الحرکات الانفصالية في إقليم شينجيانغ: دراسة الصين تجاه مسلمي الإيغور

المؤلف غزلان محمود عبد العزيز* مدرس العلوم السياسية، کلية الاقتصاد والادارة، جامعة 6 أکتوبر، مصر

مجلة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية القاهرة، المجلد 19، العدد 1، الشتاء 2018، الصفحة 165-190

تعتبر الصين من دول العالم التي يتميز نسيجها الوطني بالتعدد العرقي وإثني وکفالة حرية الاعتناق الديني والذي يتم حمايته من خلال الدستور الذي يضمن “للمواطنين الصينيين التمتع بحرية الاعتقاد الديني”، و”لايجوز لأي جهاز رسمي أو جماعة أو فرد إجبار المواطنين على اعتناق دين معين أو عدمه ولا يجوز ظلم المؤمنين بالأديان أو غير المؤمنين من المواطنين”، و”تحمي الدولة النشاطات الدينية”،”ويحظر على أي فرد استخدام الدين في ممارسة نشاطات مخلة بالنظام العام ومضرة لسلامة المواطنين ومخربة للنظام التعليمي الوطني” و”أن الجماعات الدينية والشئون الدينية لاتخضع لسيطرة أجنبية”.

على الرغم من هذه الحماية التي يکفلها الدستور الصيني لکل هذه الحريات، غير أن الصين شهدت في الآونة الأخيرة عدد من الاضطرابات العرقية بين جماعة الإيغور المسلمين –ذوي الأصل الترکي- وعرق الهان من الصينيين من جانب، وبين جماعة الإيغور في مواجهة قوات جيش التحرير الوطني من جانب أخر.

من هذا المنطلق، تأتي هذه الورقة البحثية لتحاول تحليل أهم الأسباب التي دفعت بجماعة الإيغور إلى انتهاج أعمال عنف في البلاد کان من شأنها تهديد الأمن المجتمعي الصيني، والتعرف على السياسات العرقية التي تنتهجها الصين.

مقدمـــة:

تعتبر الحرکات الإنفصالية أحد أهم وأخطر المشکلات التي تواجهها دول عالم اليوم، ففي الوقت الذي تسعى فيه مختلف الدول إلى الوحدة الإقتصادية والسعي وراء انشاء التکتلات الإقليمية القائمة على أسس المصالح المشترکة والتجارة الحرة، نجد –في خط موازً لها- ظهور الحرکات المنادية بالإنفصال عن الدول لأسباب شتى: قد تکون سياسية، عرقية، أو دينية. وکان من أبرز هذه الحرکات: نموذج انفصال کوسوفو والذي أثار شهية حالات مماثلة في أنحاء مختلفة تجددت آمالها في السعي نحو الإنفصال، ونموذج جنوب السودان، بالإضافة إلى نماذج أخرى کما في أقاليم: کتالونيا في إسبانيا، اسکتلندا في المملکة المتحدة، کيبک في کندا، فضلاً عن جبهة البوليساريو في المغرب، وغيرها.

وتکمن خطورة هذه الحرکات في أنها قد تلجأ إلى أعمال عنيفة وتمردات تهدد الأمن القومي للدولة، کما تساعد في تدمير الاقتصاد القومي، وقد تتصاعد هذه التوترات لتصل إلى أعمال إنفصال لإقليم عن الدولة مما يهدد وحدتها. أضف إلى هذه المخاطر، فإن مخاطر طلب الانفصال عن الدولة قد تنتقل إلى الدول المجاورة بإعتباره خطوة مشجعة للحرکات الإنفصالية في عدة دول أخرى، مما يشير إلى بروز حدود جديدة لدول قائمة على الهويات والنزعات العرقية، مما قد يترتب عليه وجود حالة من عدم الاستقرار في النظام الدولي ککل.

هذا، ولم تکن آسيا بمعزل عن هذا النوع من المشکلات والتهديدات خاصةً منذ إعتلاء جورباتشوف سدة الحکم عام 1985 في الاتحاد السوفيتي –سابقاً- حيث ساهم مجيئه في تغذية النزعات القومية في عدد من الجمهوريات السوفيتية الاسلامية الواقعة في أواسط آسيا: أوزبکستان- قيرغزستان- طاجيکستان- ترکمنستان- وأذربيجان، إلى أن وصل الأمر إلى حد تفکک الاتحاد السوفيتي –نفسه- في نهاية عام 1991.

وقد نشطت هذه التيارات الاسلامية المنادية بالإنفصال في عدد من المناطق الواقعة في غرب الصين والمتاخمة للجمهوريات الاسلامية السوفيتية –السابق الإشارة إليها- في محاولة منها لنيل الاستقلال عن حکومة بکين. وکان من بين هذه الحرکات: الحرکات الإيغورية Uyghur في إقليم ترکستان الشرقية المعروفة بإقليم “سينجيانج” الصيني المتميز بالتنوع العرقي بين عرقي “الهان” Han و”هوي” Hui.

حيث شهدت الصين في الآونة الأخيرة عدد من أعمال العنف والتوترات –التي وصفتها بکين في وقت لاحق بالأعمال الإرهابية- في مختلف الأقاليم، بالإضافة إلى نشوب المواجهات المسلحة بين جماعة الإيغور وجماعة “الهان” من جانب، وجماعة الإيغور وقوات الجيش من جانب أخر.

إشکالية الدراسة:

من منطلق إعتبار الدولة هي العنصر الأساسي في التعامل مع المشکلات الدولية، والدولة لاتزال الفاعل المهيمن في العلاقات الدولية، وتتمتع بالدور المحوري في منح المواطن الشعور بالأمن والأمان، وبالتالي لا يمکن إغفال الدور الأساسي الذي تلعبه الدولة في موضوعات الأمن وقدرتها على احتواء أي من أعمال العنف الصادرة من قبل الجماعات العرقية المتباينة. بمعنى أن العلاقة بين تحقيق الأمن الانساني –الذي هو أحد أهم مهام الدولة ازاء مواطنيها- وأعمال العنف التي قد تصدر من جماعة عرقية أو إثنية معينة إنما هي علاقة وطيدة. وأن الدولة بسياسات حکوماتها إزاء عرقياتها المتباينة تستطيع إما أن تضمن لنفسها تحقيق الأمن والاستقرار اذا ماساوت بين عرقياتها، وفي الوقت نفسه يکون من نتائج سياسات الدولة –غير العادلة- أن تجني العنف وأعمال الشغب والتي قد تصل في بعض الأحيان إلى تشکيل حرکات التطرف والارهاب والدعاوى نحو الحصول على الانفصال عن الدولة نفسها. بمعني وجود علاقة ارتباطية بين الحرکات الانفصالية وسياسات الحکومات تجاه هذه الحرکات.

وفي إطار ماشهدته الصين في الأونة الأخيرة من أعمال عنف وشغب طائفي من قبل جماعة الإيغور المسلمة التي تقطن إقليم ترکستان الشرقية المعروفة اليوم “سينجيانجXinjiang ” الذي يقع في الشمال الغربي من البلاد ويتمتع بالحکم الذاتي، تأتي هذه الدراسة لتحلل مشکلة الأقلية العرقية الإيغورية في إطار عدد من السياسات التي اتبعتها الصين تجاهها. کام تناقش کيفية تناول الحکومة الصينية لدعاوى هذه الجماعة ومطالبها بالإنفصال عن الدولة الأم في إطار مفهوم الصين للقومية والأهداف القومية. وتضع الدراسة فرضية أساسية مفاداها وجود علاقة ارتباطية بين السياسات التي اتبعها الحزب الشيوعي الصيني الحاکم تجاه جماعة الإيغور، ومطالب هذه الأقليات العرقية بالإنفصال عن الدولة.

وعليه، تدور مشکلة الدراسة في البحث عن أسباب هذه التوترات وأعمال الشغب التي شهدتها البلاد، وتحليل السياسات التي اتبعتها حکومة بکين إزاء عرقياتها المتباينة مع الترکيز على جماعة الإيغور.

ومن منطلق هذه الإشکالية التي تثيرها الدراسة، يأتي التساؤل الرئيسي والذي يدور حول: ماهية الأسباب والدوافع التي أدت بجماعة الإيغور للجوء إلى  أعمال العنف الطائفي والمطالبة بالإنفصال عن الصين؟ يتفرع من هذا التساؤل الرئيسي عدد من الأسئلة الفرعية المتمثلة في:

–         ماهي سمات وملامح التکوين المجتمعي للصين.

–         ماهي العوامل المؤثرة في الفکر الصيني تجاه التعدد العرقي.

–         ماهو موقف حکومة بکين من جماعة الإيغور. وأهم السياسات التي اتبعتها في إقليم ترکستان الشرقية.

منهج الدراسة:

تعتمد هذه الدراسة في المقام الأول على منهج دراسة الحالة Case Study، حيث يعتبر من أکثر المناهج الملائمة للموضوع محل البحث. فهو من أقدم المناهج الوصفية المستخدمة في العلوم الاجتماعية، والتي ترکز على دراسة حالة معينة قد تکون: نظام، فرد، جماعة، مجتمع، مؤسسة، تنظيم، أو ثقافة فرعية أو عامة في مجتمع معين أو أمة. کما يرکز هذا المنهج على الحالة بشکل مستفيض ووافي يتناول کافة المتغيرات والظواهر المرتبطة بها مع تناولها بالوصف الکامل والتحليل.

وينطبق هذا المنهج على الموضوع محل البحث والدراسة، حيث يساعد في فهم حالة جماعة “الإيغور” المسلمة، والتعرف على عدد من الأسباب التي انتهجها الحزب الشيوعي الصيني إزاء هذه الجماعة، وکافة العوامل التي أثرت في تشکيل العلاقة بين الإيغور وبکين، والتي ترتب عليها المطالبة بالإنفصال عن الدولة.

تقسيم الدراسة:

من خلال مشکلة الدراسة السابق الإشارة إليها، وللإجابة على الأسئلة المتفرعة عن هذه المشکلة، تنقسم الدراسة إلى العناصر التالية:

–       إطار نظري حول مفهوم الحرکات الإنفصالية وأسبابها.

–       السياق الاجتماعي والتاريخي لجماعة الإيغور.

–       أهمية إقليم سينجيانج بالنسبة للصين.

–       سياسات الصين تجاه جماعة الإيغور.

–       ملامح المعراضة الإيغورية لسياسات بکين في الإقليم.

أولاً: إطار نظري حول مفهوم الحرکات الإنفصالية وأسبابها

في إطار محاولة هذه الدراسة التعرف على الحرکات الإنفصالية في إقليم سينجيانج وأهم الأسباب التي أدت بجماعة الإيغور إلى المطالبة بالإنفصال عن الصين، يکون من الجدير بالذکر وضع تعريف متفق عليه للحرکات الإنفصالية بصورة عامة، والتعرف على أهم الأسباب التي تدفع بالجماعات المتمايزة عرقياً، دينياً، أو سياسياً أن تطالب بالإنفصال عن الدولة.

ويمکن التعرف على هذا المفهوم من خلال بعدين: الأول يتمثل في تعريف المفهوم من الناحية السياسية، أما البعد الثاني، فيتمثل في تعريف المفهوم في اللغة العربية.

بالنسبة للمفهوم سياسياً: فتعرف الحرکات الإنفصالية على أنها “الحرکات التي تظهر في الدول متعددة القوميات أو الفيدرالية بسبب الشعور بالإضطهاد، والتي ترغب في حکم وطني، وتحاول تکوين سلطة تسعى للاستقلال عن الدولة الأم. وقد تلجأ الحرکات في نضالها للعنف والارهاب” ([1]). کما تعرف أيضاً الحرکات الإنفصالية بأنها “حرکات سياسية وشعبية تطالب بالإنفصال والاستقلال عن دولة أو کيان ما من أجل تکوين کيان، دولة قومية، دينية، أو عرقية، وتظهر هذه الحرکات نتيجة الإحساس بالتهميش، والإهمال من طرف الجزء أو القومية التي تسيطر على تلک الدولة” ([2]).

هذا ويتمايز مفهوم الحرکات الإنفصالية عن الحرکات الاجتماعية، في أن الحرکات الإجتماعية إنما تعبر عن مطلب مشترک لجماعة من الناس الذين يعملون بشيء من الاستمرار لإحداث تغيير في بعض أو کل أوجه النظام أو الوضع السياسي القائم، وذلک في ظل تبني مجموعة من الأفکار والمباديء التي توضح عدم الرضا عن الوضع القائم، وذلک في ظل تبني مجموعة من الأفکار والمباديء التي توضح عدم الرضا عن الوضع القائم وتبرر الحاجة إلى التغيير والمستقبل الأفضل مع شرح الطريق إلى العلاج أو تحقيق مايستهدفونه.

وبالتالي، يکون المطلب الأساسي لها هو التغيير وليس الانفصال، في الوقت الذي يکون فيه المطلب الأساسي للحرکات الإنفصالية هو الإنفصال عن الدولة.

ويتضح مما سبقت الإشارة إليه، ضرورة توافر عناصر رئيسية حتى يطلق على التنظيم أنها حرکة إنفصالية، تتمثل هذه العناصر في:

1-   وجود جماعة من السکان ذات الأصل الواحد

2-   تتمايز عن السکان الأصليين للبلاد (عرقياً- دينياً- قومياً)

3-   تسعى إلى الإنفصال عن الدولة الأم وتکوين دولة مستقلة

4-   تتخذ من شتى الأعمال مايتناسب وتحقيق هدفها في الإنفصال

أما بالنسبة لمفهوم الحرکات الإنفصالية في اللغة العربية:

–   مفهوم الحرکات الإنفصالية في معجم المعاني تعني “حرکة انفصالية أرادت المس بوحدة الوطن بالإنفصال عنه، يقودها انفصالي مسخر وراءه انفصاليون. والانفصالي هو کل من دعا إلى الإنشقاق والخروج عن الوطن الأم أو جماعة عرقية أو سياسية، أو الميل عن عقيدته أو دينه”.

–   مفهوم الحرکات الإنفصالية في معجم الوسيط المعاصر تعني “حرکة يقوم بها إقليم أو أرض أو فئة عرقية للانفصال عن بلد يحويها”

هذا، وقد تتعدد الأسباب والدوافع التي تحفز الجماعات المتمايزة نحو المطالبة بالإنفصال عن الدولة، وتکوين دولة مستقلة لهم، ومن أهم هذه الأسباب: قد تکون الأسباب دينية کما حدث في اليونان الأرثوذکسية عن الدولة العثمانية المسلمة، وفي أيرلندا حيث  انفصل الکاثوليک عن البروتستانت، وفي باکستان والهند، حيث انفصل المسلمون عن الهندوس.

وقد تکون الأسباب عرقية، مثل انفصال بنجلاديش عن باکستان، وإنفصال ألبانيا عن العثمانيين، وجنوب السودان، وإنفصال إريتريا عن إثيوبيا، وتفکک دول الاتحاد السوفيتي ويوغوسلافيا. وقد ترجع أسباب المطالبة بالإنفصال لأسباب سياسية، مثل تفکک الکونغو واستقلال تايوان عن الصين وتفکک شبه الجزيرة الکورية إلى الشمالية والجنوبية، وانفصال النمسا عن ألمانيا وموناکو عن فرنسا وسانمارينو والفاتيکان عن إيطاليا.

ثانياً: السياق الاجتماعي والتاريخي لجماعة الإيغور

يتميز المجتمع الصيني بالتنوع العرقي الذي يعقبه تنوع إثني، حيث تتکون الصين من 56 قومية، وتعتبر قومية “هان Han” أکثر القوميات الصينية تعداداً وأکبرها عدداً، تمثل حوالي 92% من إجمالي عدد السکان، وتسمى القوميات الأخرى الأقليات القومية، وتوزيعها في ثلاث مجموعات تتمثل في ([3]):

–   عدد 18 قومية يتجاوز عدد سکان کل منها المليون نسمة، وتشمل هذه القوميات: تشوانج وهي تعتبر أکبرهم عدداً، حيث تصل إلى 16 مليون نسمة، تليها المانتشو، الهوي، مياو، الإيغور، توجيا، منغولين، التبت، بويي، وياو، الکوريين، وباي، وهاني، ولي، والقازاق وداي.

–   17 قومية يتراوح عدد سکان کل منها بين 100 ألف نسمة إلى مليون نسمة، وتشکل: قوميات شه، ليسو، قلاو، لاهو، ودونشغيانغ، شوي، ناشي، تشيانغ، تو، شيبوه، مولاو، القيرغيز، داوور، جينغبوه سالار، ماونان.

–   20 قومية يتراوح عدد سکان کل منها بين أقل من 10 آلاف إلى 100 ألف نسمة، وتشمل: بولانغ، الطاجيک، بومي، آتشانغ، نو، أوينک، جينغ، جينوه، دآنغ، الأوزبک،، الروس، يويقو، باوآن، نبا، ألونتشون، دولونغ، التتار، ختشه، قاوشان. وتعتبر قومية لوبا هي القومية الأقل تعداداً ويبلغ عدد سکانها 2965 نسمة فقط.

وقد شهد عام 651 بداية دخول الإسلام في الصين ([4])، وذلک عندما بعث ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان رضي الله عنه، مبعوثاً إلى مدينة تشانغان “عاصمة الصين آنذاک”، حيث إلتقى المبعوث الإمبراطور الصيني، وشمله بأحوال دولة الخلافة وأحوال الإسلام وعادات المسلمين. ومن هنا کانت بداية وصول الإسلام إلى الصين من بلاد آسيا الوسطى ومن خلال التجار العرب والدبلوماسيين الذين أقاموا في أماکن مختلفة بالصين، وأطلق عليهم “المقيمون في تانغ” ([5]).

ومع توالي السنوات تزايد أعداد المسلمين في الصين بشکل کبير، وماتبعه من انتشار الإسلام في مختلف أنحاء الصين. ففي عهد أسرة “يوان”، والذي يقع بين عامي 1206، 1368، وهي الأسرة التي أسسها قوبلاي خان حفيد جنکيز خان، ازداد عدد مسلمي الصين بسرعة، وشهد الاسلام تطوراً سريعاً في البلاد بسبب مکانتهم الرفيعة. وفي الفترة 1368، 1644، وأثناء حکم أسرة “مينغ” شهد الإسلام في الصين تطوراً مستمراً، وزيادة في أعداد المسلمين أيضاً ([6]).

هذا، وقد کان من بين الجماعات التي اعتنقت الإسلام جماعة الإيغور التي کانت تعيش في منغوليا، وقد وصلوا إلى من منطقة تسمى “ترکستان الشرقية” في الشمال الغربي للصين والتي أطلق عليها الحزب الشيوعي الصيني الحاکم في عام 1955 إسم إقليم “سينجيانج”، وهو الإقليم الذي يقع بين منغوليا وکازخستان، وأجزائه الجنوبية تتصل مع کل من: قيرغستان، طاجکستان، أفغانستان، باکستان، والهند، وبالتالي فهو يعتبر بوابة الصين لوسط آسيا. ويعتبر هذا الإقليم أکبر وحدة إدارية في الصين ويمثل سدس إجمالي مساحة الدولة. ويضم الإقليم أکثر من (40) جماعة عرقية، وتعتبر جماعة الإيغور هي الأکبر بين هذه الجماعات، تليها جماعة الهان المسلمة الصينية، بالإضافة إلى جماعة “هوي” Hui الصينية المسلمة أيضاً.

تقدر مساحة إقليم سينجيانج بحوالي (1.65) مليون کم2، ويبلغ عدد سکانها 21.81 مليون نسمة، والمسلمون بهذا الإقليم يتجاوز عددهم 13 مليون نسمة أغلبيتهم من الإيغور الذين يشکلون 9 مليون نسمة ([7]). بالإضافة إلى جماعات من: الکازاک، القرغيز، التتار، والأوزبک. اللغة المستعملة لدى الإيغور هي اللغة الإيغورية التي تنحدر من اللغة الترکية ويستعملون الحروف العربية في کتابتها. وقد کان لدى الإيغور مملکة منغوليا عام 744، غير أنها تفککت مع الغزو القيرغيزيإلى قسمين: شرقي متمثل في مملکة “کانشو” Kanchow والتي تعرف اليوم بإقليم “جانسو” Gansu. أما بالنسبة للقسم الغربي وهو المعروف بإسم مملکة “کاراکوجا” Karakhoja والمعروف اليوم بإقليم Turpan أو إقليم سينجيانج ([8]).

هذه الجماعة من السکان أصبحوا تحت السلطة المنغولية التي سيطرت على وسط آسيا عام 1220، وفي ظل هذا الحکم المنغولي انقسمت وسط آسيا إلى ترکستان الغربية المعروفة اليوم بقيرغيزستان وطاجيکستان، وترکستان الشرقية المعروف بإقليم سينجيانج، وقد نالت مملکة شرق ترکستان استقلالها عن هذا الحکم المنغولي بعد ثماني سنوات من غزو امبراطورية “مانشو” وأسست ترکستان الشرقية في 18 نوفمبر 1884 ([9]). هذا، وتعني ترکستان “أرض الترک” وهو مايعني إسلامية الإقليم.

هذا، وفي أعقاب تاريخ تأسيس إقليم ترکستان الشرقية، بدأت تتأسس وتتشکل فکرة القومية الإيغورية التي کان للإسلام الدور الأکبر في تأسيسها، بل والدور المحوري في الحفاظ على موروثهم الثقافي وعاداتهم التاريخية. فقد کان الإيغور يعتنقون عدداً من الديانات على غرار البوذية والمسيحية (النصطورية) والزرادشتية إلى حدود القرن العاشر الميلادي ثم دخلوا في الإسلام ويتوزعون اليوم على أغلبية سنية حنفية وأقلية شيعية.

وقد أثرى الإيغور التراث الثقافي الصيني بعدد من المؤلفات والکتب والموسيقى والفنون لعل أبرزها الألعاب البهلوانية التي برع فيها الصينيون.

 ثالثاً: أهمية إقليم سينجيانج بالنسبة للصين

يمثل إقليم سينجيانج –ذو الحکم الذاتي- حوالي 6/1 مساحة الصين، ويبلغ عدد سکانها حوالي 1.5 من جملة سکان البلاد ([10]). ويعتبر الإقليم من الأقاليم الحيوية بالنسبة للصين، حيث تترکز أهميته في أهمية استراتيجية وأخرى اقتصادية.

(1)  الأهمية الاستراتيجية للإقليم:

يقع إقليم سينجيانج –ترکستان الشرقية- في الشمال الغربي للصين حيث وسط آسيا، ويطلق عليه “مرکز البر الآسيوأوروبي” في نقطة مرکزية تبدأ من شبه جزيرة کمشتکا بالطرف الشرقي لآسيا إلى شبه جزيرة “إيبيريا” بالجبهة الغربية لأوروبا، ومن جزيرتي “سومطره وبورنيو” في الجنوب من آسيا، إلى جزيرة “سبتسبرجن” الواقعة في النهاية الشمالية لأوروبا. وهو بذلک يحتل مکانة متميزة تربط الصين وأوراسيا ودول العالم شرقه وغربه ([11]). هذا الموقع الذي تميزت به ترکستان الشرقية دفع الصين على مر العصور للسيطرة عليه من منطلق الدفاع عن منغوليا الداخلية التي يمثل الدفاع عنها أهمية لحماية بکين. کما ويعد السيطرة على هذا الإقليم سيطرة على طرق الاتصال الهامة بين الصين وأوراسيا والشرق الأوسط، والتي کان يمر بها مايسمى طريق الحرير القديم الذي کانت تعبره الجيوش من وسط آسيا إلى الصين، ويعتبر من أهم الطرق لنقل البضائع التجارية ([12]).

أما بالنسبة لمساحة الإقليم، فتبلغ حوالي (1.710.45) کيلو متر مربع، وهي بذلک تمثل 6/1 مساحة الصين التي تبلغ (9.6) مليون کم2. هذا الوضع الجغرافي والسکاني بالإضافة إلى الثروات المعدنية جعل منها مکانة هامة بالنسبة للصين خاصةً في برنامجها النووي، إذ تستخلص اليورانيوم في عدد من المعامل التي أنشأتها في هذا الإقليم ([13]). أضف إلى ذلک، فإن الإقليم يعتبر مکاناً حيوياً لإجراء التجارب النووية الصينية في صحراء “تاکلا مکان” والتي تکون بعيدة عن التجمعات السکانية ([14]).

وترجع أيضاً أهمية الإقليم في کونه منطقة وقائية من الأخطار الخارجية. بمعنى ان الصين بسيطرتها على هذا الإقليم إنما توجد مجالاً عسکرياً محاذً لکل من: أفغانستان، باکستان، کازخستان، منغوليا، قيرغيزستان، طاجکستان، وروسيا ([15]).

(2)  الأهمية الاقتصادية للإقليم

أما بالنسبة للأهمية الاقتصادية للإقليم، فيتميز إقليم سينجيانج بالتنوع الکبير في الموارد والثروات، ويعتبر هذا التنوع والوفرة أحد أهم الأسباب التي تدفع الصين إلى التمسک به من ضمن حدودها الجغرافية. حيث يتمتع الإقليم بالموارد المعدنية الطبيعية من اليورانيوم، الذهب، والبترول. کما يعتبر من أکبر الأقاليم المنتجة للغاز الطبيعي في الصين وثالث أکبر منتجي النفط في المنطقة. فهذا الإقليم يحتوي على مايقرب من 6 مناجم لليورانيوم، احتياطي نفطي يقدر 8.2 تريليون طن ([16]). تزداد أهمية الإقليم في مجال انتاج النفط والاحتياطات الخاصة به، ويمثل أکثر مسارات العبور أهمية للنفط والغاز. بمعنى أن السيطرة على هذا الإقليم يمثل أمراً ضرورياً لأمن الصين ([17]).

کما ويعتبر الإقليم من أهم الأقاليم ذات الأولوية في الاستثمار لدى شرکتي الصين للبتروکيماويات وشرکة البترول الوطنية الصينية، حيث يمثل الإقليم بالنسبة للصين أکبر مراکز انتاج الغاز الطبيعي، وثاني أکبر مراکز إنتاج النفط.

 رابعاً: سياسات الصين تجاه الإيغور

مثلت الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية التي يتمتع بها إقليم سينجيانج عاملاً مؤثراً في اهتمام الصين بهذا الإقليم، واتباع الحزب الشيوعي الحاکم عدد من السياسات تجاه الأقلية الإيغورية المسلمة فيه للسيطرة عليه. کان من بين نتاج هذه السياسات نشوب عدد من أعمال العنف الطائفي التي تطورت ووصلت إلى مطالبة جماعة الإيغور بالإنفصال عن الدولة.

