المكتبة الأمنيةالمكتبة السياسيةدراسات جيوسياسيةكتب

كتاب الجغرافيا السياسية: جيوبوليتيك – لألكسندر دوفاي

عرفت كلمة “جيوسياسية” منذ ابتكارها في السنة الأخيرة من القرن التاسع عشر، من قبل السويدي الأستاذ في العلوم السياسية، رودولف كجيل (1864-1922)، حسب الأمكنة والأزمنة، تقلبات متنوعة ومرتبطة بالمعنى الذي أعطي لها وبالاستخدام الذي استعملت فيه. وقد كثر استخدامها في ألمانيا خاصة وفي العالم الأنكلو-ساكسوني حتى الحرب العالمية الثانية، وحملت بعد الحرب تهمة كونها ميّزت الأعمال التي كانت قد أوحت للنازيين في ألمانيا بسياستهم الخارجية وتحميلهم مسؤولية كبيرة في انتدلاع النزاع. كما أوقف استخدامها غداة المعارك.

حتى أنها استبعدت من الإطار التعليمي في ألمانيا وفرنسا. وفي الواقع، إذا كانت الكلمة قد اختفت بشكل شبه كامل من القاموس العلمي، فقد استمر استخدامها من قبل السياسيين بالمعنى الذي سيتم تحديد لاحقاً، كما كانت توجد قبل ظهورها. كما لم يكن مفاجئاً أن يعيد الصحافيون ثم الباحثون إدخالها في نهاية سبعينات القرن الماضي، دون شك في معان مختلفة في بعض الأحيان وشيئاً فشيئاً عممت استخدامها وسائل الإعلام.

ففي مقاربة أولى، يمكن القول أن الجغرافية السياسية، كما يمكن تحديدها استناداً إلى الأعمال التي تؤدي إليها، تستهدف دراسة التفاعلات بين المساحة الجغرافية وحالات التعارض بين القوى الناشئة فيها. فيترجم تأثير الموقع بالقيود التي يفرضها أو بالفرص التي يتيحها أمام المزاحمات السلطوية.

وتعتبر هذه القيود والفرص للتبدل، وترتبط بالقدرات التقنية للمرحلة وبالوسائل البشرية والمالية القابلة للاستخدام من قبل سلطة معينة: فهذه الذراع البحرية التي كانت بالأمس تحمي وتعزل، هي اليوم قابلة للاجتياز بسهولة إذا كانت الدول الواقعة على ضفافها تستطيع القيام بذلك تقنياً ومالياً، وإذا كانت لديها الإدارة السياسية. كما تتأثر الجغرافية السياسية المعاصرة بتاثيرات الحاضر والماضي للمزاحمات السلطوية على المساحة الجغرافية السياسية. فتوجد هذه المزاحمات في جميع المجتمعات، حتى في المجتمعات التي لم تكن قد شكلت دولاً بعد، وتشهد مشكلات حكم داخلية وخارجية تستدعي حلاً لها، الأمر الذي يدفعها لممارسة السياسة بالمعنى الواسع.

لكن مع تشدد الدولة في الشرق الأدنى، قبل حوالي ثلاثة آلاف عام قبل عصرنا، اكتسبت المساحة بعداً جيوسياسياً دائماً. ومنذ ذاك الوقت لم تعد المساحة مكونة ومحددة فقط بتنوع الموقع الطبيعي وتنوع السكان؛ بل كذلك بممارسة أشكال السيادة الحكومية المتنافسة.

وبخصوص هذه الأشكال، فالمساحة هي المسرح والرهان لأشكال المزاحمة؛ ومن أجل زيادة قوتها المادية وكذلك الرمزية، جيري التزاحم للسيطرة عليها بالحروب والتحالفات أو التفاوض؛ وتقام حدود سياسية دائمة ودقيقة ومحكمة إلى حد معين، فتساهم في داخلها بتنويع المساحة بأدواتها الخاصة في الرقابة والإدارة هكذا شكلت المساحة، حسب النظرة الجيوسياسية، رهاناً وأرضية لانتشار القوة. ورهاناً لمراقبة المسارب الاستراتيجية والموارد الحيوية، وكذلك لأقاليم ومناطق رمزية، كأرضية تحرك للقوة المحلية والإقليمية والعالمية.

لكن هذه الأشكال من التزاحم السلطوي التي يحاول المفهوم الجيوسياسي وصفها وشرحها ليست هي نزاعات مصالح “موضوعية” فقط، في معنى نزاعات عائدة لحاجات حيوية حقيقية أو مزعومة، للفوز بها من أجل بقاء الكيان السياسي؛ بل كذلك في نزاعات متصلة بمناطق متصورة، يعني مناطق “متخيلة”، أنها حاملة لقيم متوارثة من جيل لآخر لدى سكانها أو الطامعين بها أو الذين يصفونها في المجتمعات التقليدية، وذات الطابع المقدس بوسائل التكيف الثقافي الدولة الحديثة والمدرسة ووسائل الإعلام. بَيْد أن من بيدهم السلطة السياسية يستخدمون ويوجهون هذه الوسائل التي هم أنفسهم خدعوا بها في بعض الأحيان من أجل تحقيق تمويه أهدافهم الاستراتيجية. وبكلام آخر، يمكن الذهاب إلى درجة التأكيد، كما فعلت تبيري مونبريا؛ أن الجيوسياسي هو “الجزء من الجغرافية السياسية الذي يهتم بالايديولوجيات المتصلة بالأقاليم.

في هذا الإطار يأتي هذا الكتاب الذي يتناول دراسة موضوعية حول متعلقات الجغرافية السياسية منذ بداياتها إلى الآن. وتمّ تقسيم الكتاب ضمن محاور ثلاث جاءت عناوينها على الشكل التالي: 1-تاريخ متحرك (من الممارسة إلى المفهوم، من البدايات إلى الانحرافات)، 2-الجغرافية السياسية المعاصرة (مفاهيم جديدة وسياق جديد)، 3-الجيوسياسية المعاصرة (مظاهر الاستمرار والتغير والتحول).

تحميل الكتاب

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى