تحليل السياسة الخارجيةقضايا بيئية

السياسة الخارجية الأمريکية تجاه قضايا البيئة: دراسة لفترة إدارة الرئيس باراك أوباما 2009 – 2017

المؤلف إنجـى محمد مهـدى – کلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة،مصر

مجلة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية القاهرة، المقالة 5، المجلد 19، العدد 4 – الرقم المسلسل للعدد 77، الخريف 2018، الصفحة 133-166

يغلب على السياسة الخارجية الأمريکية تجاه القضايا البيئية الدولية الطابع العملي والبراجماتي، إلا أن ذلک لا يقلل من تأثير الأفکار على هذه السياسة کما عکسته الدارسة، حيث کشفت السياسات الأمريکية تجاه القضايا البيئية الدولية بقيادة “باراک أوباما” عن درجة عالية من الاستقطاب الحزبي والتأثر بالتفضيلات الأيديولوجية للحزب الحاکم فيما يتعلق برؤيته لماهية الدور والمصلحة الأمريکية على الساحة الدولية وحدود تحمله اللالتزامات الدولية، فضلاً عن رؤية الحزب لأدوار القطاع الخاص وحدود أدوار الحکومة في تنفيذ السياسات العامة. يضاف إلى ذلک دور الأيديولوجيا في التأثير على اختيار أساليب وآليات تنفيذ السياسات العامة. فعلى سبيل المثال، کانت إدارة “أوباما” الديمقراطية أکثر تفضيلاً للمرکزية وسيطرة البيت الأبيض على عملية صنع وتنفيذ السياسات البيئية. وکانت الإدارة الديمقراطية أکثر ميلاً للاستثمار في التکنولوجيات الجديدة باعتبارها أکثر قدرة على تحسين کفاءة البنية التحتية للاقتصاد.

مقدمة:

شهدت العقود الأخیرة إجماعا دولیاً حول ضرورة الاهتمام بقضایا البیئیة وحتمیة تضافر الجهود لوضع استراتیجیات فعالة للتعامل مع انعکاسات أوجه النشاط الإنسانی المختلفة على البیئة، ومن ثم أصبحت قضایا البیئة الدولیة بمثابة محوراً رئیسیاً فی تحدید مستقبل الدول والمجتمعات فی القرن الحالی، الأمر الذی یتطلب ضرورة اعتماد رؤیة شاملة تأخذ فی الاعتبار الأبعاد المتشابکة والمترامیة لهذه القضیة[1].

وقد حظیت قضایا البیئة باهتمام صانعی السیاسة العامة الأمریکیة، فیما شهدت أجندة السیاسة الخارجیة الأمریکیة تطورات متعاقبة استجابة لتطور القضایا والتحدیات التی تواجه الأمن القومی الأمریکی من ناحیة وتطورات النظام الدولى وقضایا الأمن العالمی من ناحیة أخرى،؛ فلم یعد الاهتمام مقتصراً على التهدیدات الأمنیة التقلیدیة (قضایا التسلح والأمن العسکری)، وإنما اتسع لیشمل الکثیر من القضایا مثل الأمن الإنسانی والانتقال التکنولوجی وأمن الطاقة، هذا فضلاً عن القضایا البیئیة التی حظیت باهتمام ملحوظ من قبل الدبلوماسیة الأمریکیة. هذا وتکتسب السیاسات البیئیة الأمریکیة أهمیتها من جملة من الاعتبارات أبرزها أن الولایات المتحدة صاحبة أکبر اقتصاد على مستوى العالم، الأمر الذی کانت له تداعیاته على السلامة البیئیة الدولیة لاسیما وأنها واحدة من أکثر الدول استهلاکاً للطاقة والمسؤولة عن نسبة کبیرة من الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراری، الأمر الذی یجعل من المواقف الأمریکیة أحد العناصر المؤثرة على الجهود الدولیة المبذولة من أجل الحمایة البیئیة، سواء کان ذلک التأثیر سلباً أو إیجاباً. وهو ما نتابعه حالیا فى ظل سیاسات الرئیس الحالى دونالد ترامب، والتى جاءت مغایرة تماما لسابقه، وأبرزها الانسحاب الأمریکى من اتفاقیة باریس، مما أثر کثیرا على الموقف الأمریکی وسینعکس حتما على تطورات السیاسة العالمیة تجاه قضایا البیئة.

وتتسم عملیة صنع السیاسة الخارجیة الأمریکیة تجاه القضایا البیئیة الدولیة بالتعقید والتشابک نتیجة تأثرها بالکثیر من العوامل، فضلاً عن تعدد الأطراف المساهمة فی رسم تلك السیاسات، کما تظهر حالة من التنافس بین تلک الأطراف الفاعلة؛ حیث تلعب توازنات القوة دوراً فیما تتخذه الحکومة من سیاسات. وانطلاقاً من أهمیة الصلاحیات التی یتمتع بها الرئیس الأمریکی فی عملیة رسم السیاسات العامة والسیاسة الخارجیة، سوف ترکز الدراسة على أثر تغیر الانتماء الحزبی للرئیس”الدیمقراطی” على رؤیته للقضایا البیئیة الدولیة، وما یتم اتخاذه من إجراءات وسیاسات وفقاً لهذه الرؤیة.

قدبدت فترتى الرئیس “باراک أوباما” مرحلة ممیزة فی تاریخ السیاسات البیئیة الأمریکیة، حیث کانت القضایا البیئیة أحد أبرز ملفات السیاسة الخارجیة وعنصراً حیویاً لهدف الإدارة الرامی لاستعادة الدور القیادی للولایات المتحدة فی العالم. ففی حین أدت سیاسات الإدارة السابقة إلى إهدار قدراً کبیراً من الثقل الأمریکی فی المجتمع الدولی نتیجة لازدراء المحافل متعددة الأطراف مما ترتب علیه فقدان الولایات المتحدة الأمریکیة قدراً من مکانتها وانتهاج سیاسة خارجیة صدامیة فی معظمها، سعى الرئیس أوباما لاعادة اندماج الولایات المتحدة ولاستعادة القیادة الأمریکیة على الساحة الدولیة على أساس من القیم المشترکة بین حلفائها الدولیین، وقد قوبل المسعى الأمریکی لإعادة الاندماج بترحیب فی جمیع أنحاء العالم. ولتحقیق ذلک الهدف، اعتمدت إدارة “باراک أوباما”على القضایا والتحدیات البیئیة کأحد الدعائم لاستعادة القیادة الأمریکیة على الساحة الدولیة.

وبناء على ما سبق سوف تستعرض الدراسة الإطار الفکری لسیاسات الإدارة الدیمقراطیة الحاکمة تجاه قضایا البیئة، وأبرز السیاسات الأمریکیة الخاصة بتلک القضایا کالتالى:

  • الإطار الفکری للحزب الدیمقراطی تجاه قضایا البیئة.
  • قضایا البیئة فى برنامجى المرشح الدیمقراطى “باراک أوباما” لانتخابات 2008، و2012.
  • سیاسات إدارة الرئیس “باراک أوباما” تجاه القضایا البیئیة الدولیة خلال الفترتین الرئاستین الأولى 2009-2013، والثانیة 2013-2017.

أولا: الإطار الفکری للحزب الدیمقراطی تجاه القضایا البیئیة:

یرتکز الحزب الدیمقراطى على مقولة إن تکثیف الجهود لمواجهة التحدیات البیئیة الکبرى والاستثمار فی الطاقة النظیفة من شأنه أن یساهم فی حمایة النظام الأیکولوجیة ویمهد الطریق لـ “أمریکا أکثر استدامة”[2]More Sustainable America. وفى هذا السیاق، یمکن الإشارة إلى رؤیة الدیمقراطیین عن قضایا البیئة کالتالى:

  1. یلتزم الحزب الدیمقراطی بالعمل على الحد من آثار تغیر المناخ وحمایة الموارد الطبیعیة والعمل على ضمان جودة المیاه والهواء والأرض للأجیال القادمة.
  2. ینتقد الحزب النهج الأمریکی فی إنتاج واستهلاک الطاقة لکونه “غیر مستدام”، من أجل ذلک یتعهد الدیمقراطیون بالعمل على إیجاد “حلول مستدامة” للقضایا البیئیة والتنمیة الاقتصادیة فی الولایات المتحدة، وأن ذلک الأمر یتطلب ضرورة تضافر جهود العمال ورجال الأعمال والعلماء والمواطنین والقطاعین العام والخاص من أجل مواجهة تحدیات الغیر المناخی وبناء مستقبل یعتمد على الطاقة النظیفة[3].

وعن رؤیة الحزب الدیمقراطی بشأن قضایا الطاقة، ینتقد الدیمقراطیون اعتماد الولایات المتحدة على مدى عقود على مصادر الطاقة غیر المستدامة، من أجل ذلک یتحدث الحزب عن استثماراته التی وصفها بـ “التاریخیة” فی تکنولوجیات الطاقة النظیفة التی تمکن من تمهید الطریق لمستقبل أکثر استدامة، وخلق فرص عمل وقطاعات صناعیة جدیدة فی الولایات المتحدة.ومن هذا المنطلق، تتحقق تنمیة الاقتصاد الأمریکی، ومن أجل ذلک کانت جهود إدارة الرئیس أوباما” الرامیة لخلق “اقتصاد الطاقة النظیفة فی القرن الـ 21″[4].

ثانیا: قضایا البیئة والطاقة فى البرامج الانتخابیة للمرشح الدیمقراطى بارک أوباما خلال الانتخابات الرئاسیة 2008 و2012:

فی البرنامج الانتخابی لمرشح الحزب الدیمقراطى عام 2008، وتحت عنوان “تجدید القیادة الأمریکیة Renewing American Leadership، تم تحدید الأهداف الاستراتیجیة لإعادة إحیاء القیادة العالمیة للولایات المتحدةمتمثلة فی حمایة الکوکب من خلال تحقیق أمن الطاقة ومکافحة التغیر المناخی، والذى أعتبره الحزب أزمة أمن قومی ولیست مجرد مسألة اقتصادیة أو بیئیة[5].

وتعهد الحزب بما یلى:

1. قیادة جهود مکافحة التغیر المناخی، کما أکد على حتمیة إحداث تغییرات جذریة للحیلولة دون غرق المناطق الساحلیة حول العالم، کما حذر من استمرار ارتفاع حرارة الأرض وانخفاض معدل هطول الأمطار، لما من شأنه زیارة الصراع والمجاعة والمرض والفقر، متوقعاً أن تؤدی المجاعات إلى تهجیر 250 ملیون شخص من جمیع أنحاء العالم بحلول عام 2050، مما یعنی زیادة حالة عدم الاستقرار فی المناطق الأکثر إضطراباً فی العالم، من أجل ذلک تعهد الحزب بعدم عرقلة العملالجماعی المبذول لمواجهة هذا التحدی العالمی[6].

وعن رؤیة الحزب فی برنامجه لعام 2008 بشأن جهود التعاون الدولی فی مجال التصدی لتحدی التغیر المناخی، رأى الدیمقراطیون أنه انطلاقاً من کون “البیئة” مصدر قلق واهتمام عالمی حقیقی، یجب على الولایات المتحدة أن تتولى ریادة مکافحة المناخ فی جمیع أنحاء العالم بما فی ذلک تصدیر التکنولوجیات الصدیقة للبیئة للبلدان النامیة، وبذلک أکد الدیمقراطیون على ضرورة التواصل مع قادة الدول المسئولة عن النسبة الأکبر من انبعاثات الکربون حول العالم ومطالبتها بالانضمام إلى منتدى عالمی جدید للطاقة New Global Energy Forum، الذی سیضع الأساس للجیل القادم من بروتوکولات المناخ[7].

2. یتبنى الحزب موقفاً داعماً لتنفیذ نظام الغطاء والتجارة Cap andTrade System بحیث یراعی الأسس العلمیة والاقتصادیة الدقیقة، مما یمکن من تجنب حدوث کارثة حذر منها العلماء. کما تعهد بالاستثمار فی تقنیات الطاقة المتقدمة لبناء اقتصاد الطاقة النظیفة وخلق ملایین من الوظائف الأمریکیة الجدیدة فی الاقتصادیات الخضراء، بالإضافة إلى اعتزامه استخدام تدابیر مبتکرة لتحسین استخدام الطاقة، بما فی ذلک وضع منح للشرکات والقطاعات التی تطبق تلک التقنیات وتقدیم الحوافز للحفاظ على الطاقةوتشجیع المبادرات المحلیة للحفاظ على البیئة.

3. التعهد بالعمل على تخفیض استهلاک الولایات المتحدة من النفط بما لا یقل عن 35% بحلول عام 2030، کما اعتبر الحزب إن تحقیق الاستقلال فی مجال الطاقة یقتضی حتمیة الاستثمار فی بحث وتطویر ونشر تکنولوجیات الطاقة المتجددة: طاقة الریاح والطاقة الشمسیة والطاقة الحراریة الأرضیة، إضافة إلى تقنیات تخزین الطاقة بواسطة بطاریات متقدمة وتنظیف محطات الطاقة العاملة بالفحم، مؤکداً أن سیاسات الطاقة المستدامة من شأنها أن تساهم فی توفیر فرص عمل جدیدة داخل البلاد. کما أکد الحزب على التزامه بالعمل على الاستثمار السریع للملیارات من الدولاراتعلى مدى 10 سنوات بهدف إنشاء قطاع الطاقة الخضراء [8]A Green Energy Sector.

4. وبشأن قضایا الطاقة: تعهد الحزب الدیمقراطی بالعمل على إنهاء ما أسماه بـ “طغیان النفط” بالاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة فی تولید ما لایقل عن 25%من إنتاج البلاد من الکهرباء بحلول عام 2025، بالإضافة للتعهد بالعمل على رفع کفاءة الطاقة فی الولایات المتحدة بنسبة 50% بحلول عام 2030[9].

ومن الأهمیة بمکان الإشارة إلى موقف الحزب الدیمقراطی تجاه شرکات النفط، والتی قال عنها “لابد من الوقوف فی وجه شرکات النفط التی تنفق مئات الملایین من الدولارات على التبرعات السیاسیة والضغط من أجل کسب التأیید”[10].

ووفقا للبرنامج الانتخابی للحزب الدیمقراطی لعام 2012[11]، نشیر إلى ما یلى:

  1. فى مقدمة الحدیث عن البرنامج الانتخابی 2012 أشاد الحزب بسیاسات الرئیس “باراک أوباما” خلال فترته الرئاسیة الأولى، والتی وصفها بـ “الأکثر أهمیة” منذ عقود لخفض التلوث، وتعزیز الصحة العامة وحمایة الأطفال والمجتمعات المحلیة من التلوث الضار باستعادة وتعزیز ضمانات الهواء النقی والمیاه النظیفة من خلال الحد من التلوث بالکربون. کما أُشیر إلى قیام الرئیس بتطویر معاییر کفاءة الوقود بهدف الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراری، بالإضافة للاستثمارات فی مجال النظیفة، واقتراحه فرض حدود على التلوث الکربونی على محطات الطاقة الجدیدة وإنشاء مصانع ذکیةSmart Manufacturing  وذات کفاءة فی استخدام الطاقة.

وتم استعراض جهود الرئیس”باراک أوباما” وإدارته الدیمقراطیة لتحقیق الاستقلال فی مجال الطاقة، متمثلة فی دعم ما یقرب من 225.000 فرصة عمل فی مجال الطاقة النظیفة، بالإضافة لتخفیض استیراد البلاد من النفط، بحیث تراجع الاعتماد الأمریکی على النفط الأجنبی لأدنی مستویاته منذ 16 عاماً، ومضاعفة الإنتاج الأمریکی من الطاقة الشمسیة وطاقة الریاح نتیجة للاستثمارات فی تکنولوجیات الطاقة النظیفة، إضافة إلى فرض معاییر کفاءة الانبعاثات وکفاءة الوقود الجدیدة المفروضة على السیارات الأمریکیة والتی ساهمت فی تخفیض استهلاک البلاد من النفط.

کما انتقد الحزب الدیمقراطی سیاسیات الجمهوریین فی مجال الطاقة، معتبرها بمثابة “شعارات فارغة” ولا تتضمن سوى أفکار سیئة من شأنها جعل “المانحین” من شرکات النفط الکبرى أکثر ثراء على حساب الطبقة الوسطى. وقد اتهم الحزب الجمهوریین بالاستعداد لمواصلة تقدیم الملیارات من أموال دافعی الضرائب سنویاً لشرکات النفط وزیادة التکالیف على المستهلکین، وفی المقابل یتعهد الحزب الدیمقراطی بالعمل على خفض الإعانات الضریبیة لشرکات النفط الکبرى، مع تعزیز نمو الوظئاف فی قطاع الطاقة النظیفة، مما یساهم فی خفض العجز ورفع معدل النمو وزیادة فرص العمل فی البلاد[12].

  1. التأکید على أن “حمایة البیئة” تحظى بأولویة قصوى لدی الدیمقراطیین، کما جدد الحزب التزامه بحمایة البیئة والموارد الطبیعیة، بالتوازی مع خلق فرص عمل جدیدة فی قطاعات الطاقة النظیفة والمتجددة وتشجیع جهود حمایة البیئة والمحافظة على الموارد وعدم إهدار موارد الطاقةوالالتزام بمواجهة الملوثات التی تؤدی إلى الاحتباس الحراری وتغیر المناخ من خلال سیاسات ذکیة تؤدی إلى مزید من النمو فی مجال تولید الطاقة النظیفة، مما یترتب علیه مجموعة واسعة من الفوائد الاقتصادیة والاجتماعیة[13].

وفى هذا السیاق انتقد الحزب مواقف خصومهم من الیمینیین الذین شککوا فی علم “تغیر المناخ” وإنکار قادتهم للفوائد الناتجة عن الهواء النظیف والمیاه النقیة مثل توفیر فرص العمل الجدیدة وحمایة الصحة العامة والحیلولة دون الوفاة المبکرة للآلاف کل عام[14].

3. تحدث الحزب الدیمقراطی عن “العدالة البیئیة” متعهداً بمواصلة القیام بدور “القیادة” بشأن الجهود الدولیة المبذولة لمواجهة التغیر المناخی، والعمل على وضع اتفاق یحظى بقبول کافة القوى الدولیة بشأن حدود الانبعاثات من منطلق إدراک الحزب لتأثیر تلک الظاهرة البیئیة على الفقراء حول العالم[15].

وأکد برنامج الدیمقراطیین على حتمیة اتخاذ خطوات من أجل بناء إطار دولی لمکافحة تغیر المناخ بالتوازی مع اتخاذ تدابیر محلیة رامیة لتعزیز الاستقلال فی مجال الطاقة وتعزیز کفاءة استخدام الطاقة والتوجه نحو مصادر الطاقة النظیفة ومصادر محلیة من الطاقة المتجددة. کما تعهد بالعمل على تنفید الاتفاقیات والبناء على التقدم الذى تم إحرازه خلال محادثات المناخ فی کوبنهاجن وکانکون ودوربان، والعمل على ضمان الاستجابة لسیاسة تغیر المناخ التی تعتمد على إتخاذ إجراءات حاسمة من جانب جمیع الدول، من خلال جهد دولی وفعال تتعهد جمیع الاقتصادیات الکبرى بمقتضاه بخفض انبعاثاتها، والوفاء بالتزماتها بطریقة تتسم بالشفافیة، بالإضافة إلى حشد التمویل اللازم بحیث تتمکن البلدان النامیة من مواجهة آثار تغیر المناخ والاستثمار فی تقنیات الطاقة النظیفة.

4. حذر الحزب من الملوثات مثل أکاسید النیتروجین وثانی أکسید الکبریت والزئبق، والتی اعتبرها “خطراً” على صحة الإنسان. من أجل ذلک تعهد الحزب بمواصلة التصدی لملوثی البیئیة لضمان الحفاظ على مصلحة البیئة والصحة العامة، کما أشار إلى إدراکه إلى کون “التغیر المناخی العالمی”یعد بمثابة أحد أکبر التهدیدات التی تواجه هذا الجیل؛ إذ یمثل کارثة اقتصادیة وبیئیة وأمنیة، فضلاً عن کونه کارثة وطنیة “فی طور التکوین” national security catastrophe in the making.

         لذلک تعهد الدیمقراطیون بمواصة الجهود المحلیة لمکافحة التغیر المناخی وذلک بالاعتماد على إجراءات وآلیات السوق، کما تعهد بمواصلة العمل مع المجتمعات المحلیة للحفاظ على الأراضی العامة وتوسیع الاستثمارات فی مجال الحفاظ على الغابات والمراعی وصیانتها للأجیال القادمة، مع مواصلة جهود ضمان نظافة المیاه من خلال دعم المبادرات التی تضمن حمایة الأنهار والمحیطات والسواحل، بالإضافة إلى جهود الحفاظ على النظم الإیکولوجیة فی جمیع أنحاء البلاد[16].

5. وعن رؤیته بشأن قضایة الطاقة، یشیر الحزب الدیمقراطی لإمکانیة تحقیق مستقبل مستدام ومستقل فی مجال الطاقة من خلال تسخیر کافة الموارد الهائلة التی تتمتع بها الولایات المتحدة، الأمر الذی یعنی انتهاج الاستراتیجیة الأهم التی تعلو على کل شئ والتی تهدف إلى تطویر العدید من موارد الطاقة فی الولایات المتحدة بما فی ذلک طاقة الریاح والطاقة الشمسیة والوقود الحیوی والطاقة الحراریة الأرضیة والطاقة المائیة والطاقة النوویة والفحم النظیف والغاز الطبیعی. وفی هذا السیاق یشید برنامج الحزب بمبادرة الرئیس “باراک أوباما” الهادفة إلى الاعتماد على مصادر الطاقة النظیفة فی تولید 80% من الکهرباء بحلول 2035 فی إشارة إلى مقترح “المعاییر القیایسیة للطاقة النظیفة” Clean Energy Standard[17] والذی یطالب المرافق بالحصول على المزید من الکهرباء من مصادر منخفضة الکربون، سواء کان ذلک فی مصادر الطاقة المتجددة أو الطاقة النوویة أو الغاز الطبیعی.

         وعلى صعید التعاون الدولی فی هذا الشأن، أعرب الدیمقراطیون عن تأییدهم جعل الولایات المتحدة “رائدة” العالم فی بناء اقتصاد قائم على الطاقة النظیفة من خلال توسیع حوافز الطاقة النظیفة، کما یدعو الحزب لإنتاج تکنولوجیات الطاقة النظیفة محلیاً وبیعها فی جمیع أنحاء العالم[18].

وتجدر الإشارة إلى أن برنامج الحزب لعام 2012 کشف عن تراجعاً عما تعهد به الحزب فی برنامجه الانتخابی لعام 2008 والذی تعهد فیه بالعمل على تحریر البلاد مما أطلق علیه “طغیان النفط” من خلال العمل على الحد من استهلاک النفط بنسبة 35 % بحلول عام 2030، بالإضافة لتوجیه وزارة العدل بإجراء تحقیقات ومحاکمة المتلاعبین فی سوق النفط خلال العقود المقبلة، إلا أن الإصدار الحدیث من برنامج الدیمقراطیین جاء داعماً لاستراتیجیة الطاقة all-of-the-above والتی تشتمل على الاعتماد على مصادر الطاقة التقلیدیة بما یشمل النفط والفحم النظیف والغاز الطبیعی، الأمر الذی یمکن إرجاعه إلى ارتفاع معدل إنتاج الولایات المتحدة من النفط والغاز الطبیعی على مدى أربعة سنوات 2008-2012 بسبب تقنیات الحفر الصخری المستحدثة خلال تلک الفترة، مما انعکس على رؤیة الحزب بشأن النفط والغاز الطبیعی.

ثالثا: السیاسة الخارجیة لإدارة الرئیس “باراک أوباما” تجاه القضایا البیئیة الدولیة:

سوف یستعرض ذلک الجزء من الدراسة أهم مواقف وسیاسات إدارة الرئیس “باراک أوباما” تجاه القضایا البیئیة الدولیة، والتی تنقسم بدورها لمواقف الإدارة تجاه المحافل الدولیة المعنیة بالقضایا البیئیة، بالإضافة لمحاور التعاون الثنائی فی هذا المجال.

(أ) مواقف الإدارة تجاه الاتفاقیات الدولیة المعنیة بالشأن البیئی:

تعد المشارکة الأمریکیة فی المفاوضات الدولیة المبرمة فی إطار اتفاقیة الأمم المتحدة الإطاریة للتغیر المناخی UNFCCC المتزامنة مع  فترة رئاسة “باراک أوباما” : کوبنهاجن 2009، کانکون 2010، دیربان 2011، الدوحة 2012،  باریس 2015،مراکش 2016، مؤشراً کاشفاً عن ماهیة منهج الإدارة الجدید تجاه الجهود الدولیة المبذولة فی مجال حمایة البیئة الدولیة. ویستعرض ذلک الجزء أبرز مواقف إدارة “باراکأوباما” تجاه جهود التعاون الدولی فی مجال الحمایة البیئیة الدولیة.

-مؤتمر کوبنهاجن للتغیرات المناخیة 7-18 دیسمبر 2009:

تکتسب قمة کوبنهاجن للتغیر المناخی لعام 2009 أهمیة خاصة من منطلق کونها المحفل الدولی الأول الذی یشارک فیه الرئیس “باراک أوباما” منذ تولیه مقالید الرئاسة، مما جعل المشارکة الأمریکیة فی تلک الفعالیة محل اهتمام عالمی کمؤشر على المنهج والتوجه للإدارة الجدیدة تجاه القضایا البیئیة الدولیة، لاسیما وأن مسئولی البیت الأبیض حرصوا على تبنی خطاباً سیاسیاً من شأنه التأکید على جدیة الولایات المتحدة تجاه الجهود الدولیة المبذولة لمواجهة القضایا البیئیة ولاسیما مؤتمر کوبنهاجن.

1. قمة مجموعة الثمانیG8 لعام 2009، أکد أوباما على أهمیة ما تم الاتفاق علیه بشأن قضیة التغیر المناخی، حیث تم تحدید هدف خفض الانبعاثات بنسبة 80% بحلول عام 2050، مشدداً على أهمیة قمة کوبنهاجن لاستکمال وتفعیل ذلک الاتفاق، معتبراً أن الدولة القادرة على بناء اقتصاد الطاقة النظیفة سوف تکون الدولة التی تقود الاقتصاد الدولی فی القرن الحادی والعشرین[19].

2. کما تبنى “باراک أوباما” موقفاً مؤیداً للبیان الصادر عن قمة آسیا والمحیط الهادی للتعاون الاقتصادی APEC(سنغافورة: نوفمبر 2009)، والذی جدد فیه القادة المجتمعون التزامهم بالعمل على مواجهة تهدید التغیر المناخی والعمل على تحقیق نتائج طموحة فی قمة کوبنهاجن، واعتبار أن تلک القمة ینبغی أن تکون “نقطة انطلاق” ولیست “نقطة نهایة” فی سبیل البحث عن اتفاق عالمی لتخفض الغازات المسببة للاحتباس الحراری. ومن الجدیر بالذکر أن البیان شدد على ضرورة أن یکون الإجراء الدولی للحد من الانبعاثات الدفئیة متضمناً تدابیر تنفیذیة فعالة بما فی ذلک المساعدة المالیة ونقل التکنولوجیا إلى الاقتصادیات النامیة للتکیف مع الآثار السلبیة للتغیر المناخی[20].

3. خلال التحضیر لقمة کوبنهاجن أصدر البیت الأبیض بیاناً أعلن فیه عن تعهد واشنطن بخفض 17 % من انبعاثات ثانی أکسید الکربون بحلول 2020 مقارنة بمستویات عام 2005، وهو ما یعادل انخفاضاً قدره 4 % فقط مقارنة بمستویات عام 1990، الأمر الذی قوبل بانتقادات شدیدة مقارنة بتعهد الاتحاد الأوروبی بخفض طوعی نسبته 20 % مقارنة مع مستوى عام 1990 ووعد برفع المعدل الى 30 %، اذا تبنى آخرون اهدافا کبیرة ایضا.[21]

4. وبانعقاد القمة، أعلنت وکالة حمایة البیئة EPA عن تصنیفها ثانی أکسید الکربون، إضافة إلى خمسة من الغازات الدفئیة، کخطر على الصحة والرفاهة العامة، الأمر الذی قوبل بترحیب المشارکین فی القمة. وتعهدت الولایات المتحدة على لسان وزیرة خارجیتها وقتذاک “هیلاری کلینتون” بالمساعدة على جمع 100 ملیار دولار سنویا بحلول عام 2020 لتلبیة احتیاجات الدول النامیة فی محاربةالتغیر المناخی وذلک فی إطار اتفاق قوی تقف فیه کل الاقتصادات الکبرى وراء إجراءات ملموسة للحد من الانبعاثات مع الالتزام بشفافیة کاملة فیما یتعلق بمدى الالتزام، وأوضحت أن التمویل سیأتی من مصادر متنوعة عامة وخاصة وثنائیة ومتعددة الأطراف بما فی ذلک موارد بدیلة للتمویل لکنها لم تکشف عن مزید من التفاصیل، مضیفة أن الصندوق طویل الأجل سینشأ شریطة الوصول الى اتفاق قوی فی کوبنهاجن، وأن توافق الدول المتلقیة على بعض الشروط المسبقة أبرزها السماح بالمراقبة الدولیة المنتظمة[22]، کما أکدت الوزیرة الأمریکیة على استعداد بلادها لإتخاذ الخطوات اللازمة للوصول الى اتفاق جدید شامل وجاهز للتنفیذ[23].

وإن الإعلان الأمریکی عن التعهد بجمع 100 ملیار دولار سنویاً کانت له دلالته المتمثلة فی العجز عن الاتیان بمبادرة دولیة للتصدی بفاعلیة للتغیر المناخی أو إحداث تغییراً جذریاً فی مسار المفاوضات الدولیة فی هذا الشأن؛ فعلى الرغم من إن المساعدات طویلة الأجل من الدول الغنیة کانت مطلباً أساسیاً للدول النامیة خاصة الأکثر فقراً منها التی تتعرض للتهدید الأکبر من ارتفاع مناسیب المیاه فی البحار وتملک الموارد الأقل لمکافحة المشاکل المتصلة بالطقس، إلا أن قیمة الصندوق طویل الأجل البالغة قیمته 100 ملیار دولار فی العام أقل کثیراً مما طالبت به بعض الدول الإفریقیة، لکنه قد یکون أقصى ما یمکن أن تحشد إدارة الرئیس الأمریکی باراک أوباما الدعم السیاسی من أجله، وخلال مفاوضات صعبة رفضت بعض الدول النامیة مثل الصین المطالب الخاصة بالمراقبة والابلاغ والتحقق التی تصر الولایات المتحدة واخرون علیها فی اطار خطوات خفض انبعاثات الکربون التی یجب أن تتخذها الدول.

لقد مثلت نتائج مؤتمر الأمم المتحدة لتغیر المناخ فی کوبنهاجن خیبة أمل کبیرة بکل المقاییس، ولم یسفر المؤتمر إلا عن اتفاق أو توافق غیر ملزم، مکون من ثلاث صفحات فحسب، تم التوصل إلیه فی الساعات الأخیرة فی إطار عدد محدود من الدول، ولم یحظ بإجماع الدول الـ 193 المشارکة، وإنما أخذت العلم به. وکانت العقبة الأهم فی محادثات کوبنهاجن هی مطالبة الولایات المتحدة الدول ذات الاقتصادیات الصاعدة والنامیة، ولاسیما الصین، بقبول خفض ملموس قابل للقیاس لانبعاثات ثانی أکسید الکربون. وعارضت الصین إلى جانب ممثلی دول مجموعة الـ77 الأکثر فقراً الطلب معارضة شدیدة؛ معتبرة إن أی تفتیش على إجراءاتها البیئیة یشکل انتهاکاً لسیادتها الوطنیة. علاوة على ذلک، انتقدت الدول النامیة عجز الولایات المتحدة عن الوفاء بما وعدت به فی مؤتمر کیوتو عام 1997، الذی تولت إدارة الرئیس کلینتون فی حینها صیاغة البروتوکول الرسمی الصادر عنه، لکنها لم تقدمه مطلقًا للکونجرس الأمریکی للتصدیق علیه.

ومن المفارقات أن قمة کوبنهاجن لم تفلح فی التوصل إلى قرار أکثر فعالیة وإلزاماً، على الرغم من أنها أکبر قمة جمعت رؤساء الدول والحکومات فی تاریخ الأمم المتحدة؛ فقد حضرها مئات من الرؤساء والقادة والزعماء خلال الیومین الأخیرین للمؤتمر، ومن بینهم الرئیس الأمریکی باراک أوباما، ورئیس الوزراء الصینی وین جیاباو، والمستشارة الألمانیة أنجیلا میرکل، ورئیس الوزراء البریطانی جوردون براون، والرئیس الفرنسی نیکولا سارکوزی، ورئیس الوزراء الهندی مانموهان سینج، ورئیس جنوب أفریقیا جاکوب زوما وغیرهم. وکان فشل قمة کوبنهاجن فی التوصل لاتفاق على نظام مناخی عالمی، أدى إلى تراجع الآمال والتوقعات المعقودة على قدرة “اوباما” على إعطاء دفعة للجهود الدولیة المبذولة لمواجهة القضایا البیئیة العالمیة، وعلى قدرته على استعاده القیادة الأمریکیة لتلک الجهود الدولیة[24].

-مؤتمر ” کانکون” بشأن التغیر المناخی 2010:

على الرغم من الانتقادات التی تعرضت لها الولایات المتحدة على خلفیة موقفها المخیب للآمال فی قمة “کوبنهاجن”، فلا تزال إدارة الرئیس “باراک أوباما” غائبة عن المساهمة الفاعلة فی تحریک جمود مسارات المفاوضات الدولیة بشأن القضایا البیئیة الدولیة، وهو الأمر الذی تجلی واضحاً فی نتائج مؤتمر ” کانکون” بشأن التغیر المناخی الذی عقد فی المکسیک خلال الفترة من 29 نوفمبر وحتی 10 دیسمبر 2010 بمشارکة نحو 193 دولة وقرابة 15 ألف شخص من الوفود الحکومیة وخبراء البیئة والمنظمات غیر الحکومیة ورجال الأعمال والإعلامیین، وقد هدف المؤتمر إلی تحقیق العدید من المطالب أهمها:  

1. تقلیل الانبعاث الحراری المسبب للتغیر المناخی لمنع حدوث ارتفاع خطیر فی درجات حرارة الأرض، حیث حذر العلماء من أن درجات الحرارة قد ترتفع فی القرن الحادی والعشرین إلی بضع درجات مئویة، مما یؤدی إلی اضطراب مناخی حاد یؤثر فی الحیاة نفسها بسبب ذوبان الجلید، وارتفاع منسوب میاه البحار والجفاف والتصحر واتساع موجات الحر، وکذلک الفیضانات والحرائق فی الغابات.

  1. 2.  البحث فی توفیر الأموال اللازمة للتعامل مع التداعیات الکارثیة الناتجة عن استمرار ارتفاع درجات الحرارة، ومحاولة التوصل إلى حلول ترضی مختلف الأطراف، خاصة الدول الصناعیة الکبری، وعلى رأسها الولایات المتحدة الأمریکیة حول بروتوکول “کیوتو” والتى ترفض باستمرار خفض انبعاثات الغازات، خاصة غاز ثانی أکسید الکربون[25].

وعن الموقف الأمریکى، حاولت الولایات المتحدة خلال المفاوضات تقلیص التزاماتها لتجنب أیة أعباء اقتصادیة علیها، وإعطاء وعود غیر ملزمة بتقدیم مساعدات مالیة أو تقنیة للدول النامیة والمتضررة، حیث جددت موقفها القائل بالتزام الولایات المتحدة باتفاق کوبنهاجن 2009. وعکست الإدراة الأمریکیة التغیر الأساسی لمبدأها السابق “العمل کالمعتاد”business as usual، وهو تغییر یحتاج للعمل علیه لتشجیع باقی العالم على التحرک أیضا، من خلال خطوات اتخذتها حکومة أوباما لتخفیض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراری لتقطع شوطاً بعیداً نحو الهدف النهائی المرجو وهو مکافحة خطر تغیر المناخ. وقد حرصت الإدارة الأمریکیة ـ ممثلة فی أعضاء من الوکالة الأمریکیة للتنمیة الدولیة وموظفی وزارة المالیة ـ على المشارکة لشرح طبیعة المساعدات التی تقدمها الولایات المتحدة للبلدان النامیة وکیف تقرن بشکل متزاید بین التنمیة الاقتصادیة واستدامة البیئة[26].

اختتمت محادثات المؤتمر باعتماد حزمة من القرارات لمساعدة الدول على التقدم نحو مستقبل من خفض الانبعاثات فیما عرف ب “اتفاق کانکون”، وقد تضمن التالى:

1. تعهدات بالتخفیف من حدة الانبعاثات وضمان زیادة المساءلة بشأنها.

2. اتخاذ إجراءات ملموسة لحمایة الغابات فی العالم.

3. ضمان عدم وجود فجوة بین فترتی الالتزام الأولی والثانیة من بروتوکول” کیوتو”، وضرورة الإبقاء على ارتفاع درجات حرارة الأرض عند درجتین مئویتین.

4. إنشاء صندوق لتمویل المناخ على المدى الطویل لدعم البلدان النامیة (الصندوق الأخضر) بهدف تعزیز أسواق الطاقة النظیفة فی مختلف أنحاء العالم، ومساعدة الدول النامیة على التکیف مع انعکاسات تغیر المناخ وتسهیل الوصول إلى أحدث التقنیات والتمویل الدولی للعدید من المشاریع والمبادرات التی تقوم بها العدید من الدول لخفض انبعاثات الکربون وحمایة البیئة وتعزیز التعاون فی مجال التکنولوجیا. فضلاً عن تعزیز قدرة السکان المعرضین للخطر على التکیف مع تغیر المناخ مع إدخال مشاریع تجمیع الکربون وتخزینه ضمن آلیة التنمیة النظیفة[27].

          إن ما تمخض عنه مؤتمر “کانکون” لا یتضمن أی جدید بشأن الطموحات إلی انخفاض انبعاثات غاز ثانی أکسید الکربون التی یری الخبراء أنها متواضعة إلی درجة لا تسمح بتحقیق هدف الحد من الإبقاء علی ارتفاع الحرارة بمقدار درجتین. ویظل البیان الختامى -لا یعد وثیقة مثالیة- یمثل أساسا لاتخاذ المزید من الخطوات التقدمیة فی مجال مواجهة التغیرات المناخیة، والبت بمستقبل “کیوتو” أثناء انعقاد المؤتمر الدوری القادم فی دیربان بجنوب إفریقیا أواخر عام 2011.

-مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغیر المناخ فی دیربان نوفمبر/ دیسمبر2011:

 تشمل النتائج الصادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغیر المناخ دیربان مجموعة عریضة من الموضوعات وخاصًة تحدید فترة التزام ثانیة بموجب بروتوکول کیوتو واتخاذ قرار حول العمل التعاونی طویل الأجل بموجب الاتفاقیة الاطاریة والاتفاق على تشغیل وإدارة الصندوق الأخضر للمناخ. کما اتفقت الأطراف على تشکیل الفریق العامل المخصص المعنی بمنهاج دیربان للعمل المعزّز وتفویضه بمهمة “صیاغة بروتوکول أو وثیقة قانونیة أخرى أو نتیجة متفق علیها ذات قوة قانونیة بموجب الاتفاقیة تسری على جمیع الأطراف“[28].

وکانت هناک بعض الاستنتاجات الأخرى منها اتفاق المندوبین على إجراءات لإدماج مشاریع احتجاز الکربون وحفظه فی آلیة التنمیة النظیفة وتوجیه المشاریع التی تسعى إلى الحد من إزالة الغابات. غیر أن معظم الاهتمام رکز على منهاج دیربان. ومما یؤسف له أن المنبر نفسه لیس أکثر من مجرد اتفاق لمناقشة معاهدة، وهو یجعل خطوة واحدة صغیرة بتأکید النتیجة ستکون قابلة للتطبیق على جمیع الأطراف. وبهذا الإعلان، من الممکن، ولکن لیس مطلوبا، لکل من الاقتصادات المتقدمة والناشئة أن تتخذ نوعا من هدف خفض الانبعاثات، وهو مطلب رئیسی للولایات المتحدة.

ومع ذلک یبدو أن الهند والصین یترددان فی الاتفاق. وقد عرقل هذا المأزق، فی الماضی، المفاوضات، وکان نهج کوبنهاجن/کانکون فی استخدام الالتزامات الطوعیة مصمم خصیصا للتحایل على هذه الصراعات. لذلک، فی حین أنه من الممکن أن یحدث تغییرا للانبعاثات الرئیسیة فی السنوات الثلاث المقبلة، سیکون من المفید ضمان الاستفادة الکاملة من الأدوات التی تعمل حالیا: الإبقاء على نهج کانکون فی تشجیع وضع القواعد والمعاییر فی سیاسات المناخ والطاقة المحلیة، مواصلة توسیع المشاریع منخفضة الکربون فی إطار آلیة التنمیة النظیفة ونشر التکنولوجیات النظیفة مع الصندوق الأخضر للمناخ الجدید وضمان أن تخلق الآلیة التکنولوجیة الجدیدة قیمة من خلال تحفیز الآلیات الابتکاریة للتنمیة المنخفضة الانبعاثات فی الاقتصادات الناشئة والنامیة [29].

– مؤتمر المناخ فی الدوحة نوفمبر2012:

یعد مؤتمر المناخ العالمی فی الدوحة مثالاً حیاً انضم إلى سلسلة طویلة من المؤتمرات العالمیة خلال العقد الأخیر، حیث فشل المؤتمر فی إصدار وثیقة ملزمة تحمل الدول الصناعیة الغربیة وخاصة الولایات المتحدة المسئولیة الأساسیة فی الانبعاثات الغازیة، وبالتالی إجبارها على الالتزام بتخفیض الانبعاثات بنسب کمیة واضحة تتناسب مع الحقائق العلمیة. واکتفى المؤتمر بإصدار اتفاقیة مرحلیة، على شاکلة کیوتو 2؛ بحیث تمتد صلاحیتها حتى عام 2020 لضمان تنفیذ الاتفاقیات التی تم التوصل إلیها فی المؤتمرات السابقة.

وقد تضمنت مجموعة قرارات “بوابة الدوحة بشأن المناخ”، التی تم إقرارها 8 دیسمبر، تعدیلات على بروتوکول کیوتو من أجل إقرار فترة الالتزام الثانیة. ونشیر إلى قرارات المؤتمر[30] التالیة:

1. تمدید فترة اتفاقیة کیوتو، ونص فضفاض حول زیادة تمویل الدول الفقیرة خلال الفترة من 2012 وحتی 2020، لمساعدتها على مواجهة ارتفاع حرارة الأرض والتحول نحو مصادر الطاقة الصدیقة للکرة الأرضیة؛ لکن دون ذکر أیة أرقام ملزمة.

2. عدم النص على ضرورة التزام الدول التی تعد أکبر منتج للانبعاثات الکربونیة ولم توقع على اتفاقیة کیوتو، بتقلیص تصاعدی تدریجی لانبعاثاتها من وقت الوثیقة وحتى عام 2020، أی العام الذی یفترض أن یشهد تنفیذ اتفاقیة مناخ جدیدة متوقعة (بدلاً من کیوتو2). ومن بین هذه الدول الولایات المتحدة (ثانی منتج للانبعاثات)، والصین (أکبر منتج للانبعاثات)، والهند (رابع منتج للانبعاثات).

3. کشف مؤتمر الدوحة عن حقیقة تمسک الولایات المتحدة بموقفها الرافض لإبرام اتفاقیة مناخیة عالمیة جدیدة تفرض أهدافاً محددة، بذریعة أنها تؤید بلورة نظام مرن یترک المجال للدول المختلفة بأن تحدد بنفسها سقف مساهماتها. وفشلت البلدان الغنیة فی الالتزام بمواعید لدفع الأموال التی تعهدت بها للدول الفقیرة، کما فشلت فی نصب أهداف لکبح انبعاثات غازات الاحتباس الحراری[31].

من أجل ذلک یمکن القول إن دولا کالولایات المتحدة وکندا والیابان تتحمل إلى حد کبیر مسئولیة فشل مؤتمر الدوحة لأنها رفضت الالتزام بـِ أو التوقیع على زیادة جدیة فی نسب خفض الانبعاثات الکربونیة، فضلاً عن رفضها الانضمام إلى کیوتو2.

          وفی غضون ذلک، تفجّرت موجة من الغضب فی صفوف البلدان النامیة جراء رفض الولایات المتحدة والاتحاد الأوروبی وغیرهم من الدول الصناعیة، رفع حصصها من تخفیض انبعاثات أکسید الکربون، والموافقة على تمویل إضافی للدول النامیة للمساعدة على تحیید تأثیرات التغییر المناخی[32].

          ورغم إن البلدان النامیة والمراقبین قد أعربوا عن خیبة الأمل نظرا للافتقار إلى الطموحات بشأن تدابیر التخفیف والتمویل فی البلدان المدرجة بالمرفق الأول، اتفق الأغلبیة على أن المؤتمر قد مهد الطریق لمرحلة جدیدة ترکز على تنفیذ النتائج المنبثقة عن مفاوضات الفریق العامل المخصص المعنی بالنظر فی الالتزامات الإضافیة للأطراف المدرجة فی المرفق الأول بموجب بروتوکول کیوتو والفریق العامل المخصص المعنی بالعمل التعاونی الطویل الأجل بموجب الاتفاقیة وتشجیع المفاوضات الجاریة من قبل الفریق العامل المخصص المعنی بمنهاج دیربان للعمل المعزّز[33].

-مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغیر المناخ فی وارسو11-23 نوفمبر 2013:

لقد تزامن مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغیر المناخ فی وارسو ببولندا خلال الفترة مابین 11 وحتى 23 نوفمبر 2013 مع واحدة من الکوارث البیئیة الکبرى، وهی إعصار “هایان” الذی ضرب الفلبین وراح ضحیته الآلاف، إلا أن ذلک لم یؤدی إلى إحداث تغیر جذری فی مواقف الدول الکبرى لرفع سقف التزاماتها بخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراری ومساعدة الدول الفقیرة. وتحولت کارثة فوکوشیما التی ضربت الیابان عام ٢٠١١ إلى ذریعة للدولة الصناعیة لتتراجع عن الهدف الذی کانت تسعى إلى تحقیقه بحلول 2020 لتقلیص الانبعاثات، وأعلنت الیابان الدورة عن اعتزامها زیادة نسبة انبعاثاتها 3.1 % عن مستویات 1990، متراجعة بذلک عن وعد سابق بخفض الانبعاثات بنسبة 25% بعد إغلاق صناعتها النوویة. ونتیجة لمواقف الدول الصناعیة الکبرى، وعلى رأسها الولایات المتحدة الأمریکیة، وضعت الأمم المتحدة لمؤتمر وارسو هدفاً متواضعاً تمثل فی [34]:

1. بحث الدول الکبرى لرسم خریطة طریق وآلیات محددة للوصول إلى صیاغة اتفاقیة دولیة ملزمة لجمیع الأطراف فی ختام عام ٢٠١٥ فی باریس.

2. تعرض الاجتماع لانتقادات؛ لافتقاره إلى الإلحاح، فضلاً عن حصوله على رعایة الشرکات الصناعیة الملوثة.

3. توصل ممثلون عن ١٩٤ دولة إلى «آلیة وارسو» الجدیدة لمساعدة الدول النامیة على التغلب على الأضرار والخسائر الناجمة عن الموجات الحارة والجفاف والفیضانات والتهدیدات الزاحفة مثل زیادة مستویات میاه البحار والتصحر رغم رفض الدول الغنیة تعهد دفع المزید من الأموال، ولم تعرض أی من الدول الکبرى أثناء الاجتماع إجراءات أکثر صرامة لإبطاء الانبعاثات العالمیة المتزایدة للغازات المسببة للاحتباس الحراری[35].

-مؤتمر القمة المعنى بالمناخ فى نیویورک، سبتمبر 2014:

حضر قمة المناخ فی نیویورک مئة رئیس دولة وحکومة، بمشارکة أکثر من ثمانمئة قیادی من عالم المال والأعمال والمجتمع المدنی. وکان الهدف الرئیسى حشد الزخم السیاسی للتوصل إلى اتفاقیة مناخ جدیدة فی باریس سنة 2015، وتفعیل العمل فی جمیع البلدان لتخفیض انبعاثات الغازات الدفیئة وتعزیز القدرة على التکیف مع التأثیرات القاسیة لتغیر المناخ. وبتحلیل نتائج القمة[36]:

1. لم یقدم القادة أیة التزامات جدیدة لتخفیض الانبعاثات أو أی تعهدات مهمة للتمویل، لکن «الاعلانات الوطنیة» وفرت دفعاً للتحرک نحو اتفاقیة قویة سنة 2015، والتی کان أبرزها عرضت الولایات المتحدة خطوات تتخذها لتخفیض الانبعاثات بحلول سنة 2020 بنسبة 17% عن مستویاتها عام 2005، بما فی ذلک قواعد أشد صرامة لمحطات الطاقة التی تعمل بالفحم والسیارات وزیادة إنتاج الطاقة من الریاح ثلاثة أضعاف وزیادة إنتاج الطاقة الشمسیة عشرة أضعاف. ومن جهة أخرى أعلنت الصین للمرة الأولى أنها ستتخذ إجراءات مشددة حول تغیر المناخ وأن انبعاثاتها ستبلغ الذروة «فی أقرب وقت ممکن» وسوف تسعى إلى تخفیض کثافة الکربون (الانبعاثات لکل وحدة من الناتج المحلی الاجمالی) بنسبة 45% بحلول سنة 2020 بالمقارنة مع مستویات 2005.

2. شدد الرئیس الأمریکی فی خطابه أمام قمة المناخ على ضرورة قیام الدول المتقدمة بالحد من الغازات المسببة للاحتباس الحراری، وأشار إلى المسئولیة الخاصة لکل من الولایات المتحدة والصین لقیادة الجهود المبذولة للحد من انبعاثات الکربون، باعتبار التهدید المتزاید والعاجل لتغیر المناخ یمثل القضیة التى ستحدد معالم هذا القرن بشکل کبیر أکثر من أی شیء آخر. وأبدى استعداد الولایات المتحدة لقیادة جولة جدیدة من مفاوضات تغیر المناخ، ودعا الدول ذات الاقتصادات القویة والدول ذات الاقتصادات الناشئة للتعاون فی هذه الجهود، کما أعلن عن إجراءات تتخذها بلاده للتصدی لتغیر المناخ بهدف خفض تلوثات ثانی أکسید الکربون بنسبة 17% بحلول عام 2010، وزیادة استخدام طاقة الریاح والطاقة الشمسیة وخفض هدر الطاقة وخفض تلوث الکربون مایقرب من 300 ملیون طن متری حتى عام 2030[37].

-مؤتمر باریس حول التغیر المناخی، دیسمبر 2015:

جاءت قمة باریس بعد مؤتمر تغیر المناخ المنعقد فی لیما 1-12 دیسمبر 2014، والذى أعطى موجة جدیدة من الإیجابیة تجاه باریس مع مجموعة من القرارات الرئیسیة المتفق علیها وأجندة العمل التی تم إطلاقها، بما فی ذلک کیفیة تحسین توسیع وتمویل التکیف، جنبا إلى جنب مع الإجراءات المتعلقة بالغابات والتعلیم والتوعیة للحکومات لوضع تغیر المناخ فی المناهج الدراسیة والوعی بالمناخ فی خطط التنمیة الوطنیة. وقد وصلت مفاوضات لیما إلى مستوى جدید من الواقعیة والتفاهم بشأن ما ینبغی القیام به فى الوقت الراهن وفی السنوات والعقود القادمة إذا ما أرید التصدی لتغیر المناخ بمعالجة حقیقیة وحاسمة. وقد ترکت الحکومات رؤیة أکثر وضوحا لما سیبدو علیه مشروع اتفاق باریس 2015 ومن قبله الجولة المقبلة من المفاوضات فی جنیف[38].

وعلى المستوى الأمریکى، کشفت الفترة السابقة لمؤتمر باریس للتغیر المناخی لعام 2015 عن دور الاستقطاب الحزبی ودوره فی التأثیر على إدارة الرئیس “باراک أوباما” على تنفیذ تعهداته البیئیة؛ ففی الوقت الذی سعى فیه “أوباما” للترویج لجدیة الولایات المتحدة فی اتخاذ الإجراءات اللازمة لدرء الآثار السلبیة الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة، عمل الجمهوریون على الترویج محلیاً ودولیاً لعدم جدیة ومصداقیة تلک الوعود، لاسیما وإنها تفتقر للدعم الحزبی اللازم لتفعیلها الأمر الذی أجبر البیت الأبیض على التخلی عن طموحاته لسن تشریع شامل بشأن المناخ. وعلى الرغم من أن الإدارة الأمریکیة لم تنتظر صک الموافقة من قبل الکونجرس؛ کشف رفض الرئیس “باراک أوباما” للمقترح المثیر للجدل (أنابیب کیستون Keystone XL Pipeline) عن جدیة واشنطن أمام المجتمع الدولی فی العمل على الحد من الانبعاثات، کما کان مؤشراً على استعداد الولایات المتحدة لتقدیم تنازلات من أجل المساهمة بفاعلیة فی إطار الجهود الدولیة المبذولة من أجل التصدی للتغیر المناخی العالمی[39].

یضاف إلى ذلک إعلان وکالة حمایة البیئة عن إجراءات لفرض لوائح تهدف إلى الحد من غازات الاحتباس الحراری من محطات تولید الکهرباء، کما عملت وکالات اتحادیة أخرى على الحد من آثار الکربون.

ولکن نظرا لأن العدید من هذه التوجیهات جاءت من الرئیس ولیس الکونجرس، هى أکثر عرضة لیتم نقضها من قبل الإدارة المقبلة، یضاف إلى ذلک مساعی الجمهوریین لإفشال الخطة البیئیة للإدارة، حیث هدد المحافظون بوقف التمویل الذی تعهدت الإدارة به لخفض تلوث الکربون وتعزیز قدرة الدول النامیة لتغیر المناخ[40].

وأشار الرئیس الأمریکی إلى إن مواجهة ارتفاع منسوب میاه البحر وارتفاع درجات الحرارة هی أمور تمثل ضرورات اقتصادیة وأمنیة ینبغی التصدی لها، وإن ” تحقیق النمو الاقتصادی القوی لا یتعارض مع ضرورة السعی نحو الحفاظ على البیئة“، وأضاف خلال کلمته بمؤتمر باریس، “هذا المؤتمر یجب أن یعطینا الأمل فی العمل الجماعی، وبالتالی یجب الاتفاق على نظام شفاف بشأن الأزمة المناخیة، وسبل مواجهتها، لتشمل توقیع اتفاقیة للحد من آثار التغیر المناخی ومساعدة السکان المتضررین منها“، مؤکداً إن واشنطن تتحمل مسئولیاتها لمواجهة التغیر المناخی وهی ملتزمة بدعم الدول النامیة لمواجهة الآثار السلبیة الناتجة عن الانبعاثات الحراریة، قائلا: “لدینا استراتیجیة لتقلیل تکلفة الطاقة المتجددة وتوفیر فرص عمل فی هذا المجال”، کما حرص أوباما على الإقرار بأن “الـ15 عامًا الماضیة هی الأکثر حرارة فی التاریخ، ولیست هناک حلول مؤقتة للأزمة، ولکن الأسلوب الأمثل لمواجهتها هو التوصل إلى استراتیجیة طویلة المدى للحد من المتغیرات المناخیة فی العالم، خاصة وإنها تؤثر على وجود بعض الدول وبقائها“[41].

وقد أشاد الرئیس أوباما باتفاق مؤتمر تغیر المناخ لعام 2015، معتبراً إن الاتفاق یمثل أفضل فرصة لانقاذ الکوکب الوحید الذی لدینا، کما تجدر الإشارة إلى أن تأکید أوباما إنه على الرغم من أن ذلک الاتفاق خطوة مهمة إلى الأمام وإنه یمثل إطارا دائما، لکن لا یزال العالم یحتاج إلى حل أزمة المناخ واتخاذ إجراءات إضافیة لمنع أسوأ آثار تغیر المناخ[42]. ومن الجدیر بالذکر أن الاتفاق قد دخل حیز النفاذ منذ 4 نوفمبر2016 بعد تأیید 55 دولة مسئولة عن نسبة 55% من انبعاثات ثانی أوکسید الکاربون، وعلى رأسها الولایات المتحدة والصین والهند. ووقعت197 دولة على اتفاق باریس، منها 144 دولة صادقت علیه حتى الآن [43].

 وتضمنت وثیقة الاتفاق[44]ما یلى:

1. السعى للحد من ارتفاع مستویات سطح البحر وارتفاع درجات الحرارة عالمیا، وألزمت ما یقرب من 200 دولة على العمل للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراری وغاز ثانی أکسید الکربون.

2. تعهدت الدول المشارکة أیضا لمساعدة تلک المهددة من الآثار البیئیة الناجمة عن تغیر المناخ، مثل الجفاف الشدید ونقص الغذاء، إلا أنه کان محل انتقاد لعدم تضمنه لهدف محدد للحد من انبعاثات الغازات الدفیئة، هذا على الرغم من إن غالبیة الدول المشارکة بالاجتماع کانت قد أبدت استعدادها للامتثال طواعیة لمثل هذا الهدف[45].

ومن الجدیر بالذکر إن الکونجرس -ذی الأغلبیة الجمهوریة- لم یکن بإمکانه منع الأحکام الرئیسیة لاتفاقیة باریس، لاسیما وإن الاتفاق لا یحتاج الى موافقة مجلس الشیوخ لأنه “اتفاق تنفیذی” أکثر من کونه معاهدة دولیة رسمیة[46].

ومن أجل تنفیذ اتفاق المناخ باریس وضعت الإدارة الأمریکیة الأساس لتنفیذ هذه الصفقة من خلال حزمة من الإجراءات التنفیذیة التی أعلن عنها خلال فترته الرئاسیة الثانیة والتی تزامنت مع استعادة الحزب الدیمقراطی للأغلبیة فی الکونجرس[47].

واختتمت الفترة الثانیة لإدارة الرئیس أوباما بعدد من القمم الدولیة التى تکمل مساعی اتفاقیة باریس، منها اتفاق کیجالى فى 15 أکتوبر 2016 للدول الأعضاء فی بروتوکول مونتریال. وهو اتفاق عالمی رئیسی للحد من الغازات القویة المسببة للاحتباس الحراری، وتسمى مرکبات الهیدروفلوروکربون، (إتش.إف.سی) واستخدامه فى المبردات وأجهزة التکییف على عدة مراحل بنسبة 85% بحلول عام 2036، وتعد مرکبات “سی.إف.سی” سببا رئیسیا لثقب الأوزون، وتم حظرها فی نهایة المطاف، بموجب بروتوکول “مونتریال لعام 1987″. وحسب الاتفاق الملزم قانونا، تقسم الدول إلى 3 مجموعات بمواعید نهائیة مختلفة لخفض استخدام غازات الهیدروفلوروکربون”: وتلتزم الدول المتقدمة، ومن بینها کثیر من دول أوروبا والولایات المتحدة، بخفض استخدامها لهذا الغاز10% بحلول 2019، ویتم منح أکثر من مئة من الدول النامیة مهلة حتى عام 2024، لتجمید استخدامها لمواد (إتش.إف.سی) ثم البدء فی تقلیص تدریجی لها[48].

وقد تلقت الجهود المبذولة لمکافحة تغیر المناخ دفعة قویة، لأن من شأن اتفاق کیجالى توسیع نطاق الغازات التی تخضع لاتفاق للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراری بالتزامن مع اتفاق باریس بشأن المناخ العالمی.

 ونشیر کذلک إلى قمة المناخ العالمیة فى مراکش _ مؤتمر الأمم المتحدة “22COP” وذلک فی الفترة من 7 إلى 18 نوفمبر 2016_ لوضع أرضیة مشترکة من أجل تفعیل اتفاقیة باریس والتوافق على القواعد المشترکة لتطبیقها وکیفیة تتبع مستویات الانبعاثات الحراریة وضمان تمویل السیاسات المناخیة فی دول الجنوب ومعاییر تعویض البلدان الفقیرة والمعرضة لظواهر الجفاف والفیضانات[49].

ویأتی مؤتمر مراکش لیحول اتفاقیة باریس، التی دخلت حیز التنفیذ بسرعة لم یسبق لها مثیل فی تاریخ الاتفاقیات الدولیة، إلى خطط عمل لتحقیق أولویات الاتفاقیة وخصوصا ما یتعلق بالتکیف والشفافیة ونقل التکنولوجیا والتخفیف وبناء وتطویر القدرات والتحکم بالخسائر والأضرار التی یسببها تغیر المناخ فی کل المجالات وعلى المستوى العالمی[50].

ومن المتوقع سنة 2018، وبصفة طوعیة، وضع حصیلة عامة بالالتزامات الوطنیة على صعید خفض الانبعاثات الناجمة خصوصا عن استخدام النفط والغاز والفحم. ومن شأن تحقیق الخطط الراهنة تجنب السیناریو الکارثی المتمثل فی ارتفاع حرارة الأرض 4 الى 5 درجات، فی غیاب اعتماد سیاسات مناخیة. لکن رغم ذلک یبقى العالم على مسار خطر للغایة مع زیادة متوقعة قدرها 3 درجات مئویة، مما یستلزم تعزیز التزامات الدول.

ونود الإشارة إلى ظهور الرئیس الأمریکی محاورا الممثل الأمریکی العالمی لیوناردو دی کابریو ولمدة 3 دقائق ونصف الدقیقة فى فیلم وئائقى کبیر عن تغیر المناخ “قبل الطوفان” 2016 Before the Flood الذی یشارک فیه المخرج والممثل فیشر ستیفن الحائز على جائزة الأوسکار ولیوناردو دی کابریو الممثل العالمی والناشط البیئی ومبعوث السلام لدى الأمم المتحدة والحائز أیضاً على جائز الأوسکار التغییرات الجذریة التی تحدث الآن فی العالم من حولنا نتیجة للتغیر المناخی، کدعوة محمومة لاتخاذ إجراء فوری حیال قضیة التغیر المناخی عن طریق عرض جولته حول العالم یلتقی فیها بخبراء وسیاسیین لیکشف عن المشکلة، وتبعاتها وطرق حلها، ویستهدف دی کابریو من یصفهم بأنهم یدیرون حملة من التضلیل الإعلامی ویضغطون بشدة لوقف مجموعة من الإصلاحات المهمة للبیئة، ولهذا جاء الحوار مع الرئیس أوباما من أمام البیت الأبیض حول مشکلة التغیر المناخى وکیف یراها الرئیس والذى أکد على توجه الإدارة الأمریکیة بأنها قضیة أمن قومى لیس فقط لما تمثله من ندرة الموارد أمام تزاید مطرد للسکان، لکن أیضا لأنها تؤثر على قدرة النظام العالمی القائم، والذى یهدد الأمن والسلام العالمیین.[51]

ثانیاً: محاور التعاون الدولی الثنائی لإدارة أوباما فی المجال البیئی:

سعى الرئیس أوباما لإنشاء العدید من محاور للتعاون الثنائی بین بلاده وکبرى الکیانات الاقتصادیة العالمیة وذلک بهدف کسر حالة العزلة التی عاشتها الولایات المتحدة نتیجة لسیاسیات سلفه البیئیة والتی جعلت الولایات المتحدة خارج منظومة العمل والتعاون الدولی فی المجال البیئی. وباتت القضایا البیئیة مجالاً ومحوراً رئیسیاً فی العلاقات الثنائیة الأمریکیة ولاسیما مع الاقتصادیات الدولیة الصاعدة مثل الهند والصین، حیث اعتمد الرئیس الأمریکی على دبلوماسیة المناخ بهدف کسب أطراف دولیة داعمة لبلاده فی المحافل الدولیة، بالإضافة لمساعیه لتقاسم مسئولیة الحمایة البیئیة العالمیة مع الاقتصادیات الصاعدة، واقناعها باتخاذ خطوات أکثر إیجابیة للحد من الانبعاثات[52]، حیث شهدته فترة ولایته تعاوناً بین بلاده مع العملاقین الآسیویین الصین (أکبر منتج للانبعاثات) والهند (رابع منتج للانبعاثات)، فضلاً عن تعاونه مع کیانات اقتصادیة أخرى، وهو ما سیتم عرضه کالتالى:

-التعاون الثنائی بین الولایات المتحدة والصین:     

  1. فی زیارة الرئیس الأمریکى باراک أوباما للصین فى نوفمبر 2009، أعلن البلدان عن مجموعة من المبادرات البیئیة فی عدد من المجالات الرئیسیة : کفاءة الطاقة، الطاقة المتجددة، إنتاج السیارات الکهربائیة، التقاط وتخزین الکربون. فضلاً عن تدشین مرکز أبحاث الطاقة النظیفة بین الولایات المتحدة والصینU.S.-China Clean Energy Research Center، وسیعطى المرکز الأولویة لثلاثة موضوعات هى: کفاءة الطاقة فى المبانى والفحم النظیف والسیارات النظیفة. وسیتم إقامة مقر رئیسى للمرکز فى کل من البلدین بتمویل عام وخاص بقیمة 150 ملیون دولار على الأقل خلال 5 سنوات بالتساوى بین البلدین[53].

وعن برنامج التعاون الأمریکی الصینی فی مجال الطاقة والهادف إلى إشراک القطاع الخاص فی الجهود المبذولة من أجل الحمایة البیئیة[54]، یرعى المنتدى مشارکة بیت الخبرة الصینی معهد الصین للاستراتیجیة والادارة، ومؤسسة بروکینجز بالولایات المتحدة، ویشارک فیه نائب الرئیس الأمریکی السابق آل جور ومسئولون على مستوى عال من الحکومتین[55].

2. وفی عام 2013 وقع حاکم ولایة کالیفورنیا الأمریکیة جیری براون وشی زینهوا کبیر مستشاری المناخ فی الصین اتفاقاً أولیاً بین الصین والولایات المتحدة للتعاون فی مجالات الطاقة المتجددة والنظیفة، تهدف إلى دعم الأبحاث والتقنیات الجدیدة فی مجال الحد من الانبعاثات التى تفسد المناخ. ویعد الاتفاق خطوة کبیرة من جانب ولایة کالیفورنیا تجاه محاربة ظاهرة التغیر المناخی حیث تفرض ضریبة جدیدة على الانبعاثات الغازیة التى تسبب ضرر المناخ مثل انبعاثات ثانی أکسید الکربون. وطبقا للاتفاق یتعاون الطرفان لمدة عامین فی تنبی تقنیات وآلیات عمل لتخفیض ظاهرة الانبعاث الغازی الملوث للبیئة وما یتعلق بذلک من أبحاث علمیة. ومن الجدیر بالذکر أن أهمیة الاتفاق یعود إلى تشکیل لجنة مشترکة بین البلدین للإشراف على التنفیذ تضم کلا من المسئولین عن مکافحة التغیر المناخی فی الدولتین بالإضافة إلى بعض قیادات شرکات القطاع الخاص[56].

3. وخلال مباحثات ثنائیة على مستوى القمة أعلن الرئیس الأمریکی باراک أوباما ونظیره الصینی شی جین بینج أهدافا جدیدة بشأن التغیر المناخی فی ختام محادثاتهما فی بکین على مدار یومین فى 14 نوفمبر 2014. وهو ما یعد اتفاقا تاریخیا على أساس هدف الولایات المتحدة بخفض صافی الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراری بحلول عام 2025 بنسبة تتراوح بین 26 – 28% عن مستویات 2005. کما أن الصین تستهدف الحد من انبعاثات غاز ثانی أکسید الکربون بحلول 2030 بنیة زیادة حصة الوقود غیر الأحفوری من کل مصادر الطاقة إلى نحو20% بحلول 2030[57]. 

وبالرغم من إن التوصل إلى الاتفاقیة البیئیة بین الولایات المتحدة والصین تعطی إشارة إلى أن العلاقات بین الصین والولایات المتحدة تعتبر ثابتة وتتقدم للأمام بین أکبر قوتین اقتصادیتین فی العالم، إلا أنه یجب عدم المبالغة فی الفرح بتلک الاتفاقیة لإنها لا ترضی کثیرا من المهتمین بالبیئة بحیث لا تعطی حلولا جذریة للأزمة من ناحیة، کما وأنها تمثل شیئا بسیطا لمکافحة تلوث البیئة من ناحیة أخرى.

 فوفقا للاتفاقیة الثنائیة حددت الولایات المتحدة هدفا جدیدا لمستویات خفض انبعاث الغازات إلى نحو ما بین 26-28% بحلول عام 2025، مقارنة مع مستویات 2005، فی حین لم تحدد الصین هدفا محددا لمستوى الخفض، رغم تأکیدها أن انبعاث الغازات لدیها سیتضاءل بحلول عام 2030، وهى المرة الأولى التی تحدد فیها الصین، أکبر منتج للتلوث فی العالم، موعدا تقریبیا لتضاؤل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراری فیها، ضمن قمة التعاون الاقتصادی لدول آسیا والمحیط الهادئ الأخیرة.

لکن لا یمکن التقلیل من أهمیة تلک الاتفاقیة على الجانب الدبلوماسی لأنها تعید إطلاق الحوار حول ملف تغیر المناخ، فالصین بدأت تغیر اتجاه استثماراتها من أجل الحفاظ على البیئة وقد تدفع تلک الاتفاقیة العلاقات بین الصین والولایات المتحدة إلى الأمام.

-التعاون الثنائی بین الولایات المتحدة والهند:

وعلى صعید التعاون الأمریکی الهندی فی المجال البیئی، فقد أجرى الرئیس “باراک أوباما” مفاوضات مکثفة وغیر مسبوقة بین الولایات المتحدة والهند فی مجالات الحمایة البیئیة، وکانت أبرز جولات تلک المفاوضات قمة شراکة الطاقة رفیعة المستوى بین الهند والولایات المتحدة والتی عقدت فی العاصمة واشنطن فى أکتوبر 2009، وقد أسفرت تلک المفاوضات عن الإعلان عن “الشراکة الخضراء” Green Partnership بین البلدین، وذلک خلال زیارة رئیس الوزراء الهندی للولایات المتحدة، حیث تشمل تلک الشراکة الخضراء على:

1. اتفاق لتعزیز التعاون فی مجال أمن الطاقة وکفاءة الطاقة والطاقة النظیفة وتغیر المناخ.

2. اتفاق على الشراکة فی البحوث الشمسیة وطاقة الریاح.

3. القرار بخفض الانبعاثات الناتجة عن إزالة الغابات.

4. وإنشاء هیئة وطنیة جدیدة للحمایة البیئیة فی الهند بدعم من قبل وکالة حمایة البیئة بالولایات المتحدة EPA[58].

وفى سبتمبر 2014، تعهد الرئیس أوباما ورئیس الوزراء الهندی بتعزیز وتوسیع الشراکة الأمریکیة الهندیة الناجحة للغایة للنهوض بالطاقة النظیفة PACE. ومنذ ذلک الحین، حقق البلدان تقدما هاما، وشنتا أنشطة جدیدة مهمة للنهوض بأهداف الطاقة النظیفة الطموحة لکل من البلدین والمساهمات المحددة وطنیا، و منها [59]:

1. الطاقة النوویة المدنیة: ترحب الولایات المتحدة بتصدیق الهند على اتفاقیة التعویض التکمیلی عن الأضرار النوویة فی وقت سابق والخطوات الهامة التی اتخذتها شرکة الطاقة النوویة فی الهند ولیمیتد وویستنجهاوس نحو الانتهاء من المفاوضات التعاقدیة بحلول یونیو 2017 على صفقة لبناء ستة مفاعلات AP1000 فی الهند بحلول عام 2030. وبمجرد الانتهاء، فإن هذا المشروع سیوفى بوعد الاتفاق النووی المدنی بین الولایات المتحدة والهند وخلق فرص عمل فی کل من الولایات المتحدة والهند، کما یقدم أهداف الطاقة النظیفة المشترکة.

2. تسریع نشر الطاقة المتجددة: تتعاون الولایات المتحدة والهند فی القضایا الرئیسیة لدعم هدف الحکومة الهندیة بنشر 175 جیجاوات من الطاقة المتجددة بحلول عام 2022. وتعلن الولایات المتحدة عن 5.4 جیجاوات من الالتزامات الجدیدة من الشرکات الأمریکیة المتجددة التی تضبط فرصة للاستثمار فی الهند، کالأسطح الشمسیة واستثمارات أمریکیة لمنظمى الکهرباء بالهند ومشغلى الشبکات تصل إلى 18 ملیون دولارا بدأوا ب 4.7 ملیون. وأخیرا التعاون فى مجال البیانات للموارد الشمسیة.

3. مرکز تمویل الطاقة النظیفة: إعلان الولایات المتحدة عن مرکز جدید لتمویل الطاقة النظیفة سیکون بمثابة آلیة تنسیق لترکیز جهود حکومة الولایات المتحدة التی ستزید من استثمارات الطاقة المتجددة فی الهند فی شراکة مع المؤسسات المالیة الهندیة الرائدة.

4. تعبئة الاستثمارات من أجل الطاقة النظیفة: من خلال برنامج  PACE، حشدت الولایات المتحدة والهند أکثر من 2.5 ملیار دولار منذ عام 2009 لدعم نشر الطاقة النظیفة. وفى 2014 أعلنت الولایات المتحدة الأمریکیة وحکومة الهند عن إنشاء مبادرتین جدیدتین مبتکرتین یتوقع منهما معا تعبئة ما یصل إلى 1.4 ملیار دولار فی تمویل المناخ للمشاریع الشمسیة الهندیة. مثال مذکرة تفاهم بین بنک إکسیم وإیریدا، حیث یواصل بنک التصدیر والاستیراد فی الولایات المتحدة (إکسیم) شراکته مع الوکالة الهندیة لتنمیة الطاقة المتجددة (إیریدا) لتحدید فرص تمویل الطاقة المتجددة فی الولایات المتحدة وکفاءة استخدام الطاقة الصادرات لدعم أهداف الطاقة الطموحة فی الهند. ویؤکد البنک أیضا استعداده لإشراک إیریدا فی مناقشات ترکز على هیاکل التمویل المحتملة الجدیدة من أجل تعزیز الصادرات الأمریکیة إلى الهند فی هذا القطاع الحرج.

5. کفاءة الطاقة: تقوم الولایات المتحدة والهند بتحدیث قانون بناء الحفاظ على الطاقة ودعم السیاسات الشاملة على مستوى الدولة للإطار الحالی، مع إحراز تقدم کبیر فی مجال تبرید الفضاء. بالإضافة إلى تنسیق مستمر فى مجالات الابتکار: “مبادرة بعثة الابتکار” فی المؤتمر الحادی والعشرین للأطراف فی اتفاقیة الأمم المتحدة الإطاریة بشأن تغیر المناخ فی باریس 2015، حیث تعهدت الولایات المتحدة والهند، جنبا إلى جنب مع 18 بلدا آخر، بالسعی إلى مضاعفة الاستثمار فی مجال بحوث الطاقة النظیفة والاستثمار على مدى خمس سنوات، وکذلک إنشاء شبکة للتدریب على الطاقة الشمسیة بین البلدین والتخطیط لتوسیع نطاق دعمها لهذا الجهد. وستواصل الولایات المتحدة والهند إقامة شراکات لبناء القدرات فی مجال بحوث الطاقة النظیفة ونشرها، بما فی ذلک من خلال تحدیث معاهد الطاقة البدیلة وفرص الزمالات للمهنیین الذین یشکل عملهم عنصرا حاسما لنجاح هذا البرنامج.

6. التعاون المناخى الثنائی: ومن خلال الفریق العامل المشترک بین الولایات المتحدة والهند المعنی بمکافحة تغیر المناخ والمحافل ذات الصلة، تواصل الولایات المتحدة والهند تعزیز التعاون الثنائی بشأن تغیر المناخ، منها علی سبیل المثال: زمالة المناخ فولبریت-کلام منذ مارس 2014 والشراکة من أجل صمود المناخ والتعاون لتعزیز جودة الهواء والتعاون التقنی فى خفض انبعاثات الغازات الدفیئة من المرکبات الثقیلة فی الهند من خلال مجموعة ال20.

7. أمن الطاقة: کمجال هام من مجالات التعاون، ویشارک البلدان فی مناقشات منتظمة لتبادل المعلومات بشأن اتجاهات الطاقة العالمیة والمصالح المتبادلة فی استقرار الأسواق وتعزیز النمو الاقتصادی المستدام[60].

وفی مطلع عام 2015، قام الرئیس “باراک أوباما” بزیارته الثانیة للهند، وتم التوقیع على اتفاق هام لخفض انبعاثات الغازات الدفیئة، کما أعلنت الحکومتان عن مبادرات جدیدة للحد من مساهمة الهند فی تغیر المناخ وتحقیق انفراجة فی الاتفاق المتعثر منذ فترة طویلة فی مجال الطاقة النوویة[61].

-التعاون الثنائی بین الولایات المتحدة والاتحاد الأوروبی:

وبالتوازی مع تعاونه فی المجال البیئی مع الصین والهند، حاول الرئیس أوباما کسر الجمود بین الولایات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبی فی مجالات التعاون البیئی، وعقد اجتماع البیت الأبیض الذی یعد أول قمة رسمیة بین بروکسل وواشنطن فی عهد إدارة أوباما قبل 33 یوماً من مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغیر المناخ فی کوبنهاجن، حیث تم التوصل لاتفاق بتاریخ 3 نوفمبر 2009 أفاد بعزم الولایات المتحدة العمل باتجاه التوصل لاتفاق “طموح وشامل” بشأن تغیر المناخ فی مؤتمر کوبنهاجن، وسیعززان الجهود الرامیة الى تنمیة أسواق کربون قویة، حیث جاء فی بیان مشترک صدر بعد القمة ما یلى:

1. العمل على اتفاق یضع العالم على مسار النمو منخفض الکربون ویطمح إلى هدف عالمی لخفض 50% من الانبعاثات العالمیة حتى عام 2050 ویعکس جهود التخفیف المرحلیة التی تبذلها جمیع الاقتصادات الرئیسیة، المتقدمة والناشئة من خلال العمل لحشد موارد مالیة هامة لدعم التکیف للدول الأکثر ضعفاً، وعملیات التخفیض المعززة التی تجریها الدول النامیة[62]. والتعهد ببذل جهود أکبر لتنمیة أسواق کربون “قویة وعملیة” ضروریة لتعظیم تمویل المناخ ولإشراک الدول الناشئة والنامیة فی إجراءات طموحة لخفض الانبعاثات.

2. إنشاء مجلس الطاقة الأمریکی–الأوروبی على المستوى الوزاری والذی سیعزز أمن الطاقة ویساهم فی تحقیق الأهداف الطموحة لمکافحة تغیر المناخ.

3. الاتفاق على شئون ذات صلة بتغیر المناخ مثل تمویل المناخ ونقل التکنولوجیا والتکیف وتخفیف حدة تغیر المناخ والحکم الرشید، ما شکل موقفاً موحداً للتفاوض فی مؤتمر کوبنهاجن[63].

4. فضلا عما سبق، وفی 8 یولیو 2014، بدأت الولایات المتحدة مفاوضات بشأن اتفاقیة السلع البیئیة EGA، وذلک بالتعاون مع 13 دولة من أعضاء منظمة التجارة الدولیة تمثل 86% من حجم التجارة العالمیة فی السلع البیئیة، وهناک دول أخرى تعتزم الانضمام لاحقا. وتهدف تلک الاتفاقیة لتحریر التجارة العالمیة فی التکونوجیات النظیفة، والالتزام الذی قطعه الرئیس أوباما وغیره من قادة منتدى التعاون الاقتصادی لآسیا والمحیط الهادئ (أبیک) بتخفیض التعریفات الجمرکیة على قائمة تضم 54 سلعة بیئیة بحلول نهایة عام 2015[64].

5. وفی العام 2015، أعلن “باراک أوباما” عن اعتزام بلاده المساهمة بقیمة 3 ملیار دولار لصالح صندوق المناخ الأخضر The Green Climate Fund الهادف لخفض تلوث الکربون وتعزیز قدرة البلدان النامیة على مواجهة آثار التغیرات المناخیة، مما ساهم فی تحفیز الدول الأخرى على زیادة مساهمتها فی الصندوق ورفع رأسماله لأول مرة لأکثر من 10 ملیار دولار[65].

-التعاون الثنائی بین الولایات المتحدة ودول الأمریکتین:

شهدت ولایة الرئیس أوباما تنسیقاً وتعاوناً إقلیمیاً فی المجال البیئی، یکشف عن ذلک مساعیه للتنسیق بین سیاسات بلاده البیئیة مع دول أمریکا اللاتینیة من جهة، وشمالاً مع کندا من جهة أخرى.

فقد کانت زیارته لکندا هی المحطة الأولى فی جولاته الخارجیة منذ تولیه مقالید الرئاسة، وقد شهدت تلک الزیارة اجتماعات مکثفة بین “أوباما” ورئیس الوزراء الکندی “ستیفن هاربر”، رکزت حول ثلاث قضایا: الرکود الاقتصادی العالمی، التعاون فی مجالات البیئة وأمن الطاقة، ومقتضایات تحقیق الأمن والسلم الدولیین. وتتمثل أهمیة تلک الاجتماعات فی ضوء الترقب الدولی لإمکانیة حدوث تقارب أمریکی کندی وتداعیاته على مسار مؤتمر کوبنهاجن 2009 حیث یمثل التنسیق الإیجابی بین الولایات المتحدة وکندا نقطة انطلاقة وضمانة أسیاسیة لإنجاح الجهود المبذولة فی مجال الحمایة البیئیة الدولیة. ونتج عن الزیارة الإعلان عن مبادرة جدیدة من شأنها زیادة التعاون عبر الحدود فی مجال حمایة البیئة وأمن الطاقة، حیث تم الاتفاق على إقامة حوار بشأن الطاقة النظیفة بین الولایات المتحدة وکندا، یلتزم بموجبه مسئولا البلدین بالتعاون من أجل تطویر علوم الطاقة النظیفة والتقنیات التی من شأنها الحد من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراری ومکافحة تغیر المناخ، الأمر الذی یمکن إرجاعه إلى عدم القدرة على التوصل لمواءمة استراتیجیات الولایات المتحدة وکندا للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراری؛ ففی الوقت الذی یرکز فیه الجانب الکندی على تکنولوجیا الطاقة النظیفة، تتبنى الإدارة الأمریکیة منهج الحد الأقصى والتجارة کآلیة ذات جدوى اقتصادیة لتخفیض والحد من الانبعاثات الدفئیة[66].

وعلى صعید تنسیقه مع دول القارة اللاتینیة، فقد ساهم أوباما فی إطلاق شراکة الطاقة والمناخ فی الأمریکتین ECPA، وکان ذلک خلال القمة الخامسة للأمریکتین فی بورت أوفسبین عاصمة جمهوریة ترینیداد وتوباجو، حیث تهدف تلک الشراکة إلى تعمیق التعاون بین بلدان نصف الکرة الغربی فی مجالات الطاقة ومواجهة تغیر المناخ. وبموجب هذه الشراکة “الطوعیة” یتم العمل على تعزیز التعاون فی مجال کفاءة الطاقة والطاقة المتجددة والوقود الأحفوری الأکثر نظافة والبنیة التحتیة[67].

وکجزء من الشراکة ECPA، وقعت وزارة الطاقة بالفعل مذکرة تعاون مع شیلی لتقدیم الخبرة التقنیة فی مجال الطاقة المتجددة، کما تم إنشاء مرکز الطاقة المتجددة فی شیلی. وقد رأى مراقبون أن تلک الشراکة تعد خطوة أولى إیجابیة نحو تلبیة الحاجة إلى مزید من التعاون فی مجال الطاقة النظیفة والمستدامة فی أمریکا اللاتینیة کجزء من الجهود المبذولة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراری فی المنطقة، إلا أنه انتقدت لاعتمادها على المبدأ التطوعی وافتقارها لتدابیر إلزامیة[68].

نتائج الدراسة:

على مدى أجزاء الدراسة، أشرنا إلى دور البعد الفکری فی صنع السیاسة الخارجیة الأمریکیة تجاه القضایا البیئیة الدولیة حیث یتبنى الحزب الدیمقراطی موقفاً داعماً لإجراءات الحمایة البیئیة.

 وبتحلیل السیاسات الأمریکیة تجاه القضایا البیئیة الدولیة خلال الفترة محل الدراسة (2008 – 2017) والتی بدأت بسیطرة الحزب الدیمقراطى على مؤسسة الرئاسة بالتزامن مع سیطرة الحزب على الأغلبیة التشریعیة حتى عام 2014 حیث فقد تلک السیطرة لصالح الحزب الجمهورى، یلاحظ إن متغیر “الانتماء الحزبی” ساهم فی التأثیر على عملیة صنع السیاسات الأمریکیة تجاه القضایا البیئیة الدولیة، إلا إن ذلک التأثیر کان مقیداً فی کثیر من الأحیان بالمتغیرات المحلیة والدولیة المؤثرة على عملیة صنع تلک السیاسات، یستدل على ذلک من خلال الملاحظات التالیة:

1. کشفت الفترة محل الدراسة عن تأثیر الانتماء الحزبی على رؤیة الرئیس “باراک أوباما” لتطورات الأحداث المحلیة والعالمیة خلال فترة حکمه، فقد غاب تأثیر أمن الطاقة على التوجه الأمریکی تجاه القضایا البیئیة الدولیة لأسباب عدة یأتی فی مقدمتها معارضته لسیاسات إدارة سلفه الرئیس دبلیو بوش على الصعید الخارجی، ودعوته لتقلیل الانخراط الأمریکی على الساحة الدولیة، کما یرتبط الأمر بالتحدیات الاقتصادیة التی واجتها الولایات المتحدة منذ عام 2008 والتی أثرت على المخصصات المالیة للدفاع والتحرکات العسکریة خارجیاً والتی کلفت الخزانة الأمریکیة مبالغ ضخمة، کما أثرت على مکانتها عالمیاً.

فی المقابل رکز “أوباما” على الداخل الأمریکی لتحقیق أمن الطاقة الأمریکی، وزیادة المخصصات المالیة لمشاریع وأبحاث الطاقة المتجددة کبدیل عن الطاقة التی تستوردها الولایات المتحدة من الخارج لتلبیة الاحتیاجات الداخلیة، والبدء فی التنقیب عن النفط والغاز الطبیعی داخل الأراضی والسواحل الأمریکیة، لتحقق الولایات المتحدة إنجازاً خلال إدارة “أوباما” متمثلاً فی زیادة إنتاجها وتقلیل وارداتها من الطاقة التقلیدیة، ومن ثم لم یکن النفط هو المحرک الأساسی لسیاسة بلاده الخارجیة تجاه القضایا البیئیة الدولیة.

2. إن أحد الأسباب وراء فوز “باراک أوباما” بالرئاسة الأمریکیة، کان نتیجة الانتقادات التی تعرضت لها سیاسات سلفه “جورج دبلیو بوش” تجاه القضایا البیئیة، إلا أن الثمانی أعوام التی تقلد فیها “أوباما” الرئاسة الأمریکیة لم تشهد تغیراً جذریاً حقیقیاً فی المواقف الأمریکیة تجاه القضایا البیئیة الدولیة، حیث اقتصرت جهود “أوباما” فی المجال البیئی على إبرام عدد من اتفاقیات التعاون الثنائی بین بلاده وعدد من الاقتصادیات الصاعدة وعلى رأسها الصین والرابح الأکبر الهند.

أما فی شأن نتائج مشارکته فی المحافل البیئیة الدولیة، بصفة خاصة الاجتماعات الدوریة لاتفاقیة الأمم المتحدة الإطاریة بشأن التغیر المناخی، فعلى الرغم من تأکیده على أهمیة تمثیل بلاده فی تلک الفعالیات، إلا أنه لم یکن قادراً فی أی منها على المضی قدما فی سبیل دفع الجهود الدولیة الرامیة للاتفاق على إجراءات دولیة فاعلة لتطویر منظومة الحمایة البیئیة الدولیة. وقد رأى المحللون إنها خطوات غیر کافیة لاسیما وأن أکبر الملوثین فى العالم – الصین والولایات المتحدة- لاتزالان غائبتان عن المعاهدات الدولیة[69].

3. تتعدد الأسباب التی حالت دون تفعیل السیاسة الأمریکیة تجاه القضایا البیئیة الدولیة خلال فترتی رئاسة “باراک أوباما” ذى الانتماء الحزبی الدیمقراطی الداعم للقضایا البیئیة، والمتعهد باستعادة الریادة الأمریکیة عالمیاً للجهود الدولیة المبذولة لمواجهة تلک القضایا؛ أهمها: تأثرت الفترة الرئاسیة الأولى لأوباما بشدة بأزمة الرکود الاقتصادی الکبیر The great recession، حیث واجه “أوباما” الکثیر من الأزمات والتحدیات أبرزها : الأزمة الاقتصادیة، ارتفاع معدل البطالة، العجز الهائل  فی المیزانیة. ویضاف إلى ذلک اعتماد الاقتصاد الأمریکی على إنتاج واستهلاک الوقود الأحفوری، مما ترتب علیه إثارة الرأی العام باتجاه رفض التدابیر المتعلقة بالحمایة البیئیة؛ ففی حین کانت الغالبیة العظمى من الشعب الأمریکی مؤیدة ومطالبة ببذل مزیداً من الجهد من أجل مواجهة التحدیات البیئیة حتى عام 2007، تراجعت تلک النسبة بحلول عام 2008، حیث بدا معظم الشعب الأمریکی متخوفاً من تأثیر تدابیر الحمایة البیئیة على أوضاعهم الاقتصادیة. الأمر الذی أجبر الکونجرس على إنهاء کافة صور الدعم المالى الموجه لقطاع الطاقة والمناخ خلال العام الأول لرئاسة “أوباما”. یضاف إلى ذلک احتدام حالة الانقسام الحزبی على خلفیة انتخابات التجدید النصفی لعام 2010، والتی انتزع فیها الجمهوریون ما یقرب من ستین مقعدا فی مجلس النواب وستة مقاعد فی مجلس الشیوخ فسیطروا على الأغلبیة فی الأول وقیدوا حریة حرکة الأغلبیة الدیمقراطیة بدرجة أعلى فی الثانی[70]، مما أعاق فرص أوباما فی إحداث التغیر المنشود فی السیاسات الأمریکیة تجاه القضایا البیئیة الدولیة على النحو الذی یمکنها من تحمل مسئؤلیتها التاریخیة تجاه حمایة البیئة الدولیة، ولاسیما المشارکة فی الجمهود الدولیة المبذولة من أجل الوصول لاتفاق ملزم للحمایة البیئیة، فکانت محصلة جهوده مخیبة للآمال، ولاسیما بین قاعدته الانتخابیة.

4. کشفت الفترة محل الدراسة عن أهمیة دور الکونجرس وتأثیره على عملیة صنع السیاسات البیئیة الأمریکیة. فوفقاً للدستور الأمریکی، بعد التصدیق على المعاهدات الدولیة یتطلب مشورة وموافقة ثلثی أعضاء مجلس الشیوخ، کما یتولى الکونجرس مسئولیة عن المیزانیة السنویة التی تؤثر أیضا فى سیاسة تغیر المناخ. وقد یتفاوت عدد التشریعات التی یصدرها الکونجرس من عام لآخر وفقاً للمؤثرات الخارجیة المؤثرة على تلک السیاسات، بالإضافة لماهیة الانتماء الحزبی للحزب المسیطر على الأغلبیة البرلمانیة؛ ففی الفترات التی سیطر فیها الدیمقراطیون على الأغلبیة التشریعیة، والعکس صحیح  فی حال السیطرة الجمهوریة.یضاف إلى ذلک إن السلوک التصویتی لنائب/عضو الکونجرس یتأثر أیضاً بالولایة التی یمثلها وینوب عنها، ففی حال انتمائه لولایات یعتمد اقتصادها على إنتاج مصادر الوقود الأحفوری مثل أوهایو، وبنسلفانیا وفیرجینیا الغربیة، تقل فرص تأیید النائب لإجراءات الحمایة البیئیة سواء کانت اتفاقیات دولیة أو تشریعات محلیة.

وهنا لابد من التأکید على أن الانتماء الحزبی للمؤسسة التشریعیة هام بقدر أهمیة الأغلبیة الحزبیة المسیطرة على البیت الأبیض (السلطة التنفیذیة)؛ ففی حالة الحکومة المنقسمة، تزداد حدة الاستقطاب الحزبی، مما یؤثر على عملیة صنع السیاسات البیئیة، حیث تتضائل فرصة انضمام الولایات المتحدة لأی اتفاقیة أو معاهدة للتعاون الدولی فی المجال البیئی، کما تزداد صعوبة عملیة تمریر التشریعات البیئیة المحلیة.

5. تظل الولایات المتحدة الأمریکیة تعتمد على مصادر الطاقة التقلیدیة، ولاسیما الإمدادات الخارجیة لتزاید الاستهلاک الداخلی من الطاقة، مما یجعل الحاجة الأمریکیة لضمان استمرار إمدادات النفط الخارجیة وعدم تهدیدها أولویة لدى الرؤساء الأمریکیین، بغض النظر عن انتمائهم الحزبی، وحتى وإن لم یعلنوا عن ذلک صراحة مع حدیثهم المتصاعد عن تقلیل الاعتماد على الطاقة المستوردة خارجیاً وزیادة استثماراتها الداخلیة فی مشاریع الطاقة البدیلة والتنقیب المحلی، کما تفعل إدارة الرئیس “باراک أوباما”. إلا أنه فی حال استشعاره أی تهدید فعلی لإمدادات الطاقة الأمریکیة واستمراریتها، فسنجد إدارته تتحرک خارجیاً لحمایتها وضمان استمراریتها.الأمر الذی من شأنه الحیلولة دون إقدام الولایات المتحدة على اتخاذ خطوات نحو تقلیل اعتمادها على النفط، حتى فی حال کان الرئیس منتمیاً للحزب الدیمقراطی، وبذلک یستدل على إن السیاسیات البیئیة الأمریکیة تتأثر بشکل کبیر باعتماد الاقتصاد الأمریکی على الوقود الأحفوری، کما تتأثر تلک السیاسات بحقیقة انحیاز الشعب الأمریکی لأولویة توفیر المعروض اللازم من الطاقة.

6. تتسم السیاسة الخارجیة الأمریکیة تجاه القضایا البیئیة الدولیة بالطابع البراجماتی، وهی السمة العامة للسیاسة الخارجیة الأمریکیة ولکنها تتضح أکثر فی حالة مواقفها تجاه القضایا البیئیة الدولیة. فعلى العکس من الکثیر من دول الاتحاد الأوروبی التی بذلک جهوداً عدیدة من أجل تفعیل سیاسات بلادها تجاه القضایا البیئیة الدولیة والمشارکة بفاعلیة فی الجهود الدولیة المبذولة للتصدی لتلک القضایا، هذا على الرغم من تفاوت الإمکانات الاقتصادیة بین تلک الدول الأوروبیة وبین الولایات المتحدة، التی تتحمل المسئولة تاریخیاً عن شق کبیر من الدمار الذی لحق بالبیئة الدولیة، فضلاً عما تتمتع به من مکانة استراتیجیة دولیة تمکنها من الدفع قدماً بجهود الحمایة البیئیة الدولیة.

وعلى الصعید الدولی، کان لرؤیة الحزب تأثیراً على صیاغة وتحدید موقف الإدارة الحاکمة من الجهود الدولیة المبذولة لمواجهة القضایا البیئیة الدولیة، وکانت إدارة “أوباما” أکثر حرصاً على المشارکة فی أبرز المحافل الدولیة المعنیة بتلک القضایا والعمل على إیجاد أطر للتعاون الدولی الثنائی خارج منظومة التعاون الدولی البیئی القائمة، وبصفة خاصة اتفاقیة الأمم المتحدة الإطاریة بشأن التغیر المناخی.

وختاما، إن السیاسة الخارجیة الأمریکیة الفعالة تجاه القضایا البیئیة الدولیة من شأنها تحقیق الکثیر من المنافع والمزایا للولایات المتحدة؛ حیث تعد إجراءات الحمایة البیئیة العالمیة عنصراً أساسیاً لتحقیق الرفاهة للفرد والمجتمع على حد سواء، ومن المعروف أن هذا الهدف یمثل مبدأ وقیمة أسیاسیة للمجتمع الأمریکی، یضاف إلى ذلک المساهمة فی تحقیق الأمن القومی الأمریکی سواء الشق المتعلق بتأمین مصادر الطاقة من جهة والأمن من التداعیات الکارثیة الناجمة عن التغیرات البیئیة العالمیة، بالإضافة إلى ذلک هناک المنافع الاقتصادیة للمنتجین المحلیین لتکنولوجیا الطاقة النظیفة، کما تعتبر القیادة الأمریکیة لجهود الحمایة البیئیة العالمیة عنصراً لاستعادة المکانة والحضور الأمریکی على الساحة الدولیة، لاسیما فی الفترات التی واجهت فیها الولایات المتحدة حالة من العزلة الدولیة، مثل أعقاب فترة رئاسة “جورج دبلیو بوش” التی شهدت الکثیر من الإجراءات والمواقف المعادیة لإجراءات الحمایة البیئیة، کان أبرزها الانسحاب من بروتوکول کیوتو، مما أثار موجه عارمة من الانتقادات المحلیة والدولیة.

المراجع

هوامش الدراسة


 


[1]Paul G. Harris, The Environment, International Relations, And U.S. Foreign Policy,U.S.A., Washimgton DC: Gorgetown University Press, 2001, p. 3.

[2]Issues: Environment, The Official Website Of The Democratic Party, available at: https://www.democrats.org/issues/environment  

[3]Ibid.

[4]Issues: Energy Independence, The Official Website Of The Democratic Party, https://www.democrats.org/issues/energy-independence  

[5]2008 Democratic Party Platform, August 25, 2008, Political Parties Platforms, The American Presidency Project,

http://www.presidency.ucsb.edu/ws/index.php?pid=78283

[6]Ibid.

[7]Campaign Issues and Candidate Positions, ICPSR, 2008, 

https://www.icpsr.umich.edu/icpsrweb/instructors/setups2008/campaign-issues.jsp

[8]Ibid.

[9]Brad Plumer, How Democrats have shifted on climate, energy since 2008, the Washington Post, 4 September 2012,

https://www.washingtonpost.com/news/wonk/wp/2012/09/04/how-democrats-have-shifted-on-climate-energy-since-2008/  

[10]2008 Democratic Party Platform, The American Presidency Project, op.cit.

[11]The 2012 Democratic Platform,The official website of the Democratic Party, https://www.democrats.org/party-platform#countering-threats  

[12]Ibid.

[13]Joanna Zelman, Democratic Party Platform: Climate Change Challenges and Other Environmental Issues Addressed, HUFFPOST, 04 September 2012,http://www.huffingtonpost.com/2012/09/04/democratic-party-platform-climate-change-environment_n_1854579.html.

[14]Ibid.

[15]The 2012 Democratic Platform, op.cit.

Table of Contents

[16]Ibid.

[17]مزید من المعلومات بشأن المقترح / الخطة

-Ezra Klein, “Obama wants a “clean energy standard” What does that mean?”, The Washington Post,  25 January 2012,

https://www.washingtonpost.com/blogs/ezra-klein/post/obama-wants-a-clean-energy-standard-what-does-that-mean/2012/01/25/.

[18]The 2012 Democratic Platform, op.cit.

[19]Press conference by the President , U.S. Press Filling center L’Aquila, Italy, The White house, Office of the press secretary, 10 July 2009,

https://www.whitehouse.gov/the-press-office/press-conference-president-laquila-italy-7-10-09  

[20]APEC leaders drop climate target, BBC News, 15 November 2009, http://news.bbc.co.uk/2/hi/asia-pacific/8360982.stm

[21]President to Attend Copenhagen Climate Talks, The White House, Office of the Press Secretary, 25 November 2009,

https://obamawhitehouse.archives.gov/the-press-office/president-attend-copenhagen-climate-talks

[22]Lisa Fridman and Darren Samuelsohn, Hillary Clinton Pledges $100B for Developing Countries, The New York Times, 17 December 2009,                                       

http://www.nytimes.com/cwire/2009/12/17/17climatewire-hillary-clinton-pledges-100b-for-developing-96794.htmleWire  

[23]Remarks at the United Nations Framework Convention on Climate Change, Hillary Clinton, Secretary of State,Copenhagen, Denmark,U.S. Department of State, 17 December 2009,

https://2009_2017.state.gov/secretary/20092013clinton/rm/2009a/12/133734.htm

[24]Michael Knigge, Big failures, small successes mark Obama’s environmental record, DW, 3 Nov. 2011,

http://www.dw.com/en/big-failures-small-successes-mark-obamas-environmental-record/a-15469702-1

18 The CANCUN Agreements, An assessment by the Executive Secretary of the United Nations Framework Convention on Climate Change, Key Steps Of The United Nations Climate Change Conference, December 2010, UNFCCC,

http://unfccc.int/cancun/

[26]Todd Stern, Special Envoy for Climate Change, 16th Session of the Conference of the Parties to the UN Framework Convention on Climate Change, Cancun, Mexico,  U.S. Department of State, 9 December 2010,  

https://2009-2017.state.gov/e/oes/rls/other/2010/152621.htm

[27] The CANCUN Agremments, op.cit.

[28]Durban: Towards full implementation of the UN Climate Change Convention, November 2011, UNFCCC,

http://unfccc.int/key_steps/durban_outcomes/items/6825.php

[29]Nathan Hultman, “The Durban Platform”, BROOKINGS, 12 December 2011, https://www.brookings.edu/opinions/the-durban-platform/

[30]Doha Climate Change Conference – November 2012, UNFCCC,

 http://unfccc.int/meetings/doha_nov_2012/meeting/6815.php

[31]Ibid.

[32] Summary Of The Doha Climate Change Conference, 26 Nov.–8 Dec. 2012, IISD Reporting Services, Volume 12 Number 567, 11 December 2012, http://enb.iisd.org/vol12/enb12567e.html

[33]Ibid.

[34]Warsaw Climate Change Conference – November 2013, United Nations Framework Convention on Climate Change, 

http://unfccc.int/meetings/warsaw_nov_2013/meeting/7649.php

[35]Ibid.

[36]UN Climate Summit 2014, UN Headquarters, 23 September 2014,

 http://www.un.org/climatechange/summit/

[37]Remarks by the President at U.N. Climate Change Summit, United Nations Headquarters, New York, 23 September 2014, The White House, Office of the Press Secretary,

https://obamawhitehouse.archives.gov/the-press-office/2014/09/23/remarks-president-un-climate-change-summit

[38]Lima Call for Climate Action Puts World on Track to Paris 2015, United Nations Framework Convention on Climate Change, Press Release, 14 Dec. 2014,

http://newsroom.unfccc.int/lima/lima-call-for-climate-action-puts-world-on-track-to-paris-2015/

[39]Stefan Grobe, (COP 21) in Paris: Obama wants to lead to a clean energy future, Euro News, 13November 2015,

http://www.euronews.com/2015/11/13/in-paris-obama-wants-to-lead-the-world-to-a-clean-energy-future  

[40]Clare Foran, The Clash Over the Paris Climate Talks, 19 November 2015, The Atlantic,

http://www.theatlantic.com/politics/archive/2015/11/a-clash-over-the-paris-climate-talks/416715/  

[41]Statement by the President on the Paris Climate Agreement, 12 December 2015, The White House, Office of the Press Secretary,

https://obamawhitehouse.archives.gov/the-press-office/2015/12/12/statement-president-paris-climate-agreement

[42] Ashley Alman, Daniel Maran, Barack Obama Praises Paris Climate Change Agreement, HUFFPOST, 12 December 2015,

http://www.huffingtonpost.com/entry/obama-paris-climate-agreement_us_566c8cf1e4b0fccee16ed503  

[43]Paris Agreement 2015- Status of Ratification, United Nations Framework Convention on Climate Change,

http://unfccc.int/paris_agreement/items/9444.php

[44]The Paris Agreement: essential elements, United Nations Framework Convention on Climate Change, December 2015,

http://unfccc.int/paris_agreement/items/9485.php

[45]Ibid.

[46] Ashley Alman, Daniel Maran, op.cit.

[47]Tony Dokoupil, Obama goes big on climate change, 12 January 2016, MSNBCM, http://www.msnbc.com/msnbc/obama-goes-big-climate-change  

[48]“Kigali deal on HFCs is big step in fighting climate change”, Climate Change, The Observor, The Guardian, 15 October 2016,

https://www.theguardian.com/environment/2016/oct/15/kigali-deal-hfcs-climate-change

[49]Marrakech Climate Change Conference – November 2016, United Nations Framework Convention On Climate Change,

 http://unfccc.int/meetings/marrakech_nov_2016/meeting/9567.php

[50]Ibid.

[51]Before the Flood, National Geographic, 2016,  http://channel.nationalgeographic.com/before-the-flood/videos/president-obama-and-climate-change/

[52]Scott Moor, President Obama’s Climate Diplomacy, 30 January 2015, Brookings,

https://www.brookings.edu/2015/01/30/president-obamas-climate-diplomacy/  

[53]تحلیلاخبارى: الصین والولایات المتحدة تتطلعان الى المزید منا لتعاون فى مجال الطاقة النظیفة، لکنالتحدیات ماتزال قائمة، صحیفة الشعب الیومیة الالکترونیة، 19نوفمبر2009،

 http://arabic.people.com.cn/31660/6817978.html  

[54]Suzanne Struglinski, Wesley Warren, An Assessment of the Obama Administration’s First-Year Environmental Record, NRDC, January 2010, p.5,

https://www.nrdc.org/sites/default/files/obamarecord.pdf  

[55]رئیس مجلس الدولة الصینی یدعوللتعاون الصینی-الامریکی فی مجال الطاقة النظیفة، صحیفة الشعب الیومیة الالکترونیة،22 أکتوبر 2009،

http://arabic1.people.com.cn/31660/6790257.html  

[56]اتفاقأمریکی – صینی للحد من الانبعاثات الضارة بالبیئة، مجلة أخبار البیئة، 15 سبتمبر 2013،

http://www.env-news.com/environmental-pollution/5772/  

[57]“President Obama’s November 2014 Visit to China: The Bilateral Agreements”, CRS Insights, 13 November 2014,

https://fas.org/sgp/crs/row/IN10181.pdf

[58]Anjali Jaiswal, US-India “Green Partnership”, NRDC, 25 November 2009,

https://www.nrdc.org/experts/anjali-jaiswal/us-india-green-partnership

[59]Fact Sheet:The United States and India–Moving Forward Together on Climate Change, Clean Energy, Energy Security, and the Environment, The White House, Office of the Press Secretary, 07 June 2016,

https://obamawhitehouse.archives.gov/the-press-office/2016/06/07/fact-sheet-united-states-and-india-%E2%80%93-moving-forward-together-climate

[60]Ibid.

[61]Suzzane Goldenberg, Obama’s India visit: Hopes for clean energy and climate deals, The Guardian, 23 January 2015,

https://www.theguardian.com/environment/2015/jan/23/obamas-india-visit-clean-energy-climate-on-agenda

[62] Thematic Experts,  EU-US Summit Dominated by Climate Change, IISD SDG Knowledge Hub, 4 November 2009,

http://sdg.iisd.org/news/eu-us-summit-dominated-by-climate-change

[63]Ibid.

[64]“Enviromental Goods Agreement”, Office of the United States Trade Representative, Executive Office of the President,

 https://ustr.gov/trade-agreements/other-initiatives/environmental-goods-agreement

[65]Stefan Grobe, op. cit.

[66]Gordon McBean, “The Enviroment And Energy Security, Obama And Harper Have Different Takes”, Institute for Catastrophic Loss Reduction, Policy Options, April 2009, p. 54,

https://www.iclr.org/resourcecentre/magazinearticles.html

[67]About ECPA, Energy and Climate Partnership of the Americans,

http://www.ecpamericas.org/About-ECPA.aspx

[68]Suzanne Struglinski, op. cit., p.5.

[69] Ronja ritthaler andree, the U.S. Climate Policy and the 2016 Presidential and Congressional elections, the Heridelberg University, 2016,

 http://www.uni-heidelberg.de/md/politik/harnisch/mitarbeiter/aa-r2e-no1.pdf  

[70] منار الشوربجی، انتخابات الکونجرس 2010 ومستقبل السیاسة الأمریکیة، مرکز الجزیرة للدراسات، 15 دیسمبر 2010،

 http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2010/201172122325390870.html

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى