هـو علم دراسة تأثير الأرض (برها وبحرها ومرتفعاتها وجوفها وثرواتها وموقعها) على السـياسة في مقابل مسعى السياسة للاستفادة من هذه المميزات وفق منظور مستقبلي اضاف الى الجيـوبوليتيك فرع الجيـو استراتيجيا.

وكان أول من استخدمه في الماضي المفكر السويدي رودولف كجلين مطلع القرن الميلادي الماضي وعرّفه بأنّه “ البيئة الطبيعية للدولة والسلوك السياسي “ بينما عرّفه مفكر آخر جاء بعده يدعى كارل هوسهوفر بأنّه دراسة علاقات الأرض ذات المغزى السياسي، بحيث ترسم المظاهر الطبيعية لسطح الأرض الإطار للجيوبوليتيكا الذي تتحرك فيه الأحداث السياسية “. ومن التعريفات المهمة لمصطلح الجيوسياسية عند الغربيين أنها عبارة عن “ الاحتياجات السياسية التي تتطلبها الدولة لتنمو حتى ولو كان نموها يمتد إلى ما وراء حدودها “ ومنها أيضا ً دراسة تأثير السلوك السياسي في تغيير الأبعاد الجغرافية للدولة.

هذا ويمكن تبسيط مفهوم الجيوسياسية بلغة مبسطة بأنها تعني السياسة المتعلقة بالسيطرة على الأرض وبسط نفوذ الدولة في أي مكان تستطيع الدولة الوصول إليه. إذ أن النظرة الجيوسياسية لدى دولة ما تتعلق بقدرتها على أن تكون لاعبا ً فعّالا ًفي أوسع مساحة ممكنة من الكرة الأرضية.

هذا وشهد علم الجيوبوليتيك إهتماماً اوروبياً لافتاً في القرن التاسع عشر. وذالك بسبب الحروب التي نشبت بين الدول الاوروبية إما بسبب خلافاتها على المستعمرات أو على أراضي الدول الأوربية نفسها. وذلك بحيث تذبذب علم الجيوبولوتيك بين القبول والإهمال. لغاية تعرضه لما يشبه الهجران عقب الحرب العالمية الثانية وانقسام العالم بين قطبي الرأسمالية والشيوعية.

فيما لوحظ انتشار استخدام تطبيقات “ الجيوسياسية “ وتداول المصطلح بصورة واسعة مع اكتساب هذا الفرع من العلوم السياسية صدارة ملفتة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وزوال الثنائية القطبية العالمية. هذه الثنائية التي كانت تكبت أهمية الجيوسياسية بسبب حالة التواطوء الضمنية التي كانت قائمة بين القطبين الاميركي والسوفياتي.

والملفت ان روسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي كانت المجال الحيوي الاكثر خصوبة لاستخدامات علم الجيوبوليتيك نظراً للسعي الروسي للاستعاضة عن السوفيات باتحاد روسي يعيد روسيا القيصرية الكبرى بضم بعض الجمهوريات السوفياتية السابقة لتوسيع المجال الروسي الحيوي. في المقابل بذلت الولايات المتحدة كل مهاراتها الجيوبوليتيكية لعرقلة مشروع روسيا الكبرى. ومن هذه المهارات الاميركية اشعال الثورات الملونة في الدول المستهدفة لتحقيق المشروع. مع محاولة احتواء هذا المشروع في حال قيامه عبر احاطته بمجموعة من الدول التابعة لاميركا والمرتبطة بنفوذها على قاعدة المصالح المشتركة.

وعلى طريقته الخاصة عبر الزعيم الروسي فلاديمير بوتين عن هذا الوضع قبل سنوات بقوله إن الوضع الجيوسياسي في العالم معقد للغاية، وميزان القوى الدولية مختل، ولم يتم بعد بناء هيكل جديد للأمن الدولي.

وهكذا فان إن توسيع النفوذ الجيوسياسي هذا بالنسبة لأية دولة قد يكون إمّا بدوافع إيديولوجية عقائدية سياسية كانت ام دينية كما قد يكون بدوافع قومية عنصرية كالنازية والفاشية والصهيونية، أو قد يكون اخيراً بدوافع استعمارية نفعية كالرأسمالية.

وعليه يكون الصراع الدولي على النفوذ، والتأثير في العلاقات الدولية، ودفاع الدول عن مصالحها الحيوية، ومحاولة فرض الدول هيمنتها على دول أخرى، وما شابه ذلك من أعمال، تكون من الحالة الجيوسياسية.

العلاقة بين القوة و الجيوبوليتكس

النظريات الجيوبوليتيكية.

تعتبر نظريات المدارس الجيوبوليتكية Geopolitics من النظريات التي تهتم بدراسة تأثير البيئة الطبيعية والعوامل الجغرافية على الخصائص والظواهر والمؤثرات والتطورات السياسية للشعوب والدول ، ومن الطبيعي أن يكون تفاعل العامل الجغرافي مع العامل السياسي في حياة المجتمعات البشرية موضع دراسة العلماء والمفكرين ، ولكن الجيوبوليتيك كفرع من فروع المعرفة تعتبر علماً حديثاً متفرعاً عن الجغرافيا وعاملاً هاماً من عوامل دراسة الإستراتيجية السياسية ، الإستراتيجية الأمنية ، والإستراتيجية العسكرية منذ فترات تاريخية سابقة فقد أشار المؤرخ الإغريقي هيرودوت ( 484ق . م – 425 ق .م ) في مؤلفاته التاريخية ( إن سياسة الدولة تعتمد على جغرافيتها) وقد حاول الفيلسوف والمفكر السياسي الفرنسي مونتسكيو (1689م-1755 م ) في كتاب روح القوانين Esprit des lois في عام 1748 وأيضا في كتابه الآخر الدفاع عن روح القوانين De’fense de l’esprit des lois عام 1750 – أن يبين الأسباب الكامنة – وراء وجود قوانين معينة في بلد معين وصلة هذه القوانين بالمناخ والبيئة وقد ربط مونتسكيو الجغرافيا بالاقتصاد عن طريق العوامل الطبيعية مثل البحار والمحيطات فهذه العوامل تؤثر في النهج السياسي للدول .

وقد تناول أدولف هتلر مصطلح المجال الحيوي وربطه بالعوامل الجغرافية والطبيعية التى تؤثر في النهج السياسي للدول وقد ظهر هذا المصطلح في كتاب كفاحي والذي نشرة هتلر للمرة الأولى عام 1925 وقد تعددت نظريات الجيوبوليتيك وتطورت عبر فترات زمنية مختلفة وقد أدى تطورها إلى اهتمام السياسيين بمدلولاتها ، وبالتالي فهناك ارتباط بين نظريات الجيوبوليتيك ومفهوم الأمن البحري ، وخصوصا أن هذه النظريات ارتبطت بالقوة والسيطرة والسيادة فعلى حسب قول المفكر الفرنسي برتران بادي ( لا بد من إعادة التفكير في مبدأ القوة لان أغلب الكوكب الأرضي قد مسّه العنف ، ولأول مرة نعي أنه لا يوجد مكان واحد في العالم محمي من مخاطر العنف والإرهاب ، يُضاف لذلك أن العنف ظاهرة معولمة مثل سائر الظواهر الأخرى ، لذا فالعالم مقبل على مستقبل مؤلم متخمٍ بالصراعات ) .

والواقع أن نظريات الجيوبوليتيك تتفق على مبدأ القوة والسيطرة ولكنها تختلف في تحديد نوعيتها ؛ فنجد أن عالم الجغرافيا البريطاني هالفورد ماكيندر Halford Makinder أشار أن البر هو بمثابة القوة والسيطرة الجيوبوليتيكية ، ويرى المفكر العسكري الأمريكي الفريد ماهان Alfred mahan أن القوة و السيطرة الجيوبوليتيكية ترتبط بالبحار والمحيطات أما المفكر السياسي الأمريكي سبيكمانSpykman قد أشار أن قوة السيطرة الجيوبوليتيكية ترتبط بالتحالف بين قوة البحر وقوة البر معا ، وقد اختلف المفكر الروسي الكسندر دى سفرسكسي Alexender De Sversky عن المفكرين السابقين وقد رأى أن القوة والسيطرة للوضع الجيوبوليتيكي ترتبط بالسيادة الجوية ، والواقع أن النظرة التراكمية المرتبطة بمفهوم الأمن البحري تندمج مع مجموعة النظريات السابقة .

• ومعنى ذلك عندما نتناول مفهوم الأمن البحري من خلال النظريات الجيوبوليتيكية السابقة لا بد أن نتناول هذا المفهوم من خلال أربع مستويات نظرية مرتبطة بالقوة والسيطرة الأمنية :الأول مستوى البحر ، والثاني مستوى البر ، والثالث المستويين معا ، والمستوى الرابع الجو ولكن يجب أن نضع في الحسبان أن القوة والسيطرة لا يقتصران على الدوائر الرسمية فقط لأننا نتعامل مع عنصر القوة في أصعدة الحياة كافة، سواء القوة التي تستند على القانون أو المعاهدات أو الاتفاقيات أو القوة الرأسمالية الاقتصادية الحرة أو الرسمية أو القوة التى تستند على القتل والإرهاب والقرصنة عن طريق التهديد بالسلاح فجميعهم مثال للقوة والسيطرة .

وبالتالي عندما نتناول مفهوم الأمن البحري من منظور جيوبوليتيكي لابد أن تشتمل العمليات الأمنية على الأربعة مستويات السابقة ، ومن وجهة نظر شخصية لابد أن يكون هناك مستوى خامس بالإضافة إلى المستويات الأربعة السابقة وهو مستوى الفضاء الخارجي لان هذا المستوى الجيوبوليتيكي لا يستهان به في المجال الأمني وخصوصا بعد التقدم الهائل في المجال الإلكتروني والتكنولوجي ولا بد أن يوضع في الاعتبار استخدام الفضاء الخارجي في السيطرة فقد يتحكم في الأرض والبحر والجو _ وبالتالي فالأمن البحري يرتبط أيضا بالفضاء الخارجي في عمليات الأمن البحري ولابد أن نضع في الاعتبار أن الأمن البحري يتأثر بالإطار الجيوبوليتيكي تأثيراً مباشراً من خلال تأثير نظريات الجيوبوليتيك المتغيرة لان أبعاد الأمن البحري ترتبط بالموقع الجغرافي والحدود السياسية فمثلاً النقل المتتابع البحري يكون نقل بحري في جميع أجزائه ولكنة يتم على مرحلتين وذلك في عدم وجود خط ملاحي مباشر إلى الجهة المطلوب نقل الشيء أليها ، والنقل المتعدد الوسائط وهو الذي يتم بطرق مختلفة ويعتبر الجانب البحري جزء منة ويستخدم الجزء الأخر منة بطريق البر أو الجو وبالتالي فهناك تطابق للنظريات الجيوبوليتيكية الأربعة السابقة مع عمليات الأمن البحري المرتبط بالنقل البحري والمرتبط أيضا بالمواقع الجغرافية والحدود السياسية المتغيرة .

وعلى الرغم أن عمليات الأمن البحري تأخذ منهجاً ثابتاً من حيث القواعد الدولية التي تضعها الخطوط الاستراتيجية له ، ولكن قد يكون هناك اختلافات في تنفيذ تلك القواعد الدولية للأمن البحري ويرجع ذلك لتفاوت القوة من دولة إلى أخرى فعلى الرغم أن بعض الدول لديها القدرة على السيطرة من خلال معايير الأمن البحري لأنها بمثابة دول ساحلية ولديها على حسب قول مونتسكيو قوانين معينة من اجل طابعها الجغرافي ولكنها غير قادرة على تنفيذ معايير الأمن البحري ويقابل ذلك دول أخري غير ساحلية وليس لديها المعايير الدولية للأمن البحري ولكنها لديها القدرة على تنفيذ المعايير الدولية للأمن البحري من خلال عمليات النقل البحري متعدد الوسائط أو عن طريق المعاونة الأمنية في البر والجو من اجل البحر ، ومعنى ذلك أن الأمن البحري المرتبط بالإطار الجيوبوليتيكي لا يعتمد على السيطرة على البحر فقط ولكن لابد من القوة والسيطرة في جميع الإطارات والمستويات التى أشرنا أليها . فترتبط أهمية الفضاء الخارجي للأمن البحري من خلال مكافحة حرب المعلومات التقنية أو ما يطلق عليها حرب المعلوماتية Informatics Warfare المرتبطة بالسيطرة الإلكترونية من خلال الأقمار الصناعية بالفضاء الخارجي ، وهناك نوعان من الحروب المعلوماتية .

البترول و الجيوبوليتيكس

في الواقع و بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح البترول الطاقة المهيمنة، حتى أنه وصل إلى أن يكون المنتج الاستراتيجي بامتياز. خلال هذه الخمسين سنة الأخيرة، أصبح البترول عنصرا ضروريا في الحياة اليومية ، إن كان في الوقود ، البلاستيك و المواد الصناعية. و مع انتشار السيارات في العالم منذ عام 1950 ، ضرب استهلاك البترول بأربع مرات خلال عشرين سنة، ومسألة السيطرة على هذا المصدر الكوني أصبحت و بوضوح مسالة جيوبوليتيكية.

ظهور دول جديدة صناعية في آسيا كبداية ، ثم في أمريكا اللاتينية ، في الربع الأخير من القرن العشرين، دعمت و زادت من الطلب الدولي على البترول ، بينما و في نفس الوقت ، الدول الرئيسية المصدرة نظمت نفسها في ” منظمة الدول المصدرة للنفط ” ، تنظمت من أجل زيادة قدرتها على مراقبة عرض البترول في السوق الدولية و تقوية نفسها في مواجهة الشركات البترولية الكبيرة الأنكلوسكسونية التي بدورها تسيطر وحتى وقت قريب على السوق البترولي الدولي. هذه المنافسة تزداد دائما قوة وخاصة مع الاحتياجات المتنامية للدولة المتطورة، و لكن أيضا للدول الصاعدة في النمو مثل الصين والهند، أيضا المنافسة أسرعت من عملية استغلال البترول ووضع آبار بترولية جديدة في الإنتاج لا سيما في الدول النامية أو في الدول ذات الدخل المتوسط.

ضمن هذا الجيوبوليتيك الجديد للبترول، عدة مناطق من العالم ، كما في خليج غينيا أو الآبار الجديدة حول بحر قزوين، ترى مصالحها البترواستراتيجية تتزايد دائما وتتعمق من خلال ضرورة تنشيط عرض البترول عالميا وذلك لتلبية التزايد الكبير و الضخم على الطلب، بعد أن عرفت فترة من الاستقرار النسبي في أواسط التسعينات. حتى ولو أن هذه المناطق ” الإلدورادية ” الجديدة ليس لديها احتياطي الشرق الأوسط ، فإنها و بسبب عدم الاستقرار المتنامي في الشرق الأوسط ، حتى ولو كانت ثانوية تصبح اليوم أكثر أهمية مما كانت عليه في الماضي.

و من غير أن نتحدث عن الصراع اللامنتهي بين الإسرائيليين و الفلسطينيين ، الوضع في الشرق الأوسط لا يتوقف عن التراجع و الانحدار و الفرضيات الديمقراطية المستقبلية لن تغير شيئا ، على العكس من ذلك تماما. الحرب في العراق التي بدأت نيسان 2003 و الركود الذي أفسد هذا البلد أفشل فرضيات المستقبل حول ارتفاع سريع للإنتاج البترولي ، في عكس ما توقعه المحللون بعد حرب ربيع 2003. بالإضافة لذلك احتمال إقامة فدرالية في العراق و التي ربما تحدث عاجلا أم آجلا ، فتح الحديث حول تقسيم عائدات البترول بين مختلف مكونات المجتمع العراقي، أكراد ، شيعة ، سنة ، حتى ولو كان هذا مازال على الورق، فإن اتفاقية مبادئ على قاعدة تقسيم العراق إلى أقاليم و ديمغرافيات مختلفة تم إيجادها ضمن نطاق مشروع الدستور العراقي.

في إيران، و مع انتخاب رئيس جديد، يُعتبر محافظا جدا، في أيار 2005،فإن أزمة جديدة وقعت بين هذا البلد و الولايات المتحدة الأمريكية وذلك بسبب الأزمة النووية الإيرانية. و يضاف ذلك إلى الحصار الاقتصادي المفروض سابقا من قبل الأمريكان ضد إيران منذ عام 1995 و 1996 و بعد خمسة وثلاثين عاما من التوتر الدبلوماسي بين البلدين، أي منذ قيام الثورة الإيرانية. هذا السياق يخاطر بالتكذيب و الطعن على الأقل ولو لفترة قصيرة بما جاءت وتنبأت به بعض مراكز البحث حول البترول، الأمريكية أو الدولية، بأن إنتاج إيران من النفط سيرتفع من 4،1 مليون برميل في اليوم في عام 2005 إلى 5،4 مليون برميل في اليوم في عام 2010 و 8 مليون برميل في اليوم عام 2020 .

فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية ، فقد أصبحت و بشكل معلن منذ عام 2003 ، هدفا واضحا لأسامة بن لادن و الحركات الإرهابية التي تؤيدها القاعدة، من هنا يأتي التهديد المستمر و المباشر لأول منتج و مصدر عالمي للبترول و البلد الوحيد الذي يفترض انه قادر على حل الأزمات البترولية.إن هذه الدول الثلاث تشكل 43 % من الاحتياطي العالمي للبترول بحصة قدرها 21 %، إذن الاحتياطي هو موجود و بشكل كبير ولكن يجب أن تتوفر الشروط السياسية و التي يجب أن تجتمع مع هذا الاحتياطي.

في مكان آخر من العالم،الأزمات السياسية و الاجتماعية التي تصيب العديد من الدول المصدرة ، كما في فنزويلا و نيجيريا ، تدعم فرضية أنه في المستقبل لن يكون هناك تأكد من مستوى إنتاج البترول على المستوى العالمي، و هذا في الواقع يضع روسيا في المركز الثاني في ترتيب البلدان المنتجة، ليجعل منها دولة مهمة جدا على الصعيد البترولي.

كل هذه التوترات الجيوبوليتيكية، حقيقية أم كامنة ،حتى ولو كان بعضها مبالغ فيه و مستغل من قبل العديد من العمليات، فإنها تشكل، مع ذلك، تهديدات لها وزنها على السوق البترولية الدولية في الوقت الذي يعاني فيه النظام البترولي أزمة بنيوية. ضمن هذا السياق، الاستعانة بالتحليل الجيوبوليتيكي يسمح بفهم أفضل للرهانات حول القضية البترولية،بالأخذ بعين الاعتبار التبعية المتبادلة بين الدول من أجل تفهم أفضل لدور مختلف الفرقاء، و الذي لا يتوقف أو يتحدد على الشركات العالمية أو الوطنية للبلدان المنتجة والبلدان المستهلكة. بل أكثر من ذلك ،المسألة البترولية ، كما الغاز أيضا ،إن استمرارها في جزء منه يتعلق بشكل مباشر بالسلطات السياسية للدول و يؤثر بشكل قوي على العلاقات بينها ، من هنا لا بد من دراسة الجانب الجيوبوليتيكي حيث سيعمق الفهم للأزمة الحالية و المستمرة و التي سنعود إليها.

تعريفنا للجيوبوليتيك يتعلق، إضافة للجانب الكلاسيكي الملازم لدراسة العلاقات الدولية، بالمنافسة بين السلطات و القوى الدولية و علاقات السيطرة و الصراع على إقليم ما، و هذا يعني الصراع بين الدول التي تسيطر على مناطق كبيرة أو صغيرة، و لكن أيضا سلطات متعددة تدخل في تنافس على المستوى الدولي و على المستوى المحلي، من أجل السيطرة ، مباشرة أو غير مباشرة ، على بلد ما أو على جانب في داخل هذا البلد ذاته.

ولأن الإقليم نفسه ،كما هي السلطة، له أبعاد متعددة،فإن التحليل الجيوبوليتيكي يفرض علينا اللجوء إلى مستويات مختلفة من التحليل ذي الأوجه المتعددة في الاتساع و المدى، و ضمن نطاقات متعددة من الاختبار حول نفس الإشكالية الجيوبوليتيكية. هذه المقاربة المنهجية تتم تكملتها من خلال تحليل متعدد المجالات و الفروع و الذي يستخدم بشكل كبير الجغرافية ، التاريخ ، علم الاجتماع وبشكل أشمل و أكبر العلوم الإنسانية . فهذه الفروع المتعددة للعلم تسمح بإكمال الإطار الناقص للعلوم السياسية و الاقتصادية، و التي عليها نستند أحيانا بشكل مفرط في العديد من التحليلات، حيث تقدَّم بلا وجه حق على أنها علوم جيوبوليتيكية. مع البترول، و من خلال استخداماته المتعددة و بطابعه الضروري المتعلق بتوظيف كل أشكال الاقتصاد المتطورة أو غير ذلك و خاصة في النقل والدفاع، نحن نواجه إشكالية جيوبوليتكية ضخمة، والتاريخ المعاصر يذكرنا بأن البترول أيضا هو سلاح سياسي.

الحرب و الجيوبوليتكس

إنّ الحرب ليست وليدة زمان أو مكان محدّديْن، فمنذ أن وُجد البشر تزامنت مع ممارساتهم الحياتيّة ظواهر مختلفة منها الحروب. هنالك صعوبة في معرفة حياة الإنسان البدائي وحول ما إذا رافقته الحروب .حاول بعض العلماء البحث حول نمط معيشة هذا الإنسان البدائي وأهمّ المصادر التّي تمّ الاعتماد عليها:

– الآثار:من خلال القيام بالتّنقيب عن الحفريّات وبقايا الشّعوب القديمة، تمّ اكتشاف جماجم و هياكل لأناس وأدوات ورسومات وبقايا مباني قديمة، حيث قام العلماء بدراستها و تصنيفها، من خلالها تمّ جمع بعض المعلومات حول تلك الفترات الزّمنيّة البعيدة.

وقد كانت النتيجة: أنّ حياة الإنسان البدائي كانت بسيطة حيث أنّه كان في البداية يسعى وراء تلبية حاجاته بقطف الثمار لسدّ الجوع، بعدها صنع أدوات من حجر وعظام للدّفاع عن نفسه ضدّ الحيوانات و هكذا تطوّّرت وسائله. فقد تراوح الإقتتال بين مجموعات صغيرة من الأناس البدائيّين و كان موضوع ذلك هو تلبية الحاجات المختلفة وقد سمّى العلماء الغربيّون هذه الأزمنة بالعصور الحجرية، بحكم أنّ الإنسان اعتمد آنذاك أساسا ً في صنع مختلف أدواته على الحجارة .

– الدّيانات: اعتمد بعض العلماء و الباحثين في محاولة معرفة طبيعة معيشة الإنسان البدائي على الكتب السمّاوية وما جاءت به من أنباء.

بعدها تطوّرت حياة البشر من زمن لآخر وظهرت حضارات عدّة قدّمت منتوجات فكريّة وعمرانيّة وقد حفظ لها التّاريخ ذلك رغم محاولة البعض تزييفه.

1/تطوّر فكرة الحرب في الحضارات القديمة:

هناك بعض الباحثين الذين يعتبرون أنّ هذه الحضارات لم تقدّم شيئا للفكر العالميّ ويظهر هذا في أغلب الكتابات التّي تُرجع أصل معظم الأفكار للإغريق.

ساهمت الحضارة الإغريقيّة فعلا في مختلف الميادين بما قدّمته من إنتاجات،كما أنّها لم تأت من العدم ولم تكن بداية كلّ شيء كما يدّعيّ البعض. فقد تأثّرت بحضارات أخرى كانت قريبة منها، فقد وُجدت شعوب قد تركت تراثا ً قبلها، من أهمّها شعوب الحضارات الشرقيّة القديمة:

أ- حروب الفراعنة:

لم تكن هناك مصادر كثيرة تبيّن معالم الحضارة الفرعونيّة، رغم ذلك فقد تمّ إستخلاص أنّ فنّ الحرب قد شكّل جزء هامّا في هذه الحضارة .

تمّ الإتّفاق على تقسيم الفترة الزّمنية للحضارة الفرعونية إلى مراحل:

– مرحلة المملكة القديمة[3100ق.م-2200ق.م]: وقد تميّزت هذه المرحلة بتوحيد القبائل المنتشرة على وادي النيل تحت قيادة القائد مينا أو الفرعون نعرمر.

– مرحلة المملكة الوسطى [2150ق.م-1780ق.م]: فيها تعاظمت القدرة العسكريّة الفرعونيّة، ولكن مظاهر القّوة لم تلبث أن زالت في هذه المرحلة.

– المرحلة الحديثة [1575ق.م-1200ق.م]: تميّزت هذه المرحلة بتعاظم القدرة العسكريّة المصريّة و بالحرب التّوسعيّة، وهذه الأخيرة كانت اقتصادية في الدّرجة الأولى، فقد كان الهدف منها هو الحصول على الموادّ الأوليّة .

– مرحلة [1200 ق.م-525ق.م]: فيها بدأ مجد مصر الفرعونيّة ينحسر، نتيجة لتعرّضها لغزوات الشّعوب المجاورة.

اجتاح الفرس مصر في 525ق.م وبعدها احتلها الإسكندر المقدونيّ عام 332ق.م بعدها غزاها الرّومان وغيرهم.

لقد عرفت مصر في فترة الحضارة الفرعونيّة تنظيم الجيوش الضّخمة، كما أتقنت إدارة الحروب و لوحظ وجود ثلاثة أسلحة أساسيّة في جيوش مصر الفرعونيّة وهي:

المشاة، عربات القتال أو الخيّالة التّي تُحمل عليها الرّماح، النّبال، السّيوف، التروس.

وكانت تكاليف صناعة عربات القتال مرتفعة .أمّا عن أساليب القتال آنذاك، فكانت مباغتة العدّو وهو في حالة عدم احتراس وسيلة معروفة.

ب- الحرب في الحضارة الصّينيّة:

الأساطير الصّينيّة كانت أكثر نزوعًا إلى السّلم.

كما أنّ أحد أهمّ الفلاسفة الصّينيّين “كونفشيوس”، حذر الحكّام من الإقدام على حرب عدوانيّة .

وتاريخ فنّ الحرب الصيّنيّ بقي يلفّه نوعُ من الغموض، رغم ذلك فإنّ سور الصّين العظيم لدليل هامّ على ما بلغه فنّ الحرب آنذاك إضافة إلى أنّ ما تركه كتّاب الصّين العسكريّون من آثار قد حفظت برغم قلّتها وإيجازها بعضًا من الرّوائع التّي أمكن لها تبديد بعض ذلك الغموض.إنّ هذه الكتابات قد احتفظت بالكثير من أهمّيتها و قيمتها في الأزمنة الحديثة .

إنّ فنّ الحرب الصيّنيّ لم يكن من صُنع رجل واحد، بل حصيلة ًلجهد مستمرّ.

وأبرز من كتب حول الحرب “سون تزو وُوه”[551ق.م-496ق.م]، انحدر من عائلة ذات خبرة عسكريّة، كان سون تزو مواطنًا و جنديّا ثمّ أصبح قائدًا للجيوش و دوّن خلاصة تجاربه حول الحروب والقتال في كتابه “فنّ الحرب” ذي الثّلاثة عشر فصلا، وقد ركّز على كيفيّة تنظيم الجنود و تدريبهم، وروت المخطوطات الصّينيّة انتصارات هذا القائد بفضل حسن تخطيطه.

لقد عاش سون تزو في عصر كثُرت الحروب فيه بين أكثر من 130 مملكة صغيرة، ما أدّى في النّهاية لظهور خمس ممالك قويّة تنازعت فيما بينها على السلطة و الحكم، هذه الحروب الطّويلة لم تكن بمعزل عن سون تزو، إذ زادت من خبرته العسكريّة و ساهمت في حكمته.

أهميّة كتاب فنّ الحرب:

إنّ هذا الكتاب يعود إلى زمن قديم، فإنّه قد كُتب على شرائح طوليّة من سيقان نبات البامبو، وجاءت كتابات سون تزو في جمل قصيرة مختصرة.و لكن نتيجة لعدم توفر دلائل واضحة، هناك من رأى بأنّ سون تزو هي شخصيّة مخترعة وهناك من الدّارسين مَن يعتبر أنّ الكتاب فعلا ً وُجد و لازالَ ولكنّه تعرّض لضياع الكثير من أجزائه.

المهمّ في الأمر هو أنّه وُجدت عدّة دراسات صينيّة، منها مُؤلف الإستراتيجيات الصّينيّة الحربيّة القديمة و الذّي لم يُعرَف كاتبه و كذا كتاب فنّ الحرب.

إنّ أهميّة كتاب فنّ الحرب، هو كونه مُؤلّف إستراتيجيّ، كما أنّه يمكن تطبيق ما جاء فيه في الإقتصاد و التّجارة و السّياسة.

و أدلّة ذلك كثيرة منها:

– تمّ إطلاق اسم ” أوّل كتاب عسكريّ قديم في العالم “على كتاب فنّ الحرب، وكذا “الكتاب المقدّس للدّراسات العسكريّة”.

و أوّل خروج لهذا الكتاب من منشئه الصّين كان إلى اليابان، ثمّ بعدها قام قسّيس فرنسيّ بترجمته إلى اللّغة الفرنسيّة عام 1772م، وبعدها بقليل تمّت ترجمته إلى الإنجليزيّة و الألمانيّة، وذاع صيته في الفترة التّي تلت الحرب العالميّة الأولى ورغم توفر هذا الكتاب للقادة العسكريّين في الحرب العالميّة الثانيّة إلاّ أنّه لم يُفلح في تجنيب العالم ويلات المذابح.

– إنّ قيادة القّوات الأمريكيّة حرصت في حرب الخليج الأولى على أن يحمل كلّ جنديّ أمريكيّ نسخة من كتاب فنّ الحرب.

– إنّ الإستراتيجيّة الحربيّة الأمريكيّة “الصّدمة و التّرويع” التّي دشّنها العسكريّ “هارلمان أولمان” حين نشر كتابه : shock and awe :acheving rapid dominance ، عام 1996م مبنيّة على مبادئ كتاب فنّ الحرب و هي الإستراتيجية التّي انتهجتها الولايات المتّحدة الأمريكيّة في حرب الخليج الثّانيّة .

SAKHRI Mohamed
SAKHRI Mohamed

أحمل شهادة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بالإضافة إلى شهادة الماستر في دراسات الأمنية الدولية من جامعة الجزائر و خلال دراستي، اكتسبت فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الرئيسية، ونظريات العلاقات الدولية، ودراسات الأمن والاستراتيجية، بالإضافة إلى الأدوات وأساليب البحث المستخدمة في هذا التخصص.

المقالات: 14830

تعليق واحد

  1. مرحبا استاذ شكري ومقال حقيقة روعة و اشكرك على ذلك , نامل في القادم ان تتحدث عن الجيوبولتكا العربية

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *