صدر عن مركز الجزيرة للدراسات، في الأول من يناير 2021، كتاب رقمي جديد بعنوان “الجهاديون المغاربة: جدل المحلي والعالمي”، لمؤلفه الدكتور محمد مصباح، رئيس المعهد المغربي لتحليل السياسات، والمشارك ببرنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد تشاتام هاوس في لندن.
يحاول المؤلف، من خلال كتابه، فهم سياقات ومبررات تحوُّل بعض المغاربة نحو العنف الديني والتحاقهم بالجماعات “الجهادية المتطرفة”، ويقترح إطارًا تفسيريًّا لفهم الحالة الجهادية المغربية يدمج العامل الدولي بالمحلي.
يستعرض الكتاب، حسب موقع مركز الجزيرة للدراسات، البيئة السياسية الدولية وعلاقتها بالتطرف وعولمة الإرهاب، ويلقي الضوء على البيئة السياسية المغربية بصفة خاصة ومقاربتها الأمنية والاجتماعية والدينية لمكافحة التنظيمات الجهادية. كما يدرس التيارات الجهادية المغربية نفسها، فيسلِّط الضوء على أفكارها وتنظيماتها وآليات اشتغالها، ليقدم في النهاية صورة لبيئة الجهاديين المغاربة والأسباب التي جعلتهم رقمًا لافتًا في منظومة الجماعات والتنظيمات الجهادية العابرة للحدود.
ولم يغفل الكتاب دور أحداث الحادي عشر من شتنبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية وما أسفرت عنه من تفجيرات نُسبت لتنظيم القاعدة، فيقول: إن “هذه الأحداث رفعت أسهم هذا التنظيم وزعيمه، أسامة بن لادن، وسط الجهاديين المغاربة وأصبح هذا النهج العنيف يمثل عامل جذب بالنسبة لهم.”
ثم يصل الكاتب إلى الحادثة الأبرز في تاريخ الجماعات الجهادية المغربية والمقصود بها تفجيرات الدار البيضاء التي وقعت يوم 16 ماي 2003، وما خلَّفته من قتلى وجرحى وإثارة للفزع.
وبعد أن أورد تفاصيل تلك الأحداث يكثِّف الضوء على منفذيها، ويدرس متوسطات أعمارهم وخلفياتهم التعليمية والاجتماعية والاقتصادية والمناطق الجغرافية التي أتوا منها وعاشوا فيها ومستوى المرافق والخدمات في هذه المناطق ومدى حضور السلطات فيها، ليخلص في النهاية إلى أن الغالبية العظمى من منفذي هذه التفجيرات كانت أعمارهم تدور حول الثلاثين عامًا، وأنهم نشأوا وتربوا في بيئات مهمشة تعاني فقرًا وحرمانًا وتسود بين أهلها البطالة، كما أنها تعد من المناطق الرخوة من الناحية الأمنية؛ الأمر الذي هيأ بيئة مناسبة لنشوء وازدهار الجماعات الجهادية المغربية وانتقالها من بيئتها المحلية إلى أن تكون جماعات عابرة للحدود.
وبعد استعراض تفجيرات الدار البيضاء وتحليل معطياتها وأبعادها، يورد المؤلف في كتابه ملامح الاستراتيجية الجديدة التي اتبعها المغرب للتعامل مع الجماعات الجهادية؛ فيتحدث عن تشديد السلطات الأمنية يدها على تلك الجماعات، وإطلاق مشاريع للتنمية الاقتصادية في المناطق المهمشة، وتبني سياسة دينية جديدة أُطلق عليها “مشروع إعادة هيكلة الحقل الديني”.
وعن أوضاع التيار الجهادي في المغرب راهنًا، يذكر الكتاب أن هذا التيار يعيش حالة من الانكماش النسبي نتيجة الضربات الأمنية المتتالية ونتيجة أيضًا للتحولات الفكرية التي عاشها عدد من رموزه وأعضائه بعد تجربة السجن. ومع هذا، فالكتاب يشير إلى بعض القضايا التي يقول المؤلف إنها لم تُحَلَّ بعد، مثل دور المقاتلين المغاربة الموجودين في بؤر التوتر بعد انتهاء الحرب في سوريا، وموضوع العائدين من تلك البؤر، ورجوع عدد من الجهاديين للنشاط بعد قضائهم فترة السجن، ومدى توفر السلطات في المغرب على استراتيجية للتعامل مع هذه الظاهرة تتفادى بها الوقوع في الأخطاء السابقة.
ويختم المؤلف كتابه بالحديث عن المقاربة الأمنية الاستباقية الحالية التي تعتمدها السلطات المغربية، ويقول: إنها كانت ناجعة في تفكيك عشرات الخلايا الإرهابية وإحباط عدد من الهجمات الإرهابية المحتملة، ولكن يبدو أنها لم تستطع تجفيف منابع التطرف، بحيث لا تزال الظروف الموضوعية التي أنتجت ظاهرة التطرف هي نفسها، كما أن اعتماد القمع وحده لم ينجح في إقناع العديد من الجهاديين بالتخلي عن أفكارهم. ومن هنا -والكلام للمؤلف- فقبل معالجة العوامل العميقة التي تنتج التطرف، من المهم فهم الظاهرة فهمًا عميقًا لأن الفهم سابق على الفعل، وما لم يتم فهم الظاهرة الجهادية من خلال استعمال أدوات تحليلية ونظرية مناسبة فإن التصدي للظاهرة سيبقى معتمدًا على نفس المقاربة السابقة التي أثبتت محدوديتها.