لماذا تتزايد مشكلات الأمم المتحدة في أفريقيا؟

قامت حكومة بوركينا فاسو، في 23 ديسمبر 2022، بطرد الإيطالية “باربرا مانزي” منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة بعد أكثر من عام على تعيينها في أغسطس 2021، واعتبرتها شخصاً غير مرغوب فيه، بعد اتهام وزيرة الخارجية البوركينية “أوليفيا روامبا” لها برسم صورة سلبية عن الوضع الأمني في البلاد، فضلاً عن توصيتها من جانب واحد بسحب بعض موظفي الأمم المتحدة غير الأساسيين من العاصمة واجادوجو، وهو ما اعتبرته الحكومة في بوركينا فاسو تهديداً لمصداقيتها أمام الرأي العام الداخلي، كما أنه يهدد بتراجع المستثمرين الأجانب المحتملين عن ضخ المزيد من الاستثمارات في البلاد؛ الأمر الذي يعكس حجم الأزمة والتحديات التي تواجهها الأمم المتحدة في القارة الأفريقية خلال السنوات الأخيرة؛ ما قد يؤول إلى اتخاذ إجراءات ربما يكون من شأنها تفاقم الأوضاع الأمنية في بعض المناطق الأفريقية المتوترة وانعكاسها على سوء الأوضاع الإنسانية في القارة.

مظاهر التأزم

تجدر الإشارة في البداية إلى أن قارة أفريقيا موطن لست بعثات حفظ سلام من أصل 12 بعثة أممية حالية على مستوى العالم، وهي البعثات التي توجد في دول أفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية ومالي وجنوب السودان والصحراء الغربية ومنطقة أبيي الواقعة بين السودان وجنوب السودان. وتضم أفريقيا أكبر أربع بعثات أممية على مستوى العالم في دول الكونغو الديمقراطية وأفريقيا الوسطى ومالي وجنوب السودان، كما تعد بعثات “تحقيق الاستقرار” الموجودة في دول مالي والكونغو الديمقراطية وأفريقيا الوسطى هي الأكثر تعقيدًا من بين البعثات الموجودة في القارة.

ومع ذلك، يمكن الإشارة إلى أبرز المظاهر التي تعكس تنامي مشكلات الأمم المتحدة في أفريقيا على النحو التالي:

1- تكرار طرد بعض مسؤولي البعثات الأممية: لم تكن حادثة بوركينا فاسو هي الأولى من نوعها، بل سبقتها مالي التي قامت بطرد أوليفييه سالجادو المتحدث باسم بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما)، في يوليو 2022؛ بسبب اتهامه بنشر معلومات مضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي عقب اعتقال السلطات المالية نحو 49 جندياً من ساحل العاج تابعين للبعثة بباماكو بتهمة التجسس.

2- تزايد الممارسات السيئة المتورط فيها بعض أعضاء البعثات الأممية: ارتبط وجود جنود حفظ السلام الأمميين في أفريقيا خلال الفترة الأخيرة بتزايد عمليات الاتجار بالجنس واستغلال الأطفال جنسياً، ومقايضة الجنس مقابل الطعام أو السلع، وانتشار بعض الأمراض مثل فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)؛ فقد واجهت بعض بعثات حفظ السلام الأممية في أفريقيا خلال السنوات الأخيرة اتهامات بمزاعم انتهاكات جنسية ارتكبها بعض أعضائها.

إذ تشير تقديرات إلى نشر الأمم المتحدة نحو 822 ادعاء بسوء السلوك الجنسي للقوات الأممية منذ عام 2010، وكانت الجنسيات التي لديها أكبر عدد من الادعاءات ضدها منذ عام 2015 هي جنوب أفريقيا (56 حالة) والكاميرون (51 حالة) والجابون (37) والكونغو الديمقراطية (34 حالة) والكونغو برازفيل (29 حالة).

كما تعرضت البعثة الأممية في جمهورية أفريقيا الوسطى لسلسلة من الاتهامات بارتكاب انتهاكات جنسية خلال عامي 2014 و2015 بوسط البلاد، وهو ما دفع مجلس الأمن الدولي لتبني قرار في عام 2016 يتعلق بالسماح بإعادة وحدات عسكرية كاملة من قوات حفظ السلام إلى بلدانها إذا ثبت تورط جنودها في مثل هذه الاتهامات؛ لذلك قامت الأمم المتحدة في سبتمبر 2021 بسحب وحدة عسكرية لحفظ السلام من دولة الجابون، يقدر عددها بنحو 450 فرداً من أفريقيا الوسطى، وفتحت تحقيقاً في مزاعم الاعتداء الجنسي على الفتيات هناك.

يأتي ذلك في الوقت الذي أشار فيه تقييم أممي داخلي قد أُجري في عام 2021 إلى أن موظفي حفظ السلام يرون انخفاض مستوى الأخلاقيات والنزاهة، وكذلك المساءلة عن سوء السلوك.

3- تنامي الاحتجاجات المناهضة للقوات الأممية: اندلعت العديد من التظاهرات الرافضة لوجود بعثات حفظ السلام الأممية في عدد من البلدان الأفريقية، مثل الكونغو الديمقراطية ومالي وأفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو؛ حيث دعا المتظاهرون إلى انسحابها من بلدانهم، وهو ما أدى إلى استشعار واشنطن القلق إزاء تنامي السخط الشعبي تجاه بعض هذه البعثات؛ ما دفع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لإجراء زيارة إلى الكونغو الديمقراطية في أغسطس 2022 بعد تصاعد الحديث عن طرد البعثة الأممية من كينشاسا.

وفي مالي، اندلعت احتجاجات شعبية في سبتمبر 2022 مناهضة لبعثة الأمم المتحدة مينوسما؛ حيث وجه المتظاهرون اتهامات للبعثة بتقويض سيادة مالي؛ وذلك في إطار توتر العلاقات بين البعثة والسلطات الحاكمة في باماكو.

4- اتهامات بالتعاون مع التنظيمات الإرهابية: تواجه بعض بعثات حفظ السلام الأممية في أفريقيا اتهامات متعددة بالتواطؤ مع بعض التنظيمات والميليشيات المسلحة؛ فقد أشارت تقارير إلى مزاعم بتورط بعض القوات الأممية في تهريب الأسلحة للتنظيمات الإرهابية بأفريقيا، واستغلال الثروات والموارد الطبيعية هناك. وفي عام 2018، اتهم تقرير دولي بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان UNMISS بإمداد المعارضة بالأسلحة في عام 2013؛ ما أسهم في تفاقم الصراع بجنوب السودان وقتذاك، بينما اعتبرت الأمم المتحدة ذلك ضمن سياسة انتشار المعلومات المضللة في أفريقيا التي تهدف إلى تقويض دورها في حفظ السلام بأفريقيا.

5- الهجمات ضد قواعد بعثات حفظ السلام الأممية: اقتحم المتظاهرون بالكونغو الديمقراطية في يوليو 2022 عدداً من قواعد البعثة الأممية في شرق البلاد؛ ما أسفر عن مقتل 3 من قوات حفظ السلام؛ الأمر الذي دفع جنود البعثة إلى فتح النيران على المدنيين في منطقة كاسيندي الواقعة عند الحدود بين الكونغو الديمقراطية وأوغندا، كما استهدف مسلحون في يوليو 2022 إحدى قواعد بعثة مينوسما بشمال مالي؛ ما دفع بعض الدول المشاركة فيها إلى تعليق أنشطة قواتها بشكل مؤقت.

محفزات رئيسية

تتعدد الأسباب التي تسهم في تطور الوضع المتأزم للأمم المتحدة في أفريقيا، تتمثل أبرزها فيما يلي:

1- التدخل في الشأن الداخلي للبلدان الأفريقية: تتزايد حساسية بعض الحكومات الأفريقية تجاه القوات الأممية، لا سيما فيما يتعلق بنشر تقارير مغلوطة حول الأوضاع الداخلية لدولها، وأحياناً التدخل في بعض سياساتها، وهو ما ترفضه بعض الحكومات، خاصةً مع صعود نخب حاكمة جديدة رافضة للهيمنة الغربية بما في ذلك البعثات الأممية.

2- تسييس دور بعض البعثات الأممية: وهي البعثات التي أدخلت نفسها على خط المنافسة بين القوى الفاعلة في أفريقيا التي أضحت ساحة صراع بينها خلال الفترة الأخيرة؛ ففي منطقة الساحل تنافس روسي فرنسي محتدم خلال الفترة الأخيرة، كما يتصاعد التنافس الأمريكي الصيني على الساحة الأفريقية. وفي ظل حالة الاصطفاف الإقليمي وراء القوى الدولية، أبدت بعض الحكومات الأفريقية – ولو بشكل غير مباشر – رغبتها في انسحاب بعض البعثات الأممية من بلادها.

فقد أشارت بعض التقارير إلى أن حركة Yerewolo التي تنشط في مالي – وهي معروفة بتقاربها ودعمها السلطات الحاكمة هناك، وبمعاداتها للغرب – قد نظمت عدداً من التظاهرات المناهضة للبعثة الأممية وتطالب بمغادرتها البلاد. كما أن الاحتجاجات التي اندلعت في يوليو 2022 بالكونغو الديمقراطية كانت مدفوعة من قبل الحزب الحاكم في البلاد الذي يقوده الرئيس تشيسيكيدي، وهو ما دفع مسؤولي الأمم المتحدة للجزم بأن البعثة الأممية هي ضحية لحملة تضليل منظمة لاتهامها وربما إجبارها على مغادرة البلاد.

3- التباطؤ في عمليات المساءلة القانونية: برغم تزايد الادعاءات ضد بعض قوات حفظ السلام بانتهاكات حقوق الإنسان خلال السنوات الأخيرة، فإن القليل منها أدى إلى ملاحقات قضائية ولم يسفر عنها أي إدانة علنية، لا سيما أن موظفي البعثات الأممية يتمتعون بحصانة من الملاحقة القانونية في البلدان التي يتم نشرهم فيها، على أن تقوم بلدانهم الأصلية بالمساءلة القانونية واتخاذ الإجراءات القانونية.

4- تأليب الرأي العام الأفريقي ضد البعثات الأممية: وذلك نتيجة الاتهامات المتتالية لبعض جنودها بالتورط في انتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات الإعدام خارج نطاق القانون، والتعذيب، والعنف الجنسي، والاعتقال؛ فقد أضحت هناك أزمة ثقة بين المجتمعات المحلية الأفريقية والبعثات الأممية؛ فهي تواجه أزمة شرعية نتيجة ضعف الثقة بقدرة قوات الأمم المتحدة على ضمان الأمن كما هو الحال في شرق الكونغو الديمقراطية.

5- الإخفاق في احتواء الصراعات الأفريقية: هناك فاعلية محدودة للبعثات فيما يتعلق بالتصدي للتهديدات غير التقليدية في بعض المناطق الأفريقية، مثل الإرهاب، وإن كان ذلك لا ينفي بعض النجاحات التي تحققها هذه البعثات؛ فقد كشفت السنوات الأخيرة عن عدم قدرة القوات الأممية على وقف معظم الصراعات والنزاعات في القارة، وعن الفشل في إقناع الأطراف المتصارعة على الجلوس على طاولة المفاوضات لتحقيق السلام.

6- تضاؤل القدرة على مواجهة التنظيمات الإرهابية: وذلك على الرغم من امتلاكها أسلحة تفوق ما تمتلكه تلك التنظيمات؛ ففي الكونغو الديمقراطية، دخلت بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار البلاد في عام 1999 بهدف احتواء تهديدات التنظيمات المسلحة هناك. ومع ذلك لا يزال شرق الكونغو يواجه العديد من التهديدات الإرهابية مع نشاط أكبر لبعض التنظيمات الإرهابية، مثل حركة 23 مارس المتمردة، والقوات الديمقراطية المتحالفة الموالية لتنظيم داعش، وهو ما أدى إلى اندلاع العديد من الاحتجاجات المناهضة للوجود العسكري الأممي في البلاد.

7- إخفاق بعض البعثات الأممية في حماية المدنيين: تتزايد الانتقادات لبعثات حفظ السلام الأممية بسبب عدم قدرتها على حماية المدنيين بأفريقيا؛ حيث تتعرض اثنتان من أكبر بعثات حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية ومالي لانتقادات بسبب عدم وفائها بالتزاماتها تجاه المدنيين، وهو ما أفضى إلى تفاقم السخط الشعبي إزاء أصحاب القبعة الزرقاء المنوط بهم حماية السكان الضعفاء في البلدان الأفريقية بدلاً من التورط في مزيد من الانتهاكات بحقهم؛ فقد تقاعست قوات حفظ السلام عن التصدي للهجمات الإرهابية على بعض مخيمات اللاجئين في عدد من البلدان الأفريقية، مثل السودان وأفريقيا الوسطى.

8- تهديد بعض القوى الأوروبية بالانسحاب من بعثات أممية: أعلنت بعض الدول الأوروبية مؤخراً سحب قواتها من بعثة الأمم المتحدة في مالي (مينوسما) مثل بريطانيا وألمانيا؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الأمنية في البلاد والمنطقة، بالإضافة إلى تنامي معضلة التمويل المادي الذي ربما يعرقل مهام البعثة الأممية هناك خلال الفترة المقبلة.

بيئة ضاغطة

تحمل حالة الجدل حول دور بعثات الأمم المتحدة بأفريقيا العديد من التداعيات المحتملة في الساحة الأفريقية؛ فقد تؤدي إلى فقدها الشرعية في نظر الأفارقة نتيجة المزاعم بتآكل المبادئ الأساسية للأمم المتحدة في مجال حفظ السلام بأفريقيا، وهو ما قد يعزز تزايد الرفض الشعبي لها في البلدان التي توجد فيها، لا سيما أن الأمم المتحدة لم تتخذ أي قرارات صارمة بشأن المساءلة القانونية حول انتهاكات حقوق الإنسان منذ بداية الألفية الجديدة ووقفها فوراً، كما أن هذه البعثات قد أخفقت في تبديد مخاوف الأفارقة، بما في ذلك حمايتهم من التهديدات الأمنية، واحتواء النزاعات والصراعات المستمرة في القارة، وهو ما قد يصعب استمرار هذه البعثات خلال الفترة المقبلة.

وإن كان انسحابها ربما يولد فراغاً أمنياً بالنسبة للبلدان الأفريقية قد تستغله التنظيمات الإرهابية في تعزيز نفوذها وزيادة رقعة سيطرتها الجغرافية. وربما يدفع ذلك أفريقيا لزيادة الاعتماد على البعثات الإقليمية كما هو الحال في بعثة أتميس بالصومال، إعلاءً لمبدأ الحلول الأفريقية للمشكلات الأفريقية، مع تأمين توفير التمويل الدولي لتلك البعثات والتدريب لقواتها؛ لتعزيز قدراتها تجاه حفظ السلام في المناطق الساخنة بالقارة، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك بعض قصص النجاح – ولو بشكل نسبي – لبعض البعثات الأممية في أفريقيا مثل دول ليبيريا وناميبيا وسيراليون خلال السنوات الماضية.

وإجمالاً، ربما تواجه بعثات الأمم المتحدة في أفريقيا بعض التحديات التي قد تشكل بيئة ضاغطة عليها خلال الفترة المقبلة، لكن من المرجح أن تستمر تلك البعثات في أداء مهامها بالقارة في ضوء التهديدات الأمنية التي تواجهها بعض الدول الأفريقية مع تزايد النشاط الإرهابي هناك، وإن كان الأمر يتطلب إجراء بعض الإصلاحات التي تقوم بها الأمم المتحدة، وعلى رأسها الشفافية والمساءلة القانونية لجميع الانتهاكات التي ترتكب من بعض موظفي الأمم المتحدة بأفريقيا بهدف تغيير الصورة الذهنية تجاه هذه البعثات في العقل الجمعي الأفريقي خلال المرحلة المقبلة.

mohamed basyoni – إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى