القاموس السياسيدراسات سياسيةنظرية العلاقات الدولية

الديناميكا السياسية ومفاهيم القوة والنفوذ والنسق والضغط والصراع والديالكتيك وتوازن القوى

The Political Dynamics and the Concepts of Power, Influence, System, Pressure, Conflict, Dialectic, and Balance of Powers

 الأستاذ الدكتور كمال محمد الأسطل   

 علم الديناميكا السياسة هو علم القوة الديناميكية The Political Science and  Dynamic Power    

 1-القوة  Power هي مصطلح الأساس لعلم السياسة

يرى علماء السياسة المعاصرين أن مفهوم الأساس لعلم السياسة هو القوة Power  حيث تشكل القوة وعلاقاتها صلب علم السياسة. إن الواقعية السياسية منذ مؤسسها وإمامها “ميكيافللي” وحتى يومنا هذا لا ترى في العلاقات السياسية أكثر من علاقات قوة، إنها لا تعدو أن تكون في الواقع أكثر من علاقات بين طرفي قوى فعلية هما الحاكمون والمحكومون. وكل ما يعنى به الواقعيون هو مدى فاعلية الحكم ذاته، أو في معنى آخر مدى فاعلية الوسائل بالنسبة للأهداف، وبصرف النظر عن مدى مجافاتها للقيم الأخلاقية. وهكذا يربط الواقعيون عالم السياسة كله بحقيقة هي القوة وبالقوة الفعلية وحدها، فهي لدى هؤلاء صلب ذلك العلم مركز الاهتمام لكل دراساته. (Al-Astal, Kamal, Political Studies in English, 2011, p.2.)

ويعتبر الأستاذ الأمريكي “أرثر بنتلي” إمام العلميين المعاصرين الذين اتخذوا من فكرة القوة مركز الاهتمام لعلم السياسة كعلم تجريبي وباعتبارها صلب الواقع السياسي قاطبة. وذلك في كتابة الصادر عام 1908 بعنوان The process of Government وفي هذا العنوان ذاته تنبيه إلى الخروج على منهج المدرسة التقليدية في الدراسات السياسية. فصاحب هذا الكتاب لم يعنونه “بالدولة” وإنما عنونه “بالحكومة” من حيث هو واقع حركي ديناميكي. حيث  عنى الكاتب الأمريكي “بنتلي” في كتابه وبالدرجة الأولى بواقع الحكومة أو بواقع الحكم من حيث هو مجرد “نشاط” دون واجباته القيمية، وذلك ما تقطع به كلمة Process  التي ربطها بالحكم في عنوان كتابه وخلال سياق دراساته.  ( بدوي، محمد طه، المنهج في علم السياسية، 1998: ص ص 21-23).

 العملية Process

 والحق أن كلمة أو لفظة “Process الأمريكية ليس لها مقابل يطابقها تماما في اللغة العربية ولا حتى في اللغات اللاتينية الأصل (كالفرنسية”، وكل ما نستطيع أن نقدمه تفسيرا لها هو أن ففيها إيحاء بفكرة “النسق” وفكرة الحركة معا، في معنى أنها تشير إلى علاقات واقع مركب من مجموعة عناصر متغيرة،  وهي فيما بينها متساندة متفاعلة على وضع يمكن لانسجامها فيما بينها،  واستمرارها ككل متسق، وبما يؤكد أن أي تعير في عنصر من عناصره يؤدي إلى تغيرات في العناصر الأخرى.

وجملة القول في شأن كتاب “بنتلي” هو أن مضمونه يدور حول الحكم من حيث هو نشاط ديناميكي فعلي. وهذا النشاط مضمونه أفعال يمارسها البعض مع البعض الآخر آو البعض على البعض وهو وحدة مادة الدراسات السياسية قاطبة.

النشاط أو الفعل Action

النشاط الذي يمارسه البعض مع البعض وعلى البعض يتحرك كغيره من الفعال في عالم الواقع بعامل قانون الفعل Action ورد الفعل Re-Action  وليس بعامل  الأفكار والمؤسسات الدستورية وحدها.

النشاط السياسي والمصلحة Political Action and Interest

والنشاط السياسي  عند ” بنتلي”  مرتبط بالمصلحة Interest  حيث أن هناك تلازم بين المصلحة والحركة السياسية وبين المصلحة والتجمع حيث أن ثمة تلازم ين المصلحة والتجمع ومن ثم بين المصلحة والسياسة. ( بدوي، محمد طه، المصدر السابق، ص 24)

الميكانيكا والديناميكا السياسية والضغط السياسي Pressure Political

إن الظواهر السياسية لا تتميز عند “بتلي” بمجرد كونها نشاطات تستدعيها مصالح، وإنما فوق ذلك-ومن بدايتها إلى نهايتها- ظواهر قوة. غير أن “بنتلي” إمعانا في ربط المصلحة من ناحية، وتفاديا لاستخدام لفظة القوة التي توحي بفعل الأجسام في الأجسام بعالم الطبيعة من ناحية أخرى، قد رجح استخدام لفظة “الضغط” Pressure  بالنسبة لعالم السياسة كبديل للفظة القوة في عالم الطبيعة، الأمر الذي ربط مادة علم السياسة عنده بضغوط الجماعات على الجماعات ومقاومة الجماعات لضغوط الجماعات، أو دفع الجماعات لبعضهم البعض، وما الحالة التي عليها المجتمع عند “بنتلي” إلا ذلك الاتزان الذي يتحقق لتلك الضغوط فيما بينها.( الأسطل، كمال، الهندسة السياسية، 2012، مصدر سابق)

التوازن الفيزيائي Physical Balance

إنها فكرة التوازن والاتزان بعامل قانون الفعل ورد الفعل في عالم الفيزياء Physics التي ألهمت “بنتلي” فكرته عن تحقق الاتزان السياسي بعامل تحقق التوازن بين قوى الجماعات المتباينة المصالح، بعامل التدافع. (بدوي، محمد طه،  1998، ص 23).

مفهوم النسق  أو النظام السياسي Political system   وميكانيكا السياسة Political Mechanics

يتعين الإشارة إلى مضمون عبارة Political System  الغربية وعبارة النسق السياسي أو النظام السياسي  في اللغة العربية حيث من الواضح أن في كل من العبارتين إيحاء بفكرة الانتظام الآلي (الميكانيكي) ، ومن ثم السير الميكانيكي. Mechanic. ذلك بأننا نعني بالنسق أو بالنظام في سياق الحديث عن ميكانيكا السياسة ، ” تصورا للحالة التي تسير عليها المؤسسات السياسية ، لا على مقتضيات القواعد الدستورية فقط ، وإنما متأثرة  في ذلك بالقوى الاجتماعية social forces  الفعلية لمجتمعها الكلي ومؤثرة فيها في نفس الوقت ، وعلى وضع يقترب بالنظام السياسي كله إلى فكرة الجهاز الميكانيكي  Mechanic Set، وعلى أساس  أن قوى الواقع الاجتماعي هي من المؤسسات السياسية بمثابة  المحرك Trigger وأن هذه المؤسسات المتحركة  إذ تسير متأثرة بعوامل الواقع  الاجتماعي تعود بما يتوفر لها من قوة هي قوة السلطة العليا في الجماعة لتؤثر في ذلك الواقع فتحركه بشكل  ديناميكي، وهكذا يتحرك ميكانيكيا Mechanic وديناميكا Dynamic. ( الأسطل، كمال، محاضرات في النظم السياسية المقارنة، 2001، ص 10).

العملية السياسية Political Process والضبط الاجتماعي Social Discipline

 ويرى محمد طه بدوي أنه ما دمنا عند الكلام على مفهوم “النسق السياسي” في إطار “ديناميكا” السياسة، فإن التنويه إلى الاصطلاح الشائع لدى علماء السياسة الأمريكيين المعاصرين وهو “العملية السياسية” Political  Process لا تعني عند هؤلاء – ومنذ أن نبه إليها “بنتلي” Bentley  في كتابه Process of Government-  أكثر من تعبير عن صورهم لواقع سلطة قائمة وهي تتحرك ديناميكيا بعامل قوى واقعها الاجتماعي وبيئتها ، الأمر الذي يجعل منها أداة “الضبط الاجتماعي” Social Discipline  القائم  وأداة التحرك الديناميكي والميكانيكي به نحو المستقبل في آن واحد. وهكذا فإن عبارة Political Process الأمريكية  لا تعني هي الأخرى في النهاية أكثر من تعبير لما أسميناه بديناميكا السياسة. (بدوي، محمد طه،  المناهج المعرفية في علم السياسة، 2010، ص  113)

وجملة القول فإن عبارة “النسق السياسي” لا تعني أكثر من مجرد التعبير عن تصورنا “لديناميكية” النظام السياسي أي لما تتسم به علاقات مابين مؤسساته الرسمية وقوى وعائها الاجتماعي وبيئتها من “آلية” في المعنى الميكانيكي. ( بدوي، محد طه، المناهج، 2010، ص 256).

مدلولات مصطلح النظام السياسي في صورته الديناميكية والميكانيكية

The Concept of Political system in Its dynamic and Mechanic motion

لو نظرنا إلى النموذج الحركي الديناميكي الذي قدمه “ديفيد إيستون” David Easton  للنظام السياسي بما يشبه الكيان الحي أو الكائن الحي من الناحية البيولوجية Biological Entity  والذي يتكون من عناصر متفاعلة بصورة ديناميكية وأحيانا ميكانيكية لوضحت صورة الميكانيكا والديناميكا السياسية . حيث يتكون  عناصر أربعة هي:

 1- المدخلات Inputs   (وتشمل المطالب Demands، التأييد Support، المعارضة Protest)

2- عملية التحويل Conversion process ( وتشمل عملية تحويل المدخلات إلى مخرجات) وعملية التحويل تشبه الصندوق الأسود Black Box

3- المخرجات Outputs (وتشمل القرارات Decisions، والسياسات Policies)

 4- التغذية الراجعة Feedback  .

 أن النظام السياسي من وجهة نظر “إيستون” يشبه “المصنع” Factory الذي يقوم بتحويل المواد الخام Raw Materials أي المدخلات (في شكل مطالب ودعم وتأييد أو احتجاج)  من خلال عملية التحويل Conversion Process إلى بضائع أو سلع  Goodsومخرجات  ( في شكل قرارات وسياسات)  تتفاعل مرة أخرى في شكل تغذية استرجاعية أو راجعة. إنها عجلة إنتاج آلي للنظام السياسي تمتاز بالديناميكية والميكانيكية. ( الأسطل، كمال، محاضرات في النظم السياسية المقارنة، 2011، ص 145).

مدلول مفهوم الميكانيكا والديناميكا السياسية وعلاقته بالعملية السياسية

    The Concept of Political Dynamics and Mechanics and Political Process

تظهر الميكانيكا والديناميكا السياسية في العملية السياسية Political Process   حيث يتضح من اصطلاح “العملية السياسية ” إنها عملية ديناميكية..فحديث الساسة المتكرر عن دعم ما يسمى بعملية السلام في ما يسمى بمنطقة الشرق الأوسط لا يعبر في حقيقة الأمر إلا عن التركيز على العملية Process   في صورتها الميكانيكية الديناميكية وليس على “السلام” Peace  ، بعبارة أخرى التركيز على العملية في حد ذاته يتضمن مشاريع السلام ومقترحات تسوية المنازعات ومشاريع تسوية قضية فلسطين او غيرها من القضايا. (الأسطل، كمال محاضرات في الأمن القومي والقضية الفلسطينية، 2009، ص 23).

نظرية توازن القوى في العلاقات الدولية تعبير عن الديناميكا السياسيةBalance of Powers Theory and Political  Dynamics

 تعبر نظرية توازن القوى عن مفاهيم ديناميكية متحركة ومتغيرة وإن كان البعض قد يرى أنها تمر بحالات من الميكانيكية والسكون الغير مستقر. مفاهيم العلاقات الدولية في كثير منها يعبر عن مفاهيم الميكانيكا والديناميكا. ومن أمثلة هذه المفاهيم: النظام الدولي ، مراحل تطور النظام الدولي، التفاعلات الدولية/ علاقات القوى وتفاعلاتها، حامل ميزان القوة، توازن الرعب، حق تقرير المصير الداخلي والخارجي، الطبقية الدولية وفئات الدول ومراتبها من حيث مستوى قوتها ونفوذها الدولي..الخ. (الأسطل، كمال، نظريات العلاقات الدولية، 2011، ص 15).

مفهوم الديناميكا السياسية والديالكتيك The Concepts of Political and Dynamics and Dialectic

تعبر نظرية المراحل المختلفة لتطور المجتمعات في النظرية الماركسية عن مفهوم الميكانيكا والديناميكا السياسية في قالب ديالكتيكي Dialectic متحرك نحو الأمام من: 1- مرحلة مجتمع المشاعية البدائية الأولى،2- مرحلة المجتمع الإقطاعي ،3- إلى مرحلة المجتمع البرجوازي والرأسمالي،4- إلى مرحلة المجتمع الاشتراكي،5-  وانتهاءا  بمرحلة المجتمع الشيوعي.. النظرية الماركسية سواء نجحت أم فشلت في الواقع العملي فإنها تدلل على أن التطبيق والتحليل الديالكتيكي ما هو إلا تعبير واضح عن صورة المجتمعات في تطورها عبر صراع الطبقات Class Struggle  على مر العصور.

 يكفي أن نتذكر أن “هيجل” قد اعتقد أن الحقيقة مثل “الإلكترون” Electron وحدة لأجزاء متضادة، وأن أرائنا في جميع قضايانا هي عملية تذبذب بين قطبين، إذ أن حركة التطور هي حركة مستمرة للتطور بين الأضداد والسعي نحو التوفيق بينهما ودمجهما.

وحسب ما أورده عمر البرعصي وآخرين فإن “هيجل” يقول أن “تلنج” كان على صواب عندما يرى بوجود تماثل بين الأضداد وأيضا يرى ان “فيخته” يقول أن الحقيقة عندما تشير إلى أن الشيء وضده وعملية الدمج بينهما، يشكلان سر التطور كل حقيقة. وهذا في رأينا بمثابة تعبير عن الديناميكا السياسية. ( الأسطل، كمال، محاضرات في الفكر السياسي، 1999: 123)

ويرى “هيجل ان كل ما هو عقلي حقيقي، وكل ماهو حقيقي عقلي ويسلم “هيجل” من خلال منهجه الجدلي بوجود موضوع او أطروحة Thesis  ونقيضها Anti-Thesis ونقيض النقيض الذي يكون بمثابة توليف Syn-Thesis بين الأطروحة والفكرة ونقيضها. وبالتالي يختلف المنطق الجدلي Dialectic عن المنطق الصوري في قيامه على الحركة “الديالكتيك” والديناميكا والتطور وليس السكون “الإستاتيكا” static وذلك باعتبار أن كل شيء في حركة دائمة، وتطور مستمر وأن ما يدفع الكون إلى الحركة هو السلب و التناهي، فالأشياء المتناهية تعاني من نقص تبحث باستمرار عن تمامه. ولهذا فهي تسعى جاهدة إلى تحقيق كمالها وهي بذلك تقوم بعملية السلب عن طريق إلغاء نفسها لتصير شيئا آخر، يعبر عن صورتها الكاملة وفي كل مرحلة تنفي نفسها وتتحول إلى مرحلة أخرى حيث تصبح فيها شيء آخر والذي يقوم هو نفسه بعملية السلب وصولا إلى الصورة الكاملة التي تحقق نفسها وتجد حقيقتها في آخر مراحل الجدل Dialectic، وتتمثل في المطلق ِAbsolute أو اللا متناقض Infinite أو اللامتناهي. ( ربيع، حامد، 1977، ص 144)

إن الديناميكا السياسية  والتغير والتغيير والتطور والتطوير تبرز في أحد أشكالها في صورة  وشكل الجدل وإن كان “لودفيج فيرباخ” Ludwig Feuerbach  والذي عاش خلال الفترة  (1804-1872) والذي يعبر  عن فلاسفة التيار اليساري الهيجلي قد رأي أن فكر أستاذه “هيجل” عن المطلق في الواقع البشري، زاد تعجبه وتساءل عن كيفية التوفيق بين هذه النظرية المثالية وبين ما تقره البيولوجيا والفيزياء عن الطبيعة والإنسان، ومع هذا الشعور المستمر  بالشك، حاول “فيور باخ” ان يضع له منهجا يتماشى مع ما يشعر به، في نفسه من ميل شديد نحو المادية، وهو يرى أن مهمته هي “تأسيس” او “تطبيع” Naturalization الروح المطلق، وأنه وفق وجهة نظره المادية يؤمن بضرورة إلغاء أي شيء يكمن وراء الماهية الإنسانية، وهو يرفع شعار الإنسان هو وحده الحقيقي والموجود الفعلي. فالوجود الحقيقي عند “فيورباخ” هو الوجود الإنساني وأن عالم الروح ماهو إلا انعكاس للواقع الاجتماعي للإنسان. ( بدوي، محمد طه، النظرية السياسية،  د.ت، ص ص 189-195)

ولعل مدرسة التطور والديناميكا في الواقع المادي قد تعززت بقيام “كارل ماركس” بتوجيه النقد لأفكار “هيجل” المثالية فقد كان “ماركس” يرى ان ديالكتيك “هيجل” كان يمشي على رأسه فقام هو بتعديل وضعه وذلك بقلب منهجه الجدلي من عالم المثل إلى الواقع المادي.  

وإذا كان بعض المحللين الماركسيين يرفضون التحليل الميكانيكي للظواهر ويتبعون التحليل الديالكتيكي فإن الأمر يوضح أهمية الميكانيكا والديناميكا في تحليل الظواهر السياسة.

الصراع من أجل القوة/ السلطة والديناميكا والفيزياء السياسية Struggle for Power and Political Dynamics and Physics

يرتبط النشاط السياسي غالبا بمعيار الصراع من أجل القوة Struggle for Power او بعابرة أخرى أن عالم السياسة هو عالم الصراع من اجل القوة. وفي هذا يقوم “هانز مورجنثاو H. Morgenthau – وهو من أئمة علماء السياسة التجريبيين المعاصرين الأمريكيين- ان واقع عالم السياسة الدولي شأنه في هذا شان أي واقع سياسي آخر هو صراع من أجل القوة. ومهما تكن رؤية ذلك العالم فإن القوة هي هدفه المباشر دائما. (بدوي، محمد طه، 2010،  ص 114)

والحق أن علماء السياسة التجريبيين المعاصرين قد تأثروا تأثرا مباشرا في هذا الصدد بمفهوم القوة وبأبعاده الفيزيائية Physical Power ، حيث أن كلنا يعلم أن مفهوم الأساس المشترك Common Basic Concept بين علمي الديناميكا dynamic والإستاتيكا static  هو مفهوم القوة والذي يتمثل به علماء الطبيعة فعل جسم في جسم، وأن الأصل في علم الميكانيكا أنه يعني في عالم الفيزياء بعلاقة القوة بالحركة من ناحية  وبعلاقات القوة بالسكون من ناحية أخرى وباعتبار أن السكون في الأجسام ليس أكثر من حالة الإتزان أو التوازن التي عليها جسم معين بعامل قوة أو مجموعة من قوى خارجية تحول دون تحركه  بعامل قوى أخرى.

ومن مفاهيم عالم الفيزياء Physics  هذه راح علماء السياسة التجريبيين المعاصرون ينطلقون في تفسيرهم لعلاقات عالم السياسية،  وفي فهمهم لما فيه من حركة وسكون،  ولما عليه من إتزان وتوازن. فالقوة السياسية هي عند التجريبيين المعاصرين صلب هذا العالم، لأن القوة هي كذلك في عالم الطبيعة، والتكامل السياسي لأية جماعة لا يعني أكثر من إتزان قواها على وضع يتحقق به استمرارها. وفكرة “النسق السياسي” لا تعني أكثر من تصور لحالة الإتزان التي عليها علاقات مجموعة من قوى سياسية معينة. وهذه المفاهيم جميعا منقولة عن العلوم الفيزيائية والبيولوجية وعلم الميكانيكا والديناميكا. (بدوي، محمد طه، 2010، نفس المصدر)

ثم إن القوة في عالم الفيزياء هي فعل جسم في جسم آخر، وهي في عالم السياسة قدرة فرد، أو نفر، أو هيئة، أو حزب، أو دولة ،أو حكومة، أو طائفة، أو جماعة ،على التأثير في عقول أو أفعال الآخرين، ومن ثم على التأثير في إرادتهم. فالفارق هو في طبيعة العالمين عالم الأجسام Bodies وعام الإرادات العاقلة  ٍSane Wills. وعامل الفيزياء لا يعرف الفراغ فلا يفلت فيه حيز ما من جسم ومن ثم من قوة لها دورها في اتساق عالمها وتكامله، ونفس الشيء بالنسبة لعالم السياسة فلا فراغ فيه، إن صلبه القوة فلا يتصور غيبتها في أي ومجال من مجالاته.

إن مشكلة عالم السياسة –كما يرى محمد بدوي- ليست مشكلة اختيار بين عالم بقوى وعالم بلا قوى، وإنما المشكلة الكبرى لعلاقات القوى في عالم السياسة تتمثل في قدرة الإنسان على الإختيار بين علاقات قوى يحكمها قانون الفعل ورد الفعل في علم الفيزياء  Action and Re-Action Law ومن ثم غير مستأنسة وبين علاقات قوى تحكمها الإرادة الواعية أو بعابرة أخرى الاختيار بين علاقات القوى الخام وعلاقات القوى المطوعة. وهنا يأتي دور السلطة السياسية لكي يتحقق به انسجام القوى المتباينة داخل المجتمع الكلي ومن ثم اتزانها.

السلطة السياسية Political Authority = القوة المادية  Physical Force أو القوة الصلبة Solid Power+ القوة الفكرية أو القوة الناعمة Soft Power

ويرى محمد طه بدوي انه بصدد المفهوم الفرنسي للسلطة السياسية –كمفهوم أساس لعلم السياسة- فإن  الأستاذ الفرنسي  G. Burdeau    يقول أن السلطة مركب من عنصرين هما: القوة المادية Force والفكرة Idea  التي تربط القوة المادية بالغاية الاجتماعية. إنها عنده فكرة مادية في خدمة الفكرة. وفي نفس هذا يقول الأستاذ الفرنسي موريس ديفرجيه M. Duverger أن السلطة تتمثل في علاقات التسلط والسيطرة والتي هي مجرد حدث مادي قائم على علاقات غير متكافئة في القوة حين ترتبط بنماذج لأنظمة مسبقة، الأمر الذي يكسبها طابع الدوام فيجعل من مجرد التسلط سلطة سياسية. وفي هذا التعريف الأخير للسلطة تلويح بفكرة التنظيم مقتربا بذلك إلى عالم القيم مع ارتباطه في نفس الوقت بعنصر القوة الفعلية.( بدوي، محمد طه، نفس المصدر السابق، ص ص 23-25)

هيمنة الديناميكا السياسية على كتابات علماء السياسة الغربيين

The Hegemony of Political Dynamics on the Writing of Western Scholars

لقد لاحظ محمد بوعيشة أن معظم دراسات  وكتابات الباحثين في علم السياسة الغربيين تعبر بشكل او بآخر –حسب رأينا- عن الديناميكا السياسية. ويتأكد لنا ذلك من خلال هذه العناوين التالية.

1)  النظم الدولية والقانون الدولي       عند ستانيلي هوفمان Stanly Hofman،

2)  النظم الدولية المتعددة والكمية  Quantitative عند ديفيد سنجر David Singer؛

3)  الدراسات الدولية عند كوينسي رايت  Quincy Wright   ؛

4)  دراسات النظام الدولي عند مورتون كابلان Morton Kaplan؛

5) دراسات الواقعية السياسية عند كينيث تومبسون Kenneth W. Thompson؛

6)  دراسات صناعة القرار السياسي عند ريشارد سنايدر  Richard Snyder؛

7)  دراسات السياسة الدولية في العصر النووي عند جون هيرز John Hirs؛

8)  دراسات التكامل الوظيفي  للكاتب إيرنست هاس Ernest B. Haas؛

9)  الفعل ورد الفعل في السياسة الدولية عند  ريتشارد روزيكرانس Richard N. Rosecrance؛

10)  دراسات الاتصال الاجتماعي عند كارل دويتش ؛Karl W. Dewtsh؛

11)  مستقبل النظام الدولي والسياسة الخارجية عند موريس إيست Maurice A. East؛

12)  دراسات استراتيجية الصراع عن توماس شيلنج Thomas C. Schelling؛

13)دراسات نظرية التوازن عند جورج ليسكا Georges F. Liska؛

14) دراسات النظام السياسي (ومنهج تحليل النظم) عند ديفيد إيستون David Easton؛

15)  دراسات القوة والمصلحة عند هانس مورجنتاو Hans Morgenthau؛

16) دراسات التحليل الاجتماعي والتاريخي والجدلي الديالكتيكي عند ريمون آرون Raymond Aron ومن قبله كارل ماركس Carl marx وغيرهما؛

17) الدارسات الخاصة بالنظرية الواقعية  والمصلحة   والغاية تبرر الوسيلة عند ميكافيللي   Machiavel وجورج شوارزنبرج  Georg Schwarzenberg.الخ؛

18) دراسات علم النفس التحليلي عند سيجموند فرويد  Segmund Freud .

(بدوي، محمد طه، النظرية السياسية، 2009، ص 20 وما بعدها).

الطبيعة الحركية للدراسات السياسية The Dynamic Nature of the Political Studies

أن الديناميكية السياسية تظهر بوضوح في الطبيعية الحركية للدراسات السياسية، والتي تعبر عن الحقيقة الدائمة وهي “أن الثابت في السياسة هو المتغير“. إن المقولة الشهيرة التي تنسب إلى “ونستون تشرشل” ، تعبر تعبيرا واضحا عن تقلب سياسة الدول تبعا لمصالحها فهي دينامكية سياسة واضحة. حيث يقول تشرشل “ليس لبريطانيا أعداء دائمون، ولا أصدقاء دائمون،  لكن لها مصالح دائمة؛ فعدو اليوم ،هو صديق الغد المحتمل، وصديق اليوم ،هو عدو الغد المحتمل”. إن ديناميكية العلاقات الدولية The Dynamic of International Relations وتغير وتطور مراحل النظام الدوليPhases and Development of International Sysstem  تعبر عن الديناميكية السياسية Political Dynamic وتغير النظام الدولي تبعا للتغير في موازين القوى   Power Balanceفي الساحة الدولية. كما أن مراحل تطور الأزمات الدولية International Crises تعبر بشكل كبير عن الديناميكية السياسية.   (الأسطل، كمال، محاضرات في نظريات العلاقات الدولية، برنامج الماجستير، قسم العلوم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية، جامعة الأزهر بغزة، 2010، ص 2 ومابعدها)                                                                                                                                                                                                                       

الديناميكا السياسية ومفهوم القوة السياسية والنفوذ السياسي Political Dynamic and Political Power and Political Influence

يرتبط بالديناميكا السياسية مفهوم القوة السياسية Political power والنفوذ السياسي Political Influence. ويعد مفهوم القوة السياسية من المفاهيم الحديثة نسبيا في العلوم الاجتماعية ، ولاشك أن موضوع القوة يمس جوانب متعددة؛ مفهوم الدولة، والصراع، والمشاركة،  واتخاذ القرارات السياسية ،وعمليات التصويت في الانتخابات،   وكذلك موضوع التدرج الاجتماعي Social Mobilization ، لكن وحتى الآن فليس هناك نظرية عامة عن كيفية ممارسة القوة داخل المجتمع على جميع المستويات.)   دال. روبرت أ، 1993: 49)

والقوة عموما تشير إلى موضوع ديناميكي بشكل مستمر، فالقوي في جانب يوجد أقوى منه في جانب أخر، وهكذا القوة نسبية ومتغيره وديناميكية Relative-Changeable-Dynamic. والقوة عادة ما تشير إلى القدرة، وتتحدد هذه القدرة، أو القوة بطرق مختلفة، فهي من ناحية تشير إلى قدرة الأفراد أو الجماعات أو الدول أو التكتلات أو الوحدات الدولية في تحقيق تغير محسوس في سلوك الآخرين Tangible Change in the  others behaviour .

وهناك عدة تعريفات للقوة السياسية Political Power حيث يرى كل من “لازويل وكابلان” أن مصطلح القوة السياسية يعبر عن القدرة على المشاركة في صناعة القرارات الهامة في المجتمع. في حين يرى كل من “بيك” و”مالوي” أن القوة السياسية هي التحكم والسيطرة المباشرة او غير المباشرة لشخص معين او جماعة معينة. والقدرة على إثارة القضايا السياسية في عملية توزيع ما يترتب عليه من مقدرة في تقرير أو تأثير الموقف في الاتجاه الذي يفضله صاحب القوة. وصاحب القوة هنا في هذا التعريف  هو الذي يثير القضايا والاهتمامات السياسية. والقوة في تعبيراتها الديناميكية تمارس من خلال عدة طرق ووسائل  وأدوات وأساليب . (وقد أشرنا لذلك في موضع آخر)

ويعتبر النفوذ السياسي Political Influence هو الوجه الثاني بعد السلطة للقوة السياسية، ويعبر النفوذ عن قدرة فرد أو جماعة أو دولة أو منظمة دولية أو أي شخص دولي على فرض أرائها وأفكارها على الآخرين من خلال التفاعل واستخدام مختلف الأساليب مثل الإقناع والإكراه أو الإغراء. .)   دال. روبرت أ، 1993: 53-57).

تحليل النفوذ Influence Analysis

ولتحليل النفوذ الذي يمارس من قبل الساسة، فإننا إذا أردنا أن نشرح لماذا يتخذ بعض صانعي القرارات، مثل الرئيس، القرارات التي يصدرونها، فعلينا أن نختبر تأثيرات:

1- قيمهم وتوجهاتهم وتوقعاتهم ومعلوماتهم الحالية، ومعتقداتهم وأيديولوجياتهم، وبناء شخصياتهم ونوازعهم السابقة الأكثر تأصلا.

2- قيم وتوجهات وتوقعات ومعلومات ومعتقدات وأيديولوجيات وشخصيات الآخرين الذين ترتبط تصرفاتهم بطريقة ما بالقرار.

3- عملية الاختيار او التجنيد او الدخول التي وصل بها صانعو القرار إلى مناصبهم.

4-قواعد صنع القرار التي يتبعونها، البنى السياسية، النظام الدستوري، مؤسسات المجتمع الأخرى، 5-البنى الاقتصادية والاجتماعية والدينية والثقافية والتعليمية التي تقوم بتخصيص الموارد الرئيسية.

6-الثقافة السائدة، خاصة الثقافة السياسية.

7-الأحداث التاريخية التي تركت آثارها على الثقافة والمؤسسات والبنى…وهكذا.

بعض العوامل المفسرة للاختلافات في النفوذ السياسي

1-    الاختلافات  في:   (أ) المواهب                (ب) الخبرات

يؤدي إلى:

2– الاختلافات في : (ا) الموارد السياسية      (ب) الدوافع

والتي تؤدي إلى:

3- الاختلافات في: (أ) المهارات السياسية     (ب) المدى الذي تستخدم فيه الموارد لتحقيق نفوذ سياسي

والتي تؤدي إلى:

4- الاختلافات في النفوذ السياسي

(دال، روبرت أ. 1993: 55)

الديناميكا السياسية و الديناميكا الحرارية  وتهييج حركة الجماهير

Politcal dynamics and Thermo-Dynamics and Agitation of Masses movement

في مقال له في صحيفة المصري اليوم كتب الكاتب المصري “البنداقي المصري” مقالا بعنوان “الديناميكا الحرارية Thermo-Dynamic للحراك السياسي المصري” بتاريخ 22-8-2010 حيث تحدث الكاتب عن القلة المنادية بالتغيير والتي من الممكن أن تصنع الفارق ولكن تنقصهم بعض الأدوات التي من الممكن أن يصنعوها بأنفسهم، فرغم نشاطهم وحيويتهم ووعيهم السياسي ما زال غالبيتهم لا يدرك الحجم الحقيقي لمعركة التغيير، والمعوقات التي في الطريق، فالنظام مسيطر فعليا على كل مقدرات البلاد ويستغلها في استقرار سلطانه. (www.almasryalyoum.com/node/70738)

 وما يطرحه الكاتب  هنا هو كيف نجعل قانون الديناميكا الحرارية يسرى على حالة الحراك السياسيى فى مصر، وهو أن تسرى الحرارة والحماس من الفئة القليلة المنادية بالتغيير إلى الملايين الباقية من الشعب المصري، و ذلك عن طريق زيادة الحرارة و الحماس للتغيير. ثم يتم إعادة الانتشار لهؤلاء الرواد و يصبحوا نقاط مضيئة، ولفعل ذلك يجب ابتكار أساليب جديدة لدعوة الناس للتغيير عن طريق الاختلاط بالناس، و طرح قضية التغيير على مائدة الحوار الشعبي، و ما تحمله من مزايا و فوائد لكل المواطنين. (البنداقي، المصري، 2010 المصري اليوم، 22.8.2010).

فالنشاط الإنترنتي Internet Actvities غير كافي، ويجب النزول للشارع والتواصل مع كل طبقات الشعب المصري، حتى يصبح مستوى سطح التلامس أكبر، ونقاط الاتصال أكثر، ولكن يجب وضع خطة منهجية قبل التحرك، و يجب أن يعد كل ناشط نفسه ليكون منظرا للتغيير بين العامة والغالبية الصامتة. أن الديناميكا الحرارية يمكن إن توظف بجانب الديناميكا السياسية والميكانيكا السياسية لبعث روح  الحرارة في النشاط السياسي وفي تحفيز الهمم من اجل الإصلاح و التغيير نحو صالح المجتمعات. (البنداقي، المصري، 2010، المصدر السابق)

 وأخيرا نرى أن جميع فروع علم السياسة والظواهر السياسية يمكن دراستها من منظور ديناميكي أو ميكانيكي متغير يوضح علاقات القوي عبر تنقله في مختلف المراحل والعصور. الرأي العام مثلا متقلب متغير ، العلاقات الدولية متطورة متغيرة، النظرية السياسية والفكر السياسي فرع دينامكي متطور وكذلك النظم السياسية لا تستقر على حال وتمتاز بالطابع الديناميكي المتغير والمتطور وكذلك تتميز بالطابع الفيزيائي من جانب آخر.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى