تعرف الفيزواستراتيجية بذلك المنهج الذي يسخر النظريات الفيزيائية من اجل تنفيذ وتفنيد الاهداف و الروئ الاستراتيجية الشاملة للدول، فبدون ادنى شك ان مستويات التفاعلات الدولية في البيئة الاستراتيجية بشكل عام وفي البيئة الاستراتيجية للمنطقة الشرق الأوسط أضحت تشكل مستويات عاليا من التعقيد على المستوى التفسير والتخمين، هو ما دفع بالقفز من مستويات التنظير والتفسيري لسلوكيات الدول لتصل الى الاستدانة من حقول علم الفيزياء النظرية خصوصاً تلك التي تتعلق بتفسير التفاعلات المضطربة (الفعل ونقيضه) من خلال تسخير بعض القواعد والقوانين لأجل وضع مسلمات تفسيرية خصوصا تلك التي تتعلق بتوصيفات البيئة ومستويات الفوضى المنضبطة، وبالتالي أمست الفيزواستراتجية تمثل منهج تفسيري جديد لمنشطرات العلاقات الدولية المتخبطة، والتي كانت وما زلت تشكل حقل ديناميكي يصعب التكهن به ذلك لكثافة التفاعلات ( سرعة_تغيير_اندفاع) ولعجز النظري الذي بات يعصف بالمسلمات النظرية للعلوم الاستراتيجية والسياسية، ومن اجل ديمومة التطور الذي حل بمستويات الدينامية الدولية اقتضت الضرورة البحثية والتنظيرية اندفاع علم الاستراتيجية نحو القفز على المسلمات العلوم الإنسانية والمجردة، من لأجل تهجين وموائمة هذين الحقلين بما يحقق مرتكزات تنظيرية أولية لحقل الفيزواستراتيجية.
بالتأكيد باتت منطقة الشرق الأوسط تعاني من ديناميكية عالية من الاستجابة للتفاعلات الدولية، خصوصاً تلك التفاعلات التي لها انعكاسات سلبية على شكل الانضباط الأمني في المنطقة، وبالتالي انصهرت مخرجات تلك التفاعلات في رؤية تفسيرية اقتضتها الضرورة الملحة لتبلج لنا حقل تفسيري انحصر في دائرة الفيزواستراتيجية والتي باتت تمثل حقل تفسيري لحركات التضارب ووالانفكاك الاستراتيجي الذي بدا يطغى على البيئة التفاعلية في الشرق الأوسط، لا سيما ان الرؤى الاستراتيجية امست أكثر التصاقا بحقل الفيزواستراتيجية التفسيرية.
وانطلاقاً من قاعدة الجذب والاستجابة للمحفزات الفيزواستراتجيية، اصبحت منطقة الشرق الأوسط اكثر مناطق العالم تمتلك خاصية الجذب التفاعلي والتفاضلي للقوى الكبرى، والتي باتت تفاعلاتها المضطربة تشغل البيئة التوازنية والأمنية في المنطقة، فضلاً على ان قوى الجذب للمنطقة والتي هي نابعة من منطلقات الإمكانات الجيوبولتوكية والتي دفعت هي الأخرى القوى الجيواقليمية بان تصهر تفاعلاتها مع القوى الجيواستراتيجية لتشكل جزئيات التلاحم الاستراتيجي والذي يأخذ تلاحم ( تصارعي_ مصلحي) لا يتسم بالديمومة غالباً.
كما ان محدد الكمية حاضر في البيئة الاستراتيجية الإقليمية، خصوصاً ان هذا المحدد هو ثابت ارتكازي للفيزواستراتيجية والتي تعتمد على المستويات العامودية والافقية لقاعدة التفاعلات الدولية ( صراع_انسجام)، فمنطقة الشرق الأوسط باتت تعاني من كمية كبيرة جدا من مدخلات التفاعلات بكل اشكالها والتي مثلت ثابت الكمي ارهق بنية التوازن الإقليمي، لذى مثل الثابت الكمي للتفاعلات الدولية منطق تفسيري وتنظيري للفيزواستراتيجية الإقليمية.
لذا، فان الفيزواستراتيجية والتي بدأت تطغى على مستويات التفاعلات القوى الجيواقليمية والجيواستراتيجية، حيث سخرت هذه القوى بعض المرتكزات الفيزواسترتاجية لأجل ادامة زخم تأثريها الاستراتيجي في المنطقة، فالقوى الإقليمية استجابة لهذه المتغيرات بقصد او بدون قصد من خلال مبدا الكثافة في حجم الزخم الاستراتيجي في الدائرة الإقليمية الضيقة والواسعة فضلا عن سرعة الاستجابة للمتغيرات الدولية والإقليمية بنفس مستوى التأثير والتأثر.
ووفق لنظرية (شرودنجر) والتي تفسر دائرة النظام والتوازن الفيزواستراتيجية تمثل منطقة الشرق الأوسط بيئة لينة لمتغيرات النظام والتوازن، خصوصاً بعد موجه الحروب والتنافرات الإقليمية التي عصفت بالمنطقة، خصوصا بعد احداث 11 سبتمبر وتداعياتها الاستراتيجية، لذى مثلت الاستجابة المفرطة لمتغير التوازن ضرورة استراتيجية لكن هذه الضرورة تقتضي تنازلات بينية وهو ما تسلكه بعض القوى الإقليمية كتركيا مثلاً خصوصاً بعد توجهاتها نحو روسيا وهي بالتالي شكلت بيئة مستجابة للتلاحمات الاستراتيجية بين تركيا وايران وروسيا.
كما تسلك الفيزواسترتاجية الإقليمية نظرية (التشابك الكلي واللامركزي) والتي تتثمل في سلسلة من التنافرات التصارعية بين القوى الإقليمية والدولية المتنافرة في المنطقة، والتي باتت مضطربة بالتوجهات، حيث عرفت المنطقة تناقضات تمحورت حول الكل ضد اكل والكل ضد البعض وهي نتيجة طبيعية لنظرية الفوضى والانفكاك الفيزواستراتيجي.
ووفقاً لنظرية (لهابزنبرج) والتي تحاول الفيزواستراتحيية ان توظب قوانينها من اجل تذليل المدخلات الا يقينية والوصول الى عنصر القين التفسيري النسبي للتفاعلات الدولية في المنطقة، فالبيئة الاستراتيجية في المنطقة تسلك منحنيين يتمثل الأول بمنضبط التفاعلات هذا النوع الذي يمكن التنبؤ به بسبب وضوح مسارات ومسارك الأداء الاستراتيجي له، اما الثاني صعب التنبؤ والتكهن فهو بعيد عن منطلقات الانضباط الاستراتيجية نتيجة البعد الارتدادي للأداء الاستراتيجي في ( الفعل_ رد الفعل)، بالإضافة الى اتباع الاستراتيجية العائمة والتي تتأثر بتأرجح المدخلات الخارجية في الدائرة الإقليمية، ومن هنا يمكن الارتقاء بمنهجية الثيواستراتيجية من اجل تعضيد الرؤية التفسيرية في حقل التفاعلات الإقليمية المضطربة .
يقلم علي زياد العلي
باحث متخصص في الشؤون الدولية والاستراتيجية