نظرية العلاقات الدولية

الدولة القانعة وغير القانعة

التجاني صلاح

  تحديد مصالح أو أهداف الدولة يتم عبر مؤسسات عديدة ومتباينة، سواء كانت مصالح اقتصادية أو سياسية أو حضارية أو غيرها، وهي تختلف بطبيعة الحال من دولة لأخرى ومن زمان لآخر.

  ثمة مفاهيم عديدة تؤثر على تحديد مصالح الدولة، منها مفهوم القوة وعلى أساس هذا المفهوم تقسم الوحدات السياسية في النظام الدولي، إلى دول قوية قادرة على حماية ذاتها وأمنها، ودول ضعيفة ودول فاشلة ومارقة، ومن حيث إمكانياتها من القوة تصنف الوحدات السياسية إلى دول قوية وقانعة بالأوضاع القائمة، أو دول قوية وغير قانعة، أو دول ضعيفة غير قانعة بالوضع أو دول ضعيفة وقانعة.1

  كون الدولة قوية أم ضعيفة فإن ذلك يرجع إلى عدة عوامل وأسباب, مثل قوة الإرادة المتوفرة لديها في المقام الأول, وعدد السكان في الدولة والمستوى الاقتصادي والموارد الطبيعية التي تتحكم فعليا بها, أما كونها قانعة أم غير قانعة بالأوضاع القائمة, فهذا يعتمد بصورة أساسية على التناسب المفترض بين حجم القوة لدى الدولة, بما ينطوي عليه من إمكانيات عسكرية متقدمة ومتطورة وجيش نظامي قادر على استخدام هذه الإمكانيات , مقارنة بالأهداف أو المصالح التي تتوخاها في مدي معين, وبهذا الاعتبار فإن معدل التناسب يكون متزايدا لدى الدولة القوية, ومتناقصا ومختلا لدى الدول الضعيفة.

  في نظريته (توازن المصالح) قسم “راندل شويللر” الوحدات السياسية في النظام إلى صنفين أساسين: صنف قانع بالوضع الراهن وصنف غير مقتنع به، والثاني إما أن يكون عدوانيا جامحا وإما أن يكون ضعيفا، عليه فإن الدول العدوانية غير القانعة بالوضع الراهن هي من تنزع إلى القوة وإحداث التوازن المفترض، أما الأخرى فإنها تتجه إلى مسايرة الركب والوقوف بجانب الأقوياء.

  وبالرغم أن تحديد معايير تتسم بالدقة والصدق لقياس قوة الدولة يعتبر أمرا شاقا وصعبا وذلك لكثرة العوامل والمتغيرات المتداخلة في ذلك خاصة العوامل المعنوية, بالرغم من ذلك فإن قياس قوة الدولة بهذه المقاييس والمعايير ربما يعطي نتيجة تقترب من الصحة, غير أنه من الصعوبة بمكان الحكم على قناعة الدولة القوية بالوضع الراهن, لأن ما تعتقد الدولة أنها وصلت فيه إلى تحقيق الهدف أو المصلحة في وجود حجم متعاظم من القوة, يتم الحكم عليه من جهات أخرى داخل الدولة ذاتها أو خارجها بأنها حادت عن الصواب, بل أنها فشلت فيه فشلا ذريعا, بحسب المنظور الذي تنظر به تلك الجهات في تحديد المصلحة. إضافة إلى أن التوق الدائم للأمن يجعل الدولة في حالة قلق وتوجس مستديمين، فأعداء الأمس من الممكن أن يكونوا هم أصدقاء اليوم وأصدقاء اليوم من المحتمل أن يكونوا هم أعداء الغد. وفي ظل المتغيرات السياسية والمصالح المتعاقبة والمتلاحقة فإنه لا يمكن التكهن بما يضمره الطرف الأخر مهما كانت متانة العلاقات بين الطرفين، ومهما كان تطور الطرف الأول المعلوماتي والتقني ومهما بلغت درجته الاستخباراتية.

  إذا أسقطنا حالة الاقتناع بمقاربة تحديد المصالح وحجم القوة المتوفر بالدولة، فإن التجربة التاريخية برهنت أن الدولة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ومن اهتدى بهديهم، هي دولة قوية وقانعة،لأن حجم القوة الموجود هو أكبر مما لدى الأطراف الأخرى بل أكبر بكثير من أي قوة أخرى على وجه الأرض، ولأن الإسلام دين عملي وواقعي ويقود إلى سعادة الدنيا والدين، وليس نظرية خيالية لا وجود لها في الواقع.2

  مع هذا فإن ما تتميز به هذه القوة هو ثباتها وديمومتها، فهي ليست مؤقتة أو منقطعة، بل دائمة ومستمرة في كل الأمكنة والأزمنة، أما الدول الضعيفة والقانعة، فإنها إضافة لضعفها، تسلم قيادها للركب وللأهواء والشيطان، وعلى الأرجح هي دول وحكومات مستبدة أو حكومات أوباش.

  مع هذا فإن ثمة أسباب عديدة تقود إلى حالة عدم الاقتناع والرضا في الدولة سواء من داخل أطرافها أو من خارجها ومع الأسف هي أسباب موجودة في كثير من الوحدات السياسية في الواقع المنظور في المجتمع الدولي منها:

1__أن تخالف الدولة المواثيق والمعاهدات الدولية، وأن تبدل فيها وفق مقتضى الحال أو بالأحرى وفق المصالح الآنية لديها، وان تنكص عن الاتفاقيات وتمرق منها كيفما تشاء.

2_أن تحتل الدول الضعيفة، وأن تدمر دولا أخرى عن طريق أباطيل وأكاذيب وتلفيقات، هم يعلمون يقينا ببطلانها.

3_أن تهتدي بهدي اليهود والشيطان.

4_أن تسمي الأشياء بغير مسمياتها، كأن تسمي غزو واجتياح الدول (تحريرا) وأن تسمي التقسيم (فيدرالية) والعملاء (أصدقاء) والدعوة للانفصال هو (حق تقرير المصير).

5_أن تتدخل الدولة في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وتنتهك سيادتها واستقلالها، وأن تدعم الحركات المتمردة وتدعم الانفصاليين.

6_أن تدعو الدولة إلى الدياثة والإباحية والانحلال والفجور وأن تآخي الشيطان.

7_أن تدعي العمل لنشر الديمقراطية في العالم، وتعمل في الوقت نفسه على وأد الحرية وتصفية المخالفين والمعارضين.

8_أن تقبل الدولة الظلم والاستبداد والطغيان.

9__ أن تدعو إلى تحكيم العقل والتجريب والتخلص من النقل والنصوص.

المصادر:

1_ اسماعيل صبري مقلد ، العلاقات السياسية الدولية دراسة في الأصول والنظريات

2_د. سفر بن عبدالرحمن الحوالي ، المسلمون والحضارة الغربية

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى