اصدارات الكتب

ثلاثون صيفًا حارًا بين “صافر” خزان نفط البحر الأحمر وناقلة “اكسون فالديز” في آلاسكا

محمد عبدالرحمن عريف

    هو خزان “صافر”، عبارة عن ناقلة نفط ضخمة يابانية الصنع أنشئت عام 1975، يبلغ وزنها 409 آلاف طن، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى أول موقع اكتشف فيه النفط لأول مرة باليمن، ويعد ثالث أكبر خزان عائم في العالم، وسعته ثلاثة ملايين برميل، وهو مهدد بحدوث تسرب بسبب ازدياد درجة الحرارة وارتفاع الرطوبة، وتراكم أبخرة الغازات في صهاريج الخزان، وعدم الخضوع للصيانة لما يزيد على ست سنوات.

    لا شك أنها “كارثة بيئية” تهدد سواحل اليمن والبحر الأحمر، حضرت البدايات عندما دخلت المياه مؤخرًا إلى غرفة محرك خزان صافر ما زاد من مخاطر غرقها أو انفجارها، وإن عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة لمناقشة التهديدات التي تشكلها خزان عائم متوقف في مياه البحر الأحمر قبالة السواحل اليمنية. ويحمل الخزان “إف إس أو صافر” على متنه أكثر من مليون برميل من النفط الخام، ويحذر خبراء من وقوع كارثة بيئية في حال تحطمه.

   لم يخضع الخزان تقريبًا لأي أعمال صيانة منذ اندلاع الحرب المدمرة في اليمن قبل ستة أعوام. وإن سبق أن وافقت جماعات يمنية على السماح لفريق تابع للأمم المتحدة بالصعود على متنه، وسط خلاف حول بيع النفط الذي تحمله. وتقف هذه السفينة التي أنشئت منذ 45 عامًا في عرض البحر على بعد 60 كيلومترا (37 ميلا) شمال ميناء الحديدة. وإن دخلت المياه مؤخرًا إلى غرفة محرك الناقلة، ما زاد من مخاطر غرقها أو انفجارها. وكانت قد أجريت لها عملية إصلاح مؤقتة، إلا أن الأمم المتحدة قالت إنه كان من الممكن أن ينتهي الأمر بكارثة. وإلى جانب تأثيرها المدمر على الحياة البحرية في البحر الأحمر، فإن انتشار بقعة زيت في المنطقة من شأنه أن يدمر مصدر رزق للكثيرين ممن تعتمد أعمالهم على صيد الأسماك.

    وسط كل هذا وذاك حضر كل من مؤلفي كتاب (صافر خزان النفط العائم في البحر الأحمر ما بين خطر الكارثة وأمل الصيانة)، بروفيسور/ خالد طوحل من اليمن، وبروفيسور/ هند فخري من العراق لوسائل الاعلام: بأن الفكرة جاءت التي قاما بها، والصادر حديثاً عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر، بعد فترة من الاهتمام والتتبع عن موضوع الناقلة (صافر) باعتبار منطقة البحر الأحمر واليمن بالتحديد مجال التخصص الدقيق لكلا الباحثين وما يحمله هذا الموضوع من مؤشرات خطيرة تتعدى الكوارث الطبيعية التي تحصل في حوض البحر الأحمر وكونه موضوع للدراسة والبحث، فهو يهدد بكارثة بيئية وخيمة العواقب في حالة حدوثها قد تؤدي بمقومات الحياة الطبيعية لمنطقة البحر الأحمر والدول المطلة عليه ولسنوات طويلة يصعب معالجتها وتترك اثارها السيئة على الأصعدة الاقتصادية والتنموية والسياسية والاجتماعية.

    هنا حضرت البداية؛ وهو أن ألتقت أفكار واهتمامات كل من المؤلفين. بروفيسور/ خالد طوحل وبروفيسور/ هند فخري بهذا الموضوع الحيوي بعد حوار طويل دارَ على إحدى كروبات الواتساب وهو كروب (مركز دراسات البحر الأحمر) في دولة السودان الشقيق وكان إهتمام الباحثين (بروفيسور/ خالد وبروفيسور/ هند) واضح بالموضوع فجاء تكليف من مدير المركز بروفيسور/ حاتم صديق لهما بعمل بروشور توعوي عن هذا الموضوع وخطورته على منطقة البحر الأحمر والملاحة الدولية في مضيق باب المندب ومياه التحلية في المملكة العربية السعودية ودول حوض البحر الأحمر فرحب الباحثين واقترحوا أن يتم إخراجه باللغتين العربية والإنكليزية ليأخذ مداه بالتنبيه والتوعية لخطورة هذا الخزان العائم في البحر الأحمر بالقرب من مدينة الحديدة ولكن لظروف خاصة بعمل وتنسيق المركز  ولم يتم نشر البروشور.

    استمرت جهود الباحثين في طرح موضوعهم ومحاولات إظهار جهدهم الذي يعتبر أول دراسة أكاديمية استباقية عن الموضوع وليلقى دعوة للمشاركة في احدى المحافل العلمية في جامعة عدن بعد جهد كبير من بروفيسور/ خالد طوحل مع الجهات المسؤولة في الجامعة ومساعدة ودعم واضح من قبل بروفيسور/ أحمد محمد محرن مدير مركز دراسات وعلوم البيئة بجامعة عدن وفي أطار احتفالات جامعة عدن بالذكرى الخمسين لتأسيسها وبالتعاون مع الشبكة العالمية للحد من مخاطر الكوارث GNDR في اليمن ومؤسسة ابداع للبيئة والتنمية المستدامة بتاريخ 2020/9/28م فكانت ندوة حضورية وعن بعد عبر منصة  zoom وقد قوبل طرح الموضوع صدى كبير من قبل الحضور وتفاعل واضح تنبه له المختصين والباحثين لتزداد حماسة الباحثين في الاستمرار في تتبع الموضوع والتنقيح على عملهم من خلال الإضافة والتعديل عليه بكل المستجدات التي تطرأ عليه بل والعودة لجذور المشكلة وتحليل وربط ذلك مع تطورات وضع الناقلة في محاولة من كلا الباحثين لتخرج الدراسة بصورة علمية أكاديمية متكاملة لتكون ارضية بحثية استباقية للكارثة المحتملة وقوعها فيها ابعاد المشكلة وأسبابها وتطورات المواقف المحلية والدولية منها ونتائجها الكارثية على المنطقة ليخرج بصورته الأخيرة والجميلة الصادرة عن موسسة اروقة في القاهرة والتي تعتبر جزء الاهم في دول حوض البحر الأحمر بل البوابة الشرقية لحوض البحر الأحمر وذات الأهمية العالمية من حيث الموقع والاستراتيجي ومدينة العلم والثقافة والنشر.

    نعم لا تزال الدول المطلة على البحر الأحمر تدق ناقوس الخطر بشأن ناقلة النفط «صافر»، والمخاوف المتزايدة من وقوع كارثة بيئية خطيرة في سواحل البحر الأحمر. ما تخشاه هذه الدول وغيرها من المهتمين هو ما يمكن أن ينتج عن تسرب النفط الذي تحمله الناقلة المتهالكة (أكثر من مليون برميل من النفط الخام) التي لم تخضع للصيانة منذ عدة سنوات بسبب رفض الانقلابيين في صنعاء لذلك. وبعد انتشار أنباء عن دخول المياه غرفة محرك الناقلة، شوهدت بقعة نفطية على مسافة 50 كيلومترًا إلى الغرب من «صافر» الراسية بميناء رأس عيسى (شمال الحديدة)، وهو ما جعل المملكة العربية السعودية توجه رسالة تحذير واستنفار إلى مجلس الأمن الدولي بشأن خطر تسريب مليون و100 ألف برميل من النفط الخام في البحر الأحمر.

   سبق أن طالب مجلس وزراء البيئة العرب بإجراءات عاجلة لتفادي الكارثة التي قد يتسبب فيها خزان النفط العائم المملوك لشركة النفط اليمنية. كما أن لبقية الدول المطلة على البحر الأحمر مواقف حازمة تجاه هذا الأمر، بما فيها جمهورية جيبوتي التي أصدرت بيانات، وقامت بإجراءات وخطوات دبلوماسية في هذا الاتجاه.

   لقد كان البحر الأحمر -وما زال- ذا أهمية استراتيجية وسياسية واقتصادية وأمنية على مختلف العصور، فمنذ القرن التاسع عشر تصارعت من أجله فرنسا وإيطاليا وبريطانيا، ثم الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة في فترة الحرب الباردة، وأخيراً النظام العالمي الجديد. وبهذه المميزات الجيوبوليتيكية، ارتبط البحر الأحمر بالقرن الأفريقي جنوباً، مثلما ارتبط بقناة السويس شمالاً، ارتباطاً عضوياً مصيرياً، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، فكل منهما له مميزاته الحاكمة وخصائصه المحددة، حتى أصبحا معاً محط أنظار المخططين السياسيين والعسكريين، وموضع اهتمام واضعي القرار السياسي، ومحور صراعات معقدة بين القوى الدولية المتصارعة، وكذلك القوى المحلية والإقليمية المتنافسة.

    في الأخير يبقى أن قرابة 115 جزيرة يمنية، ستتعرض للضرر المباشر كونها تقع في مسار حركة تسرب النفط الوشيك من صافر. وسوف تتعرض غابات المانجروف للتلف والتي تشكل حوالي 12 بالمائة، من الشريط الساحلي اليمني بالبحر الأحمر. كما أن بيئة البحر الأحمر ستخسر مصادرها الطبيعية النباتية والحيوانية البحرية، من الأسماك والسلاحف والشعاب المرجانية، والعديد من الطيور المستوطنة وغيرها”.

   أستاذ تقييم الأثر البيئي المشارك بكلية علوم البحار والبيئة بجامعة الحديدة، عبدالقادر الخراز، حضر ليصرح أن استمرار “قضية صافر، أو ما نسميه القنبلة العائمة” بدون حل، يأتي نتيجة “استخدام هذه السفينة كفزاعة للعالم ولليمنيين وأيضاً استخدامها في قضية التفاوض على كثير من الأشياء”. ويشير المتحدث إلى أن النفط عندما يخزن تترسب كثير من الاوحال النفطية، وهذه خطيرة جداً أخطر من النفط، إذ أن فيها تركيزاً عالياً للمواد السمية المعدنية، وستكون “مشكلة كبرى”.

   يبقى أن هناك سيناريوهات قد تحدث أما انفجار واحتراق النفط وإما انشطار هيكل أو جسم السفينة، وبالتالي غرقها وتسرب النفط، بالإضافة إلى إمكانية تسرب النفط من الأنابيب في الباخرة”. هذه السيناريوهات الثلاثة كل سيناريو له آثاره الكارثية. ففي حال الانفجار، ستكون هناك ملوثات كبيرة للهواء وستسبب انتشار مواد سمية من الهيدروكربونات النفطية المتطايرة، لها انعكاساتها الصحية على الإنسان اولًا وعلى النبات والتربة وسينتقل عبر الهواء إلى مناطق مختلفة من اليمن وأيضا من الإقليم.

   الجانب الآخر في السيناريو الثاني، بنظر المتحدث، سواء غرقت السفينة أو تسرب النفط منها بكمية كبيرة، هو سيناريو يشبه ما حدث مع ناقلة اكسون فالديز في آلاسكا في عام 1989. إذ حتى دولة بحجم الولايات المتحدة ومن أكبر الاقتصاديات في العالم، عانت ومازالت تعاني من تلوث نتج عن التسرب، بعد أكثر من 30 عامًا على الحادث.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى