دراسات سياسية

السودان بين ماضي متقلب ومصير مجهول

كتب دكتور/ محمد بغدادي

     يبدو أن الاحتجاجات الشعبية في طريقها للمزيد، ويبدو أن المطالب الأساسية للحياة باتت تؤرق الحكومات والأنظمة الحاكمة، لقمة العيش والحرية والعدالة كلمات هزت الواقع السوداني كما هزت من قبل الوضع الجزائري، وكالعادة يرضخ الحاكم لمطالب الجماهير وعندما يعلو سقف هذه المطالب يرحل الحاكم وتعلمنا قديماً أن لا قوة تستطيع أن تقف أمام قدرات الشعوب.

فالسودان المقسمة شمالاً وجنوباً أصبحت اليوم على شفى تقسيم أخر، وهذا المصير سبقته دولاً أخرى مثل سوريا وتونس وليبيا واليمن، والتساؤل الآن ما الدور الحقيقي للقوات المسلحة السودانية؟ هل تقف بجوار الشعب السوداني أم أن هناك سيناريوهات أخرى؟ هل سيعيد الداخل السوداني حساباته لمنع دخول البلاد في حرب أهلية لا تغني ولا تثمن من جوع أم ماذا ؟ هل تصل الخرطوم للمرحلة الانتقالية بسلام وعزيمة وإصرار أم ماذا؟ كيف يقرأ الرئيس عمر البشير المشهد الداخلي؟ وإلى أي مدى يمكن قراءة المشهد من الخارج؟.

    تكهنات هنا وهناك، ورأي ورأي أخر، والقضية في غاية الخطورة في ظل أزمات سياسية واقتصادية تشهدها البلاد. كما يبدو أن هناك أطراف خارجية لها اليد العليا في التحرك في الداخل السوداني مثلما حدث ويحدث في ليبيا وسوريا.

فالخريطة الأفريقية أصبحت بها نقط للدماء جهة الغرب والجنوب. والتساؤل الأخر من المستفيد من حالة عدم الاستقرار التي يشهدها الداخل السوداني وكيف يمكن رأب الصدع بين شماتل وجنوب البلاد؟ هل لا تزال هناك فرصة للم الشمل وتحقيق المطالب؟ ما دور عامل الوقت في هذه الأزمة؟ أين تتجه أنظار الدول الكبرى؟ وكيف تدرس الموقف؟ وما الحلول؟ وأين البدائل؟.

أرى أن الكرة الآن في ملعب القيادة السياسية في البلاد لجمع الشمل السوداني تحت راية واحدة ، وهي راية الاستقرار ووحدة أراضي البلاد وتحقيق المطالب المشروعة. فالقضية في غاية الأهمية وعامل الوقت له الكلمة العليا حتى الآن عند دراسة الوضع في الخرطوم . فهناك قرارات إذا لم يتم اتخاذها في توقيت محدد أصبح صدورها في توقيت أخر هو أمر من قبيل الهراء واللعب.

   فالسودان الأكثر مساحة، والسودان صاحبة الأرض الأكثر خصوبة على مستوى العالم، فالسودان من أغنى دول العالم من حيث الموارد الطبيعية، خاصة بعد اكتشاف النفط والذهب خلال العقدين الماضيين، وفيه أرض شاسعة خصبة صالحة للزراعة (200 مليون فدان مربع)، وثروة حيوانية (أكثر من 150 مليون رأس). وفيها 12 نهراً، وأمطار غزيرة بصفة مستمرة، وتنوّع مناخي ، وموارد بشرية وطبيعية أخرى تؤهّله لأن يعيش شعبه في رفاهية، وعلى الرغم مما سبق إلا أن الدولة تعاني وتعاني.

إن الأزمة التي تشهدها الخرطوم، وإن بدت ملامحها ذات أبعاد اقتصادية، فإن جذورها سياسية. ولذلك ليس أمام القيادة سوى الاتجاه لاتخاذ قرارات عاجلة تكفل زيادة الإنتاج في كل القطاعات الاقتصادية التي تقوي سعر الصرف؛ لمعالجة عدم التوازن بين الميزان التجاري وميزان المدفوعات.

      كما أن الحكومة السودانية مطالبة بالبحث عن فتح أسواق أخرى لتصدير الثروة الحيوانية والمحاصيل الزراعية، وزيادة علاقات وتدعيم التعاون الاقتصادي مع الدول الصديقة، وتأسيس علاقات خارجية متوازنة تحقّق مصالح البلاد. والعمل في نفس الوقت على اتّخاذ قوانين وقرارات تمحي بها العراقيل أمام التنمية الصناعية والزراعية، ومحاربة الفساد ، وضبط الصرف الحكومي.

    أرى أن الوقت مناسب لإعادة هيكلة الفكر السوداني بما يخدم الداخل السوداني من جهة، وأيضاً يعيد الاستقرار لدولة هي من أهم دول حوض النيل حيث يمر بها النيل الأزرق الذي يمد نهر النيل بما يقدر ب 85% من مياهه. فمع كثرة الدماء تتابع دماء أخرى جديدة، والعنف لا يولد إلا العنف، وعندما يأتي الاحتجاج وتأتي المظاهرات ومن ثم عدم الاستقرار ، فلا صوت يعلو فوق صوت إعادة اللحمه للكيان السوداني من جديد وتهدأة الشعب المثارفي محاولة لتحقيق مطالبة.

     فلا تستطيع أي جهة، ولا يستطيع أي دولة أن تتدخل لإعادة البلادإلى ما كانت عليه إلا إذا كانت هناك إرادة داخلية تأتي من الشعب السوداني نفسه لإعادة الاستقرار في ظل هذا المناخ الأفريقي المظلم والدولي المتدحرج. ففي مقدور القيادة السياسية في الخرطوم أن تدرس وتبحث الموقف جيداً وتعيد حساباتها في وقت قياسي لإعادة البلاد إلى مرحلة ما قبل الاحتجاجات، فمطالب الجماهير تحترم ، وهذا الشعب الشقيق يعاني كثيراً ويطمح دائماً في الاستقرار والحياة الكريمة، فتحية اعزاز وتقدير لشعب السودان الشقيق.

كاتب/ محمد بغدادي

   باحث دكتوراة – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية

( جامعة القاهرة)Mh_boghdady@yahoo.com

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى