دراسات مغاربية

الديمقراطية التونسية في مواجهة امتحان بالغ الصعوبة (معضلة نبيل القروي)

  • حتى يكون القارئ في الصورة فإن هذا المقال كنت قد كتبته مباشرة بعد إعلان نتائج الدور الأول من الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي شهدتها تونس يوم15 سبتمبر 2019 ، وهي الانتخابات التي حظيت باهتمام عربي وعالم غير مسبوق، ولم يشذ الجزائريون عن ذلك ، إذ أنه لم يحدث أبدأ أن تابع الجزائريون الحدث الانتخابي في الجارة تونس كما فعلوا مع الانتخابات الرئاسية الأخيرة، خاصة وأن هذه الانتخابات التي كانت بمثابة العُرس الديمقراطي في أجواء من الترقب والأمل والحذر من قبل الشعوب العربية المتعطشة لنسائم الديمقراطية الحقيقية في حين كانت العديد من الحكومات والأنظمة العربية تترقب الحدث الانتخابي التونسي بعميق القلق وبالغ الانشغال إذ ليس يوجد كابوس ينغصُّ على الأنظمة والحكومات روعة الهدوء وراحة البال مثل نجاح الفعل الديمقراطي في هذا البلد العربي أو ذاك لأن العدوى الديمقراطية عندئذ قد تُطلق عنان الطموح والأمل، وتزرع فكرة مغرية عن إمكانية وجود البديل الديمقراطي المنشود في أذهان ملايين الشباب العرب، وبالتالي إمكانية الخروج من الدائرة المغلقة للديمقراطية المسرحية الهزلية المفروضة على شعوب الوطن العربي الكبير من المحيط إلى الخليج مما يجعل نجاح الاستثناء التونسي خطرا ماثلاً يتطلب الحذر والترقب، ومن هنا رأيتُ أَّنَّه قد يكون من المفيد أن أضع هذا المقال الذي لم يُنشر من قبل في حيِّز الاطلاع وهو يتضمن على أية حال رؤية مواطن جزائري، للمشهد الانتخابي الرئاسي الأخير في تونس لحظة إعلان نتائج الدور الأول، وهذا هو نص المقال :
  •  لقد كانت الانتخابات الرئاسية الأخيرة في تونس محط اهتمام عربي وعالمي غير مسبوق وكما يعرف الجميع فإن الانتخابات التونسية كانت قد أفضت إلى دورٍ أولٍ فاز فيه كل من السيد قيس سعيد والسيد نبيل قروي، علما وأن السيد نبيل قروي قد تحصَّل على المرتبة الثانية وهو قيد الحبس، بعد أن تم توقيفه في وقت مشبوه ويثير الكثير من الشكوك والتساؤلات عن الخلفيات السياسية المحتملة لهذا التوقيف، إذ تساءل البعض إذا كان هذا التهرب الضريبي يعود إلى سنة 2016 فلماذا تم الانتظار إلى سنة 2019 للتحرك ضد المعني؟ وقال آخرون، إن قوانين الضرائب في مختلف دول العالم تسمح عادة بحلول أخرى قبل اللجوء إلى الحبس، ومنها إجراء المصالحة بما يسمح للمعني بدفع ما هو متوجب عليه دونما حاجة لحبسه وهو على أُهبة الترشح لأهم استحقاق انتخابي …؟
  • والواقع أن جوهر المعضلة التي تواجهها الانتخابات التونسية في دورها الثاني تكمن هنا بالتحديد أي في الإشكال الذي لم يتحسب له المسؤولون التونسيون، فلم يتوقع أحدٌ أن يفوز نبيل القروي بالمرتبة الثانية وهو قيد الحبس بتهمة التضرب الضريبي، ولكن يبدو أن الكثير من التونسيين لم يهضموا توقيف السيد قروي ولا التهمة الموجهة إليه، وبخاصة التوقيت الذي جرى فيه التوقيف، فكان ردهم حاسما ونوعيا وصانعا للاستثناء فهذه هي المرة الأولى التي يفوز فيها مترشح في انتخابات رئاسية وهو قيد الحبس، حتى وإن كان الفوز هنا يتعلق بالدور الأول فقط، ولكن مع ذلك يبقى الاستثناء واضحا في مغزاه العميق.
  • نحن إذا أمام أمر من ثلاثة:
  • الأول، هو أن تفرج العدالة التونسية عن السيد نبيل القروي ليقوم بحملته الانتخابية بصورة عادية في مواجهة الفائز بالمرتبة الأولى، وهو حل مطروح خاصة وأن المتهم الأول بالوقوف وراء هذا الاعتقال- الذي لايخلو من خلفية سياسية – السيد يوسف الشاهد قد صار خارج السباق الانتخابي، وفي هذه الحالة شتشهد تونس ومعها الشعوب العربية حدثا ديمقراطيا ممتازا، وسيكون الرئيس التونسي القادم رئيس كامل الشرعية في قيادته لتونس مهد الديمقراطية العربية، لكن هذا السيناريو رغم أنه السيناريو الأفضل والأعدل، سيطرح سؤالا عميقا عن مدى استقلالية العدالة التونسية التي لم تستطع أن تقاوم ضغط رئيس الحكومة يوسف الشاهد وانساقت وراء تنفيذ اعتقال ذي خلفية سياسية على الأرجح.
  • الأمر الثاني، هو أن تقرر العدالة التونسية إبقاء السيد القروي قيد الحبس، مما يعني أن الزمن القضائي سيأكل الزمن السياسي، وفي هذه الحالة من المؤكد والثابت أن الفائز بالمرتبة الأولى وهو أستاذ قانون مشهود له بالاستقامة الأخلاقية لن يقبل على الأرجح أن يخوض السباق الانتخابي إلى قصر قرطاج ضد شخص فاقد لحريته، حتى إذا افترضنا أنه سيكون هناك من ينوب عن السيد نبيل القروي في خوض حملته الانتخابية في الدور الثاني.
  • الأمر الثالث، وهو الاحتمال الذي سنكون بصدده في حالة ما إذا قرر السيد قيس سعيد خوض حملته الانتخابية بصورة عادية، فإذا فاز هو بالرئاسة فلن تكون ثمة مشكلة، كما لن يكون الأمر مفاجئا لأنه فاز بالمرتبة الأولى في الدور الأول،أما إذا فاز السيد نبيل قروي وهو قيد الحبس فإن فوزه بالرئاسة سيمنحه الحصانه ويصبح إطلاق صراحه تحصيل حاصل، ونكون عندئذ إزاء حدث سياسي غير مسبوق وهو فوز مترشح بمنصب رئيس الجمهورية وهو وراء القضبان، لكن ما يقلل من احتمالية هذا السيناريو من وجهة نظر بعض المراقبين ، أنه يوجد توجه محتمل لدى الدولة العميقة في تونس يقضي بعدم السماح لرجل أعمال بالوصول إلى أعلى مسؤولية في البلاد.
  • ولأن شبح السيناريو- الأمر- الثاني هو الذي يلوح في أفق السياسة التونسية بقوة، فقد بدأ البعض يتحدث عن إمكانية تعويض السيد نبيل القروي بالفائز بالمرتية الثالثة في الدور الأول، ومن الواضح أن حلا مثل هذا، سيكون بمثابة اللاّحل، لأنّه كما هو بيِّن سيكون ضد الإرادة الشعبية، كما أنه من غير المؤكد أن صاحب المرتبة الأولى سيقبل أو لايقبل ، مواصلة السباق الرئآسي في مواجهة ثالث الفائزين بالدور الأول.؟
  • وهناك احتمال آخر وأخير، في حالة تعذر الأخذ عمليا بالسيناريو السابق، وهو أن يُصار إلى إعادة العملية الانتخابية برُّمتها، أي إلغاء الانتخابات الراهنة، والشروع في الإعداد لعملية انتخابية جديدة لاختيار رئيس جديد لتونس، ولا شك أن الأخذ بهذا الحل يتطلب وجود إمكانية حقيقية لتأسيسه بطريقة شرعية، فهل يسمح الدستور التونسي بهكذا مخرجات؟ أم أنه لم يتحسب أصلا لهكذا إشكال؟ وحتى إذا افترضنا أنه توجد ثمة إمكانية- دستورية وواقعية- لإعادة العملية الانتخابية برمتها، وأن تونس قد انخرطت بالفعل في إعادة الانتخابات الرئأسية، فإن من شأن ذلك أن يضع التجربة الديمقراطية التونسية بحذافيرها موضع تساؤلات عميقة..
  • وهنا لابد من الإشارة إلى أمر هام، ويعنينا أن نستفيد منه، درس أبرزته الحياة السياسية في تونس مؤخرا وهو أن دستور سنة 2014 في تونس إذا كان قد استجاب لطلبات النخب السياسية وعبر عن طموحاتها، فإنه- دستور 2014- لم يفلح في الاستجابة لتطلعات وطموحات شرائح واسعة من الشعب التونسي الذي وجه في الانتخابات الأخيرة رسالة قوية وواضحة لتلك النخب العلمانية منها أو الدينية
  • وعليه نجد أنه إذا كانت العدالة التونسية تملك الوقت الكافي للنظر في قضية الفائز بالمرتبة الثانية السيد نبيل القروي، وبالتالي الرئيس المحتمل لتونس، فإن الساحة السياسية التونسية لا تملك مثل هذا الوقت لأن بقاء نبيل القروي في الحبس لن يكون كإطلاق سراحه للمشاركة في الدور الثاني الذي فازبه – بإرادة الشعب التونسي- كما أوضحتُ أعلاه، السباق الإنتخابي التونسي إذا في مواجهة زمنين، الزمن القضائي الذي يستطيع أن يتريث والزمن السياسي الذي لايملك مثل هذا الخيار، ولكل زمن مقتضياته وثقله ومترتباته..
  • وملاكُ القول ، أنه ورغم ما تواجهه التجربة الديمقراطية في تونس اليوم، فإن ثمة مايدعو  إلى التفاؤل بقدرة التونسيين على تجاوز المعضلة الراهنة، فالشعب التونسي يتوفر على رصيد تاريخي وثقافي عريق، كما أن الوعي العام في تونس يدعو إلى توقع الأفضل، أما من الناحية السياسية فإن اللجنة المستقلة لتنظيم ومراقبة الانتخابات في تونس قد برهنت عمليا على استقلاليتها ونزاهتها عندما أعلنت بوضوح أن المترشح المحبوس نبيل القروي، سيبقى مترشحا في نظر القانون حتى صدور حكم قضائي، وهو موقف يُحسب لهذه اللجنة وأعضائها، ويصبُ في رصيد التجربة الديمقراطية في تونس، هذه التجربة التي نتمنى يقينا أن تتغلب إيجابيا على المعوقات المختلفة، بما يصب في مصلحة الشعب التونسي وطبقاته الكادحة، وبما من شأنه أن ينعكس على المحيط الإقليمي لتونس، الذي تتطلع شعوبه- المحيط الإقليمي- إلى الخروج من دوامات الفشل والإحباط ، وهيمنة الأحزاب الفاسدة التي أصبحت في أغلبها  موئلا  لأكثر النخب شهرة في العالم، أعني موئلا لأكثر النخب اشتهارا بالرشوة والكذب والتواطئ ضد المصالح الحقيقية لشعوب معذبة وأجيالٍ صاعدة توشك أن تضيع ضياعا أبديا….

                                               

 فوزي حساينية

 كاتب، ومتصرف مستشار بقطاع الثقافة           

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى