التنافس الإقليمي والدولي في القارة السمراء: القرن الإفريقي نموذجاً

تكتسب القارة الإفريقية عموماً بعداً استراتيجياً متميزاً ومتزايداً في السنوات القليلة الماضية على الصعيدين الإقليمي والدولي، رغم عقود التهميش والإبعاد والصراع الذي عانت منه بعد رحيل الاستعمار الأوروبي في منتصف وأواخر القرن العشرين. ودفعت الأهمية البالغة التي تتمتع بها القارة القوى الدولية (الصين والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والاتحاد الأوروبي وإسرائيل) إلى الدخول في حلبة التنافس لتحقيق مصالحها وجني أكبر قدر ممكن من المكاسب.

تعد القارة الإفريقية ثاني أكبر قارات العالم بعد آسيا، وتبلغ مساحتها حوالي 30 مليون كيلومتر مربع تشكل ما نسبته قرابة الـ 20 في المائة من مساحة اليابسة في الكرة الأرضية. وتضم إفريقيا حوالي (800) مليون نسمة تمثل قرابة (15 في المائة) من مجمل سكان الكرة الأرضية، وتتمتع بثروات طبيعية وموارد ضخمة.

تعتبر الصين واحداً من أهم الشركاء التجاريين لدول القرن الإفريقي

وتكتسب القارة الإفريقية أهميتها من كونها تشكل خزان العالم الاستراتيجي من الموارد الطبيعية والمواد الأولية والأحجار النفسية التي يشتد الضغط عليها في ظل التنافس الشديد بين كبرى الدول المستهلكة لهذه الموارد إثر ازدياد الطلب العالمي وتقلص نسبة الاحتياطيات العالمية ومعدلات الإنتاج في أماكن ومناطق أخرى من العالم، ومن الموارد التي تتمتع بها: النفط والغاز والموارد الطبيعية والأولية والمياه.   

أما منطقة القرن الإفريقي فهي شبه جزيرة تقع في شرق إفريقيا في المنطقة الواقعة على رأس مضيق باب المندب من الساحل الإفريقي، ويحدها المحيط الهندي جنوباً، والبحر الأحمر شمالاً، وتقع فيها حالياً جيبوتي والصومال وإريتريا وتجاورها كينيا وأثيوبيا وتتحكم في مضيق باب المندب.

وبخلاف التعريف الجغرافي الضيق للمنطقة، فهناك تعريفات أخرى سياسية تضيف للدول الأربع سالفة الذكر دولاً أخرى مثل السودان، وكينيا، وأوغندا، وتنزانيا وغيرها.

والقرن الإفريقي منطقة استراتيجية بالنسبة لقارتي آسيا وإفريقيا، فهو يضم مضيق باب المندب، المضيق الذي يفصل بين البحر الأحمر من ناحية والمحيط الهندي وخليج عدن وبحر العرب من ناحية أخرى. وتقدر مساحة القرن الإفريقي بمليوني كيلومتر مربع، ويسكنه نحو (90) مليون نسمة. ورغم أهمية هذه المنطقة إلا أنها تعاني حالياً من أزمة مجاعة وجفاف خطيرتين، وتعاني من مشكلات، بعضها ترجع جذوره إلى مرحلة الحرب الباردة -وربما أبعد من ذلك- وبعضها الآخر ظهر بشكل واضح خلال فترة ما بعد الحرب الباردة.

الأهمية الاستراتيجية للقرن الإفريقي:

تبرز القيمة الجيوسياسية لإقليم القرن الإفريقي من إشرافه على بحر العرب والبحر الأحمر والمحيط الهندي أولاً، واشتراكه مع اليمن في الإطلالة المباشرة على خليج عدن، ومضيق باب المندب. وثانياً من المساحة البرية، التي تمثل هي الأخرى نقطة الانطلاق من المياه الدافئة إلى البر، وصولاً إلى قلب إفريقيا، الأمر الذي يتحقق بفضله الترابط بين البر والبحر معاً. وهذا ما يفسر تاريخ الصراعات الاستعمارية المحتدمة حول المنطقة منذ قرون طويلة بهدف السيطرة عليها، ما جعل منطقة القرن الإفريقي منذ القدم وحتى اليوم تحت رحمة المتنافسين.

ولعل العامل الثابت للتنافس الدولي أو الصراع على القرن الإفريقي هو الاستعمار الأوروبي الذي كان على الدوام المحرك الرئيسي لتكالب وتعاقب المصالح على دول القرن الإفريقي، بحيث ساهم عبر احتلاله المتواصل لأراضي وشعوب هذه المنطقة في إيجاد أوضاع هشة ومتفجرة في غالبية دول القرن الإفريقي.

ورغم المشكلات المختلفة التي تعاني منهاالمنطقة، إلا أنها حظيت باهتمام كبير من جانب القوى الفاعلة في النظام الدولي، سواء خلال فترة الحرب الباردة أو ما بعدها، ولعل ذلك يعود إلى تحكم المنطقة في طرق التجارة الدولية وطرق نقل النفط من الخليج العربي إلى أوروبا الغربية والولايات المتحدة، كما تشتمل المنطقة على غالبية دول حوض نهر النيل، ومن ثم فهي تتحكم في منابع نهر النيل.

اهتمت الولايات المتحدة بمنطقة القرن الإفريقي بشكل كبير في وقت متأخر

وكان لاكتشاف النفط داخل المنطقة دور في زيادة الاهتمام الدولي بها؛ حيث تم اكتشاف أول حقل نفطي في السودان في عام 1979، ونتيجة للصراع الداخلي في السودان انسحبت الشركات العاملة في مجال استخراج النفط من السودان. ومع بداية التسعينات من القرن الماضي عادت بعض شركات النفط إلى السودان، ولم يعد التنقيب على النفط قاصراً على الجنوب السوداني، لكن بدأ أيضاً في الشمال والشمال الغربي وحوض النيل الأزرق.

كما أن قرب القرن الإفريقي من مصادر النفط في الخليج العربيهو ما دفع الولايات المتحدة والدول الغربية إلى محاولة الدفاع عن هذه المصادر وتأمين الوصول إليها. ولعل من أبرز الأدوات التي استخدمت في ذلك إقامة القواعد العسكرية وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع دول المنطقة. ويمكن أن نشير هنا إلى القواعد التي أقيمت في جزر دهلك وحالب وكاجينو الأرتيرية.

نماذج التنافس الاقليمي والدولي:

يتصاعد اليوم الاهتمام الدولي والإقليمي بمنطقة القرن الإفريقي بصورة ملحوظة وفق منظورات جديدة، تتجاوز أهمية هذه المنطقة الجغرافية باعتبارها منطقة ربط للتجارة الدولية وتشرف على مناطق إنتاج ونقل النفط، لتعكس حقيقة سياسات الهيمنة والنفوذ النظام الدولي الجديد التي وضعت بعد نهاية الحرب الباردة. لهذا، أعادت الولايات المتحدة صياغة تصوراتها حول منطقة القرن الإفريقي من الناحية الجيواستراتيجية، بمفهوم لا يلغي الميزات القديمة وإنما يضيف إليها أبعاداً وموضوعات متعدية لحدود التعريفات التقليدية، فتم في هذا السياق إعادة تشكيل مصطلح القرن الإفريقي الكبير ليعبر عن المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية والاستراتيجية للدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة.

وقد اجتذبت صراعات المصالح قوى دولية أخرى على رأسها الصين، وروسيا، وإيران، والهند، واليابان، بالإضافة إلى القوى الغربية ذات المصالح التقليدية، وإسرائيل. كما أسهمت حدة التنافس الدولي على الثروة والنفوذ وكثرة اللاعبين الدوليين وانهيار الدولة الصومالية ومستجدات الإرهاب والقرصنة، في إضفاء مزيد من الإشكاليات على مجمل التعقيدات التي تعتري منطقة القرن الإفريقي.

نفوذ الولايات المتحدة في القرن الإفريقي:

اهتمت الولايات المتحدة بمنطقة القرن الإفريقي بشكل كبير في وقت متأخر، وكان ذلك راجعاً إلى اعتبارات عدة من بينها اكتشاف النفطداخل المنطقة؛ حيث تشير التوقعات إلى زيادة نسبة واردات النفط الأمريكية من إفريقيا جنوب الصحراء لتصل إلى (25 في المائة) من إجمالي واردات الولايات المتحدة من النفط على مستوى العالم بحلول عام 2015، ومن ثم وجهت شركات النفط الأمريكية أنظارها صوب النفط السوداني.

وتعتبر منطقة القرن الإفريقي سوقاً للمنتجات الأمريكية أكثر من كونها مصدراً للمواد الخام والمنتجات ذات الطلب الأمريكي، فرغم تدني قيمة الصادراتوالواردات الأمريكية للمنطقة، إلا أن نسبة الصادرات الأمريكية إليها تبلغ (14 في المائة) من إجمالي صادرات الولايات المتحدة إلى إفريقيا جنوب الصحراء.

وكان الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في أواخر عام 1994 قد أعلن مبادرة رئاسية أطلق عليها مبادرة القرن الإفريقي الكبير، وقدمت المبادرة مفهوماً موسعاً للمنطقة باعتبارها تضم عشر دول. وكانت المبادرة تسعى إلى تحقيق هدفين رئيسيين هما: زيادة قدرات المنطقة في مجال منع وإدارة الأزمات وحل الصراعات، وتحسين حالة الأمن الغذائي.

ولم تنجح المبادرة في تحقيق أهدافهاالمعلنة، فظلت المنطقة تعاني من عدم الاستقرار السياسي والصراعات بمختلف أنواعها وتردي الأوضاع الإنسانية ومشكلات الأمن الغذائي،ولقد أثرت الأوضاع السائدة داخل منطقةالقرن الإفريقي سلباً في المصالح الأمريكية، فقد تم تفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي (كينيا) ودار السلام (تنزانيا) في السابع من أغسطس 1998. وفي أعقاب هذه التفجيرات قامت الولايات المتحدة بضرب مصنع الشفاء للأدوية في السودان بدعوى أنهيُستخدم في تصنيع أسلحة كيماوية لصالح أسامة بن لادن والنظام الحاكم في السودان، وثبت بعد ذلك خطأ هذه المزاعم الأمريكية.

وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، شنت الولايات المتحدة حرباً ضارية على الإرهاب، وأعلن مسؤولون أمريكيون أن الصومال والسودان واليمن تقع على قمة المرحلة الثانية للحرب الأمريكية على الإرهاب، وذلك بدعوى أنها وفرت الملجأ لفلول تنظيم القاعدة الفارين من أفغانستان.

وفي إطار هذه الحرب، قامت الولايات المتحدة بإنشاء قاعدة عسكرية جديدة في جيبوتي، ويبلغ حجم القوات الأمريكية في تلك القاعدة نحو 1800 جندي،وفي يونيو 2003 طرحت الإدارة الأمريكية مبادرة مكافحة الإرهاب في شرق إفريقيا، وأكدت المبادرة مركزية منطقة القرن الإفريقي في سياسات إدارة جورج بوش الرامية إلى محاربة الإرهاب.

وفي فبراير 2007م قرر الرئيس السابق بوش إنشاء (أفريكوم) مقر القيادة الإفريقية-الأمريكية لمواجهة الإرهاب لتتولى عدة مهام على مستوى القارة الإفريقية ككل، باستثناءمصر، وانطلق في أكتوبر 2008 النشاط الفعلي لـ(القيادة الإفريقية) لتكون القارة الإفريقية دائرة حركتها التدريبية واللوجستية والهجومية. وتقوم (أفريكوم) بمتابعة تنفيذ البرامج المتعلقة بالأمن والاستقرار في القارة الإفريقية التي كانت وزارة الخارجية تُشرف على تنفيذها.

مصطلح القرن الإفريقي الكبير تمت إعادة صياغته ليعبر عن مصالح الدول الغربية

بيد أن ضعف حماسة دول القرن الإفريقي لاستضافة مقر القيادة الإفريقية وارتفاع تكلفة التدخل العسكري في المنطقة، غيرا –نسبياً- من الرؤية الأمريكية حيال الأزمات والصراعات، التي تعاني منها المنطقة، ما دفعها للتركيز على المدخل السياسي والعسكري خدمة لمصالحها الحيوية، ليس في القرن الإفريقي فحسب، وإنما في كامل إفريقيا. فقد صارت واشنطن تتجاوز منطق السياسة والدبلوماسية، وتستهدف، بإجراءات عملية، إنشاء بنيات تحتية تستفيد منها شركات التعدين، والصناعات العسكرية، وخاصة النفط، الذي تعمل على الانفراد به باعتباره البديل عن نفط الخليج العربي وبحر قزوين المهدد بالنضوب وعوامل الاضطراب السياسي.

وتمثل إطلالة القرن الإفريقي على منطقة الشرق الأوسط ومداخله البحرية حافزاً مهماً للمشروع الأمريكي، فهي تسعى منذ أمد بعيد إلى إعادة ترتيب المنطقة بما ينسجم مع مصالحها الاستراتيجية، بما في ذلك أمن الكيان الصهيوني في إسرائيل. وما إنشاؤها لقوة (أفريكوم)، إلا تأكيد على هذا المنحى، وليس مجرد انعطافة على صعيد الاهتمام الأمريكي بإفريقيا عموماً والقرن الإفريقي خاصة.

 المصالح الصينية المتشابكة:

تنظر الصين إلى إفريقيا على أنها خزان استراتيجي للموارد الأولية والطبيعية في العالم، وهو ما يعطيها القدرة على تلبية حاجاتها المتزايدة من هذه المواد وبالتالي الحفاظ على النمو الاقتصادي للبلاد والصعود الجيوسياسي على المستويين الإقليمي والدولي.

وعملت الصين على وضع هذه الاستراتيجية –خاصة في منطقة القرن الإفريقي- موضع التنفيذ منذ عام 1996، لكن الثمرة الحقيقية للمجهود الصيني بدأت تظهر منذ انعقاد المنتدى الصيني- الإفريقي في عام 2000، والذي أرسى أسساً متينة للعلاقة بين الطرفين لاسيما في المجال الاقتصادي والتجاري وفي جوانب أخرى سياسية وحتى عسكرية.

وشكل عام 2006 مرحلة تقييمية للمنجزات المحققة، وكان النجاح باهراً، إذ شهد هذا العام قمة إفريقية- صينية حضرها رؤساء 43 دولة إفريقية وممثلون عن 5 دول أخرى، الأمر الذي أعطى مؤشراً على مدى أهمية وثقل الدور الصيني في إفريقيا، كما أعطى مؤشراً آخر عن مدى ثقة الدول الإفريقية بهذا الدور المتنامي لبكين خاصة أنها لا تسعى إلى هيمنة سياسية ولا تمتلك نزعة استعمارية وهو ما يعني أنها ماضية في اتجاهها الصحيح في القارة الإفريقية، وأن دورها سيتعاظم مستقبلاً.

وتحصل الصين اليوم على (25 في المائة) من إجمالي وارداتها النفطية من القارة الإفريقية. وبعد اكتشاف النفط داخل السودان دخلت الصين وبقوة في مجال استخراج وإنتاج النفط السوداني، ففي عام 1996م حصلت شركة النفط الوطنية الصينية (CNPC) على (40 في المائة) من أسهم شركة نفط النيل الأعظم السودانية (GNPOC).

وأصبحت الصين أكبر منتج ومستورد للنفط السوداني؛ حيث تحصل الصين على حوالي 7 في المائة من إجمالي وارداتها النفطية من السودان بمفردها، ولم يقتصر التعاون الصيني-السوداني على قطاع النفط فقط، بل شمل أيضاً مجالات أخرى مثل إنشاء محطات لتوليد الكهرباء، وتمويل بعض مشروعات إقامة سدود (مثل سد كاجبار)، وإنشاء خطوط أنابيب لنقل المياه من النيل إلى بورسودان. وبلغ حجم الاستثمارات الصينية في السودان نحو أربعةمليارات دولار، وتعتبر الصين أكبر مستثمر أجنبي في السودان.

وتعتبر الصين واحداً من أهم الشركاء التجاريين لدول القرن الإفريقي. وتدخل السودان وكينيا ضمن أكبر عشرة أسواق إفريقية تستوعب الصادرات الصينية للقارة، وكذلك تحتل السودان المرتبة الثالثة ضمن أكبر عشر دول إفريقية مصدرة للصين.

وشجعت الصين محاولات تحقيق تنمية اقتصادية داخل منطقة القرن الإفريقي، وذلك من خلال تقديم قروض منخفضة الفائدة، وإعفاء بعض الدول من الديون، ووضع تعريفات جمركية تفصيلية، وإقامة مشروعات لتحسين البنية الأساسية مثل الطرق والجسور ومحطات المياه والكهرباء وشبكات الري والاتصالات.

وعلى الجانب الآخر، كانت الصين مصدراًمهماً للأسلحة التي حصلت عليها بعض دول القرن الإفريقي مثل الصومال، وإريتريا، وإثيوبيا. ووفقاً لبعض الإحصاءات فقد وصلت قيمة الأسلحة التي حصلت عليها إثيوبيا وإريتريا من الصين خلال فترة الحرب الحدودية بينهما (من عام 1998 وحتى 2000) نحو مليار دولار، وكان ذلك تجاوزاً للحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على مبيعات السلاح للطرفين.

النفوذ الأوروبي في القرن الإفريقي:

رغم أن بعض الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا، تعتبر صاحبة نفوذ تقليدي داخل منطقة القرن الإفريقي، إلا أن الأمر في الآونة الأخيرة بعد عملية الاندماج الأوروبي لم يعد قاصراً على دور دول بمفردها، وإنما أصبح هناك دور جديد للاتحاد الأوروبي باعتباره قوة دولية لا يمكن إغفالها.

ويعتبر الاتحاد الأوروبي شريكاً تجارياً رئيسياً لكثير من دول المنطقة، ووفقاً لرؤية مفوضية الاتحاد الأوروبي فإن أوضاع عدم الاستقرار التي شهدتها منطقة القرن الإفريقي أثرت سلباً في العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي ودول المنطقة، وكذلك فإن عمليات الهجرة غير الشرعية وتدفق اللاجئين وتهريب الأسلحة الصغيرة داخل المنطقة ولدت تهديدات مختلفة قد يصل مداها إلى الاتحاد الأوروبي ذاته.

واستناداً إلى هذه الرؤية، طرحت مفوضية الاتحاد الأوروبي في عام 2006 استراتيجية للسلم والأمن والتنمية في القرن الإفريقي، وركزت الاستراتيجية على التعاون مع منظمة (الإيقاد) عبر رؤية مشتركة وخطة تنفيذية تركز على ثلاثة ميادين هي: السلم والأمن، والأمن الغذائي، والتطوير المؤسسي. وكذلك تضمنت الاستراتيجية التدخل الفعال من جانب الاتحاد الأوروبي في القرن الإفريقي لدعم وبناء القدرات الإفريقية في مجال منع الصراع، والوساطة، ونشر قوات حفظ سلام، وعمليات مراقبة وقف إطلاق النار، وإنشاء الفرقة العسكرية للتدخل السريع في شرق إفريقيا كجزء من قوات الانتشار السريع الإفريقية.

ويقوم الاتحاد الأوروبي في هذا الإطار ببناء قدرات مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي،وبالفعل قام الاتحاد الأوروبي بأدوار مختلفة لإحلال السلم داخل القرن الإفريقي؛ ففي أثناء الحرب الحدودية الإريترية-الإثيوبيةأرسل الاتحاد الأوروبي وفداً ثلاثياً إلى أديس أبابا، ضم ممثلين من ألمانيا والنمسا وفنلندا، وكانت مهمة الوفد محاولة القيام بجهود وساطة لوضع حد للحرب الدائرة بين البلدين.

وكذلك ساند الاتحاد الأوروبي مبادرة (الإيقاد) لإحلال السلام في السودان، وقدمت المفوضية الأوروبية (عام 2004) من خلال آليتها للرد السريع (RAM) نحو(1.5) مليون يورو لدعم عملية السلام التي تقودها (الإيقاد) في السودان.

التغلغل الإسرائيلي في القرن الإفريقي:

يرجع التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا عموماً والقرن الإفريقي خصوصاً إلى منتصف القرن الماضي، بعد أن استخدمت إسرائيل العديد من الوسائل لتحقيق أهدافها وعلى رأسها ما يسمى (القوة الناعمة).

وشهدت العلاقات الإسرائيلية-الإفريقية ولا سيما غير العربية منها تحولات فارقة خلال الخمسين عاماً الماضية. وربما تعزى تلك التحولات إلى تغير الاهتمامات وترتيب أولويات السياسة الخارجية الإسرائيلية، فضلاً عن تطور ديناميات النظام الدولي.

فالعصر الذهبي للتغلغل الإسرائيلي في إفريقيا والذي شمل عقد الستينات سرعان ما شهد نهاية حاسمة له بعد حرب أكتوبر 1973 وقيام الدول الإفريقية بقطع علاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل. وقد حاولت الدبلوماسية الإسرائيلية إعادة وصل ما انقطع مع إفريقيا خلال فترة الثمانينات وقد تحقق لها ما أرادت بعد توقيع اتفاقات أوسلو عام 1993.

وعلى الرغم من عودة الروح للعلاقات الإسرائيلية-الإفريقية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة إلا أن مكانة إفريقيا شهدت تراجعاً في أولويات التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي. بيد أن ظهور بعض التهديدات الأمنية على الساحة الإفريقية ولا سيما في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر، وحدوث نوع من التكالب الاستعماري الجديد على موارد وثروات إفريقيا الطبيعية، قد دفعا القيادة الإسرائيلية إلى إعادة التأكيد مرة أخرى على محورية إفريقيا في عملية صياغة السياسة الخارجية الإسرائيلية.

ويمكن القول إجمالاً إن السياسة الإسرائيلية تجاه إفريقيا حكمتها منذ البداية مجموعة من الاعتبارات والأهداف العامة، لعل من أبرزها: الاعتبار السياسي، حيث تمثل إفريقيا قوة تصويتية كبرى في المحافل الدولية ولا سيما الأمم المتحدة، وهو ما يعني أن بمقدور الأفارقة إحداث تغيير هائل في السياسات الرامية لفرض العزلة الدولية على إسرائيل. بيد أن ثمة اعتبارات استراتيجية تمثلت في حاجة إسرائيل إلى كسر حاجز العزلة التي فرضتها عليها الدول العربية من خلال إقامة شبكة من التحالفات مع دول الجوار غير العربية ولا سيما في منطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا.

ولم تكن الاعتبارات الاقتصادية ببعيدة عن تفكير صانع القرار الإسرائيلي، فإفريقيا غنية بمواردها وثرواتها الطبيعية، كما أنها تعد سوقاً محتملة للمنتجات الإسرائيلية.

وفي بداية التسعينات من القرن الماضي تمت إعادة تأسيس العلاقات بين إسرائيل وإفريقيا مرة أخرى وبصورة أقوى بفضل توقيع اتفاقات أوسلو ومعاهدة السلام الإسرائيلية الأردنية وهو ما يعني إزالة كافة العقبات التي كانت تعترض العلاقات الإسرائيلية-الإفريقية.

واللافت أن دولاً إفريقية جديدة لم تكن لها علاقات من قبل مع الكيان الإسرائيلي قد أضيفت إلى القائمة، مثل زيمبابوي ونامبيا وإريتريا وموريتانيا. ومن المثير للدهشة أن رد الفعل الإسرائيلي على هذه العودة الإسرائيلية المتسارعة اتسم بالفتور الشديد وعدم الحماسة.

ويلاحظ أن إفريقيا في معظم سنوات هذه المرحلة عانت من التهميش وعدم النظر إليها بحسبانها أولوية كبرى في السياسة الخارجية الإسرائيلية وحتى في التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي، حيث ظهر جيل جديد من الإسرائيليين لا يبالون كثيراً بواقع الأفارقة وأزماتهم التي يعانون منها.

ومع مطلع الألفية الجديدة أعادت إسرائيل النظر بأهمية قصوى لمنطقة القرن الإفريقي لأسباب كثيرة منها:  

* الاعتبارات الأمنية: ثمة مخاوف إسرائيلية من انتشار الجماعات الإسلامية المتطرفة في كثير من مناطق إفريقيا كما هو الحال في الخبرة الصومالية.

* التغلغل الإيراني المتزايد في إفريقيا: رأت إسرائيل في إيران وسياستها الإفريقية تهديداً مباشراً لمصالحها الاستراتيجية في القارة السمراء.

* الاعتبارات الاقتصادية والتجارية : إذ تحاول إسرائيل أن تبني على تقاليد عصرها الذهبي في إفريقيا، وهي تستخدم هيئة التعاون الدولي (مشاف) التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية باعتبارها الذراع الدبلوماسية التي تسهم في تقوية علاقاتها مع الدول الإفريقية.

* التكالب الدولي الجديد على استغلال الموارد الطبيعية الإفريقية يفرض على إسرائيل أن تعيد حساباتها لتدافع عن مصالحها ويكون لها نصيب معلوم في عملية التنافس الدولي التي تشهدها الساحة الإفريقية.

التنافس الدولى والإقليمى فى منطقة القرن الإفريقى

إعداد الباحث: محمد رمضان، تحت إشراف: د. محرز الحسينى

تعد منطقة القرن الإفريقى من أهم مناطق العالم الإستراتيجية، بسبب موقعها الجغرافى المترامى الأطراف، المسيطر على مدخل البحر الأحمر الجنوبى عند مضيق باب المندب، والمؤثر أيضاً فى مدخله الشمالى من جهة قناة السويس، لذلك فإن البحر الأحمر هو شريان الحياه الواصل بين أرجاء العالم أجمع، حلقة الوصل المحورية لسريان التجارة العالمية، علاوة على ذلك فإن البحر الأحمر له باع كبير من الناحية الإستراتيجية، إذ يعد صمام الأمن، الأمان والمحدد الرئيسى لإستقرار الدول العربية والإفريقية بصفة عامة ومصر بصفة خاصة، إذ يمثل أهم مصادر الدخل القومى لمصر ومرآة التجارة المصرية المنعكسة على العالم أجمع عن طريق قناة السويس، بالإضافة لما تخطط له مصر من أمال واعدة مستقبلاً فى المنطقة الإقتصادية الراسخة فى إقليم قناة السويس، ونتيجة للأهمية الإستراتيجية لهذه المنطقة سواء لمصر والعالم العربى، فقد تحتم علينا تتبع كافة التحديات والمخاطر الحافلة بهذه المنطقة، والتي على رأسها التنافس الدولي والإقليمي فى هذه المنطقة، وفى أبعاد التنافس مع القوى الإقليمية والدولية الأخرى المتواجدة هناك مثل : إسرائيل و تركيا وإسرائيل من جهة، الولايات المتحدة الأمريكية و الصين من جهة أخرى.

أولاً : فى التعريف بمنطقة القرن الإفريقي :
من ناحية أخرى، فقد تعددت التعريفات الخاصة بمنطقة القرن الإفريقى، إذ سُميت هذه المنطقة بهذا الأسم نظراً إلى إمتدادها داخل المياه بشكل يشبه قرن حيوان وحيد القرن، وكأنه يشق الماء إلى شطرين، الشطر الشمالى هو البحر الأحمر، والشطر الجنوبى هو المحيط الهندى، وهو يضم عدد من الدول تتمثل فى : ( إريتريا ـ إثيوبيا ـ الصومال ـ جيبوتى ـ السودان ـ كينيا ـ رواندا ـ بوروندى ـ تنزانيا ـ أوغندا )، وذلك فى ضوء إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية فى شرق ووسط أفريقيا، الأمر الذى يوضح أن مفهوم القرن الإفريقى أكثر عرضه لأن يتسع ويضيق طبقاً لسياسات الدول ومصالحها؛ إلا أن بعض الرؤى تفترض أن مصطلح القرن الإفريقى فى جوهره يعد مصطلحاً سياسىاً قد مر بعدد من المراحل، وأن مرحلته الأخيره لم تتشكل بعد؛ نتيجة لكم المصالح المتضاربة بين القوى الكبرى والإقليمية فى هذه المنطقة، ولكن فى كل الأحوال فإن دول القرن الإفريقى نفسها بإمكانيتها وقدراتها لا يمكنها تحديد الإطار المفاهيمى الواضح والمحدد لحدود وسياسات هذه المنطقة، بسبب عدم إستقرار الحدود السياسية لهذه الدول التى تمتلئ بالكثير من العرقيات المختلفة، ومن ثم فإن بعض الرؤى ترى هذا المسمى “القرن الإفريقى” مفهوم غامض ومتغير بفعل تغيرات البيئتين الدولية والإقليمية معاً، كما أنه مصطلح أكثر مرونه وقابل للتعديل فى أى وقت وفقاً لقدرات ومصالح القوى الكبرى .

ثانياً : الأهمية الإستراتيجية لمنطقة القرن الإفريقي :
تحتوى منطقة القرن الإفريقى على الكثير من الثروات الطبيعية مثل : الذهب والنفط، كما تعد هذه المنطقة غنية بإحتياطيات ضخمة من المعادن المستخدمة فى الصناعات الثقيلة والنووية مثل : الكوبالت و اليورانيوم، بالإضافة إلى ذلك تطل منطقة القرن الإفريقى على عدة جزر لها أهمية إستراتيجية خطيرة كجزر “حنيش” الممتدة فى اليمن من جهه، أرخبيل “دهلك” الواقعه بالقرب من السواحل الإريترية من جهه أخرى، كل هذه الإمتيازات قد جعلت من منطقة القرن الإفريقى مطمح لكثير من الدول الكبرى لإقامة مشاريعها الإستغلالية هناك كالمشروع الأمريكى نفسه المعروم بإسم “القرن الإفريقى”، كما أن التوغل الإيرانى حالياً فى منطقة القرن الإفريقى ليس بالأمر الذى وجد صُدفةً، إذ أن هذا التواجد يقع ضمن بوتقة إيرانية حقيقة، مفاداها تحقيق حلم الهيمنة الفارسية على دول العالم الإسلامى والعربى، والذى لن ولم يتحقق إلا من ثنايا الدول الإفريقية التى تتوافر فيها كافة العناصر والآليات من الضعف والفقر والجوع، التى تجعل من هذه الدول الإفريقية أكثر عرضه للسيطرة الإيرانية عن طريق كافة الأدوات الدبلوماسية والإقتصادية والثقافية.

أيضاً، تنعم منطقة القرن الإفريقي بكميات كبيرة من النفط المكتشف حديثا في باطن أراضيها. ففي كينيا بدأ التنقيب عن البترول منذ عثرت شركة “تولو” البريطانية المتخصصة في الاستكشافات النفطية على النفط الخام في حوض لوكشار شمالي شرق كينيا في عام 2012، وبعدها توالت الإكتشافات النفطية الهامة، كما تعد إثيوبيا من الدول الواعدة إقتصاديا بعد إكتشاف العديد من الثروات الطبيعية الكامنة في أراضيها ومنها النفط الذي تم اكتشافه حديثا بشكل مفاجئ بعد أن كانت إثيوبيا من أكبر الدول استيرادا للبترول العربي لفترات طويلة، غير أنه ومع قدوم عام 2010 أعلنت إريتريا عن امتلاكها احتياطات ضخمة من النفط والغاز قبالة سواحلها بالبحر الأحمر، وفي عام 2015 بدأت الاستثمارات الدولية الكبرى للنفط الإريتري، حيث أعلن الاتحاد الاوروبي عن منحة قيمتها 200 مليون يورو لإريتريا بغرض تطوير قطاع الطاقة.

خلاصة القول : تثور مخاوف عديدة من الخبراء والباحثين مغبة استيلاء الجماعات الإرهابية المسلحة على هذه الثروة النفطية الكامنة فى هذه المنطقة للدرجة التي يطالب فيها البعض بتأجيل استخراج البترول لحين جاهزية الأجهزة الأمنية في هذه الدول لحماية الثروة القومية ولحين عودة الاستقرار السياسي لأغلب بلدان منطقة القرن الإفريقي . كما يخشى البعض من عدم وجود خبرة اقتصادية في التعامل مع هذه الثروة وتسويقها عالميا ويطالبون أصحاب صلاحيات عقد الإتفاقيات بالتأني في توقيع صفقات البيع والاستغلال بما يضمن تحقيق الاستفادة الكاملة للبلاد من ثرواتها النفطية، ولاشك أن النفط الإفريقي أصبح محل اهتمام عالمي خاصة في ظل ما يتمتع به من مزايا اقتصادية كبيرة منها وجود 40 نوعا من النفط الخام بالقارة السمراء وتميزها جميعا بجودة عالية، وهو ما يؤهل قارة إفريقيا لتبوأ مكانة اقتصادية واستراتيجية كبري .

ثالثاً : التنافس الدولى والإقليمى فى القرن الإفريقى :
ظلت منطقة القرن الإفريقى محل إهتمام القوى الكبرى والإقليمية على مر التاريخ، حيث كان لعدة دول إستعمارية مناطق نفوذ ومستعمرات فى منطقة القرن الإفريقى، إلا أن الإهتمام بهذه المنطقة قد تزايد بشكل سريع للغاية؛ نتيجة لتفاقم الفوضى على الساحل الصومالى، حيث عمليات القرصنة للسفن العابرة من قبل بعض الجماعات المسلحة المتشددة، وهو مايشكل تهديداً جسيماً للتجارة العالمية الماره عبر هذه المنطقة، أيضاً زاد الإهتمام بهذه المنطقة عقب تمرد جماعة الحوثيين المواليه لإيران وأحد أهم أذرعها فى اليمن، التى تسعى لتطويق عدوها اللدود المتمثل فى الممكلة العربية السعودية من خلال الإستيلاء على اليمن، الأمر الذى أشعل لهيب الصراع فى منطقة القرن الإفريقى.

علاوة على ذلك فقد تزايد تنافس القوى الدولية : كالصين والولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، القوى الإقليمية : كإسرائيل وتركيا وإيران لإيجاد سبل لتعزيز نفوذهم السياسى والإقتصادى والعسكرى، ذلك على حساب بعضهم البعض فى منطقة القرن الإفريقى، من ثم فإن التنافس بين القوى الدولية والإقليمية قد برز فى منطقة القرن الإفريقى بعدة صور وأشكال، إلا أن أبرز هذه الأشكال قد تمثلت فى التنافس العسكرى و الإقتصادى على النحو التالى :

أـ القوى الدولية : الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، روسيا :
اهتمت الولايات المتحدة الأمريكية بمنطقة القرن الإفريقى بشكل كبير فى وقت متأخر خاصة بعد أحداث 11سبتمر2001 التى هزت أركان المجتمع الأمريكى، الأمر الذى شكل بالأساس التغيرات فى إستراتيجية السياسة الخارجية الأمريكية إزاء العالم كافة، منطقة القرن الإفريقى بصفة خاصة، ومن ثم فقد تم إستحداث مفهوم القرن الإفريقى الكبير الذى يضم عشرة دول إفريقية وفق الإستراتيجية الأمريكية الجديدة صوب شرق ووسط إفريقيا، إلا أن الإهتمام الأمريكى بهذه المنطقة يستند إلى عدة عوامل محددة لهذا المفهوم الواسع، تكمن فى إكتشافات النفط فى القرن الإفريقى، لكن الأوضاع السائدة داخل هذه المنطقة قد أثرت سلباً على المصالح الأمريكية، لا سيما عقب تفجير سفارتى الولايات المتحدة الأمريكية فى نيروبى(كينيا)، دار السلام(تنزانيا)عام1998، وبالتالى أعلن المسؤولون الأمريكيون إنشاء عدة قواعد عسكرية بغطاء شرعى قد تمثل فى عدة شعارات أهمها هى : الحرب على الأرهاب، إدارة أزمات المنطقة وتحسين حالة الأمن الغذائى فى القرن الأفريقى، ومن ثم فقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تحسين علاقتها مع جيبوتى رغبة منها فى إستثمار موقعها الحيوى إقتصادياً، فأنشأت ” قاعدة ليمونيير “على أراضيها، إذ تمثل هذه القاعدة مدينة متكاملة الحياة،وأمتد عقد إيجار هذه القاعدة حتى عام 2025، أيضاً توجد بها القيادة العسكرية الأمريكية فى إفريقيا وهى ” أفريكوم ” ، وهى المسئولة عن متابعة وتنفيذ البرامج المتعلقة بالأمن والاستقرار فى القارة الإفريقية وعن العلاقات العسكرية مع كل دول القارة الإفريقية فيما عدا مصر .

علاوة على ما قد سبق، فإن الولايات المتحدة الأمريكية ليست القوة الكبرى الوحيدة المتواجدة فى منطقة القرن الإفريقى، حيث هناك تواجد قوى ومنافس للولايات المتحدة فى هذه المنطقة متمثل فى الصين، التى تسعى إلى تطويق الأمريكان بسياج أمنى على رقعة “شطرنج العالم” لاسيما منطقة القرن الإفريقى، إذ دخلت أفريقيا حيز السباق على الهيمنة نظراً لإعتبارها أحد أهم وأغنى أقاليم العالم الجيوسياسية، فأصبح القوتين الدوليتين “الصين، الولايات المتحدة الأمريكية” متنافستين وبقوة فى القرن الإفريقى، إلا أن هذا التنافس ذات صبغة إقتصادية فى الأساس، فالصين تمتلك منطقة لوجيستية هامة فى جيبوتى، وهو ما تراه الولايات المتحدة أن هذه المنطقة ترتقى لقاعدة عسكرية فى جيبوتى منافسة لها، كما ترى الولايات المتحدة أن الصين تعمل على تطويق جيبوتى التى تعد من أحد أفقر بلدان العالم من خلال قروض صينية بالمليارات ومن خلال بناء تحالفات إستراتيجية مع حكومتها، وتعتبر واشنطن أت التمدد الصينى فى جيبوتى بلا شك يشكل خصماً من رصيد الولايات المتحدة فى منطقة القرن الإفريقى، فضلاً عن حرص الصين على التواجد العكسرى بهذه المنطقة عن طريق وحداتها البحرية المتواجدة فى خليج عدن لتأمين قوافل التجارة البحرية الماره به والبالغ عددها 6000 قافلة بحرية سنوياً، كما تعمل الصين حالياً على بناء خط سكك حديد سريع يربط بين جيبوتى والعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وهو ما يعتبره الخبراء بمثابة رابط إستراتيجى مهم فى هذه المنطقة بإمكانه إشعال صراع جيبولتيكى فى القرن الإفريقى فى مواجهة القوى الإقليمية المتنافسة هناك .

في المقابل تقدم روسيا نفسها لدول القرن الإفريقي على أنها شريك لا يمكن الاستغناء عنه في المنطقة، ومن هنا، تمثل التحركات الرُّوسِيَّة في المنطقة تحديًا بالنسبة لإعادة صياغة النفوذ الجيوسياسي في منطقة البحر الأحمر؛ حيث ترتبط تحركاتها في المنطقة بسعيها الحثيث إلى خلق نظام دولي متعدِّد القُطبية، يهدف إلى مواجهة تأثير القوى الدَّوليَّة في مناطق الصراع على النفوذ، ومنها إفريقيا، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية. وهو ما يدفع الروس إلى محاولة احتضان عددٍ من دول المنطقة مثل السودان وإريتريا، باعتبارهما مدخلاً مهمًّا إلى إفريقيا، وللتواجد بشكل مكثف في القرن الإفريقي، مستغلة في ذلك التراجع الأمريكي في المنطقة عقب فوز ترامب لتوسيع هامش المناورة من منطقة الشرق الأوسط إلى إفريقيا .

ب ـ القوى الإقليمية : إسرائيل ، تركيا ، إيران :
تخوض تركيا وإيران وإسرائيل سباقاً من أجل تكثيف نفوذهم فى منطقة القرن الإفريقى، حيث تعمل إسرائيل على تعزيز تواجدها فى المنطقة، فوجدت ملاذها فى إثيوبيا منذ ستينات القرن الماضى من خلال إقامة علاقات أمنية، عسكرية وإقتصادية وبسط نفوذ تجارى وإستثمارى لها فى هذه المنطقة، كما تتواجد إسرائيل فى جزيرتى “دهلك ، فاطمة” الإريتريتين، ومن ثم بإمكانها بناء مراكز رصد لها على البحر الأحمر تسهتدف السعودية والسودان و اليمن، إلا أنها تقيم فى دهلك أكبر قاعدة بحرية لها خارج حدودها، على الجانب الأخر تسعى تركيا للتواجد فى العمق الإفريقى لتعزيز نشاطها الإقتصادى والسياسى ولتوسع نفوذها العسكرى، حيث تقيم تركيا مع إثيوبيا علاقات إقتصادية قوية للغاية، إذ تعد رابع أكبر شريك تجارى لأنقرة فى القارة السمراء، وتتلقى وحدها نحو2.5مليار دولار من إجمالى 6مليار دولار تستثمرها تركيا فى القارة، فى المقابل ينصب إهتمام تركيا الإنسانى والعسكرى كمزيج من الأداتين الناعمة والصلبة نحو الصومال، حيث بلغت المساعدات التركية الإنسانية والتقنية للصومال مايربو نحو 400مليار دولار، بالإضافة إلى حرصها على قيام قاعدة عسكرية وكلية عسكرية تابعة لها فى الصومال .

فى المقابل، نجد إيران تتبع سياسة نشطة فى أفريقيا بصفة عامة والقرن الإفريقى بصفة خاصة، من خلال شراكات إقتصادية وتحقيق إختراقات ثقافية والعمل على نشر التشيع، بجانب تعزيز وجودها العسكرى فى منطقة القرن الإفريقى، إذ تشير بعض التقارير إلى أنها تمكنت من بناء قاعدة بحرية عسكرية فى إريتريا، ومركز لتموين سفنها، إضافة لتدريبها عناصر من الحرس الثورى والمليشيات التابعة لها فى إريتريا، وأبرز دليل على ذلك هو العاصمة الإريترية أسمرة، التى تعد بمثابة حلقة وصل ودعم عسكرى للحوثيين فى اليمن ضد الشرعية والضغط على السعودية، مما جعل السعودية إستدعاء الرئيس الإريترى أكثر من مرة لتنسيق المواقف بين البلدين بخصوص مكافحة الإرهاب والقرصنة فى مضيق باب المندب، تطمح إيران بمرجعيتها الدينية الشيعية أن تكون القطب الإسلامى المهيمن على شئون الدول الإفريقية التى تحظى بأقليات مسلمة من خلال إستغلال بعض التنظيمات الإرهابية، لا سيما إريتريا فى هذا الصدد، حيث وجود “الحزب الإسلامى الإريترى للعدالة والتنمية” وهو الذراع السياسى للإخوان المسلمين فى إريتريا، وبالتالى ولاء هذا الحزب لجماعة الإخوان المسلمين هو فكرى أكثر منه تنظيمى، حيث تكمن خطورة الحزب فى إمكانيات قيام تحالفات بين إيران وجماعة الإخوان المسلمين فى منطقة القرن الإفريقى بهدف حماية المصالح المشتركة فى مضيق باب المندب وتضيق الخناق على مصر عن طريق مدخل قناة السويس الجنوبى .

خامساً : تداعيات التنافس الدولي والإقليمي فى المنطقة على الأمن القومي العربى :
تأمل كل دولة إلى تحقيق مشروعها السياسى فى المنطقة الشرق أوسطية كقوة سواء دولية أوإقليمية تسعى للهيمنة والسيطرة على النسق الإقليمى الجديد، وهو ما قد تبين من خلال الأنشطة التي تقوم بها كل الدول المتصارعة فى هذه المنطقة، لا سيما عقب ثورات الربيع العربى، التى هيأت الدور للإندفاع التركي والإسرائيلي نحو منطقة الشرق الأوسط بما فيها منطقة القرن الإفريقي، كما مهدت مثلاً للأذرع الإيرانية الإندفاع وبقوة نحوالإقليم الشرق أوسطى من جهه كما هو واضح فى العراق، سوريا، اليمن، لبنان والبحرين، والتواجد والهيمنة أيضاً فى منطقة القرن الإفريقى من جهه أخرى، ولذلك لتكوين وإستكمال الدوائر المفرغة من “الهلال الشيعى”، الذى لن ولم يكتمل إلا من خلال سيطرة إيران على الجانب الجنوبى من هذا الهلال على حساب دول منطقة القرن الإفريقى ومضيق باب المندب على وجه الخصوص، لتُنبذ بذلك الفتن والصراعات على أسس ثورية شيعية ضد الدول الإفريقية والعربية على حد السواء، الأمر الذى يشكل تهديد واضح وصريح للأمن القومى العربى والمصرى تحديداً، بما يتطلب إستراتيجيات تعاون جديدة وجدية فى كافة المجالات بين الدول العربية والإفريقية لتحجيم الصراعات المتغلغلة داخل منطقة القرن الإفريقى .

ولكن فى حقيقة الأمر، أن الإقليم الإفريقى يفتقد جدياً للمنظومة الجماعية أو حتى الفرعية لضمان الأمن فيه، إذ أن منظومة الأمن الجماعى فيه تقوم بتأمين الدول داخلياً وتدفع التهديد عنها خارجياً، بما يكفل لها الأمن والإستقرار، بشرط توافق المصالح، غايات وأهداف أطرافها، حيث كان من الممكن فى وقت سابق قيام منظومة عربية ـ إفريقية جماعية لحماية الأمن فى منطقة القرن الإفريقى، إلا أن الوضع الآن أصبح مُعقد للغاية لوجود أطراف إقليمية ودولية ذات مصالح متضاربة فى هذه المنطقة، على من ذلك فإن تكوين هذه المنظومة ليست بالأمر المستحيل؛ لضمان حماية بقاء وأمن وإستقرار الدول العربية والإفريقية معاً .

وبناء على ما قد تقدم، فإن منطقة القرن الإفريقى تمثل بالنسبة للأمن القومى المصرى أهمية الإستراتيجية خطيرة، حيث تضم المنطقة أهم منابع نهر النيل، الذى يعد شريان الحياة لمصر والمصريين، حيث تعد إثيوبيا أحد أهم منابع نهر النيل بنسبة 86% بالنسبة لمصر من إجمالى المياه الواردة إلى مصر من دول حوض النيل جميعاً، مما يضعها على رأس قائمة أولويات السياسة المصرية، أيضاً من ناحية أخرى، يمثل البحر الأحمر أهمية كبرى للأمن القومى المصرى، إذ يمثل حلقة الوصل لمصر إتجاه إفريقيا وآسيا، ويتميز بأهمية جيوبوليتيكية لما يحتويه من موانئ بحرية وإطلاله على طرق الملاحة البحرية للتجارة الدولية، وبالتالى تأمينه مسألة حياة للمصريين والعرب، حيث لا حياة للعرب بدون أمن مصر، ولذلك وجب على العرب توحيد الصفوف وتكوين تكتلات عسكرية وإقتصادية لتأمين هذه المنطقة من أى تهديد لها على غرار التهديد الإيرانى لهم عند مضيق باب المندب، كما يجب التركيز على إيجاد حلول سلمية وجذرية للأزمات والمشاكل الإفريقية كما هو الحال فى الصومال، إريتريا، اليمن، أثيوبيا، والسعى لإستخدام مصر والدول العربية القوة الناعمة المتمثلة فى التقارب الإنسانى، وهو ما يشكل أهم نقاط القوة فى الإنسان العربى بوجه عام والمصرى بوجه خاص، إن كان هناك صعوبة فى التواجد والتنافس مع القزى الدولية والإقليمية الأخرى فى هذه المنطقة بالأدوات والآليات العسكرية والإقتصادية فى منطقة القرن الإفريقى .

خريطة التنافس الدولي والتغلغل الإقليمي فى منطقة القرن الأفريقي

   عدنان موسي

انتهى عصر الاستعمار المسلح، وخلصت القارة الإفريقية المظلمة من غيبات الإحتلال العسكري، لكن تكالب ما بعد عصر الإمبريالية لا يزال يلقي بظلاله على تلك القارة، خاصةً منطقة القرن الإفريقي التى تشهد صراعات دولية وإقليمية غير مسبوقة، فى ظل تضارب المصالح الإقتصادية والسياسية والعسكرية بين مختلف الأطراف، وأضحت التطورات الراهنة الناتجة عن تقسيم المنطقة بين مناطق نفوذ القوى المتنافسة تعكس معادلة إقليمية جديدة متمثلة فى خريطة مستجدة من أشكال التحالفات والعلاقات المتشابكة، بالتالى تسعى هذه الورقة إلى قراءة تحليلية فى أبعادة وطبيعة خريطة التنافس الدولي والإقليمي فى منطقة القرن الإفريقي، ومن ثم إنعكاس ذلك على مستقبل المنطقة.

أولا: التنافس الدولي على القرن الافريقي

  • الولايات المتحدة

لم تتبلور سياسة أمريكية واضحة تجاه القارة الأفريقية بشكل عام حتى عام 1998، عندما سعت إدارة الرئيس كلنتون إلى تأسيس شراكة أمريكية- أفريقية جديدة لأسباب تتعلق بالثروات والموارد الضخمة بالقارة.[1]وخلال الزيارة التى قام بها وزير الخارجية الأمريكي السابق ” ريكس تيلرسون” إلى أفريقيا، فى مارس 2018، ركزت الزيارة على المراكز الرئيسية المهمة للمصالح الأمريكية، ومن بين خمس دول تضمنتها الزيارة، كانت هناك دولتان من دول القرن الإفريقي ( إثيوبيا وجيبوتى) وهو ما يعزز أهمية تلك المنطقة بالنسبة لواشنطن.

وترتبط الولايات المتحدة بمنطقة القرن الأفريقي بعلاقات استراتيجية ووجود استخباراتى وعسكرية واستثماري، منذ فترة الحرب الباردة، حيث تمتلك واشنطن قاعدة “كامب ليمونير” بالإضافة إلى مقرات قوات الأفريكوم.[2]وتعتبر تلك القاعدة هى الوحيدة المعلنة من قبل واشنطن، إلا أن كافة التقديرات تشير إلى وجود قواعد أمريكية صغيرة منتشرة فى القارة الأفريقية بشكل عام وفى القرن الأفريقي بشكل خاص، حيث يتواجد فى كينيا قاعدتا ميناء “ممبسة” والبحري و”نابلوك”، وفى أثيوبيا تمتلك واشنطن قاعدة عسكرية للطائرات بدون طيار فى منطقة “أربا مينش” منذ 2011، وقد كانت الصومال تضم قاعدتين أمريكيتين فى ميناء البربير، لكن التطورات اللاحقة ادت الى نقل القاعدتين إلى جيبوتي.[3]

  • الصين

تمكنت الصين فى يوليو 2017 من افتتاح أول قاعدة عسكرية خارجية لها فى جيبوتي، وهى القاعدة التى تضم حوالى 10 آلاف جندي فى أولى خطوة نحو تعزيز النفوذ الصيني فى المنطقة، والذى تنظر إليه واشنطن باعتباره التهديد الأكبر للمصالح الأمريكية، خاصة إذا أضيف له الدور المتنامي للقوة الروسية فى المنطقة.

واعتمدت الاستراتيجية الصينية فى منطقة القرن الأفريقي على التغلغل الاقتصادي بشكل خاص واغداق المساعدات والتعاون الاقتصادي مع دول المنطقة خاصة منذ إنشاء منتدي التعاون الصيني الأفريقي فى عام 2000، كما أعطت بكين الأهمية لعلاقاتها الدبلوماسية والسياسية مع دول المنطقة على أسس أيديولوجية “التضامن بين دول العالم الثالث” كمقدمة للدور العسكري الراهن.

وخلال السنوات الخمس الماضية، ازدادت مبيعات الصين من الأسلحة إلى أفريقيا بنسبة 55 % وتضاعفت حصتها في سوق الأسلحة الأفريقية إلى 17 %، متجاوزة بذلك الولايات المتحدة، وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.[4]كما استطاعت بكين تعزيز نفوذها فى منطقة القرن الأفريقي من خلال ربطها بمشروع “الحزام والطريق” والذى يستهدف إقامة ممر تجاري وبحري يمر من باب المندب.

  • أوروبا

 بعد استقلال جيبوتي عن فرنسا لم تنفصل الأخيرة عنها بشكل كلي، بل ظلت العلاقات التى تربط البلدين قائمة، حيث تم توقيع اتفاقية عسكرية لضمان تواجد عسكري قوامه ما بين 3800- 4500 جندي، ثم تقلص العدد الى حوالى 1500 جندي بعد ذلك، فى القاعدة العسكرية لباريس والتى تعد أهم قاعدة فرنسية فى القارة الأفريقية.[5]

ومؤخراً بدأت بقية القوى الأوروبية تدرك الأهمية الاستراتيجية التى تمتلكها منطقة القرن الافريقي، والتى انعكست فى زيارة رئيس الوزراء الايطالى الى إثيوبيا وإريتريا فى منتصف اكتوبر 2018، كما كشفت زيارة وزير التنمية والتعاون الدولي الألماني إلى إريتريا فى أغسطس 2018 التطلع الأوروبي الراهن لتعزيز التواجد فى منطقة القرن الأفريقي.[6]

بجانب ذلك، تمتلك اليابان قاعدة لها فى جيبوتى للتعاون فى مجال مكافحة القرصنة، بالإضافة لذك تسعى موسكو إلى تعزيز تواجدها فى منطقة القرن الافريقي من خلال التدخل فى إعادة صياغة العلاقات بين دول المنطقة وتعزيز التعاون الاقتصادى والدبلوماسي مع تلك الدول، بالإضافة إلى التعاون العسكري وإمداد دول القرن بالمساعدات العسكرية اللازمة.

ثانياً: أبعاد وحدود التغلغل الإقليمي فى منطقة القرن الأفريقي

  • إيران: سعت إيران إلى التغلغل فى منطقة القرن الافريقي معتمدة على القوة الناعمة فى بداية الأمر إلى أن وصلت إلى إنشاء القاعدة العسكرية متعددة المهام فى ميناء مصوع الإريتري، يضاف لذلك اعتماد طهران على دفع حركة التشيع فى منطقة القرن الأفريقي (خاصة إثيوبيا) واستغلال العامل الديني من خلال دور السفارات والمراكز الثقافية. وظلت أريتريا حليفة لإيران فى المنطقة لفترة طويلة، فقد تم التقارب بين الطرفين بعدما أتهمت أسمرة إسرائيل بدعم أثيوبيا فى الحرب المندلعة بين الجانبيين لذا عمدت اريتريا إلى التقارب مع إيران لتحقيق التوازن، الا ان انضمام اسمرة الى عاصفة الحزم كانت الاعلان عن فك الترابط بين الجانبيين، تمهيدا لتوازنات جديدة فى العلاقات. فى المقابل كشف تقرير أممي مؤخراً عن تقارب إيراني مع حركة الشباب الإرهابية فى الصومال، من خلال مساعدات ايرانية فى تهريب الفحم الذى يعد مصدر التمويل الأول للحركة.
  • قطر: الدور القطري حاضر بقوة فى منطقة القرن الأفريقي، اذ اعتمد الدوحة على الدور الدبلوماسي القوي فى الوساطة بين دول المنطقة فى الصراعات البينية، مع الدعم المادي للحركات الاسلامية والارهابية فى تلك المنطقة على غرار علاقاتها بحركة الشباب فى الصومال، فتحركات سياسة الدوحة فى الصومال تمثل النموذج الأبرز، خاصةً مع فتح المجال أمام رجل قطر فى الصومال “فهد ياسين” نائب رئيس وكالة الاستخبارات والأمن القومي فى الصومال ومدير المكتب الرئاسي لـ”فرماجو”، بعدما أعلن مدير وكالة الاستخبارات الصومالية ” حسين عثمان حسين” استقالته وبالتالى أصبح الباب مفتوحا أمام تولي فهد ادارة أهم جهاز أمني فى الصومال. ويمكن تفسير تكثيف الجهود القطرية فى تعزيز وجودها فى الصومال إلى تخوف الدوحة من تراجع دورها بعد التقارب الراهن بين اثيوبيا واريتريا، وتصاعد الدور الخليجي (الاماراتي والسعودي بالاساس) فى المنطقة، مع وجود مؤشرات تعكس الجنوح نحو خريطة جديدة للعلاقات والموازين فى منطقة القرن، بالتالى تسعي قطر لضمان دور لها فى المرحلة المقبلة.
  • تركيا: فى خضم تنافس الأدوار فى منطقة القرن الأفريقي، يبرز الدور التركي المتنامي، على الصعيد الإقتصادي والدبلوماسي وكذلك العسكري، فالسياسة الثقافية (بالأساس) للدولة التركية لعبت دوراً كبيراً فى التغلغل داخل مجتمعات تلك المنطقة، مما أنتج اتفاقيات ضخمة بين أنقرة وحكومات إثيوبيا وإريتريا فضلا عن السودان، التى تمخض عنها الإتفاق على سيطرة تركية على جزيرة سواكن السودانية بدعوى إعادة تأهيلها، وتوجت التحركات التركية فى المنطقة من خلال إنشاء اكبر قاعدة عسكرية تركية فى الصومال، فى سبتمبر 2017. واشار تقرير لرويترز فى مايو 2018 أن تركيا بدأت استثمارات ضخمة فى الصومال، كما ادارت شركة تركية ميناء مقديشيو منذ عام 2014. يضاف لذلك سعى أنقرة الى تعظيم نفوذها في منطقة القرن الافريقي من خلال بوابة جيبوتي، فلا تزال المفاوضات مستمرة بين الطرفين لإقامة قاعدة عسكرية تركية في جيبوتي، يضاف لذلك قيام تركيا بإنشاء منطقة تجارية حرة في جيبوتي، كما أن أنقرة تغلغلت في الداخل الجيبوتي من خلال المساعدات التي تقدمها في مجال البنية التحتية، كالمشاركة في بناء سد حنبولي.
  • إسرائيل: تعمل اسرائيل على تعزيز تواجدها فى تلك المنطقة الاستراتيجية، خاصة من خلال بوابة إثيوبيا، كما تتواجد إسرائيل فى جزيرتي “دهلك” و “فاطمة” الاريتريتين، كما تمتلك تل ابيب مراكز رصد متعددة على البحر الاحمر تستهدف دول المنطقة، حيث تقيم فى “دهلك” أكبر قاعدة عسكرية لها.
  • السعودية والإمارات: تمثل منطقة القرن الافريقي أهمية خاصة بالنسبة لأبو ظبي، والتى تسعي الى تعزيز دورها بشكل كبير عبر شركة “موانئ دبي العالمية” بتوجيه استثمارات كبيرة نحو منطقة القرن الإفريقي منذ فترة التسعينيات، فقد أنشأت ميناء ضخما فى جيبوتي، كما تعمل على آخر في منطقة “أرض الصومال”، كما قامت أبو ظبي بتوقيع عقد ايجار للاستخدام العسكري لميناء عصب الاريتري والمطار الرئيسي. ولعبت الامارات دورا حاسما في توقيع اتفاقية الصداقة والسلام الاثيوبين الارترية ، في تطور يظهر وعيا خليجيا باهمية هذه المنطقة للامن القومي وقربها من مسرح العمليات العسكرية اليمني ومواجهة التغلغل الايراني والتركي في المنطقة .

ثالثاً: مستقبل الدور التنافسي فى منطقة القرن الافريقي

فى إطار المتغيرات التى تشهدها منطقة القرن الإفريقي، والتكالب الدولى والإقليمي عليها، يمكن الإشارة إلى جملة من المؤشرات والدلالات التى تعكس مستقبل الدور التنافسي فى تلك المنطقة، على النحو التالى:

أولا: على الرغم من تعزيز التواجد الصيني فى المنطقة، إلا أنه يصعب الحديث عن منافسة أمريكية – صينية فى منطقة القرن الأفريقي، فالتواجد الصيني يستهدف بالأساس ضمان المصالح الإقتصادية لبكين فى المنطقة، بالإضافة إلى تأمين طريق الحرير “الحزام والطريق”، مقابل السياسة الأمريكية التى تستهدف بالأساس خلق توازنات سياسية وأمنية جديدة فى المنطقة، هدفها تحجيم النفوذ الإيراني والصيني .

ثانياً: هناك دور أوروبي محدود – حتى الآن_ فى المنطقة، فبإستثناء فرنسا، يبقي الدور الأوروبي هامشياً، فى ظل إنكفاء السياسة الأوروبية الراهنة على مشكلاتها الداخلية، أما الزيارة التى قام بها رئيس الوزراء الإيطالي مؤخراً إلى أثيوبيا وإريتريا، فيمكن فهمها فى ضوء التنافس بين باريس وروما، الذى تجاوز الخلافات على مستوى الداخل الأوروبي إلى التنافس على مناطق النفوذ فى شمال ووسط أفريقا، قبل أن ينتقل مؤخراً إلى شرقها، خاصةً مع الأخذ فى الإعتبار التاريخ الاستعماري لكلا الطرفين فى منطقة القرن. أما الدور الروسي فلا يزال محدودا للغاية ولا يتجاوز مرحلة التطور الدبلوماسي فى العلاقات مع تلك الأطراف، فى ظل اهتمامات روسية بمناطق نفوذ أخري.

ثالثاً: التحركات الراهنة فى منطقة القرن الإفريقي تعكس جنوحاً نحو خريطة أمنية وسياسية جديدة فى تلك المنطقة، وإتجاه نحو خلق ائتلافات جديدة، فزيارة وزير خارجية إثيوبيا ونظيره الإريتري إلى الصومال مؤخراً، يعكس ترتيبات محتملة لتدشين حلف ( إثيوبي- إريتري- صومالى) بدعم ( إماراتي – مصري – سعودي) بتنسيق مع الولايات المتحدة الامريكية. يخرج جيبوتي من الحسبان، وذلك بسبب الغضب الأمريكي عليها على إثر السماح للصين بإنشاء قاعدة عسكرية قريبة من نظيرتها الأمريكية، بالإضافة إلى  موقف أبو ظبي المعادي لها كما تم الإشارة إليه بعد انهاء عقد شركة موانيء دبي بصورة تعسفية. لكن يجب الاخذ فى الاعتبار أن الاختراق القطري للدولة الصومالية قد يمثل عائقاً رئيسياً فى استكمال تلك الترتيبات.

[1]https://democraticac.de/?p=37149

[2]http://fikercenter.com//assets/uploads/East-of-Africa.pdf

[3]https://nl.hideproxy.me/go.php?u=NJnI9lxyFkdcLy2xHRQdKnKxnKcrRy8GlMN6oOvP4ZvlkQa%2BWJx6J6M6ns0dLB0gCtv8anhG5dqbYIAaGjo4IhUfj4Hj4cEuzK562v96i9vpK2zQNaNiE%2BZQN2LccMdXYAa1lw%2BuPIo10UcBXERDbuDc2SjX03YT4go2ajfHAxKhOivXSbJ8Qd4Y3pJ%2F%2BLXjzf5ox6ykDrgzXg7NVp572T%2BK92O3kgHUhDuKsoFited3jZDMF33r2AWfH13e7OwwrnUcw%2FhMCCmU89DX8W6JpEDrrzoQ4xQHhuTLWS8%3D&b=5&f=norefer

[4]https://www.washingtonpost.com/opinions/global-opinions/china-is-challenging-the-us-in-the-horn-of-africa–and-washington-is-silent/2018/09/27/6b5b5d10-c288-11e8-a1f0-a4051b6ad114_story.html?utm_term=.d07dabf90412

[5]https://nl.hideproxy.me/go.php?u=NJnI9lxyFkdcLy2xHRQdKnKxnKcrRy8GlMN6oOvP4ZvlkQa%2BWJx6J6M6ns0dLB0gCtv8anhG5dqbYIAaGjo4IhUfj4Hj4cEuzK562v96i9vpK2zQNaNiE%2BZQN2LccMdXYAa1lw%2BuPIo10UcBXERDbuDc2SjX03YT4go2ajfHAxKhOivXSbJ8Qd4Y3pJ%2F%2BLXjzf5ox6ykDrgzXg7NVp572T%2BK92O3kgHUhDuKsoFited3jZDMF33r2AWfH13e7OwwrnUcw%2FhMCCmU89DX8W6JpEDrrzoQ4xQHhuTLWS8%3D&b=5&f=norefer

[6]http://fikercenter.com//assets/uploads/East-of-Africa.pdf

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button