أخبار ومعلومات

التسول الإلكتروني…يستشري في المجتمع نصبا واحتيالا

فيديوهات تروي يوميات لأشخاص فقراء داخل بيوت قصديرية.. نداءات استغاثة عبر مختلف الصفحات والمجموعات، وصور لمرضى ومن ذوي الاحتياجات الخاصة، جميعها مظاهر اعتدنا رؤيتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يستعملها الكثير من المحتاجين لاستعطاف المتتبعين والاستيلاء على أموالهم تحت غطاء “من فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، فرج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة”.

يستطيع المتسول عبر مواقع التواصل الاجتماعي الوصول إلى أكبر عدد من الأشخاص بشكل سهل وسلسل، ودون أن يضع نفسه في موضع إحراج، فتصل مشكلته إلى الملايين وقد يهرع الكثير منهم إلى مساعدته، فيستولي على أموالهم بسهولة كبيرة، وهذا ما يصنف ضمن خانة الاحتيال والنصب، فرغم الجهود المتواصلة والعقوبات الصارمة التي اتخذتها الجهات الوصية للحد من هذه الظاهرة، إلا أنها في انتشار مستمر.

آلاف المشاهدات… يومياتي في بيتي القصديري

لعل من المظاهر التي استوقفتنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي الفيديوهات المنتشرة بشكل كبير عبر قناة “اليوتيوب”، مضموناها عبارة عن يوميات لإحدى السيدات ببيتها القصديري والتي باتت تحصد آلاف المشاهدات، حيث اتخذت هذه الأخيرة الفضاء الافتراضي لتتقاسم فيه معاناتها اليومية مع المشاهدين وتريهم حجم الصعوبات التي تعيشها داخل بيتها الكائن بإحدى المناطق بالعاصمة.

وقد عرف هذا الفيديو انتشارا كبيرا وتعليقات كثيرة تبعث على التعاطف والتضامن مع حالتها الاجتماعية، حيث لقيت إشهارا مجانيا من طرف إحدى المؤثرات عبر مواقع التواصل الاجتماعي من أجل متابعتها وبالتالي مساعدتها ماديا، مما جعل العديد من الأشخاص خاصة من النساء يتفاعلن بشكل كبير مع الوضعية الصعبة للسيدة، وراح البعض ويزودونها بالعديد من الحاجيات التي كانت في كل مرة تعرضها عبر فيديوهاتها لتشكرهم.

واستمرت السيدة في عرض فيديوهاتها الواحد تلوى الآخر عبر القناة، متخذة عناوين تستلهم فيها المشاهدين لتنال استعطافهم مثل “كيف أعيش يومياتي في الفقر” و”وصفة غدائي المتواضعة لنهار اليوم” و”جولة في بيتي القصديري” وغيرها، لنكتشف لاحقا أنها استلهمت فكرتها من إحدى السيدات التي قامت بنشر محتوى مماثل بالمغرب، حيث حاولت العديد من النساء اللواتي يعشن نفس ظروفها تقليدها واتخذن من وسائل التواصل الاجتماعي مكانا لعرض حياتهم القاسية من أجل كسب دعم المواطنين.

حسابات مخصصة للتسول …

كما رصدنا عبر الفضاء الأزرق “الفايسبوك”، وداخل بعض مجموعات البحث عن العمل، نداء لأحد المواطنين والقاطن بإحدى الولايات الغربية بالوطن، أين تظهر صورة لشخص جسده هزيل وعلامات المرض بادية على ملامحه، في حين كتب نداء استغاثة كاشفا في مضمونه أنه يتيم ويعاني من عدة أمراض، وهو بحاجة فقط لتزويده ببعض المواد الغذائية..

شدّنا الفضول وسارعنا إلى زيارة صفحته عبر نفس الموقع، لنجد أن الحساب من أوله إلى آخره عبارة عن منشورات موجهة إلى مناشدة ذوي القلوب الرحيمة لمد يد المساعدة وإعلانات مشابهة تصف حالته المرضية الصعبة.

تابعنا التعليقات المدونة على المنشورات الواحد تلوى الآخر لنتوقف عند تعليق أحدهم، مؤكدا بأنه تواصل مع هذا الشخص لتزويده ببعض المواد الغذائية والألبسة، إلا أن هذا الأخير رفض وأخبره بأنه بحاجة إلى مبلغ مالي لتسديد مصاريف الكراء، ليؤكد هذا الأخير عبر تعليقه أن صاحب الحساب يحاول فقط استمالة المتابعين بهذه الطريقة من أجل كسب الأموال، وهو نفس التعليق الذي تكرر بالعديد من المنشورات.

ومن المظاهر الشائعة بكثرة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إعلانات البحث عن عمل بالمجموعات المخصصة لعروض الوظائف، حيث يلجأ العديد من الأشخاص إلى نشر حالتهم الاجتماعية الصعبة.

ومن بين تلك الأمثلة ما قام به أب لثمانية أطفال بحاجة إلى منصب عمل، متخذا من أبنائه ذريعة للحصول على الوظيفة، عوض الاعتماد على السيرة الذاتية وما تتوفر به من خبرات وقدرات أو شهادات.

ليبقى هذا الفضاء مكانا افتراضيا يستخدمه كل شخص حسب أغراضه وأهوائه وكذا أهدافه، سواء كانت ذات محتوى إيجابي أو سلبي، تاركا المجال لأي فرد من أجل التعبير والتواصل مع الآخرين، مما جعل العديد يستغلون الفرصة للعب بمشاعر الناس وجمع الأموال بأي طريقة كانت.

“ينبغي التعامل مع عصابات التسول بذكاء”

أكد البروفيسور في علم الاجتماع، أحمد قوراية، في حديثه مع “الخبر”، أن ظاهرة التسول في مواقع التواصل الاجتماعي تعتبر دخيلة على مجتمعنا، حيث استفحلت بعدما أصبحت هذه المواقع وسيلة للتعاون والتضامن بين مختلف الأفراد من جهة، وأيضا وسيلة للنصب والاحتيال والابتزاز، مشيرا إلى أن ما بتنا نشهده مؤخرا من انتشار للتسول وخداع الناس لاستعطافهم بغرض جلب الأموال، واتخاذ هذا الفعل كوظيفة للرزق، يعتبر أمرا غير مقبول على الإطلاق.

وأضاف محدثنا قائلا “في أحيان كثيرة تكون الأحوال المادية لبعض المتسولين جيدة، أين تحولوا من التسول في قارعات الطريق والشوارع نحو هذه التقنية، أي عبر حسابات وصفحات متنوعة، طالبين المساعدة من خلال حكايات كاذبة بحجة المرض أو إجراء عملية مستعجلة، كل هذا لدغدغة مشاعر الناس عبر مواقع التواصل والحصول على المال بالخبث والخديعة.

وتابع المختص قائلا أن الكثير من هؤلاء يصطنعون الفقر والمرض والحاجة وفق خبرة عالية في التمثيل، وهم ربما يعيشون عيشة الملوك، مرجعا سبب هذه الأفعال إلى النفوس الخبيثة والمريضة التي لا تعير اهتماما إلى طريقة الكسب، سواء كانت حلالا أو حراما، سيما وأنه عند نجاح هؤلاء بخداع البعض وجمع المال بهذه الطريقة، يتلذذون بالسعادة والمتعة، كما أنهم يشعرون بأنهم أذكياء وفي نفس الوقت يعتبرون أن من تصدقوا عليهم أغبياء.

وأفاد البروفيسور أنه ينبغي التعامل مع الظاهرة وهذه العصابات بذكاء وحزم، حيث يتعين على الأفراد تعويض ذلك بالمساعدة المباشرة للمريض، أي من الغني إلى الفقير أو عبر التبرع لجمعيات خيرية لمساعدة الآخرين للقضاء على هذه التصرفات التي تزعزع النية الصادقة لمن يقدم المساعدة المادية.

وفيما يتعلق بالأشخاص الذين يستغلون حالتهم الاجتماعية من أجل الحصول على وظيفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أكد قوراية أن الأمر يختلف نوعا ما، فمن يتسول ويبحث عن المال لخداع الناس بنفسية المكر، سيرفض حتما منصب عمل يكفيه شر التسول، ويمكن أن يلغي الصداقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تماما.

ويضيف “بينما الشخص الذي يقدم سيرته ومؤهلاته باحثا عن الوظيفة ويستعطف الناس بأنه أب لعدة أطفال لمساعدته أو بأن ظروفه المادية صعبة، فهذا الأخير يبعث رسائل نفسية واجتماعية لغيره فيها شفرات التضامن والتعاون، باحثا عن العمل، فهذا الشخص ينبغي تشجيعه لأن هذا الأسلوب في البحث عن منصب عمل عاري من الخديعة والخبث والنفاق”.

وأوضح قوراية أن الشخص المخادع يبحث فقط عن المال، ويختلف تماما عن من يبعث الأمل في الحصول عن وظيفة للوصول إلى النقود وفق منطق “أعطه عملا وعلّمه الصيد ولا تعطه المال ولا السمك”، مضيفا أنه على الناس اليوم في المواقع الافتراضية أن يحترسوا ويتعاملوا باليقظة والفطنة حتى لا يحرم الفقير.

“عقوبة تصل إلى ستة أشهر سجن لمن امتهن التسول”

أفاد المحامي طارق مراح، في حديثه لـ “الخبر”، بأن التسول المعروف لدى العامة أي بالأماكن العمومية أو عبر الطرقات، هي من الجرائم التي يعاقب عليها القانون لما تمثله من تشويه للمنظر العام من جهة، والخطر الذي تسببه على المارة من جهة أخرى، خاصة وإن كان المتسول عنيفا في طلبه، مضيفا أن المشرع قد جرم هذا الفعل وجعل منه جنحة يعاقب عليها قانون العقوبات في مادته 195، لتصل العقوبة إلى ستة أشهر سجنا نافذا، ومن 10 آلاف إلى 20 ألف دينار غرامة مالية نافذة.

وقال المتحدث أن نفس المادة قد نصت على معاقبة كل من اعتاد على ممارسة التسول في أي مكان، خاصة لمن توفرت لديه وسائل العيش عبر إمكانية الحصول عليها بالعمل أو بأية طريقة أخرى مشروعة، لذا نجد أن المشرّع أكد في هذه المادة على ركن الاعتياد في التسول، أي تكرار نفس الفعل في كل مرة.

وفي السياق ذاته، أكد الحقوقي أن ما يقال على فعل التسول بالأماكن العمومية هو نفسه ما يقال على التسول عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي، أي أنها تتعلق بنفس الجرم أو المخالفة، مشيرا إلى أن جريمة التسول لها ثلاثة أركان تتمثل في الركن المادي والمعنوي والشرعي.

الظاهرة، حسب محدثنا، انتشرت بشكل كبير في الجزائر وتعدته في بعض الأحيان إلى عمليات نصب منظم ترتكب ضد مرتادي هذه المواقع، أين بات التسول يمارس في إطار شبكات منظمة عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو في غيرها، مؤكدا أنه في حالة ممارسة هذا الفعل في إطار شبكة أو جماعة منظمة، فإن المشرّع يتخذ من ذلك ظرفا مشددا وقد تصل العقوبة إلى حدها الأقصى.

“الشريعة الإسلامية نهت عن التسول”

قال الدكتور بجامعة الجزائر والمفتش المركزي بوزارة الشؤون الدينية، محمد مشنان، في حديثه مع “الخبر”، أن الشريعة الإسلامية نهت عن التسول دون حاجة بأي طريقة كانت، حيث يتعين على المسلم التأكد من أن الشخص الذي يقدم إليه المساعدة فقير حقا حتى يتم تقديم المساعدة اللازمة، مستشهدا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم “لا تصح الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي” أي أن الصدقة لا تصلح لشخص يمتنع عن العمل رغم قدرته عليه، بالإضافة إلى قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم “ما أكل أحد طعاما قط خيرا له من أن يأكل من عمل يده، فإن نبي الله داوود عليه السلام كان يأكل من عمل يده”.

وأوضح المتحدث أن الرسول، عليه الصلاة والسلام، علمنا كيف نتعامل مع المتسول القادر على الكسب، فقد روى البخاري عن أنس ابن مالك، أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب الصدقة، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام “أما في بيتك شئ”، قال له بلى، حلس نلبس بعضه، ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه الماء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم “ائتني بهما” وقام الرسول ببيعهما في السوق مقابل درهمين وأعطاهما الأنصاري، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم “إذهب فاحتطب وبع ولا أرينك إلا بعد خمسة عشر يوما”، فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاءه وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا، وببعضها طعاما، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم “هذا خير من أن تجيئ المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع”.

وذكر الدكتور أن التسول فيه نوع من الاستغلال لعواطف الناس والاتكال عليهم، مشيرا إلى أن التسول يبقى نفسه سواء كان في الواقع أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، سيما وأنه لو وظف المتسول عبر المواقع مهاراته وقدراته التي يملكها في شيء إيجابي، لكان ربما قد تمكن من إيجاد مصدر من مصادر الرزق التي تنفعه.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى