دراسات سياسية

الجزائر: جبهة التحرير الوطني ومماحكة التاريخ

الجزائر: جبهة التحرير الوطني ومماحكة التاريخ
وليد عبد الحي

تشكل إعادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية لترشيح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مماحكة لتاريخ وثقافة المجتمع الجزائري ، فهذا المجتمع كنت قد عايشته بل وانجزت بحثا مرهقا عنه وتحاورت مع نخبته السياسية (من رؤساء او رؤساء حكومات) ونخبته العسكرية (في أكاديمية شرشال وقادة مختلف الاسلحة) ونخبته الفكرية( لا سيما في المؤسسات العلمية) ونخبته الدينية (بخاصة من الجبهة الاسلامية للانقاذ التي كتبتُ العديد من المقالات لصحيفتها ” العقيدة”) ولحركة حماس( زمن المرحوم محفوظ نحناح )، ناهيك عن قيادات في جبهة التحرير وفي الصحف الرسمية وغير الرسمية والصحف الحزبية المختلفة (صحف البديل والخبر والشروق العربي والشعب والجمهورية والحقيقة ..الخ)
هذه الخلفية تجعلني أؤكد على الملامح التالية في المجتمع والثقافة الجزائرية والتي يبدو أن جبهة التحرير تماحكها:
1- لدى المجتمع الجزائري بذور ثورية يمكن تلمسها في ثقافة كراهية ما يسميه المجتمع الجزائري بلهجته ” الحُقْرة ” والمتمثلة في التعالي على الآخرين، وتشبث جبهة التحرير برجل مقعد ومريض- مع كل الاحترام لتاريخه السياسي- هو شكل من ” الحقرة” للنخب الجديدة التي افرزتها مرحلة ما بعد الاستقلال الذي مضى عليه قرابة ستة عقود، وهو ما يعني ان الفارق بين معدل جمهور ما بعد الاستقلال وعمر الرئيس المعاد ترشيحه وهو 82 سنة كبير للغاية ، فهل يعقل ان 60 سنة من جيل ما بعد الاستقلال بكل ما يعنيه من تحولات اجتماعية وسياسية واقتصادية وتكنولوجية على المستوى المحلي والاقليمي والدولي لم يفرز من هو مؤهل لشغل المنصب؟ واجزم استنادا لمعرفتي بان في الجزائر عقول وقدرات علمية ذات مستوى عالمي وقادرة على إدارة الدولة بما يتناسب مع التطور العالمي، لكنها نخب ” محقورة” بفعل منظومة القيود التي صنعها جيل الثورة.
2- إن موقع الجزائر في التصنيفات الدولية خلال العشر سنوات الماضية لا يشير الى ان الجزائر تسير نحو الافضل لكي يتم تبرير تشبث نخبة جبهة التحرير بالسلطة، ودعوني ألقي نظرة على هذا الترتيب للجزائر عالميا( استنادا لمقاييس دولية متعددة وحساب المعدل العام لتقييماتها):
أ‌- مؤشر الديمقراطية:ترتيب الجزائر هو 126 بين 167 دولة، وحصيلتها هي 3.5 من عشرة وتقع ضمن الدول السلطوية.
ب‌- مؤشر الفساد:تحتل الجزائر المرتبة 105 من بين 180 دولة وبمعدل نزاهة هو 35 من مائة
ت‌- مؤشر الاستقرار السياسي: تحتل المرتبة 104 في معدل الاستقرار الحكومي بين 178 دولة وبمعدل 63.16 من مائة ( وتشمل المؤشرات الفرعية لهذا المقياس 12 مؤشرا هي تدخل الاجهزة الامنية، حراك النخب الفئوية،تظلمات الفئات الاجتماعية، التراجع الاقتصادي، عدم التساوي في توزيع الثروة بين الاقاليم الجغرافية للدولة، مراعاة حقوق الانسان وهجرة الادمغة، مدى شرعية السلطة، مستوى الخدمات العامة، مدى العدالة في تطبيق القانون، الضغوط السكانية، الهجرات الاجنبية نحو الدولة والضغط السكاني، حجم التدخل الخارجي في سلوك الدولة).
ث‌- مؤشر العسكرة (militarization ) ونفقات التسلح : تحتل الجزائر في مستوى العسكرة (وهو معدل الانفاق العسكري قياسا لاجمالي الناتج المحلي وعدد الجيش قياسا لعدد السكان ومقارنة النفقات الصحية بالنفقات العسكرية) المرتبة 14 في العالم بمعدل 74.3 من مائة، وفي الانفاق العسكري قياسا لمعدل الناتج المحلي تحتل الجزائر المرتبة الخامسة عالميا بمعدل 5.7، وهو ما يشكل 16.1% من اجمالي نفقات الحكومة مما يضعها في المرتبة الثامنة عالميا في نسبة الانفاق العسكري من كافة نفقات الحكومة الاخرى(الصحة والتعليم والبنية التحتية …الخ).
ج‌- في مؤشر مستوى التعليم تحتل الجزائر المرتبة 102 بين 149 دولة( ويتم قياسه من خلال نوعية التعليم، القدرة على الالتحاق المدرسي، وحجم راس المال البشري)
ح‌- ما سبق لا ينفي بعض المؤشرات الايجابية مثل الفروق في الدخل وحجم الطبقة الوسطى والذي تحقق فيه الجزائر مكانا لا باس به طبقا لمؤشرات البنك الدولي وتقارير الامم المتحدة دون المبالغة في دلالاته وتداعياته السياسية والاقتصادية.
3- تشير أغلب ما اطلعت عليه من دراسات غربية وعربية وآسيوية أن إعادة ترشيح بوتفليقة في ظروفه الصحية الحالية وفي ظل عمره المتقدم جدا( فهو يزيد عن معدل عمر الرجال في الجزائر بحوالي 9 سنوات) قد ترك انطباعا سيئا عن بنية السلطة وعن حيوية النخب السياسية الجزائرية.

يبدو ان الثورات ينقطع طمثها بعد المولود الاول لها، وعليه تبقى مصرة على رعايته دون غيره…فالجزائر دولة لها بريقها في الوعي الجمعي العربي والافريقي بل والعالم الثالث كله، فلماذا تصر بعض نخبها التاريخية على حرمانها من تجديد دورها التاريخي عبر نخب جديدة ؟ هل هي ثقافة مماحكة التاريخ؟ أم بريق الكرسي؟ ام مصالح الدولة العميقة؟ ام المساندة الخارجية الكاملة؟..أم كلها معا.. ربما.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى