الحضور الصيني في إفريقيا وحتمية الصراع مع الولايات المتحدة: التنافس في السودان نموذجا

أ: شفـيعة حداد

أستاذ مساعد ” أ “

كلية الحقوق ،جامـعة باتنـة

مقدمـــة:

ارتبط صراع المصالح في إفريقيا بالتنافس الأمريكي ـ الفرنسي بشكل أساسي، غير أن السنوات الأخيرة، شهدت دخول الصين كلاعب جديد وقوي. وأصبحت المنافس والشريك لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا على إفريقيا، وذلك لما تتمتع به الصين من قوة اقتصادية هائلة جعلتها تلعب هذا الدور بفاعلية واقتدار.

   إن استياء الأفارقة من سياسة وصراع الأمريكيين والفرنسيين، ساعد في وجود الصين بقوة في الفضاء الإفريقي، خاصةً عندما وجدوا فيها ما يلبي طموحاتهم الذاتية مثل:عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعدم ربط الاستثمارات بالشروط المسبقة، وعدم بث أي أيدلوجيات فكرية أو ثقافية تذوّب الطابع الإفريقي مثل الأمركة والفرنسة.

وبذلك أصبحت الصين الحليف المقبول لدى الأفارقة، حيث فتحوا لها الباب الإفريقي على مصراعيه، وذلك لاعتبارات كثيرة منها: أنها عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، وأنها تتمتع بإمكانيات اقتصادية كبيرة يمكن أن تساعد دول القارة، علاوة على أنها تمتلك التكنولوجيا الحديثة التي من خلالها يمكن المساهمة في بناء القدرات الإفريقية، وبذلك وجدت الصين ضالتها في إفريقيا من خلال الاستثمارات في مجالات النفط والتجارة.

غير أن هذا الدور الصيني الصاعد، لن يستمر دون احتمال حدوث تصادم وتضارب في المصالح مع الولايات المتحدة واستراتيجياتها العالمية للهيمنة، والتي امتد نفوذها في أكثر المناطق أهمية اقتصاديا وأمنيا في إفريقيا.

وانطلاقا من ذلك، تحاول هذه الورقة البحثية الإجابة عن سؤال محوري، يتمثل في:

إلى أي حد يمكن للتنافس الأمريكي- الصيني على مناطق النفوذ في إفريقيا– وخاصة في السودان- أن يصبح نموذجا يجسد الصراع الاستراتيجي بين القوتين العظميين على الزعامة الدولية؟

أولا : الصين القطب القادم المواجه للقطب الأمريكي

تعتبر الصين رابع دولة في العالم من حيث المساحة وتقع جنوب شرق أسيا، ومحاطة ببحر الصين الشرقي وخليج كوريا والبحر الأصفر وبحر الصين الجنوبي، وكوريا الشمالية وفيتنام. ويبلغ عدد سكانها قرابة المليار ونصف، وذلك حسب تقديرات عام 2005. وهى بذلك تشكل 21% من سكان العالم. وتنقسم إدارياً إلى 23 مقاطعة من بينها تايوان، وخمسة أقاليم مستقلة ذاتياً وأربع بلديات.

وتتنوع أعراق السكان بها، الهان ونسبتها 1.9%، والروانق والبوقر والهوى ولبي والثبت والمانشو والمغول والقوى والكوري. أما الأعراق الأخرى من السكان فتصل نسبتها8.1%. وتعددت الأديان بها واختلفت نسـبتها، حيث الدويسته (التاوستيه) والبوذية والإسلام بلغت 2.1% والمسيحية 4.3%، ويتحدث سكان الصين اللغات الماندراية العامة (إليوتونقهوا) لهجة بكين، واليوي (شنغهاي) والمينبي (الفوزيو) منيان (هوكبين التايونية)، إضافة إلى لغات الأقليات الأخرى 1.

وقد حققت الصين نمواً اقتصاديا هائلا، مما جعلها ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة. وزاد في تطورها وتقدمها في المجال العسكري، وحضورها السياسي في الأحداث والمحافل العالمية. ووصل الفائض التجاري الصيني إلى 120 مليار دولار أمريكي، في وقت يقدر احتياطها المالي بأكثر من 80 مليار دولار 2.

وتشير العديد من الدراسات الأكاديمية العالمية، إلى أن النهوض والتطور في الاقتصاد الصيني سيمكنه من التفوق على الاقتصاد الأمريكي في عام 2040. وبما أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة القوية، التي لها القوة الاقتصادية والعسكرية التي تمكنها من لعب الدور الرئيسي إقليمياً في منطقة جنوب آسيا، وضع هذا الصين في خيارات وفرص جديدة، وتحالفات واتفاقيات تجارية واقتصادية، من أجل ضبط تلك القوة والهيمنة الأمريكية خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر. وهذه التداعيات جعلت أولوية اهتمام السياسة الخارجية الصينية تتجه إلى منطقة جنوب آسيا.

ولقد شعرت الصين بالقلق في عام 1983، من جراء التغيُّر الإستراتيجي الأمريكي في آسيا، والذي أخذ في التفاهم والتقارب مع اليابان، التي تعتبرها الصين شريكها التجاري ومصدرها الرئيسي في المساعدة على تطوير التنمية الاقتصادية في الصين.

حيث إن اليابان تعتبر الشريك التجاري الأكبر حجماً للصين منذ منتصف الستينيات، وشكلت حوالي 20% من عموم التجارة الصينية، ونشطت العلاقات التجارية بين الدولتين في السبعينيات لتصل إلى8 مليار دولار في سنة 1982.

و تسعى الولايات المتحدة لتقويض التعاون الصيني الياباني، من أجل إضعاف هاتين القوتين الاقتصاديتين الكبيرتين، وترك الساحة الدولية لشركاتها، بما في ذلك الساحة الإفريقية.

ثانيا: الملامح العامة للعلاقات الأمريكية الصينية وحتمية الصراع

تعتبر الشيوعية المذهب السياسي للصين، والذي جعل منها العدو المنافس الأساسي للولايات المتحدة الأمريكية من أجل التوازن الإستراتيجي، كما أن الاختلاف بين الأيديولوجيتين الشيوعية الصينية والأمريكية الرأسمالية، حول مفاهيم الحرية وحقوق الإنسان والثقافة والإعلام والعدالة، أدى إلى اتساع الهوة بين الدولتين، وعمق الخلافات والمواجهات.

وتشير الحقائق والأحداث التاريخية، إلى حتمية التصادم بين القوة الصينية والقوة الأمريكية، حيث إن القوة الصينية النامية تواجه القوة الأمريكية الموجودة أصلاً، في مجال السياسة والاقتصاد والشؤون العسكرية. والمتخصصون في الشؤون الصينية الأمريكية والمهتمون بعلاقات الدولتين، يؤكدون دائماً أن حتمية التصادم بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية أمر واقع لا محالة، حيث أن الحروب تقوم على مبدأ الصراع بين عقيدتين مختلفتين،وعلى إستراتيجية المصالح المختلفة والمتقاربة لكل من الدولتين المتواجهتين.

إن الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد على أيديولوجيتها السياسية المهيمنة على العالم، بإرغام الدول الأخرى على تبني نظامها السياسي الرأسمالي، بالرغم من أن هذه السياسة ذات منهجية الهيمنة وسيطرة القطب الواحد، قد أوجدت الكثير من الخصوم والأعداء للولايات المتحدة الأمريكية والقلق والخوف لدول العالم.

وقد أثّر ذلك في علاقتها بالصين التي زاد تخوفها من السياسة الأمريكية المهيمنة، التي دعمت تايوان وزودتها بالأسلحة الفتاكة، مما زاد من حدة الصراع بين الدولتين. كما أن العلاقات واتفاقيات التعاون بمنطقة جنوب شرق آسيا، مثل وجود أساطيل كوريا الجنوبية الدائمة بالمنطقة، والتي تعتبرها الصين تهديداً لها.  فالتوسع الأمريكي قرب الحدود الصينية لا يطمئن الصين بل يزيد من مخاوفها. وينظر الخبراء والإستراتيجيون، إلى المواجهة الصينية الأمريكية برؤية صراع الحضارات، وأن حتمية الصدام قائمة بين الدولتين العظيميين ولا مناص منها.

ثالثا: الوجود الصيني وتبني الإستراتيجية الاقتصادية والتجارية تجاه أفريقيا 

يعبّر التطور المتزايد في العلاقات الصينية- الإفريقية عن التوجهات في السياسة الخارجية الصينية، وتصاعد دور نفوذ الصين كقوة عالمية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وإنفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم في ظل سياسة الهيمنة والقطب الواحد. اتجهت الصين إلى سياسة التوسع والعمل على التوازن الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية، والبحث عن أحلاف لها لإثبات وجودها ونفوذها، حيث وجدتهم عبر القارة الإفريقية من خلال شركاتها التي ترعاها الدولة، وتديرها مؤسسات هدفها تأمين مصادر النفط.

واستطاعت الصين خلال سنوات قليلة أن تصبح الشريك الذي يلي الولايات المتحدة وفرنسا في القارة الأفريقية، حيث تضاعفت التجارة بين الصين وإفريقيا إلى أضعاف منذ بداية هذا العقد، فقد ارتفعت إلى 36% في عام 2005، إلى 39.7 بليون دولار، بناء على الإحصائيات الصينية الرسمية،     بالإضافة إلى توقيع عدد كبير من الصفقات والعقود التجارية، بلغت قيمتها حوالي 2 بليون دولار.

والتزمت الصين بمضاعفة مساعدتها المقدمة للدول الإفريقية خلال عام 2006 إلى الضعف بحلول عام 2009، وكانت نصف الصادرات إلى القارة الإفريقية من الآلات والمعدات والإلكترونيات، ومنتجات ذات تقنية عالية، إضافة إلى تحول عشرات الآلاف من الصينيين إلى إفريقيا ساهموا في بناء المنشآت الرياضية ومقار الوزارات وخطوط السكك الحديدية 3 .

ودعماً لهذه الشراكة شهدت العاصمة الصينية بكين من 4- 5 نوفمبر 2006، أكبر تجمع إفريقي بمشاركة 48 دولة إفريقية من أجل تنمية القارة الإفريقية، بعد خمسين عاماً من العلاقات بين الصين وأفريقيا. وقد أعلن في التجمع عن التخفيف الجزئي لديون دول القارة الأفريقية لصالح الصين، وإلغاء الديون المستحقة على الواحد والثلاثين دولة الأكثر فقراً والأكثر مديونية في القارة، والتي قدرت بنحو 1.3 بليون دولار، وزيادة عدد بنود الصادرات السلعية الإفريقية المعفاة من الرسوم الجمركية. وزيادة لتثبيت هذه العلاقات، قام الرئيس الصيني عام 2007 بزيارة ثماني دول إفريقية من أجل تعزيز العلاقات في المجالات الاقتصادية والتجارية والعسكرية، والمساهمة في تطوير التنمية والبناء داخل القارة.

وتسعى الصين إلى آفاق أوسع في الاقتصاد والنفط والسياسة، وتعزيز علاقاتها ونفوذها وزيادة تنامي مصالحها في إفريقيا، التي تعتبرها مصدراً لتغذية قاعدتها الصناعية المحلية، التي تحتاج إلى المواد الخام الإفريقية للحفاظ على معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة، حيث تستورد الحديد الخام من جنوب إفريقيا وموزمبيق، بكميات كبيرة لسد حاجتها الصناعية 4 .

واعتادت الصين على إقامة المؤتمرات الدورية، للبحث عن سبل التنمية الإفريقية بمشاركة عدد كبير من القادة الأفارقة، وكان آخرها في منتصف2010، في العاصمة بكين. ومن خلالها تحرص الصين على أن تقدم مساعدات كبيرة للدول الإفريقية الفقيرة، تتمثل في إعفاءات الديون وإنشاء المشاريع التنموية وتقديم القروض لإقامة المنشآت العامة.

وتعتبر الصين من أكبر الدول الداعمة للدول الإفريقية في العالم (بعد الولايات المتحدة واليابان)، كما تحرص على إقامة صداقات مع العديد من الدول الإفريقية، حيث تمثل الصداقة الصينية احدى وسائلها الدبلوماسية للدخول في علاقات سياسية واقتصادية مع دول العالم، لاسيما الدول الإفريقية.

1.عوامل الوجود الصيني في إفريقيا

هناك عدة عوامل ساعدت على الوجود الصيني في إفريقيا، كما أن هناك عدداً من المحفزات التي وضعتها الصين للدخول في الفضاء الإفريقي أهمها:

الشركات الصينية في أفريقيا:

لقد أنشأت الصين في إفريقيا، أكثر من 600 شركة بأموال صينية خلال الفترة من (1995ـ2005)، وقد قبلت هذه الشركات بالمخاطرة والعمل في إفريقيا، في حين رفضت الشركات الغربية المستثمرة الأخرى بسبب هذه المخاطر. وقد قامت الصين بإعفاء البضائع الإفريقية من الرسوم، مع مزيد من الاستثمارات الصينية مدعومة بقروض تفضيلية، ومداينات تجارية خاصة من أجل تكريس وجودها في إفريقيا .

امتيازات النفط الإفريقي:

تمتاز القارة الإفريقية باستحواذها على احتياطي نفطي كبير، يشجع الاستثمار الصيني على المدى الطويل، وقد أكدت الدراسات بأن إفريقيا تختزن بداخل أراضيها، كميات كبيرة من النفط الجّيد في كثير من بلدانها.

لقد أدخلت الحرب الأهلية في جنوب السودان، النفط السوداني في حقبة حروب الموارد، وقد ساهمت الدول العظمى في زيادة إشعال هذه الحرب، التي كانت نتيجتها بيع شركة النفط الأمريكية شيفرون منشأتها النفطية في الجنوب بعد 18 عاماً من وجودها في السودان، كلفتها مليار ونصف المليار دولار.

وقد كان مجيء شركة شيفرون النفطية الأمريكية وخروجها من السودان، خاضعا لتقلبات السياسة الأمريكية، واعتقدت بأنها سوف تعود إلى السودان وهى ترى أن لها رصيداً تحت الأرض، وحسب وجهة نظرها هي وراء المعلومات الجيولوجية المتعلقة بالاستكشاف النفطي، والعديد من الآبار المختومة، وأن السودان لن يستطيع استخراج النفط كونه مرتبطاً بالتقنية الاقتصادية والدولية، التي تفتقدها الدولة السودانية

وبخروج شركة شيفرون من السودان، تركته من أكبر الدول التي تعانى المديونية حيث بلغت ديونه 28 مليار دولار. وفي غضون سنوات قليلة وبالتحديد عام 1995، تقدمت الصين إلى السودان واستخرجت النفط السوداني. وحفرت أول بئر استكشافية خلال الربع الأول من العام 1997، كما وقعت الشركة الصينية عقداً بحصة 40% بالشراكة مع مجموعة (ARKIS) لتطوير الطاقة وزيادة الاستكشاف لمناطق (هجليج) والمناطق المجاورة. و التي تبلغ المساحة النفطية فيها حوالي 12.2 مليون هكتار.

وفي عام 1999، مد الصينيون خط الأنابيب النفطية بطول 1610 كم2 ، إلى ميناء بشائر على البحر الأحمر، والذي كان الأمريكيون قد وعدوا بمده سابقاً ولم ينفذوه 5 .

لقد عوضت الصين السودان ما فقده من موارد مالية، بعد خروج شركة شيفرون النفطية الأمريكية، مما أدّى إلى تحسن الدخل القومي السوداني، خاصة بعد مد الخط النفطي الثاني عام 2006، لنقل النفط الخام السوداني إلى الموانئ النفطية بالبحر الأحمر، وتمكين السودان من تصدير نصف مليون برميل يومياً من صادراته النفطية، وبذلك بدأ الاستغناء عن الولايات المتحدة والبنك الدولي.

وبدأت أمريكا تفقد كل شيء في السودان بعد دخول الصين، وكانت قد حاولت العودة إلى السودان باتخاذها عدة إستراتيجيات، منها: فرض الإدارة الأمريكية عقوبات على السودان بتهمة الإرهاب، وفرض عقوبات اقتصادية شاملة عليه، وتدمير مصنع الشفاء بالخرطوم بتهمة تصنيع المواد الكيماوية.

وخلال زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كيلنتون عام 1998 لإفريقيا، تم تشكيل حلف مع كينيا، وأوغندا، والكونغو، والدول المحيطة بالسودان، ودعم حركات التمرد ضد الحكومة السودانية لإسقاطها 6.

لقد استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية نفط الجنوب السوداني، مدخلاً لعودتها لتحقيق السلام في جنوب السودان، وقد تحقق السلام باتفاق نيفاشا عام 2005، بعد نزاع مسلح استمر 22 عاماً بين الشمال والجنوب، ولكن الاتفاقية وضعت الأسس للعودة الأمريكية من بوابة الجنوب، واحتمال خروج الصينيين من البوابة نفسها، وفي حالة عودة الولايات المتحدة الأمريكية ستجد قيادات من أبناء الجنوب موالين لأمريكا، سيساعدون في تنفيذ المشروع الأمريكي المتضمن عدم الاستقلالية عن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية.

إن غالبية الحقول النفطية السودانية المنتجة تقع في الجنوب، وبعد انفصال الجنوب  ستستأثر الولايات المتحدة بكل النفط الجنوبي، خاصةً وأن الحركة الشعبية  لها علاقات كبيرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهنا تجد الصين نفسها شريكا غير مرغوب فيه بالجنوب السوداني، و لكن الصين انطلقت في زيادة استثمارها النفطي في مناطق أخرى في السودان.

كما عملت على زيادة الصادرات النفطية الإفريقية الأخرى، حيث تحصلت مؤسسة النفط والكيماويات الصينية من أنغولا، على حق الامتياز النفطي في الحقل البحري الذي تشغله ( آي بى بي) السويسرية، وضمنت دخولها بمديونية 2 بليون دولار، لتتمكن من وضع بنيتها التحتية.

وتمكنت من الحصول على تسيير امتياز آخر، مع شركة “سوناتجول” الأنغولية، والتي كانت تشغله شركة “توتال” الفرنسية، وبذلك أصبحت الصين هي الدولة الثانية بعد الولايات المتحدة.

كما تجرى محادثات لحصولها على تولي محطة تكرير النفط، وقد أبرمت الاتفاقيات بشأن الاستكشافات والامتيازات بحقول النفط في كل من الجزائر، والنيجر، وتشاد، ونيجيريا، وليبيا. وأبرمت الصين عقداً للتقييم مع دولة الغابون. إذ ساءت نشاطات شركتي شيل الأمريكية وتوتال الفرنسية, إضافة إلى نشاط الصين في غينيا الاستوائية، حيث تسيطر المجموعات الأمريكية على صناعة النفط المتزايدة.

وتتولى الصين التدريب العسكري والإحصائي في بعض الدول الإفريقية، في سبيل الحصول على الامتيازات النفطية. وخلال زيارة الرئيس الفرنسي 2006، أعلن عن الاتفاق الفرنسي- الصيني بالاستثمار في التنقيب عن النفط في القارة الأفريقية 7.

2.تهديد المصالح النفطية الصينية

أصبحت الصين التي رشحها الرئيس الأمريكي جورج بوش عام 2000، على أنها المنافس الإستراتيجي الأول للولايات المتحدة الأمريكية في المستقبل، إضافة إلى كونها ثاني أكبر مستورد للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة ، حيث بلغ استهلاكها للنفط عام 2004 حوالي 7ملايين برميل يومياً، ومن المتوقع أن يرتفع عام 2014، إلى أكثر من عشرة ملايين برميل يومياً.

لفت تقرير من “مفوضية المراجعة الأمنية والاقتصادية للولايات المتحدة والصين “، إلى أن  إستراتيجية الطاقة التي تنتهجها حكومة بكين تشكل مصدر قلق، لوكالة أمن الطاقة الأمريكية، وذلك نظرا لاهتمامات بكين المتصاعدة بالسيطرة على النفط ومصادر إنتاج الموارد الطبيعية الأخرى، مباشرة من مصادرها، عوضا عن الاستثمار، وإتاحة المزيد من الإمدادت في السوق العالمية.

واستشهد التقرير بالسودان كمثال حي للإستراتيجيات التي تتبعها الصين في القارة، والقائمة على سياسة التعامل وفق ” حزمة متكاملة ” – تشمل التمويل، والخبرة التقنية إلى جانب النفوذ لحماية الدولة المضيفة في المحافل الدولية.

فالصين تسيطر على شريحة لا يستهان بها من حقوق النفط في السودان، حيث يفوق إجمالي استثماراتها أربعة مليارات دولار.

وقد نبه السيناتور الأمريكي الديمقراطي جوزيف ليبرمان، إلى هذا الأمر، وذلك في كلمة ألقاها أمام مجلس العلاقات الخارجية، تحت عنوان : ” سياسات الطاقة الأمريكية الصينية : خيار التعاون أو التصادم “، حيث ألمح إلى أن المنافسة الشرسة بين القطبين على الطاقة، ربما تكون أحد أكبر المخاطر التي قد تؤدي إلى مواجهة محتملة بين الطرفين في المستقبل المنظور.

وطالب السيناتور، العضو في مجلس الأمن القومي والشؤون الحكومية بمجلس النواب، أمريكا والصين باعتبارهما أكبر المستهلكين للنفط، وبكون الصين تسيطر علىشريحة مهمة من حقول النفط في السودان، وتستورد 7 في المائة من حاجياتها من النفط من هناك، وأن الاستثمارات الصينية تصل إلى نحو 4 مليارات دولار.

وفي ذات السياق، أكد الخبير في المجال النفطي من منظمة أوكسفام، غاري فليتشر، أن اهتمامات الصين بثروات القارة الإفريقية الطبيعية، يرقبها عن كتب خبراء وصناع القرار في واشنطن، وأنها من المحتمل أن تشكل مصدرا للصدام في العلاقات الثنائية بين القطبين، على أن هذا  الصدام سيقتصر على الساحة التجارية.

وأكد غاري في حديثه، أن حزم المساعدات المالية والقروض لها اعتبارات حاسمة في تحديد إلى أي المعسكرات ستتجه تراخيص حقوق التنقيب في السباق القائم، مشيرا إلى أن مفعول إستراتيجية  الصين فيما يتعلق بموارد إفريقيا الطبيعية، التي تمزج بين التجارة والدبلوماسية هي الأكثر تأثيرا.

ويجمع مراقبون أن الصين، التي تستورد قرابة 30 في المائة من حاجياتها من النفط الخام من أفريقيا، لعبت أوراقها بحنكة وذكاء أمام الولايات المتحدة الأمريكية، باستخدام سلاح القروض دون تبعات (no string attached loans)، التي ساعدت بعض دول القارة في الابتعاد قليلا عن أملاءات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وشروطهما المجحفة.

رابعا: التنافس الأمريكي ـ الصيني على الموارد في السودان

يرتكز وجود شراكة إستراتيجية بين الصين والسودان، على دعائم مصلحية واقتصادية تصب لا محال في قنوات الطرف الأقوى في هذه العلاقة، على حساب الطرف الأضعف الذي لا يجد أمامه سوى طريق الإذعان والخضوع. و لقد كان لهذه العلاقة أثر كبير على المجالات المتداولة بين الطرفين خصوصاً منها المجالين الاقتصادي والإستراتيجي.

فالعلاقات الاقتصادية القائمة بين الصين والسودان ليست وليدة فترة جديدة تقدر بسنوات قليلة، وإنما ترجع إلى أكثر من عقد ونصف من الزمن، حيث تشكلت خلالها البذور الأولى للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين منذ عام 1997، حين دخلت الصين لأول مرة كشريك أساسي في مشاريع النفط السوداني، مستغلة بذلك خروج الولايات المتحدة عام 1995، لتحظى باستثمارات نفطية مهمة.

فالبحث عن موارد الطاقة، يعد من العناصر الأساسية التي لها حضور وثقل كبير على أهداف السياسة الخارجية الصينية، نظراً لأهميتها في دعم عصبها الاقتصادي، و هذا ما عكسته توقعات خبراء الطاقة في أن يصل حجم الطلب الصيني على النفط الخارجي، إلى أكثر من خمسين مليون طن من النفط، و خمسين بليون متر مكعب من الغاز بحلول عام2012.

وربما كان من المنطقي أن تختار الصين السودان كواجهة لتحقيق هذه الإستراتيجية القريبة المدى، نظراً لكون السودان دولة نفطية واعدة بكل المعايير، و ذلك من خلال استثمارات شركاتها العاملة في هذا القطاع داخل السودان، والتي تعد أكبر أربع شركات أجنبية تعمل في قطاع النفط. وهي على التوالي: شركة النفط الوطنية الصينية (CNPC)، تليها شركة توتال الفرنسية (TOTAL)، ثم شركة بتروناس الماليزية، وشركة (ONGC)الهندية ، إضافة إلى بعض الشركات السودانية المحلية التي تواضع إنتاجها نتيجة المنافسة 8 .

ويرى الخبراء، أن حجم احتياطات السودان النفطية يبلغ حوالي 2 مليار برميل، و هي تنتج حوالي 500 ألف برميل يومياً حسب إحصائيات 2008. ولولا انفصال الجنوب السوداني، كان احتمال أن ترتفع هذه النسبة إلى حوالي مليون برميل يومياً في المستقبل القريب، خصوصاً وأن آباراً أخرى من النفط تم اكتشافها و لم يتم استغلالها حتى الآن.

أما عن حجم الاستثمارات الصينية في السودان، فإن معظمها مخصص لصناعة البترول و ملحقاته، مثل البتروكيماويات و أنابيب نقل النفط، و قد بلغ حجم الاستثمارات في هذا المجال نحو ستة مليارات دولار وفقاً لإحصائيات عام 2007، الشيء الذي يعزز حضور الاعتماد المتبادل في العلاقات الصينية- السودانية 9.

و يرى بعض الباحثين، أن الصين قد لعبت دوراً مهماً في قضية دارفور لا يجب إنكاره، باعتبارها من صناع القرار الدولي- الخمسة المحتكرين للفيتو في مجلس الأمن- حيث امتنعت عن التصويت عن قرار مجلس الأمن رقم 1556، و تهديدها في أكثر من مناسبة باستخدامه لتعطيل أي قرار أممي يصدر ضد الحكومة السودانية.

إلا أن ذلك يجب ألا يحجب حقيقة أن الصين تبذل كل هذه الجهود لتحقيق مصلحتها فوق أي اعتبار آخر، خصوصاً أن كل القرارات التي وقفت فيها الصين موقف معارض، تدخل في إطار تدويل النزاع المفتعل في دارفور، والذي من شأنه إذا تحقق أن يعكر الجو على الصين في استغلالها المريح للموارد السودانية دون أي تقييد أو مزاحمة.

كما أنه لا يعقل أن تضحي الصين بعلاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة المعارضة لنظام الحكم في السودان لأجل شراكتها مع الخرطوم، مع العلم أن علاقاتها التجارية مع أمريكا تتجاوز نظيرتها السودانية بمليارات الدولارات.

أما على المستوى الإستراتيجي، فيرى البعض، أن الصين قد استغلت النزاع الدائر في دارفور كسوق مربحة، من أجل تصدير أسلحتها من خلال إغراءاتها بصفقات الأسلحة التي تحتاجها أطراف النزاع، و التي زادت من حالة عدم الاستقرار بالإقليم.

فالصين من خلال علاقتها المتبادلة مع الدول الإفريقية، كانت ولا تزال تستغل النزاعات والحروب الداخلية والبينية، بغية إنعاش إنتاجها الحربي. وهو ما جعلها تتعرض للعديد من الانتقادات، على اعتبارها من أكثر الدول غير المسؤولة فيما يتعلق بتجارتها في الأسلحة، وأن صادراتها المقدرة بمليار دولار سنوياً تسهم في إذكاء العنف، وانتهاكات حقوق الإنسان في كثير من بلدان العالم، كالسودان والنيبال10.

  1. 1.  تجليات التنافس الأمريكي الصيني على السودان:

تزامن اشتداد المنافسة الأمريكية- الصينية على الموارد والمواد الخام في السودان، مع تصاعد وتيرة الأزمة في دارفور. فقد مارست الولايات المتحدة على السودان ضغوطاً شتى وبأشكال مختلفة ومتنوعة، سواء بإثارة ملفات الانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان في إقليم دارفور، والمطالبة بتسليم الضالعين في جرائم الحرب إلى محكمة الجنايات الدولية، أو بممارسة سياسة لي الذراع لجعل النظام يرضخ للمطالب الأمريكية. ويفسح المجال لها ويوفر لها مساحة من الوجود والنفوذ الاقتصادي الموسع في الإقليم، منافسة بذلك الوجود الآخر المتمثل في الشركات الصينية والماليزية.

ويرى الكثيرون من الباحثين، أن المراهنة على موقف الولايات المتحدة الأمريكية تجاه حل الصراع  في دارفور لا يجدي نفعا، كما أن مراهنة الحكومة السودانية على تحالفها مع الصين لا يقدم حلاً ناجعاً في الإقليم, كما أن الولايات المتحدة وفي سبيل المحافظة على مصالحها، لا تكترث لمصالح السودان ولا أهل دارفور، ولا تقيم وزناً لجهدهم المبذول للخروج بحل للمعضلة.

كذلك التحالف الحكومي مع الصين لا توجد ضمانات لاستمراره طويلاً، ولن تتوانى الصين في تجاوزه متى ما رأت أن معاندتها لأمريكا قد تضر بمصالحها ومشاريعها التوسعية،  وربما ينشأ تحالف أو تقارب صيني- أمريكي في المستقبل القريب,

إن غطرسة الأمريكيين وسيطرتهم العسكرية على كثير من المنافذ البحرية والمياه الدولية، إضافة إلى تحالفهم مع الاتحاد الأوربي، المتمثل في حلف الناتو. سوف يجعل الصين تعيد حساباتها من وقت لأخر، فيما يتعلق بعلاقاتها مع السودان.

واعتبرت زيارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن إلى الصين في العام 2006، كان ينضوي وراءها هدف خفي غير معلن، وهو الحد من التوسع الاقتصادي الصيني. إذ أنه تناول في زيارته موضوع الملكية الفكرية، وضرورة تطبيق هذا القانون على المستوى العالمي بما في ذلك الصين. وبتفعيله تكون الشركات الصينية المستغلة لماركات الشركات العالمية، في الإعلان عن منتجاتها وتسويقها، قد أحجمت عن الاستمرار في تحقيق طموحاتها الاقتصادية إذا لم تكن قد أوقفتها11.

ويقول بعض الخبراء، أن بإمكان الصين وأمريكا، أن يتآمرا على السودان أذا اجتمعت مصالحهما، فيصبح السودان هو الخاسر. وأن الثروة البترولية الموجودة  بباطن أرض السودان، كافية لاستئصال الفقر من كل أنحاء القطر، إذا حسنت النوايا وتلاشت الضغائن. وأن القوة البشرية ومخزون الثروة الذي يملكه السودان (غير المستغل)،  كفيل بتغيير حياة الناس إلى الأفضل. وذلك بتجاوز الصراعات داخل السودان، إذا تم التوصل إلى دستور يكفل للجميع حقوقهم، ويحد من أطماع القوى الخارجية في موارد السودان 12.

  1. 2.  التنافس الصيني- الأمريكي على النفط السوداني :

تحاول الصين التي تمسك بورقة النفط السوداني، وتحاول الولايات المتحدة التي تمسك بورقة النفوذ السياسي، فقد يلعب كل منهما بأوراقه على طريقته لإثبات وجوده على الخارطة السياسية في السودان ذات المنطقة الشاسعة الغنية بالموارد الطبيعية.

وتعتبر الولايات المتحدة، التي استثمرت الملايين في المساعدات الإنسانية التي قدمتها للجنوب السوداني خلال الحرب الأهلية، واستضافت آلاف الجنوبيين. حليفاً استراتيجياً لجنوب السودان بعكس الصين التي تعتبر الحليف الرئيسي لشمال السودان .

فقد لعبت الولايات المتحدة دوراً مركزياً في التوصل لاتفاق السلام الذي أنهى في 2005، الحرب الأهلية التي استمرت لأكثر من عقدين بين الشمال والجنوب، ولا يزال دورها مهماً في المفاوضات حول مستقبل العلاقات بين الشمال والجنوب. وبين رفع العقوبات الاقتصادية وشطب السودان من قائمة الدول الداعمة لما يسمى بـ”الإرهاب”، والمساعدة في خفض ديون السودان، تبدو الولايات المتحدة وأنها تمتلك الكثير من “الجزرات”، لإقناع الخرطوم بإبقاء العلاقات الشمالية- الجنوبية سلمية بعد الانفصال الذي تم بين الشمال والجنوب.

أما بالنسبة إلى الصين، فهي المستورد الأول للنفط السوداني والمزود الأول للخرطوم بالبضائع والسلاح، والداعم الأساسي للنظام السوداني في مجلس الأمن الدولي. ولكن واقع أن 80% من احتياطي النفط السوداني، المقدر بأكثر من ستة مليارات برميل تقع في باطن الأراضي الجنوبية، دفع بكين إلى تغيير صورتها كحليف للخرطوم في أنظار جنوب السودان.

ففي جوبا عاصمة جنوب السودان، الذي انفصل عن الشمال، فتحت الصين قنصلية في 2008، في حين استثمرت الشركة النفطية الصينية “سي إن بي سي” أموالاً في مركز معلوماتي تابع لجامعة محلية. كما استقبلت حكومة الجنوب وفداً من الحزب الشيوعي الحاكم في الصين، وتعهدت السلطات الجنوبية باحترام العقود النفطية التي أبرمتها الخرطوم خلال الحرب الأهلية مع شركات صينية 13.

وعلى عكس ما يحصل مع دول إفريقية نفطية أخرى، لم تتمكن الولايات المتحدة إلى الآن من السيطرة والتحكم الكامل بسياسة السودان، ولا سيما النفطية منها. بل سعت ولا تزال إلى عرقلة تطوير هذا المصدر الاقتصادي المهم واستخدامه، عبر سعيها الدؤوب في مجلس الأمن إلى فرض عقوبات على السودان، يكون الحظر على الصادرات النفطية والعقوبات على الشركات المتعاملة مع السودان أول بند فيها.

كما دعمت خلال عقدين حرب الانفصال في الجنوب، التي استنفدت كل مصادر الحكومة الاقتصادية. وبعد توقيع اتفاقية السلام، توجه الاهتمام الأميركي إلى دارفور حيث تُتهم الولايات المتحدة بأنها وراء رفض واحدة من الميليشيات توقيع اتفاق السلام بأبوجا 2006.

وتعتمد الولايات المتحدة على سياسة المبعوثين إلى السودان للضغط على الحكومة، ولمحاولة وضع موطئ قدم نفطي لشركاتها الكبرى هناك كما في مناطق مختلفة من العالم، حيث أنسحب التنافس الاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة إلى صلب أزمات السودان ولا سيما في دارفور.

  1. 3.  تنامي الدور الصيني في السودان

هذا التنافس الأمريكي – الصيني دفع بكين أكثر من مرة للتأكيد على دورها المحوري في السودان، وهو ما تجلى بوضوح في عدة مناسبات، من بينها ما صرح به العضو بمجلس الدولة الصيني “داي بينغ غوه” وتأكيده خلال مقابلته وفداً من حزب المؤتمر الوطني، برئاسة مستشار الرئيس السوداني عمرالبشيرـ الدكتور مصطفي عثمان إسماعيل، على أن الصين ستواصل الاتصال والتنسيق مع السودان ومع المجتمع الدولي في قضية دارفور، وستحاول إيجاد حل مبكر.

وفي معرض حديثه عن التعاون المثمر بين الصين والسودان في مجالات مختلفة، قال إن الصين مستعدة لتعزيز علاقة ودية مستقرة وطويلة الأمد مع السودان، على أساس الاحترام المتبادل والمساواة وتبادل المنافع، وأن الذكرى ال50 لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الصين والسودان عام 2009، هي بمثابة فرصة لتعزيز التعاون الجوهري بين البلدين14.

وهو ما دفع الجانب السوداني للإعراب عن الامتنان للصين على جهودها في دفع تسوية قضية دارفور، وأن السودان سيواصل تعزيز التنسيق والتعاون مع الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي. وسيعزز نشر القوات المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي في دارفور، بالإضافة إلى العملية السياسية والاستقرار في المنطقة. وقال المبعوث الصيني، أن السودان سوف يواصل التمسك بسياسة الصين وتوسيع التعاون بين البلدين في مختلف المجالات، ودفع العلاقات الثنائية من خلال التبادلات بين حزب المؤتمر الوطني والحزب الشيوعي الصيني.

هناك مخاوف حقيقية صينية على مصالحها في السودان، خاصة بعد التصريح الذي جاء على لسان ناشط أميركي في مجال حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، محذراً الصين من خطر تعرض مصالحها النفطية في السودان لاعتداءات، ما لم تمارس بكين ضغوطاً على الحكومة في الخرطوم لوقف العنف في دارفور.

حيث قال “جون برندرغاست ” أحد خبراء الأمن الدولي : إن الصين التي تشغل مقعداً دائماً في مجلس الأمن وتتمتع بحق النقض (الفيتو)، تتحمل مسؤولية كبيرة في البحث عن حلول للنزاعات في دارفور، وأضاف: “يجب أن تتحمل الصين هذه المسؤولية وإلا فإن السودان سيشتعل، وأول ما سيحترق سيكون مصالحها الاقتصادية” 15.

ويرى المراقبون أن الصين، كثيراً ما رفضت الضغوط والمطالب الأميركية والروسية واليابانية، للإفصاح والشفافية عن سياساتها، وبرامجها، وخططها السياسية والاقتصادية في إفريقيا خاصة في السودان، وهو ما يعكس استمرار المخاوف الصينية من السعي الأمريكي والروسي المشترك، لكبح التطلعات الصينية في الوصول إلى مصاف القوى العالمية الكبرى.

ويرون أيضا، أن الصين تحرص على التزام الشكل الرسمي في علاقاتها مع الدول النامية، على الرغم من إدراكها أن هناك أحزاباً وقوىً سياسية وجماعات مصالح بازغة في العديد من الدول، وهي تصر على عدم التعاون والتعامل مع هذه الجماعات والقوى السياسية والمجتمعية، والتعامل فقط مع جهاز الدولة ومؤسساته الإدارية الرسمية، وذلك انطلاقاً من أن غالبية هذه الجماعات والقوى لا تزال في طور النمو والتشكيل، وتتسم بالضعف وعدم القدرة على التأثير في السياسات الرسمية التي تتبناها غالبية الدول النامية.

من ناحية أخرى، ترى الصين أن جانباً كبيراً من هذه الجماعات والقوى نشأ بدعم وتمويل صريح أو غير معلن من الدول الغربية، سواء ممثلة في الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة، وهو ما ينعكس سلبياً في أفكارها وبرامجها عن الصين وسياساتها الخارجية. ناهيك عن أن جانباً كبيراً من هذه القوى والجماعات، مصدر عدم ارتياح وعدم قبول من الأنظمة الحاكمة في الدول النامية، نظراً لتبنيها سياسات ومواقف معادية أو غير مرحبة بالتوجهات الرسمية للدولة، خاصة فيما يتعلق ببرامج الإصلاح السياسي والاقتصادية. بالإضافة إلى رفض الصين قيام علاقات تعاون وتنسيق، بين هذه الجماعات والقوى ونظيرتها الصينية، خوفاً من اختراق السياسات الرسمية الصينية.

  1. 4.      مستقبل الدور الأمريكي في السودان:

من الصعب التنبؤ بمستقبل الدور الأمريكي القادم في السودان،  خاصة في مرحلة ما بعد الانفصال، وقد جاءت زيارة المبعوث الأمريكي للسودان سكوت غرايشن، ومن بعده جون كيري المرشح الرئاسي الأسبق ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، لتؤكدا على أن تحولاً أمريكياً تجاه السودان قد بدأ بالفعل. كما أوضحت تصريحات جون كيري، وهو يغادر دارفور بعد زيارتها، أن هناك خطة أمريكية للتدخل. قائلا: ”إن الولايات المتحدة ترغب في تعزيز علاقاتها الثنائية مع الخرطوم، إلا أن ذلك يتوقف على تحركات إيجابية من الحكومة السودانية”، ثم حدد التحركات السودانية – المطلوبة أمريكياً – بقوله:

” نأمل أن تتخذ الحكومة السودانية قرارات بشأن دارفور وبشأن تطبيق اتفاق السلام بين الشمال والجنوب وقضايا أخرى من بينها تدفق الأسلحة بين القبائل في دارفور، وعدم مساندة حركة حماس، فهذه الأمور مهمة لهذه العلاقة حتى نستطيع المضي قدماً فيها”16.

ومن الواضح بان  الهدف الأساسي لواشنطن للتطبيع مع الخرطوم، يكمن في الصراع الدولي بين أمريكا والصين وفرنسا على موارد السودان ودارفور بالتحديد، ومنافسة الصين خصوصاً، في ظل الأزمة المالية التي تتطلب تنازلات أمريكية سياسية مقابل مكاسب اقتصادية.

فقد أصبحت أمريكا تعتمد على نفط غرب أفريقيا بنسبة22% من جملة نفطها المستورد، وهناك توقعات أمريكية أن يصعد هذا الرقم إلى الضعف بحلول عام 2025، والنفط السوداني يدخل ضمن هذه الأجندة فضلاً عن الموقع الاستراتيجي في دارفور غرب السودان، وموقع السودان ككل في المنطقة.

خلاصة واستنتاجات:

ومن خلال قراءتها لجوانب المشكلة ومضمون وموضوع البحث فيها، خلصت الدراسة إلى بعض النتائج المهمة ، تتلخص في الآتي:

ü            إن دخول الصين في الفضاء الإفريقي مؤخراً، قد حرك الرغبة الأمريكية التنافسية وزاد من إيقاع روح التنافس الشرس نحو مواجهة القطب الصيني، لأن دخول الصين في إفريقيا يضاعف من قوتها الاقتصادية واستحواذها على أميز وأرخص الموارد، وأن ذلك سيؤثر سلبا على الموقف الأمريكي.

ü            إن ضعف الأداء في الاقتصاد الأمريكي، سيضعف المكانة العالمية للولايات المتحدة الأمريكية، وسيدفع سياساتها التوسعية للانكماش مؤقتا، مما سيمنح الصين – والتي تتمتع باقتصاد متعاف وقوي- فرصة للتقدم على الولايات المتحدة، وتحقيق انتشار أوسع في إفريقيا عن طريق زيادة وتيرة استثماراتها ودعم نفوذها الاقتصادي والسياسي في القارة.

ü            إن القارة الإفريقية سوف تتضرر أيما ضرر من جرّاء هذا الصراع المأزوم، والتنافس المحموم والاستقطاب الحاد (المفروض عليها)، لأن ذلك سيزيد من حدة التوترات فيها، ومن تفاقم مشكلاتها المستشرية، المتمثلة في الصراعات والنزاعات والحروب الأهلية، وبعض الإشكالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأخرى.

الهوامش :

01 – موقع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ترجمة: عمر الشتيوي، مجلة المرصد، المركز الباكستاني للدراسات الإقليمية، العدد9، ماي 2006 ، ص. ص 6-7.

02– محمد إبراهيم النعاس، ”الصين وجنوب آسيا واقعية جديدة”، مجلة المرصد، ، المركز الباكستاني للدراسات الإقليمية، العدد9، ماي2006، ص10.

03– ”الصين تكسب مصادر ولاءات أفريقيا”، جريدة الفاينانشيال تايمز، 28 ، فبراير، 2006.

04–   المرجع السابق نفسه.

05– جعفر حسن محمد أحمد ، ” الصين تتجه استراتيجيا نحو إفريقيا السمراء “،  مجلة الصحافة للديمقراطية والسلام والوحدة ، العدد 5281.، 02/03/2008.

06– أحمد علو ، ” التنين يحرك ذيله فماذا يفعل النسر ” ، العدد 26 .1/3/2007.

07 – محمود أبو العينين ، ” العلاقات الأوروبية الإفريقية بعد انتهاء الحرب الباردة ” ، السياسة الدولية ، العدد 140. ، أبريل 2000 م ، ص 8.

08 – حمدي عبد  الرحمان ، ” السودان ومستقبل التوازن الإقليمي في القرن الإفريقي “، السياسة الدولية، العدد 147، يناير 2001.، ص 113.

09– Sudaneseonline.com.

10– http://www.cmes-maroc.com.

1[1] –Zing Qiang,” China-Africa: relations since the introduction of FOCAC”, Almaghrib Alifriqui,no. special(2008),p24.

12 – Adama Gaye, ” la Chine en Afrique inquiéte l’occident”, New Africain, no. 3,(2008), pp.8-9.

13 – حمدي عبد  الرحمن، المرجع  نفسه، ص 115.

14Adama Gaye, Op.Cit, p 11..

15- www. cnnarabic.com

– 16www.islamonline.net

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button