التنافس الدولي في إفريقيا.. دوافعه وأطرافه وأبعاده

سيدي أحمد ولد الأمير باحث، ومشرف وحدة الدراسات الإفريقية، بمركز الجزيرة للدراسات

بات الكثير من المؤشرات يرجِّح أن القارة الإفريقية أصبحت رقعة أساسية لصراع دولي بين لاعبين متعددين. فالولايات المتحدة الأميركية تهتم منذ بعض الوقت بالنواحي الأمنية والعسكرية في العديد من المناطق الإفريقية، وتلعب الصين أدوارًا اقتصادية واستثمارية مهمة في القارة، وتكاد فرنسا تكون اللاعب المتفرد بالعديد من المناطق الإفريقية، خصوصًا تلك التي كانت تحت نفوذها الاستعماري. وقد ظهر اللاعب الروسي مؤخرًا في بعض الدول، فضلًا عن تركيا وإسرائيل وإيران وغيرها. تضم إفريقيا أكبر تجمع للدول النامية في العالم، ذات الأسواق المتعطشة للاستثمارات، والنمو السكاني الأسرع عالميًّا، والثروات الهائلة، والحكومات المفتقرة لأدوات فرض الأمن والاستقرار وتحديث البنى التحتية وتوفير الخدمات الأساسية. يضاف إلى ذلك الموقع الجغرافي لإفريقيا والذي جعل منها قارة ذات أهمية استراتيجية خاصة؛ حيث تحتوي على مضايق مهمة ورئيسة في طرق الملاحة الدولية، وهي ثاني أكبر القارات مساحة وامتدادًا جغرافيًّا..

محتويات البحث:

المحور الاول: الصين في إفريقيا: تحقيق غايات القارة أم البحث عن المصالح الاستراتيجية؟

المحور الثاني: روسيا وإفريقيا.. حرب باردة جديدة؟

المحور الثالث: خريطة السلاح في إفريقيا: بين سياسات الاستعمار الجديد وتنافس القوى الكبرى

المحور الرابع: خيارات الطاقة في إفريقيا: سبل تأمين الإمدادات

الصين في إفريقيا: تحقيق غايات القارة أم البحث عن المصالح الاستراتيجية؟

اجتذب الوجود الاقتصادي المتنامي للصين في إفريقيا (تحديدًا إفريقيا جنوب الصحراء) على مدى العقدين الماضيين قدرًا كبيرًا من الاهتمام؛ حيث إن الزيادة السريعة في مشاركة الصين الاقتصادية وحضورها السياسي في إفريقيا يعتبران أهم تطور في قارة إفريقيا منذ نهاية الحرب الباردة. ويشار إلى الصين على أنها “إمبريالية جديدة”، وطرف فاعل حديث، واقتصاد عملاق، وقوة ناشئة. كما يُلاحَظ أن هناك ميلًا قويًّا إلى إطلاق الأحكام الأخلاقية خلال تقييم حضورها في القارة؛ فأنشطة الصين في إفريقيا كثيرًا ما تعتبر “شريرة” عندما يُنظر إليها على أنها تمثل سعي الصين للحصول على الموارد الطبيعية والإضرار بجهود الأفارقة لتحسين الاقتصاد وبناء مستقبل مستدام، في حين أنها توصف بأنها “حميدة” عندما ينظر إليها على أنها تسهم في إرساء أسس للتنمية الاقتصادية طويلة الأجل من خلال مشاريع البنيات الأساسية.

وتهيمن سرديتان على دوافع مشاركة الصين في إفريقيا: الأولى ترى في الدور المتنامي للصين في إفريقيا جزءًا من التدافع الجديد على الفرص الاقتصادية والموارد الاستراتيجية، وخاصة النفط وبعض المعادن، وتشدِّد الثانية على أن طموحات الصين السياسية في إفريقيا جاءت لكي تتحدى النفوذ الغربي في المنطقة.

لا شك أن الحصول على الموارد، يلعب دورًا مهمًّا في مشاركة الصين الاقتصادية في إفريقيا، ولكنه ليس التفسير الوحيد لعلاقاتها مع المنطقة، والتي تختلف كثيرًا عمَّا قد يوحي به ذلك.

تحاول هذه الورقة طرح إشكالية جوهرية مفادها: هل يمكن اعتبار انخراط الصين القوي والسريع اقتصاديًّا في إفريقيا غاية في حدِّ ذاته (أي من أجل مصلحة إفريقيا) أم إنه مجرد وسيلة لتحقيق أهداف أكثر أهمية؟

لمعالجة هذه الإشكالية نتساءل عن التطور التاريخي للعلاقات الصينية-الإفريقية، ودوافع دخولها للقارة، وعن مكانة القارة في سياستها الخارجية والتحديات التي تعترضها، كما نتساءل عن مكاسب القارة من دخول الصين ومخاوفها، وأخيرًا الموقع الذي تحتله الصين بين باقي القوى المتنافسة.

من التعاون السياسي إلى التعاون الاقتصادي

عرفت العلاقات بين جمهورية الصين الشعبية وإفريقيا تاريخيًّا تغيرًا كبيرًا، من سياسية صريحة إلى تركيز أكبر بكثير على العلاقات الاقتصادية. في الخمسينات من القرن العشرين، احتاجت الصين لحركات التحرير في جميع أنحاء إفريقيا في نضالاتها المناهضة للاستعمار. وبعد الاستقلال توددت الحكومة الصينية إلى الحكومات الإفريقية الجديدة للحصول على اعتراف دبلوماسي ودعم لمطالبة بيجين بتمثيل الصين في الأمم المتحدة بدلًا من حكومة الصين القومية “تايوان” التي كانت ولا تزال تعترف بها الدول الغربية. في الستينات، كانت إفريقيا أيضًا منطقة تنافس بين الصين والاتحاد السوفيتي. لذلك، قدمت الحكومة الصينية مساعدات إلى إفريقيا، وكان أبرز مثال على ذلك هو خط السكك الحديدية الذي بُني في السبعينات لحصول زامبيا على منفذ بحري كبديل للطريق التقليدي عبر زيمبابوي، والتي كانت آنذاك تحت حكم الأقلية البيضاء.

كانت المعونات التي قدمتها الصين إلى إفريقيا في تلك الفترة كبيرة بالنسبة لبلد فقير نسبيًّا كالصين، لذلك ظلت التجارة مع إفريقيا محدودة، وظل الاستثمار الأجنبي غير موجود، ومن الواضح أن المساعدات كانت مدفوعة بأهداف سياسية وليس اقتصادية، وكان خطاب التزام الصين فقط من باب التضامن ومعاداة الإمبريالية.

بعد وفاة الزعيم الصيني، ماو تسي تونغ، 1976، ونتيجة التغيرات الاقتصادية الجذرية التي اعتمدتها الصين منذ أواخر السبعينات، انخفضت المساعدات الصينية للخارج بشكل كبير، كما انخفض وجودها في إفريقيا، ولكن بعد الانتقادات الغربية للقمع في ميدان تيانانمين، في عام 1989، أعادت الصين التأكيد على علاقاتها مع البلدان النامية وخاصة إفريقيا. وفى أواخر التسعينات، وعقب جولة للرئيس الصيني الأسبق، جيانغ زيمين، قادته إلى ست دول إفريقية، عام 1996، بدأت المنطقة مرة أخرى تستحوذ على اهتمام الصين. وفى عام 2000، عُقد المنتدى الأول للتعاون الصيني-الإفريقي في بيجين، وعلى الرغم من أن الخطاب السياسي المحيط بهذه الاجتماعات لم يتغير إلى حدٍّ كبير عن الحقبة الماوية، فقد تحول المحتوى إلى التأكيد على توسيع العلاقات الاقتصادية، والمبادلات التجارية، والاستثمار الصيني(1).

الدوافع: بين الجيواقتصادية والجيوسياسية

على النقيض من التصور التقليدي بأن الصين لا تهتم إلا بالموارد الطبيعية في إفريقيا، فإن مصالح الصين في إفريقيا تشمل عدة أبعاد: سياسية واقتصادية وتجارية. وقد تختلف أهمية هذه الأهداف بالنسبة للصين بحسب الظرفية ووفقًا لطبيعة مشاركتها في المنطقة. ومن المفيد في هذا الباب التمييز بين صنفين رئيسين من المصالح التي دفعت الصين إلى الانخراط بكل ثقلها في المنطقة:

أولًا: أهداف جيوسياسية دبلوماسية: وتشمل عزل تايوان، وكسب حلفاء للحصول على الدعم الدبلوماسي في المحافل الدولية، وزيادة القوة الناعمة للصين في المنطقة، وتقديمها كبديل للغرب.

منذ الأيام الأولى لنشأة جمهورية الصين الشعبية، كانت المصالح السياسية هي المرتكز في علاقة بيجين بإفريقيا، وفي سعيها وراء الأصدقاء في النظام الدولي الثنائي القطب بعد الحرب الباردة ، حددت بيجين الدول المستقلة حديثًا في إفريقيا كمجموعة رئيسية يمكن التعاطي معها، لقد رأت الصين أرضية مشتركة وشعورًا بالتعاطف مع إفريقيا نتيجة لتجاربهما التاريخية المشتركة، فإفريقيا والصين كانتا ضحيتين “للاستعمار من قبل الرأسماليين والإمبرياليين” وواجهتا نفس السعي إلى الاستقلال الوطني والتحرير بعد الحرب العالمية الثانية، وبموجب هذه المبادئ، وخلال أول لقاء رسمي للصين مع إفريقيا في مؤتمر باندونغ، عام 1955، شارك رئيس الوزراء، تشو إن لاي، وبنشاط إلى جانب قادة ست دول إفريقية، هي: مصر وإثيوبيا وغانا وليبيريا وليبيا والسودان.

وفي ستينات القرن العشرين، وبسبب الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي لإشراك إفريقيا، فضلًا عن الصراع المتصاعد بين الصين والسوفيت، وسط تلك المنافسة ازداد التركيز على إفريقيا في أجندة السياسة الخارجية الصينية. وخلال الفترة من 1963 إلى 1964، زار رئيس الوزراء، تشو إن لاي، عشر دول إفريقية وأصدرت الصين “المبادئ الثماني للمساعدة الاقتصادية والتكنولوجية الأجنبية”. وقد صُمِّمت مبادئ المعونة هذه للتنافس في نفس الوقت مع الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي للحصول على دعم إفريقيا؛ حيث استخدمت الصين مساعداتها الخارجية لإفريقيا كأداة لتعزيز مصالحها السياسية.

وخلال الثورة الثقافية، وتحت تأثير الأيديولوجية الثورية، قدَّمت الصين كميات كبيرة من المساعدات الأجنبية لإفريقيا، على الرغم من الصعوبات الاقتصادية الداخلية التي كانت تواجهها. فقد قدمت الصين قرضًا بدون فوائد بقيمة 988 مليون يوان، وقد أسهمت مشاريع المعونة الخارجية هذه في إقامة علاقات دبلوماسية في تلك الفترة شملت 19 دولة إفريقية.

وبحلول منتصف الثمانينات، كانت جهود بيجين السياسية والمعونات قد أكسبتها علاقات دبلوماسية مع 44 دولة إفريقية. ومن حيث الأهمية السياسية لإفريقيا، كان الهدف الرئيسي للصين تاريخيًّا هو الاعتراف الدبلوماسي وإقامة علاقات رسمية تعزز الشرعية السياسية للنظام الشيوعي طوال ستينات القرن العشرين؛ حيث أسهم دعم الدول الإفريقية بشكل كبير إلى خفض الضغوط على الصين، تلك الضغوط الناجمة عن العزلة الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، ومنذ ذلك الحين ظل تقارب الصين تجاه إفريقيا ثابتًا.

من ناحية أخرى، تعتمد الصين اعتمادًا كبيرًا على الدعم الدبلوماسي والتعاون مع البلدان الإفريقية بشأن القضايا الرئيسية على الساحة الدولية وفي المحافل متعددة الأطراف؛ حيث تمثِّل الدول الإفريقية الـ54 أكثر من ربع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وفي عام 1972، اقتنعت الصين بالأهمية والقيمة السياسية الحقيقية لإفريقيا عندما صوَّت 26 بلدًا إفريقيًّا لصالح استئناف جمهورية الصين الشعبية مقعدها في الأمم المتحدة.

وفي أعقاب أحداث ميدان تيانانمين، في عام 1989، واجهت بيجين عزلة دولية خطيرة وعقوبات غربية، ومرة أخرى، فإن ستة بلدان إفريقية هي من أنقذت الصين بدعوة وزير الخارجية الصيني إلى زيارتها، وكان أول رئيس دولة ووزير خارجية الذي زار الصين بعدها من إفريقيا أيضًا.

في عام 2008، وقبل أولمبياد بيجين، أصبحت قضية “التبت” نقطة مؤلمة بالنسبة للصين في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة؛ حيث اعتمدت الصين على البلدان الإفريقية في التزام الصمت وعدم إصدار بيانات تدعم سياسة التبت من أجل نزع فتيل المناقشات أو الأعمال العدائية واستباقها.

اليوم، وفيما يتعلق بقضايا تتراوح بين حقوق الإنسان وإصلاح الأمم المتحدة والأمن الإقليمي وبين المصالح الوطنية الأساسية للصين، تتطلع الصين إلى أن تكون إفريقيا دائمًا إلى جانبها.

ومن بين التطلعات السياسية الرئيسية للصين في علاقتها مع إفريقيا كذلك إنهاء الوجود الدبلوماسي لتايوان في القارة، فبالنسبة لبيجين، فإن تبني إفريقيا لسياسة “الصين الواحدة” وقبول بيجين بدلًا من تايبيه باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للصين أمر يتعلق بشرعية النظام السياسي(2).

تاريخيًّا، خلال الحرب الباردة وقبل سياسة الإصلاح والانفتاح الصينية، كانت الأيديولوجية عاملًا رئيسيًّا في تحديد سياسة الصين تجاه البلدان الإفريقية؛ حيث كانت الصين ترى نفسها المرشح الأول في العالم النامي ضد الاستعمار والإمبريالية. إن التركيز على الأيديولوجية نشأ بسبب البيئة الخارجية العدائية التي أجبرت الصين على البحث عن حيز دبلوماسي ودي لضمان بقائها، وبعد التخلي عنها تدريجيًّا منذ 1979، طورت علاقات واسعة مع جميع البلدان الإفريقية التي تتبنى سياسة الصين الواحدة.

 إذا كانت علاقة الصين مع البلدان الإفريقية مدفوعة في المقام الأول بالمصالح الاقتصادية والاعتبارات السياسية، مثل حشد المؤيدين الدوليين ودعم شرعية الحكومة الصينية، فإن مصلحة الصين الأيديولوجية في إفريقيا لم تختف نتيجة لتحويل البلاد أولوياتها إلى الميدان الاقتصادي، وبدلًا من ذلك، اتخذت شكلًا مختلفًا وأكثر دهاء، شكلًا يدعم شرعية بيجين من خلال نشر وتعميم نموذجها في التنمية؛ حيث كلما زاد عدد البلدان التي تتبنى نهج بيجين وتعتمده، شعرت الصين بأنها أقل عزلة. كما تود بيجين أن ترى الحكومات غير الغربية وغير الديمقراطية تنمو وتزدهر، وذلك ببساطة لأنها تزيد من شرعية نظامها السياسي دوليًّا من خلال إظهار أن الديمقراطية الغربية ليست قيمة عالمية. لذلك، فإن أي نجاح للحكومات غير الديمقراطية في إفريقيا، يُنظر إليه في حدِّ ذاته على أنه يشكِّل دعمًا لشرعية الحزب الشيوعي الصيني(3).

ورغم أن الصين لا تزعم سعيها إلى فرض نموذجها الخاص على بلدان إفريقيا، إلا أن الإعجاب بالنموذج الصيني في إفريقيا يُنظر إليه باعتباره يمنح الشرعية للحزب الشيوعي الصيني أيضًا في الداخل(4).

ثانيًا: أهداف جيواقتصادية(5): وتشمل أمن إمدادات الطاقة والموارد المعدنية والزراعية من جهة، والأهداف التجارية المتعلقة بالسوق الاستهلاكية التي توفرها لمصنِّعيها وشركاتها في القطاعين الخاص والعام، بهدف تعزيز الصادرات ودعم التوسع الدولي للشركات الصينية والحد من الاعتماد على التجارة مع الغرب من ناحية ثانية.

وهناك جدل داخل الصين حول ما إذا كانت المصالح السياسية أو المصالح الاقتصادية يجب أن تمثل الأولوية القصوى للصين في علاقتها مع إفريقيا. وعلى الرغم من الأهمية السياسية لإفريقيا، فقد رفعت الصين الاعتبارات الاقتصادية إلى مستوى أعلى بكثير في جدول أعمالها المحلي والخارجي منذ بداية الإصلاح والانفتاح في عام 1979، وهذه هي النتيجة المباشرة لاستراتيجية بيجين لتنويع وتعزيز شرعيتها من خلال تحقيق التنمية الاقتصادية لعامة السكان.   

ووفقًا للمحلِّلين الصينيين، فإن العقود الست من العلاقات الاقتصادية الصينية-الإفريقية يمكن تقسيمها بشكل تقريبي إلى ثلاث مراحل:

  • أولًا: من عام 1949 إلى عام 1979: كانت الأنشطة الاقتصادية للصين في إفريقيا مدفوعة أساسًا بجدول أعمال الصين السياسي، وركزت على تقديم مساعدات اقتصادية للدول الإفريقية المستقلة حديثًا من أجل بناء علاقات دبلوماسية، ودعم “مناهضة الإمبريالية” ومكافحة الاستعمار في إفريقيا، والحصول على دعمهم لجمهورية الصين الشعبية على الصعيد الدولي.
  • ثانيًا: منذ بداية الاصلاح والانفتاح وحتى منتصف التسعينات: تحول تركيز السياسة الخارجية للصين إلى دعم التنمية الاقتصادية المحلية، وقد أدى هذا التحول بشكل مباشر إلى التعديل التدريجي لأولويات الصين في سياستها في إفريقيا من الخدمات السياسية إلى “التعاون الاقتصادي المفيد للطرفين”، ومن تقديم المساعدة إلى تعزيز “عقود الخدمات والاستثمار والتجارة”.
  • ثالثًا: ابتداءً من منتصف التسعينات: بدأت نظرية “استخدام الأسواق والموارد المحلية والدولية على حدٍّ سواء” تسود العلاقات الاقتصادية الخارجية للصين. لقد أدى هذا التغيير إلى ازدهار التعاون الاقتصادي الدولي للصين مع إطلاق استراتيجية “الذهاب إلى الخارج” (Going Out)، في عام 1996، من جانب الرئيس جيانغ زيمين بعد زيارته لست دول إفريقية وتم اعتمادها في عام 2000 بوصفها استراتيجية وطنية وظلت سارية المفعول منذ ذلك الحين(6).

المواد الأولية: إن احتياطيات الطاقة الغنية في إفريقيا والمعادن والمواد الخام تغذِّي بشكل مباشر سعي الصين للحصول على الموارد الطبيعية لتعزيز نموها الاقتصادي المحلي. وإفريقيا هي ثاني أكبر قارة في العالم بمساحة 30 مليون كيلومتر مربع و1.2 مليار نسمة وتحتوي على كمية هائلة من الموارد الطبيعية، وقد جعلت هذه السمة، إلى جانب الكثافة السكانية المنخفضة نسبيًّا وقطاع الصناعات التحويلية الصغيرة، إفريقيا هدفًا رئيسيًّا للواردات الصينية. كما تحتل إفريقيا المرتبة الأولى أو الثانية من حيث الوفرة على مستوى العالم، بالنسبة لمعادن كالبوكسيت والكوبالت والماس وصخور الفوسفات والمعادن البلاتينية والكولتان والفيرميكوليت والزركونيوم، كما أن العديد من المعادن الأخرى موجودة بكميات كبيرة، مثل الذهب والنحاس والفحم والنفط وما إلى ذلك(7).

بالتالي، فإن النفط والمعادن هي في صميم العلاقة الاقتصادية بين الصين وإفريقيا وينعكس ذلك في تكوين وارداتها والقطاعات الرئيسية التي تستثمر فيها شركاتها. وعلى الرغم من أن المصادر تختلف اختلافًا كبيرًا في تقديراتها لحجم استثمارات الشركات الصينية في النفط والتعدين في إفريقيا، فإنها تتفق جميعها على أن هذه القطاعات هي الأهم من حيث الاستثمار الصيني في المنطقة.

 وعلى الرغم من أن المشاريع والقروض الصينية لا تتركز فقط في الصناعات الاستخراجية، فإنها ترتبط ارتباطًا غير مباشر بالقطاع من خلال الاستخدام واسع النطاق للقروض المعروفة باسم “الموارد مقابل البنيات التحتية”، والتي غالبًا ما تُستخدم لتمويل مشاريع البنية التحتية في المنطقة.

وقد جعل اعتماد الصين المتزايد على النفط والمعادن المستوردة منذ منتصف التسعينات من القرن العشرين ضمان إمدادات المواد الأولية هدفًا استراتيجيًّا؛ حيث اعتمدت استراتيجيات مختلفة لزيادة أمن تلك الموارد، بما في ذلك تنويع مصادر الواردات، واقتناء الشركات الصينية للموارد في الخارج، والعقود طويلة الأجل مع المورِّدين الأجانب من جهة.

من جهة ثانية، عملت الصين على تشجيع شركات النفط والتعدين على الاستثمار في الموارد الأساسية في الخارج، ومن ثم أصبحت المنطقة هدفًا مهمًّا للاستثمار الصيني. في عام 2013، قدَّرت الوكالة الدولية للطاقة أن أكثر من ربع النفط الذي تنتجه الشركات الصينية في الخارج يأتي من إفريقيا، وقد استثمرت الشركات الصينية في التعدين والمعادن في إفريقيا أكثر مما استثمرت في قطاع الطاقة. وللأسف، لا توجد معلومات عن إنتاج الشركات الصينية في المنطقة للمعادن أو عن حصة الواردات الصينية التي تمثلها تلك المعادن. الاستراتيجية الثالثة لزيادة أمن الموارد هي العقود طويلة الأجل المبرمة مع الموردين، وهنا، فإن الدور الذي تلعبه القروض المعروفة باسم “مبادلة الموارد مقابل البنيات التحتية” كبير جدًا؛ حيث تشمل العقود التزام الحكومة المقترضة بتوريد المواد الأولية على مدى عدد من السنوات من أجل سداد القرض، طالما أن المقترض لا يتراجع عن القرض، وهذا يضمن إمدادات آمنة على المدى الطويل(8).   

كما أن إفريقيا أصبحت مهمة لأسباب تتعلق بالأمن الغذائي الصيني؛ حيث تتجه بيجين إلى إفريقيا لشراء أراض زراعية شاسعة بهدف استثمارها لإطعام سكانها الذين سيتجاوزون 1.5 مليار شخص بحلول عام 2025.

وقد زادت الواردات الصينية من المنتجات الزراعية الإفريقية في 2020 بنسبة 14 في المئة في المتوسط سنويًّا، مما جعل الصين ثانيَ أكبر مستورد في هذه الفئة؛ وتعد جنوب إفريقيا ونيجيريا وأنغولا ومصر والكونغو الشركاء الرئيسيين الخمس للصين من حيث واردات المنتجات الزراعية(9).

التجارة: لقد أبرزت عدة دراسات استقصائية أهمية الاعتبارات التجارية مثل الوصول إلى السوق المحلية، والاستفادة من الاتفاقات التجارية الإفريقية، وانخفاض تكاليف الإنتاج، والتوفر على المواد الخام في القرارات الاستثمارية للشركات الصينية في القارة. ظلت الصين تراقب إفريقيا لإمكاناتها السوقية؛ حيث تتميز الصناعات التحويلية الصينية بإنتاج المنسوجات والإلكترونيات والمنتجات الأخرى بسعر منخفض نسبيًّا، وهو ما يناسب السوق الإفريقية الأقل تقدمًا. وقد تعززت أهمية إفريقيا كسوق للصين بشكل كبير نتيجة للأزمة المالية الدولية في عام 2008 وتأثيرها الرهيب على صناعات التصدير، عندما انكمش الطلب على السلع الصينية من الاقتصادات الغربية الراكدة، فاضطرت صناعات التصدير في الصين إلى اللجوء إلى أسواق بديلة لملء الفراغ. علاوة على ذلك، وفي الوقت الذي تسعى فيه الصين إلى الارتقاء باقتصادها الصناعي والارتقاء في سلسلة التوريد العالمية، فإن إفريقيا، بمواردها العمالية الهائلة وغير المستغلة، تعتبر الموقع المثالي للصناعات الصينية كثيفة العمالة، ومن خلال نقل تلك الصناعات والوظائف ذات المهارات المنخفضة إلى إفريقيا؛ حيث تسعى الصين إلى المزيد من الصناعات في التكنولوجيا الفائقة لتحسين نموذجها التنموي وجودته(10).

ومن المبادرات الأخرى الرامية إلى تعزيز التجارة والاستثمار الصينيين في إفريقيا إنشاء مناطق اقتصادية خاصة؛ حيث أُنشئت خمس مناطق تقريبًا، اثنتان منها في نيجيريا ومنطقة واحدة في كل من إثيوبيا وزامبيا وموريشيوس، وأخرى يجري إنشاؤها تهدف أساسًا إلى تزويد السوق المحلية وربما الإقليمية بدلًا من أن تكون منصة للصادرات إلى السوق العالمية(11). وتشير دراسة أجرتها “وكالة ماكنزي الأميركية” إلى أكثر من ألف شركة صينية تعمل حاليًّا في إفريقيا، مصادر أخرى تتحدث عن ألفين وخمسمئة شركة، 90% منها شركات خاصة، فيما توقعت أن تصل قيمة الأرباح المالية التي تجنيها الصين من إفريقيا في حلول 2025 إلى 440 مليار دولار(12).

وبالمقارنة بعام 1950، عندما بلغ إجمالي التجارة الصينية الإفريقية 121 مليون دولار فقط، تجاوزت التجارة الصينية-الإفريقية بحلول عام 2000 عتبة 10 مليارات دولار. وفي عام 2020، وصلت قيمة التجارة بين الصين وإفريقيا إلى 187 مليار دولار، وبلغت قيمة الواردات 72.7 مليار دولار والصادرات 114.2 مليار دولار أميركي. وبحسب وزارة التجارة الصينية، فإن الصين حافظت على مكانتها كأكبر شريك تجاري مع إفريقيا لـ12 عامًا متتالية، في الوقت الذي عززت فتح سوقها على إفريقيا، وشملت استثمارات الشركات الصينية الجديدة 47 دولة إفريقية في عام 2020، كما وصلت القيمة التعاقدية لمشاريع المقاولات الصينية في إفريقيا إلى 67.9 مليار دولار أميركي ما يشير إلى الثقة المتنامية للشركات الصينية في السوق الإفريقية(13).

إن التمييز بين الدوافع الجيواقتصادية والجيوسياسية ليس منفصلًا في أغلب الأحيان؛ حيث يمكن النظر إلى الأهداف الجيواقتصادية التي تم التطرق اليها على أنها تخدم أغراضًا جيوسياسية على المدى البعيد من حيث ضمان استمرار النمو الاقتصادي الذي يشكِّل مصدر الشرعية للحزب الشيوعي، وخارجيًّا من خلال المساهمة في الصعود السياسي للصين على الصعيدين، الإقليمي والعالمي.

إفريقيا كتكتيك لاستراتيجية الصين الكبرى

خلال إدارة هو جينتاو (2003-2012)، بدأت الصين في تبنِّي مبدأ شمولي في السياسة الخارجية “من جميع النواحي/في جميع الاتجاهات” (all-round/all-directional) الذي لا يفرِّق نظريًّا بين المناطق الجغرافية أو البلدان. ووفقًا لكبار المحلِّلين الصينيين، فإن السياسة الخارجية الصينية لا ترتبط بالعلاقة مع منطقة أو دولة بعينها، بل تعتمد على دبلوماسية متوازنة تسعى إلى تطوير العلاقات مع جميع القوى المهمة في العالم. وبموجب هذا المبدأ، وضعت الصين خريطة استراتيجية محددة لجميع المناطق والبلدان في العالم قوامها: القوى الكبرى هي المفتاح؛ ومحيط الصين يشكِّل الأولوية؛ والبلدان النامية هي الأساس؛ والمنابر متعددة الأطراف هي المنصة. ورغم ذلك فإن البلدان ليست كلها متساوية، والواقع أن الصين تفرق فيما بينها، ويتم التعامل مع جيران الصين والقوى الكبرى باعتبارها مجالات أكثر أهمية بالنسبة للسياسة الخارجية. ومن ناحية أخرى، فإن علاقاتها مع القوى الكبرى، مثل علاقة الصين بالولايات المتحدة، مهمة بطبيعة الحال لأن لها التأثيرَ الأكبرَ على المصالح الوطنية للصين(14).

من هذا المنطلق، فإن فئة البلدان النامية التي تنتمي إليها الدول الإفريقية، تشكِّل “أساسًا” أو يمكن اعتبارها “تكتيكًا” لاستراتيجية الصين الكبرى (أي إجراء من بين مجموعة من الإجراءات المحددة التي تساعد على تنفيذ الاستراتيجية الكبرى)، بمعنى آخر يمكن اعتبارها وسيلة أو أداة لعلاقة الصين بأجزاء أكثر أهمية من العالم.

فإفريقيا ليست في جوار الصين ولديها معها علاقات مستقرة وإيجابية نسبيًّا، ولا تشكِّل لها أي تهديد، وليست قوة كبيرة موحدة، لذلك فأهميتها الرئيسية تكمن في تشكيل الأساس لعلاقة بيجين بالعالم، وبالتالي فهي تتطلب قدرًا أقل من الاهتمام والجهد من جانب الصين، مقارنة مع محيط الصين الإقليمي المتسم بالتوتر والنزاعات، وبالمقارنة مع القوى العظمى (خاصة مع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة)، الذين تعتبرهم أكبر تهديد محتمل للأمن القومي الصيني؛ حيث ترى في دعمهم لتايوان والجماعات التبتية والأويغورية في الخارج تحديًا مباشرًا لسيادة جمهورية الصين الشعبية.

إن إفريقيا لا تشكِّل تهديدًا أو تحديًا مباشرًا للأمن القومي الصيني، وبسبب المسافة الجغرافية لا يوجد نزاع إقليمي بين الصين وإفريقيا، ولا يؤيد الأفارقة بشكل عام جهود تايوان أو التبت أو شينجيانغ في سعيها للاستقلال عن الصين، وليس لها مصلحة في تعزيز الديمقراطية في الصين. وبما أن إفريقيا منطقة أقل إثارة للقلق بالنسبة للسياسة الخارجية الصينية، فإن بيجين لديها مجالات رئيسية أكثر إثارة للقلق، وموارد أقل مخصصة لإفريقيا.

وبالرغم من أهمية دعم إفريقيا للأجندات السياسية المحلية والدولية للصين، إلا أنه يُعتقد أن تأمين مثل هذا الدعم سهل نسبيًّا.

وهناك سبب آخر يجعل إفريقيا ذات أولوية منخفضة في السياسة الخارجية للصين يكمن في حقيقة أن المصالح الاقتصادية للصين في القارة بأكملها صغيرة نسبيًّا على الرغم من نموها المثير للانتباه. إن كبار الشركاء التجاريين للصين إما قوى كبرى أو جيران للصين، في حين أن إفريقيا شريك ثانوي. فاعتبارًا من عام 2012، كان أكبر الشركاء التجاريين للصين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) وهونغ كونغ واليابان.

وعلى الرغم من أن التجارة الصينية-الإفريقية بلغت 198.4 مليار دولار في عام 2012، إلا أنها لا تشكِّل سوى 5% من التجارة العالمية للصين (3.867 تريليونات دولار). ومن حيث الصادرات والواردات تشكل إفريقيا 4.2% و6.2% على التوالي من صادرات وواردات الصين العالمية(15).

رغم كل ذلك، فإن إفريقيا ستظل مهمة للصين باعتبارها وسيلة ضرورية لتحقيق بعض أهدافها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية في المدى البعيد. كما تسعى الصين من خلال توسيع علاقاتها مع إفريقيا -علاوة على المكاسب والفرص التي توفرها- إلى إبراز تضامنها مع العالم النامي في سعي الصين إلى “إضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية” ووضع بصمتها في النظام الدولي الجديد.

لذلك، تستخدم الصين الدبلوماسية والعلاقات الاقتصادية والتجارية والمساعدات والقروض والثقافة وغيرها في علاقاتها الإفريقية لكسب ثقة الأفارقة أولًا، ثم للحفاظ على علاقاتها الجيدة مع الدول الإفريقية وتوطيدها بما يخدم أهدافها الاستراتيجية.

دبلوماسيًّا: لقد سافر تقريبًا كل سياسي صيني رفيع المستوى إلى إفريقيا، وزار العديد من القادة الأفارقة الصين، وتتوفر بيجين على حوالي 48 سفارة في إفريقيا، كما أن مقاطعاتها البالغة 22، فضلًا عن خمس مناطق ذاتية الحكم، لها جميعًا علاقات مع الدول الإفريقية. وتتضمن الدبلوماسية العامة الصينية في إفريقيا المبادلات العلمية، والأنشطة الثقافية 46) معهد كونفوشيوس(، والحكامة، والتعاون الأمني والإعلام. كما قامت الصين ببناء مقر الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا، في عام 2012، وشكَّل المقر “هدية” بقيمة 200 مليون دولار تم تمويلها بالكامل من قبل الحكومة الصينية(16).

المعونات: منذ عام 2000، نمت المساعدة الإنمائية التي تقدمها الصين إلى إفريقيا نموًّا كبيرًا، وبينما تصوِّر الصين نفسها على أنها “أكبر دولة نامية”، إلا أنها تدعي إنفاق أكثر من نصف مساعداتها الخارجية في صالح 51 دولة إفريقية تشمل المشاريع والسلع والتعاون التقني، والتعاون في مجال تنمية الموارد البشرية، والمساعدات الطبية والإنسانية (وهذه غالبًا ما تمر من خلال منظمات الأمم المتحدة)، والمتطوعين، وتخفيف عبء الديون. إضافة إلى المساعدات المادية سواء كمنح -أي المساعدات بدون مقابل- أو القروض بدون فوائد أو القروض الميسرة. ورغم أن الحكومة الصينية لا تنشر سوى القليل من التفاصيل حول برنامج مساعداتها الخارجية، فقد وجدت منظمة آيد/دلتا AidData أن الصين قدمت نحو 31.5 مليار دولار من المعونة إلى إفريقيا بين عامي 2000 و2013، وعلى سبيل المقارنة، صرفت الولايات المتحدة حوالي 92.7 مليار دولار، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف المبلغ خلال الفترة نفسها(17).

القروض: تعهدت الحكومة الصينية بالتزامات رفيعة المستوى بتوفير التمويل لإفريقيا في اجتماعات منتدى التعاون الصيني-الإفريقي عام 2006؛ حيث وعدت بتقديم 5 مليارات دولار في شكل قروض تفضيلية وائتمانات تفضيلية لتصدير المشتريات نحو إفريقيا بين عامي 2007 و2009، كما جرى التعهد بتقديم عشرة مليارات دولار في شكل قروض تفضيلية بين عامي 2010 و2012، وعشرين مليار دولار بين عامي 2013 و2015. وفي عام 2015، وعدت بمبلغ ستين مليار دولار على مدى السنوات الثلاثة اللاحقة، وجرى التعهد بنفس المبلغ في عام 2018. لكن بعيدًا عن التعهدات الفضفاضة، من الصعب الحصول على صورة واضحة عن حجم التدفقات المالية الصينية نحو إفريقيا، كما لا تنشر الحكومة الصينية بيانات عن التدفقات المالية الرسمية على أساس دولتي أو إقليمي، ولا ينشر بنك التصدير والاستيراد أو بنك التنمية الصيني شيئًا عن ذلك، وهما المزوِّدان الرئيسيان للتمويل الصيني لإفريقيا. وتتركز القروض الصينية لإفريقيا في قطاعي النقل والطاقة؛ حيث يتسق ذلك مع وجهة نظر الحكومة الصينية بأن “البنية التحتية الأساسية هي العائق الرئيسي في تنمية العديد من البلدان الإفريقية”. وخلافًا للرأي السائد، فإن نسبة صغيرة من القروض الصينية تذهب مباشرة إلى مشروعات التعدين أو البترول والغاز في إفريقيا.

ومن سمات التمويل الصيني في إفريقيا الاستخدام المكثف لقروض “الموارد مقابل البنيات التحتية”، والتي يتم سدادها من خلال تصدير الموارد الأساسية إلى الصين. وبحسب أكثر تقدير لتلك القروض المقدمة إلى إفريقيا فإن المبلغ الإجمالي للفترة بين عامي 2000 و2014 بلغ نحو 30 مليار دولار، وهو ما يمثل ثلث مجموع إقراض الصين لإفريقيا خلال هذه الفترة؛ حيث إن معظم هذه القروض يتعلق بالنفط، وبعضها بالمعادن وفي حالات قليلة يتم السداد عن طريق الصادرات الزراعية(18).

الاستثمارات المباشرة: على الرغم من أن إفريقيا تمثل 16.7% من سكان العالم، بيد أن مخزون الاستثمار الأجنبي المباشر الداخلي في المنطقة لا يتجاوز 2.6% (954 مليار دولار) من الإجمالي العالمي في عام 2019. ثم إن حصة الصين من الاستثمار الأجنبي المباشر في إفريقيا كانت خامس أكبر مخزون في عام 2018؛ حيث بلغت 46 مليار دولار، بعد كل من هولندا وفرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة. ومع ذلك، فقد ارتفع مخزون الصين من الاستثمار الأجنبي المباشر في إفريقيا بنسبة 43.8% بين عامي 2014 و2018، في حين شهدت فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة انخفاض أسهم الاستثمار الأجنبي المباشر الخاصة بهما بنسبة 11.7% و26.9% و30.4% خلال الفترة نفسها. فيما بلغ إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من الصين إلى إفريقيا 95.7 مليار دولار في الفترة من 2005 إلى 2019، وهو ما يمثل 7.8% فقط من الاستثمار الأجنبي المباشر الصادر للصين على مدى فترة الـ15 عامًا. ويتركز ما يزيد قليلًا عن 40.3% من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر للصين في إفريقيا في ثلاثة بلدان فقط: نيجيريا وجنوب إفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

إن احتياجات الصين الهائلة من الموارد تجعل من إفريقيا مقصدًا مناسبًا للاستثمارات الصينية؛ حيث إن القارة تضم ما لا يقل عن 28 دولة يصنِّفها صندوق النقد الدولي على أنها غنية بالموارد، وقد ذهب حوالي 37.9% من الاستثمارات الاجنبية المباشرة الصينية في إفريقيا إلى قطاع الطاقة.

وفي حين أن الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني في إفريقيا كبير، فإن قيمة مشاريع البناء الصينية في القارة أكبر بكثير، وتشير إلى أن إفريقيا تشكِّل أولوية لمشاريع البنية التحتية الصينية؛ ففي الفترة من 2005 إلى 2019 وقَّعت الصين 544 عقد بناء في إفريقيا بقيمة إجمالية بلغت 267.7 مليار دولار، وهو ما يمثل حوالي ثلث القيمة الإجمالية لمشاريع البناء للصين في جميع أنحاء العالم(19).

عقود المشاريع: وثمة شكل آخر تتخذه المشاركة الصينية في إفريقيا ويتم من خلال مشاريع متعاقد عليها في الخارج والتي لا تنطوي على استثمارات مباشرة؛ حيث إن الصينيين نشطون للغاية في بناء الطرق والسكك الحديدية والسدود ومحطات الطاقة، فضلًا عن المباني العامة في جميع المناطق. وقد زادت الأرقام الصينية الرسمية لقيمة المشاريع المنجزة بأكثر من عشرين ضعفًا بين عامي 2003 و2015. ومنذ عام 2010، شكَّلت إفريقيا حوالي 30% من القيمة الإجمالية للمشاريع المتعاقد عليها من الصين في جميع أنحاء العالم، وتم توظيف أكثر من 130 ألف عامل صيني في مشاريع في إفريقيا في نهاية عام 2015.

إن الصين تشكِّل المصدر الأكثر أهمية للتمويل الخارجي للبنيات الأساسية في إفريقيا، وتمثل الشركات الصينية ما يقرب من نصف سوق الهندسة والمشتريات والبناء في المنطقة. خلال الفترة 2005-2015، كانت أنغولا ونيجيريا وإثيوبيا والسودان وغينيا الاستوائية أهم الأسواق في المنطقة بالنسبة للمتعاقدين الصينيين، وجميعها من كبار مصدِّري النفط، باستثناء إثيوبيا. وتمثل هذه المشاريع فيما بينها أكثر من نصف قيمة المشاريع الصينية المنجزة في إفريقيا خلال هذه الفترة. على الرغم من أن البيانات الصينية الرسمية عن العقود الخارجية لا تعطي تفاصيل عن القطاعات المعنية، إلا أن التقديرات تشير إلى أن أهم قطاع من حيث العقود الصينية في المنطقة هو النقل، الذي يمثل ما يقرب من نصف قيمة العقود المعلن عنها بين عامي 2005 ومنتصف عام 2016، خاصة مشاريع السكك الحديدية؛ حيث تمثل أكثر من نصف قيمة مشاريع النقل. القطاع الثاني هو الطاقة لاسيما الطاقة الكهرومائية، التي تمثل نصف جميع عقود الطاقة. وأخيرًا، تمثل مشاريع البناء 12% من المجموع(20).

في العام 2020، تم بناء أكثر من ستة آلاف كيلومتر من السكك الحديدية والطرق السريعة وما يقرب من عشرين ميناء وأكثر من ثمانين منشأة طاقة كبيرة وأكثر من 130 مؤسسة طبية و45 منشأة رياضية و170 مدرسة، وبلغت قيمة العقود الجديدة للمشاريع الهندسية التي وقَّعتها الشركات الصينية في إفريقيا 55.1 مليار دولار، بزيادة 13.3%(21). وخلقت الشركات الصينية أكثر من 4.5 ملايين فرصة عمل في القارة الإفريقية(22).

منتدى التعاون الصيني-الإفريقي: هو منتدى استشاري وآلية حوار بدأتها الصين في عام 2000 لتعزيز التعاون الصيني مع إفريقيا في مختلف القطاعات، انعقد أول مرة في بيجين، في الفترة من 10 إلى 12 أكتوبر/تشرين الأول 2000، وشارك فيه الرئيس، جيانغ زيمين، ورئيس مجلس الدولة، تشو رونغ جي، ونائب رئيس جمهورية الصين الشعبية، هو جين تاو.

حضر هذا الاجتماع أكثر من 80 وزيرًا من الصين ومندوبون من 44 دولة إفريقية من بينهم رؤساء وممثلون من 17 منظمة دولية وإقليمية(23).

ومنذ إنشاء المنتدى في عام 2000، قامت إفريقيا والصين بصياغة وتنفيذ “عشرة برامج رئيسية للتعاون” و”ثماني مبادرات كبرى”، ومنذ ذلك الحين، ارتفع حجم التجارة بـ20 ضعفًا، وزاد الاستثمار المباشر للصين في إفريقيا بمقدار 100 ضعف(24).

إن الصين اليوم هي أكبر لاعب أجنبي في إفريقيا، وهي أكبر شريك تجاري لإفريقيا، وأكبر مموِّل للبنية التحتية، والمصدر الأسرع نموًّا للاستثمار الأجنبي المباشر، كما يتدفق رواد الأعمال الصينيون إلى القارة، ويستثمرون في مشاريع طويلة الأجل.

لكن لغاية اللحظة، يبقى من الصعب أن ننظر لمشاركة الصين في إفريقيا باعتبارها جزءًا من سياسة متكاملة أو استراتيجية مدروسة جيدًا وطويلة الأجل، بل إن الأمر متعلق فقط بمجموعة من الأهداف وبعض الأدوات والآليات المستعملة لبلوغ تلك الأهداف. وينعكس ذلك بشكل كبير في فشل الصين في تحديد أولويات مصالحها الاقتصادية والسياسية في علاقتها مع إفريقيا. وفي حين تنظر الصين إلى إفريقيا في المقام الأول من خلال المنظور الاقتصادي، فإن لديها مصالحَ سياسيةً رئيسيةً أخرى، مثل دعم إفريقيا لأجندة الصين المحلية والخارجية.

لكن بدون استراتيجية إفريقية متماسكة، فإن الصراع بين الأهداف الاقتصادية والسياسية للصين يسهم بشكل مباشر في تنامي الصراعات البيروقراطية بين كل من وزارة الخارجية ووزارة التجارة؛ حيث إن كلتيْهما تعتبر نفسها الممثل الحقيقي للمصالح العليا للصين في إفريقيا، وتعتقد وزارة الخارجية أن جدول الأعمال الاستراتيجي الأوسع للصين تقوضه أولوية الأهداف الاقتصادية. إن الصراع واضح للغاية على سبيل المثال حول المعونات الخارجية التي تقدمها الصين لإفريقيا: فبالنسبة لوزارة الخارجية فإن المساعدات الخارجية هي بالأساس أدوات سياسية للصين لتعزيز العلاقات الثنائية وتسهيل تنمية الدول الإفريقية، أما الاعتبارات السياسية فينبغي أن تكون أهم المعايير في اتخاذ القرار المتعلق بالمعونات، ولا ينبغي أن تكون الفوائد الاقتصادية مرتبطة بمشاريع تلك المعونات فقط، مثل الربحية أو استخراج الموارد أو عقود خدمات الاستحواذ للبائعين الصينيين، فهذه تأتي في المقام الثاني. في حين ترى وزارة التجارة العكس، ومن وجهة نظرها، تخدم المساعدات الخارجية الأولوية الوطنية الشاملة للصين وهي النمو الاقتصادي، لذلك ينبغي أن تعكس جميع جوانب قرارات المعونات اعتبارات اقتصادية واسعة النطاق.

وبموجب هذا المنطق، تميل وزارة التجارة بطبيعة الحال إلى تخصيص ميزانية المعونات للبلدان التي تقدم للصين أكبر عدد من الفرص والفوائد التجارية. وبما أن مصلحة الصين الاقتصادية المفرطة هي الموارد الطبيعية لإفريقيا، فإن قرارات المعونة تميل حتمًا نحو البلدان الغنية بالموارد، في حين أن قرارات المعونة الأخرى تحظى باهتمام أقل.

 إن هذه المقاربة تسهم بشكل مباشر في التصور السلبي بأن الصين تضخ المساعدات والتمويل ومشاريع البنية التحتية فقط مقابل الموارد الطبيعية والمصالح الخاصة. 

ويتفاقم الصراع بين الجوانب الاقتصادية والسياسية لسياسة الصين تجاه إفريقيا كذلك بسبب تعدد الجهات الفاعلة الصينية العاملة في إفريقيا مثل الشركات المملوكة للدولة على المستوى المركزي وحكومات المقاطعات والشركات الخاصة. فجدول أعمال هذه الجهات الفاعلة اقتصادي في معظمه، في حين أنه نظرًا لاستقلالية هذه الجهات وغياب الإدارة والإشراف المركزي للأنشطة الخارجية، يصبح من الصعب للغاية على بيجين إدارة مختلف أولوياتها وتنفيذ إملاءاتها.

إن تعدد الجهات الفاعلة التجارية يوسِّع نطاق التفاعلات الصينية الإفريقية إلى ما هو أبعد من المجال الحكومي الدولتي؛ حيث لا تتبع جميع الشركات الصينية سياسة الدولة تجاه إفريقيا في كل الأوقات، أو حتى تحترمها، بل تميل الشركات الصينية إلى اتباع نموذجها التشغيلي الخاص في السعي وراء التكاليف المنخفضة، وعدم احترام القضايا الاجتماعية والبيئية، وسوء ظروف وأخلاقيات العمل وما إلى ذلك. ويؤدي اتباع هذا النموذج، في كثير من الحالات، إلى صراعات مباشرة مع المجتمعات المحلية. وبالنسبة للعديد من هذه الجهات الفاعلة، فإن الهدف الأساسي هو مضاعفة الأرباح والعودة في نهاية المطاف إلى الصين؛ ولا توجد رؤية استراتيجية طويلة الأجل. ولكن عندما يتم تفحص علاقات الصين الواسعة مع إفريقيا من قبل الأفارقة أو الأجانب لاسيما الغرب، ينظر إلى هذه الجهات الفاعلة على أنها تنفذ سياسة الصين كدولة، حيث تتلقى بيجين على إثر ذلك أغلب اللوم لعدم تصرفها بشكل لائق(25).

مصالح الأفارقة ومخاوفهم

يمكننا إسقاط نفس التمييز بين الجوانب السياسية والاقتصادية والتجارية في مناقشة المكاسب الإفريقية. ومن وجهة نظر سياسية، فإن المقاربة الصينية المتمثلة في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الإفريقية وعدم فرض أي شروط سياسية على البلدان المقترضة (نظريًّا) تجعل التعامل مع الصين جذابًا. وكان هذا انتقادًا غربيًّا كبيرًا لتورط الصين في المنطقة، على أساس أنها توفر الدعم للأنظمة الاستبدادية، ولكن حتى بالنسبة للبلدان الديمقراطية نسبيًّا، فإن نهج الصين غير المرتبط بالشروط المسبقة يبقى مهمًّا (كما لا يمكن إغفال الدور الذي من الممكن أن تلعبه الصين لصالح البلدان الإفريقية بكونها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن وامتلاكها حق النقض). كما أن المنافسة المتزايدة بين القوى التي يخلقها دخول الصين إلى المنطقة قد وفرت فرصة للحكومات الإفريقية لزيادة قدرتها التفاوضية.

ومن الناحية الاقتصادية، تواجه الاقتصادات الإفريقية نقصًا مزمنًا في البنيات التحتية الأساسية في مجال الطاقة والنقل والاتصالات؛ حيث قدَّر البنك الدولي، في عام 2010، أن المبلغ السنوي اللازم لسدِّ الفجوة في البنية التحتية في إفريقيا بلغ 31 مليار دولار، ولا تملك الدول الإفريقية الإيرادات الحكومية ولا النقد الأجنبي اللازم لتمويل مشاريع البنية التحتية الكبرى بهذا الحجم. كما لم يهتم المقرضون والمستثمرون الغربيون بتمويل مثل هذه المشاريع. وقد ركز البنك الدولي وغيره من المانحين الغربيين، الذين قدَّموا في حقبة سابقة قروضًا للبنية التحتية، منذ الثمانينات بشكل كبير على القروض المرتبطة بالبرامج والقطاعات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم بدلًا من البنية التحتية.

في هذا السياق، حرصت الحكومات الإفريقية من جانبها على الاستفادة من استعداد الصين لتمويل مشاريع البنيات الأساسية الكبرى في المنطقة.

بالتالي، فإن نمو القروض المستبدلة بالمواد الأولية ليست نتيجة فقط لجهود الصين لتأمين إمدادات الطاقة والمواد الخام بل لرغبة الأفارقة أيضًا في تطوير بنياتهم التحية الأساسية. وقد تمكنت الحكومات الإفريقية من استخدام مواردها الطبيعية للحصول على البنية الأساسية وتمويل المشروعات الأخرى من الصين مع السداد في وقت لاحق.

ولذلك، يمكننا أن نستخلص أن الاستخدام واسع النطاق لقروض “البنيات التحتية مقابل المواد الأولية” في إفريقيا هو أيضًا نتيجة للتقارب بين المصالح المختلفة، بما في ذلك مصالح النخب الإفريقية في الحصول على تمويلات خارجية، كما ترحب الحكومات الإفريقية بالإيرادات الإضافية من النقد الأجنبي والمداخيل الحكومية الناتجة عن زيادة صادرات النفط والغاز والمعادن إلى الصين، (علاوة على استيراد سلع أرخص من الصين) والتي تساعد في تخفيف ميزان المدفوعات وقيود الميزانية(26).

وبشكل عام، فمن الخطأ تجاهل دور إرادة الأفارقة في تفسير التزام إفريقيا المتنامي مع الصين، ورغم أن المصالح الصينية تشكِّل العامل الأكثر أهمية في وجودها الاقتصادي في إفريقيا، فمن غير المرجح أن يكون هذا النمو بهذه السرعة لولا المصالح التكاملية في الجانب الإفريقي.

لكن، رغم أن الأفارقة قد استقبلوا الصينيين بأذرع مفتوحة منذ أواخر التسعينات، فقد أصبح هناك قدر كبير من التوجس ينمو في الآونة الأخيرة؛ حيث إن صورة الصين في الرأي العام الإفريقي أصبحت تتلاشى ببطء. فوفقًا لمقياس “الأفروباروميتر”، يعتقد 59% من المشاركين في الاستطلاع، عام 2020، أن نفوذ الصين في بلادهم كان إيجابيًّا، بعد أن كان 63% في عام 2015(27).

نجد من بين المخاوف أو الانتقادات الشائعة الموجهة لعلاقات الصين بإفريقيا:

هيكلها “الاستعماري”: فإفريقيا تبيع المواد الخام للصين وتبيع الصين سلعًا مصنَّعة وخدمات لإفريقيا، وهذه معادلة خطيرة تعيد إنتاج علاقة إفريقيا القديمة مع القوى الاستعمارية؛ حيث إن حوالي 90% من صادرات الدول الإفريقية تجاه الصين تخص فقط النفط والمعادن والغاز، ما جعل الميزان التجاري يميل أكثر للصين على حساب هذه الدول الإفريقية(28)، التي تبقى اقتصاداتها متذبذبة، فمنذ أصبحت الصين مستوردًا رئيسيًّا للمواد الأولية في أوائل القرن الحادي والعشرين، شهدت الأسعار اتجاهات تصاعدية عززت بقوة نمو البلدان المصدِّرة لأكثر من عقد من الزمان، إلا أنها شهدت أسوأ ما شهدته مع انهيار الأسعار؛ حيث كانت لها عواقب اجتماعية وسياسية وخيمة(29)، ولكون استراتيجية التصدير الصينية تسهم بشكل سلبي في طموح في بعض البلدان الإفريقية في التصنيع والتنويع الاقتصادي وفي تطوير صناعة ذات قيمة مضافة، من شأنها أن تدعم الطلب المحلي وخلق الثروة وفرص العمل.

منطقها الإمبريالي: من حيث إن علاقاتها غير متكافئة بشكل كبير مع الدول الإفريقية، فإفريقيا تُعتبر سوقًا استهلاكية ومنطقة للمناولة، استجابة لجهاز صناعي في تحول كامل منذ الأزمة المالية، (إذ تتطلع الصين مؤخرًا لاقتناص حصص في سوق الاتصالات السلكية واللاسلكية والصناعة الثقافية وغيرها، من خلال مجموعاتها الكبيرة كعلي بابا أو تينسنت أو هواوي أو “زد تي إي” (ZTE) التي من المتوقع أن تلعب دورًا مهمًّا في تجهيز شبكات العواصم الإفريقية). تهدف بيجين إلى التغطية الجغرافية للقارة بأكملها من خلال مقاربة جهوية مقسمة بين الواجهة البحرية للمحيط الهندي (جيبوتي، كينيا، تنزانيا)، والانفتاح على غرب وشمال إفريقيا (عبر البحر الأبيض المتوسط)، وأخيرًا الجنوب الإفريقي (عبر شريكها الاقتصادي والسياسي المتميز: جنوب إفريقيا). الغرض من هذه الاستراتيجية هو الترويج النشط لمشروع “طريق الحرير الجديد” الذي من شأنه تطوير البنيات الأساسية للموانئ والسكك الحديدية والطرق بما يمكِّن جميع البلدان الإفريقية من الاندماج بصورة أعمق وأسهل في سيرورة العولمة(30).

فخ التبعية عبر الاستدانة: بين عامي 2000 و2018، اقترضت 50 دولة إفريقية من أصل 54 من الصين بأشكال مختلفة. وفي عام 2018، كانت جمهورية الصين الشعبية تحتفظ بما يقرب من 21٪ من الدَّيْن العام الخارجي غير المسدَّد في القارة، مع جزء كبير من هذه القروض المتعلقة بالبنية التحتية التي تكون أهميتها وتكلفتها موضع تساؤل في بعض الأحيان (السكك الحديدية والموانئ والطرق ومحطات الطاقة، وما إلى ذلك). ومع ذلك، فإن مديونية البلدان الإفريقية للصين تتفاوت، وهي أكبر مانح خارجي لبعضها مثل زامبيا (تمتلك 29%)، وإثيوبيا (32%)، وأنغولا (39%)، وجمهورية الكونغو الديمقراطية (43%) وجيبوتي (70%). ثم إنها في كثير من المرات تجد نفسها عاجزة تسديد ما بذمتها، وأمام هذه الوضعية من المتوقع أن تصبح تبعيتها للسياسة الصينية أمرًا حتميًّا. وفي حين أيدت الصين مبادرة تعليق خدمة الدَّيْن الرسمية الثنائية، فإنها لا تزال مترددة في الانضمام إلى “نادي باريس”، وهو منتدى الدائنين السياديين الذي يحدد القواعد العامة لإدارة الديون وإعادة هيكلتها، وذلك لتبقى ربما في منأى عن الرقابة الدولية(31).

كما تطرح إشكالية المعونات المالية، التي لا يمكن تعريف سوى 43% منها على أنها معونات إنمائية حسب معايير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، أما الباقي فهي قروض تجارية لا علاقة لها بأي معونة إنمائية. وهذه الأخيرة تحمل وراءها دوافع تجارية واستراتيجية، وكثيرًا ما تشكِّل جزءًا من مشروع بيجين الضخم لطريق الحرير الجديد. كما أن الصين لا تفشل في ضمان سداد قروضها في كثير من الأحيان بحيث تتضمن عقودها بنودًا سرية تحصل من خلالها على ضمانات إذا ما عجزت دولة مقترضة ما من سداد ديونها(32).

إلى جانب ذلك، تُتَّهم الصين بأنها تقوض الجهود الرامية إلى تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتسهم في الفساد والتدهور البيئي والاجتماعي. وفي كل الأحوال، يجب على الأفارقة الحرص على إحداث نوع من التوازن في علاقاتهم مع الصينيين، لكيلا يبدو أنهم خرجوا من استعمار قديم ليسقطوا في آخر جديد.

الصين والتدافع الجديد من أجل إفريقيا

وفي الفترة ما بين 2010 و2016، جرى افتتاح أكثر من 320 سفارة في إفريقيا، وربما كانت تلك أكبر طفرة في بناء السفارات في أي مكان على الإطلاق، تركيا وحدها فتحت 26 سفارة، وقد أعلنت الهند أنها ستفتح 18 سفارة، كما أن العلاقات العسكرية تتعمق أيضًا؛ حيث إن الصين الآن هي أكبر بائع للأسلحة لإفريقيا جنوب الصحراء ولديها علاقات في مجال تكنولوجيا الدفاع مع 45 بلدًا، كما وقَّعت روسيا 19 صفقة عسكرية مع دول إفريقية منذ عام 2014.

في عام 2018، كانت الصين الشريك التجاري الأول لإفريقيا والهند في المرتبة الثانية وأميركا في المرتبة الثالثة (بينما كانت فرنسا في المرتبة السابعة). وخلال نفس الفترة تضاعفت تجارة إفريقيا أكثر من ثلاثة أضعاف مع تركيا وإندونيسيا، وتضاعفت أكثر من أربعة أضعاف مع روسيا كما نمت التجارة مع الاتحاد الأوروبي بنسبة بلغت 41%. ولا تزال شركاتٌ من أميركا وبريطانيا وفرنسا أكبرَ مصادر الاستثمار الأجنبي المباشر في إفريقيا، ولكن الشركات الصينية، بما في ذلك الشركات المملوكة للدولة تحاول الالتحاق بالركب، كما أن المستثمرين من الهند وسنغافورة حريصون على الانضمام إلى الصراع(33). فبعد أن تجاهلت القوى الغربية إفريقيا تدريجيًّا، بعد إنهاء الاستعمار في ستينات القرن العشرين بالنسبة لبريطانيا، وبعد الحرب الباردة (فرنسا) باستثناء القضايا الأمنية خاصة بمنطقة الساحل، إضافة للولايات المتحدة التي لم يكن لديها أية سياسة إفريقية تتناسب مع خطابها. استغلت الصين ذلك الفراغ، الذي تزامن مع إقلاع اقتصادها وتزايد احتياجاتها من المواد الأولية. وبالتدريج، بدأ وجودها يزدهر في جميع أنحاء القارة، من منتدى للتعاون مرورًا بمقر جديد للاتحاد الإفريقي في أديس أبابا كهدية، إلى أول قاعدة عسكرية بحرية في الخارج في جيبوتي على المحيط الهندي، وكلها إشارات واضحة لوجود طموحات جيواقتصادية وجيوسياسية وجيوستراتيجية مستقبلية غير معلنة.

ومن المتوقع أن تشكِّل الفرص التي يمكن أن توفرها القارة في المستقبل والموارد الطبيعية الحيوية لمستقبل البشرية الأساسية خاصة في قطاع التكنولوجيا (مثل الكوبالت وغيره)، رهانًا عالميًّا أو ما أسمته مجلة “الإيكونوميست” “تدافعًا جديدًا من أجل إفريقيا”(34).

إن العديد من القوى أصبحت تجري وراء الكثير من المصالح والشراكات في القارة؛ إذ إن وصول قوى ناشئة مثل الصين سيمنح البلدان الإفريقية في المستقبل مجالًا أكبر للمناورة فيما يتصل بالشروط التي يفرضها صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والأمم المتحدة التي تهيمن عليها القوى الغربية بشكل رئيسي. ومن الواضح أنها أصبحت تقدم بديلًا أنسبَ على المستويات السياسية والاقتصادية والتجارية والاجتماعية والثقافية.

والصين تجد نفسها الآن في منافسة قوية مع القوى الاستعمارية السابقة، ولكن أيضًا مع قوى ناشئة أخرى، مثل الهند وتركيا والبرازيل وغيرها، غير أن العديد من الأفارقة أصبحوا يتساءلون عمَّا إذا كانت قارتهم ستتمكن يومًا ما من تنظيم نفسها وأخذ زمام المبادرة لكي تستفيد إلى أقصى حدٍّ من هذه المنافسة، بدلًا من أن تكون مجرد ميدان للصراع.

خلاصة المحور الاول

إن الحضور المتنامي للصين في إفريقيا يعكس أولوياتها من الناحية الاقتصادية والسياسية، ومن الواضح أن الأمر يتعلق أولًا بضمان التفوق التجاري والتنمية الاقتصادية للصين، ويتطلب هذا التطور داخليًّا وخارجيًّا تأمين المواد الأولية الاستراتيجية. وثانيًا من الناحية السياسية، رغم أن القارة الإفريقية ذات أهمية صغيرة بالنسبة لأجندة السياسة الخارجية للصين، إلا أنها تلعب دورًا داعمًا إلى حدٍّ كبير في استراتيجيتها الكبرى، وبدلًا من النظر إلى إفريقيا باعتبارها “غاية” أو “أولوية”، يُنظر إليها باعتبارها “تكتيكًا” أو جزءًا من “الأساس” الذي تُبنى عليه طموحات الصين الاستراتيجية الأوسع نطاقًا.

بالتالي، فإن إفريقيا لم تكن بأي حال من الأحوال هدفًا في حدِّ ذاتها، بل هي وسيلة، من بين الوسائل الأساسية لازدهار الصين اقتصاديًّا وتكريس ودعم قوتها سياسيًّا على الصعيدين، المحلي والعالمي.

إن الصين تنهج استراتيجية الفعل غير المباشر والمتدرج، ويمكن اعتبار انخراطها في القارة الإفريقية “تكتيكًا” من بين تكتيكات أخرى، لم يكن الغرض منها فقط الاستجابة لحاجياتها الاقتصادية المباشرة والمتزايدة، بل أيضًا لتعبيد الطريق بهدف الوصول سريعًا إلى قمة السياسة الدولية، وزنًا اقتصاديًّا وسياسيًّا ونفوذًا تجاريًّا وجيوستراتيجيًّا.

المحور الثاني: روسيا وإفريقيا.. حرب باردة جديدة؟

يُنظر عادة إلى روسيا الاتحادية اليوم باعتبارها وريث الاتحاد السوفييتي. ولكن الاتحادَ السوفييتي، الطرفَ الرئيسَ في الحرب الباردة، كان شأنًا آخر تمامًا. تحكّم الاتحاد السوفيتي، سواء ضمن حدوده أو بقيادته لحلف وارسو، بمجال جيوستراتيجي هائل، لم يعد بيد روسيا، فتراجع وزنها كثيرا أمام الولايات المتحدة الأمريكية.

ومع بروز فلاديمير بوتين أصبحت روسيا وخاصة بعد عام 2011 وما شهدته من تغيرات دولية وتحديدا في إفريقيا، لاعبا أساسيا بإمكانه تحديد هوية المنتصر وهوية المنهزم في أي صراع. ويبدو أن الجميع أمام نسخة جديدة لأجواء الحرب الباردة في ظل النزعة الغربية لحشر الروس في زاوية أفعالهم.

وفي هذا السياق سنتطرق في هذه الورقة التحليلية إلى أبرز مجالات التعاون الروسي الإفريقي، وهل ستنجح روسيا في توجهها نحو إفريقيا؟ وماذا استفادت إفريقيا من موسكو؟ وما موقف الدول الغربية من تنامي النفوذ الروسي في إفريقيا؟ وفهم دلالات النفوذ الروسي المتنامي في مختلف مناطق القارة الإفريقية.

التعاون الروسي الأفريقي

هناك عدد من العوامل التي ساهمت في خلق مساحة أكبر لروسيا وتسهيل مهمتها في العودة إلى أفريقيا وتوسيع آفاق تعاونها معها، أبرزها:

  • السياسات الأمريكية خلال عهد ترامب بالافتقار إلى مشاركة أمريكية رفيعة المستوى في إفريقيا.
  • تصريحات ترامب المشحونة بالعرقية والعنصرية ضد البشرة السوداء.
  • “قرار أمريكا أواخر 2018 تقليص القوات الأمريكية في إفريقيا”(1).
  • قلق الأفارقة بشأن الهيمنة الصينية المتنامية وحرصها على تنويع شركاء التجارة والاستثمار.

وبفضل تلك العوامل توسعت المشاركة السياسية الروسية في إفريقيا بشكل كبير في السنوات الأخيرة.

إن الاستراتيجية الروسية نحو أفريقيا، يكمن بشكل أساسي في المقام الأول على التعاون العسكري والسياسي والاقتصادي مع معظم دول القارة الأفريقية. وتعد العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بعد ضمّها شبه جزيرة القرم عام 2014(2) من أهم العوامل التي أدت إلى أن تكون أهداف موسكو موجهة نحو أفريقيا، وفق ما أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عن تحقيق استراتيجية “التحوّل” باتجاه آسيا وأفريقيا(3).

القمة الأفريقية الروسية

ونتيجة لما شهده التعاون الأفريقي الروسي من تنامٍ ملحوظ والذي أسفر عن انعقاد قمة روسية أفريقية التي تم انعقادها في أكتوبر/تشرين الأول 2019، كان أهمُّ أهدافها عودةَ الدب الروسي لمكانته كقوة عظمى سياسية وعسكرية مؤثرة مرة أخرى في القارة الأفريقية، بعدما فقدت هذه الصفة إثر انهيار الاتحاد السوفيتي بداية من عام 1992.

اعتمد القادة الروس والأفارقة خلال القمة بياناً ​​يحتوي على أهداف متفق عليها بشكل متبادل، وأهداف لزيادة تطوير التعاون الروسي الأفريقي على جميع الأصعدة السياسة، والأمنية، والاقتصادية، والعلوم والتكنولوجيا، والثقافية، والمجال الإنساني. والأهم من ذلك، أن الإعلان وضع إطارًا جديدًا للحوار؛ بحيث تعقد قمة بين الجانبين كل ثلاث سنوات، وتعقد مشاورات سياسية سنوية لوزراء الخارجية الروس والأفارقة، وقد بلغ عدد الاتفاقيات والمذكرات والعقود التي تم توقيعها أكثر من 50 وثيقة، وبلغ إجمالي الحجم المالي للوثائق حوالي 800 مليار روبل (نحو 12,5 مليار دولار)(4).

ويعد انعقاد القمة الروسية الأفريقية عام 2019، منعطفاً هاماً جديداً نحو إعادة ترسيخ العلاقات الروسية مع أفريقيا، وهو الحدث الذي يعد غير مسبوقاً على هذا المستوى الرفيع بين الجانبين.

وفيما يلي سرد لأهم التحركات الروسية التعاونية المستجدة في مختلف المناطق الأفريقية:

أولا: دول مجموعة الساحل الأفريقي

تعتبر دول مجموعة الساحل الإفريقي، النيجر وموريتانيا ومالي وبوركينا فاسو وتشاد، منطقة جغرافية استراتيجية، وهي منطقة تعد أرضًا مليئة بالفرص بقدر ما هي أرض مليئة بالتحديات. وقد بدأت روسيا تسلط اهتمامها على دول المجموعة مستغلة في ذلك انحسار الدور الفرنسي في المنطقة؛ حيث قامت روسيا بإبرام اتفاقيات تعاون عسكرية مع دول المجموعة كان آخرها مع موريتانيا في 24 يونيو/حزيران 2021(5).

ووقع نائب وزير دفاع الاتحاد الروسي العقيد ألكسندر فومين ورئيس المؤسسة العسكرية الموريتانية حنَنَّا ولد سيدي على اتفاقية التعاون العسكري بين البلدين خلال مؤتمر موسكو التاسع للأمن الدولي. كما وقعت روسيا أيضا اتفاقيات عسكرية مشابهة مع مالي عام 2015 والنيجر في 2017.

وفي جمهورية تشاد تطمع روسيا بتوسعها الجيوسياسي نظرا لتمتعها بمناطق نفوذ ذات أهمية، وفي هذا الصدد، فقد أشارت وسائل إعلامية إلى أن مجموعة فاغنر الروسية شاركت في مواجهات شرسة مع جبهة الوفاق من أجل التغيير المعارض بتشاد، ضد الجيش التشادي وأدت الى وفاة الرئيس السابق إدريس ديبي(6).

ثانيا: جمهورية أفريقيا الوسطى

أعلنت الخارجية الروسية في أوائل شهر يوليو/تموز 2021، أن روسيا أرسلت 600 جندي إضافي إلى قواتها المتواجدة في جمهورية إفريقيا الوسطى لتدريب الجيش والشرطة والحرس الوطني. ومع الدفعة الإضافية الجديدة، سيرتفع عدد الجنود الروس في إفريقيا الوسطى إلى 1135 جندي روسي(7). وتتنافس موسكو على النفوذ في الدولة الإفريقية المضطربة مع فرنسا، التي بدورها تنشر نحو 300 جندي هناك.

يُذكر أن مرتزقة شركة “فاغنر” الأمنية الروسية تنشط في إفريقيا الوسطى لتدريب الجيش هناك، وحراسة الشخصيات الهامة، ومكافحة المتمردين والمجموعات الإرهابية وحماية منشآت الذهب، والألماس واليورانيوم في مناطق الصراع.

ثالثا منطقة القرن الأفريقي

تعد منطقة القرن الإفريقي من أهم المناطق الجغرافية في العالم، لكونها تتميز بموقع استراتيجي يطل على ممرات مائية هامة، فضلاً عن امتلاكها موارد طبيعية زاخرة، وقربها من مضيق باب المندب المتحكم في البحر الأحمر، مما جعلها محطَّ أنظار العالم لا سيما القوى العظمى.  ويعد حصول روسيا على قاعدة بحرية في ميناء بورتسودان بالسودان(8) مرحلة حاسمة في الاستراتيجية الروسية في منطقة البحر الأحمر وبالتالي القرن الإفريقي؛ لأنها لا تسعى إلى تعزيز علاقاتها التجارية مع السودان بل أيضا بدول المنطقة، واستعادة قوة أسطولها البحري في البحر الأحمر.

وبجانب النمو في المعاملات العسكرية بين روسيا والقرن الإفريقي، عمقت روسيا تعاونها الدفاعي مع إثيوبيا في 12 يوليو/تموز 2021 حيث تم التوقيع على اتفاقيات للتعاون العسكري مع روسيا(9)، الخطوة التي فسرها النقاد والسياسيون أنها جاءت ردا على المناورات العسكرية التي أجرتها مصر مع الاتحاد الأوروبي(10).

رابعا: منطقة شرق أفريقيا

تعتبر منطقة شرق أفريقيا من أبرز الأقاليم في القارة برمتها، التي تتخذ منهجاً حذرا في التعاون مع الدول الغربية بشكل عام وهي أقل تعاوناً سواء مع روسيا أو مع غيرها من الدول العظمى، مقارنة مع الكتل والأقاليم الأخرى في القارة السمراء.

وعلى سبيل المثال قام ميخائيل بوغندوف نائب وزير الخارجية الروسي للشؤون الافريقية بزيارة إلى تنزانيا يوم 15 مايو/أيار 2021(11)، أجرى خلالها محادثات مع وزيرة الخارجية التنزانية السيدة لايبيراتا مولامولا، حيث أشار إلى دعم روسيا لجهود تنزانيا بشكل خاص والاتحاد الافريقي بشكل عام، لمواجهة التحديات الامنية التي تواجه منطقة البحيرات الكبرى بدون تدخل أطراف أجنبية.

كما عرض المسؤول الروسي على تنزانيا مساعدتها في مواجهة الأنشطة الإرهابية وخاصة في المناطق الجنوبية في تنزانيا في الحدود مع موزمبيق، ولكن الغريب في الأمر أنه ناقض حديثه عندما قال إن روسيا تدعم الجهود الأمنية من قبل الأفارقة دون تدخل أجنبي، باستعداد بلاده بالتعاون مع تنزانيا لتعزيز الامن، باعتبار أن روسيا ليست دولة اجنبية!

أما الجانب التنزاني فقد تجاهلت وزيرة الخارجية التنزانية الحديث عن مسألة الدعم الروسي الأمني لتنزانيا، وركزت حديثها نحو تعزيز العلاقات التجارية والدبلوماسية والاقتصادية.

استفادة إفريقيا من موسكو

تاريخيا ظلت القارة الأفريقية تتذكر كون موسكو وقفت إلى جانب حركات التحرر الإفريقية وقد استحضر رئيس جنوب إفريقيا الراحل نيلسون مانديلا ذلك في تصريحه الشهير في يوليو/تموز 1991 خلال المؤتمر الوطني الأول لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي بعد رفع الحظر عن تلك المنظمة عندما قال موجها حديثه للروس “بدون دعمكم، لن نكون نحن حيثما وصلنا الآن”(12)، حيث قدم الاتحاد السوفياتي تعاون بشكل مثمر مع أفريقيا في مختلف المجالات. وقدمت دعما حاسما لحركات التحرر الوطني، وخاصة تلك الموجودة في جنوب القارة. وخضع رئيسان لجنوب إفريقيا بعد الفصل العنصري، ثابو مبيكي وجاكوب زوما، لتدريبات عسكرية في الاتحاد السوفيتي.  وقد ظلت جنوب إفريقيا حريصة دوما على التذكير باستفادة إفريقيا من روسيا، وقد كان تصريح رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا بشأن نتائج القمة الأفريقية الروسية حيث قال إن الاجتماع فاق توقعاته، ووصف المنتدى الروسي الأفريقي بموجة ثانية من الدعم الروسي، ولكن هذه المرة موجهة نحو النمو الاقتصادي لأفريقيا(13).

وتعد أبرز لحظات قمة سوتشي الأفريقية الروسية في أكتوبر/تشرين الأول 2019 والتي حضرها أكثر من 40 رئيس دولة وحكومة أفريقية، وحضور الآلاف من ممثلي معظم قطاعات الاقتصاد في الدول الإفريقية، الإعلان عن إعفاء الديون الروسية المستحقة على الدول الإفريقية والتي تقدر بمبلغ 20 مليار دولار(14)، وهو مؤشر واضح على الأهمية التي توليها موسكو للتعاون مع إفريقيا.

ومن جهة أخرى فإن سياسة روسيا الرسمية تقوم على دعم الحلول الأفريقية لمشاكل أفريقيا(15) عبر تعزيز قدرات حفظ السلام التي تقوم بها هياكل الاتحاد الأفريقي، بمعنى أن تكون تلك الهياكل هي الجهة المخولة والمسؤولة في المقام الأول عن معالجة النزاعات الأفريقية/أفريقية، وهذا يعني -نظريا- أن الموقف الروسي يصب في خانة احترام سيادة الدول الإفريقية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

وفي جانب آخر تقوم شركة روستوم الروسية بتوفير برامج تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، بما في ذلك المسابقات العلمية لطلاب المدارس الثانوية والكليات، كما تقدم أيضًا منحًا دراسية للطبلة الأفارقة للدراسة في روسيا الاتحادية(16) ويمكن أن تكون هذه الفرص التعليمية مهمة للطلاب الأفارقة الواعدين الذين يفتقرون إلى الموارد المالية للدراسة في أوروبا أو الولايات المتحدة. ولكن بالنظر إلى التقارير التي أشارت إلى حدوث أعمال عنف ضد الأفارقة في روسيا، فمن غير المرجح أن تساهم برامج التعليم هذه في تحسين صورة روسيا في القارة الأفريقية(17).

وعموما تعمل روسيا على تخريج عدد من المسؤولين الأفارقة من مؤسساتها التعليمية من أجل دعم سياستها، واختيار القيادة العليا في البلدان المستهدفة، والتي تساعد بعد ذلك في الوصول إلى الحصول على فرص استكشاف الموارد الطبيعية، وهذا النهج سائد في جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان على سبيل المثال، وكل تلك الجهود المترابطة أثبتت نجاعتها.

ونظرا لأهمية ملف الطاقة في إفريقيا فإن العديد من الشركات الروسية المملوكة للدولة تنشط في القارة الإفريقية، مثل غازبروم (Gazprom)، ولوكاويل (Lukoil)  وروستك (Rostec)، وروساتوم (Rosatom)، وتتركز أنشطتها بشكل كبير في الجزائر وأنغولا ومصر ونيجيريا وأوغندا. وقد وقعت روساتوم مذكرات واتفاقيات لتطوير الطاقة النووية مع 18 دولة أفريقية ، بما في ذلك مصر وغانا وكينيا وزامبيا ورواندا ونيجيريا وإثيوبيا في عام 2018 وحده، ووافقت شركة روساتوم على بناء أربعة مفاعلات نووية من نوع “في روسا توم إي آر” (VVER) بقوة 1200 ميجاوات في مصر، وتلغ قيمة تشييدها وصيانها 60 مليار دولار، وقد ساهمت روسيا في تنفيذ المشروع بقرض يصل إلى 25 مليار دولار بفائدة سنوية تبلغ 3%(18).

دلالات النفوذ الروسي المتنامي في القارة الأفريقية

مما لا شك فيه أن هناك دلالات ومؤشرات تشير الى مدى توسع النفوذ الروسي في أفريقيا بشكل متسارع ويتجلى ذلك بوضوح في العديد من الأحداث البارزة التي حدثت في عدد من الدول الأفريقية، وأبرزها:

لقد حققت روسيا انتصارات تاريخية على فرنسا في ليبيا ومنطقة الساحل الأفريقي في جمهورية أفريقيا الوسطى، ويبدو أن الدور قادم في كل من مالي وتشاد. حيث سبق أن أعلنت فرنسا مطلع يونيو/حزيران 2120 تعليق عملياتها العسكرية المشتركة في مالي(19)، بالرغم من أنها أشارت إلى استئناف العمليات العسكرية عقب انقلاب عسكري بالبلاد هو الثاني خلال أقل من عام(20)، ولكن من غير المرجح أن تنجح فرنسا في ظل الوضع الراهن في مالي تحت قيادة هاشمي غويتا رئيس الحكومة الانتقالية الرافض للهيمنة الفرنسية في بلاده، بالإضافة الى المطالبات الشعبية باتخاذ أفريقيا الوسطى مثالا يجدر الاحتذاء به، لما حققه الروس من نجاحات أمنية في جمهورية أفريقيا الوسطى، وظهر ذلك واضحا عندما نزل مؤيدون مبتهجون لتحركات الجيش إلى شوارع باماكو للاحتفال، وبعض المحتفلين كانوا يرفعون الأعلام الروسية ويشيدون بالتعاون المالي الروسي، وصورًا لفلاديمير بوتين، ورسائل تشكر روسيا على دعمها(21).

ولدى روسيا علاقات سياسية متينة وقوية مع الدول الأفريقية وينعكس ذلك في مدى التغلغل الروسي في القارة، ذلك أن تلك العلاقات مكنت موسكو من تولي مسؤولين روس مناصب حساسة في عدد من الدول الأفريقية، فعلى سبيل المثال في مايو/أيار 2018 عين رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، الروسي فاليري زاخاروف مستشارا للأمن القومي في بلاده(22)، وفي عام 2019 وقعت روسيا اتفاقية ثنائية مع جمهورية الكونغو الديمقراطية حيث سهلت تلك الاتفاقية تفويض مستشارين عسكريين روس في القوات المسلحة الكونغولية(23).

ومن ضمن الدلالات الأخرى التي تبرز بشكل واضح النفوذ الروسي المتنامي، أن روسيا ومنذ العام 2010، باتت الموردّ الرئيسَ للتكنولوجيا العسكرية للدول الأفريقية، بل أصبحت فيما بعد أكبر مورد للأسلحة للقارة الأفريقية برمتها(24)، متجاوزة حتى الولايات المتحدة الأمريكية. وكانت النسبة الأكبر لمبيعات الأسلحة الروسية إلى الجزائر (58.64%) ثم مصر (25.96%)، فأوغندا (5.17%)، والسودان (2.63 %) وأنغولا (2.11%).

ويعد السر وراء انجذاب السوق الأفريقي لمبيعات الأسلحة الروسية أنها ليست مثقلة بشروط الالتزام بقوانين حقوق الانسان ولا التقيد بالإصلاحات السياسية والتعددية الحزبية والتزام مساطر حقوق الإنسان. وتشير الاحصائيات أن أكبر أربعة موردي أسلحة لإفريقيا في عام 2017 روسيا في المرتبة الأولى بنسبة 37.6٪ تليها الولايات المتحدة 16.3٪ وفرنسا 14.6٪ ثم الصين 9.2٪(25).

ومن الواضح أن روسيا تدرك تماما مدى التأثير الذي أحدثته التدفقات الكبيرة للاجئين السوريين على السياسة الأوروبية، وبالتالي، فإنها تعمل على أن يكون لها نفوذ على المفاصل الرئيسية في القارة مثل ليبيا والمغرب اللتان تعتبران معبرا لتدفق اللاجئين من إفريقيا، الأمر الذي سيوفر لروسيا مزيدًا من النفوذ على أوروبا. وبالتالي فإن روسيا لديها القدرة على إثارة أزمات إنسانية وسياسية لأوروبا بينما تتحدى مجالات النفوذ الأوروبي التاريخي، وفرنسا على وجه الخصوص في إفريقيا.

ومن أمثلة نجاح النفوذ الروسي في إفريقيا ما حصل في السودان؛ حيث يبدو أن روسيا حافظت على نفوذها مع القادة العسكريين الذين أطاحوا بالرئيس عمر البشير في نهاية المطاف، بما في ذلك الحفاظ على اتفاقيات المتعلقة بقطاع التعدين والتي تم التفاوض عليها في ظل نظام البشير. ويشكل وجود قاعدة عسكرية روسية في السودان تطورا مهما يشير إلى نجاح موسكو بعد أربعة عقود من الغياب عن ميناء بورتسودان في العودة إلى القرن الأفريقي والبحر الأحمر.

وقد حققت روسيا نجاحات على المستوى العسكري والأمني في أفريقيا وذلك بتبوئها المكانة الأولى كقوة عظمى تمتلك الكثير من خيوط اللعبة في وسط وجنوب ليبيا حيث أصبحت على مشارف مناطق النفوذ الفرنسي في تشاد والنيجر، فضلا عن إرساء موسكو الأمن والاستقرار في جمهورية أفريقيا الوسطى وتوفير الدعم الأمني والسياسي لنظام الرئيس فوستين تواديرا. وقد تلا ذلك تطور الوضع السياسي والأمني في جمهورية مالي، والانقلاب العسكري الذي هز الوجود الفرنسي في هذا البلد الغربي إفريقي، والذي خرجت بعده أصوات من الشعب المالي تطالب بحضور الروس الى بلادهم لاسترجاع الأمن فيها بدلا عن فرنسا التي أظهرت فشلاً في تحقيق الأمن في هذه الدولة منذ سنوات عديدة، حتى أن الاتحاد الأفريقي أثنى على دور روسيا الفعال في تحقيق الاستقرار في أفريقيا وحرصها على التعاون في المسائل الأمنية(26).

هذه الأحداث كلها تشير الى نجاح روسيا في بسط نفوذها في القارة الأفريقية بالإضافة الى عدة عوامل أخرى استراتيجية لدى موسكو تمكنها من استمالة الدول الأفريقية لصالحها من بينها:-

  • التزامها بأنهاء الاستعمار في أفريقيا.
  • عدم إخضاع أفريقيا سياسيا ولا اقتصاديا.
  • عدم النظر إلى أفريقيا على أنها مصدر تهديد للهجرة، وكانت دائما داعمة لتطلعات الدول الأفريقية للتطور والنمو بشكل مستقل.

وتنتهج روسيا في القارة الأفريقية سياسة التجارة والاستثمار بدون فرض شروط أو قيود مقارنة بتلك التي تضعها على سبيل المثال الدول الغربية والصين؛ حيث إن أمريكا والاتحاد الأوروبي دائما ما يرتبطون دعمهم بشروط مثل الامتثال بمساطر حقوق الانسان وحرية التعبير وغيرها، في حين عملت الصين باستمرار على إغراق الدول الأفريقية بالديون المجحفة حتى تتمكن من الاستحواذ على مؤسساتها التجارية، مما يمنح الروس أفضلية في الحركة التجارية في القارة الأفريقية.

وعندما يتعلق الأمر بالتصويت في المؤسسات الدولية وفي الأمم المتحدة، حيث تحسب الدول الأفريقية لما يقرب من ربع أصوات الجمعية العمومية، معظمها تصوت لصالح روسيا في الأمم المتحدة، وقد ظهر ذلك في دعم أغلب دول القارة الإفريقية وتصويت في الأمم المتحدة لصالح روسيا خصوصا في شأن الملف السوريا(27). كما وقفت إفريقيا إلى جانب موسكو بخصوص القرار الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2018 والذي يدين عسكرة روسيا لشبه جزيرة القرم والبحر الأسود وبحر آزوف(28). وعملت روسيا بشكل حثيث لزراعة الأنظمة في أفريقيا كحلفاء محتملين في عرقلة الجهود الغربية ضد مصالحها من خلال المنظمات والوكالات التابعة للأمم المتحدة.

إن روسيا تنظر الى أفريقيا بوصفها وسيلة يمكن من خلالها إضعاف هيمنة الغرب، وإيجاد شركاء لأهدافها ومصالحها، وإيجاد فرص اقتصادية للشركات الروسية، خصوصا بعد غلق أبواب الأسواق الغربية أمام موسكو بسبب العقوبات المفروضة عليها بسبب ضم جزيرة شبه القرم.

الدول الغربية وتنامي النفوذ الروسي في إفريقيا

إن ما يجري حاليًا على الأراضي الإفريقية بين القوى الغربية وبين موسكو يشبه إعادة الحرب الباردة، بل ينذر بأن الفترة القادمة ستصبح صراعا بين القوى العظمى في أفريقيا، ففي وسط معمعة هذا التصارع ستسعى بعض القوى إلى المحافظة على مناطق نفوذها مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، في حين تسعى دول أخرى إلى استعادة نفوذها مثل روسيا، وهو أمر يوازي بشكل دقيق ما بات يسمى بالحرب الباردة الجديدة.

لقد اتسع نطاق نفوذ روسيا في إفريقيا، وهي حقيقة يجدها الكثيرون مقلقة، فواشنطن تحتفظ بـ 34 قاعدة عسكرية في إفريقيا(29) وتدير عدة مئات من المليارات من الدولارات في القارة، في حين بلغ حجم تجارة الصين مع أفريقيا 170 مليار دولار أمريكي(30)، وهذا ما أجبر روسيا على البحث عن قطاعات السوق الأفريقية التي لم يتم احتلالها بالفعل.

بدأ خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ظهور صراع جديد لطلب ود القارة الأفريقية واستغلال مواردها الطبيعية الوفيرة والزاخرة، فبالإضافة إلى القوى الأوروبية، هناك الولايات المتحدة الأمريكية، والصين التي أصبح نفوذها ينمو بشكل متزايد، بالإضافة الى تركيا وإسرائيل، وبحلول عام 2014، انضم الدب الروسي أيضًا إلى ركب المتنافسين على القارة السمراء.

هذه التطورات المتسارعة في نمو النفوذ الروسي بأفريقيا أدت أيضا الى خلق حالة من القلق في كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبالتالي كثيرا ما يشدد صناع السياسة في الولايات المتحدة على الحاجة إلى مواجهة النفوذ الروسي في القارة، وتتهم الدول الغربية موسكو باستخدام وسائل فاسدة وسرية لمحاولة التأثير على الدول ذات السيادة، بما في ذلك شراكاتها الأمنية والاقتصادية، وتعتبر الدول الغربية روسيا، مثل الصين، وهما دولتان تمثلان تحديًا كبيرًا للغرب في إفريقيا(31).

على الرغم من أن روسيا تتجه نحو الدول الإفريقية بخطى ثابتة، إلا أن التأثير الملموس لها، إذا ما استثنينا المجال العسكري والأمني، في بعض المجالات قد يكون محل شك، ، فبالرغم من أنها مستعدة للعب دور أكثر أهمية في إفريقيا، إلا أن اقتصادها المتراجع وقدرتها المالية المحدودة تمثل عقبة أمامها؛ حيث إنه من الواضح أنها تفتقر الى القوة المالية لتكرار نجاح الاتحاد السوفيتي.

وتدرك الدول الغربية جيدا أنه من الأمور البارزة التي تشوه صورة الروس في أفريقيا، الدعم الروسي للرؤساء المستبدين في أفريقيا ودعمهم في الانتخابات الرئاسية؛ حيث إن سياسة روسيا تعطي الأولوية للمصالح الروسية في البلاد وللاستقرار الرئاسي، بغض النظر عن ملفات حقوق الإنسان والإصلاح السياسي والتعددية الديمقراطية، فروسيا لا تهتم إطلاقا بهذه الجوانب، بل إنها قد ترتاح أكثر مع حكومات مستبدة وأنظمة أفريقية لا تحترم دساتيرها(32). وهذه السياسة الروسية تعطي صورة غير جيدة لروسيا عند الشعوب الأفريقية التي ترغب بتحقيق الديمقراطية في بلدانها.

ان الاستراتيجية الروسية الحالية المبنية على تقديم القروض والعقود الاستثمارية بدون الشروط التي ترتبط بالأسس الديمقراطية وحقوق الانسان، قد تكون مجدية وناجحة على المدى القريب، لأن تلك السياسة تتوافق مع رغبات معظم الحكومات والأحزاب الحاكمة في أفريقيا. أما على المدى البعيد فإمكانية فشل موسكو باستراتيجيتها تبدو واردة بشكل كبير، فبمجرد عودة الاهتمام الأمريكي بالقارة وتكليف القوة الإعلامية الغربية بكشف أساليب الاستغلال الروسي، قد تكون كفيلة بالإطاحة بالمخطط الروسي في أفريقيا، كما أن ارتفاع معدل الوعي والادراك لدى جيل الشباب الأفريقي المثقف، ينذر بقدوم حملات شعبية للمطالبة بالحقوق الشعبية الديمقراطية، وهذا أمر لا يستبعد حدوثه، فما بني على باطل فهو باطل بكل تأكيد

مآلات التعاون الروسي الإفريقي

بناء على ما تقدم، فإن مجالات التعاون الروسي الأفريقي قد تسير في الاتجاهات التالية:

التعاون العسكري

وهو الجانب الأبرز الذي يتفوق فيه الجانب الروسي على نظرائه من القوى العظمى المنافسة في القارة الأفريقية ويتضح ذلك من خلال ابرام اتفاقيات التعاون العسكري مع معظم الدول الأفريقية. كما يشكل التعاون العسكري مع روسيا أحد أبرز العوامل التي بإمكانها أن ترجح كفة الروس في أي نزاع أو صراع في المنطقة، وهو ما يكرس الوجود الروسي في القارة ويعطيه معنى أعمق، ويظهر ذلك سواء في القوات الموجودة على الأرض أو في التعاملات في المجالات العسكرية مع دول القارة.

التعاون الدبلوماسي

تعتبر أفريقيا ذات أهمية استراتيجية لروسيا من حيث الدعم الجيوسياسى الذي تقدمه فالدول الإفريقية تشكل أكبر كتلة تصويت جغرافية داخل العديد من المؤسسات الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية العالمية، وبشكل خاص مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وبالتالي فإن الدعم الإفريقي مغرٍ وجذاب لروسيا في طريقها لتأكيد أهميتها وهيمنتها على العالم. ولا شك أن روسيا، بحكم سياستها الأوروبية والشرق أوسطية، مقبلة على معارك ديبلوماسية عديدة ستكون الأمم المتحدة مسرحها، وسيكون لأصوات القارة الإفريقية دور كبير في تلك المعارك.

التعاون الثقافي

في هذا الجانب فإن المراكز الثقافية الروسية للعلوم والثقافة تبرز بشكل واضح في عدد من الدول الأفريقية مثل إثيوبيا، وتنزانيا والكونغو وزامبيا، وتوفر روسيا المنح والتدريب والحرف المهنية للطلبة الأفارقة في الإفريقي المعاهد التعليمية الروسية، وفي الأعوام الأخيرة تم تقديم منح دراسية من الحكومة الروسية لـ4000 آلاف طالب أفريقي من أصل 15000 شاب أفريقي يدرس في روسيا. وفي ظل المكانة الجوهرية للعلوم في رسم سياسات الدول فإن الرهان الروسي على هذا المجال سيكون نقطة ارتكاز في علاقات موسكو بالقارة الإفريقية.

التعاون الاقتصادي

يبلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا وقارة إفريقيا 20 مليار دولار، وهو رقم ضئيل جدا مقارنة بحجم التبادل مع نظرائها من القوى المنافسة. وهناك عائق آخر وأكثر أهمية أمام تطوير العلاقات الاقتصادية المتبادلة وهو عدم وجود معلومات موضوعية عن روسيا في إفريقيا وحول إفريقيا في روسيا، ولا يمكن أن ندرك إمكانات العلاقات إلا عندما يتخلى الطرفان عن الصور النمطية المفروضة من الخارج ويطوران تعاونًا متبادل المنفعة يرتكز على الواقع.

وعلى العموم فإن روسيا تنتهج استراتيجية تنطوي على سياساتها العلنية التي تظهر صورتها اللائقة لكسب ود الأفارقة مثل إعلان دعمها للحلول الأفريقية في النزاعات داخل القارة، واستراتيجيتها التوغل في القارة الأفريقية من أجل المنفعة المتبادلة. أما السياسة الغير رسمية والتي يمكن وصفها بـ”دبلوماسية المرتزقة” فتتمثل في كتائب فاغنر وغيرها من المجموعات العسكرية، بالإضافة الى نشر تكنولوجية المعلومات المضللة حيث غالبًا ما تكون الأحزاب الحاكمة هي المستفيد المباشر من حملات التضليل الروسية وبالأخص في الانتخابات، ومبيعات الأسلحة مقابل استخراج الموارد الطبيعية. ويمكن تلخيص الاستراتيجية الروسية على أنها لا تعتبر الاستقرار في أفريقيا أولوية بالنسبة لها، بقدر ما تبحث عن مصالحها.

المحور الثالث: خريطة السلاح في إفريقيا: بين سياسات الاستعمار الجديد وتنافس القوى الكبرى

إن خريطة السلاح في إفريقيا خريطة معقدة يتداخل فيها العديد من المستويات الدولية والإقليمية والمحلية، وتحركها عوامل اقتصادية ومجتمعية وسياسية، فتناول شقٍّ واحد من المستويات أو العوامل يخل بالصورة الواقعية ولا يسبر أغوارها. لذلك عندما نتحدث عن خريطة السلاح يجب أن نستحضر ثلاث خرائط ونضعها بجانب بعض حتى نصل لفهم عميق وندرك سلوك الأطراف المؤثرين في الخريطة. الخريطة الأولى هي خريطة الموارد والثروات الخام والطبيعية، والثانية هي الخريطة الديمغرافية التي تظهر عليها تركيبة المجتمعات وتوزيع القبائل والجماعات الإثنية، أما الخريطة الثالثة فتتمثل في الحدود السياسية التي عملت الدول الاستعمارية على رسمها وفق مصالحها الاقتصادية والسياسية.

من خلال هذه الخرائط يمكن أن نفهم طبيعة الصراعات القائمة داخل إفريقيا بوجه عام، وبين الدول والأقاليم المختلفة، فلا تزال الدول الاستعمارية تمارس نفوذًا عاليًا قادرًا على إسقاط الأنظمة وإثارة المشاكل داخل كل دولة عبر توظيف التقاطعات بين تلك الخرائط وإدارة الخلافات بين الدول والمكونات المجتمعية المختلفة من أجل تحقيق أهدافها المتمثلة في سرقة الموارد والثروات الطبيعية وهو أمر لا يتحقق إلا بوجود أنظمة ديكتاتورية فاسدة تفتقد للشرعية وتحتاج دائمًا للاعتراف الدولي ما يدفعها لتوثيق العلاقات مع الدول الاستعمارية عبر التنازل عن الثروات الطبيعية ورهن القرار السياسي لها، وتضع بعض الدول الاستعمارية قواعد عسكرية لها في نقاط استراتيجية في إفريقيا بهدف تحقيق مصالحها الجيوسياسية.

تعمل الدول الاستعمارية والدول الكبرى على تصدير السلاح إلى الدول الإفريقية في عملية تنافسية لبسط النفوذ؛ حيث تستفيد من العائد المالي من بيع السلاح وتشغيل مصانعها وتجربة الأسلحة الجديدة التي تنتجها، بالإضافة إلى مكاسب الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، والجماعات المسلحة المختلفة سواء المتمردون والمرتزقة. وتحرص الدول الاستعمارية على استمرار حالة الفوضى والاقتتال حتى تستطيع ممارسة نفوذها عبر تبني سياسات أمنية بحتة. ورغم تنامي العديد من الأزمات التي انعكست نتائجها على الاتحاد الأوروبي والغرب مثل قضية الهجرة إلا أن عددًا من دول الاتحاد مثل فرنسا لا تزال تتبع تلك السياسة، وتتصدر فرنسا مع كل من روسيا وأميركا والصين صادرات السلاح لإفريقيا، وتختلف كل دولة في طبيعة سياساتها التي تتبعها؛ حيث تميل بعض الدول كفرنسا إلى اتباع سياسات أمنية بينما تميل الصين إلى اتباع سياسات اقتصادية.

نظرة حول حجم تجارة السلاح في إفريقيا

أولًا: تصاعد حجم الإنفاق العسكري

يُقدَّر حجم الإنفاق العسكري في إفريقيا بنحو 43.2 مليار دولار في عام 2020، بزيادة قدرها 5.1 في المئة عن عام 2019 وأعلى بنسبة 11 في المئة عن عام 2011. وشهدت دول شمال إفريقيا ارتفاعًا في الإنفاق العسكري بنسبة 6.4 في المئة في عام 2020 إلى 24.7 مليار دولار. ورغم الأزمات الاقتصادية الناجمة عن انتشار فيروس كورونا، احتلت إفريقيا المركز الأول من حيث ارتفاع نسبة الإنفاق العسكري عام 2020 حيث بلغ 5.1 في المئة، فيما جاءت أوروبا ثانية بنسبة 4 في المئة، والأميركتان بنسبة 3.9 في المئة، وآسيا وأوقيانوسيا بنسبة 2.5 في المئة(1).

هناك عدة مستويات من الصراعات داخل إفريقيا: مستوى أول يمكن أن نعرِّفه بأنه المستوى الذي يشهد توترات وصراعات بين الدول، ويتمحور حول خلافات حدودية كما هي الحال بين الجزائر و المغرب؛، حيث يعد ملف الصحراء الغربية وجبهة البوليساريو أحد الملفات الشائكة بين الدولتين، وقد بلغ الإنفاق العسكري في الجزائر نحو 9.7 مليارات دولار في عام 2020، وهو أقل بنسبة 3.4 في المئة مما كان عليه في عام 2019، لكنه ظل إلى حدٍّ بعيد الأكبر في إفريقيا، أما في المغرب فقد بلغ حجم الإنفاق العسكري، عام 2020، نحو 4.8 مليارات دولار بزيادة 29 في المئة عن عام 2019 وبنسبة 54 في المئة عن عام 2011.

فيما تتصاعد أيضًا خلافات على استخدام الموارد كما هي الحال في أزمة سد النهضة بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى، وهو ما يدفع دول الإقليم إلى التنافس على شراء السلاح. ورغم قلة الشفافية بشأن ميزانية الدفاع في مصر، إلا أن حجم الإنفاق النهائي على الدفاع قُدِّر بنحو 66 مليار جنيه مصري، أي ما يعادل 4.1 مليارات دولار في 2020 أي ارتفاعًا بـ18 في المئة عن 2019 التي بلغت فيها نسبة الإنفاق 59 مليار جنيه مصري، أي 3.35 مليارات دولار في عام 2019 و2.9 مليار دولار في عام 2018، وهي أرقام منفصلة عن مخصصات التمويل العسكري الخارجية التي تحصل عليها مصر من اتفاقية كامب ديفيد والبالغة 1.3 مليار دولار، أي إن إجمالي الإنفاق الدفاعي وصل إلى 5.4 مليارات دولار(2). وفي المقابل، رفعت إثيوبيا إنفاقها العسكري من 287 مليون دولار قبل عام 2013 إلى 519 مليون دولار في عام 2019(3)، رغم التحديات الاقتصادية والمجتمعية والسياسية التي تمر بها الدولتان.

أما المستوى الثاني من الصراعات فيتمثل في الحروب غير النظامية أو الحروب غير المتكافئة التي تكون بين الجيوش النظامية ضد الجماعات المسلحة سواء متمردون داخل الدولة أو تنظيمات عابرة للحدود، وتتصدر منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من حيث الإنفاق العسكري هذا المستوى؛ حيث بلغ حجم الإنفاق العسكري 18.5 مليار دولار عام 2020 وهو أعلى بنسبة 3.4 في المئة مما كان عليه عام 2019، وأقل بنسبة 13 في المئة مما كان عليه عام 2011. فيما خصصت نيجيريا 2.6 مليار دولار لجيشها عام 2020، بزيادة قدرها 29 في المئة مقارنة بعام 2019 من أجل مواجهة تنظيم بوكو حرام وغيره من الجماعات المتمردة.

ثانيًا: الصادرات العسكرية

تحتل روسيا المرتبة الأولى عالميًّا في تصدير السلاح إلى إفريقيا؛ حيث بلغ حجم صادرات السلاح أكثر من 15 مليار دولار عام 2019، وهي زيادة أكثر من الضعف بالمقارنة مع عام 2000 حين بلغت الصادرات 7 مليارات دولار. فيما تحتل فرنسا المرتبة الثانية بنحو 8 مليارات دولار خلال عام 2019 وهي زيادة تصل لقرابة الضعف أيضًا بالمقارنة مع صادراتها في عام 2000 التي كانت تبلغ نحو 4 مليارات دولار. وتأتي أميركا ثالثة بوتيرة شبه ثابتة بمبيعات تصل إلى 4 و5 مليارات دولار سنويًّا، تعقبها الصين بمتوسط مليار دولار، كما لا تغيب “إسرائيل” عن المشهد حيث شكَّلت صادرات الأسلحة “الإسرائيلية” 3 في المئة من الإجمالي العالمي بين عامي 2016 و2020 ما يمثل زيادة قدرها 77 في المئة على ما كانت عليه بين عامي 2010 و2014(4)، وَوُجِّه جزء كبير من هذه الصادرات إلى الدول الإفريقية إذ زادت الصادرات الدفاعية إلى نسبة 70 في المئة بين عامي 2015 و2016 لتصل إلى 275 مليون دولار(5).

الشركات العسكرية والأمنية الخاصة: نوعها ودورها وتشابكاتها

في البداية يجب أن نفرق بين نوعين من الشركات؛ النوع الأول: شركة أمنية خاصة (PSC)، والنوع الثاني: شركة عسكرية خاصة (PMC). يتمثل الفرق بين النوعين في طبيعة المهام والتخصصات، فالنوع الأول هو الشركات الأمنية الخاصة التي توفر خدمات مثل حماية مقرات السفارات والبنية التحتية والموانئ، وتمتد أيضًا لحماية المناجم ومقرات الشركات الأجنبية والعاملين فيها، كما توفر خدمات خاصة مثل حماية الأجانب. أما النوع الثاني من الشركات فهو الشركات العسكرية الخاصة والتي يبرز استخدامها في الشأن السياسي أكثر حيث توفر حماية للمسؤولين في الدول الإفريقية وتقدم الاستشارات العسكرية وتعمل على تدريب القوات المحلية سواء فرق تابعة للجيش أو الشرطة، كما توفر خدمات خاصة مثل جمع المعلومات الاستخبارية، وفي بعض الأحيان تشارك في مهام قتالية. وبصفة عامة، يمكن للشركات العسكرية الخاصة تقديم خدمات الشركات الأمنية الخاصة ولا يمكن حصول العكس.

تهتم الدول الكبرى بدعم هذه الشركات سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال علاقاتها بالأجهزة الأمنية والاستخبارية ووزارات الدفاع. ويرجع هذا الاهتمام إلى انخفاض حجم التكلفة المالية والسياسية؛ فهي من جهة تمتلك مرونة عالية بقدرات عسكرية وأمنية متقدمة، ومن جهة أخرى هي لا تمثل الدولة بشكل رسمي ما يتيح للدولة مرونة دبلوماسية وسياسية.. بالإضافة إلى هذا يسعى قادة الدول الإفريقية إلى توقيع عقود مع الشركات لتوفير الأمن الشخصي لهم أو لمواجهة المتمردين.

وتتميز كل منطقة جغرافية في إفريقيا بخصائص محددة من حيث طبيعة المجتمعات والأنظمة السياسية والاقتصادية وتضاريسها، وهو ما يجعل الشركات أمام خيارات متعددة من أجل تقديم خدماتها، فعلى سبيل المثال تتميز منطقة شمال إفريقيا باستقرار سياسي نوعًا ما، باستثناء ليبيا، فيمكن أن نجد شركات الأمن الخاصة هي الأكثر انتشارًا، أما غرب إفريقيا فتوجد مشاكل متعلقة بأمن الملاحة وحركة التجارة البحرية ما يمثل فرصة لبعض الشركات للعمل في دلتا النيجر وخليج غينيا، وكذلك في سواحل شرق إفريقيا خاصة سواحل الصومال التي تنتشر فيها عمليات القرصنة.

أما في دول كليبيا وجنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية وتشاد والنيجر ومالي التي تعاني حكوماتها ضعفًا وعجزًا أمام حركات التمرد والجماعات المسلحة فتنتشر الشركات العسكرية الخاصة بكثافة عالية، وهو ما يجعل الأمن والحماية مطلبًا عالي التكلفة لا تستطيع شركات الأمن الخاصة وحدها أن تحققه. تتمتع تلك الشركات بعلاقات قوية بالقواعد العسكرية للدول الاستعمارية قد تتجاوز مساحة التنسيق إلى المشاركة في تنفيذ العمليات سويًّا، على سبيل المثال قوات فاغنر الروسية تنتشر في العديد من الدول التي تشهد اقتتالًا ومواجهات بين الحكومات والمتمردين والثوار أو جماعات مسلحة مثل ليبيا وموزمبيق وإفريقيا الوسطى. فعقب اجتماع العسكري الليبي المتقاعد، خليفة حفتر، عام 2018، مع قيادات من الجيش الروسي، بدأ حضور قوات فاغنر على الأرض واضحًا بشكل لافت وموثق خلال عمليات حصار العاصمة الليبية، طرابلس، في أبريل/نيسان 2019، فضلًا عن تأمينها للمنشآت النفطية وحقول النفط والغاز(6). ويعد هذا المثال عيِّنة على كيفية استخدام الشركات العسكرية الخاصة من قبل الدول في تنفيذ سياساتها الاستراتيجية بتكلفة أقل ماليًّا وسياسيًّا؛ حيث ترى روسيا أن ليبيا تمثل تموضعًا استراتيجيًّا لها من أجل الوصول إلى قلب إفريقيا بسهولة والتحكم في حقول النفط والغاز التي تعتبر ليبيا أحد كبار مصدِّرِيهما إلى أوروبا ما سيمكِّن روسيا من ممارسة ضغوط على السوق الأوروبية حيث تعتمد ألمانيا على الغاز الروسي بشكل كبير، وسيمكِّن روسيا من بطاقات ضغط قوية في توجيه السوق؛ وهذا ليس إلا مثالًا يمكن أن يوضح التقاطعات بين المصالح الجيوسياسية للدول والشركات العسكرية الخاصة.

كذلك يمكن أن نجد شركات أمنية وعسكرية خاصة في جنوب إفريقيا تعمل على توفير الأمن داخل الدولة نفسها في معزل عن الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للدولة، بل وتمتد نشاطاتها إلى دول أخرى، على سبيل المثال شركة Executive Outcomes، وهي شركة عسكرية خاصة في جنوب إفريقيا، فرضت على حكومة سيراليون 35 مليون دولار لمدة 21 شهرًا، في حين أن وجود قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة لمدة ثمانية أشهر كان سيكلف 47 مليون دولار(7). لذلك، لا نستغرب أن نرى بعض الدول والحكومات تذهب للتعامل مع الشركات العسكرية والأمنية الخاصة بعيدًا عن المظلات الدولية التي تعتمد على حسابات معقدة سياسيًّا واقتصاديًّا، لذلك بات اللجوء إلى الشركات العسكرية والأمنية الخاصة مفضلًا من الناحيتين، الميدانية والمالية؛ إذ لا تُفرض عليها أية رقابة وتتمتع بصلاحيات عالية في استخدام العنف وهو ما يجعلها مفضَّلة للأنظمة الديكتاتورية والعسكرية والانقلابية.

كشف تقرير لشبكة بي بي سي عن معلومات مهمة من جهاز لوحي فقده أحد عناصر فاغنر في ليبيا خلال المعارك التي كان يشارك فيها مع اللواء المنشق، خليفة حفتر، غرب ليبيا خلال عمليات حصار مدينة طرابلس ضد حكومة الوفاق المعترف بها دوليًّا؛ حيث كشفت المعلومات التي كانت بالجهاز عن تفاصيل دقيقة وموثقة عن الشركة، خاصة فيما يتعلق بطبيعة عملياتها التي لا تلتزم بأي معايير أخلاقية. ولعل ما قاله عضو مجلس النواب الليبي، ربيع بو راس: “إنهم لا يتنافسون على ليبيا فقط، بل أيضًا على صنع القرار الدولي في إفريقيا والعالم” وصف دقيق لطبيعة الدور الذي تقوم به الشركة في تحقيق أهداف روسيا(8). ليست فاغنر وحدها فقط، بل هناك قائمة طويلة من الشركات الأميركية والفرنسية والبريطانية والصينية والسويسرية التي تتمتع بسمعة سيئة.

تنامي الاستثمارات في المناطق غير الآمنة

إن ارتفاع استثمارات الدول في المناطق غير الآمنة يدفع الدول إلى الاعتماد على شركات عسكرية وأمنية خاصة، حتى تستطيع الدول أن تؤمِّن استثماراتها وتحميها، ونقصد هنا بالتحديد الصين وفرنسا؛ إذ تبلغ -على سبيل المثال- المخاطر المتوسطة والعالية على استثمارات الصين في الدول التي تتقاطع مع مبادرة الحزام والطريق (BRI) 84%(9). نفذت الصين نحو 16 عملية إجلاء لغير المقاتلين، في جمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد وليبيا واليمن. ولعل ما حدث عام 2011 خلال أحداث الثورة الليبية خير مثال حيث استأجرت الحكومة الصينية ثلاث سفن سياحية و100 حافلة من اليونان لإنقاذ مواطنيها(10)، البالغ عددهم 13500 شخص، كما أن تنامي العلاقات الصينية مع الدول الإفريقية يدفع بكين إلى التعاقد مع الأمنيين لحماية استثماراتها ومواطنيها والدبلوماسيين، أغلب تلك المعاملات ستذهب لصالح الشركات الصينية المملوكة للدولة (SOEs)؛ حيث يوجد أكثر من 10 آلاف شركة صينية تعمل في إفريقيا وقرابة مليون مواطن صيني يعمل هناك. وقد حققت الشركات الصينية المملوكة للدولة قرابة 51 مليار دولار من العائدات من مشاريع الحزام والطريق وفقًا لمكتب الإحصاء الوطني الصيني. واعتبارًا من عام 2020، كانت الصين مسؤولة عن مشاريع بناء في إفريقيا أكثر من فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة مجتمعة. لدى الصين حوالي 4000 شركة أمنية مسجلة مع ما يقدر بنحو 4.3 ملايين موظف، معظمهم من أفراد الجيش والشرطة المسرَّحين(11)، ما سيدفعها لاستغلال تلك القدرات في إفريقيا لاحقًا.

الاستثمار في الأمن وحده غير كافٍ

تسعى الدول الأوروبية إلى إيجاد حلول أمنية من أجل إيقاف الهجرة غير الشرعية، ويعد نموذج قواتG5  الساحل أحد تلك النماذج؛ حيث تسعى أوروبا إلى ضبط الأمن الحدودي بين الدول عبر تعزيز التنسيق بين جيوش الدول من أجل مراقبة الحدود ومواجهة المتمردين والجماعات المسلحة ووقف عمليات التهريب والهجرة غير الشرعية. لكن ورغم حجم الاستثمارات الضخمة في قطاع الأمن عند دول الساحل إلا أنها في طريقها للفشل. على سبيل المثال، شهدت مالي انقلابًا في شهر مايو/أيار الماضي، اعتقل الجيش على إثره الرئيس، باه نداو، ورئيس الوزراء ووزير الدفاع وأعلن عن تشكيل مجلس عسكري، ولا تزال حتى الآن الأوضاع في مالي متوترة بشكل كبير، وهو ما دفع فرنسا للانسحاب من شمال مالي، وإغلاق ثلاث قواعد عسكرية في مدن كيدال، وتمبكتو، وتيسالي شمال مالي، وتقليص عدد قواتها من 5 آلاف و100 عنصر إلى نحو 2500 عنصر، وذلك في إطار خطة تنفذ خلال الفترة بين النصف الثاني من 2021 إلى بداية 2022#a12؛ وهو ما ينذر بانسحابها كما حدث مع القوات الأميركية مؤخرًا في أفغانستان(13)؛ حيث إن تكلفة بقائها أعلى من قيمة الأهداف التي تحققها من وجودها المباشر، بجانب تنامي عمليات استهداف القوات الفرنسية من قبل الجماعات المتمردة خاصة مع تراجع قوة الحكومة في فرض سيطرة فعلية على الأرض.

العلاقات بين المرتزقة المحليين والشركات العسكرية والأمنية الخاصة  

هناك بُعد آخر في خارطة السلاح في إفريقيا وهو تنامي العلاقات بين الشركات العسكرية والأمنية الخاصة والمرتزقة المحليين؛ حيث يمكن أن يجري توظيفهم من خلال الشركات الخاصة بأسعار أقل، وينحصر دور الشركات الخاصة هنا في الإشراف والتوجيه، فيما ينخرط المرتزقة المحليون في المواجهات وتنفيذ المهام التي غالبًا ما تعتمد على تجنيد الأطفال المختطفين أو من هم دون سن 18، الخطورة هنا في هذه العلاقة هو تطور أداء المرتزقة المحليين وانتقالهم إلى تنفيذ مهام خارج حدود دولهم وقبائلهم ما يجعل من الصعب تقدير مخاطر الشركات والمرتزقة على حدٍّ سواء، ويصعب حصر نطاق حضورها بل وحتى طبيعة أعمالها، وإلى جانب ذلك فإنها تكتسب خبرات فنية عالية، ما يجعل حكومات عدة عاجزة عن مواجهتها. على سبيل المثال، تقاتل مجموعات مسلحة سودانية وتشادية في ليبيا إلى جانب خليفة حفتر مثل حركة (جيش تحرير السودان)، وحركة العدل والمساواة، وميليشيات الجنجويد (قوات التدخل السريع) التي يتزعمها حميدتي، كما يمكن أن تمارس تلك القوات أدوارًا خارج إفريقيا أيضًا كما هي الحال في اليمن حيث تشارك ميليشيات الجنجويد في القتال هناك فالعامل المحرك هنا هو المال في المقام الأول.

وتوفر بعض الدول غطاء سياسيًّا للعديد من المرتزقة والمتمردين. فعلى سبيل المثال، افتتحت إسرائيل مكتبًا في تل أبيب، عام 2008، لزعيم جيش تحرير السودان، عبد الواحد نور، وتصرف له راتبًا شهريًا وتفتح له المجال العام وتدعمه في بناء علاقات مع أوروبا وهو ما يعطيه غطاء دوليًّا(14).

يشكِّل تعريف بعض المفاهيم جدلًا حيث يتداخل العديد من المفاهيم والتعريفات فنجد جماعات يطلق عليها متطرفة أو إرهابية أو متمردة أو مرتزقة، دون وجود مرجعية ثابتة يمكن الإجماع عليها. ويمكن أن نقف هنا عند نقطة مهمة قد تسهم في توضيح الصورة ولو قليلًا وهي نقطة المشروع السياسي، فالجماعة المسلحة التي تفتقد إلى مشروع سياسي يمكن أن نعرِّفها بجماعة مرتزقة، بينما امتلاك مشروع سياسي سواء مستند على أساس عرقي أو ديني يجعلنا نعرِّفهم بمتمردين، وبين هذا وذاك يمكن أن نرصد تحولات عند العديد من هذه الجماعات سواء بدافع الحصول على المال أو بدافع السياسة أو بدافع تنفيذ أفكارهم. وفي المقابل، نجد الدول الاستعمارية تسعى لفرض مفاهيمها من أجل استخدمها كمظلة لبقائها. لكن الأمر الذي لا خلاف عليه هو أن الدول الاستعمارية هي من مارست الإرهاب أولًا منذ دخولها إفريقيا بشكل دموي واستعلاء عنصري.

خلاصة المحور الثالث

إن تصاعد التنافس الدولي في إفريقيا يدفع الدول للصراع والتصادم خاصة مع تنامي دور الصين وروسيا، وهو ما قد يكون غير مرحب به من قبل فرنسا خصوصًا والاتحاد الأوروبي وأميركا عمومًا، وهو ما ينذر بارتفاع صادرات السلاح في السنوات القادمة، كما أنه يرجح أن تكون الإحصائيات الدولية حول تجارة السلاح بين الدول المصنِّعة والدول الإفريقية غير دقيقة، ويرجح أنها أكبر مما هو معلن؛ إذ تعمل الدول الاستعمارية على صناعة بيئة صراع حتى تستثمره  في تحقيق مصالحها وهيمنتها، كما أن ارتفاع التكلفة المالية والسياسية للقواعد العسكرية دفعها لمراجعة سياساتها والانسحاب رسميًّا مقابل تطوير سياسات ناعمة تضمن مصالحها، لذلك برز استخدام مسار آخر بديل عن القواعد العسكرية وهو تعزيز دور الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، واستخدام المرتزقة المحليين ومدهم بالسلاح، وهو ما يخفض التكلفة المالية والسياسية، وربما تكون فرنسا مثالًا مناسبًا إذ كانت تملك نحو 100 قاعدة عسكرية في إفريقيا عام 1960 أما الآن فقد تراجع عدد القواعد إلى خمس، لكن هذا الانسحاب لم يكن نهائيًّا بل تغيرًا في الأسلوب فقط بحيث تبنَّت فرنسا نهجًا جديدًا من أجل الهيمنة على القرار السياسي لمستعمراتها الإفريقية السابقة، حرصت فيه على تغيير ثقافة المجتمعات وإحلال أفكار الغرب وقيمه محلها، وهي القيم التي تتضاد مع الثقافة المحلية وتدفع لانقسام الشعوب وعودة التدخلات الخارجية بغطاء جديد وبوكالة الشركات الأمنية والعسكرية.

المحور الرابع: خيارات الطاقة في إفريقيا: سبل تأمين الإمدادات

قِدْمًا كانت ولا تزال إفريقيا مضمارًا لتنافس القوى الكبرى على مصالحها المتعددة بأرجائها الشاسعة؛ وقد ظلت جسرًا عالميًّا وممرًّا استراتيجيًّا، والتكالبُ الدوليُّ عليها ثابتة جيوبوليتيكية، وتأتي الطاقة في الوقت الراهن على قائمة المطامع الأجنبية مُخلِّفة أثرها على الدوافع والأطراف ثم الأبعاد.

ويعبِّر مجال الطاقة عن ذروة تشابك المصالح الدولية والبحث عن النفوذ والهيمنة بين اللاعبين الدوليين والإقليميين؛ كما يتجلى حينًا في التدخل في الشؤون الداخلية وأحيانًا بمناصرة حليف أو في مستوى حجم التبادل أو إلغاء الديون أو إشعال الحروب إن اقتضى الأمر ذلك واستخدام كل أوراق الضغط. 

ويتقاطع موضوع الطاقة مع السياسة والاقتصاد والاجتماع والأمن والتنمية والتعليم والصناعة وغيرها، وتتعدد أطرافه بين الداخل والخارج؛ ما يجعله في خضمِّ النظام الدولي المعاصر، كما يشكِّل الوقود الأحفوري محدِّدًا أساسيًّا للتفاعلات الدولية وعنوانًا للتفكير الاستراتيجي العالمي.

على الرغم من أن الوحدات السياسية الإفريقية فتية انطلاقًا من عهد استقلالها إلا أنها لم تتأخر في الالتحاق بالسوق العالمية للطاقة، وتتفاوت الدول الإفريقية بشكل كبير في علاقتها بالطاقة أهمية وتوريدًا وإنتاجًا وتصديرًا وتصنيعًا.

ويفرض تأمين الوقود على الشركاء المتشاكسين الواقعية السياسية إبقاءً على مصالحهم الحيوية، أو اعتماد سياسة التوازنات بناء على قاعدة تنويع الشراكات يستوي في ذلك المركز والأطراف، وتختلف أهمية مصادر الطاقة بحسب الأهداف الرئيسية التي تسعى إليها سياسة الطاقة(1).

ويأتي التأطير القانوني للثروات الطبيعية تعبيرًا عن سيادة الشعب على ممتلكاته، وقد انتبهت المنظمة الأممية عبر اجتماعات الجمعية العامة منذ ستينات القرن الماضي إلى ضرورة إرساء السيادة على الموارد الطبيعية والثروات، وتكمل السياسات الدولية كأهداف التنمية المستدامة 2030 وأجندة إفريقيا 2063 التشريعات الوطنية؛ إلا أن البون شاسع بين مبدأ السيادة وتطبيقاته المعاصرة.

ونتساءل هنا عن الفاعلين في مجال الطاقة بإفريقيا، وعن أهم التحديات التي تواجه القطاع، والفرص المتاحة أمام إفريقيا للتحرر الطاقي.

وسنحاول في هذه الورقة تحليل سياسات الطاقة على ضوء التغيرات المتلاحقة وطنيًّا وإقليميًّا ودوليًّا انطلاقًا من المحاور التالية:

أولًا: قطاع الطاقة الإفريقي

عرفت المجتمعات الإفريقية استغلال الموارد الطبيعية منذ القدم، وقد بدأ الكشف والتنقيب عن حقول النفط والغاز أيام الاستعمار، وتزايد الاهتمام بالطاقة مع الاستقلال، لكن يلاحظ أن الدول الكبرى المنتجة للنفط لم تعرف استقرارًا في عقودها الأولى كحالة نيجيريا وأنغولا مثلًا.

وأدت التغيرات الدولية المعقدة بعد انتهاء الحرب الباردة إلى رسم الخارطة الجيوبوليتيكية العالمية وإلى بروز القارة الإفريقية مجددًا على المسرح الدولي لما تزخر به من ثروات ومعادن، واستجابة لصدى التعاون أو التنافس الدولي ثم البحث عن فرص وحلفاء جدد.

تتحكم الشركات الكبرى في قطاع النفط بحكم إمكانياتها الهائلة في مقابل ضعف الدول الإفريقية ماديًّا وعلميًّا، فيما تلعب الشركات الوطنية دورًا محدودًا وثانويًّا، وتعتمد اعتمادًا شبه كلي على الشركات الأجنبية، نذكر منها على سبيل المثال: شركة البترول الوطنية النيجيرية، وشركة سوسيداد/سونانغول الأنغولية، وسوناطراك الجزائرية، وشركة النفط الوطنية في جنوب إفريقيا (بتروسا) إلا أن الأخيرة استثناء قاري، وتمتد أحيانًا عقود تراخيص الشركات النفطية مع الدول الإفريقية إلى أكثر من عشرين سنة، وتوجد عدة أصناف من العقود البترولية(2)، والقطاع مُدِرٌّ للأرباح والثروات الطائلة ومن ثم فلا غرو أن يتحكم عمالقة النفط العالمي في السياسات الدولية.

يتعدد اللاعبون في المجال من مؤسسات دولية كالبنك الدولي إلى شركات متعددة الجنسيات غربية (أوروبية-أميركية) وآسيوية، إلى دول من مختلف القارات. وتحتل منطقة غرب إفريقيا أهمية حيوية خاصة؛ حيث تسيطر على الاستثمار في هذه المنطقة شركات أميركية كبيرة، مثل: إيكسون موبيل Mobil Exxon، وأميرادا هي Hess Amerada ، وشيفرون تكساكو Texaco Chevron، وماراثون أويل Oil Maratho(3).

وتفتح الواجهة الأطلسية الإفريقية للسياسات الطاقية وتحديدًا مع الولايات المتحدة الأميركية ودول غرب أوروبا آفاقًا واسعة، وتتمركز الولايات المتحدة أطلسيًّا في لواندا وخليج غينيا الاستوائية وتشهد حالة تمدد بنواكشوط من خلال مشروع سفارتها وقاعدتها العسكرية في ظل حسابات جيوبوليتكية مرتبطة بتأمين المحيط الأطلسي وإمدادات الطاقة وتكريس وجودها أمام منافسيها ثم التغلغل بالمستعمرات الفرنسية.

وتشكِّل الشواطئ الشرقية ميزة للقوى الآسيوية عمومًا وللأقوى منها خصوصًا (بكين، نيودلهي، طوكيو، طهران، أنقرة)، وما وجود القاعدة الصينية واليابانية بجيبوتي إلا دليلًا على الأهمية الاستراتيجية التي تحظى بها هذه المنطقة في استراتيجية آسيا المتعاظمة بإفريقيا.

وتوفر الشركات العملاقة سلعًا تصديرية للسوق الدولية مما يعزز حضورها وتأثيرها على السياسات الخارجية، ويرجع السبب في تعدد الشركات الأجنبية بإفريقيا إلى ضمان استمرار استخراج الطاقة والتنويع من الشركاء وتخفيف الاعتماد على شريك أحادي، وأخيرًا انفتاح العالم وشدة التنافس على الموارد الأولية.

وتنتظم دول إفريقية في تكتلات نفطية دولية وإقليمية:

ـ رابطة منتجي النفط الإفريقية: Africa Association Producers Petroleum ، وتضم دولًا عربية وإفريقية منتجة للذهب الأسود، وتهدف إلى تطوير القطاع وتلبية حاجة شعوبها من الطاقة.

ـ الدول الإفريقية المنضمة للأوبك وتصل إلى سبع دول، وقد أُنشئت المنظمة بهدف استرداد السيطرة من الشركات متعددة الجنسيات، وهي التي جعلت من النفط سلاحًا استراتيجيًّا ضد خصومها منذ عام 1973.

ولا يتجاوز الاستهلاك الإفريقي من الطاقة 4% عالميًّا، وتحتل الأخشاب المصدر الأول للطاقة وبالأساس في الأرياف، وتفسر هذه النسبة حجم مساهمة القارة في التجارة العالمية، فالطاقة عنوان العصر وسلم التقدم، ففي بلد كالكونغو بمساحته وثرواته يشكِّل الخشب والفحم النباتي أربعة أخماس الطاقة المستخدمة في منازل جمهورية الكونغو الديمقراطية(4)، وتعتبر الجزائر ومصر وجنوب إفريقيا كبرى الدول الإفريقية المستهلكة للنفط حيث تمثل مجتمعة 54% من استهلاك القارة النفطي(5).

ثانيًا: مصادر الطاقة

لا يزال الوقود الأحفوري كالفحم والنفط والغاز واليورانيوم يمثل النسبة الأعلى من مصادر الطاقة، إيرادًا وتصديرًا، وتتوزع جغرافية إفريقيا موارد طبيعية وثروات تضعها في الرتب المتقدمة عالميًّا، كما تتعدد مصادر الطاقة البديلة بها كالشمس، والرياح، والمياه.

  • النفط

من سمات النفط الإفريقي القرب والجودة وقلَّة التكاليف، وتبلغ احتياطات القارة النفطية حوالي 10% عالميًّا، وتَعِدُ مصفاة دانغوت، رجل الأعمال النيجيري، بريادة في الصناعات الهيدروكيماوية مما يقلِّل ولو نسبيًّا من الاعتماد على الشركات الأجنبية لأبوجا ويساعد على استغلال المواد المستخرجة من النفط وزيادة الناتج المحلي الإجمالي.

وتستهلك الصناعات العملاقة غالبية الطاقة العالمية عبر المحور الثلاثي، وتعتبر أكثر المناطق استهلاكًا للنفط عالميًّا هي منطقة آسيا أي بنسبة 30% تليها شمال أميركا بنسبة 27.4% ثم قارة أوروبا 24.3%(6)، وهي نِسَب مرشحة للارتفاع بسبب استخدام التكنولوجيا الحديثة.

وتستفيد الاقتصادات الضعيفة من انخفاض سعر البترول مقابل تضرر الدول النفطية الكبرى من تقلبات الأسعار الدولية مما قد يؤثر سلبًا على الناتج المحلي الإجمالي.

  • الغاز

تبلغ احتياطيات الغاز الإفريقي حوالي 13-15% عالميًّا(7)، ومن المتوقع زيادة الطلب العالمي على الغاز الطبيعي في العقود القادمة، ويتصدر الشرق الأوسط سوق الغاز العالمية، إلا أن الاكتشافات القارية واعدة.

وقد يساعد الغاز النيجيري الأوروبيين على تقليل الاعتماد على الروس والافتكاك من هيمنة موسكو على بروكسل عبر مشروع مدِّ خط أنابيب الغاز العابر للصحراء؛ ما يجعل من إفريقيا قارة التنافس والتوازن. وتعرف موزمبيق في السنوات الأخيرة اكتشافات هائلة من النفط والغاز الطبيعي والفحم، مصادر الوقود الثلاث التي تقوم ببناء الاقتصاد الحديث معًا(8)، كما تزوِّد دول الجوار بالغاز.

ويتوفر الشريط الساحلي وشواطئ المحيط الأطلسي على احتياطيات كبيرة من البترول والغاز طولًا وعرضًا امتدادًا على محورَيْ داكار-دارفور والرباط-أنغولا، والاكتشافات بدارفور، 2005، وفي السواحل البحرية السنغالية-الموريتانية شاهدة على ذلك.

والمعروف أن هناك أربعة لاعبين مهمين في الجيوستراتيجية التي تسعى للتأثير في تدفق النفط والغار لاسيما في مجال الاستهلاك، وهي الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي باعتبارهم أكبر المستهلكين في العالم، ومن الواضح أن الولايات المتحدة والصين هما أهم لاعبيْن فيها(9).

وستظل بكين معتمدة في احتياجاتها الطاقية على الموارد الإفريقية بحكم اقتصادها المتنامي، والبحث عن شركاء جدد، وقد زاحمت الصين دولًا غربية عديدة فعززت صادراتها التجارية مثلا إلى الغابون وأنغولا، ثم إن وتيرة السرعة التي تسير بها بكين مع العواصم الإفريقية منذ بداية الألفية دليل على ما يخبئه المستقبل لهذه الدولة الآسيوية من تنام متعاظم، كما نلمس ذلك مع أبوجا وليبرفيل.

بيد أن روسيا ورغم نجاحها في السنوات الأخيرة في إحداث اختراقات مهمة في القارة فإن المقارنة بمنافسيها تكشف عن وجود قدر من المبالغة في تضخيم الدور الروسي هناك(10)، وقد تكون خطة موسكو البحث عن شركاء في مجال الغاز بحكم ارتفاع إنتاجها وخبرتها المتراكمة ووضع يدها على السوق الغازية الإفريقية مستقبلًا.

وتنشط الشركة الفرنسية العملاقة (توتال) بإفريقيا، وتستحوذ على جزء كبير من الاستثمارات الطاقية خارج مناطق نفوذها التقليدية، منفردة أو متحالفة مع الصناعات النفطية العالمية وإن تراجع دورها أمام واشنطن وبكين.

  • اليورانيوم

يعتبر اليورانيوم من المواد الاستراتيجية، ومن بين الدول الأكثر إنتاجًا له النيجر وناميبيا وجنوب إفريقيا ومالاوي، وتستحوذ عليه شركات أجنبية؛ أشهرها شركة أريفا AREVA الفرنسية بالنيجر، كما تتنافس عليه شركات أخرى كندية وأسترالية وصينية.   

منذ عودتها إلى المنتظم الإفريقي، 1994، فإن بريتوريا من الدول المتقدمة نوويًّا في القارة وشريك أساسي إقليمي ودولي، وإلى جانب جمهورية جنوب إفريقيا فقد أعلنت كل من مصر ونيجيريا، في عام 2006، عن اتخاذ خطوات بشأن إنشاء أول محطة نووية في كل منهما، وفي عام 2007 أعلنت ناميبيا اهتمامها ببحث خيار الطاقة النووية على المدى البعيد(11).

فيما فرضت لواندا نفسها كفاعل في القضايا الإفريقية بعد خروجها من الحرب الأهلية المدمرة، واستطاعت بناء اقتصاد ريعي قائم على مواد الخام وأداء دور إقليمي سياسيًّا وعسكريًّا وماليًّا، وها هي اليوم تصنَّف ضمن أكبر ثلاثة اقتصادات في المنطقة؛ وهي: نيجيريا وجنوب إفريقيا وأنغولا(12)، وتشبهها مالابو (عاصمة غينيا الاستوائية) في استفادتها من ثرواتها بخلاف ليبرفيل وأبوجا.

وإلى جانب الوقود الأحفوري، توجد الطاقة البديلة كالطاقة الشمسية، وتعد التجربة المغربية من أنجح التجارب الإفريقية، وتظل إمكانية الحصول على الطاقة من حوض الكونغو هائلة، والواقع أن الكهرباء المتولدة عن الماء وحدها، إذا ما طوِّرت، قد تصل إلى ما يقرب من سدس الإجمالي العالمي(13).

ثالثًا: حاجة إفريقيا إلى الطاقة

نحو نصف سكان إفريقيا جنوب الصحراء لا يحصلون في الوقت الحالي على الكهرباء، والذين يحصلون عليها يدفعون في المتوسط حوالي ضعف ما يدفعه المستهلكون في الأماكن الأخرى من العالم(14).

ولا تزال السياسات القارية عاجزة عن توفير الكهرباء لمواطنيها، فضلًا عن الاحتياجات الثانوية المرتبطة بالوقود، وقد أطلق البنك الإفريقي للتنمية، 2016، مبادرة جديدة تهدف إلى إضاءة إفريقيا وإمدادها بالطاقة، والوصول الشامل للكهرباء بالقارة في أفق 2025(15).

وتبلغ المساهمات الحكومية الإفريقية الحالية في الاستثمارات في قطاع الطاقة حوالي 0.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي فقط(16)، وباستخدام 2-3% فقط من الناتج المحلي الإجمالي السنوي ستُسَدُّ الفجوة الاستثمارية المذكورة أعلاه.

وستزداد سياسة الربط الطاقي مستقبلًا إذ صارت همًّا قاريًّا؛ إما بسبب مصلحة البلدان الإفريقية ذاتها أو بسبب مصالح اللاعبين الكبار، كالربط بين شمال المتوسط وجنوبه عبر مشاريع طاقية بديلة، ويُسهِّل موقع القارة من الانفتاح والتواصل مع مختلف مناطق العالم من خلال المضايق والبحار والمحيطات.

وتوجد مشاريع قيد التنفيذ على مستوى الأقاليم الفرعية كما في غرب القارة مع مشروع (WAGP)، وفي شرقها حيث سيربط خط الأنابيب البالغ طوله 1800 كيلومتر احتياطيات الغاز الطبيعي الغنية في تنزانيا وصناعة الصلب المتطورة في أوغندا، ويعزز النمو الاقتصادي من خلال التصنيع. ومن المتوقع أن يبدأ المشروع عملياته في عام 2026(17).

وستسهم تلك الخطوط (غاز، نفط، كهرباء) في المدَيَيْن، المتوسط والبعيد، في تقاسم الثروات بين أبنائها علاوة على زيادة التعاون، والاستقلال النسبي واندماج الاقتصاد الإفريقي عبر تفعيل اتفاقية التجارة الحرة القارية، وما من شك في أن توفير الطاقة سيمكِّن إفريقيا من تسريع وتيرة الاقتصاد والنقل والإدارة ومرافق الحياة المعاصرة بصورة عامة.

رابعًا: التحديات

  • التمويل

يتطلب استخراج الطاقة وتوظيفها أرقامًا فلكية تصل لمليارات الدولارات التي لا تتوافر لكثير من الدول بسبب العجز الاقتصادي، وقد لعبت بعض العوامل السياسية والاقتصادية مثل تأخر استقلال الدول الإفريقية والإرث الاستعماري لما بعد الاستقلال والصراعات الداخلية والديون الخارجية المتراكمة دورًا سلبيًّا وعائقًا أمام الاستثمارات الخارجية(18).

يشمل الاستثمار في النفط مجالات عدة كالتنقيب والاكتشاف والتكرير والتطوير والإنتاج والتسويق، ويعتمد أساسًا على رأس المال الأجنبي، وثمة مبادرات نحو الاستثمار القاري. على سبيل المثال، قامت مؤسسة “رنيسانس كابيتال” بإنشاء الصندوق الإفريقي “أفريكان فاند”، وصندوق “أوريكس إس إيه فاند” الذي يعد صندوق التحوط الأكبر في جنوب إفريقيا، للتركيز بشكل فردي على السندات والسلع ذات الصلة بالقارة الإفريقية. كما قامت ليبيا بخطوة مماثلة عبر إنشاء “محفظة ليبيا إفريقيا للاستثمار” المختصة بالاستثمار في كافة المجالات والقطاعات الاقتصادية بالقارة الإفريقية(19).

ثم إن البلدان النامية أمامها اليوم فرصة غير مسبوقة، وهي إمكانية إنهاء الفقر المدقع خلال جيل واحد. وفرصة كهذه ينبغي اغتنامها وعدم إضاعتها(20)، كما يؤكد خبراء المالية.

  • التحدي الأمني

أدَّت لحظة 11 سبتمبر/أيلول وما أعقبها من الحرب الدولية على الإرهاب ومحاصرة الجماعات المسلحة في العالم وصولًا لإفريقيا إلى بلورة فكر استراتيجي يضع في الصدارة الاعتبارات الأمنية لحماية المصالح القومية خارج العالم الصناعي كتأمين الإمدادات من الطاقة.

وترتبط الطاقة بالأمن والتجارة مشكِّلة مثلث النفوذ، كالعلاقات العسكرية الصينية-النيجيرية، ومن مهام القيادة الأميركية تأمين موارد النفط بإفريقيا، وتنفيذ الاستراتيجية الأميركية العالمية والمتمحورة حول الأمن والطاقة لاسيما في هذه القارة(21).

وقد أدى تصاعد وتيرة العنف بدلتا النيجر إلى إغلاق معظم المرافق في الدلتا، مسبِّبًا خفض معدل الإنتاج عام 2006 بنسبة 50%، وقدَّرت وزارة المالية أن هذه الأزمة كلَّفت الحكومة خسارة إيرادات بقيمة 4.4 مليارات دولار(22). ومن هنا، لا يمكن الفصل بين وجود القواعد العسكرية الأجنبية في جيبوتي لحماية أمن بلدانها وبين الحفاظ على مصالحها الحيوية وعلى رأسها الوصول إلى منابع النفط كهدف استراتيجي وسياسي، ومع أن السباق محموم بين القوى الكبرى التقليدية والصاعدة على المعادن والمواد الأولية الإفريقية فإنه مرشح للازدياد.

وليس من المستبعد خوض القوى الكبرى حروبًا بالوكالة على أرض إفريقية بسبب أهمية الطاقة في الوقت الراهن لاقتصاداتها، خصوصًا إذا أخذنا في الاعتبار الانتشار العسكري المتفاقم للدول الكبرى في البلدان الإفريقية منذ بداية الألفية الثالثة.

غير أن التكالب الدولي يسفر أحيانًا عن نوع من تغذية التنافس القاري بين القوى الإقليمية الفرعية نتيجة ازدياد العوائد البترولية كما هي الحال في شمال إفريقيا بين الجزائر والرباط وأنغولا وجنوب إفريقيا، أو تسخير الموارد بحثًا عن دور إقليمي محوري في عهد إدريس ديبي بالساحل والصحراء.

وهنا، تأتي أهمية التعاون الطاقي بين الجارين، السنغالي والموريتاني، للغاز المشترك من “حقل السلحفاة الكبير-أحميم” ، والتشادي-الكاميروني لتصدير النفط على مسافة تزيد عن 1000 كلم منذ 2003.

خامسًا: أفق التحرر الطاقي

يعتبر التلاحم بين الطاقة والعلم “التصنيع” أحد المخارج الآمنة لتأمين الإمدادات، بعد بناء الدولة وترشيد النفقات على شكل يضمن التكوين العالي وتوطين التكنولوجيا والشفافية وتعميم المعلومات وتهيئة فضاء علمي يمكِّن الأجيال الناشئة من استغلال ثروات القارة وتسخيرها لصالحها.

علمًا بأن تقاسم عائدات الطاقة عموديًّا وأفقيًّا لا يزال مثار جدل واهتمام الرأي الوطني والدولي، ما يعيد دومًا مسألتَيْ الشفافية والتصرف في المال العام إلى الواجهة. وتتبادل الدول والشركات النفطية التهم جرَّاء الفساد وسوء إدارة العائدات المخصصة للجماعات المحلية كحالة شركة شل مع الحكومة النيجرية.

فلو تضافرت الموارد على تنوعها مع إدارة وطنية رشيدة وعمل القوة الديمغرافية الفتية واستغلال الأراضي الشاسعة وتوظيف التكنولوجيا الحديثة لتخلصت إفريقيا من أزماتها الخانقة ولنافست القوى الكبرى في ظرف وجيز.

خاتمة

يرسم استخدام الطاقة ملامحَ المستقبل الإفريقي في القرن الواحد والعشرين مع اختلال موازين القوى بين الأطراف الفاعلة، فيما تشهد إفريقيا حضورا دوليا وصراعا بين القوى الكبرى على تأمين الوقود، وقد ازداد دورها في الوقت الراهن بسبب اعتماد الاقتصاد العالمي على الطاقة، وتسابقت الدول العظمى نحوها كسبا لمزيد من القوة والنفوذ على حساب مسيرة القارة التحررية والتنموية.

إلا أن إمكانيات القارة الطاقية لا تترجم حجمها الإقليمي حتى في توفير احتياجاتها الأساسية فضلا عن أداء دور عالمي مرتقب في أي ملف من الملفات الشائكة سواء تعلق الأمر بالأمن أو الاقتصاد أو الدبلوماسية.

مراجع
مراجع المحور الاول

(1)– Rhys Jenkins, How China is Reshaping the Global Economy: Development Impacts in Africa and Latin America, Oxford, Oxford University Press,113,114.

(2)– Yun sun, Africa in China’s Foreign Policy, Brookings, April 2014, “accessed July 20, 2021”, 3-5, URL: https://brook.gs/3eSV8tH

(3)– Ibid.

(4)– Jenkins, How China is Reshaping the Global Economy, 129-131.

(5) الجيواقتصاد هو تحليل الاستراتيجيات الاقتصادية -وخاصة التجارية منها- التي تقررها الدول في سياق السياسات الرامية إلى حماية اقتصادها الوطني أو أجزاء محددة جيدًا منه، لمساعدة “الشركات الوطنية” على امتلاك وإتقان التكنولوجيات الرئيسية و/أو لغزو قطاعات معينة من السوق العالمية المتعلقة بإنتاج أو تسويق منتج حساس أو مجموعة من المنتجات، من حيث إن حيازتها أو سيطرتها تمنح صاحبها -دولة أو مؤسسة “وطنية”- عنصر قوة ونفوذًا دوليًّا ويسهم في تعزيز إمكاناتها الاقتصادية والاجتماعية.

Pascal Lorot, « De la géopolitique à la géoéconomie », Géoéconomie, vol. 50, no. 3, 2009, pp. 9-19.

(6)– Sun, Africa in China’s Foreign Policy, 5-9.

(7)– Olayiwola Abegunrin, Charity Manyeruke, China’s Power in Africa: A New Global Order, London, Palgrave McMillan, 2020, 59-61. DOI 10.1007/978-3-030-21994-9

(8)– Jenkins, How China is Reshaping the Global Economy, 131-135.

(9)– Les relations Chine-Afrique en 2021 : des perspectives prometteuses, Jeune Afrique, https://bit.ly/3eUW7K6

(10)– Sun, Africa in China’s Foreign Policy, 6.

(11)– Jenkins, How China is Reshaping the Global Economy, 131-135.

(12)– طاهر هاني، هل الصين بصدد بسط نفوذها في إفريقيا؟، فرانس24، 3 سبتمبر/أيلول 2018، (تاريخ الدخول: 7 يوليو/تموز 2120): https://bit.ly/3BHwyWq

(13)– 187 مليار دولار أميركي قيمة التجارة بين الصين وإفريقيا في عام 2020، موقع (arabic.people.com.cn)، 13 أبريل/نيسان 2021، (تاريخ الدخول: 7 يوليو/تموز 2120) :

https://bit.ly/2V4L0Hn

(14)– Sun, Africa in China’s Foreign Policy,13-15.

(15)– Ibid.

(16)– Anja Lahtinen, China’s diplomacy and economic activities in Africa, Palgrave Macmillan, 2018, 37-38. DOI 10.1007/978-3-319-69353-8

(17)– Ibid.

(18)– Jenkins, How China is Reshaping the Global Economy, 121-123.

(19)– ‘Does China Dominate Global Investment?’, chinapower.csis.org. 19 déc. 2016, (accessed July 21, 2021): https://bit.ly/3rxyXhX

(20)– Jenkins, How China is Reshaping the Global Economy, 120-121.

(21) “وزارة التجارة الصينية: توسع واردات الصين من المنتجات الزراعية من الدول الإفريقية”،’ people ‘، 15 يناير/كانون الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 7 يوليو/تموز 2120):

 https://bit.ly/3i4SrHA

(22)– Les relations Chine-Afrique en 2021, Jeune Afrique.

(23)– Abegunrin, Manyeruke, China’s Power in Africa, 39.

(24)– Les relations Chine-Afrique en 2021, Jeune Afrique. (vu le 24 juillet 2021)

https://bit.ly/3yfJMYI

(25)-– Sun, Africa in China’s Foreign Policy, 23-25.

(26)– Jenkins, How China is Reshaping the Global Economy, 138-141.

(27)– ‘Africans’ perceptions about China: A sneak peek from 18 countries’, Afrobarometer, September 3 2020.URL: https://bit.ly/3y5HhrK

(28)– هاني، هل الصين بصدد بسط نفوذها في إفريقيا؟ مرجع سابق.

(29)– Ristel Tchounand, Chine / Matières premières: indispensable Afrique? afrique.latribune.fr, 01 Avril 2017, (accessed July 20, 2021): https://bit.ly/3BEHxjD

(30)– Emmanuel Véron, Vers un impérialisme chinois en Afrique ? Le point.fr, 09 septembre2018, (accessed July 20, 2021) https://bit.ly/3wZzLx3

(31)– Thierry Vircoulon, Afrique-Chine : des relations au beau fix ? Le point.fr, 15 Mars 2021, (accessed July 20, 2021) https://bit.ly/2Wkyl3N

(32)– Richard Hiault, Comment les Chinois mènent la conquête de l’Afrique, Lesechos.fr, 19 février 2019, (accessed July 20, 2021) https://bit.ly/2ULCJZ8

(33)– ‘The new scramble for Africa’, The economist.com, March 7, 2019. https://econ.st/3BFukqH

(34)– Ibid.

مراجع المحور الثاني:

مراجع

(1)– Ryan Browne, US to reduce number of troops in Africa, CNN, November 15, 2018, (accessed July 31, 2021), https://cnn.it/3ikKDl9

(2)– Ukraine crisis: Russia and sanctions, BBC, 19 December 2014, (accessed July 31, 2021), https://bbc.in/3xmTF5w

(3)– منى عبد الفتاح، روسيا تتجه إلى أفريقيا بالأمن والمصالح الاقتصادية، الأندباندنت عربية، 14 أغسطس 2020 (تم التصفح في 30 يوليو 2021)، https://bit.ly/3rOuibD

(4)– Next Russia-Africa summit to take place in 2022, Russkiy Mir, 08.07.2020, (accessed July 31, 2021), https://bit.ly/3ymbjHD

(5)– Russia and Mauritania signing and Agreement on Military Cooperation, Moscow Conference on International Security, 23.06.2021, (accessed August 2, 2021), https://bit.ly/37iDZpi

(6)– Jane Flanagan, Chad rebels trained by Russia march on heart of Africa, The Times, April 23 2021, (accessed July 31, 2021), https://bit.ly/2Vi6Aso

(7)– Peter Kum, Russia to deploy 600 more soldiers in Central African Republic, Anadolu Agency website, 30.06.2021, (accessed July 28, 2021), https://bit.ly/3xngTsf

(8)– بعد منحها قاعدة بحرية.. موسكو تضع قدما في مياه السودان وعينها على معادن أفريقيا، الجزيرة نتن 27/4/2021، (تم التصفح في 27 يوليو 2021)، https://bit.ly/3ft4JYB

(9)– Ethiopia, Russia Sign Various Agreements to Enhance Military Cooperation, ENA, July 12/2021, (accessed July 31, 2021), https://bit.ly/3imrXS2

(10)– وسط دهشة المصريين.. هذه أسباب الموقف الروسي تجاه سد النهضة، الجزيرة نت، 13 يوليو 2021، (تم التصفح في 1 أغسطس 2021)، https://bit.ly/3xnjceT

(11)– Mhe. Waziri ,Balozi Liberata Mulamula afanya mazungumzo na Mjumbe Maaluum wa Shirikisho la Urusi, The United Republic of Tanzania

Ministry of Foreign Affairs and East African Cooperation, 15 May 2021, (accessed July 31, 2021), https://bit.ly/3ikFYQb

(12)– Vladimir Shubin, Africa’s Unfolding Potential for Russia, ISPI, 15 November 2019, (accessed July 31, 2021), https://bit.ly/3ijsUuk

(13)– Vladimir Shubin, Russia and Africa Need Each Other, Rosa-Luxemburg-Stiftung, Jul 2, 2020, (accessed July 30, 2021), https://bit.ly/3rOpyCR

(14)– Op. Cit.

(15)– Peter Fabricius, Putin showcases Russia’s support for Africa at inaugural economic forum, Daily Maverick, 23 October 2019, (accessed July 31, 2021), https://bit.ly/3A8FQZY

(16)– Nuclear Education for Africa’s Future, ROSATOM, #236December 2020, (accessed July 31, 2021), https://bit.ly/3lsoYcK

(17)– Julie Hessler, Death of an African Student in Moscow: Race, politics, and the Cold War, ResearchGate June 2006, (accessed July 27, 2021), https://bit.ly/3CaXFJL

(18)– Jideofor Adibe, What does Russia really want from Africa? brookings.edu, November 14, 2019, (accessed August 2, 2021), https://brook.gs/3s3cfi9

(19)– France halts joint army operations with Malian forces over coup, Aljazeera.com, 3 Jul 2021, (accessed July 29, 2021), https://bit.ly/3A8eeEG

(20)– France resumes joint military operations in Mali, Aljazeera.com, 3 Jul 2021, (accessed July 29, 2021), https://bit.ly/3xwlOY1

(21)– Joseph Siegle, Russia’s Strategic Goals in Africa, The Africa Center, May 6, 2021, (accessed July 30, 2021), https://bit.ly/3xkXxnE

(22)– Mathieu Olivier, CAR: Who are President Touadéra’s Russian guardian angels? The Africa report, 17 March 2021, (accessed July 27, 2021), https://bit.ly/3lryyfO

(23)– Jideofor Adibe, What does Russia really want from Africa? Op. Cit.

(24)– Op. Cit.

(25) Trends in international arms transfers, 2020 – SIPRI, sipri.org, March 2021, (accessed July 29, 2021), https://bit.ly/3rYlwba

(26)– Paul Stronski, Late to the Party: Russia’s Return to Africa, carnegieendowment.org, October 16, 2019, (accessed July 28, 2021), https://bit.ly/3rQTPkf

(27)– Russia attempt to halve UN cross-border aid to Syria fails, Aljazeera.com, 9 Jul 2020, (accessed July 29, 2021),

https://bit.ly/2WR4JLF

(28)– Resolutions Calling on Withdrawal of Forces from Crimea, Establishing Epidemic Preparedness International Day among Texts Adopted by General Assembly, United Nation site, December 7, 2020, (accessed July 30, 2021), https://www.un.org/press/en/2020/ga12295.doc.htm

(29)– Nick Turse, U.S. Military Says It Has a “Light Footprint” in Africa. These Documents Show a Vast Network of Bases. The Intercept, December 1 2018, (accessed July 31, 2021), https://bit.ly/37f4nAi

(30)– Chen Liubing, China, Africa trade volume rises 14% to $170b, chinadaily.com.cn, 2018-08-29 (accessed July 30, 2021), https://bit.ly/2TPeoRA

(31)– Paul Stronski, Late to the Party: Russia’s Return to Africa, Carnegie Endowment for International Peace, October 2019, Wathinotes, 11 février 2021, (accessed July 30, 2021), https://bit.ly/3A311wI

(32)– Russian ambassador sparks backlash with suggestion Guinea change constitution, January 11, 2019, Reuters, (accessed July 30, 2021), https://bit.ly/3xm6WLt

مراجع النحور الثالث

(1)– Tian, Nan, Alexandra Kuimova, Diego Lopes Da Silva, Pieter D. Wezeman, and Siemon T. Wezeman. “Trends in world military expenditure, 2020.” (2021). accessed August 24, 2021: https://www.sipri.org/publications/2021/sipri-fact-sheets/trends-world-military-expenditure-2020

(2)– Hackett, James. The Military Balance 2013. Routledge, 2020. (P 324) (P333). accessed August 24, 2021: https://hostnezt.com/cssfiles/currentaffairs/The%20Military%20Balance%202021.pdf

(3)– Hackett, James. The Military Balance 2013. Routledge, 2020. (P 465), accessed August 27, 2021: https://hostnezt.com/cssfiles/currentaffairs/The%20Military%20Balance%202021.pdf

(4)– Tian, Nan, Alexandra Kuimova, Diego Lopes Da Silva, Pieter D. Wezeman, and Siemon T. Wezeman. “Trends in world military expenditure, 2020.” (2021). accessed August 24, 2021: https://www.sipri.org/publications/2021/sipri-fact-sheets/trends-world-military-expenditure-2020

(5)– Arie Egozi, Israeli arms exports to Africa growing, Defence Web, March 2018, accessed August 29, 2021: https://www.defenceweb.co.za/industry/industry-industry/israeli-arms-exports-to-africa-growing/

(6) أحمد مولانا، شركة فاغنر الروسية: النشأة والدور والتأثير، المعهد المصري للدراسات، فبراير/شباط 2021، (تاريخ الدخول: 1 سبتمبر/أيلول 2021): https://bit.ly/3yLAlzo

“نص تقرير للأمم المتحدة في عام 2020 على أن الدعم اللوجستي العسكري الروسي المباشر المقدم إلى فاغنر.. زاد بشكل كبير؛ حيث رُصدت نحو 338 رحلة جوية بواسطة طائرات عسكرية روسية أقلعت من سوريا إلى ليبيا بين 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 و31 يوليو/تموز 2020. وفي تقرير سري أممي صدر في مايو/أيار 2020، قال مراقبو العقوبات: إن مجموعة فاغنر الروسية لديها ما يصل إلى 1200 مقاتل في ليبيا”.

(7)– Akcinaroglu, Seden, and Elizabeth Radziszewski. “Private military companies, opportunities, and termination of civil wars in Africa.” Journal of Conflict Resolution 57, no. 5 (2013): 795-821.

(8)– Nader Ibrahim, Ilya Barabanov, The lost tablet and the secret documents Clues pointing to a shadowy Russian army, BBC News, 11August 2021, accessed August 24, 2021: https://www.bbc.co.uk/news/extra/8iaz6xit26/the-lost-tablet-and-the-secret-documents

(9)– Chris Devonshire-Ellis, 84% Of China’s BRI Investments Are In Medium-High Risk Countries, Silk Road Briefing, Jul 2020, accessed August 26, 2021: https://www.silkroadbriefing.com/news/2020/07/02/84-chinas-bri-investments-medium-high-risk-countries/

(10)– Judd Devermont, China’s Strategic Aims in Africa, CSIS, May 2020, accessed August 24, 2021:https://www.uscc.gov/sites/default/files/Devermont_Testimony.pdf

(11)– Nantulya, Paul. “Chinese Security Contractors in Africa.” Carnegie-Tsinghua Center for Global Policy (2020).

(12)– وكالة الأناضول، انسحاب فرنسا من مالي.. بين معاقبة الانقلاب ومحاولة توريط الجزائر (تحليل)، 13 يوليو/تموز 2021، (تاريخ الدخول: 2 سبتمبر/أيلول 2021): https://bit.ly/2VgfEhu

(13)– Theodore Shoebat,When The French Leave Mali, Africa Will Be Another Afghanistan, Shoebat, August 2021, accessed August 24, 2021: https://shoebat.com/2021/08/31/when-the-french-leave-mali-africa-will-be-another-afghanistan/

(14)– Darfur’s Armed Opposition Groups, Human Security Baseline Assessment For Sudan and South Sudan, Sudan Liberation Army-Abdul Wahid (SLA-AW) and splinters, March 2011, accessed August 24, 2021:http://www.smallarmssurveysudan.org/fileadmin/docs/archive/sudan/darfur/armed-groups/armed-opposition-groups/SLA-AW/HSBA-SLA-AW-30-March-2011.pdf

مراجع المحور الرابع

(1) الغابات والطاقة، عرض الطاقة والطلب عليها: الاتجاهات والاحتمالات، ص17، تقرير منظمة الزراعة العالمية بدون تاريخ، (تاريخ الدخول: 14 أغسطس/آب 2021):

https://bit.ly/3zaoVFM

(2) Seydou KA-lesoleil.sn ,  Dr Pape Mamadou Touré : «la Covid-19 n’a pas eu d’effets juridiques majeurs sur les projets pétroliers et gaziers du Sénégal, SeneWEb du 21 août, 2021, (Vu le 21 Aout 2021):

https://bit.ly/3llmM5c

(3) د. أيمن شبانة، النفط الإفريقي: عندما تتحرك السياسة الأميركية وراء الموارد، العدد الثاني، فبراير/شباط 2013، مجلة إفريقيا قارتنا، ص4، (تاريخ الدخول: 14 أغسطس/آب 2021):

https://www.sis.gov.eg/newvr/africa/2/12.pdf

(4) وانغاري ماثاي، إفريقيا والتحدي، ترجمة: أشرف محمد كيلاني، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، مارس/آذار 2014-الكويت، ص245.

(5) المنتدى رفيع المستوى حول التعاون العربي الإفريقي في مجال الاستثمار والتجارة، الجماهيرية الليبية 25/26 سبتمبر/أيلول 2010، الواقع والآفاق المستقبلية للنفط والغاز بالقارة الإفريقية، ص16، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2021):

https://bit.ly/3huXHDK

(6) المرجع السابق، ص15.

(7) Adama WADE , l’Afrique peut peser entre 13 et 15% des réserves mondiale, Finance Afrik, 2019/06/12, (Accessed 05 september, 2021):

https://bit.ly/396dOTG

(تاريخ الدخول: 5 سبتمبر/أيلول 2021).

(8) التوقعات لمجال الطاقة، الوفاء بالإمدادات المستقبلية، موقع إكسون موبيل، 8 يوليو/تموز 2019، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2021):

https://exxonmobil.co/3tGI5lf

(9) د. حسن صادق جاحم، التنافس الأميركي-الصيني على الطاقة في إفريقيا، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، برلين-ألمانيا، الطبعة الأولى 2020، ص49.

(10) عبد القادر محمد علي، الحضور العسكري الروسي في إفريقيا ودلالاته، مركز الجزيرة للدراسات، 19 مايو/أيار 2021، ص8، (تاريخ الدخول: 11 أغسطس/آب 2021):

https://bit.ly/3lm6rgx

(11) مجلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية 1/49، سبتمبر/أيلول 2007، ص39، (تاريخ الدخول: 5 سبتمبر/أيلول 2021):

https://bit.ly/3EiDWJ8

(12) تقرير إفريقيا 2017/18، الأسواق العقارية في قارة من الازدهار والفرص، الأبحاث Knight Frank  ص3، (تاريخ الدخول: 12 أغسطس/آب 2021):

https://bit.ly/2XfUUHO

(13) وانغاري ماثاي، إفريقيا والتحدي، مرجع سابق، ص247.

(14) غريغور شوبرهوف ومحمدو سي، حيث تسطع الشمس، التمويل والتنمية، مارس/آذار 2020، ص54، (تاريخ الدخول: 5 سبتمبر/أيلول 2021):

https://bit.ly/3CcNBiz

(15) REVUE DES RÉFORMES DU SECTEUR DE L’ÉLECTRICITÉ EN AFRIQUE, p : 14, (Vu le 14l/08/2021):

https://bit.ly/3k60S6q

(16) مذكرة مفاهيمية، زيادة ميزانية الحكومات الإفريقية لتمويل تطوير قطاع الطاقة، موقع إنكرايزينغ أفريكا، أكتوبر/تشرين الأول 2016، ص3، (تاريخ الدخول: 10 أغسطس/آب 2021):

https://bit.ly/2YJnAcj

(17) خط أنابيب الغاز الطبيعي داخل إفريقيا: العمليات والمشاريع القادمة، موقع ستاو، 19 فبراير/شباط 2021، (تاريخ الدخول: 24 أغسطس/آب 2021):

https://www.seetao.com/details/64813.html

(18) المنتدى رفيع المستوى حول التعاون العربي الإفريقي في مجال الاستثمار والتجارة، مرجع سابق، ص4، (تاريخ الدخول: 16 أغسطس/آب 2021).

(19) المرجع السابق، ص: 4.

(20) التقرير السنوي لمؤسسة التمويل الدولية 2013، ص4، موقع البنك الدولي، (تاريخ الدخول: 22 أغسطس/آب 2021): https://bit.ly/3hrdjIk

(21) د. حسان صادق حاجم، التنافس الأميركي-الصيني على الطاقة في إفريقيا، مرجع سابق، ص176.

(22) تقرير شل حول التنمية المستدامة لعام 2006، ص32، موقع شل، تقرير عام 2006، (تاريخ الدخول: 19 أغسطس/آب 2021):

https://go.shell.com/3AauTHY

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button