ومما لاشک فيه من وجود علاقة ارتباطية بين سياسات الدولة في إدارة التعدد العرقي وأعمال العنف الطائفي التي قد تصدر من هذه العرقيات. فکلما وضعت الدولة سياسات استيعابية ونجحت في تعبئة الموارد العامة واستخدامها في حفظ الاستقرار، کلما استطاعت تجنب نشوب الصراعات وأعمال العنف الطائفي التي قد تتطور لتصل لدرجة المطالبة بالإنفصال عن الدولة الأم نفسها. وفي إطار إدارة التعددية العرقية، تتباين أساليب الدول مابين وضع استراتيجيات إدارة التعدد العرقي، ووضع سياسات لإزالة أسباب الخلافاتت والصراعات العرقية.

وفيما يلي توضح الباحثة عدد من هذه الأساليب بصفة عامة، ثم تنتقل إلى عدد من الاستراتيجيات التي تبنتها بکين إزاء جماعة الإيغور.

(1)    استراتيجية إدارة التعدد العرقي:

تتعدد الاستراتيجيات التي تتبعها الدولة في إدارتها للمجتمع المتعدد عرقياً إلى ([18]):

أ‌-   استراتيجية هيمنة الدولة، والمتمثلة في بناء مؤسسات ذات تحکم حکومي کفؤ، وفي الوقت نفسه إقامة مايضمن حماية الأقليات. أي أن الدولة تتخذ من الاجراءات مايجعل من إمکانية قيام الجماعات العرقية بالنضال والصراع العلني العنيف أمراً لا يمکن التفکير فيه أو القيام به في الأساس. وفي إطار تحقيق استراتيجية الهيمنة، تتبع الدولة ثلاث آليات أساسية: الأولى: تتمثل في ألية اخضاع قسرية تؤکد فيها على حق الجماعة الحاکمة (الأغلبية) في تقرير مستقبل البلاد واخضاع الأقلية لهذا الحق دون تقديم أية تنازلات لهم –الأقلية-. الألية الثانية: تتمثل في عزل الجماعات العرقية إما بمنح الحکم الذاتي أو التقسيم الواقعي. الألية الثالثة: والتي تکون بالإجتناب من خلال تطويق واحتواء الصراع العرقي عن طريق عدم المواجهة المباشرة مع الجماعات.

ب‌-   الاستراتيجية الفيدرالية أو الکميزنات العرقية. وهي تعتبر أحد الاستراتيجيات التي تستند عليها الدولة لإدارة التعدد العرقي وفض الاشتباکات التي قد تنشب بين العرقيات وبعضها البعض، أو بين العرقيات والسلطة المرکزية للدولة نفسها. وذلک من خلال توزيع السلطات عن طريق تقسيم الحيز الإقليمي إلى ولايات أو مقاطعات ويتمتع کل منها بقدر مماثل من السلطة. أما بالنسبة للکميونات العرقية في إقامة أقاليم تتمتع بالسلطة وشکل من أشکال السيادة المحدودة ذات الاتصال مع الحکومة المرکزية.

ت‌-   استراتيجية الديمقراطية التوافقية وتقاسم السلطة. والتي تتمثل في قبول التعددية العرقية وکفالة الحقوق والحريات والهويات لکل هذه الجماعات، وتکوين مؤسسات سياسية واجتماعية معنية بشئون هذه الجماعات العرقية.

1)       سياسات إزالة أسباب الخلافات والصراعات العرقية ([19]):

تتباين السياسات التي تتبعها الدولة لمواجهة الخلافات والصراعات التي قد تنشب بين عرقياتها المتمايزة بين أربعة سياسات، تتمثل في:

أ‌-   سياسة الإبادة الجماعية المتمثلة في عمليات القتل المنظم لجماعة عرقية معينة أو تدمير هذه الجماعة بشکل غير مباشر من خلال القضاء على المقومات التي تسمح بإعادة نموها وتکوينها بيولوجياً واجتماعياً.

ب‌-    سياسات النقل الاجباري للسکان، ويقصد بها نقل الجماعة العرقية من موطنها الأصلي إلى مکان أخر.

ت‌-  سياسات منح تقرير المصير إما بالتقسيم أو الانفصال: وهي تعتبر من أکثر السياسات المتبعة لإزالة الخلافات أو الصراعات العرقية المحتدمة. وذلک من خلال منحها حق تقرير مصيرها ووضعها السياسي داخلياً وخارجياً. وتعتبر هذه السياسة من أخطر السياسات على الرغم من قانونيتها وشرعيتها، ذلک لما يترتب عليها من نقل هذه التجربة إلى الجماعات العرقية في البلاد شتى، وخلق دول مبنية على الأساس العرقي.

ث‌-   سياسات الاندماج والاستيعاب، وتستخدم لخلق هوية وطنية جديدة مشترکة للمجتمع والدولة وصهر هذه الجماعات العرقية المتباينة في بوتقة واحدة کما في الحالة الماليزية –على سبيل المثال لا الحصر-.

هذا، أما بالنسبة لأهم الاستراتيجيات التي تبنتها بکين في إدارتها للمجتمع ذو التعدد العرقي، خاصة في إقليم سينجيانج، فمن الملاحظ وجود عوامل أثرت في الفکر الصيني ورؤية بکين لهذه الأقليات، وبالتالي کان لها أکبر الأثر في ملامح السياسات التي اتبعت إزاء الأقليات، تمثلت هذه العوامل في:

(1)  فکرة الدولة الحضاريةCivilization State، والتي تؤکد إمکانية استيعاب القوميات المختلفة دون إثارة مسألة تقرير المصير، وبالتالي محدودية فکرة منح الحکم الذاتي وذلک لبناء أمة قوية وقوة عظمى ترفض کافة أشکال ومطالب الانفصال ([20]).

(2)  مباديء المارکسية اللينينية، والتي ترى أن الجماعة العرقية هي جماعة من البشر تتشارک في التاريخ، عوامل الانتاج، لغة واحدة، ثقافة واحدة، وعرف واحد ([21]). وأن الحکم الذاتي القومي الممنوح للأقليات إنما يعني، أن الأقليات القومية تمنح الحکم الذاتي تحت القيادة الموحدة للدولة، ولها أن تمارسه في المناطق التي تترکز فيها هذه الأقليات. وأن الحکم الذاتي القومي إنما هو تجسيد للاحترام الکامل للدولة وضمانها لحق الأقليات القومية في إدارة شئونها الداخلية ودعمها لمباديء الوحدة والمساواة والازدهار لکافة القوميات ([22]).

هذا، ومن خلال هذه العوامل المؤثرة في الفکر الصيني تجاه التعدد العرقي والأقليات، تشکلت سياسات الصين في اجاهين أساسيين: تمثل الأول في وضع سياسات قمعية عنيفة Repressive Policies، والثاني في الأخذ بالسياسات الإصلاحية التنموية التي حاولت من خلالها النهوض الاقتصادي بمستوى إقليم ترکستان الشرقية. وفيما يلي تتناول الباحثة هاذين الاسلوبين بالتفصيل تجاه جماعة الإيغور.

(1)    السياسات العنيفة التي اتبعتها بکين تجاه جماعة الإيغور:

شهد عام 1944 اندلاع ثورة في منطقة وادي إيلي بشمال ترکستان الشرقية، أعلن على أثرها قيام الجمهورية، غير أنه نتيجة للضغوط السرفيتية أضطر زعماء الثورة للدخول في مفاوضات مع حکومة الصين، أسفرت هذه المفاوضات عن تشکيل حکومة إئتلافية تضم ممثلين عن جمهورية ترکستان وممثلين عن حکومة الصين منحت على أثره ترکستان حکماً ذاتياً کان مقابل تنازل زعماء الثورة عن إعلان الاستقلال عن الصين مع سيطرة الحکومة المرکزية للصين على الشئون العسکرية والخارجية.

غير أنه مع سيطرة الحزب الشيوعي الصيني على مقاليد السلطة في البلاد عام 1949 –وحتى مجيئه إلى سدة الحکم- وقد تبنى عدد من الرؤى للتعامل مع مسألة الأقليات العرقية، يمکن تناولها من خلال الفترات الزمنية التالية ([23]):

أ‌-  في العام 1930 وفي أثناء المؤتمر الأول لعموم الصين السوفيتية صدر قرار بمنح الحق في تقرير المصير –إما بالإنفصال عن الصين أو الالتحاق بالإتحاد السوفيتي أو تشکيل منطقة حکم ذاتي داخل الصين- للمناطق ذات الأغلبية السکانية من غير الصينيين کما في منغوليا –التبت- ترکستان الشرقية.

ب‌- إلا أن الحزب الشيوعي الصيني وعلى لسان رئيسه “ماوتسي تونج” أعلن في عام 1945 عن ضرورة المطالبة بمعاملة أفضل للأقليات، وأن هذه الأقليات لها من الحق مايمنحها تشکيل اتحاد مع الصينيين من عرق “الهان”، ولم يتطرق إلى فکرة تقرير المصير التي کان قد أعلن عنها من قبل.

ت‌-  تغيرت بدرجة أکبر سياسات الحزب الشيوعي الحاکم تجاه الأقليات – تحديداً- جماعة الإيغور السکان الأصليين لترکستان الشرقية –سينجيانج- وأعلن في عام 1947 عن تبنيه لسياسة الحکم الذاتي المحلي داخل الصين الموحدة. ويرجع السبب وراء تغير سياسة “ماو” تجاه حق تقرير المصير ثم منح الحکم الذاتي داخل الصين الموحدة، هو محاولته کسب تعاطف وتأييد الأقليات في حربه ضد الغزو الياباني. وفي أعقاب انتهاء التهديد الياباني، رجع “ماو” عن وعوده السابقة مستخدماً بذلک أسلوب وفکر “لينين” الذي أتخذه لکسب التأييد للثورة البلشفية بالإعلان عن منح حق تقرير المصير للمستعمرات داخل الامبراطورية الروسية دون نية الوفاء بهذه الوعود.

ث‌-  في العام 1949 أجاز “المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني” البرنامج المشترک The Common Program Promulgated –وهو ماکان يمثل دستور مؤقت لجمهورية الصين- والذي أکد فيه على أن الحکم الذاتي الإقليمي القومي هو مبدأ وسياسة أساسية للصين. کما وضع عدداً من الحقوق للأقليات والتي جاءت في المواد: 50-51-53 ([24]).

ج‌- تم منح الحکم الذاتي للإقليم بعد مرور 6سنوات من سيطرة الحزب الشيوعي على مقاليد البلاد في عام 1955. وتأسست منطقة “سينجيانج الإيغورية ذات الحکم الذاتي القومي Xinjiang Uyghur Autonomous Region”، وکان أول مرة يطلق على ترکستان الشرقية اسم سينجيانج عام 1881 في أعقاب انهيار حکم يعقوب بک في ترکستان الشرقية. وسينجيانج تعني باللغة الصينية “الأرض الجديدة”.

ح‌- في عام 1954 ومع صدور الدستور الأول لجمهورية الصين الشعبية، تم الإعلان في مادته الثالثة، أن جمهورية الصين الشعبية دولة متعددة القوميات وأن الحکم الذاتي يطبق في مناطق تمرکز الأقليات القومية.

(2) سياسة تهجير السکان من عرق “الهان” لسکن إقليم ترکستان الشرقية:

في إطار مفهوم ورؤية الحزب الشيوعي الصيني لمفهوم القومية والدولة الحضارية واعتبار أي مجموعة عرقية لا تنتيم إلى أغلبية “الهان” تصنف على أنها أقلية عرقية National Minority، وأن کافة الأقليات القومية والعرقية داخل الصين يعتبرون أعضاء في الشعب الصيني وليسوا غرباء عنه، حتى الشعوب الأجنبية التي حکمت الصين خلال فترات التاريخ يتم النظر إليهم على أنهم أقليات قومية يتمون منها الشعب الصيني. هذه الرؤية تنطلق من نظرة بکين للدولة الصينية على أنها حضارة وليست أمة، تطورت هذه الفکرة وترسخت في الفکر الثقافي الصيني وساعدت في وضع عدد من السياسات الإستيعابية Assimilation Policy ([25]) للهويات المحلية ومحاولة دمجها في الهوية الصينية، وهو ماعکس بصورة جلية السياسة الإمبريالية الصينية لإقليم ترکستان الشرقية.

کان من بين هذه السياسات الإمبريالية التي اتبعها الحزب الشيوعي الحاکم ضد الأقليات بصفة عامة، وجماعة الإيغور من سکان ترکستان الشرقية بصفة خاصة، سياسة تهجير جماعة “الهان” لسکن مدن ترکستان الشرقية وخفض نسب الإيغور فيها. وقد ساق الحزب الشيوعي عدد من المبررات والدوافع لاتباع هذه السياسة کان من بينها ([26]):-

1-    نتيجة لما يتمتع به الإقليم من ثروات طبيعية بکميات کبيرة، فإن عدد السکان المحليين غير کافية لاستخراج هذه الثروات وهناک احتياج لمهاجرين يساعدون في اکتشاف واستخراج هذه الثروات للاستفادة منها، بالإضافة إلى احتياج الإقليم لعدد من الفنيين المهرة من عرق “الهان” للعمل في البناء والصناعات واستصلاح الأراضي.

2-  تخفيف العبء السکاني في المناطق المزدحمة ونقلهم إلى المناطق الأقل کثافة.

3-  دمج الأقليات من جماعة الإيغور داخل المجتمع الصيني وثقافة الهان.

4-  زيادة أعداد الصينيين من عرق “الهان” مقارنة بأعداد الإيغور ذوي الأصول الترکية.

5-    التأمين العسکري لمناطق الحدود من منطلق عدم التأکد الصيني من ولاء هذه الأقليات العرقية، وبالتالي يکون زيادة أعداد السکان من عرق “الهان” في الإقليم سيأمن من إمکانية مواجهة أية تهديدات ونزعات للإنفصال.

هذه الدوافع والمبررات لاتباع سياسات التهجير لعرق الهان، إنما تمثل أهدافاً دفاعية واقتصادية وسياسية للحزب الشيوعي الصيني واستيعابهم في الإقليم، کان من بين هذه الوسائل: توفير المساکن والأراضي للمهاجرين الجدد مع توفير فرص عمل لهم، ومنحهم الأولوية في التوظيف، تطوير وسائل النقل ومد خطوط السکک الحديدية داخل الإقليم.

أضف إلى ذلک، فقد أسس الحزب الشيوعي مايسمى فرق الإنتاج والبناء في إقليم سينجيانج (XPCC) Xinjiang Production and Construction Corps ويطلق عليها أيضاً (بنجتوان Bintuan) وترجع بداياتها إلى عام 1954 والتي خصصت من خلالها الحکومة أکثر من (100.000) من العسکريين لإستصلاح وزراعة المناطق الحدودية، وبالتالي تحويلهم من قوة عسکرية إلى قوة مدنية. وهي بذلک تحقق هدفين في آن واحد، هدف التواجد العسکري وتحقيق الأمن للإقليم، وهدف اقتصادي في تنميته مع إحکام السيطرة عليه ([27]).

هذا، وقد شکلت (البنجتوان) العنصر الثالث في السيطرة وإدارة إقليم ترکستان الشرقية “سينجيانج” مع کلاً من سلطة إدارة المقاطعة وجيش التحرير الشعبي. حيث تقوم هذه الفرق بجانب عمليات الإنتاج، بتخطيط وتنفيذ عمليات تهجير الصينيين “الهان” وتوفير فرص عمل لهم، کما تقوم بتدريبهم على فنون القتال.

هذا، ولالإضافة إلى هذه السياسات القسرية التي اتبعها الحزب الشيوعي تجاه جماعة الإيغور من سکان إقليم ترکستان الشرقية، فقد اتخذ –ايضاً- عدداً من الإجراءات التعسفية ضدهم خاصةً ابان فترة الثورة الثقافية (1966- 1976) والتي کان من بينها ([28]):

1- اهانة العلمءا والتعرض للرموز الدينية من رجال الدين مع إجبارهم على الادلاء بتصريحات تتعارض ومباديء الشريعة الإسلامية مع اعتقال العديد منهم.

2-  تفتيش البيوت وجمع الکتب الدينية منها.

3-  إلغاء الأعياد الاسلامية وأجازة يوم الجمعة، مع منع الأهالي من أداء سائر الشعائر الدينية.

غير أنه في أعقاب انتهاء الثورة الثقافية، وابان فترة السبعينيات والثمانينيات ودخول الصين فترة الانفتاح، فقد خفت حدة الضغوط والانتهاکات الدينية التي مورست ضد مسلمي الإيغور، وتم السماح لهم بممارسة الشعائر الدينية وإعادة بناء عدد من المساجد التي هدمت ابات الثورة الثقافية، وهو ماترتب عليه ظهور صحوة دينية في الإقليم خلال فترة التسعينيات دفعت بالسلطات الصينية إلى ممارسة سياسة التقييد للأنشطة الدينية مثل: إغلاق عدد من المساجد، الحظر على موظفي الدوائر الحکومية من ممارسة الشعائر الدينية، إغلاق اعداد کبيرة من المدارس الدينية ومدارس تحفيظ القرآن. هذه الممارسات اتبعتها الصين خشية أن يصبح الإسلام مصدراً لدعم تطلعات الإيغور في المطالبة بالإنفصال ([29]). وهو ماأشارت إليه (منظمة مراقبة حقوق الانسان) في عام 2002 أن السلطات الصينية تتبنى سياسات رقابية على عادات المسلمين الترکستانيين في أمورهم الحياتية ([30]).

(3)  اطلاق مسمى “الجماعات الإرهابية” على جماعات الإيغور:

مثلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 علامة فارقة في ملامح واسلوب تناول الصين لأعمال المقاومة التي صدرت عن جماعة الإيغور. فبعد أن کانت تتبنى بکين أسلوب التعتيم والکتمان على أعمال العنف الطائفي بين جماعة الإيغور والصينيين من عرق “الهان”، أصبحت وسائل الاعلام تتناول هذه الموضوعات بصراحة وعلنية أکبر من ذي قبل. واستغلت بکين الحرب العالمية على الارهاب والدعم الأمريکي للدول التي تحارب الارهاب، وأعلنت نفسها تواجه الارهاب بالمثل کما الولايات المتحدة الأمريکية، ثم اتبعت اسلوب اطلاق مسمى العمليات الارهابية على أي من أعمال العنف والشغب التي قد تحدث في الإقليم ([31]). وفي إطار ما ترتب على أحداث 2001، فقد أعلنت أن جماعات الإيغور هي جماعات إرهابية لها صلات عدة مع تنظيم القاعدة، بل ويحصل أفراد مسلمين من هذه الجماعة على تدريبات عسکرية في أفغانستان. بالإضافة إلى اتباع بکين لسياسات تعسفية مع مسلمي الإيغور تمثلت في منع ممارسة أي من الشعائر الدينية کمنع الصيام في شهر رمضان وغلق المساجد ([32]).

أضف إلى ذلک، فقد أعادت الصين اطلاق مصطلحات جديدة على ما کانت تسميهم “القوميين الإيغوريين” Nationalists، و”مواجهة الثوريين” Counter Revolutionaries بمصطلحات جديدة کالمتطرفين الدينيين والارهابيين Religious Extremism، وذلک لإصباغ هذه الجماعات بصبغة التطرف الديني أکثر من کونها حرکات قومية ([33])، وهذا ما ترتب عليه مزيد من العنف والتطرف من قبل هذه الجماعات.

وفي عام 2002 أصدر المکتب الاعلامي التابع لمجلس الدولة وثيقة تعتبر من أهم الوثائق الرسمية التي تصدر عن الحکومة، وقد أطلقت على هذه الوثيقة مسمى “قوات جماعة شرق ترکستان الارهابية لن تستطيع الفرار من العقاب” East Turkistan Terrorism forces cannot get away with impunity. وترجع أهمية الوثيقة لما أعلنت فيه الصين عن حجم أعمال العنف التي تواجهها في إقليم سينجيانج من قبل جماعة الإيغور، بالإضافة إلى أنها تمثل المرة الأولى التي تنشر فيها حکومة بکين اعلان رسمي عن عمليات العنف والشغب التي تواجهها، کما أن الوثيقة تحمل فيها بکين جماعة شرق ترکستان المسئولية عن أعمال العنف. بالإضافة إلى احتواء الوثيقة على أکثر من 200 حادث عنف شهدته البلاد خلال فترة التسعينيات، وتعتبر الوثيقة أو مرة تطلق فيها بکين مصطلح العمليات الارهابية على عمليات عنف لم تکن تطقل عليها من قبل هذا المصطلح ([34]).

(4) اتباع سياسات تنموية تجاه إقليم سينجيانج:

اهتمت حکومة بکين بإستغلال الموارد الطبيعية التي يتمتع بها إقليم سينجيانج، والاستثمار في مصادر التعدين وسد الفجوة في المستوى الاقتصادي بين سکان الإقليم وغيره من المدن الشرقية الأخرى. ذلک من خلال وضع عدد من الخطط التنموية يمکن تناولها فيما يلي:

أ‌) اهتمت الصين بتحقيق التنمية في إقليم سينجيانج من خلال وضع عدد من المشروعات التي کان من بينها مشروع التنمية الغربي Xibu Da Kaifa والذي أعلنت عنه الحکومة في يونيو 1999 والذي يشتمل على انشاء شبکة طرق ومطارات وعدد من أنابيب الغاز الطبيعي التي تربط الإقليم بإقليم شنغهاي، حيث تصل المسافة إلى مايقرب من 2.500 ميل. وفي إطار هذا المشروع يتم طرح عدد من فرص العمل غير أن السکان من عرق الهان هم المسيطرون عليه وهو ما يخلق مزيد من التوتر بين الهان والإيغور ([35]).

ب‌) في إطار هذه المشاريع التنموية، عمل الحزب الشيوعي الحاکم على تقديم عدد من المنح والميزات لجماعة الهان المسلمة الصينية على حساب جماعة الإيغور، تمثلت هذه الميزات في الحصول على فرص العمل وفرص الوصول إلى المناصب السياسية في الإقليم، في مقابل إهمال الحکومة لجماعة الإيغور وعدم تمکينهم من تقلد المناصب السياسية أو الاقتصادية في الإقليم من خلال وضع عدد من العراقيل والقيود عليهم لتقلد المناصب السياسية، وهو ماحفز جماعة الإيغور إلى تقديم عدد من الشکاوى وتنظيم عدد من المظاهرات داخل الإقليم ([36]).

هذه السياسات التي انتهجتها حکومة بکين منذ خمسينيات القرن المنصرم ازاء جماعة الإيغور والتي کانت تحاول من خلالها تحقيق أمنها الاقتصادي والثقافي على حساب جماعة الإيغور، إنما أدت إلى توليد عدد من أعمال العنف والتخريب المدني والسياسي الذي هدد من أمن الدولة نفسها. فتخوف حکومة بکين من تزايد التواجد الإيغوري في الإقليم ودفعها لانتهاج سياسة احلال عرق الهان محل عرق الإيغور هو مادفع إلى نشوب التوترات بين الهان والإيغور. فالعنف يتغذى على الانتهاکات التي تعرض لها الشعب الإيغوري، وبالتالي تحولت الشکاوى والمظاهرات من داخل الإقليم إلى أعمال شغب انتشرت في البلاد متخذة أشکال جهادية من خلال العمليات الانتحارية والقتل العشوائي للمدنيين.

ساعد على زيادة حدة التوترات وأعمال العنف في البلاد من قبل جماعة الإيغور، ماقامت به حکومة بکين من تجارب لأنشطة نووية ف يالإقليم في صحراء “تکلا مکان” في نوفمبر 1985 ([37]).

ووصلت حدة العنف والتطرف في البلاد إلى أحداث عام 2009 والتي راح ضحيتها أکثر من 200 شخص، بالإضافة إلى عدد من المصابين والجرحى، وکانت هذه الأحداث ماهي إلا نتاج لسياسات حکومة بکين التي تمثلت في ([38]):

1) التضييق على الممارسات الدينية والثقافية لغير الهان.

2) الملاحقات الأمنية من سجن واعتقالات ومداهمات لمنازل الإيغور بصفة شبه دورية بالأخص في المدن الکبرى کأورومتشجي العاصمة، وکاشغجر.

3) تدني الأوضاع الاقتصادية لسکان الإقليم من الأتراک المسلمين رغم غنى الإقليم بالثروات، في حين يتمتع الهان بأغلب وأفضل فرص العمل. کما تستنزف ثرواته وموارده بإفراط وتوجه لداخل الصين دون عائد يذکر على مسلمي ترکستان. فضلاً عن تدهور الأوضاع البيئية والصحية وانتشار الأمراض الخطيرة وتعاطي المخدرات.

4) استمرار عمليات التدمير لمساکن الإيغور والأماکن التاريخية بمدينة کاشغجر بحجة تطوير المدينة وإقامة مساکن حديثة –يقطن فيها الهان المهاجرين من داخل الصين إلى الإقليم- رغم اعتراض سکان المدينة الأتراک.

أضف إلى هذه السياسات التي اتبعها الحزب الشيوعي الصيني إزاء جماعة الإيغور، وفي إطار مواجهته لما سماه ” حرکات التطرف الديني والارهاب” من قبل جماعة الإيغور، فقد منحت بکين عدد من الصلاحيات الواسعة لقوات جيش التحرير الوطني ازاء أي من أعمال العنف أو التهديد التي قد تصدر من قبل جماعة الإيغور. فقد نجحت بکين في أغسطس 2009 من اصدار قانون لمواجهة أعمال الشغب والعنف والارهاب، يتکون من (7) فصول بمحتوى (38) مادة تشتمل على موضوعات متعلقة بالأحکام العامة والواجبات الرسمية والالتزامات والحقوق والضمانات والرقابة والتفتيش والمسئولية القانونية.

وکان من بين المهام الدفاعية والأمنية الممنوحة لقوات الشرطة المسلحة الشعبية بموجب هذا القانون مايلي ([39]):

1-     تأمين المنشأت والمؤسسات والاهداف الرئيسية للدولة

2-     الدفاع عن المرافق الأساسية للدولة ومصادر المياه وشبکات الري ومرافق الطاقة الکهربائية ومراکز الاتصالات

3-     الدفاع المسلح عن الجسور والطرق الرئيسية للاتصال

4-     الحراسات الأمنية المشددة للسجون ومراکز الاحتجاز

5-     انتشار الدوريات المسلحة والتي تکون تحت ادراة السلطة المرکزية للحکومة

6-  مساعدة الأجهزة الأمنية: کأجهزة أمن الدولة والاجهزة القضائية والادارية والنيابية في تنفيذ مهام الاعتقال والمطاردة والترحيل وفقاً للقواعد القانونية.

7-  التعامل مع حرکات التمرد والعصيان والأعمال الاجرامية العنيفة والخطيرة والهجمات الارهابية وغيرها من العمليات المتعلقة بالسلامة الاجتماعية.

8-     بالإضافة إلى غيرها من المهام الأمنية المتعلقة بأمن البلاد

بموجب هذا القانون، دفعت الصين بعدد من قوات جيش التحرير الشعبي وصلت إلى 60.000 جندي في الإقليم، وهو مايعني بمعدل جندي في کل 40کم2 ([40])، زاد هذا العدد في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر ليصل إلى 100.000 جندي في إقليم سينجيانج.

وفي إطار تطبيق حکومة بکين لهذا القانون، رصدت کلاً من منظمة مراقبة حقوق الانسان “هيومان رايتس وواتش” ومنظمة العفو الدولية في تقريرهما الصادر في 13 يناير 2011 بعنوان “عدم الوفاء بالوعود” إلى مايلي ([41]):

–    امتناع السلطات الصينية عن إجراء تحقيقات مستقلة عن أحداث أورومتشجي 5/7/2009 وصدور أحکام بالسجن ضد الإيغور بعد محاکمات جائرة.

–    الاختفاء القسري للعشرات من مسلمي الإيغور من الرجال والصبية عقب أحداث يوليو 2009، بالإضافة لوجود آلاف النزلاء في سجون سرية غير قانونية معروفة باسم “السجون السوداء”.

–         تشديد التدابير الأمنية داخل الإقليم.

–    التضييق على حرية التعبير عن الرأي واعتقال العديد من النشطاء الإيغور ومديري المواقع الإلکترونية، وصدور أحکام بالسجن ضدهم تتراوح من ثلاث إلى خمس سنوات أو السجن المؤبد بتهمة نشر مواد تضر بالأمن.

–         استمرار سياسة التعليم الموجه لدعم العوية الشيوعية وتهميش الهوية الدينية والثقافية للأقلية المسلمة في الإقليم.

–         واستمرار السلطات الصينية دون هوادة في سياسة استخدام اللغة الصينية بصفتها لغة التعليم الرئيسية وتهميش استخدام اللغة الإيغورية وغيرها من اللغات الترکية حتى في مدارس الأقليات.

هذا، بالإضافة إلى التقارير التي أصدرتها المنظمتين في عام 2016 عن عدد من أحداث العنف والشغب التي واجهتها حکومة بکين حيث قتلت واعتقلق على أثرها عدد کبير من الإيغور لاشتراکهم في أعمال وممارسات ارهابية في البلاد ([42]).

هذا الاختلاف بين السياسة والتطبيق، والقمع الحکومي الوحشي والمتواصل ترتب عليه انسلاخ جماعة الإيغور من قومية الهان الذين يسعون للنأي بأنفسهم عن الإيغور للنجاة من قمع الدولة. کما نتج عن ذلک، تحقيق نبوءة تطرف الإيغور بسبب المعاملة التمييزية ضدهم ونهجهم للسلوک المتطرف.

منذ سيطرت الصين على إقليم “شرق ترکستان الاسلامية” في عام 1949 وقد کانت هناک عدد من الدعوى للانفصال عن الدولة، تمثلت هذه الدعاوى في مظاهرات طلابية أعربت عن رفضها  لسياسات بکين في الإقليم. إلا أن هذه التظاهرات والتي کانت تنادي بالقومية الإيغورية والانفصال عن الدولة، أصبحت تنشب الواحدة تلو الأخرى ف يأواخر السبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي. تعالت هذه المظاهرات والمعارضات المنادية بالقومية الإيغورية ومحاولة الانفصال عن دولة الصين في مطلع الثمانينيات على يد تنظيم Eastern Turkistan Prairie Fire Party وکان للطلاب الدور الأکبر في قيادة هذه التظاهرات في مارس 1980، ونوفمبر وديسمبر 1085 وديسمبر 1988 ([43]).

مع بداية التسعينات تعالت المعارضة الإيغورية لسياسات بکين في إقليم سينجيانج، واسمت بأنها أصبحت أکثر حدة وتنظيماً. ففي أبريل 1990 قام عدد من المصلين بالنظاهر منتقضين سياسا الحزب الشيوعي في الإقليم وماقامت به الحکومة من تجارب نووية داخل أراضي الإقليم، بالإضافة إلى تصدير ثروات الإقليم إلى خارجه.

غير أن هذه الانتقادات التي عبر عنها الإيغور في شکل تظاهرات، قد تطورت لتأخذ شکل الأنشطة الداعية إلى الجهاد من أجل طرد مسلمي الهان من الإقليم والدعوة إلى تأسيس ما يسمى “دولة ترکستان الشرقية” East Turkistan State، وهو مادفع في المقابل حکومة بکين بعدد من وحدات الجيش والدفاع وعدد من قوات جيش التحرير الوطني PLA لقمع هذه التظاهرات في غرب الإقليم خلال أبريل 1995، وفي إقليم Khotan يوليو 1995، وعدد أخر من الصراعات التي شهدها إقليم Aksu  خلال الفترة من فبراير إلى أبريل 1996.

هذا، وقد شهدت الأعوام التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر أعمال اضطرابات وعنف على نطاق واسع، فخلال أولومبيات بکين 2008، حدث اضطرابات بين جماعات الإيغور ورجال الشرطة، أطلقت على أثرها الصين مصطلح الارهاب على هذه الجماعات. کما شهدت البلاد أيضاً أعمال عنف کبيرة في يوليو 2009 تمثلت في إلقاء القنابل وأعمال التخريب، غير أن المتحدثة بإسم جماعة الإيغور “ربيعة قادر” قد نفت مسئولية الجماعة عن مثل هذه الأعمال التخريبية ([44]).

وفي 5 يوليو 2009 اشتعلت اضطرابات عرقية في “أورومتشجي” عاصمة إقليم سينجيانج بين الإيغور وقومية الهان، أسفرت عن مقتل أکثر من 200 شخص، وأکثر من 816 جريح ومصاب. وقد اضرمت النيران في عشر حافلات وقلب عدد من السيارات الخاصة. اعتقلت الشرطة على أثر ذلک 1434 مشتبهاً بهم، بينهم 1379 رجلاً و55 امرأة، ثم عقب ذلک أن قطعت الشرطة اتصالات الانترنت في بعض مناطق أورومتشجي من أجل منع الاضطرابات من التوسع وتفادي انتشار أعمال العنف ([45]).

شهدت الأعوام التي تلت هذا الحدث مزيد من عمليات العنف والاضطرابات التي کان من بينها:

أحداث العنف التي شهدها الإقليم عام 2011 ([46]):

30/7 مقتل 7 أشخاص وإصابة 28 في هجوم بالسکاکين على سوق ليلي.

31/7 مقتل ثلاث أشخاص بينهم شرطي في إنفجار قنبلة في کاشغجر.

1/8 هجوم على مطعم وإحراقه ومقتل صاحيه وعامل وإصابة أربعة أشخاص في کاشغجر. بالإضافة إلى مقتل 20 من الإيغور في مواجهات مع الشرطة على خلفية محاولة بعض الإيغور اختطاف شرطيين لمبادلتهم بأفراد معتقلين من عائلاتهم، وقد قتل 14 بالضرب حتى الموت و6 بالرصاص أثناء احتجاجهم على اعتقال ذويهم وذلک في “خوتن” جنوب ترکستان. وحادث هجوم تجمعات من الهان على الإيغور في کاشغجر وخوتن وتحطيم محلاتهم وحدوث تراشق بالحجارة بين الطرفين، وتدخلت الشرطة بالقنابل المسيلة للدموع لوقف الاشتباکات وارسال وحدات مکافحة الارهاب (فهود الثلوج) إلى کاشجغر وخوتن لمواجهة ما أسمته التطرف والارهاب.

کما شهد العام 2014 هجوم بإستخدام سکين في محطة قطار “کونمينغ”، وحادث هجوم في منجم فحم بمدينة “اکسو”” عام 2015، وحادث تفجير سيارة أمام السفارة الصينية في قيرغيزستان.

هذه الاضطرابات وأعمال العنف التي شهداتها البلاد کانت نتاج سياسات التعسف والعنف التي اتبعها الحزب الشيوعي الصيني الحاکم تجاه جماعة الإيغور، بالإضافة إلى أن هذه السياسات أفرزت ظهور حرکات المقاومة والمنظمات الترکستانية الداعية والمطالبة بالإنفصال.

ويمکن تقسيم هذه الحرکات إلى نوعين:

الأول: الحرکات ذات التوجه الاسلامي

الثاني: الحرکات ذات التوجه القومي العلماني

وعلى الرغم من اختلاف هذه الحرکات حول أساليب المقاومة والرفض للوجود والهيمنة الصينية على إقليم ترکستان الشرقية، إلا أن کلاً منهما يواجه عدد من المشکلات والتحديات في سبيل تحقيق هدفهم في الانفصال. ومن أهم هذه المشکلات ([47]):

1-  غياب زعامة قوية تنجح في تجميع الحرکات الترکستانية حولها. کما في حالة “الدالاي لما” في إقليم التبت.

2-  ضعف وسائل اتصال هذه الجماعات والحرکات بوسائل الاعلام العربية والاسلامية لتعريفها بالقضية وتحدياتها.

3-  محدودية الموارد المادية والاقتصادية لهذه الحرکات الاسلامية

الخاتمة:

هناک علاقة ارتباطية بين السياسات العرقية للدول وأعمال العنف والتطرف التي قد تشهدها هذه البلاد والتي قد تصل في بعض الأحيان إلى مطالبة عرقياتها المتباينة بالإنفصال عن الدولة الأم. ومن منطلق هذه العلاقة الارتباطية اتضح أن السياسات التعسفية والقسرية التي اتبعها الحزب الشيوعي الصيني الحاکم تجاه جماعة الإيغور ذات الأصول الترکية المسلمة منذ وصول هذا الحزب إلى سدة الحکم في البلاد، وقد اتبع عدداً من السياسات ذات التوجهات الإمبريالية تجاه جماعة الإيغور، انها سياسات غير متوازنة ترتب عليها اعمال عنف وشغب وصلت في النهاية إلى مطالبة جماعة الإيغور بالإنفصال عن حکومة بکين.

فقد اتبع الحزب الشيوعي تجاه جماعة الإيغور سياسات عنيفة بدأها بوعد منح حق تقرير المصير للإيغور، ثم منحهم حقوق متساوية مع عرق الهان، وأنهاها برفض فکرة منح حق تقرير المصير ومنحهم حکماً ذاتياً داخل الأراضي الصينية من منطلق الإيمان بفکرة الدولة الحضارية أو المة الحضارية التي تستطيع دمج واستيعاب کافة العرقيات المتباينة على أراضيها.

وقد کان للأهمية الاقتصادية والاستراتيجية لإقليم سينجيانج الدور الأکبر في اهتمام بکين به ورفضها فکرة انفصاله عنها. فموقع الإقليم في الشمال الغربي للبلاد واعتباره بوابة الصين الغربية لدول وسط آسيا، وتمتعه بثروات طبيعية کبيرة تترکز في الحديد والفحم والغاز، بالإضافة إلى نجاح الدولة في استخلاص اليورانيوم لإجراء التجارب النووية، کان لهما أکبر الأثر في تمسک حکومة بکين بالإقليم.

ترتب على السياسات التعسفية وغير المتوازنة التي اتبعها الحزب الشيوعي الحاکم تجاه عرقياته المتباينة عدداً من أعمال العنف والاضطرابات العرقية بين جماعة الإيغور، وعرق الهان، وهو مايمثل تهديداً للأمن القومي للبلاد. فإتباع سياسات متوازنة ومتساوية بين العرقيات المتباينة، مع عدم تفضيل عرق على أخر، إنما يجنب البلاد مخاطر الاضطرابات العرقية والتي قد تتطور إلى تهديد وحدة الدولة من خلال المطالبة بالإنفصال عنها.

ومن أهم الخطوات المقترحة لإحتواء هذه الأزمة، هو العمل على احترام العادات والتقاليد الدينية لجماعة الإيغور، تشجيع التعليم باللغة الإيغورية فضلاً عن إمکانية استخدامها في الأماکن العامة. التخلي عن سياسات الاضطهاد المتبعة ضد الإيغور المعتدلين الذين لم ينخرطوا بعد في السلک الجهادي، وتعزيز التضامن بين مختلف القوميات الصينية والذي يعتبر المهمة الولى للحکومة، فحب الوطن وحماية الدولة تعتبر أولى واجبات المواطن الصينى.

هوامش الدراسة

[1]اسماعيل عبد الکافي، الموسوعة الميسرة للمصطلحات السياسية، مؤسسة کتب عربية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2005، ص 166.

[2]کرم سعيد، التحرکات الانفصالية في العالم: نموذج کتالونيا، السياسة الدولية، العدد 203، ديسمبر 2015، على الرابط التالي:

http://www.siyassa.org.eg/newscontent/3/112/7637

[3] Lai Hongyi, The evolution of China’s Ethnic policies, EAI Background brief, no.440, 2009, p4.

[4] Encyclopedia Britannica

[5]جريدة الشرق الأوسط، العدد 11221، 18 أغسطس 2009.

[6]Encyclopedia Britannica

[7] Ibid.

[8] Abanti Bhattacharya, Conceptualizing Uyghur Separatism in Chinese Nationalism, strategic analysis, Vol.27, No.3, September 2003, pp 357-381, p360.

[9] Ibid, p361.

[10] Murry Scot Tanner, James Bellacqua (editors), China’s Response to Terrorism, report sponsored by the U.S.-China Economic and security Review Commission, June 2016, p12.

[11]أحمد عبد الحافظ، جمهورية الصين الشعبية، في محمد السيد سليم، رجاء إبراهيم سليم (محرران)، الأطلس الآسيوي، مرکز الدراسات الآسيوية، کلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2003، ص ص 280-281.

أنظر أيضا: عز الدين أحمد الورداني، ترکستان الشرقية والصين: صراع حضارتين، مرکز الحضارة العربية، الطبعة الأولى، القاهرة، 2009، ص 149.

[12]جلال السعيد الحفناوي، طريق الحرير القديم، في محمد السيد سليم، جابر سعيد عوض، نورهان الشيخ (محررون)، طريق الحرير الجديد، مرکز الدراسات الآسيوية، کلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2001، ص 23.

[13]عز الدين أحمد الورداني، مرجع سابق، ص 153.

[14] Yoram Evron, China’s Anti terrorism policy, strategic assessment, Vol.10, No.3, December 2007, pp76-83, p76.

[15]Murry Scot Tanner, James Bellacqua (editors), Op.Cit., p16.

[16] Ibid, p14.

[17] China; Situation of Ughurs, UNHCR, April 2016, p19.

[18]محمود أبو العينين، حق تقرير المصير مع دراسة لقضيتي اريتريا والصحراء الغربية، راسالة دکتوراه غير منشورة في الدراسات الإفريقية، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة، 1987، صص، 48-50.

[19]وفاء لطفي حسين، التجربة الماليزية في إدارة المجتمع متعدد الأعراق والدروس المستفادة للمنطقة العربية: دراسة للأفارقة الزنوج في جنوب السودان والأکراد في العراق، المکتبة المصرية، القاهرة، 2010، صص، 48-50.

[20]Abanti Bhattachary, Op.Cit., pp. 371.

[21] Ibid, p2.

[22]عز الدين أحمد الورداني، مرجع سابق، ص 173.

[23]المرجع السابق، ص ص 168، 169.

[24] Lai Hongyi, The Evolution of China’s Ethnic Policies, EAI background brief, No.1079, 2015, p5.

[25]Abanti Bhattachary, Op.Cit., p363.

[26]عز الدين أحمد الورداني، مرجع سابق، ص ص، 189-191.

[27]Abanti Bhattachary, Op.Cit.p, 367.

[28]عز الدين أحمد الورداني، مرجع سابق، ص ص، 238-239.

[29] International Religious Freedom Report 2002; China includes Hong Kong and Macau, at www.state.gov/drl/rls/2002/13870.htm

[30] www.hrw.org

[31]Murry Scot Tanner, James Bellacqua (editors), Op.Cit, p24.

[32]Abanti Bhattachary, Op.Cit.p371.

[33] BBC News, 30 April 2014.

[34]Murry Scot Tanner, James Bellacqua (editors), Op.Ci., p25.

[35]Abanti Bhattachary, Op.Cit.p369.

[36] Michael Clarke, China’s War on Terrorism in Xinjiang: Human Security and causes of violent Uighur Separatism, Griffith Asia Institute, Australia, 2007, p12.

[37]Murry Scot Tanner, James Bellacqua (editors), Op.Ci., p7.

[38]أخبار عالمية عن ترکستان الشرقية، على الرابط التالي: www.turkistanweb.com/?p=2300

[39] China; Situation of Uyghurs, UNHCR, April 2016, p50.

[40] Ibid, p48.

[41]أخبار عالمية عن ترکستان الشرقية، على الرابط التالي: www.turkistanweb.com/?p=2300

[42]Human Rights Watch, 27 January 2016.

[43]Michael Clarke, Op.Cit., p14.

[44] Millward. James, China’s two problems with the Uyghurs, Los Angeles Review of Books, 28 May 2014, at, lareviewofbooks.org/essay/Chinas-two-problems-Uyghurs 28 May 2014

[45]BBC News, 30 April 2014.

[46]أخبار عالمية عن ترکستان الشرقية، على الرابط التالي: www.turkistanweb.com/?p=2300

[47]عز الدين أحمد الورداني، مرجع سابق، ص 308.

SAKHRI Mohamed
SAKHRI Mohamed

I hold a Bachelor's degree in Political Science and International Relations in addition to a Master's degree in International Security Studies. Alongside this, I have a passion for web development. During my studies, I acquired a strong understanding of fundamental political concepts and theories in international relations, security studies, and strategic studies.

Articles: 14819

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *