الحدود التونسية – الليبية المأزومة: السياسة الأمنية لتونس في مواجهة فصائل الميليشيات الليبية

قوّضت انتفاضات 2010-2011 ترتيبات غير رسمية راسخة كانت تتحكّم بمسارات التجارة الحدودية بين تونس وليبيا. وغداة العقد الذي تلا ذلك، وفيما كانت ليبيا تتحلّل إلى إقطاعات متصارعة في ما بينها، حافظت تونس على وحدتها، وانتقلت من الحكم السلطوي إلى الحكم الديمقراطي، وأعرضت عن التعاطي الرسمي مع مراكز القوى الليبية المُتنافسة. وهكذا، أصبحت الاتفاقات الشعبية عبر الحدود بين اللاعبين غير الدُولتيين هي القاعدة، وإن بقبول ضمني من الدولة التونسية. مع ذلك، فشلت هذه الاتفاقات في بلورة آلية تجارية قابلة للاستمرار تحتاجها المناطق الشرقية الحدودية لمواصلة البقاء.

الأفكار الرئيسة

  • واجهت المناطق الشرقية الحدودية التونسية منذ العام 2014 تحديات كبرى ثلاثة: تشظّي المشهد الأمني في غرب ليبيا، والعرقلة المتواصلة لإمدادات النفط عبر الحدود بفعل المصاعب الاقتصادية الليبية، والمقاربة التونسية ثقيلة الوطأة لمسألة الأمن الحدودي. هذه العوامل الثلاثة معاً أعاقت على نحو خطير اقتصادات المنطقة التي تعتمد كثيراً على التجارة والتهريب عبر الحدود، ما أسفر عن قلاقل اجتماعية متفرقة.
  • باشرت تونس، بعد أن أدركت أن عليها تخفيف الضغط عن المناطق الحدودية، السماح لمجموعات مُرتجلة من المجتمع المدني، ومعها البلديات المحلية، بالانخراط في مبادرات ودبلوماسية قاعدية شعبية من ذلك النوع الذي أسفر عن اتفاقات تجارة عبر الحدود مع مراكز قوى ليبية محلية.
  • بدأت تونس على نحو مطّرد بلعب دور مشارك في إبرام مثل هذه الاتفاقات التجارية عبر الحدود. وهذا أسبغ على مثل هذه الاتفاقات طابعاً غير متناظر تمثّل فيها الجانب التونسي بمزيج من أعضاء المجلس البلدي وممثلي الدولة، فيما تحدثت باسم الطرف الليبيي المجالس المحليّة وقادة المجموعات القوية غير الدُولتية.

توصيات

  • يتعيّن على تونس تعزيز وتوسيع التعاون المتعلّق بالحدود مع حكومة الوفاق الوطني الليبية المُعترف بها دولياً، والتي تشكّل القوة الرئيسة في غرب ليبيا. فهذا سيفسح في المجال أمام معالجة مشاغل البلاد الأمنية، أكثر مما قد تفعل الإجراءات المُنعزلة. كما يجب على الحكومة أيضاً أن تعمل مع حكومة الوفاق لإقامة منطقة تجارة حرة في الحدود المشتركة بين البلدين، لأن هذا سيمنح التجار الثقة ويحفّز التجارة.
  • على تونس تشجيع المجالس المحلية في المدن الحدودية على توسيع الاتفاقات بين المواطنين التونسيين وأقرانهم الليبيين، بحيث تشمل المجالات الثقافية والتعليمية لا التجارة فقط. إذ إن هذا سيعمّق العلاقات الشخصية التي تُعتبر حاسمة لإنجاح الدبلوماسية بين المدن.
  • يجب على تونس الإشراف على الانخراط غير المُنسّق في الغالب لمختلف الهيئات الرسمية- بما في ذلك الوزارات وسلطات الجمارك، واللجان البرلمانية- جنباً إلى جنب مع المجالس البلدية، في الاتفاقات غير المُتناظرة المتفاوض عليها عبر الحدود. فهذا سيرفع مستوى التعاون بين بلديات المدن الحدودية وتونس، ويعزز كذلك روابط هذه الأخيرة مع مراكز القوى في غرب ليبيا، ما يحسّن الأمن التونسي.

مقدّمة

حمزة المؤدّب هو باحث غير مقيم في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط، حيث تتركّز أبحاثه على الإصلاح الاقتصادي، والاقتصاد السياسي للنزاعات، وانعدام الأمن على الحدود في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

التجارة بين تونس وجارتها ليبيا، التي ازدهرت لأكثر من عقدين، ترنّحت بعد انتفاضتي 2010-2011 اللتين اجتاحتا البلدين. بيد أن الأسوأ كان على الطريق: إذ تدهورت التجارة مجدّداً في العام 2014، حين تفاقمت الصراعات الداخلية الليبية وسقط الشطر الغربي من البلاد في يد مروحة متنوّعة من المجموعات المسلحة.1 وفي العام 2015 فرضت تونس، التي شهدت مرحلة انتقال سلسة نسبياً من السلطوية إلى الحكم الديمقراطي، إجراءات أمن حدودية مُشددة.2 هذا التطور شكّل صدمة لاقتصاديات المناطق الحدودية الشرقية التونسية، التي لطالما كانت معتمدة على شراء السلع الرخيصة من ليبيا. وقد أدى الوضع التجاري المضطرب والمائع إلى بروز ترتيبات شعبية عبر الحدود، تتفاوض بموجبها مجموعات المجتمع المدني المُرتجلة أو ممثلو المجالس المحلية حول اتفاقات تجارية مع مجالس بلدية وفصائل عسكرية– سياسية ليبية تمسك بزمام الأمور على الأرض.3

انبثقت هذه الاتفاقات من الإدراك المتبادل من جانب سكان الحدود التونسيين والليبيين بأن التجارة الثنائية أمر لازم لكفاف اقتصادهم، وبأن ثَمَة حاجة إلى نوع من تنظيم النشاطات. هنا، يلاحَظ أن الحكومة التونسية أذعنت بشكل عام إلى مثل هذه الترتيبات، إذ إن تونس، وعلى الرغم من كل مشاغلها الأمنية، لا تستطيع تحمّل إغلاق حدودها مع ليبيا لأن ذلك يقوّض اقتصادها، ما يؤدي بدوره إلى اضطرابات اجتماعية. أما بالنسبة إلى الفصائل الليبية التي تسيطر على الأجزاء الغربية من البلاد، فإن التجارة مع تونس توفّر موارد اقتصادية لها لتدعيم الحكم الذاتي الذي حصلت عليه بشق الأنفس.

مع ذلك، تبيّن أن معظم الاتفاقات المذكورة هذه أثبتت أنها كانت محدودة حجماً وزمناً. فمن المنظور التونسي، هناك ضرورة لتحسين هذا الوضع المشحون، لكن ليبيا لا تتبدّى فيها أي دلائل على الاندماج في دولة موحّدة. هذا في حين أن المناطق التونسية الحدودية المُفقرة لا تستطيع تحمّل الأوضاع الاقتصادية الهشّة والمتقلبة أكثر من ذلك. وبالتالي، سيكون على السلطات التونسية أن تُحقق توازناً بين مشاغلها الأمنية وبين الحاجات الاقتصادية الحدودية.

التجارة عبر الحدود قبل الربيع العربي

في شباط/فبراير 1988، وفي أعقاب سنوات عجاف من الإغلاق بسبب التوترات السياسية، أعاد الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي والزعيم الليبي آنذاك معمر القذافي فتح الحدود المشتركة بين البلدين أمام حرية التنقّل والتجارة.4 وخلال العقدين التاليين، أضحت ليبيا شريكاً تجارياً رئيساً لتونس. كانت التجارة الرسمية أساساً من حصة الشركات التونسية العاملة في الصناعات الغذائيّة والبناء. بيد أن التجارة غير الرسمية لعبت دوراً أكثر أهمية، تمثّل في خط تجاري شبه رسمي عُرف باسم “الخط”، كان يىستخدم معبراً حدودياً رسمياً للمبادلاتالتي كانت هي نفسها تُبرم بشكل غير رسمي، هذا علاوةً على مسارب تهريب أُطلق عليها في المنطقة اسم “الكونترا”، في إشارة إلى السلع المهرّبة.5 كان الاقتصاد الحدودي التونسي في القبضة المُحكمة لأجهزة الأمن في البلاد، التي وفّرت الحماية السياسية للتجار المحظيين بصلات سياسية، والمُهربين، وتجار العملة. وبالتالي، ارتبط السماح بالنشاط التجاري، سواء أكان شبه قانوني من خلال “الخط” أو ظاهرياً غير قانوني عبر “الكونترا”، بقبول التجار بالنظام غير الرسمي المتّسم بالعلاقات الزبائنية.6

عبر “الخط”، كانت المنتجات الاستهلاكية، والأدوات المنزلية، والمواد الغذائية، تشق طريقها من ليبيا إلى تونس، أساساً من خلال معبر رأس جدير الحدودي.7 وغالباً ما كان مسؤولو الجمارك يخفّضون القيمة التقديرية للبضائع، ويتقاضون من التجار رسوماً أقل في مقابل رشى. لا بل في بعض الأحيان كانت السلع لا تُسجّل على الإطلاق، مايعني أن قيمتها لم تُقدّر قط، وأن المبلغ الوحيد الذي دُفع كان رشوة من المسافر لمسؤولي الحدود. وقد أسفر تدفّق السلع المستوردة من الصين وبلدان شرق آسيوية أخرى في العقد الأول من هذا القرن ومعه تحوّل ليبيا إلى مركز ترانزيت إقليمي غداة رفع العقوبات الدولية عنها في العام 2003، إلى ازدهار هذه التجارة الموازية.8

في المقابل، جرى استخدام طرق “الكونترا” من جانب الشبكات التي سعت إلى تحاشي معبر رأس جدير. وشملت البضائع المنقولة عبر الحدود بهذه الطريقة التبغ، والذهب، والعملة الصعبة، وكميات كبيرة من السلع الاستهلاكية، والبنزين المدعوم من ليبيا إلى تونس، وكذلك الكحول والمنتجات الصيدلانية من تونس إلى ليبيا. كانت “الكونترا” مدرّة للأرباح لكنها أخطر من “الخط”. وفي سبيل تجنّب التعرّض إلى مشاكل مع حرس الحدود، تعيّن على المهربين نسج علاقات مكينة مع مستويات أعلى في أجهزة الأمن. وهذا كان مُكلفاً ويستهلك وقتاً طويلاً بسبب حجم الرشى فيه. لذا، كان التجار من ذوي القدرات المتواضعة يفضّلون “الخط”.

مكّن كلٌّ من الخط والكونترا تونس من الحفاظ على نموذج التنمية المتمحور حول الساحل، لأن كلا هاتين القناتين سمحتا، اعتماداً على غضّ الطرف من قبل السلطة، بتهدئة روع السكان المحليين المحرومين أصلاً. بكلمات أوضح، بدلاً من إطلاق برامج التنمية في المناطق الحدودية الشرقية، وقع خيار نظام بن علي على السماح بالتهريب والتجارة غير الرسمية عبر الحدود، في مقابل رضوخ وإذعان السكان. وهكذا، ومن منظور اجتماعي واقتصادي، تحوّل التهريب إلى نعمة لفئة مُنتقاة من الشبان العاطلين عن العمل أو العاملين جزئياً، سواء أكانوا من المُتسربين من المدرسة الثانوية، أو خرّيجي الجامعات، أو موظفي القطاع العام الذين استفادوا بدورهم من المناطق الحدودية.9 لم يكن يُطلب من مهرّبي الكونترا سوى الابتعاد عن المخدرات والأسلحة.

حصد هذا الترتيب المزدوج النجاح. فبوصفها مصدراً للدخل لعدد لا يحصى من السكان في المناطق المحرومة في جنوب غرب تونس، أدّت التجارة عبر الحدود من خلال كلا القناتين إلى نوع من النمو لم تستطع الدولة توفيره بنفسها، من دون برامج استثمارات عامة ضخمة لم تكن أصلاً خياراً لنظام حريص على عدم تضخّم ديونه وعجوزات الموازنة فيه.10 لقد تمكّنت مختلف الشبكات التي تستخدم الخط والكونترا من الإرتباط بسلاسل الإمداد والتوزيع في طول تونس وعرضها (انظر الخريطة 1)، ونسجت روابط مع الأسواق الحديثة والتقليدية في كل ولاية من ولايات البلاد. ولذا، لم يعد ثمة مناص من أن يصبح الاقتصاد غير الرسمي (بما في ذلك الكونترا) جزءاً من الاقتصاد الرسمي التونسي. كما أن الرشى ورسوم الحماية التي حصدتها أجهزة الأمن، وفّرت لها حافزاً لمواصلة ولائها للنظام، الذي كان بدوره يتلقى الرشاوى كجزء من هذه الترتيبات.11

أدّت انتفاضتا 2011 في تونس وليبيا إلى عرقلة الاقتصاد الحدودي المشترك بين البلدين. لكن شبكات تهريب جديدة برزت على جانبي الحدود، خاصة في ليبيا، حيث عمدت القوات العسكرية الصاعدة المناوئة للقذافي إلى تجميد نشاط التجار المحليين والمهربين الذين لطالما أقاموا علاقات وثيقة مع النظام القديم. وقد أسفر التنافس الشرس بين شبكات التهريب الجديدة عن تدنّي الأسعار، إلى درجة أن الأرباح في العام 2013، كانت زهيدة وطفيفة.12مع ذلك، تمسّك العديد من الأشخاص على كلا طرفي الحدود أكثر من أي وقت مضى بمواصلة التجارة، لأن معيشتهم ومعيشة الكثيرين في مجتمعهم المحلي تعتمدان على ذلك.

المناطق الحدودية الشرقية التونسية: لا نقص في الأخبار السيئة

منذ العام 2014، حين تداعى بنيان ليبيا كدولة موحّدة، واجهت المناطق الحدودية التونسية ثلاثة تحديات كبرى تقاطعت على نحو مطّرد: الأول، أن تشظي المشهد الأمني في غرب ليبيا أدى إلى اشتباكات متفرقة بين مختلف الجماعات للسيطرة على المعابر الحدودية وخطوط التهريب.13 هذا القتال أعاق مسار التجارة وكانت له على وجه الخصوص مضاعفات سلبية على التجار التونسيين الذين خضعوا حينذاك إلى نزوات الميليشيات التي تسيطر على الجانب الليبي من رأس جدير. وغالباً ما وقع هؤلاء التجار ضحية الابتزاز على يد ميليشيات أخرى تسيطر على طرق التهريب.

التحدي الثاني هو أن الأزمة المصرفية الليبية، التي نشبت العام 2016 بفعل هبوط أسعار النفط وعائداته، قلّصت قدرة الليبيين الشرائية وتسبّبت في تضخم الفساد، وجعلت التجار التونسيين حتى أكثر انكشافاً وضعفاً أمام عمليات الابتزاز التي تقوم بها الميليشيات الليبية.14 العامل الثالث هو أن المقاربة ثقيلة الوطأة التي انتهجتها السلطات التونسية والتي كانت تستهدف منع تداعيات النزاع الليبي على تونس، جعلت العديد من طرق التهريب غير قابلة للعبور، وأسفرت عن إغلاق طويل الأمد لمعبر رأس جدير، الأمر الذي أدّى إلى تقطّع سبل قناتي التجارة التقليديتين: الكونترا والخط.

كانت حصيلة كل ذلك اقتصاد حدود محطّماً وانطباعاً في أوساط العديد من التجار والمهربين التونسيين بأن تونس العاصمة تركّز على أمن الدولة أكثر من اهتمامها بأمان مواطني الدولة.15 وقد أصبحت التجارة مع ليبيا، التي لطالما اعتمد عليها العديد من سكان المناطق الحدودية، مُكلفة بشكل باهظ، فيما المواطنون التونسيون العاديون لا يمتلكون الوسائل للدفاع عن أنفسهم وعن تجارتهم ضد الفصائل المسلّحة الابتزازية.16 وحدهم التجار والمهربون المحظيون باتصالات جيّدة تمكّنوا من العمل بلا عوائق إبان السنوات العديدة المنصرمة، وهي ظاهرة أدّت إلى تمركز الثروة والسلطة بشكل متزايد في أيدي حفنة أشخاص مُنتقين.

المعابر الحدودية وسياسات الهوية والميليشيات

في غرب ليبيا، دفع سقوط القذافي ومعه تشظي السلطة المركزية، العديد من المجتمعات المحلية إلى التسابق للسيطرة على المواقع كي تصبح مراكز قوة تضمن لها الحصول على الموارد الاقتصادية. هذا التنافس على المنافذ الحدودية أحيى إوار التناحرات التاريخية، خاصة بين العرب وبين الأمازيغ الذين هم طائفة إثنية محلية تُهيمن على مدن ومناطق عدة قرب الحدود مع تونس.17 وقد استخدم القذافي التجارة الحدودية لتعزيز سطوته، واستلحق قبائل وفئات اجتماعية معيّنة وأغدق عليهم الامتيازات على حساب آخرين. لذا من البديهي أن تؤدي سياسة فرّق تسد هذه إلى بروز تظلمات في صفوف قطاعات من السكان حُرموا من كعكة المغانم. كان الأمازيغ المجتمع المحلي الأكثر عرضة على نحو متواصل إلى هذا التمييز والحرمان.

غداة إطاحة القذافي، تقدّمت الصفوف مدينة زوارة، التي كانت مهمّشة سياسياً وأُقصيت عن اقتصاد الحدود طيلة عهده. فقد استولت قوّات زوارة على رأس جدير وضمّت رسمياً المعبر الحدودي إلى المنطقة الإدارية الواقعة تحت سيطرة بلدية زوارة (انظر الخريطة 2). وهذا شكّل خطوة مهمة نحو تحويل المدينة إلى مركز قوة حقيقي. وعلى الرغم من أنها بقيت تحت سيطرة السلطة الاسمية لحكومة الوفاق الوطني التي تتخذ من طرابلس مقراً لها، إلا أنها تمتّعت بدرجة معتبرة وواسعة من الحكم الذاتي، الأمر الذي كانت له مضاعفات سلبية على معيشة التجار والمهربين في البلدات التونسية القريبة، على غرار بنقردان. وكما أوضح بائع جملة من بنقردان، غيرّت إعادة رسم المشهد السياسي-العسكري تركيبة الاقتصاد الحدودي.

وأضاف: “كان شركاؤنا في التجارة دوماً عرباً من المدن الصغيرة في الغرب: زلطن، والجميل، ورقدالين. لكن المشكلة الآن أن زوارة تسيطر على المعبر الحدودي. وأولئك الذين كانوا نافذين في قطاع الأعمال باتوا الآن مهمّشين عسكرياً، فيما الذين باتوا يسيطرون عسكرياً على الأرض يريدون الانتقام في قطاع الأعمال. وهذا يولّد توترات في ليبيا ويؤثر علينا حتماً”.18

ولكي يمارسوا العمل مع شركائهم التجاريين التقليديين من زلطن والجميل ورقدالين وأماكن أخرى، تعيّن على التجار التونسيين العرب تقبّل الحقيقة بأن الأمازيغ الزواريين، الذين كانت علاقاتهم معهم متوترة، يسيطرون على المعبر الحدودي.

والحال أن السيطرة على المعابر الحدودية أضحت عاملاً استراتيجياً في مجال التقدم الاجتماعي-السياسي للأمازيغ. ففي نالوت، وهي بلدة أمازيغية أخرى، استولت ميليشيا محلية على معبر ذهيبة–وازن الحدودي القريب منها (رأس جدير وذهيبة-وازن هما المعبران الحدوديان الوحيدان بين تونس وليبيا، حيث المعبر الأول يحظى بعمليات عبور أكثر بكثير من الثاني). وبالمثل، أقامت المجموعات المسلحة الأمازيغية نقاط تفتيش على طول خطوط التهريب. وبهدف موازنة سيطرة الأمازيغ على رأس جدير وذهيبة-وازن، داعبت مجموعة من المدن العربية الغربية في ليبيا فكرة فتح معبر جديد على أرض منحها إياها نظام القذافي وتقع على طول الحدود. بيد أن هذه المدن استبعدت هذه الفكرة بعد أن استنتجت أن هذا يمكن أن يسفر عن نزاع مديد وربما مدمّر.19

بالنسبة إلى العديد من التجار التونسيين، تتجاوز المشكلة زوارة. إذ إن أولئك الذي اعتادوا العمل بين بنقردان وزلطن، وهي مدينة ليبية تقع على بعد 30 كيلومتراً من الحدود التونسية، على سبيل المثال، عليهم الآن أن يمروا عبر العديد من نقاط التفتيش التي تسيطر عليها ميليشيات ليبية مختلفة، سواء من العرب أو الأمازيغ، على طول الطريق. وسرعان ما أصبح ابتزاز التجار التونسيين شائعاً في هذه النقاط وتفاقمت معدلات المخاطر. فالتجار قد يخسرون بضاعتهم وحتى يفقدون أرواحهم. ويشي عدد نقاط التفتيش بحجم النزاع قرب الحدود وبالحدة التي تسعى فيها مختلف الفصائل المسلحة العاملة في المنطقة للسيطرة عليها. وحقيقة أن مثل هذه المجموعات تعيد هيكلة نفسها وتغيّر تحالفاتها، لاتزيد الأمور إلا غموضاً وتعقيداً.20

تقطّع إمدادات النفط

عانت المناطق الحدودية الشرقية التونسية كثيراً من العرقلة المتواصلة لإنتاج النفط في ليبيا. فمنذ العام 2014، خاضت الميليشيات الليبية المعارك مراراً للسيطرة عل منشآت النفط، ما دفع شركات الإنتاج إلى تعليق عملياتها لفترات مديدة. ثم أدى هبوط أسعار النفط منذ العام 2014 إلى تدهور آخر في عائدات الدولة، وإلى نقص حاد في احتياطي العملة الصعبة، ونشوب أزمة نقدية.21 حينها، بدأت المجموعات المسلحة المفتقدة إلى المال باستخدام اعتمادات مستندية مزوّرة لنقل الأموال إلى خارج ليبيا، من دون تزويد السوق الليبي بالسلع، ما قوّض الاقتصاد الحدودي وقلّص إلى حد كبير الفرص أمام التجار والمهربين التونسيين.22 وقد أدى التقاطع بين النقص في السلع والتضخم وبين الأزمة النقدية إلى تداعي الاقتصاد الليبي، وبالتالي إلى إعاقة التجارة التونسية- الليبية.

أحياناً، كانت القرارات التي تتخذها حكومة الوفاق الليبية المتمركزة في طرابلس، والتي تعترف بها تونس العاصمة بكونها الحكومة الشرعية لليبيا، تفاقم مشاكل ومتاعب سكان الحدود الليبيين. ففي العام 2017، أقرّت حكومة الوفاق تأسيس المؤسسة الوطنية للنفط الليبية قوةً أمنية لمكافحة تهريب البنزين عبر الحدود. (لم تعترض زوارة، التي تتمتّع بدفق متواصل من العائدات بفضل تهريب البنزين بحراً إلى مالطا وإيطاليا، على هذه الخطوة). حقّقت هذه القوة بعض النجاح، ما أدى إلى نقص البنزين في كل أنحاء المناطق الحدودية الجنوبية الشرقية التونسية.23 وفي حزيران/يونيو 2018، بعد أن بلغ السيل الزُبى لدى التجار والمهربين التونسيين، نفّذوا سلسلة من الاحتجاجات الحاشدة ضد عرقلة التجارة بعد تدهور الوضع الأمني في الجانب الليبي من الحدود الذي كان يتسبّب بالعديد من حالات الابتزاز ومصادرة البضائع. كما احتجوا أيضاً على سوء المعاملة على يد المجموعات المسلحة، وعلى قرارات حكومة الوفاق، وإهمال السلطات التونسية للمناطق الحدودية. وهكذا، في بنقردان، ألحق المحتجون أضراراً بالعربات التي تحمل لوحات ليبية، وسدّوا الطريق إلى معبر رأس جدير الذي أغلقته السلطات التونسية لاحقاً. وقد تطلّب الأمر أياماً عدة لإعادة الأمن والنظام، لكن، حتى هذا لم يحل المشكلة. ويوضح مهرّب على الجانب التونسي المسألة على النحو التالي: “يمكن أن يكلّف البنزين 40 ديناراً تونسياً، أي السعر نفسه في محطة الوقود. ولذا، لا نستطيع أن نعمل. بالنسبة إلينا لا يوجد ببساطة سوق”.24

تغليب النزعة الأمنية على حساب الاقتصاد المحلي

كانت للإجراءات الأمنية التونسية المطّردة تبعات سلبية على المجتمعات المحلية الحدودية المعتمدة على كلٍّ من التجارة عبر رأس جدير والتهريب للحفاظ على البقاء. فمع كل حادث أمني يحمل بصمة العلاقة مع ليبيا، كانت السلطات التونسية تفرض مزيداً من القيود على النشاطات عبر الحدود. فعلى سبيل المثال، حفّزت سلسلة من الاغتيالات التي طالت في العام 2013 شخصيات سياسية تونسية على يد جناة تونسيين كانوا يفرون إلى ليبيا، تونس العاصمة على تشديد قبضة إجراءات الأمن في المناطق الحدودية. لا بل خُوّل الجيش التونسي إقامة منطقة عازلة حول الحَيد الحدودي الجنوبي لتونس، حيث تتقاطع الحدود مع ليبيا والجزائر.

في العام 2015، طفت على السطح نقطة تحوّل في السياسات الأمني التونسية إزاء ليبيا.25 ففي منتصف حزيران/يونيو من ذلك العام، تم اختطاف موظفين قنصليين تونسيين في طرابلس على يد ميليشيا ليبية، ردّاً على اعتقال أحد قادتها في تونس العاصمة. وعلى الرغم من أن تونس لم تذهب إلى حد إغلاق الحدود- فرأس جدير بقي مفتوحاً- إلا أنها أوقفت كل التنقلات غير الضرورية للسلع والأشخاص من ليبيا إلى أراضيها. ثم جاءت سلسلة الهجمات الإرهابية في أواخر العام 2015 لتدفع الحكومة التونسية إلى فرض المزيد من الإجراءات الأمنية، من خلال حفر خندق على مسافة نصف حدود البلاد مع ليبيا البالغ طولها 500 كيلومتر،26 وهي خطوة عرقلت العديد من خطوط التهريب.

أغلقت تونس رسمياً معبر رأس جدير الحدودي في شباط/فبراير 2016، بعد تدهور الوضع الأمني في ليبيا غداة سلسلة من القصف الأميركي لمعسكر تدريب يديره تنظيم الدولة الإسلامية المعلنة ذاتياً في مدينة صبراتة الشمالية الليبية.27 أثبت قرار الإقفال أنه مبالغٌ به مع اندلاع الاحتجاجات الواسعة في بنقردان. فبعدها بفترة وجيزة، وُجّهت الدعوة إلى إضراب عام أكثر تنظيماً احتجاجاً على الإهمال الحكومي، والفساد المستشري في أوساط أجهزة الأمن، ونقص الترتيبات عبر الحدود مع الميليشيات الليبية التي تضمن التجارة والحماية للتجار التونسيين في ليبيا. في البداية، بدا أن السلطات في تونس العاصمة أضحت أكثر ليونة، لكن في خطوة ظهر أنها تؤكد أسوأ مخاوف هذه الأخيرة، شنّت جماعة جهادية تونسيّة آتية من ليبيا هجوماً مسلحاً على بنقردان في آذار/مارس.28 تم صد هذه الجماعة لكن بكلفة باهظة في صفوف قوات الأمن والمدنيين في المدينة. ولم يُعاد فتح معبر رأس جدير إلا في حزيران/يونيو 2016، ولكن بطاقة محدودة. وبات واضحاً للعيان أنه ليس ثمة نهاية في الأفق لمصاعب السكان المحليين الاقتصادية.

المبادرات القاعدية ومحدوديتها

حين يفشل التسييس التقليدي بين ممثلي الدولة، أو ما يسمّى “دبلوماسية الكرافات”، تتقدّم الصفوف المبادرات الشعبية القاعدية لملء الفراغ.29 وهذا بالتحديد ما حدث في المناطق الحدودية التونسية حالما غرقت الدولة التونسية في لحج القضايا الأمنية وبدأت تتعاطى بشكل سيئ مع الترتيبات التي تحكم التجارة عبر الحدود. وبدءاً من العام 2016، حين شدّدت الإجراءات الأمنية التونسية الخناق بإحكام على الاقتصاد الحكومي، آلت مروحة من المجموعات التونسية المرتجلة على نفسها التفاوض حول الاتفاقات التجارية مع بلديات ليبية ومجالس قبلية. وشملت هذه المجموعات رابطة الأخوة التونسية- الليبية وجمعية التجار ببنقردان، ولجان ناشطين في المجتمع المدني، وحتى أعضاء في البرلمان يعملون بصفتهم الشخصية.30 هذه المجموعات، التي تمثّل صغار التجار غير القادرين على تحمّل إغلاق المعبر الحدودي إلى أمد طويل، ناهيك عن سوء المعاملة ومكوس الحماية الباهظة التي تفرضها الجماعات الليبية المسلحة، أطلقت مبادراتها الخاصة تحت مظلة ما بات يُعرف بـ”الدبلوماسية الشعبية”.31

على سبيل المثال، في أواخر 2016، تلكأ التجار وسائقو الشاحنات التونسيون عن دفع الضرائب الجمركية الجديدة التي فرضتها السلطات الليبية، إضافة إلى القيود على تهريب البنزين. وقد نظّم التجار اعتصاماً لمدة شهرين رافعين شعار “سيب بنقردان تعيش”، وطالبوا والي ولاية مدنين (التي تقع فيها بنقردان) بالتدخل لصالحهم.32 في خاتمة المطاف، توجّه وفد من بنقردان، يضم تجاراً وشخصيات من المجتمع المدني وحتى عضو في البرلمان إلى ليبيا. وقد توصّل هذا الوفد إلى اتفاقية مع ممثلي تسع مدن غربية ليبية. تمّ توقيع الاتفاقية في الزاوية، وهي مدينة على الساحل الشمالي الغربي من ليبيا، في 2 كانون الثاني/يناير 2017ـ وتنصّ على السماح للتجار التونسيين باستيراد سلع معفاة من الضرائب لمرة واحدة على ألا تتعدّى قيمتها مبلغ 4000 دينار ليبي (أقل بقليل من 3000 دولار) في اليوم من ليبيا، ونقل نحو 150 ليتراً (40 غالوناً) من البنزين عبر رأس جدير.33

بيد أن زوارة رفضت الموافقة على الاتفاقية، لأنها كانت ترغب في أن تصبح المحاور الوحيد باسم اللّيبيين مع الجانب التونسي، كما أن أنظارها كانت مشدودة إلى إبرام صفقة أمنية مع الدولة التونسية، كجزء من ترتيبات شاملة. ويشرح عضو في وفد بنقردان الوضع كالتالي:

“في كانون الثاني/يناير 2017، وقبيل توجهنا إلى الزاوية، توقفنا في زوارة حيث أوضح لنا محادثونا هناك أن لديهم مطالب تتعلّق بقضايا أمنية. قلنا لهم أن مسألة الأمن تتعدى نطاق مبادرتنا، وأننا لا نمثّل الدولة التونسية. نحن فقط نطرح مبادرة شعبية محلية ونريد التفاوض على اتفاقية تجارية عبر الحدود. لكننا عرضنا الاتصال مع السلطات التونسية ونقل طلبات زوارة”.34

بيد أن زوارة أسندت معارضتها إلى ضرورة احترام سيادة الدولة، واتهمت المدن الليبية التسع بأنها وقّعت على اتفاق ينطوي على خطف دور حكومة الوفاق الوطني. وبما أن زوارة تسيطر على الجانب الليبي من رأس جدير، كان بديهياً أن يكون لموقعها هذا مضاعفات. إضافة، كانت زوارة تحظى بدعم المؤسسة الوطنية للنفط الليبية، التي أدانت الاتفاقية بكونها محاولة من السلطات التونسية لـ”إضفاء الشرعية على التهريب”.35

أحبطت معارضة زوارة اتفاقية الزاوية. وفي سبيل تلبية شروط المدينة المتعلّقة بالأمن، أو بعضها على الأقل، سعى وفد بنقردان على الحصول على مساعدة الحكومة التونسية. حينها، أوفدت هذه الأخيرة وزراء العلاقات مع المجتمع المدني، وإصلاح القطاع العام، والتنمية الجهوية، وأيضاً مسؤولاً في الجمارك إلى منطقة الحدود، بهدف التفاوض على الشطر الأمني من الاتفاقية مع زوارة. هذه الاتفاقية، التي كانت خطوة غير متناظرة مثّل فيها وفد بنقردان ومسؤول الجمارك الجانب التونسي، وممثلو المجالس البلدية وشيوخ القبائل الجانب الليبي، وقعتها زوارة ومعها المدن الليبية التسع في 17 كانون الثاني/يناير 2017.

في تلك الأثناء، أدركت السلطات التونسية أنه، وبالتحديد في سبيل ألا تضر المقاربة المتمحورة حول الأمن الاقتصاد أو تشعل الاضطرابات الاجتماعية، يتعيّن عليها أن تسهّل أو على الأقل أن تسمح بالمرور المنتظم عبر الحدود للتجارة من النوع الذي قد يخفّف وطأة الوضع البائس بشكل متزايد للمجتمعات المحلية الحدودية. وفي العام 2017، طرح مسؤول أمني رفيع المستوى فكرة حلّ من القمة إلى القاعدة، تُحيي بموجبه الدولة الهوية القبلية التونسية التي بقيت نائمة طويلاً، بهدف استخدام القبائل المحلية كمحاورين مع القبائل والمجالس البلدية الليبية. التبرير الذي قدّمه هذا المسؤول هو أن الترتيبات القَبَلِية في الماضي أثبتت ديمومتها ونجاعتها. مثلاً، في القرن التاسع عشر، اعتاد اتحاد قَبَلي قوي في منطقة جنوب شرق تونس الحديثة، كان يطلق عليه اسم تحالف ورغمة، أن يبرم الاتفاقات مع الاتحادات القبلية المقيمة في غرب ليبيا الحديثة المتعلقة بالمياه والرعي والتجارة. وقد أخذ اقتراح 2017 في الاعتبار أن الأحزاب السياسية التونسية وحتى بعض المجالس المحلية أعربت عن دعمها لطرف أو آخر من الفصائل الأساسية في النزاع الليبي، إذ دعم الإسلاميون حكومة الوفاق، وساند القوميون العربائتلافاً منافساً مقره طبرق في شرق ليبيا. كما استند الاقتراح إلى الافتراض بأن القبائل المُنبعثة مجدداً في تونس قد تستطيع، بتوجيه من الحكومة المركزية التي تُسيطر عليها، أن تحافظ على حياد مدروس حيال السياسات الليبية. بيد أن هذا الاقتراح، الذي شقّ طريقه إلى البحث على أعلى مستويات الأجهزة الأمنية لكن لم يُفصح عنه علناً قط، فشل في اجتذاب التأييد.36 فالدولة التي سعت إلى إضعاف الانتماء القبلي لصالح الروح الوطنية الجماعية، لن تكون في وارد إحياء هويات قبلية ومنح المجالس القبلية سلطة سياسية.

بدلاً من هندسة حلول من القمة إلى القاعدة، واصلت تونس العاصمة تسهيل المبادرات الشعبية، خاصة من خلال المساعدة على حل قضايا أمنية شائكة، وهذا ما تمثّل في انخراط الوزراء المذكورين أعلاه في اتفاقية الزاوية المعدّلة. وفي هذه الأثناء، دخلت المبادرات القاعدية لحفز وتنظيم التجارة عبر الحدود مرحلة جديدة العام 2018. ففي تلك السنة، أجرت تونس أول انتخابات بلدية حرّة ونزيهة منذ الانتقال إلى الديمقراطية العام 2011.37 الآن، باتت المجالس البلدية، التي كان أعضاؤها في السابق يُعيّنون في مناصبهم من قبل الوالي والأحزاب السياسية الُممثلة في البرلمان، يُنتخبون من سكان البلديات أنفسهم. وفي حين أن الحكومة المركزية في تونس العاصمة كانت تهتم أساساً بالوضع الأمني واحتواء تداعيات النزاع الليبي، أثبتت المجالس البلدية في المناطق الحدودية، التي باتت تتكوّن الآن كلياً من أشخاص محليين منتخبين، أنها أكثر تركيزاً على توفير الظروف المفيدة للنشاط الاقتصادي والتنمية المحلية.

توقيت انتخابات أيار/مايو 2018 كان، بمعنى ما، مؤاتياً، بسبب تداعي اتفاقية كانون الثاني/يناير 2017 المذكورة أعلاه. فطيلة حزيران/يونيو وتموز/يوليو 2018، نفّذ سكان بنقردان مظاهرات كبيرة وجريئة، وأغلقوا المداخل إلى رأس جدير، وندّدوا بالسياسات التجارية التي اعتبروا أنها تصب في صالح الليبيين، وأيضاً بسوء معاملة التجار التونسيين على الجانب الليبي من الحدود. حينها، انطلق المجلس البلدي الجديد في بنقردان، الذي تعزّز بوضعيته كهيئة منتخبة محلياً، إلى العمل. توجهه الأول كان إقناع الزواريين بإعادة التفاوض ثانية حول الاتفاقية، لكن هذه المرة بطريقة تأخذ بعين الاعتبار مشاغل السكان المحليين.

المحاولة نجحت. واتفق مجلسا بنقردان وزوارة حول العديد من القضايا، وأدخلا تعديلات على الاتفاقية تمكّنت من استرضاء المحتجين، وشكلا لجنة مشتركة تتكوّن من أعضاء كلا الهيئتين لضمان حسن المتابعة. لكن الملفت، مرة أخرى، أنه كان ثمة حاجة لتدخّل الحكومة المركزية التونسية في قضايا التنسيق الأمني مع الجانب الليبي، بما في ذلك إعادة فتح معبر رأس جدير، وهو الأمر الذي تحقق بعدها بشهر واحد.38

في التحليل الأخير، ما يُستخلص من تفحّص تجربة تونس مع المبادرات الشعبية عبر الحدود هو الإدراك بأن المجالس البلدية والهيئات المحلية الأخرى في تونس قادرة على إيجاد قواسم مشتركة مع نظرائها الليبيين. لكن المشكلة هي أن اتفاقاتها محدودة دوماً في مداها وفي مدتها الزمنية. وحتى حين كان ثمة توجّهٌ لجعلها تدوم طويلاً، إلا أنه تبيّن أنها ليست أكثر من سلسلة من الإجراءات المؤقتة. وقد أدرك مهندسوها طبيعة هذه المثلبة ومعها الاحتمال المثير للقلق بأن هذه في الواقع نتيجة لا مناص منها. يقول عضو في المجلس البلدي في بنقردان: “حاولنا ترقية “الخط” الذي يعتبر استراتيجياً للمدينة، بيد أن إبرام اتفاقية شاملة مع الطرف الليبي يتخطى قدراتنا. كل هذه الاتفاقات مؤقتة، وهي حلول قصيرة الأجل لمشاكل عاجلة”.39

خاتمة: الالتفات إلى الحل الوحيد الصالح

أظهرت الدولة التونسية درجة من المرونة، من خلال السماح بالمبادرات القاعدية للمواطنين التونسيين، من ذلك النوع الهادف إلى إحياء التجارة عبر الحدود مع ليبيا، وفرض قدر من النظام على النشاطات الاقتصادية. كما أنها (الدولة) ابتاعت لنفسها بعض الوقت. ولو أن تونس انتهجت منحىً أمنياً وانقطعت أكثر عن ليبيا، من دون السماح للروابط المرتجلة والمجالس البلدية التونسية بإبرام اتفاقات تجارية خاصة بهم، لكانت المناطق الحدودية المـأزومة أصلاً ستنقلب على الدولة. بيد أن الحصول على التقاط أنفاس من حريق مؤكد، ليس استراتيجية بعيدة المدى. علاوة على ذلك، عانت المقاربة القاعدية الحدودية التونسية من العديد من النكسات بقدر ما سجّلت نجاحات.

والحال أن تونس تفعل خيراً إذا ما تبنّت مقاربة مثلثة الأضلاع، إن هي أرادت حل المشكلة المستعصية التي أوثقت نفسها بها: فأولاً، يجب على الحكومة المركزية تحسين أساسيات الاتفاقية الأمنية مع حكومة الوفاق الوطني، والعمل أيضاً مع هذه الحكومة على إقامة منطقة تجارة حرّة في المناطق الحدودية. حتى الآن، كانت تونس العاصمة تقاوم بناء علاقات وثيقة مع حكومة الوفاق، خشية أن تبدو منحازة إلى طرف في النزاع الليبي. بيد أن الحياد لايجب بالضرورة أن يعني السلبية، وقد بات واضحاً أنه حتى لو فشلت حكومة الوفاق في بسط سيطرتها على كل أنحاء ليبيا، فليس ثمة طرف بمقدوره انتزاعها من موقعها بوصفها الحكومة المُعترف بها دولياً والسلطة الأساسية في الشطر الغربي من البلاد. وهنا، قد توفّر الضمانات الأمنية وإقامة منطقة التجارة الحرة التي لاتُطبّق فيها الرسوم الجمركية فرص النجاح للحكومة التونسية في حفز النخب الاقتصادية التونسية، التي أصبحت عازفة عن المشاركة في تجارة حدودية عالية المخاطر، على استئناف نشاطاتها.

المقاربة الثانية تكمن في قيام تونس العاصمة بتشجيع المجالس البلدية في المدن الحدودية على توسيع اتفاقات التجارة القاعدية مع أقرانها الليبيين. مثل هذه الاتفاقات يجب أن تتجاوز التجارة لتشمل أيضاً التعاون في مجالات الثقافة، والتعليم، والصحة العامة، وبرامج تبادل الشبان، فهذا سيعمّق العلاقات الشخصية التي تعتبر حاسمة لإنجاح الدبلوماسية بين المدن وبين الشعبين.

أخيراً، وليس آخرا، يتعيّن أن تُشرف الدولة على الانخراط غير المنسّق لمختلف الهيئات الرسمية (بما في ذلك الوزارات، وسلطة الجمارك، واللجان البرلمانية) جنباً إلى جنب مع المجالس البلدية، في الاتفاقات غير المتناظرة المتفاوض عليها على غرار اتفاقية الزاوية. فهذا قد ينسّق عمل بلديات المدن الحدودية مع تونس العاصمة ويعزّز روابط هذه الأخيرة مع مراكز القوى في أنحاء غرب ليبيا، ما يؤدي إلى تحسين الأمن التونسي. وفي خاتمة المطاف، ستمكّن هذه المقاربة مثلثة الأضلاع تونس من الانكباب، على الأقل وفق أكثر المستويات أساسية، على كلٍ من أمنها وحاجاتها الاقتصادية، على الرغم من مروحة الظروف التي تهدد كليهما.

حاشية: المناطق الحدودية في زمن النزاع والوباء

خلال الأشهر القليلة المنصرمة، عانت المناطق الحدودية التونسية من ضربة مزدوجة: تصعيد النزاع في ليبيا في أعقاب التدخّل التركي في البلاد، وتفشي وباء كورونا المستجد. هذان العاملان معاً دفعا الاقتصاد الحدودي إلى شفير الكساد.

في كانون الثاني/يناير 2020، بدأت تركيا بإرسال مسلحين وعتاد إلى القوات المتحالفة مع حكومة الوفاق بقيادة رئيس الوزراء فايز السراج، لمساعدتها في النزاع ضد ائتلاف عسكري يقوده المشير خليفة حفتر. وتوّج هذا المنحى بـ”عاصفة السلام”، وهي عملية عسكرية هدفها إجلاء قوات حفتر من غرب ليبيا. وفي نيسان/أبريل، استعادت حكومة الوفاق السيطرة على مدن صبراتة وزلطن ورقدالين وصرمان والعجيلات، هذا في حين بقيت زوارة والزاوية داعمة لحكومة الوفاق طيلة هذا الوقت. في نهاية المطاف، مكّن التدخل الليبي القوات المتحالفة مع حكومة الوفاق من استعادة الأراضي التي كانت قد خسرتها وأعادت توكيد هيمنتها على غرب ليبيا. بيد أن النزاع تسبّب بتدهور كبير في التجارة عبر رأس جدير (التي علقت في مرحلة ما في حمأة القتال)، وفاقمت الوضع الاقتصادي، الصعب أصلاً، في المناطق الحدودية التونسية.

قبل نهاية النزاع، دخل وباء كورونا على الخط. ففي آذار/مارس 2020، أعلنت الحكومة التونسية الإغلاق العام لمحاولة احتواء تفشي الفيروس. وفي ذلك الشهر نفسه، أغلقت تونس حدودها. وما فتئت الحكومة التونسية، التي كانت تخشى تقطّع أوصال سلاسل الإمدادات العالمية في خضم سعيها لمنع اندلاع الرعب الناجم عن الحجر، أن أعلنت مضاعفة المخزون الاستراتيجي من المواد الغذائية، والأدوية، والبنزين. وهذا ضمن عدم خواء المتاجر من الحاجيات الأساسية، لكنه لم يفعل الكثير لتخفيف وطأة الوضع العام.

والواقع أن جائحة كورونا وتصاعد النزاع في ليبيا شلاّ الاقتصاد في جنوب شرق البلاد. وكما هو متوقع أدى قرار الحكومة التونسية بإغلاق الحدود مع ليبيا إلى إقفال رأس جدير. في بنقردان وما بعدها، أجبر آلاف التجار عبر الحدود، وصغار باعة التجزئة، وأصحاب المتاجر، وباعة الوقود غير الرسميين، والمتعاملين بالعملة الصعبة، على تعليق نشاطاتهم. في هذه الأثناء، وجد مئات التونسيين العاملين في ليبيا الذين يحاولون العودة إلى بلادهم أنفسهم عالقين أمام معبر رأس جدير. وقد دفعهم الأمن وإجراءات الحجر إلى الانتظار لأسابيع أمام هذا المعبر الحدودي قبل أن يسمح لهم بدخول الأراضي التونسية. بالإجمال، فاقمت جائحة كورونا التوتر الاقتصادي على طول الحدود التونسية، وأظهرت مدى الحاجة الماسة إلى تعزيز التنسيق بين الحكومة المركزية وبين بلديات المدن الحدودية، كي يكون بالإمكان تدبّر أمر الأمن والطوارئ الصحية على نحو أكثر فعالية.

ملاحظة حول منهجية العمل

استندت هذه الدراسة إلى مقابلات مع تجار، ومهربين، وبائعي بنزين مُهرّب، ونشطاء في المجتمع المدني، وأيضاً أعضاء في هيئات تجارية، والمجلس البلدي في بنقردان، والأجهزة الأمنية التونسية. أُجريت الدراسة في مدينتي بنقردان ومدنين التونسيتين في صيف 2019. تشكّل هذه المقابلات العمل الميداني الخاص بهذه الدراسة، والتي استُكملت بالملاحظات الشخصية للمؤلف.

تأريخ الأحداث

1988: إعادة فتح الحدود التونسية- الليبية بعد إغلاق دام ثماني سنوات.

1992– 2003: ليبيا تخضع إلى عقوبات الأمم المتحدة ومقاطعة دولية. “الخط” يلعب دوراً حاسماً في تزويد ليبيا بالمواد الغذائية والسلع الاستهلاكية.

20032011: ليبيا تعود إلى دورها كمركز إقليمي لاستيراد وإعادة تصدير شتى السلع إلى البلدان المجاورة. يجري استيراد السلع الاستهلاكية والأدوات المنزلية والأقمشة والمعدات من الصين وبلدان أخرى في شرق آسيا ويُعاد تصديرها إلى تونس. يلعب البنزين الرخيص، الذي يُهرّب معظمه عبر الحدود من خلال “الكونترا”، دوراً رئيساً في دعم الاقتصاد التونسي، فيما تُصدّر تونس أساساً المواد الغذائية إلى ليبيا.”الخط” يعزّز صمود كلا النظامين.

كانون الثاني/يناير 2011: سقوط الرئيس التونسي المخضرم بن علي.

شباط/فبراير 2011: اندلاع الانتفاضة الليبية.

شباط/فبراير-آب/أغسطس 2011الثوّارالليبيون يواجهون نظام القذافي. السلطات التونسية تتصرّف ببراغماتية، وتسمح للمهربين بالعمل عبر ممرات اقتصادية غير رسمية مع كلا الطرفين المتحاربين.

آب/أغسطس 2011: طرابلس تسقط في أيدي الثوّار.

2012– 2014: تصاعد التنافس بين مراكز القوى في غرب ليبيا، من دون أن يتسبّب ذلك في عرقلة أساسية لتدفق السلع والنفط إلى تونس.

2013: الجيش التونسي يقيم منطقة عازلة حول الطرف الحدودي الجنوبي من البلاد، حيث تتقاطع تقريباً الحدود مع ليبيا والجزائر.

2014: نزاع جديد يندلع في ليبيا. البلاد تنشطر إلى معسكرين متنازعين، وبروز حكومتان متنافستان في طرابلس وطبرق.

2015: الجيش التونسي يحفر خندقاً رملياً مزدوجاً على طول 250 كيلومترا في حدود تونس مع ليبيا لمنع التسلل.

2016: تونس تغلق معبر رأس جدير لمدة ستة أشهر تقريباً، ما يؤدي إلى توقف التجارة تماماً تقريباً. تثير الخطوة موجات من الاحتجاجات الشعبية لسكان بنقردان والمناطق المحيطة بها. وفي ليبيا، تؤدي أزمة مصرفية، سببها تدهور إنتاج النفط وهبوط العائدات، إلى المزيد من التأثيرات السلبية على التجارة عبر الحدود.

2017: شركة النفط الوطني الليبية المتحالفة مع حكومة الوفاق تشكّل وحدة عسكرية ضد التهريب لمكافحة تحويل مسارات البنزين. الاقتصاد الحدودي يتأثر بشدة، والمناطق الحدودية التونسية تنزلق نحو لجج الإفقار. تشن مجموعات تونسية مرتجلة مبادرات شعبية للتفاوض حول اتفاقات تجارية مع البلديات والمجالس القبلية الليبية. نسخة معدّلة من اتفاقية كانت قد وُقعت مع زوارة بين بنقردان وبلديات ليبية تشقّ طريقها إلى التنفيذ، ما ينعش التجارة.

2018: مبادرات قاعدية من جانب مناطق حدودية تونسية لإنعاش الاقتصاد الحدودي الراكد، يتلقى دعماً جديداً بفضل التشكّل غير المسبوق لمجالس بلدية منتخبة ديمقراطياً في كل أنحاء تونس. المجلسالبلدي في بنقردان يتحرك فوراً من خلال التفاوض على تغييرات في بنود اتفاقية الزاوية التي تؤثّر على نحو خاص على بنقردان وزوارة.

شُكر

أُنجزت هذه الدراسة بدعم من شبكة البحث المحلية حول القضايا العابرة للحدود الوطنية (X-Border Local Research Network) التي تشكّل جزءاً من برنامج الصراعات العابرة للحدود – الأدلة والسياسات والاتجاهات (X-Border Conflict Evidence, Policy and Trends) التابع لوزارة الخارجية والكومنولث والتنمية في المملكة المتحدة، والمموّل من الحكومة البريطانية من خلال مشروع UK Aid. شبكة البحث المحلية حول القضايا العابرة للحدود الوطنية هي ثمرة شراكة بين كلٍّ من مؤسسة آسياومركز كارنيغي للشرق الأوسط ومعهد الأخدود العظيم، وهي تهدف إلى إجراء الأبحاث الآيلة إلى تحقيق فهم أفضل لأسباب النزاعات في المناطق الحدودية وتأثيراتها وأبعادها الدولية، ودعم اعتماد أساليب أكثر فاعلية لصنع السياسات، وإعداد البرامج الإنمائية، وبناء قدرات الشركاء المحليين. إن المحصلات، والتفسيرات، والخلاصات الواردة في هذه الدراسة تعبّر برمتها عن وجهات نظر المؤلّفين، ولا تعكس بالضرورة آراء مركز كارنيغي للشرق الأوسط أو حكومة المملكة المتحدة.

تم إصدار هذه الدراسة بدعمٍ من برنامج X-Border Local Research Network (شبكة البحث المحلية حول القضايا العابرة للحدود الوطنية) الذي يحظى بتمويل من مشروع UK Aid التابع للحكومة البريطانية. إن الآراء الواردة في هذه الدراسة لا تعبّر بالضرورة عن السياسات الرسمية للحكومة البريطانية.

هوامش

1 Wolfram Lacher, Libya’s Fragmentation: Structure and Process in Violent Conflict (London: Bloomsbury, 2020).

2 كاثرين بولوك وفريدريك ويري، “الحدود التونسية- الليبية: بين أُمنيات الأمن والحقائق الاجتماعية- الاقتصادية”، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 1 تشرين الأول/أكتوبر 2018،
https://carnegie-mec.org/2018/10/01/ar-pub-77387

3حول هذه الحوكمة الهجينة، انظر:
Kate Meagher, Tom De Herdt, and Kristof Titeca, “Unravelling Public Authority: Paths of Hybrid Governance in Africa,” IS Academy on Human Security in Fragile States, March 2014, https://biblio.ugent.be/publication/5863789/file/5863810.pdf.

4 Hassan Boubakri, “Échanges transfrontaliers et commerce parallèle aux frontières tuniso-libyennes” [Cross-Border Exchanges and Parallel Trade at the Tunisian-Libyan Borders], Monde arabe, Maghreb Machrek, La Documentation française 170 (2001), 39–51, https://books.openedition.org/irmc/1591?lang=en.

5لإطلالة على الأفق التاريخي والأثنوغرافي لاقتصاد الحدود في عهد بن علي، انظر:
Hamza Meddeb, “Courir ou mourir. Course à el khobza et domination au quotidien dans la Tunisie de Ben Ali” [Run or Die. The Race to the Bread and Daily Domination in Tunisia under Ben Ali] (PhD thesis, SciencesPo, 2012), https://www.academia.edu/43570339/Courir_ou_mourir._Course_à_el_khobza_et_domination_au_quotidien_dans_la_Tunisie_de_Ben_Ali.

6 Hamza Meddeb, “Rente frontalière et injustice sociale en Tunisie” [Border Rent and Social Injustice in Tunisia] in Irene Bono, Béatrice Hibou, Hamza Meddeb, and Mohamed Tozy, L’Etat d’injustice au Maghreb. Maroc et Tunisie [The State of Injustice in the Maghreb. Morocco and Tunisia] (Paris: Karthala, 2015), 63–98.

7 حمزة المؤدّب، “مقال مصوّر: خط بنقردان إلى ليبيا”، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 30 آذار/مارس 2020، https://carnegie-mec.org/diwan/81398

8 “كمال العروسي: التجارة الموازية والتهريب في الفضاء الحدودي التونسي– الليبي (1988-2012) – تشخيص وآفاق في ظل عولمة متخفية”: (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019)، https://www.dohainstitute.org/ar/BooksAndJournals/Pages/Parallel-Trade-and-Smuggling-at-the-Tunisian-Libyan-Border-Space-1988-2012

9 وفقاً للمعهد الوطني التونسي للإحصاء، بلغت نسبة البطالة في بنقردان 18.5 في المئة في العام 2018. وبلغت في صفوف الخريجين الحديثين من الجامعات 37.8في المئة. انظر: “ولاية مدنين بالأرقام2018 “، الجمهورية التونسية، وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، ديوان تنمية الجنوب، أيلول/سبتمبر 2018، http://www.ods.nat.tn/upload/CHIFMEDENINE.pdf

10 Béatrice Hibou, The Force of Obedience. The Political Economy of Repression in Tunisia (Cambridge: Polity Press, 2011).

11 Meddeb, “Courir ou mourir. Course à el khobza et domination au quotidien dans la Tunisie de Ben Ali.”

12 Hamza Meddeb, “Smugglers, Tribes and Militias: The Rise of Local Forces in theTunisian-Libyan Border Region,” in Luigi Narbone, Agnes Favier, Virginie Collombier, eds., Inside Wars: Local Dynamics of Conflict in Syria and Libya (Florence: European University Institute, 2016),https://cadmus.eui.eu/bitstream/handle/1814/41644/Inside%20wars_2016.pdf?sequence=1&isAllowed=y.

13 Wolfram Lacher, “The Libyan Revolution and the Rise of Local Power Centers,” European Institute of the Mediterranean, 2012, https://www.iemed.org/observatori-en/arees-danalisi/arxius-adjunts/anuari/med.2012/lacher_en.pdf.

14 اسكندر العمراني وكلوديا غازيني، “القتال في المنطقة النفطية يهدد ليبيا بالانهيار الاقتصادي” مجموعة الأزمات الدولية، 14 كانون الأول/ديسمبر 2016،
https://www.crisisgroup.org/ar/middle-east-north-africa/north-africa/libya/oil-zone-fighting-threatens-libya-economic-collapse

15 Olfa Lamloum, “Marginalization, Insecurity, and Uncertainty on the Tunisian-Libyan Border: Ben Guerdane and Dehiba From the Perspective of Their Inhabitants,” International Alert, December 2016, https://www.international-alert.org/sites/default/files/TunisiaLibya_MarginalisationInsecurityUncertaintyBorder_EN_2016.pdf.

16 Grégory Chauzal and Sofia Zavagli, “Post-Revolutionary Discontent and F(r)actionalization in the Maghreb: Managing the Tunisia-Libya Border Dynamics,” Clingendael Reportat the Netherlands Institute of International Relations, August 2016, https://www.clingendael.org/sites/default/files/pdfs/Clingendael%20Report%20Tunisia-Libya%20border%20dynamics%20-%20August%202016_0.pdf.

17 الفرق بين هذين المجتمعين المحليين مذهبي أيضاً. فعلى الرغم من أن كليهما إسلاميان، إلا انهما ينتميان إلى مدارس فقهية مختلفة: فالعرب سنّة، فيما الأمازيع يعتنقون المذهب الإباضي. لمزيد من التفاصيل حول التنافسات الإثنية، انظر:
Wolfram Lacher and Ahmed Labnouj, “Factionalism Resurgent: The War in the Jabal Nafusa,” in Peter Cole and Brian McQuinn (ed.), The Libyan Revolution and its Aftermath (London: Hurst, 2015), 257–284.

18مقابلة أجراها المؤلّف مع بائع جملة في بنقردان، تونس، آب/أغسطس 2019.

19مقابلة أجراها المؤلّف مع نشطاء محليين في المجتمع المدني، بنقردان، تونس، آب/أغسطس 2019.

20 Jason Pack, “Kingdom of Militias: Libya’s Second War of Post-Qadhafi Succession,” Italian Institute for International Political Studies, May 31, 2019, https://www.ispionline.it/it/pubblicazione/kingdom-militias-libyas-second-war-post-qadhafi-succession-23121.

21 Jalel Harchaoui, “Libya’s Monetary Crisis,” Lawfare, January 10, 2018, https://www.lawfareblog.com/libyas-monetary-crisis.

22 مجموعة الأزمات الدولية، “عن الدبابات والمصارف: وقف تصعيد خطير في ليبيا”، 20 أيار/مايو 2019، https://www.crisisgroup.org/ar/middle-east-north-africa/north-africa/libya/201-tanks-and-banks-stopping-dangerous-escalation-libya.

23 Sami Zaptia, “Libya’s Anti-Smuggling Efforts of Subsidized Goods Into Tunisia Causing Diplomatic Tensions,” Libya Herald, April 12, 2017,
https://www.libyaherald.com/2018/08/09/libyas-anti-smuggling-efforts-of-subsidised-goods-into-tunisia-causing-diplomatic-tensions/.

24مقابلة أجراها المؤلّف مع تاجر في بنقردان، تونس، آب/أغسطس 2019.

25 Tunisian Consular Workers Freed in Exchange for Libyan Commander,” BBC, June 19, 2015, https://www.bbc.com/news/world-africa-33199022.

26 بولوك وويري، “الحدود التونسية- الليبية: بين أُمنيات الأمن والحقائق الاجتماعية- الاقتصادية”.

27 Declan Walsh, Ben Hubbard, and Eric Schmitt, “US Bombing in Libya Reveals the Limits of Strategy Against ISIS,” New York Times, February 20, 2016, https://www.nytimes.com/2016/02/20/world/middleeast/us-airstrike-isis-libya.html.

28 Anouar Boukhars, “The Potential Jihadi Windfall From the Militarization of Tunisia’s Border Region With Libya,” Combatting Terrorism Center Sentinel 11, no. 1 (2018), https://ctc.usma.edu/potential-jihadi-windfall-militarization-tunisias-border-region-libya/.

29 La diplomatie de la cravate,” from author interview with civil society activist, Ben Guerdane, Tunisia, August 2019.

30 Max Gallien, “Informal Institutions and the Regulation of Smuggling in North Africa,” Perspectives on Politics 18, no. 2 (2019): 1–17.

31 “الدبلوماسية الشعبية” مصطلح صاغه ناشطون من المجتمع المدني التونسي وأعضاء من الجمعيات التجارية لوصف مبادراتهم القاعدية. ويعبّر هذا المصطلح عن جهود دبلوماسية ترمي إلى التواصل مباشرةً مع الناس. من مقابلات أجراها المؤلّف، بنقردان، تونس، آب/أغسطس 2019.

32 “Police & Protesters Clash in Tunisia’s Border Town of Ben Guerdane,” Youtube video, posted by “CGTA Africa,” January 13, 2017, accessed August 5, 2020, https://www.youtube.com/watch?v=FTbiVpzlNaI.

33وفقاً لهذه الاتفاقية، يجب ألا تتجاوز القيمة 4000 دينار ليبي (2500 دولار أميركي). لمزيد من التفاصيل حول هذه الاتفاقية، انظر: ياسين العطوي، “ملف: هشاشة اتّفاقات عودة الحركة التجارية بمعبر راس الجدير تنذر بتأزم الوضع في كل لحظة”، تونس الرقمية، 21 شباط/فبراير 2017،
https://ar.tunisienumerique.com/356969/ملف-هشاشة-اتّفاقات-عودة-الحركة-التجار/

34مقابلة أجراها المؤلّف مع عضو في الوفد، بنقردان، تونس، آب/أغسطس 2019.

35 “Growing Anger Over Tunisia Border Crossing Trade Agreement,” Libya Herald, January 5, 2017,
https://www.libyaherald.com/2017/01/05/growing-anger-over-tunisia-border-crossing-trade-agreement/.

36مقابلة مع مسؤول أمني رفيع في ولاية مدنين كان هو الذي طرح هذه الفكرة، مدينة مدنين، تونس، آب/أغسطس 2019.

37 “الانتخابات البلدية في تونس”، صدى (مدوّنة)، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 10 أيار/مايو 2018،
https://carnegieendowment.org/sada/76303

38مقابلة أجراها المؤلّف مع عضو في المجلس البلدي، بنقردان، تونس، آب/أغسطس2019.

39مقابلة أجراها المؤلّف مع عضو في المجلس البلدي، بنقردان، تونس، آب/أغسطس2019.

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button