دراسات سياسية

الثغرة الكبرى – وليد عبد الحي

ما لفت انتباهي في التحقيق الذي أجراه جون نيكسون ضابط المخابرات الأمريكية مع صدام حسين بعد أسره في ديسمبر 2003، عددا من الملاحظات التي تستحق التأمل، فكتاب John Nixon وعنوانه ” Debriefing The President :The Interrogation of Saddam Hussein” الصادر في العام الماضي، يعزز فكرة أهمية الحرص الشديد عند دراسة شخصية زعيم سياسي معين، وساتوقف عند الملاحظات التالية:
1- ان جون نيكسون حاصل على درجة الماجستير من جامعة جورج تاون وكان صدام حسين هو موضوع الاطروحة التي أعدها نيكسون.، وهو ما يعني ان الرجل يعرف صدام حسين قبل ان يراه أو يحقق معه.
2- عرض التفاصيل الجسدية الدقيقة لصدام حسين( مثل البحث عن الوشم الصغير بين السبابة والابهام وفي اسفل كوعه)
3- على الرغم من تناثر خبر ان صدام كان متزوجا من امرأة اخرى غير ساجدة لكنه” أخفى ذلك” ثم تبين من التحقيق ان له ولدا من الزوجة الثانية….فلماذا يخفي رجل بقسوة وصرامة صدام زواجه الثاني عن زوجته الاولى؟ولماذا يخفي ابنه من الزوجه الثانية..اليس له نفس حقوق عدي وقصي..الخ، ولست هنا في معرض الجانب التربوي بل “ما يهمني هو اخفاء ذلك”..فهل من يخفي عن زوجته لديه استعداد فطري أن يخفي عن شعبه؟”.
4- الطريقة التي جمع فيها الأمريكان المعلومات عن مكان اختفاء صدام بدءا من تذكير احد العراقيين لهم بالمكان الذي اختبأ فيه عندما فشل في محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم قبل نصف قرن ، وكيف تم الوصول لمكان اختبائه ومعه حوالي مليون وربع دولار سرق منها الجنود الامريكيون حوالي نصف مليون.
5- نفي صدام القاطع لمعلومة وجدتها متداولة في أغلب الكتب التي درست شخصية صدام، ففي تحقيق نيكسون معه يصر صدام وبقوة ان عمه الذي تزوج ام صدام بعد وفاة أبيه كان يعامله معاملة حسنة للغاية بل هو من دفعه للدراسة ولم يكن يبخل عليه بأي شيء في حدود امكانياته…وهذه المعلومات تناقض أغلب الدراسات التي تناولت شخصية صدام وبنى عليها الكثير من المعلومات لتفسير ” قسوة صدام” بسبب قسوة زوج امه..وفي هذا الكتاب يسخر صدام من هذه المعلومة.( وقد كنت أنا احد الذين وقعوا في فخ هذه المعلومة في الدراسة التي قارنت فيها شخصية صدام مع شخصية جورج بوش الاب).
6- يُظهر التحقيق ان صدام كان أكثر توجسا وقلقا من الحركات الاسلامية السنية منه من الحركات الشيعية، وهو يؤكد في أكثر من موضع من التحقيق بأنه لم يكن قلقا بقدر كبير من الحركات الشيعية قدر قلقه من الحركات السنية.
لكن النقطة التي تستحق التأمل العميق طبقا لما ورد في التحقيق هي أن المحقق نيكسون يؤكد في مواضع عدة من التحقيق او في بعض تعليقاته على شخصية صدام وأقواله خلال التحقيق ان ” صدام جاهل بقدر كبير جدا بتعقيدات الحياة الدولية “، وان صورة العالم في ذهنه هي صورة يغلب عليها الفهم الساذج لتعقيدات وملابسات الحياة الدولية وبدرجة مذهلة، وتتضح هذه المسألة في ثنايا التحقيق من خلال ردة فعل صدام على سؤال للمحقق يطلب منه تفسير غزوه للكويت ، ويقول المحقق نيكسون أنه عندما سأل صدام هذا السؤال ” ضرب صدام كلتا يديه وبقوة على رأسه وقال كلما افكر في كيف اتخذت هذا القرار اكاد اصاب بالجنون”.
أعتقد ان عددا كبيرا من قادة العالم العربي – رغم الهالة الموهومة في أذهان الشعوب- لا يدركون عمق تعقيدات الواقع الدولي ويتعاملون معه بتبسيط مفرط، ولا يدركون ان الخريطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقيمية والعسكرية تتداخل مع بعضها الى الحد الذي لم يعد بالامكان لجم تداعيات حدث ما في مكان ما عن بقية الجغرافيا، لقد الغت التكنولوجيا المسافة والزمن بمفهومهما التقليدي ، واضحى التزامن احد ملامح الحياة المعاصرة، ولكن إدراك أثر ذلك وتفاعله مع البنى الداخلية يحتاج لمراكز تفكير ودراسات تفكك هذه الملابسات وتضع مصفوفات القرار امام الزعيم ..ولا أظن شيئا من هذا يحدث في وطننا العربي الحزين..فالتصفيق يخنق صوت العقل..انا حزين الى الحد الذي يشفق فيه الحزن عليّ

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى