويقول بينيت سيفنسون الخبير الاقتصادي بالبنك الدولي ومدير الشراكة العالمية لتخفيض إحراق الغاز GGFR وهو اتحاد يضم الدول المالكة للموارد وشركات النفط الوطنية والدولية الكبرى : « هناك العديد من المعوقات التي تعترض مسار الحد من حرق الغاز » ، ويستطرد قائلا: « يتم حرق كميات كبيرة من الغاز الطبيعي بالدول النامية التي لا تتوفر بها بنية محلية لاستخدام الغاز أو إطار قانوني لتنظيم السوق ولا يوجد سوق حقيقية للغاز في العديد من تلك البلدان .
22- بقية المشكلات البيئية الأخرى :

من أهم المشاكل المرتبطة بالدول النامية والنفطية تتعلق بالعوز و الفقر و التخلف والاستغلال الفاحش للموارد الطبيعية من أجل سد حاجات الساكنة من طاقة و غذاء. فالغابات التي تعد مورداً أساساً بالنسبة للعديد من المجموعات البشرية تعاني من الاستغلال المفرط و الخارج عن القانون خاصة في مناطق أمريكا الجنوبية ومنطقة الأمازون وجنوب المكسيك ، ناهيك عن عدم تطابق التشريعات مع الظروف الاجتماعية المتنوعة (وغيرها من المشاكل) مما جعل مرد وديتها تتقلص يوماً بعد يوم.
المشاكل المرتبطة باختلال الإنتاج بالنمط الاستهلاكي الحالي و سوء استغلال المساحات المتوفرة. ومرد هذه الصعوبات إلى النموذج الاستهلاكي السائد الذي لا يكترث للكلفة البيئية التي يتطلبها الإنتاج.
لذلك لا يمكن التمادي في توسيع الأراضي الزراعية إلى ما لا نهاية، ففي الآونة الأخيرة، تم هذا التوسع على حساب الأراضي الهامشية المعروفة بهشاشتها.
تستأثر المناطق الساحلية ذات البنية الهشة بالاهتمام، و لذلك فهي عرضة لمختلف أنواع التلوث. ويعتبر الزحف الديموغرافي والاقتصادي نحو المناطق الساحلية السبب الرئيس في تفشي التلوث بها. مما يطرح مشكلاً جوهرياً في مجال إعداد التراب و توزيع الأنشطة الاقتصادية، إذ تتركز في المناطق الساحلية غالبية السكان و العديد من المدن الكبرى و المصانع الضخمة و المرافق السياحية الكبرى.
إن غياب مؤسسات المراقبة التقليدية قد أحدث أضراراً حقيقية، حيث لم يتم استبدال مؤسسات حديثة تستمد بها فاعليتها من إشراك المواطنين والجمعيات في اتخاذ القرارات المتعلقة باستغلال الموارد والتهيئة الإقليمية .
إن عدم التحكم في التقانة و ضعف التجهيزات الاجتماعية و الصحية لمن الأسباب التي ألحقت الضرر بصحة الإنسان و راحته. و من المعروف أن التلوث يشكل خطراً فعلياً على الموارد المائية سواء السطحية أو الجوفية. و بذلك فإن جزءاً كبيراً من هذا التلوث يمس المجال الساحلي في نهاية المطاف. ويؤدي التزايد الديموغرافي وتسارع الحركة الإكتظاظية و التصنيع والتحولات الفنية في المجال الفلاحي إلى تزايد حجم النفايات الملوثة للمياه. كما أن الافتقار إلى وسائل محاربة التلوث و انعدام بنية تحتية للتطهير البيئي من بين الأسباب التي تفسر ظهور حالات خطيرة من التلوث البيئي الذي يتهدد صحة السكان و حالة الوسط الذي يعيشون فيه.
إن تدهور حالة الهواء و ما يترتب عن ذلك من أثر سلبي على الساكنة يعتبر من المشاكل الأساس التي يعاني منها الوسط الحضري. و مما يفسر ذلك ازدحام حركة السير و تقادم السيارات المستعملة. وتعتبر الوحدات الصناعية مصادر ثابتة للتلوث لأنها لا تخضع للمراقبة وتستعمل محروقات محتوية على نسب عالية من الكبريت ( الوقود و الفحم) و الإنبعاثات الناتجة على إحراق الغاز.
وترجع بعض هذه المشاكل إلى غياب الوعي الاجتماعي الناتج عن القصور الإعلامي و انعدام حملات توعية فعالة للتأثير على غالبية المواطنين و إقناعهم بضرورة تغيير تصرفهم إزاء الموارد الطبيعية و الممتلكات العمومية و المساحات المبنية.
فالبيئة إذاً إشكالية مركبة تمس في نفس الآن مجالات التربية والتنمية والإعلام. و لعل هذه المشاكل تستدعي لحلها إعادة النظر في النصوص التشريعية الجاري بها العمل و كذا تحسين طرق التدبير وتطوير المؤسسات المعنية. وبعبارة أخرى، يتعين بذل المزيد من الجهود من أجل تحقيق نمو متوازن لا تشوبه تلك الفوارق التي غالباً ما تكون سبباً في التوترات الاجتماعية و الأضرار البيئية.
ثانيا : أهم متطلبات التأهيل البيئي في الدول النامية و النفطية:
حماية البيئة تعد هدفا أساسيا يتمثل في عملية الحد من التلوث، أو الحد من مشكلات البيئة بما يضمن للموارد البيئية نقاءها و تجددها، و بما يحفظ للإنسان صحته و شروط حياته من هواء نقي و مياه و غذاء غير ملوثين، و يتم ذلك وفقا لما يراه أصحاب هذا الرأي، حينما يتحقق الوصول بالتلوث إلى الحجم الأمثل و المقبول اقتصاديا بشأن حماية البيئة.وللبيئة العديد من المتطلبات تختلف باختلاف تقدم وتيرة التنمية الاقتصادية في الدولة ، من دولة متقدمة صناعية إلى دولة نامية تعتمد بشكل أساسي لاستهلاكها على التبعية الاستيرادية، وفي ما يلي نحاول توضيح أهم متطلبات التنمية المستدامة والتأهيل البيئي في الدول النامية النفطية :
1- يجب احتواء الضغط الذي يسببه التلوث البيئي على الموارد المحدودة قدر الإمكان .
2- يجب أن يتم تخفيض حدة النزاعات حول حيازة الأراضي و المصادر المائية بين مختلف الدول النامية النفطية المجاورة.
33- بلورة سياسة سعريه ملائمة لقيمة الموارد المصدرة لتكون موائمة للتكاليف الاجتماعية المتمخضة عن العملية الإنتاجية على حساب التدهور البيئي.
44- إلزامية تعزيز المؤسسات حتى تتمكن من فرض القوانين البيئية الفعالة ويجب توضيح التكاليف البيئية الكبيرة للتدهور البيئي ليس فقط للعامة وإنما للدولة أيضا .
5- يجب أن تتركز الإجراءات المتعلقة بالبيئة بالوجه الخصوص على تعديل السياسات الاقتصادية وتسعير الطاقة والمياه .
6- الاهتمام بالاستثمار في مجال مكافحة التلوث والحرص على عدم ترك مسببات التلوث الأصلية في مكانها .
77- وضع إطار قانوني وتشريعي يضبط حماية الموارد البيئية الحساسة وتعزيز الرقابة على الهدر في الدول ذات المعرفة المحدودة في مجال المخاطر الناجمة عن المخلفات المخزنة .
وبعد معرفة هذه المتطلبات الأساسية المتعلقة بالتنمية المستدامة والتأهيل البيئي في الدول النامية النفطية على وجه الخصوص ، وعلى إثرها يخالجنا شعور انتهي باستفهام ، ألا وهو مفارقة الثنائية ” المحافظة على البيئة مع التنمية الاقتصادية المطلوبة بشكل أساسي في ظل تدهور اختلال التوازن الاقتصادي والاجتماعي في الدول النامية والفقيرة “، وعليه يجب تحليل هذه المفارقة حتى يتسنى لنا وضع أسس وأولويات نضمن من خلالها تحقيق التنمية الاقتصادية دون التفريط في متطلبات التأهيل البيئي .
ثالثا : هل تعتبر متطلبات التأهيل البيئي كضرورة قصوى كي تقف كعقبة أمام تقدم و تنفيذ برامج التنمية الاقتصادية بوتيرة عالية في الدول النامية النفطية ؟
في الدول النامية حاليا كما في الدول المتقدمة إبان الثورة الصناعية هناك جهود حثيثة من أجل إحداث التنمية الاقتصادية وزيادة الإنتاج الوطني من خلال تشجيع الاستثمارات في كل القطاعات والمجالات مهما كانت انعكاساتها وإفرازاتها فمحاولة القضاء على البطالة بالنسبة لها أولا من المحافظة على نظافة المحيط وزيادة الصادرات من أجل زيادة المداخيل فهي تتقدم على حماية الموارد للأجيال القادمة وهذا حسب تفسير بعض الاقتصاديين ممن فرقوا بين واقع التنمية الاقتصادية في الدول المتقدمة وأولويات التنمية في الدول النامية، ومن غير المحتمل أن تكون النوعية البيئية أولوية قصوى بالنسبة للدول التي يكون فيها الناس بالكاد يعرفون مصدر وجبتهم التالية[ix]، فخفض معدل الشقاء وردع مخالب الجوع يسبقان المحافظة على البيئة، ولكن لما يرتفع مستوى المعيشة يبدأ التفكير في إعطاء أهمية للبرامج البيئية وتحسينها هكذا كان الحال في أوربا الغربية، كما هو الحال في الدول النامية حاليا، وذلك على اعتبار أن الدول الغنية باستطاعتها مواجهة المشاكل البيئة ماليا حتى تستطيع أن تطور تكنولوجيا رفيقة بالبيئة كالسيطرة على المياه الملوثة و إنبعاثات محركات السيارات، وتصحح كل الأخطاء التي ارتكبتها في الماضي عندما كانت طامحة فقط في الوصول إلى التنمية مهما صاحبها من تجاوزات بيئية.
ونحن هنا سوف نحاول تحليل ومناقشة كلا الرأيين، فمن جهة فإن النهج التنموي في الدول النامية والذي كان متبعا قبل التسعينات قد أدى إلى تدهور البيئة واختلال النظام البيئي الذي يعيش فيه أفراد المجتمع، فمن جهة ساعدت التنمية الاقتصادية على تحسين المستوى المعيشي من خلال التطور الاقتصادي والصحي والتعليمي والثقافي والتكنولوجي إلا أنه أدى إلى ظهور مشاكل بيئية تتلخص أساسا في استنزاف الموارد الطبيعية المتجددة وغير المتجددة و أيضا تلوث المحيط البيئي من الهواء والماء والتربة .
كما أدى إلى إحداث ضغوط على توازن النظام البيئي وبالتالي فإن البيئة الطبيعية لم تعد قادرة على تجديد نفسها وأحداث التوازن بعد زيادة الغازات والمواد الكيميائية المتصاعدة من مداخن المصانع ونتيجة إلقاء المخلفات الصلبة والسائلة والنفايات والمخصبات الزراعية في مياه الأنهار والبحار وبالتالي باتت المشاكل البيئية التي ظهرت نتيجة البحث عن التنمية الاقتصادية موضع اهتمام محلي ودولي، وكشف العديد من الخبراء الاقتصاديين أن النمو الاقتصادي المطرد في الدول المتقدمة و المتسارع في الدول النامية قد تعارض استمرارهما بالمعدلات السائدة مع مطلب حماية البيئة وبدا واضحا أن حمايتها يصطدم بمطلب التنمية الاقتصادية الضرورية جدا بالنسبة إليها ، وواجه العالم ما يعرف بمعضلة البيئة والتنمية، إذن :
رابعا : ما هي انعكاسات تنفيذ برامج التنمية الاقتصادية التقليدية على البيئة في الدول النامية النفطية :
تشيرالتنمية الاقتصادية إلى حدوث تغير في هيكل توزيع الدخل وتغير في هيكل الإنتاج و تغير في نوعية السلع والخدمات المقدمة للأفراد بجانب التغير في كمية السلع والخدمات التي يحصل عليها الفرد في المتوسط . فالتنمية بهذا المفهوم هي تلك العملية التي يحدث من خلالها تغير شامل ومتواصل مصحوب بزيادة في متوسط الدخل الحقيقي وتحسن في توزيع الدخل لصالح الطبقة الفقيرة وتحسن في مستوى المعيشة وتغير هيكلي في الإنتاج لينعكس بالإيجاب على مستوى الصحة والتعليم والثقافة …الخ وعليه إذا كانت التنمية قد حققت هذه الأهداف بدرجات متفاوتة في جميع أرجاء دول العالم، إذ نلاحظ أن الرفاهية الاقتصادية التي كانت تبحث عن تحقيقها الدول الصناعية، قد بلغتها على حساب التهيئة البيئية آنذاك، حيث كان لهذا التقدم ثمنا باهظا على البيئة، فالتنمية الاقتصادية التي عرفتها البشرية منذ قيام الثورة الصناعية إلى يومنا هذا تعد سببا رئيسيا في تفاقم مشكلة استنزاف الموارد الطبيعية والتلوث البيئي حيث نلمس :
– أن الموارد الطبيعية سواء أكانت متجددة أم غير متجددة مهددة أكثر من أي وقت مضى فمعدل السحب فاق معدل الإحلال والتجدد .
– كمية المواد الملوثة عند الإنتاج والاستهلاك فاقت إمكانيات النظام البيئي على التخلص منها .
– يؤثر النمو السكاني على التلوث البيئي من خلال النموذج :
I=PAT حيث ، I: يمثل الأثر على البيئة ، P: يمثل عدد السكان، A: يمثل متوسط استهلاك الفرد ، TT: أثر التدمير البيئي الذي يحدثه استخدام التكنولوجيا عند إنتاج وحدة واحدة .
ومن ثم فإن زيادة عدد السكان من خلال تفاعله مع زيادة الدخل وزيادة استخدام التكنولوجيا الملوثة للبيئة يحدث تدميرا فيها ومن ثم ينعكس سلبا على التنمية الاقتصادية .
– من آثار التدمير البيئي هو استغلال استنزاف الطاقات المتجددة بمعدل أكثر من مستوى إحلالها كالغابات والمصايد والثروة السمكية من خلال تلوث المياه …
– تراكم تلوث الهواء على طبقات متعددة يؤدي إلى تغير المناخ ورفع درجة حرارة الأرض ما يسمى بالاحتباس الحراري
خامسا : وبالتالي من خلال ما سبق تظهر إشكالية أخرى تتعلق أساسا بمن هو المتهم أكثر بإحداث التلوث البيئي على المستوى العالمي الدول المتقدمة الصناعية كثيرة الإنبعاثات، أم الدول النامية قليلة الاهتمام بالتأهيل البيئي ؟
من المعلوم أن بلدان الشمال نفسها تعي تماماً أن نشاطاتها الصناعية لها آثار على المجالين البيئي والاجتماعي وذلك رغم الدور الذي تلعبه في النمو الاقتصادي. ومهما يكن من أمر، فالاعتقاد السائد في هذه البلدان هو أن الأرباح المحققة تفوق بكثير الخسائر البيئية. فمن المُنظٍّرين الاقتصاديين من ذهب إلى أن جزءاً من الأرباح الناجمة عن التوسع الاقتصادي كفيلة بتقليص نسبة التلوث. وقد ينطبق هذا الطرح عـلى الحـالات المــباشـرة النـاتجة عن النشاط الحضري و الصناعي.
وبعد ما حققت الدول المتقدمة مبتغاها من التنمية الاقتصادية التقليدية وما نجم عن ذلك من انعكاسات، هاهي الآن تكثف جهودها نحو الاهتمام بالتنمية المستدامة والمحافظة على البيئة، وتعتبر ولاية كاليفورنيا الأمريكية من أولى المناطق في العالم التي تحضى باحترام البيئة ومن ثم إلى بقية الولايات الأمريكية الأخرى حتى أصبحت حاليا محط اهتمام كل الدول المتقدمة، حيث كانت تفرض شروطا صارمة على الإنبعاثات وذلك بالتضييق على صانعي السيارات وقد تنبأ الكثير بأن المصانع سوف تنتقل من ولاية كاليفورنيا إلى ولايات أخرى وأن كاليفورنيا ستجبر على إلغاء تنظيماتها عما قريب، ولكن حدث العكس وشددت الولايات الأخرى تنظيماتها تدريجيا ، ولأن شركات السيارات كانت في حاجة إلى سوق كاليفورنيا الغني، أجبر المصنعون في جميع أنحاء الولايات المتحدة على تطوير تقنيات جديدة للحد من الإنبعاثات وبعد ما تم ذلك، أصبحت الاستجابة للمتطلبات القاسية الخاصة بالولايات الأخرى أسهل عليهم، ومن ثم رفعت متطلباتها .
كما اتبعت البرازيل و المكسيك والصين- وهم أكبر ثلاثة متلقين للاستثمار الأجنبي – نسقا واضحا جدا فكلما حصلت هذه الدول على استثمارات أكثر كلما تحسنت سيطرتها على تلوث الهواء .
فقد أوضحت دراسات أنه عندما تتأسس شركات الدول المتقدمة في البلدان النامية يكون إنتاجها أكثر رفقا بالبيئة من الإنتاج المحلي و تكون أكثر استعدادا للالتزام بالقوانين البيئية لسبب ليس أقله أن لديها سمعة يجب عليها حمايتها. والإحصائيات تشير إلى أنه فقط 30 % من الشركات الإندونيسية تلتزم بالتنظيمات البيئية الخاصة بالبلد بينما يلتزم بها ما لا يقل عن 80 % من الشركات متعددة الجنسيات .
كما تبين العديد من الدراسات العلمية أن أخطر المشاكل البيئية وأكثرها ضررا متواجدة في البلدان النامية ويموت كل يوم في البلدان النامية ما يزيد عن 6000 شخص بسبب تلوث الهواء الذي يحدثه كثرة الإنبعاثات الغازية واستخدام الخشب والروث والفضلات الزراعية في منازلهم كوقود للطهي والتدفئة، ويقدر برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة أن ما لا يقل عن 2.2 مليون شخص يموتون سنويا من الهواء الداخلي الملوث وهذه تعتبر نتيجة كارثية أكثر من تلوث الهواء الناجم عن الإنبعاثات الصناعية .
وبالتالي ليس صحيحا أن التلوث في معناه الحديث يزداد مع النمو والتطور، فهناك متلازمات يجب توضيحها ومنها أن البيئة تعاني عندما يبدأ النمو بالتزايد بشكل سريع في البلدان الفقيرة وتبدأ الإنبعاثات بالتصاعد ولكن حين يزداد النمو بشكل كاف، فتظهر إشارات بيئية متحسنة بدلا من ذلك وتقل الإنبعاثات ويقل تركيز الملوثات في الهواء والماء .فالمدن التي تواجه أسوأ المشاكل ليست نيويورك أو لندن ولكن – وهذا واضح – هي بكين ومكسيكو ونيودلهي ، وهذا يعود إلى الهيكل الاقتصادي الذي يتغير من إنتاج يرتكز على المواد الخام إلى إنتاج يرتكز على المعرفة.
ولا يفوتنا في هذا الصدد الإشارة إلى الإجراءات الانضباطية تجاه التلوث الصناعي وفرض الضرائب البيئية جعلت الشركات متعددة الجنسيات تنتشر عبر ربوع الدول النامية الفاقدة لكل الالتزامات البيئية ودون أي تضييق بل بالعكس، تم استغلال الثروات المائية لتسريب كل أنواع الملوثات الكيميائية حتى لا تزداد تكاليف الصرف الصحي بالنسبة لهته الشركات وهذا لا ينافي ما قلناه سابقا في شأن الإحصائيات التي أثبتت أن الشركات متعددة الجنسيات إلتزمت أكثر من الشركات المحلية في الدول النامية بخصوص المعايير البيئية ولكن هذا راجع إلى الممارسات غير المشروعة لبعض هذه الشركات حين ما توفر لها أجواء هذه الممارسات بمساعدة أطراف داخلية نتيجة للفساد الحاصل في الدول النامية النفطية ومرد ذلك للأسباب التالية :
ـ أولاً، تبذل الشركات متعددة الجنسيات كل ما في وسعها من أجل تحقيق أكبر حجم من الأرباح[، وبالتالي فإنها لا تبحث عن اليد العاملة الرخيصة فحسب بل تعمل جاهدة للتنقيب عن الأماكن التي لا تطبق فيها المعايير البيئية بشكل صارم.
ـ ثانياً، لم يعد بإمكان دول الجنوب توجيه هذه الشركات الأجنبية الضخمة نحو القطاعات التي تحتاج إلى الاستثمار أكثر من غيرها، كما لا تستطيع توجيهها نحو المجالات التي تلحق أقل الضرر بالبيئة.
ـ ثالثاً، تعتبر بعض قوانين المنظمة العالمية للتجارة متناقضة مع السياسة الصحية و اتفاقيات الأمم المتحدة المتعلقة بالبيئة. فعلى سبيل المثال، لا يجوز منع منتج ما من الدخول إلى الأسواق الوطنية حتى و لو كان مضراً، إذ يكفي أن تثبت مصالح المراقبة في الدول المصدرة سلامة هذا المنتج ليصبح قابلاً للتسويق (حالة المواد المعدلة جينيًا التي تنتجها الولايات المتحدة). و من جهة أخرى، تنص الاتفاقية المتعلقة بالتنوع الحيوي على تقنين العمليات الجينية التي تمارس على الموارد الطبيعية بهدف تحسينها والاستفادة منها بشكل عادل كما هو الشأن في مجالي الأدوية و مواد التجميل). هذا في الوقت الذي لا تعترف فيه قوانين المنظمة العالمية للتجارة بإسهام الطب التقليدي المحلي في البحث عن مواد و وصفات صيدلية جديدة.
كما أصبحت مرفوضة تلك التبريرات القائلة بأن الفوارق الاجتماعية إنما تمليها الفاعلية الاقتصادية، وأصبح ُينظر إلى التنمية باعتبارها سياقا متكاملاً يجمع بين المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وتجعل من الكائن البشري أولى أولوياتها.
وفي المقابل زادت إنبعاثات التلوث البيئي من الدول النامية النفطية وهذا راجع أصلا إلى تلوث البيئة بالحروب الكارثية باحتراق وتسرب المواد الملوثة من المنشآت الصناعية، بملايين الألتار من الوقود والزيوت والكبريت السائل والحوامض المركزة والمبيدات الكيماوية واحتراق أطر السيارات وتعطل مصادر الطاقة الكهربائية والدمار الذي أصاب مصافي النفط وتوقف العمل في معالجة المياه الصناعية وارتفاع منسوب المياه الملوثة وتدمير مرسبات الغبار في معامل الاسمنت وتوقف العمل في وحدات تصفية مياه الشرب ومحطات معالجة المياه الثقيلة وترك النفايات من دون أي طمر صحي وشمل هذا النوع من التلوث كارثة بيئية بشتى أنواع المقاييس وحصل هذا فعلا في كل من العراق والسنغال ونيجيريا و ساحل العاج وليبيا وغيرها من البلدان النامية النفطية التي شهدت توترات أمنية شديدة كانت لها عواقب بيئية وخيمة، وصلت إلى تلوث الهواء والمياه والتربة والبحار والتلوث البصري و التنفسي والإشعاعي والكهرومغناطيسي وفي الثروات السمكية والحيوانية وزادت من انتشار الأمراض الانتقالية والأوبئة .
كما وأن الدول النامية وخاصة النفطية منها وتحت ضغط ظروف معينة، تسعى إلى زيادة إنتاجها من النفط وزيادة الكميات المصدرة ، الأمر الذي أدى إلى استنزاف مستمر لقاعدة الموارد البيئية والطبيعية ومن أجل الحصول على النقد الأجنبي وعائد صادرات مرتفع زادت هته الدول من إنتاج النفط الخام، وبذلك صرحت البرازيل عند استضافتها لقمة الأرض سنة 1992 « مرحبا بالتلوث إذا جاء من التقدم الصناعي !» بعدما أثير استفهام في مؤتمر ستوكهولم سنة 1972 « الأولوية لمن للبيئة أم للتنمية ؟ ولكن هذا قد يلحق ضررا بقاعدة الموارد البيئية كونه سلعة غير قابلة للتجديد وهو ما سنستوعبه جيدا عندما نعرض الواقع الصيني كدولة نامية تجمع بين التلوث والتقدم الصناعي .
الصين: دولة نامية يميزها قوة الصناعة و النمو الاقتصادي على حساب التدهور البيئي
وها هي الصين تجمع بين – كونها دولة نامية – القوة الصناعية و الريادة العالمية في استهلاك النفط بعدما كانت اليابان كذلك عام 2004 مع زيادة الانبعاثات الغازية الملوثة للجو، وهو ما صرح به مدير منظمة السلام الأخضر لو تزي بينغ قائلا : « وصل تلوث الهواء هنا وضعا جنونيا وعدد السيارات يزداد و بلد الدراجات الهوائية أصبح اليوم ثالث أبر سوق للسيارات في العالم » ، وتستهلك الصين اليوم حوالي 6 ملايين برميل يوميا من النفط و سوف يتضاعف هذا الرقم سنة 2030، كما بلغ عدد السيارات في الصين 30 مليون سيارة وسوف يصبح هذا العدد حوالي 100 مليون سيارة عام 2015 وهذا العدد هو نصف عدد السيارات في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2004 وارتفعت نسبة استهلاك النفط بين سنتي 2003 و2004 أكثر من 40 % ، والسؤال المطروح الآن هو : ماذا لو وصلت نسبة استهلاك السيارات في الصين إلى نفس القيمة في الولايات المتحدة ؟ والإجابة حينئذ أن الصين سوف تحرق حوالي 88 مليون برميل كل يوم وهذا يزيد عن الاستهلاك العالمي اليوم للنفط الذي يبلغ حوالي 80 مليون برميل .
وعلى إثر ذلك أضاف لو تزي بينغ قائلا « ما يزال استهلاك النفط في الصين ضئيلا للغاية نسبة إلى استهلاك الفرد الواحد منا، بيد أنه سوف يتصاعد مستقبلا وإذا سمحنا لأنفسنا باستهلاك مماثل للطاقة على نمط الأمريكان، فلن يبقى هذا الكوكب موجودا، حسن سوف تبقى الأرض موجودة غير أنها ستضل تدور في فلكها حول الشمس بدوننا »
وواقع الحال كذلك يشير بأن موضوع التنمية لا يحتل بالضرورة المكان الأول في قائمة أولويات بلد يبلغ عدد سكانه 1.33 مليار نسمة وسوف يصبحون عام 2020 مليار ونصف نسمة وبتالي يتوجب على الحكومة أن تسعى إلى توفير الحد الأدنى من الحياة الإنسانية الكريمة لهم وبهذا فإن الاهتمام ينصب بالدرجة الأولى على موضوعات مثل النمو الاقتصادي وتوسيع الصادرات وتأمين المواد الخام وهي بذلك أصبحت قوة صناعية عظمى كما هو الحل في ألمانيا واليابان والولايات المتحدة من خلال الاستخدام الموسع للفحم الحجري وعام 2020 سوف تستهلك الصين 2/5 من كمية الفحم المنتجة في العالم و1/10من كمية النفط و 1/7 من كميات الكهرباء المولدة على المستوى العالمي وبالتالي هناك تحديات كبيرة لا تزال تواجه المنظمات البيئية في العالم من أجل إيجاد سبل محاولة إيجاد توليفة صحيحة تجمع بين التنمية الاقتصادية مع المحافظة على المتطلبات البيئية في الدول النامية .
فترشيد استغلال الطاقة يمكن أن يرفع كفاءة مصادر الطاقة وفي الوقت نفسه يخدم الأغراض البيئية من خلال الحفاظ على هذه الموارد الغير قابلة للتجديد، وبما أنه أصبحت هناك أبعادا بيئية لبرامج التنمية فإن تحقيق هذه البرامج يحتاج إلى استهلاك كميات كبيرة من الطاقة وبالتالي أصبحت موضوعات البيئة والتنمية والطاقة مرتبطة مع بعضها بعلاقات تكامل واعتماد متبادل، فلا يمكن استمرار عملية التنمية على أساس تدهور البيئة والموارد الطبيعية كما أنه لا يمكن حماية البيئة والحفاظ عليها في ظل ظروف اقتصادية تطلب العمل على رفع مستوى المعيشة من خلال تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية مستدامة .
سادسا: النرويج :نموذج للدولة النفطية المتطورة بيئيا وتنمويا وبإستراتيجية مستدامة
تمتلك النرويج حوالي نصف مخزونات النفط الأوروبية وهي تعادل بذلك 1 % فقط من احتياطات النفط العالمية و 755 % من احتياطيات الغاز الطبيعي في أوربا و بالنظر للرفاهية الاجتماعية والاستقرار الاقتصادي الذي يعيشه هذا البلد أصبح نموذج لتوليفة التنمية المستدامة التي تجمع ما بين التنمية الاقتصادية والبيئية و الحقائق تشير إلى أن الناتج الوطني في النرويج يعادل مثيله في سويسرا وتقدر حصة الصناعة النفطية نسبة غلى مجموع الصادرات 40 % ونسبة البطالة تقدر ب3.5 % .
كما كان للنرويج دائما السيادة الكاملة على مصادرها الطبيعية الأحفورية ليس كما هو الحال في الكثير من الدول النامية ترجع السيادة فيها إلى الشركات النفطية العالمية وحرصا منها على تحقيق التنمية المستدامة عملت النرويج على إنشاء ما يسمى بصندوق المستقبل، يودع فيه جزء

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى