دراسات شرق أوسطيةنظرية العلاقات الدولية

التوافق الروسي – التركي (اتفاق ادلب انموذجاً)

اعداد: م.م شهد عبد الستار عيسى – ماجستير علاقات دولية- كلية العلوم السياسية/ الجامعة المستنصرية
المركز الديمقراطي العربي

تعد العلاقات الدولية ساحة للصراع والتعاون بين الدول فمن كان عدو الامس يصبح صديق اليوم وفقاً لمحددات واستراتيجيات تتبعها الدول تحركها مصالها القومية وكيفية المحافظة عليها وتطويرها, مما يستدعي بالضرورة ان تكون هناك تقلبات في التحالفات بين الدول, لاسيما وان اليوم الساحة السياسية الدولية تشهد تطورات كثيرة تجعل الدول في متاهة التحكم والسيطرة والحفاظ على المكانة التي تمتلكها هذه الدول في ظل الصراعات الدولية.

تتشارك روسيا الاتحادية وتركيا في جوار واسع يتفاعلان مع بعضهما البعض في منطقة واسعة من الجغرافيا تمتد بين البحر الأسود وآسيا الوسطى ، وبين الخليج العربي والبحر المتوسط وباعتبارهما لاعبين مهمين ، فتتاح لهما فرصة تشكيل مستقبل هذه المناطق بشكل إيجابي من خلال المساهمة في سلامهما واستقرارهما وازدهارهما المتنامي. تأتي هذه الفرصة في وقت اتخذ فيه البلدان خطوات ملحوظة للتوفيق بينهما بعد أن خاضا أكثر من حرب على مدى خمسة قرون ، وعلى الرغم من وجودها في معسكرات متقابلة خلال الحرب الباردة ، تمكنت روسيا الاتحادية وتركيا من تغيير جذري علاقاتهم في السنوات الخمس والعشرين الماضية. وبقيامهم بذلك ، قاموا ببناء عناصر التعاون التي كانت موجودة في تاريخهم المشترك, إن ابرز اوجه التعاون بين البلدين تتركز مجال الطاقة من خلال العديد من اتفاقيات التعاون الى جانب تأسيس مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى في عام 2010, والذي كُرس لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بينهما في عدة مجالات حيوية سياسية واقتصادية وعسكرية.

إن العلاقات التي تربط بين روسيا الاتحادية وتركيا ابرز مثال على التأرجح بين الصراع والتعاون الذي يمثل اهم اسس العلاقات الدولية, فقد كان البلدان يعاصران ازمات سياسية متكررة وان كانت موجودة الى الآن إلا انها ليست بذات الحدة فالمتعمق بالعلاقات الروسية- التركية يجد الكثير من اوجه التعاون والتوافق التي تجعل من البلدين حليفين استراتيجيين, لاسيما وان هناك العديد من القضايا الاقليمية والدولية التي تدفع بالبلدين للتعاون, لاسيما قضية (ادلب) والتي اسهمت في الآونة الاخيرة بتطوير وتعميق العلاقات الروسية- التركية.

تقع مدينة (ادلب) في شمال غرب سوريا ولها اهمية كبيرة سياسية واقتصادية وعسكرية كما انها تمثل اهم عقد المواصلات في شمال سوريا, الى جانب ذلك فاليوم تمثل هذه المدينة معقل للصراع بين الفصائل المسلحة والنظام السوري, ونظراً لأهمية هذه المدينة وكونها تضم اكثر من ثلاثة ملايين نسمة, قررت الحكومتان الروسية والتركية الاتفاق على وقف النزاع المسلح بين الطرفين في المدينة من خلال قمة عقدت بين الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) والرئيس التركي (رجب الطيب اردوغان) في مدينة (سوتشي) في روسيا الاتحادية في 17 ايلول 2018, وقد جاء نص الاتفاق كما يلي:

“الجمهورية التركية والاتحاد الروسي، باعتبارهما ضامنتي الالتزام بنظام وقف النار في الجمهورية السورية العربية، وبالاسترشاد بمذكرة إقامة مناطق خفض التصعيد داخل الجمهورية السورية العربية في 4 مايو /أيار 2017، والترتيبات التي تحققت في عملية آستانة، وبهدف تحقيق استقرار الأوضاع داخل منطقة خفض التصعيد في إدلب في أقرب وقت ممكن، اتفقتا على ما يلي:

  • الإبقاء على منطقة خفض التصعيد في إدلب، وتحصين نقاط المراقبة التركية واستمرار عملها.
  • سيتخذ الاتحاد الروسي جميع الإجراءات اللازمة لضمان تجنب تنفيذ عمليات عسكرية وهجمات على إدلب، والإبقاء على الوضع القائم.
  • إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15 – 20 كيلومتراً داخل منطقة خفض التصعيد.
  • إقرار حدود المنطقة منزوعة السلاح سيتم بعد إجراء مزيد من المشاورات.
  • إبعاد جميع الجماعات الإرهابية الراديكالية عن المنطقة منزوعة السلاح، بحلول 15 أكتوبر (تشرين الأول).
  • سحب جميع الدبابات وقاذفات الصواريخ المتعددة الفوهات والمدفعية ومدافع الهاون الخاصة بالأطراف المتقاتلة، من داخل المنطقة منزوعة السلاح بحلول 10 أكتوبر 2018.
  • ستقوم القوات المسلحة التركية والشرطة العسكرية الخاصة بالقوات المسلحة التابعة للاتحاد الروسي، بدوريات منسقة وجهود مراقبة باستخدام طائرات من دون طيار، على امتداد حدود المنطقة منزوعة السلاح , والعمل على ضمان حرية حركة السكان المحليين والبضائع، واستعادة الصلات التجارية والاقتصادية.
  • استعادة حركة الترانزيت عبر الطريقين إم 4 (حلب – اللاذقية) وإم 5 (حلب – حماة) بحلول نهاية عام 2018.
  • اتخاذ إجراءات فاعلة لضمان نظام مستدام لوقف النار داخل منطقة خفض التصعيد في إدلب. في هذا الصدد، سيجري تعزيز مهام مركز التنسيق الإيراني – الروسي – التركي المشترك.
  • يؤكد الجانبان مجدداً على عزمهما على محاربة الإرهاب داخل سوريا بجميع أشكاله وصوره.

أبرم في سوتشي في 17 سبتمبر/ أيلول 2018 في نسختين، وتحمل كلتا النسختين الإنجليزية والروسية القيمة القانونية ذاتها”.

لقد جرى تطبيق بنود الاتفاقية بسحب المسلحين والاسلحة من المدينة حسب تصريح وزير الخارجية الروسي (سيرغي لافروف) في 29 ايلول 2018 خلال مؤتمر صحفي في ختام اعمال الدور (73) للجمعية العامة للأمم المتحدة وقد قال فيه “قبل يومين التقينا هنا مع وزيري خارجية إيران وتركيا وقالا إنه يجري تنفيذ هذه الاتفاقية, اذ يتم سحب المسلحين من المنطقة المنزوعة من السلاح، ويتم سحب الأسلحة الثقيلة من هناك”.

وقد برهنت هذه الاتفاقية عن كون العلاقات الدولية تحكمها المصالح اذ ان روسيا الاتحادية وتركيا في عام 2011 عندما تفجرت الازمة السورية كانتا على النقيض في مواقفهما, فقد عارضت روسيا الاتحادية اسقاط النظام السوري المتمثل ب(بشار الاسد) كونه صاحب السيادة الشرعية, بينما عارضت تركيا ذلك وطالبت بتنحي الاسد عن السلطة كونه يرتكب مجازر بحق شعبه, اما في عام 2018 دفعت المصالح الروسية والتركية في سوريا البلدان الى الاتفاق ونسيان الخلافات للحفاظ على الشعب السوري والتخلص من الاسلحة الثقيلة في المدينة, لاسيما الاتفاق الاخير والقاضي بإشراف تركي داخل المحافظة عبر (12) نقطة مراقبة نصبتها هناك، مقابل نشر الروس (17) نقطة مراقبة مشتركة مع إيران في محيطها.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى