التطور السياسي والعسكري في الجزائر إلى عام 1955م

أولا ً : دور الأحزاب الجزائرية  بعد الحرب العالمية الثانية إلى عام 1954 م.

      كان للأحزاب الجزائرية دور رفي تعبئة الرأي العام الوطني ضد الوجود الفرنسي في الجزائر وكانت الأحزاب تهيئ الشعب من حين لآخر بوسائل مختلفة لرفض سياسة الاحتلال ومن ذلك المنطلق تواصلت التظاهرات التي حدثت يوم الأول من أيار 1945م والتي شملت مدناً مختلفة من الجزائر واستغلت قيادة حزب الشعب المنحل مناسبة عيد العمال لتنظيم تظاهرات سلمية على أغلب التراب الجزائري احتجاجاً على اعتقال زعيم الحزب مصالي الحاج ونفيه إلى الكونغو كما رفعت شعارات الاستقلال ورفعت الجماهير العلم الوطني وقد عالجت الشرطة الفرنسية التظاهرات بقسوتها المعهودة وقتلت حاملي العلم وعددهم أربعة شبان([1])

      تظاهر الشباب الجزائري فـي مدينة  سطيف([2]) يوم الثامن من أيار 1945م  احتفالاً بانتصار الحلفاء وعودة أبناء البلد من أوربا  وحملوا شعارات كتب عليها يسقط الاستعمار تحيا الجزائر المستقلة , طالبت بإطلاق سراح المسجونين لكن البوليس الفرنسي تدخل مع المليشيات المتعاونة معه وقتل عدداً كبيراً من المتظاهرين وامتدت تلك التظاهرات إلى مدينة قالمة([3]) والتي شهدت قتل أعداد أخرى من المتظاهرين من قبل المعمرين الفرنسيين.

      إن أكبر مذبحة حصلت في مدينة قسنطينه حين قام السلاح الجوي بقصف العديد من القرى التابعة لها وأزالتها من الوجود كما ضربت الطرادات الفرنسية من البحر بمدفعيتها تلك القرى ومنعت الإدارة الفرنسية الصحافة من نقل الحقائق من الأرض([4]) وقد سحبت فرنسا من الألزاس واللورين اللواء السابع ليشارك في ذلك التدمير الذي راح ضحيته قرابة (45) إلف مواطن حسب تقديرات الكتّاب الجزائريين ودمرت (40) قرية([5]) .

      على اثر تلك المجزرة أصدرت الإقامة الفرنسية العامة بياناً ألقت مسؤولية ما قامت به على الوطنيين الجزائريين كما أكدت برقية الجنرال ديغول التي تلاها الوالي الفرنسي يوم الحادي عشر من أيار 1945م بالقول (( أكدوا علانية إرادة فرنسا المنتصرة في عدم المساس بالسيادة الفرنسية على الجزائر، واتخذوا جميع التدابير لردع كل الحركات المعادية لفرنسا والتي تقوم بها زمرة من المنشقين ، واعملوا على  تأكيد احتفاء فرنسا بثقتها في مسلمي الجزائر)) .

      لقد حققت مذبحة erسنطينه بعض أغراض فرنسا إذ أعلنت الإحكام العرفية  وقبض على (4500) من أعضاء الحركة الوطنية ونفذ حكم الإعدام بـ ( 99) منهم ولم يحقق كل ذلك سوى جزءاً من أهداف المستوطنين فطالبوا بإقامة حرس منهم وتعيين حاكم عام للجزائر من بينهم([6]) .

      إن مذبحة  أيار  جعلت الشعب يبقى مجنداً وبعثت في نفوس الجزائريين الهمة للعمل من اجل الاستقلال  وبينت إن الطبقة الفلاحيه  مستعدة  للانضمام  للحركة الوطنية([7]) كما إن ظهور الأمم المتحدة التي روجت لمبدأ حق تقرير المصير وتأسيس الجامعة العربية كان بارقة أمل لمواصلة الكفاح الوطني ضد المستعمر([8]) .

      أستمر الوضـع المأساوي فـي الجزائر حتـى بدايـة عام 1946م حين رأت الحكومة الفرنسية احترام الحريات الدستوريـة لإعطـاء الانتخابات المزمع إقامتها مظهراً ديمقراطياً ولذلك أطلقـت سـراح الزعمـاء المعتقليـن ومنهـم

 فرحات عباس([9]) الذي أسس حزب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري ومصالي الحاج الذي أسس حزب انتصار الحريات الديمقراطية بعد إطلاق سراحه وهو الواجهة العلنية لحزب الشعب المنحل ويتولّى الحزب إنشاء جمعية تأسيسية ذات سيادة منتخبه على أساس الاقتراع العام وجلاء الجيوش الفرنسية([10]) .

       وقرَّرَ خوض الانتخابات الأولى لمجلس نيابي في عهد الجمهورية الرابعة في فرنسا  والتي جرت في تشرين الثاني 1946م ورفضت الاشتراك في جبهة واحدة مع الحزب الشيوعي ومع ذلك دخل الأعضاء الجدد إلى مجلس الشيوخ الفرنسي ونادوا بصوت عالٍ بأن الجزائر ليست فرنسية([11]) وأسمعت صوتها بأنها لـن تعترف بأي قانون إلا إذا تضمن إعادة السيادة للشعب([12]) .

      عملت فرنسا على التوفيق بين المطالب المقدمة وبين مصالحها في الاحتفاظ بالجزائر كجزء لا يتجزأ من فرنسا فكان ما أتخذه برلمان الجمهورية الرابعة بإصدار القانون الأساسي يوم 20 أيلول 1947م([13]) الخاص بالجزائر والذي تقرَّرَ فيه إشراك الجزائريين في حكم بلادهم ونص الدستور على تقسيم الجزائر إلى عدة مناطق فرنسية ذات استقلال مالي وتنظيم خاص مع الاعتراف باللغة العربية إلى جانب اللغة الفرنسية([14])

      كان رد الفعـل علـى إحباط قانون عام 1947م وعلى تزوير الانتخابات قوياً وعنيفاً في أوساط كل الأحزاب السياسية لاسيما فـي وسـط حزب انتصار الحريات الديمقراطية التي اتخـذت خطـوة كبيـرة في السير نحو الكفـاح المسلح إذ انبثقت عنها منظمة الشرف العسكرية والتي أطلـق عليها الفرنسيون

(المنظمة الخاصة) Private organization  وقد عهد إليها بمهمة الإعداد للثورة المسلحة المقبلة([15]) .

      على الرغم من أن الظروف لم تكن ملائمة لأن الشعب متعب من الحرب والحزب نفسه يعاني من إرهاب الاستعمار والتنكيل بأعضائه إلا أن المنظمة انتشرت في كل أقاليم الجزائر ودربت كوادرها على السلاح وفنون القتال وانحسر اهتمامهم في جمع السلاح

 ولحاجة التنظيم إلى تمويل خطَّطَ احمد بن بيلا([16]) للهجوم على بريد وهران واستولوا على مبلغ من المال لكن المنظمة الخاصة التي تلقت تدريب عالي المستوى لم تستخدم  وأخذت الروح المعنوية والنظام العسكري يضعفان بسبب عدم وجود حركات فعلية([17]) .

      واجه التنظيم صعوبة في عام 1950م حينما كشف أمر بن بيلا وقبض عليه مع المئات من أعضاها وحكم عليهم  بمدد متفاوتة من السجن  ويبدو إن السلطات الفرنسية اعتقدت بوجود مؤامرة ولم تكشف طبيعة التنظيم وتقسيماته([18]) .

      أدت سياسية فرنسا القمعية إلى نفاذ صبر التنظيم فبدا في إتباع أسلوب الثورة المسلحة وأعدَّ حزب انتصار الحريات الديمقراطية خطة للقيام  بثورة  ولكنها منيت بالفشل بعد اكتشاف أمرها وشرعت السلطات بغلق مكاتب الحزب  وحكم على مصالي الحاج بالنفي إلى فرنسا ووضعه تحت الإقامة الجبرية([19].

      دفعت تلك السياسة الجزائريين للضغط على رجال الأحزاب لتوحيد  صفوفهم لمقاومة الاستعمار الفرنسي وأثمر ذلك عن إنشاء جبهة الدفاع عن الحرية يوم السابع عشر من حزيران عام 1952م تألفت الجبهة من حزب انتصار الحريات الديمقراطية والاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري , وجمعية العلماء , والأحرار المستقلون , والحزب الشيوعي وعقدت عدد من الاجتماعات والتظاهرات([20]) وقدمت مجموعة من المطالب وأقرّت تأسيس جمهورية جزائرية مستقلة لكن محتوى مطالب الجبهة لم تعبر عن القضايا الاجتماعية والاقتصادية  ولم تتطرق إلى الاستقلال السياسي ولذلك فشلت وتم حلها في أواخر عام 1952م إذ بدأت الخلافات والأزمات داخل حزب انتصار الحريات الديمقراطية بين مصالي الحاج واللجنة المركزية بسبب اعتراضهم على صلاحياته وتفرده بالرأي  حتى لجأ زعيم الحزب إلى حل اللجنة المركزية وردَّتْ هي بالمثل ففصلت مصالي الحاج من عضويتها عام1953م وانشق الحزب إلى قسمين([21]) .

      بقيت همّة أعضاء المنظمة الخاصة صامدة أمام تلك الأزمة التي وصل إليها الحزب الذي تباطأت قيادته في العمل من أجل الإعداد للثورة ولذلك قررت المنظمة الانتقال إلى العمل الثوري وتأسيس حركة قوية وحجب الثقة عن زعيم الحزب وأعضاء اللجنة المركزية وأخذت على عاتقها مهمة إعادة بناء الحزب فكونت اللجنة الثورية للوحدة والعمل يوم الثالث والعشرون من آذار 1954م([22]) والتي بدأت التنسيق بين وجهات النظر بين شقي الحزب وإيصال صوتهم إلى الشعب  وقرَّروا تفجير الثورة بالوسائل المحلية وفتحوا باب الانخراط فيها ووَسَّعوا الاتصالات وبدأو التدريب على السلاح([23]) .

      عُقدَ يـوم العشرين من تموز 1954م مؤتمر سُميَّ مؤتمر الاثنين والعشرين([24]) وأتخذ قراراً بتعجيل قيام الثورة واختيار قيادة لها والتي وكِّلتْ إلى

محمد بو ضياف  إذ كلفته باختيار أعضاءها الستة يساعدونه في الداخل وأضيف إليهم ثلاثة من الخارج من الموجودين في القاهرة للتنسيق مع المنظمات الأفريقية والعربية وإسماع صوت الثورة إلى العالم الخارجي وقُسمت الجزائر إلى خمس مناطق([25]) .

      بدأت الاتصالات مع الدول المجاورة لتأمين متطلبات الثورة ولدعم الصراع المشترك ضد العدو الفرنسي وتطوير المخططات للهجوم على الأهداف وشراء الأسلحة والألبسة والذخائر وقد اتخذ من الغابات مراكز مفضلة للتدريب.

      استمرت اجتماعات لجنة الستة خلال شهر تشرين الأول 1954م وتقرر إعطاء تسمية جديدة للحركة فسميت التنظيم السياسي ( جبهة التحرير الوطني الجزائرية )([26]) National Liberation . Front   وانتقلت من التعددية الحزبية إلى نظام الحزب القائد الذي تجمعت من خلاله كل القوى الوطنية وتقرَّرَ حل الأحزاب السياسية وانظم أعضاءها إلى الجبهة يوم العاشر من تشرين الأول العام نفسه والتنظيم العسكري (جيش التحرير الوطني الجزائري) National  Liberation Army في اجتماع لجنة الستة المنعقد يوم السادس والعشرين من تشرين الأول حددت موعد انطلاق الثورة المسلحة  وتقرَّرَ أن يكون يوم الأول من تشرين الثاني يوم اندلاع الثورة في بداية فصل الشتاء  حين يبدأ المطر بالهطول ويصعب تنقل قوات العدو الفرنسي  أمّا التوقيت الزمني في الساعة الواحدة ليلة الأول من تشرين الثاني فلها دلالات لتعريف فرنسا بأن الثورة كان مخططاً لها مسبقاً([27]) .

 ثانياً : اندلاع الثورة الجزائرية عام 1954 م .

      في الساعة الواحدة بعد منتصف ليلة الأول من تشرين الثاني 1954م فوجئ العالم بتفجير الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي والتي استمرت طوال الليل بمختلف مناطق الجزائر منطلقةً من جبال الأوراس وجرجرة([28]) وتلى ذلك صدور بيان قيادة الثـورة الذي عرف ببيان الأول من تشرين الثاني الذي أكد على الاستقلال الوطني وعلى فتح الباب للكفاح المسلح([29]) .

      وضَّح البيان أن الكفاح المسلح هدفه إيصال فكرة الثورة وتدويلها ومنح الجزائر الاستقلال وتحقيق وحدة المغرب العربي ولا مفاوضات مع المستعمر إلا بعد الاعتراف بالسيادة الجزائريـة وصدر باسم جبهـة التحرير الوطني الجزائرية ولم يكن عدد الثوار يزيد علـى (800) مقاتل وأسلحتهم الرشاشـات وبنادق الصيد([30])  .

      ألتفَّ الناس حول تلك الثورة ودعموها بالمساعدة المالية والإعلامية والتحق العديد منهم بجيش التحرير الوطني وقسمت الهجمات في القرى والمدن على شكل الإغارة على مراكز الشرطة ومهاجمة البلديات والثكنات العسكرية الفرنسية وقطع الاتصالات الهاتفية والإغارة على مطارات حلف شمال الأطلسي وغنيمة الأسلحة([31]) .

      بدأت العمليات الحربية في الوقت نفسه وانفجرت في (64) مدينة وقرية في تلك الليلة وحسب الخطة وقد نبهت الأمة الجزائرية فرنسا إلى حقيقة أن الجزائر عازمة على استعادة حريتها([32]) .

      كان لصدى الثورة الوقع الكبير على الفرنسيين  إذ أصدر فرانسوا ميتران([33]) تصريحاً جاء فيه ( أن الجزائر هي فرنسا وبذلك فهي أمة واحدة هذا هو دستورنا وتلك هي إرادتنا )([34]).

      وقد قدَّرت السلطات الفرنسية الخسائر الأولية بما يوازي (200) مليون فرنك فرنسي وعلى الرغم من ذلك فإن القوات الفرنسية لم تعلن ذلك واستهانت بما حدث , ووضح ذلك فـي بيان الحاكم العسكري الفرنسي الذي صدر في الصباح جاء فيه : (( حدث أثناء الليل بمناطق مختلفة من الأراضي الجزائرية وعلى الأخص شرق قسنطينة بمنطقة الأوراس عدة عمليات حربية مختلفة بلغ عددها (30) عملية قامت بها فرق صغيرة من الإرهابيين وقد نتج عنها مقتل ضابط وجنديين في مدينة باتنه وخنشله ))([35]) .

      ردَّت القوات الفرنسية بالمقابل وقامت بعمليات قمع المواطنين المسالمين وشنَّت عمليات إبادة كبيرة على جبال الأوراس وبلاد القبائل واستدعت كثرة العمليات العسكرية للثوار زيارة رئيس الجمهورية الفرنسية إلى الجزائر يوم الثاني من تشرين الثاني كما لجأت السلطات الفرنسية إلى غلق حزب انتصار الحريات الديمقراطية في الخامس من تشرين الثاني 1954([36]) واستخفت فرنسا بالثورة من خلال تصريحات مسؤوليها ونعتوا رجال جيش التحرير (بالفلاقة)([37]) واتهموهم بالعمالة لدول الغير ورميت آلاف المنشورات على مناطق الثوار لاستمالتهم وتهديدهم  ولكن لم يستجب أحد للإنذار الموجه إليهم بل ردوا بعمليات أعنف من السابق([38]) .

      إن من أسباب استمرار الثورة ونجاحها هو انخراط الضباط والجنود الجزائريين العاملين في الجيش الفرنسي من الذين عادوا من الهند الصينية ووضعوا خبراتهم التي اكتسبوها في الحرب بخدمة الثورة ونجحت كذلك بكسب الفلاحين إلى جانبها من خلال توزيع الأراضي عليهم بعد الاستيلاء عليها من كبار الملاكين مقابل مطالبتهم بنصف الحاصل الزراعي لتسد بعض حاجات جيش التحرير من المؤن والغذاء([39]) .

      كانت أعداد القتلى الفرنسيين كبيرة بالنسبة للثوار بينما تصريحات الفرنسيين تقلل من العدد خوفاً من الرأي العام العالمي بحقيقة الأمر وما أن انتهى عام 1954م حتى اشتدت قوة الثورة أكثر مقابل انحدار القوة الفرنسية رغم القمع ومحاولة عزل الشعب عن الثورة([40]) .

      إن مـدى الشموليـة التـي أصبحت بها الثورة أدت بالنهاية إلى إسقاط الحكومة الفرنسية  فـي الجزائر بداية شباط عام 1955م , واستبدل الحـاكم القديـم بحاكم

جديد يدعـى ( جاك سوستيل )([41])Jack Sostil   الذي حاول التقرب من المعمرين وإطلاق سراح قيادة حزب انتصار الحريات الديمقراطية من السجون لتهدئة الأوضاع , وكان هدف تلك السياسة إخماد الثورة والتشكيك بمبادئها([42]) .

      حاول الحاكم الجديد إطلاق إصلاحات في ظل جزائر فرنسية كخطوة أولى نحو الإدماج وهو ما رفضته الثورة ممّا حدا بالفرنسيين إلى تطبيق حالة الطوارئ وعزَّزوا قواتهم بالمظليين وشهد عام 1955م استشهاد عدد من قادة الثورة واعتقال عدد آخر منهم  ووضعت تحت الإقامة الجبرية والرقابة أعداد كبيرة من المناضلين في مناطق مختلفة من الجزائر([43]) .

      كان رد الجبهة على تلك الأساليب من خلال التصريحات المنتقدة لسياسة فرنسا الهمجية آنذاك  أمّا الشعب فقد آزر الثورة من خلال مقاطعة بضائع شركات التبغ والخمر وعَمَّت اضطرابات كبيرة مدن الجزائر كتعبير عن تمسك الشعب بثورته في سبيل إنجاحها كما أن الدول العربية قد ساندت الثورة من خلال الجامعة العربية وأعربت عن موقفها بتأييد ثورة الجزائر من خلال البيانات التي كانت تصدرها([44]) .

      كان التنسيق يجري بين المغرب والجزائر وتونس وكان السلاح والمجاهدون يصل إلى المغرب عن طريق البحر المتوسط  ومن خلال الأراضي المغربية يتم الانتقال إلى الجزائر([45]) وتنقل عبر طرابلس إلى جنوب الجزائر قادمة من مصر وهي أسلحة إنكليزية الصنع وجيكوسلوفاكيا  وكان العمل والتنسيق يتم مع قادة النضال في مصر([46]) .

      شهد العام 1955م تحولاً في تاريخ الجزائر بعد توسيع دائرة عمل الثورة واشتدادها يوم العشرين من آب عام 1955م من خلال خطة مناضلي الثورة والتي وضعت بين حزيران وتموز من العام نفسه  بعـد دراسة عدة أهداف داخلية منها

سياسة الحاكم العام ورفع معنويات المناضلين وكسب تيارات الحركة الوطنية المرتبطة بالأحزاب إلى صفوف الجبهة([47]).

     أمّا أهدافها الخارجية فكانت القضية الجزائرية على وشك أن تعرض لأول مرة أمام أنظار هيئة الأمم المتحدة وينبغي على الثورة أن تعطي الدليل للعالم على قوتها وأهمية أهدافها كما أنه يصادف الذكرى الثانية لنفي ملك المغرب محمد الخامس وأرادت التعبير عن عمق أصالتها تجاه المغرب([48]) .

      شنَّ الثوار هجوماً استهدف (45) موقعاً عسكرياً ومدنياً فرنسياً في وقت واحد وقد طالت المزارع الفردية للمعمرين ومخازن الغلة وقطع المواصلات وقتل (71) شخصاً من المستوطنين وعلى قواعد الفرنسيين مكبدةً إياه خسائر فادحة  وقد ردَّت القوات الفرنسية تعززها الطائرات بإجراءات انتقامية  وثأر المستوطنون الأوربيون لأنفسهم فقد نظَّموا على هيئة حرس غير نظامي  وفتكوا بالأهالي العزَّل([49]) .

      ساهمت أحداث يوم العشرين من آب 1955م على رفع معنويات الثوار قوياً واتسعت عملياتهم الحربية  ونجحت الجبهة في تدويل قضيتها فشاركت في مؤتمر باندونغ كممثل عن الجزائر فحصلت على تأييد الكتلة الأفرو آسيوية([50]) وقدَّمت طلباً إلى مجلس الأمن من أجل إدخال القضية الجزائرية على جدول أعمالها من أجل تدويلها ومع أنَّ الجمعية العامة رفضت مناقشة القضية يوم الثلاثين من أيلول إلا أن ذلك الرفض تم بأغلبية صوت واحد([51]) وهو كسب جديد للثورة .

      شهد نهاية العام الأول من عمر الثورة تفوق القضايا العسكرية على القضايا السياسية كما تزايدت مكانة وأهمية زعماء أعضاء الداخل بالنسبة لأعضاء البعثة الخارجية كونهم متصلين بالجماهير أكثر على الرغم من كثرة تحركات زعماء الخارج ممّا دعا الجبهة إلى تنظيم عملها وترتيب جيشها من خلال الدعوة إلى عقد مؤتمر لكافة الأطراف([52]) .

([1]) مجلة  الدراسات التاريخية ، الجزائر ، العدد  (9) ، 1995 ، ص 28  .

([2]) تقع مدينة سطيف على بعد (300 ) كيلو متر شرق العاصمة الجزائرية  ، وتسمى  عاصمة الهضاب العليا WWW . Google . com .  .

([3]) مدينة قالمة تقع  شمال شرقي الجزائر . WWW . Google . com

([4]) صلاح العقاد, المغرب العربي الجزائر, تونس, المغرب الأقصى  , ص334

([5]) جمال الدين الآلوسي , الجزائر بلد المليون شهيد , بغداد , 1974 , ص20.

([6]) صلاح العقاد , تطور الساسة الفرنسية في الجزائر , القاهرة , 1959 , ص58

([7]) عبد القادر جغلول , تاريخ الجزائر الحديث , ترجمة فيصل عباس , بيروت , 1980 , ص134 .

([8]) إبراهيم شحاته , ميثاق الأمم المتحدة بين النص والتطبيق , مجلـة السياسة الدولية , القاهرة , مجلد (2) , العدد (6) , السنة (2) , 1966 , ص130-137

([9]) فرحات عباس : من الزعماء الجزائريين الذين برزوا في العمل السياسي خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها , ولد يوم الرابع والعشرين من تشرين الأول عام 1899 في سطيف ينتمي إلى أسرة فلاحيه درس الابتدائية في الطاهر والثانوية في جيجل وانتقل إلى العاصمة ونال شهادة الصيدلة منها  أنشأ جمعية الطلبة المسلمين عام 1924 وأشرف عليها حتى عام 1930 شارك كمتطوع خلال الحرب العالمية الثانية مع الجيش الفرنسي  بعدها شكَّل حزب أحباب البيان والحريـة  وبعد مذبحة عـام 1945 أعتقل وأفرج عنه عام 1946  شكَّل حزب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري في سطيف , نزار أحمد المختار , المصدر السابق , ص38 .

([10]) أمحمد مالكي , المصدر السابق , ص 435 .

([11])  المصدر نفسه , ص 436

([12])  بسام العسلي , الصراع على نهج الثورة الجزائرية , بيروت , 1982 , ص46

([13])  للمزيد من التفاصيل حول القانون الأساسي ينظر : صلاح العقاد , تطورات السياسة الفرنسية في الجزائر , ص87-102

([14])  صلاح العقاد , الجزائر المعاصرة , القاهرة , 1983 , ص58

([15])  عزة النص , الوطن العربي الاتجاه والملامح الاقتصادية , سوريا , 1959 , ص49 .

([16]) احمد بن بيلا : سياسي جزائري ورجل دولة ولد عام 1918 في مغنية  بالقرب من  وهران وعمل في تلمسان والتحق  بالخدمة العسكرية  بالجيش الفرنسي واشترك  في المعارك الفرنسية والايطالية في الحرب العالمية الثانية انتخب عضواً في مجلس بلدية  مرنيه عام 1946 ونائباً عن حزب  انتصار الحريات الديمقراطية واشترك بالمنظمة  الخاصة وعين قائداً لمدينة وهران عام 1948 وقبض عليه وحكم بالسجن لمدة  ثماني سنوات عام 1952 واستطاع الفرار من السجن وتوجه إلى  القاهرة  واشترك  في ثورة 1954 واختطفته المخابرات الفرنسية إثناء سفره جواً من المغرب إلى تونس عام 1956  واعتقل لمدة ست سنوات  وأفرج عنه  بعد اتفاقية أيفيان يوم التاسع عشر من  آذار 1962  وتولى رئاسة الجمهورية الجزائرية بعد الاستقلال : روبير ميرل , مذكرات أحمد بن بلة , ترجمـة العفيف الأخضر , بيروت , ط3 , 1967 , ص5 .

([17]) المصدر نفسه , ص 51 .

([18]) جوان غليسبي , الجـزائر الثائرة , ترجمـة خيري حماد , بيروت , 1961 , ص89-99

([19]) مجموعة مؤلفين , المصدر السابق , ص541 .

([20]) جعفر عباس حميدي , تاريخ أفريقيا الحديث والمعاصر , عمان , 2002 , ص182

([21]) إلياس فرح , الوطن العربي بعد الحرب العالمية الثانية , بيروت , 1975 , ص84

([22]) سهاد عبيد , المصدر السابق , ص80

([23]) يحيى بو عزيز , ثورات الجزائر فـي القرنين التاسع عشر والعشرين , الجزائر , 1980 , ص295

([24]) ضم المؤتمر (22) مناضلاً من أبناء الجزائر , المصدر نفسه , ص296 .

([25]) هيفاء أحمد , المصدر السابق  , ص35 .

([26]) جبهة التحرير الوطني : تألفت من عدة أحزاب وشخصيات وتأسست عام 1954  وهي التي أعلنت الثورة الجزائرية في الأول من تشرين الثاني عام 1954 في بيانها الذي تضمن أسباب تكوينها وأهدافها وبرامج عملها عملت الجبهة بعد أن شكلت الحكومة المؤقتة في التاسع عشر من أيلول 1958  واتخذت القاهرة مقراً لها  أصبحت بعد استقلال الجزائر حزباً  أعتمد عليه في نظام الحكم . مصطفى عبد الغني , معجم مصطلحات التاريخ الحديث والمعاصر , القاهرة , 2003 , ص221 .

([27]) أمّا السيد رابح بيطاط فيقول أن اختيار الأول من تشرين الثاني كان يصادف عيد القديسين وفيه يحصل بعض عسكري الجيش الفرنسي على عطلات ليليه وكان أحد أهداف الهجمات علـى أسلحة ترسانات الجيش الفرنسي ولذلك السبب اختير ذلك التاريخ . جريدة اللواء , بيروت , العدد (3150) , 1979

([28]) جبال الأوراس هي كلمة أطلقها رجال القبائل (البربر) الذين يعيشون في الصحراء الكبرى على تلك السلسلة من الجبال الممتدة في الشرق في منطقة مربعة طول ضلعها 65 ميلاً , والمقصود بالأوراس في لغة البربر ( جبال الطين الحمراء ) وتلك الجبال تعد أكبر وأعلى كتلة جبلية في الجزائر وأعلى ارتفاع لها في منطقة تسمى شيلية التي تقع على ارتفاع (2330) متراً عن سطح البحر . جريدة الأنباء , الكويت , العدد (3541),1985

([29]) جلال يحيى , العالم العربي الحديث والمعاصر , الإسكندرية , 2001 , ج3, ص628

([30]) فرحات عباس , الثـورة الجزائرية , ليل الاستعمار , ترجمة وليم خوري , دمشق , 1964 , ص292-296

([31]) مجلة الأنباء , الكويت , العدد (3541) , 1985 .

([32]) جلال يحيى , العالم العربي الحديث والمعاصر , ص628

([33]) فرانسوا ميتران كان يشغل منصب وزير الداخلية الفرنسي آنذاك

([34]) سراب جبّار خورشيد , المصدر السابق , ص138

([35]) جريدة الأنباء , الكويت , العدد (3541) , 1985

([36]) ازغيدي محمد لحسن , المصدر السابق , ص87

([37]) الفلاقة اسم يطلق على قطّاع الطرق

([38]) جريدة الثورة , بغداد , العدد (8334) , 1993

([39]) مجموعة مؤلفين , المصدر السابق , ص542-545 .

([40]) أحمد الخطيب , الثورة الجزائرية دراسة وتاريخ , بيروت , ( د . ت ) , ص88

([41]) جاك سوستيل : سياسـي وأستاذ جامعي فرنسي ولـد عـام 1912 فـي فرنسـا  تقلَّد المناصـب التاليـة رئيس القوات الفرنسية الخاصة في الجزائر بين عامي 1943-1944  حاكـم بوردو عام 1945 وزير الإعلام والمستعمرات 1945-1946  أستاذ علم الاجتماع في معهد الدراسات العليا عام 1951  عضو الجمعية الوطنية للأعوام 1945-1946-1951-1959 الحاكم العام للجزائر 1955-1959 , عبد الوهاب الكيالي كامل الزهيري , المصدر السابق , ص375

([42]) جون جنتر , المصدر السابق , ص211

([43]) يحيى بو عزيز , المصدر السابق , ص306 .

1)) نور الدين حاطوم , المصدر السابق , ص60

([45]) كفاح كاظم الخزعلي , الاتجاهات الوحدوية المعاصرة في المغرب العربي , ص98

([46]) كفاح كاظم الخزعلي , حزب الاستقلال ودوره السياسي في المغرب 1944-1956 , ص246

([47]) صلاح العقاد , المغرب العربي , الجزائر , تونس , المغرب الأقصى , ص438

([48]) المصدر نفسه , ص 439

([49]) جوان غليسبي , المصدر السابق , ص149-150

([50]) الكتلة الأفرو آسيوية : تجمع واسع ضم نحو نصف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة اعتمدت سياسة التشاور والتقارب بين الشعوب والدول في قارتي آسيا وأفريقيا بغية تحقيق التعاون على كافة المستويات , ومكافحة وتأييد حق الشعوب في تقرير مصيـرها , تعزز ذلك التضامن فـي مؤتمر باندونغ عام 1955 فقامت أمانة عامـة للمنظمة هـي منظمة تضامن الشعوب الأفريقية – الآسيوية وعقدت عدة مؤتمرات , عبد الوهاب الكيالي كامل الزهيري , المصدر السابق , ص157

([51]) صلاح العقاد , الجزائر المعاصرة , ص95

([52]) جوان غليسبي , المصدر السابق , ص155

 

مذكـــرة مقدمة لنيــل شهـادة المــاستر في التاريخ العام بعنوان:

إعداد الطالبتان:                                                  إشراف الأستاذ:

حليمة لكبر                                                      أ. عبد الكريم قرين

رزيقة قيدوم

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button