الدولة المفترسة Predatory State

الأستاذ الدكتور كمال محمد محمد الأسطل Prof.Dr Kamal M M AlAstal
 
تقديم
هناك مسميات لأنواع عديدة من الدول مثل الدولة المفترسة Predatory State، الدولة المارقة Rogue State، الدولة الفاجرة Bawdy State، الدولة الفاحشة Vulgar or Dirty State،  الدولة المستبدة Despotic state،  الدولة القاتلة Killer State، الدولة الطاغوتية Tyranny State ، الدولة الغنائمية Spoil-oriented State  ،الدولة الريعية ٌRentier State…وغيرها.. وسيتم التركيز هنا على الدولة المفترسة.
يستخدم لاري دياموند في مقالته عن “التراجع الديمقراطي” المنشورة في مجلة “فورن افيرز” تعبير “الدولة المفترسة”، الذي يذكرنا بتعبير مألوف لنا نحن العرب منذ أن استخدم الفقهاء مصطلح “الملك العضوض” لوصف الدول المتعاقبة التي تلت عهد “الخلافة الراشدة”، ولم يستثنوا من هذا الوصف سوى فترة محدودة جداً هي عهد الخليفة العادل “عمر بن عبدالعزيز“. كما يذكر ذلك بسام الهلسة.
لكن دياموند يحصر تعبيره بالدول التي تمارس التعديات على شعوبها، ولا يمده ليشمل الدول التي تفترس غيرها من الدول والشعوب كالذي تفعله أميركا وإسرائيل.. وكأن كون دولة ما تتبنى نظاماً ديمقراطياً، يمنحها تفويضاً بالعدوان على الآخرين باسم تعميم التمدن والتحضر كما جرى في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، أو باسم نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان كما يجري الآن.
اعتراضنا هذا على حدود التعبير ونطاق استخدامه، لا ينبغي أن يحجب عنا رؤية ما ينطوي عليه من فهم محرض على التبصر في الواقع المر الذي تعيشه بلادنا المبتلاة بالمفترسين من كل شاكلة: غزاة أجانب أو طغاة محليين… فإذا كان الغزاة يصادرون سيادة ووطن وموارد وهوية الأمة، فإن الطغاة ينهبونها ويستغلونها ويصادرون حقها في الاختياروقسم منهم لا يكتفي بالعمل لحسابه وحساب الفئة الحاكمة معه فقط، بل يتعداه ليتعاون مع المحتل والناهب الأجنبي على قهر واستنزاف أمته وشعبه، كما فعلت إمارتا “المناذرة” و”الغساسنة” التابعتين من قبل.
ولكي لا نسلك مسلك “تبرئة الذات” الذي يلقي بالتبعات على الآخرين فقط، فإننا نؤكد على مسؤولية الشعوب تجاه ما يحل بها وما تعانيه جراء تهاونها (وتواطؤها في بعض الاحيان) في الدفاع عن حقوقها وفي المطالبة بها.. مما يمكن المفترسين من استباحتها واستعبادها فيما هي (أو أغلبيتها) تتفرج بلا مبالاة أو تكتفي بالتذمر والشكوى والندب، مدللة على ما وصفه المفكر الجزائري الراحل “مالك بن نبي” بـ”قابلية الاستعمار”، التي نضيف لها “قابلية القهر والاستغلال” التي تلبست الشعوب العربية منذ أسلمت نفسها للمتغلبين الذين اقصوها عن المشاركة في إدارة الشؤون العامة واستبدوا بها كشأن خاص بهم.
ومع تطاول العهد صار ما يحل بشعوب الأمة من إذلال واستخفاف وبطش وعسف، أموراً معتادة تضاءلت معها مشاعر ومعاني الكرامة والحرية والمساواة والعدل والنجدة، التي تحفز الناس وتحركهم لرفض الظلم ومجابهته.
وغرقت الأغلبية في لجة المشاغل والحاجات الأنانية والشؤون الخاصة (الشخصية والعائلية والعشائرية والجهوية والطائفية).. تاركة “مجال الشؤون العامة” للمتغلبين المفترسين ليعبثوا فيه –وبها- كما يشاؤون.
وهو جزاء ستظل تدفعه وتعانيه حتى تكف عن لا مبالاتها وتهاونها، وتنهض بعزم لنيل حقوقها المبددة والمستلبة، وتقوِّم ميزان العدالة المائل، إن أرادت حقاً أن لا تظل فريسة للمفترسين.
 
 
الدولة المفترسة كما يراها “لاري دياموند”
على عكس ما ساد من آمال لدى الكثيرين بشأن تطور مسيرة الديمقراطية على الصعيد العالمي، في منحنى تصاعدي، وعلى عكس ما بشرنا به صاموئيل هنتنغتون في كتابه بشأن «الموجة الثالثة» يصدمنا لاري دياموند أستاذ العلوم السياسية في جامعة ستانفورد وأحد مؤسسي جريدة «الديمقراطية» في مقال له نشره في عدد سابق من مجلة «فورين آفيرز»Foreieng State  الأميركية بأطروحة يدعمها بالأدلة والأمثلة على تراجع الديمقراطية في العالم.
مشيرا إلى أنه بعد عقود من المكاسب التاريخية، يشهد العالم انتكاسة ديمقراطية في ظل صعود ما يصفه بـ «الدولة المفترسة»، على نحو يهدد الديمقراطيات الوليدة ومساعي تأسيس ديمقراطيات جديدة حول العالم. غير أن دياموند لا يتركنا فريسة لهذه المخاوف بل يبشرنا بأن هذا الاتجاه يمكن تغييره أو بالأحرى تحويل مساره من خلال العمل على تطوير نظم حكم جيدة تتسم بقواعد حازمة بشأن المسائلة، فضلا عن استخدام المساعدات المشروطة من قبل الغرب من أجل تحقيق هذه المهمة.
من البداية يشير لاري دياموند في مقالته إلى أنه منذ عام 1974 تحولت أكثر من 90 دولة إلى الديمقراطية وأنه بحلول نهاية القرن الماضي أصبحت نحو 60% من دول العالم المستقلة تقريبا تدرج في عداد الدول الديمقراطية، ويذكر أن دمقرطة المكسيك واندونيسيا في نهاية التسعينات من القرن العشرين و«الثورات الملونة» في جورجيا وأوكرانيا شكلت قمة المد الخاص بالتحول الديمقراطي.
ويشير إلى أن الديمقراطيات التي تواجه الأخطار توجد في الغالب في الدولة ذات الأداء الضعيف سياسيا، وحيث يتم احتكار السلطة وتقييد الحريات السياسية واستخدام السلطات المؤسسية من أجل تعظيم أرباح النخبة الحاكمة وهي في النهاية تمثل ما يصفه المؤلف بالدولة المفترسة. وفي ظل هذه الدولة فإن الحكومة لا تهتم بالصالح العام مثل الطرق والمدارس والعيادات ونظام الصرف الصحي، وتتم المشاركة السياسية على أساس التعبئة من أعلى.
ويخلص من عرض أوضاع الدولة المفترسة إلى أنها لا تستطيع دعم الديمقراطية في ضوء أن تحقيق تلك المهمة يتطلب المؤسسية والتوافق واحترام القانون. كما أنها لا تستطيع حتى تحقيق نمو اقتصادي ذي قيمة. ثم يعرض الكاتب ما يراه وصفة مطلوبة من أجل انتصار الديمقراطية، مؤكدا على أن ذلك يتطلب بالأساس تقييد الاتجاهات الافتراسية لدى الحكام من خلال قواعد مشددة ومؤسسات نزيهة.
ويضيف دياموند أن هذه الدول يجب أن تبني مؤسسات فعالة من أجل تقييد حرية   التصرف التي يتمتع بها «الحاكم المفترس» Predator ، وأن تخضع قرارات وأفعال هؤلاء الحكام للرقابة والفحص، وأن يكونوا قابلين للخضوع للمساءلة أمام القانون وهي وصفة رغم ما قد تبدو عليه من مثالية إلا أنه لا شك أن تحقيقها قد يعزز مسيرة الديمقراطية على مستوى العالم.
يرى محمد ياغي في صحيفة الأيام الفلسطينية  بتاريخ 13-6-2014 أن هناك عدة معايير وأصناف للدول..ويمكن جراء مقارنة بين الدول وفقا لعدة معايير.
 
يصنف علماء الاجتماع السياسي الدول بطريقتين:
الطريقة الأولى  تصنيف الدول من حيث طبيعتها:  طبيعتها بمعنى إن كانت الدولة
(1)            قوية، (2)  ضعيفة،  (3) أو فاشلة،
الطريقة الثانية من حيث نوع نظام الحكم:   ومن حيث نوع نظام الحكم فيها إن كان (1) نظاماً ديمقراطياً ، (2) أو مستبداً.

أولا: التصنيف الأول للدول يعتمد على معايير ثلاثة:
(1)            قدرة الدولة على حماية أراضيها وأجوائها وشواطئها من أية اعتداءات خارجية،
(2)              وقدرتها على تنفيذ مهامّها الأساسية في حفظ أمن مواطنيها وممتلكاتهم وفي توفير احتياجاتهم الأساسية،
(3)             ودرجة تمتعها بالشرعية الوطنية والدولية من قبل مواطنيها ومن بقية دول العالم.
تصنيف الدول وفق هذه المعايير الثلاثة، لا يعني بالضرورة أن كل الدول القوية تتمتع بنفس القدرات ولديها نفس الشرعية. إيران مثلاً دولة قوية لكن هناك صراعاً على الشرعية فيها، بالمثل، بعض الدول قد تكون ضعيفة من حيث المقدرة على السيطرة على أراضيها لكنها تحظى بقبول شعبها. وبعضها قد تكون فاشلة أو في طريقها للفشل بسبب ضعف مؤسساتها واستشراء الفساد فيها وفقدانها لثقة الشعب.
التصنيف الثاني الذي يلجأ إليه علماء الاجتماع السياسي هو القائم على طبيعة النظام السياسي، هناك الدول الديمقراطية والدول المستبدة وبينهما توجد مسافة تسمح بالحديث عن درجات من الديمقراطية أو الاستبداد.
 
الدولة المفترسة
لكن، هل حقاً تكفي هذه التصنيفات للدلالة على ما يميز الدول بعضها عن بعض؟ كيف نصنف الدول العربية مثلاً؟.
نعلم جميعاً مثلاً أن هناك غياباً للتداول السلمي على السلطة في أغلب أنظمة الحكم في المنطقة العربية  وأن الحريات المدنية والسياسية محدودة وأن هذه الدول لا توجد فيها علوية لسيادة قانون وضعته هي، ما يجعلها جزءاً من أنظمة الاستبداد. ونعلم أيضاً أن الغالبية الساحقة منها، إن لم تكن جميعها، عاجزة وبدرجات متفاوتة على حماية أراضيها وعلى توفير الخدمات الأساسية لشعبها وهي قطعاً لا تتمتع بشرعية قانونية على الأقل لعدم وجود انتخابات نزيهة، لكن، هل تكفي كلمتا “الاستبداد” والضعف” لوصف الدولة العربية؟.
بعض علماء الاجتماع السياسي أدرك محدودية القيمة التحليلية مثلاً لمفهوم الدولة الضعيفة لوجود مظاهر مهمة في بعض الدول لا تستطيع كلمتا “الاستبداد” و”الضغف” أن تصفها، مثلاً أطلق هؤلاء العلماء وصف “الدولة المفترسة” على تلك الدول التي جعلت من وظيفتها الأساسية جباية الضرائب من شعوبها لزيادة أرصدة حكامها.
 
 
(1)            الدولة “المفترسة” هذه الدولة التي تقوم بجمع الضرائب Taxes without proper services ولكنها لا تقدم خدمات لشعبها بالمقابل، بل تقوم باستخدام الأموال التي تجمعها لرفاهية حكامها وللحفاظ على المؤسسة الأمنية التي تحميها.

لكن كيف يمكننا تصنيف الدول المفترسة و التي تتمتع بالخصائص التالية:
(1) الدولة المفترسة هي دولة “فاحشة”  سواء أكانت دولة فقيرة أو  غنية يصرف حاكمها على نفسه وعلى حاشيته المقربة منه أكثر مما يصرف على الخدمات المقدمة لشعبه،
(2)            الدولة المفترسة هي ” دولة طاردة ” دولة  تدفع شبابها يفكرون بالهجرة  وتهجّر  سكانها من خلال القمع والفقر والجوع والبطالة  باسم الحرب على الإرهاب،أو باسم الوطنية ..أو أي مسمى زائف.
(3)            الدولة المفترسة  هي  دولة تقسم شعبها إلى شعبين، وتحمي من معها بينما تقوم بملاحقة وسجن وقتل من يقف ضدها.
(4)            الدولة المفترسة هي دولة لم تجر فيها انتخابات منذ تأسيسها تناصر “الديمقراطية” في مكان و”الديكتاتورية” في مكان آخر،
(5)            الدولة المفترسة هي دولة  تحارب “الإرهاب” Terror في مكان وتدعمه في مكان آخر.
(6)            دولة تعيش غالبية سكانها في حالة فقر لكنها مشغولة بمحاربة عدو من اختراعها،
(7)            الدولة المفترسة  هي دولة “فاقدة للعقل”  Irrational  والرشادة ٌ Rationality دولة تشتري  أسلحة بملايين ومليارات الدولارات ولا تستطيع حماية حدودها،
(8)            الدولة المفترسة دولة انقلابية Coup d,etat  تغتصب الحكم بعد انتخابات عامة ونزيهة،
(9)            الدولة المفترسة  دولة قد تكون وراثية أو غير وراثية يرث رئيسها الحكم  ولكنها تكون ديمقراطية  أكثر  من نظم حكم تسمي نفسها جمهورية،أو بالعكس.
(10)      الدولة المفترسة دولة تقدم الخدمات لشعبها تحت مسمّى المكارم والعطايا.
جميع هذه الدول تجتمع فيها صفتا الضعف والاستبداد ولكن الكلمتين لا تعطيان هذه الدول حقّها في الوصف، ولا تفيها للدلالة على مكنونها لأن ما يجمع هذه الدول مع بعضها أكثر من سمتي الاستبداد والضعف. الدولة التي تشرّد نصف شعبها هي دولة “قاتلة” Killer Stateبالتأكيد، والدولة التي تصرف على رفاهية حكامها أكثر مما تصرف على شعبها هي دولة “فاحشة” بكل المقاييس، والدولة التي تكدس الأسلحة وتنفق عليها عشرات المليارات بينما هي عاجزة عن حماية نفسها هي دولة “فاقدة للعقل”، Irrational State وهكذا.
هل من صفة يمكنها أن تعبّر عن حقيقة هذه الدول جميعها، هل من قاسم مشترك بينها أبعد من صفتي الضعف والاستبداد Despotism ؟، لست متأكداً لكني سأطلق عليها لقب الدولة “الفاجرة” وسأعرف هذه الدولة بأنها التي تجعل من الإنسان أرخص موجوداتها.
 
الدولة الفاجرة
الدولة الفاجرة هي دولة ضعيفة ومستبدة بطبيعتها، لكن أهمّ ما يميزها هو استعداد النظام الذي يحكمها لتدمير الدولة التي يدعي رعايتها للحفاظ على نفسه. الدولة هنا لا تترك لشعوبها خياراً غير إسقاطها حتى لو أدى ذلك لتفكيك مؤسساتها، هي بالنسبة لشعوبها دول محتلة من عدو خارجي لا يمكن الوصول معه لحلول وسط، لأنه لا يمانع في دمار الدولة إن لم يكن هو على رأسها. هذه الدول بكل تأكيد “فاجرة“.

SAKHRI Mohamed
SAKHRI Mohamed

I hold a Bachelor's degree in Political Science and International Relations in addition to a Master's degree in International Security Studies. Alongside this, I have a passion for web development. During my studies, I acquired a strong understanding of fundamental political concepts and theories in international relations, security studies, and strategic studies.

Articles: 14657

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *