دراسات استراتيجيةدراسات افريقيةدراسات اقتصاديةدراسات جيوسياسية

التنافس الدولي في أفريقيا: الأهميّة الإستراتيجية التي اكتسبتها القارة الأفريقية في السنوات القليلة الماضية

أخذت القارة الأفريقية تكتسب بعدا استراتيجيا متزايدا في السنوات القليلة الماضية على الرغم من التهميش والإبعاد الذي عانت منه في العقود السابقة ولاسيما بعد رحيل الاستعمار الأوروبي في منتصف وأواخر القرن الماضي.

اكتسبت القارة الأفريقية بعدا إستراتيجيا متزايدا في السنوات القليلة الماضية على الرغم من التهميش والإبعاد الذي عانت منه في العقود السابقة ولاسيما بعد رحيل الاستعمار الأوروبي منتصف وأواخر القرن الماضي.

وقد فرضت الأهميّة التي تتمتع بها القارّة إضافة إلى المعطيات الدوليّة على عدد من القوى العالميّة ولاسيما الصين والولايات المتّحدة الأمريكية وروسيا الدخول في حلبة تنافس لحجز موطئ قدم لها بما يحقق مصالحها ويفتح لها آفاقا لتحقيق أكبر قدر من المكاسب.
وفي هذا الإطار، فقد كان من اللافت جدا أن تشهد القارة زيارة رؤساء هذه الدول الثلاث لعدد من الدول فيها خلال أربعة أشهر فقط من العام المنصرم.

إذ زار الرئيس الصيني “هو جين تاو” ثمان دول أفريقية في فبراير/ شباط 2009 وهي الكاميرون وليبيريا والسودان وزامبيا وناميبيا وجنوب أفريقيا وموزمبيق وسيشيل، وعمل خلال الزيارة على الحث على تعزيز وتعميق العلاقات الثنائية وأعفى بعض الدول من ديونها ووقّع اتفاقيات اقتصادية مع البعض الآخر.

ثمّ تبعه الرئيس الروسي “مدفيديف” في يونيو/ حزيران من نفس العام وزار مصر ونيجيريا وناميبيا وأنغولا، حيث توصّل إلى اتّفاق تعاون استراتيجي مع مصر، وسعى إلى توقيع عقد لبناء أوّل مفاعل نووي فيها بقيمة 1.8 مليار دولار، ثم انتقل إلى نيجيريا وتمّ الاتفاق على عقد لمشروع مشترك في مجال النفط بقيمة 2.5 مليار دولار، بعدها توصّل إلى اتفاق تعاون اقتصادي مع أنغولا بعدما تمّ إعطاؤها 300 مليون دولار كقرض.

وزار الرئيس الأمريكي في يوليو/ تموز غانا، وإن كان السبب المعلن للزيارة هو الإشادة بالنموذج الديمقراطي لغانا في أفريقيا ودعم النهج الإصلاحي والسياسي للدولة والترويج للديمقراطيّة، إلاّ أنّ العديد من المراقبين قدّروا أنّ الهدف الحقيقي هو النفط الغاني المكتشف حديثا.

أيّا يكن الموضوع، فقد جاءت هذه الزيارات المحمومة الوتيرة لتسلّط الضوء من جديد على التنافس الذي تشهده القارة، ولتفتح باب التساؤلات والنقاش حول عدد من المواضيع المتعلّقة بها والتي سوف نتناولها في التقرير وهي:

دوافع التنافس الدولي على القارة 

تعدّ القارة الأفريقية ثاني أكبر قارات العالم بعد آسيا، وتبلغ مساحتها حوالي 30 مليون كلم2 تشكّل ما نسبته قرابة الـ 20% من مساحة اليابسة في الكرة الأرضية. تضم أفريقيا حوالي 800 مليون نسمة تمثل قرابة 15% من مجمل سكّان الكرة الأرضية، وهي تتمتّع بثروات طبيعية وموارد ضخمة غير مستثمرة بالشكل المثالي في معظمها.

وتكتسب القارّة الأفريقية أهمّيتها من كونها تشكّل خزّان العالم الاستراتيجي من الموارد الطبيعية والمواد الأوليّة والأحجار النفسية التي يشتدّ الضغط عليها في ظل التنافس الشديد بين كبرى الدول المستهلكة لهذه الموارد إثر ازدياد الطلب العالمي وتقلّص نسبة الاحتياطيات العالمية ومعدّلات الإنتاج في أماكن ومناطق أخرى من العالم، ومن الموارد التي تتمتّع بها:

1- النفط والغاز
وتضم القارة حوالي 10% من احتياطي النفط العالمي المثبت ويتركّز معظمه (بنسبة 60%) في ثلاث دول رئيسية منتجة هي نيجيريا والجزائر وليبيا، في حين تبلغ احتياطيات الغاز المثبتة في القارة حوالي 8% من نسبة الاحتياطيات العالمية ويتوزّع أكثر من 75% من هذه النسبة في ثلاث دول أيضا هي نيجيريا والجزائر ومصر.

ومن مميزات النفط والغاز الأفريقي سهولة استخراجه نسبيا وسهولة تسويقه أيضا بسبب موقع القارة الاستراتيجي بين قارات العالم من جهة وبسبب تركّز كميات كبيرة من النفط على السواحل أو في المياه الإقليمية لدولها.

وعلى الرغم من أنّ نسبة الاحتياطيات المثبتة في القارة متواضعة نسبيا مقارنة بنظيرتها في الشرق الأوسط، إلاّ أنّ عددا من الجهات الدولية تشير إلى أنّ هناك العديد من المناطق الغير مكتشفة إلى الآن والتي يمكن أن تحوي كميات كبيرة من النفط والغاز بشكل يجعل من القارة الملجأ الأخير الغير مستنفذ بعد نفطيا خاصّة أن قدرات الإنتاج في العديد من دول القارة لم تصل إلى طاقتها القصوى.

2- الموارد الطبيعية والأوّلية
وتعتبر أفريقيا في هذا السياق “منجما ضخما” ينتج حوالي 80% من بلاتين العالم، وأكثر من 40% من ألماس العالم و20% من ذهبها وكذلك الأمر من الكوبالت.

المياه
تشير التقديرات إلى أنّ القارّة تمتلك حوالي 4 آلاف كلم3 من مصادر المياه العذبة المتجدّدة في السنة، أي ما يوازي حوالي 10% من مصادر المياه العذبة المتجددة في العالم، وهي نسبة معتبرة قياسا بالمعاناة التي تعيشها الدول الأخرى في كثير من مناطق العالم.

الاستراتيجيات الدولية في أفريقيا

أولا: الإستراتيجية الصينية

تنظر الصين إلى أفريقيا على أنّها خزّان استراتيجي للموارد الأوليّة والطبيعية في العالم، وهو ما يعطيها القدرة على تلبية حاجاتها المتزايدة من هذه المواد وبالتالي الحفاظ على النمو الاقتصادي للبلاد والصعود الجيوسياسي على المستوى الإقليمي والدولي.

تنظر الصين إلى أفريقيا على أنّها خزّان استراتيجي للموارد الأوليّة والطبيعية في العالم، وهو ما يعطيها القدرة على تلبية حاجاتها المتزايدة من هذه المواد وبالتالي الحفاظ على النمو الاقتصادي للبلاد والصعود الجيوسياسي على المستوى الإقليمي والدولي.
وشكّل وضع الصين المالي والتجاري في العالم رافعة للعلاقة الثنائية بينها وبين دول القارة، إذ وجدت الصين ضمن هذه المعطيات انّه من الممكن للقارة الأفريقية أن تحتل موقع الشريك الاستراتيجي في ظل إمكانية التكامل العالية لدى الطرفين، فتعمل دول القارة على إشباع نهم الصين من المواد الأولية والطبيعية، في حين تقوم الصين بدعم دول القارة بالمساعدات المالية السخيّة والغير مشروطة، إضافة إلى تأمين العقود التجارية والاقتصادية المجزية للطرفين وتوفير الخبرات أو المساعدات اللازمة لهذه الدول في تهيئة بنيتها التحتية والانطلاق بها نحو تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي.

عملت الصين على وضع هذه الإستراتيجية موضع التنفيذ منذ العام 1996، لكنّ الثمرة الحقيقة للمجهود الصيني بدأت تظهر منذ انعقاد المنتدى الصيني- الأفريقي في العام 2000، والذي أرسى أسسا متينة للعلاقة بين الطرفين لاسيما في المجال الاقتصادي والتجاري وفي جوانب أخرى سياسية وحتى عسكرية.

وشكّل العام 2006 مرحلة تقييميه للمنجزات المحقّقة، وكان النجاح باهرا، إذ شهد هذا العام قمّة أفريقية- صينية حضرها رؤساء 43 دولة أفريقية وممثلون عن 5 دول أخرى الأمر الذي أعطى مؤشرا على مدى أهمية وثقل الدور الصيني في أفريقيا، كما أعطى مؤشرا آخر عن مدى ثقة الدول الأفريقية بهذا الدور المتنامي لبكّين خاصة أنها لا تسعى إلى هيمنة سياسية ولا تمتلك نزعة استعمارية وهو ما يعني أنّها ماضية في اتجاهها الصحيح في القارة الأفريقية وأنّ دورها سيتعاظم مستقبلا.

ثانيا: الإستراتيجية الأمريكية
لأمريكا موقع متقدّم في القارة الأفريقية، لكنّ هذا الموقع تعرّض لعملية تآكل بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وزوال الخطر الشيوعي والخوف من امتداداه إلى دول القارة، وذلك نتيجة لسببين أساسيّين:

  1. إهمال الولايات المتّحدة لمصالحها الحيوية في القارة من جهة.
  2. إهمالها مصالح الدول الأفريقية التي أصبحت تلتفت إلى قوى أخرى لتحقيق الشراكة معها ضمن معطيات أفضل ووفق رؤيتها.

وقد ساهم النفوذ الصيني الهائل في القارة والذي تراكم خلال السنوات الماضية بسرعة قياسية في إحداث صدمة لدى الأوساط الأمريكية، فخرجت النداءات مطالبة بإعادة الاعتبار لموقع الولايات المتّحدة في هذه القارّة.

على العموم، تختلف إستراتيجية واشنطن عن إستراتيجية بكّين في النظرة إلى القارّة الأفريقية على الرغم من وجود بعض العناصر المشتركة بينهما، وعلى الرغم من أنّ أمريكا تعدّ الشريك التجاري الأوّل للقارة (بدأت تفقد مركزها بسرعة كبيرة لصالح الصين) إلاّ أنّ البعد الأمني وليس التجاري أو الاقتصادي هو الذي يحظى بالأولوية في الخطّة الأمريكية للتعامل مع القارة.

أدخلت واشنطن القارة الأفريقية بقوة في أجندتها الأمنية بعد هجمات 11 أيلول 2001 والحرب على “الإرهاب”. وشهد العام 2003 بداية تفعيل الاهتمام الأمريكي حيث قام الرئيس الأمريكي السابق بوش الابن بزيارة لخمس دول أفريقية دفعة واحدة، ثمّ تم تأطير الإستراتيجية الأمنية الأمريكية تجاه القارة بطرح مشروع “أفريكوم” في العام 2007، وهو ما قالت عنه إنه “مشروع لنشر الاستقرار وزيادة التعاون الأمني والشراكة مع دول القارة الأفريقية، من شأنه أن يعطي أيضًا الولايات المتحدة مزيدًا من الفاعلية والمرونة في التعامل مع الأزمات المحتملة في أفريقيا”.

وعلى الرغم من أنّ الانطلاق الفعلي للمشروع قد بدأ نهاية العام 2008، إلا أنّ ذلك لا ينفي مواجهته لعدد كبير من المصاعب على عكس المبادرات الصينية أو الأجنبية في أفريقيا مما يطرح علامات استفهام حول مستقبل المشروع ومستقبل العلاقة مع دول القارة الأفريقية، ومن هذه المصاعب:

  1. التمويل المالي للمشروع لاقى صعوبات كبيرة خاصة أنّ خطّة إقامة المقرّات كانت تقتضي صرف 5 مليارات دولار، وهو ما يعكس محدودية التصرف الأمريكي في الموارد المالية لاسيما منذ الاستنزاف الحاصل في أفغانستان والعراق وأثر الأزمة المالية العالمية أيضا، على عكس الدول الأخرى التي تحظى بسيولة كبيرة في الأموال خاصة الصين وروسيا.
  2. عدم إبداء أي دولة أفريقية (باستثناء ليبيريا) رغبتها في استضافة المقرّات، وهو ما يعدّ إشارة سلبية من دول القارة أو تعبيرا عن عدم مواءمة المشروع لتطلعاتها المرتبطة بمسائل مالية وتطويرية أكثر منها أمنية، أو ربما تخوّفا من أبعاد المشروع الأمنيّة لاسيما وانّ تجربة المستعمر الأوروبي لا تزال حاضرة في الذهن الأفريقي.

ثالثا: الإستراتيجية الروسيّة
تختلف الإستراتيجية الروسية في أفريقيا عن نظيرتها الصينية أو الأمريكية، فهي في المبدأ لا تحتاج إلى نفط القارة كما الحال مع الصين أو أمريكا لكونها من كبرى الدول المنتجة لهذه السلعة، وأراضيها تكتنز الكثير من الموارد الطبيعية والأولية أيضا على عكس الصين، كما أنّ البعد الأمني في سياستها تجاه القارّة أقل من ذلك الموجود لدى الولايات المتّحدة.

ترتكز الإستراتيجية الروسية في أفريقيا على شقّين:

تشير التقديرات إلى أنّ القارّة الأفريقية تمتلك حوالي 4 آلاف كلم3 من مصادر المياه العذبة المتجدّدة في السنة، أي ما يوازي حوالي 10% من مصادر المياه العذبة المتجددة في العالم.

توظيف الاستثمارات والفوائض الموجودة لديها وربطها بسياسة تعتمد على إعادة النفوذ الجيوسياسي العالمي لروسيا، اعتمادا على أنّ نسبة عوائد الاستثمار في أفريقيا تعدّ الأعلى عالميا بواقع أكثر من 30% مقارنة بـ10% في أوروبا و15% في أمريكا. وعلى الرغم من أنّ حجم التجارة بين روسيا ودول القارة منخفض جدا ويبلغ وفق بعض التقديرات حوالي 3 مليار دولار سنويا فقط، إلا أنّ كبرى الشركات العملاقة الروسية قامت بإنفاق أكثر من 5 مليارات دولار بين الأعوام 2000 و2007 لشراء أصول في أفريقيا، عدا عن 3.5 مليار دولار صفقات تنقيب عن النفط مع دول القارة

التحكّم في مصادر وخطوط إنتاج وتوزيع الطاقة والموارد الأوّلية والطبيعية في أفريقيا، وهو ما يفسّر اهتمامها بالاستثمار والاستحواذ على القطاعات الإستراتيجية في هذا المجال على الرغم من أنّها لا تحتاج إلى النفط أو الموارد الطبيعية والأوّلية من الخارج.

مدفوعة بحسابات الربح السريع المصاحبة لحلم روسيا باستعادة نفوذها الجيوسياسي في العالم واستغلال قدراتها الاقتصادية، انطلقت موسكو نحو القارة الأفريقية التي تمثّل الآن كما كانت روسيا في التسعينات من القرن الماضي سلّة من الفرص الاستثنائية خاصة فيما يتعلق باستثمار الموارد الطبيعية والمواد الأولية. ومستفيدة من خبرة الحقبة الماضية، قامت روسيا بحث شركاتها على الاستثمار في أفريقيا وممارسة نفوذها المتأتي من الفوائض المالية لديها والترويج لقدرتها على إفادة دول القارة عبر مدّها في مجالات مثل: السلاح والتكنولوجيا (الطاقة النووية).

هذه الإستراتيجية كانت قد بدأت في شكلها الأوّلي الذي اعتمد على بيع السلاح الروسي للدول الأفريقية كمدخل للسماح لروسيا بالمقابل بالاستثمار وتعميق التعاون الثنائي، في العام 2001 في عهد الرئيس الروسي الأسبق “فلاديمير بوتين” المعروف عنه تسخيره قدرات روسيا للعمل على استعادة نفوذها الجيو- سياسي العالمي الذي كان قائما في السابق.

وجرى متابعة هذه الإستراتيجية في الشق الاستثماري العام 2006 في زيارة بوتين الشهيرة لأفريقيا الجنوبية، ومن ثمّ العام 2009 عبر زيارة الرئيس “مدفيديف” لأهم الدول الأفريقية برفقة وفد من 400 شخص من ضمنهم مسؤولون ورجال أعمال ومستثمرون.

ملفّات التقاطع الدولي في أفريقيا 

أولا: الطاقة
ويعدّ هذا الملف محور تقاطع للتنافس الصيني- الأمريكي في أفريقيا، ويشهد معالم نزاعات واضحة وتنافس شرس تظهر إحدى تجلياته في السودان، مع مخافة أن يتطور هذا النزاع مستقبلا ليتحوّل إلى صراع وأن ينتقل من السودان إلى دول مثل نيجيريا وأنغولا والجزائر وغينيا الاستوائية والغابون وتشاد والكونجو وكلها دول ذات أهمّية نفطية عالية بالنسبة للصين وأمريكا في القارة الأفريقية لاسيما أنغولا ونيجيريا.

بالنسبة للصين، فسياستها الداخلية تعطي الأولوية للشق الاقتصادي وضرورة الحفاظ على معدّلات النمو المرتفعة خوفا من التداعيات الاجتماعية والسياسية التي من الممكن أن تحصل فيما لو تدنت هذه المعدلات أو توقّف النمو، الأمر الذي يتطلّب استهلاك كمّيات كبيرة من الطاقة، وكون الصين ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم، فانّ الوكالة الدولية للطاقة تتوقع أن تقفز واردات الصين النفطية لتصل إلى 13.1 مليون برميل يوميا بحلول العام 2030.

وبما أنّ حوالي 30% من واردات بكّين من النفط تأتي من أفريقيا مقارنة بحوالي 50% من منطقة الشرق الأوسط، فإنّ تواجدا صينيا قويا في أفريقيا حيث يوجد النفط يصبح ضرورة قصوى، لعدد من الأسباب منها:

  • تأمين الاحتياجات المتزايدة من النفط للبلاد والتي تقفز بمعدّلات كبيرة بشكل يستوجب الكشف عن أماكن جديدة لإنتاج النفط واستخراجه.
  • للمساعدة على تحقيق سياسة أمن الطاقة الصينية القائمة على رفع نسبة التوزيع الجغرافي والتنويع لمصادر الطاقة.
  • للاستفادة من خصائص النفط الأفريقي في ظل عدم توافر المصافي الكافية لتكرير النفط الثقيل المستورد من منطقة الشرق الأوسط في البلاد.

في المقابل، تعتبر الولايات المتحدة أكبر مستهلك ومستورد للنفط في العالم، وهي لم تستطع بعد التخلّص من عقدّة الإدمان على النفط، ويعتبر النفط بالنسبة لها مسألة حياة أو موت، وعنصرا غير قابل للمساومة، فحيثما يوجد نفط يجب أن تكون أمريكا حاضرة وفي المقدّمة.

وفيما يتعلّق بوارداتها من النفط من أفريقيا، فهي تشكّل قرابة الـ 15% إلى 20% من وارداتها النفطية أي ما يوازي تقريبا وارداتها من دول الشرق الأوسط. ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 25% خلال السنوات الست القادمة، بحيث تستورد الولايات المتحدة أكثر من 770 مليون برميل من النفط سنويا من القارّة السمراء.

وفي هذا الإطار، فانّ الملف النفطي في أفريقيا يدخل في البعد الأمني لسياسة الطاقة الأمريكية من جهة:

يعدّ ملف الطاقة محور تقاطع للتنافس الصيني- الأمريكي في أفريقيا، ويشهد معالم نزاعات واضحة وتنافس شرس تظهر إحدى تجلياته في السودان.

ضرورة حماية مصادر الإنتاج النفطي لاسيما الدول التي تعاني من عدم استقرار سياسي في القارة، وذلك بما يضمن تصدير النفط ووصوله إلى الولايات المتّحدة دون أي عرقلة أو ابتزاز.

  • ضرورة التحرّر من الاعتماد على نفط الشرق الأوسط عبر سياسة تنويع الواردات الجغرافية وأنواع الطاقة، وأفريقيا عنصر أساسي ومهم في هذه الإستراتيجية.
  • ضرورة رصد تحركات أي منافس حقيقي أو محتمل في هذا الإطار من شأن تحركاته أن تضر بأمن الطاقة الأمريكي وتاليا بالأمن القومي.

ثانيا: السلاح والأمن
يشكّل هذا الملف عنصر ربط نزاع بين روسيا وأمريكا في أفريقيا على اعتبار أنّ القارّة الأفريقية لوحدها تضم أكثر من 40% من النزاعات المسلّحة العالمية التي تحصل سنويا، تتوزع على أكثر من 20 دولة في القارّة.

وتشير التقديرات إلى أن كلفة النزاعات المسلحة على التنمية الأفريقية بلغت من العام 1999 وحتى 2003 حوالي 250 مليار دولار، وأنّ النزاعات المسلّحة قلّصت من حجم الاقتصاد الأفريقي بنسبة 15% وكبدته خسائر سنوية تقدر بـ18 مليار دولار، كان من المكن لها أن تستخدم في مكافحة الإيدز أو الفقر أو الجهل في القارة.

بالنسبة لروسيا، فهي تعدّ ثاني أكبر مصدّر للسلاح في العالم بعد الولايات المتّحدة الأمريكية، وقد زادت صادرات السلاح الروسي العالمية بنسبة 14% عن الفترة 2004-2008 عما كانت عليه في 1999-2003 لتسجّل رقما قياسيا بلغ 8.35 مليار دولار العام 2008، كما تضاعفت الصادرات العسكرية الروسية إلي دول القارة بنسبة 200% خلال فترة الأربع سنوات الأخيرة.

ولا ترى موسكو ضيرا في بيع الأسلحة إلى الدول الأفريقية، لتحقيق عدد من المكاسب منها:

  • أنّ مبيعات الأسلحة تدخل في إطار استعادة روسيا لنفوها في أفريقيا من خلال استمالة وتسليح الأنظمة التي تسعى إلى أنّ يتم تزويدها بأسلحة في ظل امتناع الولايات المتّحدة أو الدول الأوروبية عن القيام بذلك لأسباب سياسية.
  • أنّ مبيعات الأسلحة تشكّل مدخلا لتعميق العلاقة الاقتصادية أيضا مع الدول الأفريقية بشكل يسمح لرجال الأعمال والمؤسسات الروسية في الاستثمار والحصول على عقود سخية في هذه الدول في مجالات البنى التحتية أو القطاعات الإستراتيجية الحيوية، وقد يمهد ذلك أيضا لنقل المساعدة التكنولوجية كالطاقة النووية.

قد تكون الرؤية الروسية صحيحة من باب المصلحة التي تسعى الدول إلى تحقيقها، لكنّ هذه السياسة تزعج الولايات المتّحدة كثيرا خاصة أنها ترى فيها عنصرا من عناصر إشعال النزاعات بشكل يقوض الأمن والاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي لدول القارة مما يضر بالمصالح الأمريكية الحيوية ويمنعها من الانخراط بشكل متنامي، وذلك من باب:

  • أنّ السياسة الروسية تؤدي إلى تغذية النزاعات بشكل يهدد أمن الطاقة وأمن الممرات المائية وأمن طرق النقل، وتدعم الأنظمة الفاسدة، وقد لا تقتصر نتائج وتداعيات ذلك على الولايات المتحدة نفسها، مما سيحتم على الولايات المتحدة تعزيز تواجدها العسكري ودعمها لعدد من دول القارة.
  • أنّ النزاعات التي تشهدها أفريقيا تعمل على تقويض سلطة الدولة وإنشاء ما يسمى بـ”الدول الفاشلة” مع ما يمكن أن تشكله من خطر خاصة فيما يتعلّق بمكافحة “الإرهاب” الذي يعدّ الدافع الأول للعودة السريعة للاهتمام الأمريكي بالقارة إلى جانب النفوذ الصيني المتعاظم.

ثالثا: الاستحواذ على الموارد الطبيعية والأوّلية
يعدّ هذا الملف مرتكزا لتنافس شرس وقوي بين كل من الصين وروسيا. فالصين أكبر مستهلك ومستورد للموارد الطبيعية والأوّلية كالحديد والألمنيوم والنحاس …الخ، أمّا روسيا فهي من أكبر المستثمرين في القطاعات الحيوية في أفريقيا، فعلى سبيل المثال، استثمرت أكبر أربع شركات روسية للحديد بين الأعوام 2004 و2007 أكثر من 5 مليار دولار في منطقة الصحارى الأفريقية وحدها.

قد يبقى الأمر محصورا في الإطار التنافسي إذا التزم البعد التجاري لمضمونه ولم يتعدَّه إلى مضامين أخرى كالسيطرة على الموارد للتحكّم بها، وهي حرفة تتقنها الإستراتيجية الروسية كموضوع الغاز المورّد من روسيا عبر أوكرانيا إلى أوروبا.

لكن في هذه الحالة، سيتحوّل التنافس إلى نزاع، وقد تدخل الولايات المتحدة على الخط في حال تعداه إلى مسألة الطاقة والنفط. إذ لا يمكن للدول المتنافسة أن تفهم قيام دولة غنية بالموارد الطبيعية وبالنفط والغاز كروسيا بالاستحواذ على قطاعات إستراتيجية في أفريقيا بشكل يتخطّى البعد التجاري إلاّ من باب أنّه محاولة لعرقلة تقدّمها وحصولها على ما تحتاجه من هذه الموارد للمحافظ على صعودها، وقد تفهم الصين من هذه المعطيات أنّها المستهدفة من التحرّك الروسي في هذا.

مستقبل التنافس الدولي في أفريقيا 

أولا: مستقبل التنافس الصيني-الأمريكي
يبدو التنافس الصيني- الأمريكي في أفريقيا الأصعب والأكثر شراسة، ذلك أنه ينطوي على عنصر النفط الذي يعتبر أولوية لدى الطرفين ويؤثر بشكل أساسي ورئيسي على الأمن القومي لهما، كلّ من زاوية أوضاعه الداخلية الخاصة أو مكانته ومكانة اقتصاده.

لكّن عوامل عديدة من شأنها أن تحكم وتيرة هذا التنافس ومدى حدّته منها:

يبدو التنافس الصيني- الأمريكي في أفريقيا الأصعب والأكثر شراسة، ذلك أنه ينطوي على عنصر النفط الذي يعتبر أولوية لدى الطرفين ويؤثر بشكل أساسي ورئيسي على الأمن القومي لهما.

أسعار النفط: إذا كلّما انخفضت الأسعار، كلّما انعكس ذلك إيجابيا فيما يتعلّق بتأمين الموارد النفطيّة للبلدين دون مواجهة مشاكل كبيرة. لكنّ الأسعار ليست منخفضة ولا يبدو أّنها ستسير في منحى تنازلي مستقبلا، بل العكس هو الصحيح (لأسباب عديدة منها ازدياد نسبة الطلب العالمي بوتيرة متسارعة مستقبلا، وقلّة الأماكن والآبار الجديدة المكتشفة، عدم قدرة معظم الدول على رفع قدرتها الإنتاجية)، وهذا يعني أنّ التنافس سيكون على أشدّه، وستلعب العلاقات الدبلوماسية والقدرة المالية في هذه الحال دورا كبيرا في حجز وتأمين الحاجات النفطية من القارة الأفريقية.

وتبدو الأفضلية في هذا المجال إلى جانب الصين، نظرا للعلاقات الأمريكية المميزة مع عدد محدود من الدول الأفريقية مقارنة مع الصين، إضافة إلى وضع الصين المالي القوي التي باتت تمتلك 2 تريليون دولار احتياطي عملات صعبة على الرغم من الأزمة المالية التي ضربت العالم في مقابل وضع الولايات المتّحدة المتدهور وفاتورتها النفطيّة العالية جدا.

  1. القوّة العسكرية: وهي عنصر فعّال في تحديد مصير التنافس على النفط، إذ لا يجب أن ننسى أنّ الولايات المتّحدة وعلى الرغم من الأزمات التي تمر بها والمشاكل التي تعاني منها، إلا أنها لا تزال “الدولة الأكثر قوّة في العالم”، وهي موجودة في معظم أماكن إنتاج النفط الهامّة والحيوية العالمية كما وتسيطر على معظم طرق الإمدادات والنقل العالمية البحريّة والبريّة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يكبح إمكانية تحوّل سياسة الصين في أفريقيا ومناطق أخرى من العالم إلى سياسة هجومية متشدّدة تهدّد المصالح الأمريكية بشكل “فج”.

ويشكّل عنصر التوازن في هذه المعطيات مدخلا لإمكانية حوار قد يتشكّل بناءا على معطيات مثل:

  • أنّ التنافس في أفريقيا ليس “صفريا”، وأنّه من الممكن تقاسم المكتسبات، وإذا كان هناك خلاف فمن الممكن حلّه على قاعدة منفعة الدول الأفريقية ومصلحتها أولا.
  • من الممكن التوصّل إلى اتّفاق بشأن مسألة الطاقة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنّ الطرفين يحتاجان إلى ضمان أن تكون أسعار النفط معتدلة وأن يكون أمن الطاقة مصانا، وبذلك تتحقق المصلحة المشتركة.
  • تسخير قدرات الطرفين لتعميم الشفافية والعمل على المساعدة الاقتصادية لدول القارة.

ثانيا: مستقبل التنافس الروسي- الأمريكي
لا تزال روسيا بعيدة بأشواط عن المستوى الذي وصلته الولايات المتّحدة والصين في أفريقيا، ولذلك فإن إمكانية صياغة اتّفاق معها حول النقاط الخلافية في التنافس على القارة الأفريقية يبقى ممكنا جدّا، خاصّة وأن الأرضية المشتركة لمثل هذا التفاهم قائمة وموجودة، مثل:

  1. تحقيق الاستقرار: إذ أنّ إستراتيجية روسيا القائمة على استثمار فوائضها المالية في هذه القارة لا يمكن أن تنجح دون أن تكون الدول مستقرة وآمنة وخالية من النزاعات، لانّ الأوضاع الغير مستقرة ستهدد أول ما تهدّد الاستثمارات وهذا لا يصب في مصلحة روسيا.
  2. استعادة النفوذ من خلال الحوار: فاستعادة نفوذ روسيا الجيو-سياسي يكون من خلال التعاون والحوار وليس من خلال الابتزاز والتحكّم بالموارد، وروسيا تعلم هذا جيّدا وطبّقته مؤخرا في أفغانستان بعدما سمحت لإمدادات الحلفاء بالدخول عبرها، بعد أن كانت المقاومة الأفغانية نجحت في قطع طرق الإمداد عبر باكستان والإضرار بها. وتعلم روسيا أنّ التلاعب في أفريقيا يهدد المصالح القوميّة لأمريكا أو الصين وقد يدفع الآخرين إلى الضغط على دائرة دول الاتحاد السوفيتي السابق المحيطة بها باتجاه إزعاج روسيا.
  3. الموضوع الأمني: وسبق للولايات المتّحدة وروسيا أن تعاونتا بشكل وثيق في موضوع مكافحة “الإرهاب”، كذلك استطاعتا الوصول إلى تفاهم معيّن حول تسليح الأنظمة سواء في الشرق الأوسط أو في مناطق أخرى، عبر مفاوضات أو مساومات، وما يصح في هذه الأماكن، من الممكن له أن يصح في أفريقيا أيضا.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى