تحليل السياسة الخارجيةدراسات شرق أوسطية

السياسة الخارجية التركية تجاه منطقة الشرق الأوسط

مقدمة

تشهد السياسة الخارجية التركية منذ سنوات حالة من التحول الواضح عن مسارها التقليدي، ويبدو هذا التحول جلياً من خلال استقراء جملة المواقف والتوجهات التي طرأت على سياق هذه السياسة مؤخراً؛ وعلى نحو يشي بحدوث نوع من التغير استجد على أولوياتها بل وطال جملة المبادئ التي طالما ارتكزت إليها تقليدياً. فالمتتبع لهذه السياسة يدرك دونما عناء أنها خرجت عن طورها المعهود الذي أراده لها مؤسس الجمهورية مصطفى كمال (أتاتورك) منذ عشرينيات القرن الماضي ؛ حين سعى إلى التملص من ميراث عثماني تراكم عبر ما يقرب من سبعة قرون مؤسَساً على فكرة الجامعة الإسلامية دون اعتبار لعوامل الجنس أو اللغة. وعوضاً عن ذلك شرع في بناء الجمهورية التركية الوليدة إذ ذاك على أسس علمانية موجهاً دفتها صوب التغريب والتأريب، وفي ذات الوقت قلص إلى حد كبير من انغماس البلاد في الشئون الدولية، كما حرص بحزم على عزلها عن محيطها العربي الإسلامي. وعلى هذا النهج الكمالي الصارم سار خلفاء أتاتورك من قادة تركيا العلمانيين فساسوها لعقود عديدة على هدى من تعليماته التي اعتبروها نصوصا مقدسة لا تقبل التشكيك أو النقد ويتعين إعمالها بحذافيرها دون تحريف أو نقصان.غير أنه

بحلول عقد التسعينيات من القرن المنصرم ومع وصول تورجوت أوزال إلى سدة الحكم في أنقرة بحلول أواخر الثمانينيات شرع رئيس الوزراء التركي الجديد في انتهاج سياسة أكثر انفتاحاً على العالم الخارجي إلى حد وصفه البعض بولوج السياسة التركية مرحلة العثمانية الجديدة، وذلك على الرغم من أن أوزال ظل ممسكا بأهداب العلمانية.وعلى هذا المنوال الانفتاحي ذي الصبغة العلمانية عبرت السياسة الخارجية التركية عقد التسعينيات، ثم كان أن ولجت مع مطلع الألفية الثالثة مرحلة أكثر انفتاحاً على الشئون الدولية بعامة وعلى المحيط العربي الإسلامي على وجه الخصوص، وتلكم هي المرحلة التي تمر بها هذه السياسة منذ وصول حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية إلى الحكم منذ عام 2002.

وبناء على ما تقدم يمكن القول إن السياسة الخارجية لتركيا الجمهورية قد مرت بثلاث مراحل رئيسية هي: مرحلة الثوابت الكمالية المطلقة ،ومرحلة ظهور العثمانية الجديدة، وأخيراً الانغماس في الدائرة العربية الإسلامية. وتأسيساً على ذلك تأتي مشكلة البحث.

مشكلة البحث

تتمحور مشكلة البحث حول تساؤل رئيسي هام قوامه: إلى أي مدي يمكن وصف ما تشهده السياسة

شكر وتقدير: يتقدم الباحث بموفور الشكر إلي مركز بحوث كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة الملك سعود لقاء دعمه هذا البحث.

الخارجية التركية حاليا بالتغير النوعي والأصيل؟ ؛ وهو التساؤل الذي تندرج تحته تساؤلات فرعية عديدة لعل من أظهرها: ما هي المنطلقات والثوابت الأيديولوجية التقليدية للسياسة الخارجية لتركيا الجمهورية؟، وما هي المراحل التي مرت بها تلك السياسة؟، وإلى أي مدى حافظت هذه السياسة على طابعها الذي أسس له مصطفى كمال أتاتورك؟، وما هو حجم التغيير الذي شهدته تلك السياسة لاسيما خلال العقد الأخير؟، وهل طال هذا التغيير الثوابت الكمالية أم أنه مجرد تغيير شكلي يستند إلى اعتبارات برجماتية مرحلية؟، وبتعبير آخر، هل يمكن القول إن الأيديولوجية التي تستمد منها السياسة التركية مبادئها قد تغيرت بالفعل؟؛ أم أن الكمالية لاتزال راسخة تضرب بجذورها في عمق الواقع السياسي التركي قاطبة؟.

هدف البحث

بناءً على ما تقدم فإننا نستهدف من وراء هذا البحث الإجابة عن جملة التساؤلات التي طرحناها آنفاً باعتبارها تؤسس مجتمعةً مشكلة للبحث، وبالتالي فإننا معنيون هنا بتقديم حكم موضوعي يوصِّف بدقة حجم وطبيعة التغيير الذي طرأ على السياسة الخارجية التركية خلال العقد الأخير بصفة خاصة، بكل ما يقتضيه ذلك من تعريف بالثوابت التقليدية لتلك السياسة منذ نشأة الجمهورية في البلاد، وكذلك المراحل التاريخية المختلفة التي مرت بها، ومدى تخليها – لاسيما خلال الفترة الأخيرة- عن منطلقاتها الأيديولوجية المستمدة بصفة أساسية من أفكار مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال(أتاتورك).

مادة البحث

تتمثل مادة البحث بطبيعة الحال وكما هو واضح مما تقدم في السياسة الخارجية لتركيا الجمهورية خلال مختلف المراحل التاريخية التي مرت بها، مع التركيز على المرحلة الراهنة لتلك السياسة بكل ما تحمله من أحداث وتوجهات ومواقف ذات دلالة تسترعي الانتباه وتستوجب الدراسة والتحليل والتقييم.

منهج البحث

ارتباطاً بطبيعة مادة البحث وهدفه سنلجأ إلى المنهج الاستقرائي كمنهج رئيسي للتحليل ؛ وبالتالي سنعمد إلى ملاحظة واقع السياسة الخارجية لتركيا الجمهورية منذ ظهورها إلى حيز الوجود في عام 1923؛ من حيث المراحل التاريخية المختلفة التي مرت بها، والمبادئ التي ارتكزت إليها، والأهداف التي استهدفتها، وكيفية تعاطي القادة الأتراك خلال المرحل المختلفة مع المشكلات والقضايا الدولية؛ وذلك كله بهدف الوصول إلى إجابات موضوعية عن جملة التساؤلات التي تدور حولها مشكلة البحث.

خطة البحث

سنعرض لمادة البحث من خلال ثلاثة مباحث تليها بطبيعة الحال الخاتمة ، وذلك على النحو التالي:

المبحث الأول:السياسة الخارجية التركية خلال مرحلة الثوابت الكمالية.

المبحث الثاني:السياسة الخارجية التركية وظهور العثمانية الجديدة.

المبحث الثالثً: السياسة الخارجية التركية في المرحلة الراهنة.

وأما الخاتمة فتتضمن بطبيعة الحال أظهر ما خلصنا إليه من نتائج تتعلق بهدف البحث.

وفيما يلي تفصيل لما تقدم:

المبحث الأول

السياسة الخارجية التركية خلال مرحلة الثوابت الكمالية

باعتلائه سدة الحكم في أنقره عام 1923 شرع مصطفى كمال أتاتورك -على نحو ما أشرنا سلفاً- في التخلص من الإرث العثماني بكل ثوابته الأيديولوجية؛ وفي المقدمة منها فكرة الجامعة الإسلامية((1)، وهي الفكرة التي فحواها إعلاء شأن رابطة الدين كمقوم لهويات الأمم والشعوب، بحيث تجب في هذا الصدد ما عداها من روابط سلالية بيولوجية أو ثقافية لغوية. فلقد دشن العثمانيون دولتهم كدولة للمسلمين ودار للإسلام لا دولة للجنس التركي أو غيره من الأجناس، إنها الفكرة الإسلامية التي اعتنقها خلفاء بني عثمان الذين طالما اعتبروا أنفسهم قادة لدولة الخلافة الإسلامية، وولاة أمر المسلمين قاطبة، والمدافعين عن ثغور الإسلام في شتى أصقاع البسيطة. وذلكم هو ما يعبر عنه البعض بقوله: “لم يكن السلاطين العثمانيون يزكون نسباً إلا نسبهم الإسلامي الصريح،وكان الوطن عندهم هو كل أرض يسكنها المسلمون، وكانت كلمة الملة تعني الدين والأمة معاً، لذلك صبغوا دولتهم بصبغة إسلامية خالصة، وحددوا غايتها بالدفاع عن الإسلام ورفع رايته على الأنام”(2) .

وعلى النحو المتقدم كان من الطبيعي أن تكون السياسة الخارجية لهكذا دولة ذات طابع انفتاحي على الشئون الدولية، فخاضت غمار حروب توسعية ودفاعية عديدة خلال عمرها المديد الذي دام زهاء السبعة قرون، كما أسهمت بفعالية في العديد من التحالفات والمؤتمرات الدولية، وبسطت سلطانها ذات يوم على بقاع مترامية الأطراف من قارات العالم الثلاث القديمة ، ولعل خير تعبير عن كل ما تقدم هو ما وجد من نقش بقلعة بندر يعود إلى عام 1538 يعبر من خلاله أحد أقوي سلاطين بني عثمان وهو السلطان سليمان القانوني عما وصل إليه من قوة بقوله:” أنا عبد الله وسلطان هذا العالم ورأس ملة المسلمين بفضل الله علىَّ. قدرة الله والسنة المعظمة لمحمد هي التي ترشدني. أنا سليمان الذي يذكر اسمي في الخطبة بمكة والمدينة. في بغداد أنا الشاه، وفي بيزنطة أنا القيصر ،وفي مصر أنا السلطان.أرسل سفني في مياه أوربا والمغرب والهند.أنا السلطان الذي حاز على تاج وعرش هنجاريا، وحول سكانها إلى رعية مطيعة ، تجرأ القائد بترو على التمرد ضدي ولكني دسته بحوافر حصاني وأخذت بلاده مولدافيا” (3) .

وعلى النقيض من كل ما تقدم راح مصطفى كمال يؤسس الجمهورية التركية التي أقامها على أنقاض الدولة العثمانية بعد أن ضعضعتها وطوحت بها الهزيمة في الحرب العالمية الأولى. فلقد سعى أتاتورك -كما أسلفنا الإشارة- إلى الخلاص من الموروث الأيديولوجي العثماني ،وبالتالي نبذ الإسلام كمقوم لهوية الدولة ومنطلق عقائدي لسياستها الداخلية والخارجية على السواء. لقد أنحى النظام الأتاتوركي – كما يقول البعض- باللائمة على الإسلام ووصفه بأنه سبب التخلف الاقتصادي في تركيا؛ مساوياً بين التقدم والهوية الغربية العلمانية، كما آمنت النخبة الأتاتوركية بأنه لا يمكن تحقيق التمدن إلا بتخليص الجمهورية من التراث العثماني الإسلامي. وتأسيساً على ذلك انتهجت أنقره في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين سياسة متطرفة راديكالية تهدف إلى إزالة الصبغة العربية والإسلامية عن المجتمع(4). وعليه أضحت العلمانية هي الدعامة الرئيسية للكمالية، إذ اعتمد أتاتورك- في سبيل بناء جمهوريته – نهجاً علمانياً متشدداً؛ فألغى السلطنة العثمانية وعزل الخليفة وشطب الأحرف العربية والتعليم الإسلامي والحركات الصوفية وألغى الحجاب، واعتبر الدين رمزاً للنظام القديم والرجعية ومعارضة الجمهورية.(5) كذلك فقد جرى العلمانيون الأتراك دوماً على ربط الديمقراطية بالعلمانية ارتباطا لا انفصام له، فبرأي الكماليين يتساوى تطبيق العلمانية مع الإيمان بالديمقراطية ، كما أنه يتعين اعتبار أية قوة سياسية غير علمانية بصورة آلية قوة لا ديمقراطية(6).

إنها إذاً الكمالية وقد صارت منذ عهد أتاتورك الأيديولوجية الرسمية لتركيا والتي في ظلها حرص خلفاؤه على إلغاء الأسس الدينية للدولة ، واستئصال معظم الرموز الثقافية المعبرة عن تلك الأسس والمرتكزات؛ على نحو يهيئ لتدمير منهجي متواصل لروح الحضارة العثمانية الإسلامية وإبدالها بنظائرها الغربية ، وبالتالي جرى العمل على إقصاء الإسلام تماما عن الساحة السياسية وإعلاء مبادئ أتاتورك وعلى رأسها الجمهورية والقومية والعلمانية وكان هذا يعني عملاً قطع الطريق على أية محاولات رامية للوصول إلى السلطة السياسية باسم الإسلام (7).وفي ذات السياق أكدت الأتاتوركية على استبعاد الدين كمقوم للهوية التركية واعتمدت السلالة الطورانية بديلاً في هذا الصدد ؛ فلقد أكد أتاتورك وخلفاؤه من الساسة العلمانيين على نبذ حقبة الخلافة العثمانية وأحلوا محلها فكرة الجمهورية القومية ذات النزعة الطورانية المؤسسة على المبدأ السلالي التركي، وهو المبدأ الذي ظل الساسة الأتراك دوماً قابضين عليه ويرددونه في كافة مناسباتهم، والذي عبر عنه سليمان ديميريل – على سبيل المثال- في خطاب له ألقاه في يوليو 1997 أثناء الاحتفال بتدشين أحد تنظيمات الشبيبة الأتاتوركية بقوله : “إن الوطن الذي تمت إقامته بفضل عبقرية أتاتورك هو الجمهورية التركية، والناس الذين أقاموا هذه الجمهورية هم الأتراك. أما المكان الذي تمت فيه إقامة هذا الوطن فيعرف باسم تركيا، واللغة الرسمية لهذا الوطن هي التركية. يتعين على الجميع أن يبذلوا أقصى درجات الاهتمام بالمفاهيم الأربعة التي ذكرتها، إنها ضمانة السلام والثقة والسعادة في هذا البلد”(8).

وعلى الجملة يمكن إيجاز الثوابت الكمالية فيما يلي:

(1) إعلاء شأن العلمانية كبديل أيديولوجي للإسلام فيما يتعلق بتنظيم وبناء الدولة التركية في شتي قطاعاتها الحياتية، وما يحكمها من أنظمة سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وتعليمية، وغيرها.

(2) التملص من الصبغة الإسلامية الموروثة للبلاد والاتجاه بها صوب التأريب ووالتغريب، باعتبار ذلك السبيل الوحيد- حسب هذا التصور- لولوج عالم التحضر والمدنية.

(3)اعتماد القومية الطورانية مقوماً لهوية الشعب التركي كبديل عن السند الإسلامي التقليدي الذي تبناه العثمانيون دهراً طويلاً.

(4) نزع تركيا من محيطها الإسلامي العربي والتأكيد على كونها دولة أوربية حضارةً وجغرافيا.

وتأسيساً على كل ما تقدم وانطلاقاً من هذه الثوابت يممت السياسة الخارجية التركية وجهها شطر الغرب وأدارت الظهر – إلى حد بعيد- للدائرة العربية الإسلامية .غير أنه مما تتعين الإشارة إليه أن هذه السياسة اتسمت – في البداية وحتى بدايات عقد الخمسينيات من القرن الماضي – بقدر كبير من السلبية إزاء العالم الخارجي ؛ ولاسيما منطقة الشرق الأوسط التي طالما أطلق عليها قادة المرحلة (المستنقع الشرق أوسطي)، وأبدى صانع القرار التركي تمسكا بالشعار الأتاتوركي الشهير (السلام في الداخل والسلام في العالم)، والذي كان يعني عملاً عدم انغماس تركيا في الشئون الدولية بقدر الإمكان والتركيز على بناء الدولة العلمانية ذات الصبغة الأوربية التي أرادها مؤسس الجمهورية.وفيما يتعلق بالشرق الأوسط تحديداً اتسمت هذه السياسة- على حد تعبير البعض- بدرجة عالية من الحذر قد تصل أحيانا إلى مستوى الخنوع(9). لقد كان جوهر الأتاتوركية – على حد قول البعض- هو توجيه تركيا بصرامة نحو الغرب بغية تحويلها إلى دولة غربية ومتقدمة، لذلك فإن حكم الأتاتوركيين عمد لأكثر من نصف قرن إلى تجاهل منطقة الشرق الأوسط وكأنها غير موجودة، واعتبار الارتباط التاريخي بها أمراً مؤسفاً شهده التاريخ التركي. (10) والحق أن هذا التجاهل لم يكن يرتد فحسب إلى رغبة الأتراك في التبرؤ من ماضيهم العثماني؛ وإنما نجم كذلك عن صدمتهم الشديدة إزاء موقف العرب منهم خلال الحرب العالمية الأولى، إذ لم ينس الأتراك أن العرب قد طعنوهم في الظهر حين انضموا إلى معسكر الأعداء وقت استعار أوار تلك الحرب.(11)

على أية حال فإن أول تعبير عن توجه السياسة الخارجية التركية في حلتها الأتاتوركية بمضمونها المتقدم؛ تمثل في اعترافهم بإسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية معها في عام 1949 ، لتصبح تركيا أول دولة إسلامية تقدم على هكذا خطوة(12).واستمراراً لسياسة التوجه نحو الغرب ــ أو إن شئنا الدقة التمسح بالغرب ــ أقدمت تركيا على الانضمام لحلف شمال الأطلنطي في عام 1952حيث أضحت مذاك حارس الغرب على الجناح الجنوبي لأوربا في مواجهة المد الشيوعي ، واعتبر الساسة الأتراك أن عضوية بلادهم في النيتو دلالة على هويتها الأوربية والغربية.(13)وفي إطار ذات النهج كانت تركيا من الدول المؤسسة لحلف غربي شرق أوسطي في عام 1955 هو حلف بغداد ؛ إذ تعاونت في ذلك الصدد مع الحكومة العراقية برئاسة نوري السعيد المعروف بممالئته الشديدة للغرب ، وهو الحلف الذي فشل في اجتذاب دول عربية أخرى نظراً لاعتباره معادياً لتيار القومية العربية المزدهر وقتذاك؛ والذي شن زعيمه جمال عبد الناصر حرباً إعلامية ودبلوماسية شعواء على الحلف وصمه من خلالها بالإمبريالية ومعاداة العروبة.(14)ومن الأمور الجديرة بالملاحظة خلال تلك الأزمة أن الأتراك أبلغوا الحكومة الأردنية إذاك بأنه إذا لم ينضم الأردن إلى معاهدة بغداد فمن المرجح أن ينتهي الأمر بتركيا إلى أن تقاتل إلى جانب إسرائيل يوماً ما.(15)غير أن الحكومة الأردنية لم تصمد أمام الضغوط الناصرية الرهيبة المناوئة للحلف؛ وبالتالي فشل المشروع الغربي في ضم الأردن إلى حظيرته.(16) ومن المفارقات في هذا الصدد أن التهديد التركي للأردن الذي قصد به مزيداً من استرضاء الغرب قد استفز الغرب ذاته إلى حد أن واشنطن ولندن حذرتا الأتراك من أي تنفير إضافي للدول العربية الموالية للغرب.(17) وعلى الرغم من ذلك استمر الأتراك في سياستهم المثيرة لحفيظة العرب ، إذ شرعت تركيا في حشد قواتها العسكرية على الحدود مع سوريا عام 1957 حين بدا أن الحزب الشيوعي على وشك الاستيلاء على السلطة في دمشق، كما دعت الحكومة التركية إلى تدخل عسكري غربي في العراق لإعادة الملكية التي أسقطها انقلاب عبد الكريم قاسم عام 1958. كذلك فقد صوتت تركيا إلى جانب فرنسا في الأمم المتحدة خلال حرب الاستقلال الجزائرية، وسمح الأتراك للبحرية الأمريكية باستخدام قاعدة إنجرليك الجوية إبان الأزمة اللبنانية عام 1958(18) ، وإلى جانب ذلك كان الود المفقود يسود العلاقات التركية السورية من جراء تنازع الدولتين على لواء الإسكندرونة الذي كان الفرنسيون قد منحوا الأتراك الهيمنة عليه منذ عام 1939.(19)ولا يفوتنا في هذا المقام أن نشير كذلك إلى حال التنافر التي بدت عليها العلاقات التركية المصرية حين امتنعت الدولتان عن المشاركة سوياً فيما يعرف بحلف الميدو، أو منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط التي كانت الولايات المتحدة قد شرعت في إنشائها مع بداية خمسينيات القرن الماضي؛ في إطار سياساتها إذاك لاحتواء المد الشيوعي في المنطقة. (20)

وعلى الجملة ظل التوجه الغربي الراسخ بوصفه العمود الفقري للسياسة الخارجية ؛ يحظى بأقوى درجات التفضيل والتأييد لدى الجيش ونخبة الأعمال ودعاة التغريب التقليديين في الوسط السياسي، والمتمركزين بصفة رئيسية في صفوف أحزاب الشعب الديمقراطي والطريق القويم والوطن الأم ومعظم أرباب الصحافة والإعلام البارزين في البلاد(21).وقد لعبت المؤسسة العسكرية التي هيمن عليها تقليدياً غلاة الكماليين دوراً بارزاً في الحفاظ وبكل صرامة على الأسس العلمانية للسياسة التركية قاطبة ، وبخصوص السياسة الخارجية يشار إلى أن أن دستور1961 أدخل تغييراً يهدف إلى إعطاء القوات المسلحة منفذاً رسميا إلى عملية صنع القرار، كما عمل الدستور على ضمان قيام رئيس الوزراء بصياغة السياسة الأمنية بالتعاون والتنسيق مع الأجهزة البيروقراطية العسكرية والمدنية ذات العلاقة. يشار كذلك إلى أن مجلس الأمن القومي الذي يرأسه رئيس الجمهورية ويضم رئيس الوزراء ووزراء الخارجية والدفاع والداخلية ورئيس هيئة الأركان العامة وقادة الجيش والقوات الجوية والقوات البحرية وقوات الدرك ؛ استحوذ على سلطات أوسع عقب انقلاب 1980(22).

وارتباطاً بهذا التوجه الكمالي الغربي العلماني ظلت تركيا ،لعقود عديدة، تمثل الحليف المخلص لكل من الولايات المتحدة وأوربا، حيث ساهمت منذ اندلاع الحرب الباردة في عملية الاحتواء الفعال للاتحاد السوفييتي عبر قيامها بحراسة الخاصرة الجنوبية الشرقية للتحالف الأطلسي، كما ساهمت بفعالية في احتواء نظام صدام حسين في العراق (23) ، كما لعبت تركيا دوراً محورياً في احتواء إيران منذ قيام الثورة الإسلامية بها في عام 1979 ؛ وظلت العلاقات التركية الإيرانية متسمة بالانعدام المتبادل للثقة كون البلدين ينطلقان من نظرتين مختلفتين إلى العالم ومن أيديولوجيتين متباينتين يكاد التوفيق بينهما أن يكون مستحيلاً (24).

وصفوة القول في شأن هذه المرحلة من تاريخ تركيا أن السياسة الخارجية للبلاد واستناداً إلى الثوابت الكمالية قامت بصفة عامة النأي عن الدائرة العربية الإسلامية والانحياز للغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة ، كما أن الأتراك حينما اضطروا إلى الخوض فيما أسموه بالمستنقع الشرق أوسطي خاضوه كدولة حليفة للغرب ؛ ترتبط بثوابته وإستراتيجياته حتى وإن كان من شأن ذلك إلحاق الضرر البالغ بعلاقات بلادهم مع جيرانها العرب والمسلمين. غير أنه مما تجدر الإشارة إليه أن تركيا، خلال ذات المرحلة ،اضطرت في مناسبات عديدة وارتباطاً باعتبارات برجماتية وأحياناً عقائدية، إلى الخروج بسياستها الشرق الأوسطية عن مسارها الكمالي التقليدي. ومن ذلك على سبيل المثال:

(1) قيام تركيا بعقد معاهدة سعد أباد في عام 1937 مع كل من إيران والعراق والتي استهدفت التنسيق المشترك بصدد التصدي للحركات الكردية الانفصالية.(25) وبطبيعة الحال يمكن تبرير هذا الموقف التركي باعتبارات برجماتية تتعلق بمقتضيات المصلحة القومية للبلاد.

(2) انحياز تركيا إلى الموقف المصري إبان حرب الأيام الستة في عام 1967 ؛ حيث رفضت في هذا الصدد الانضمام إلى مجموعة الدول البحرية التي كانت تطالب بإعادة فتح خليج العقبة أمام السفن الإسرائيلية ، ثم تكرر الانحياز للموقف العربي خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973 حيث منعت أنقرة واشنطن من استخدام القواعد الأمريكية لإعادة تزويد الإسرائيليين بالأسلحة وسمحت للطائرات الروسية باستخدام المجال الجوي التركي لمساندة السوريين.(26) والحق أن مثل هذه المواقف يمكن ردها إلى حد كبير لاعتبارات عقائدية تقليدية لم يفلح التطبيق العلماني الصارم في التملص منها، وهي ترتبط بداهة بكون تركيا دولة تنتمي دينياً – على الأقل- إلى العالم الإسلامي.

(3) شاركت تركيا في المداولات حول منظمة المؤتمر الإسلامي في الرباط عام 1969 وأصبحت عضواً كامل العضوية بالمنظمة في عام 1976. واعتبر الموقف التركي في هذا الخصوص بمثابة أول مخالفة كبرى للمبادئ العلمانية في سياستها الخارجية (27)، وإذن فنحن هنا بصدد موقف لا يمكن تفسيره إلا برده لاعتبار عقائدي وثيق الصلة بكون تركيا في النهاية دولة إسلامية.

(4) يشار كذلك إلى أن الأهمية الاقتصادية المتنامية لمنطقة الشرق الأوسط و بروز المشاعر الإسلامية في الداخل أجبر الدولة التركية في السبعينيات – كما يقول البعض- على أن تكون أكثر حساسية تجاه العالم العربي الذي كانت سابقا تستخف به وتزدريه ؛ وكان من مظاهر هذا التحول السماح لمنظمة التحرير الفلسطينية بافتتاح بعثة دبلوماسية كاملة في أنقرة عام 1979، وفي خطوة لم يسبق لها مثيل أقال البرلمان وزير الخارجية من منصبه بسبب لامبالاته بالمصالح الإسلامية في القدس ؛ الأمر الذي أضر بالعلاقات التركية الإسرائيلية ؛ التي ما برحت أن تدهورت عقب الانقلاب العسكري بتركيا في 12 سبتمبر 1980، حيث استدعت أنقرة سفيرها في إسرائيل وطلبت من إسرائيل أن تفعل الشيء نفسه ؛ ولم تعد العلاقات إلى مستوى تبادل السفراء إلا في ديسمبر 1991. وفي ذات التوقيت (1980) كان قد جرى رفع مستوى تمثيل بعثة منظمة التحرير الفلسطينية بأنقرة إلى مستوى سفارة رداً على الانتقادات الحادة التي وجهها الغرب إلى تركيا لامتناعها عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإلغاء قرار مساواة الصهيونية بالعنصرية في عام 1976 (28).

(5)سعي تركيا خلال عقد السبعينيات أيضاً- وتحت وطأة اعتبارات برجماتية تتعلق بأزمة النفط وقتذاك- إلى تعزيز التقارب مع جيرانها العرب والمسلمين بمنطقة الشرق الأوسط؛ حيث لجأت الحكومة التركية إلى مواجهة أسعار النفط المرتفعة من خلال زيادة صادراتها من البضائع والخدمات إلى المنطقة العربية وإيران، بحيث ارتفعت قيمة هذه الصادرات من 2 مليار دولار في عام 1975 إلى 4.9 مليار في عام 1980.(29)

وهكذا يمكن القول، ارتباطاً بما تقدم،إن عقد السبعينيات شهد تحولاً إيجابياً واضحاً في السياسة الخارجية التركية تجاه الدائرة العربية الإسلامية الشرق أوسطية؛ وهو التحول الذي ارتبط بمزيج من الاعتبارات البرجماتية والعقائدية على النحو المتقدم. غير أن سنوات الثمانينيات سرعان ما جاءت بتراجع بائن في هذا المضمار أعاد العلاقات بين تركيا وجاراتها العربيات إلى الأجواء الجليدية التقليدية. وقد دفع إلى هذا التراجع ثلاثة عوامل يمكن إيجازها فيما يلي:

(1)قناعة الأتراك بأن العرب تخاذلوا عن دعمهم دبلوماسياً في العديد من المواقف الدولية(30) التي كانت تتطلب مثل هذا الدعم؛ فعلى سبيل المثال لم تعر الدول العربية اهتماماً لسعي تركيا إلى تكريس ما تراه حق القبارصة الأتراك في تقرير مصيرهم، ووقف العالم العربي موقفاً سلبياً إزاء المطالبات التركية الملحة في هذا الصدد سواء في أروقة الأمم المتحدة أو حتى منظمة المؤتمر الإسلامي ، والأدهى من ذلك -حسب وجهة النظر التركية – أن العديد من الدول العربية ارتبطت بعلاقات ودية مع القبارصة اليونانيين (أعداء الأتراك اللدودين)؛ واعترفت بالحكومة القبرصية اليونانية بوصفها الإدارة الشرعية الوحيدة في الجزيرة. على صعيد آخر امتعضت تركيا بشدة إزاء المواقف المتخاذلة لبعض الدول العربية حينما تقدم الأتراك بمسودة قرار أمام منظمة المؤتمر الإسلامي يهدف إلى التنديد بسلوك بلغاريا العدواني تجاه الأقلية التركية خلال عامي 1986 و1987؛ حين شرع الزعيم البلغاري زيفكوف إذاك في حملة دمج قسري لعناصر تلك الأقلية، على نحو أدى إلى فرار ما يزيد عن الثلاثمائة ألف منهم إلى تركيا. وكان الموقف صادماً للأتراك حين امتنعت كل من الجزائر وسوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية عن دعم المشروع التركي إرضاءً لبلغاريا وسيدها السوفيتي.

(2)شروع الأتراك – بدءاً من عام 1983- دونما أي اعتبار لموقف كل من سوريا والعراق في تدشين مشروع جنوب شرق الأناضول بكل ماله من آثار سلبية خطيرة على حصة كل من الجارتين العربيتين في مياه نهري الفرات ودجلة ، على النحو الذي سنعرض له لاحقاً.

(3)اتهام تركيا للسوريين بأنهم الداعم الرئيسي لحزب العمال الكردستاني المطالب بانفصال كردستان التركية عن البلاد، وهو الحزب الذي كان قد ظهر إلى حيز الوجود مع بداية عقد الثمانينيات؛ ويعتبره الأتراك منظمة إرهابية شديدة الخطورة على أمنهم القومي، وذلك – أيضاً – على النحو الذي سنعرض له بشيء من التفصيل اللاحق.

وجملة القول في شأن هذه المرحلة، والتي تمتد من عام 1923 إلى عام 1989 تقريباً، أن السياسة الخارجية لم تكن خلالها – كما هو شائع – سلبية تماماً إزاء الدائرة العربية الإسلامية ؛ إذ على حين اتسمت خلال عقود العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات بتجاهل تلك الدائرة، اتخذت مواقف اعتبرت على الصعيد العربي الإسلامي معادية وممالئة للغرب خلال عقد الخمسينيات وحتى منتصف الستينيات تقريباً؛ غير أنها تميزت خلال السنوات اللاحقة وحتى نهاية السبعينيات تقريباً بتوجهات على قدر بائن من الإيجابية إزاء القضايا العربية الإسلامية، ثم عادت خلال عقد الثمانينيات إلى ذات نهجها الذي سارت عليه خلال حقبة الخمسينيات والسنوات الأولى من عقد الستينيات. ويلاحظ كذلك أن الحقبة الأولى الممتدة منذ تأسيس الجمهورية التركية وحتى نهاية عقد الأربعينيات كانت توجهات السياسة الخارجية عموماً تميل إلى الانزواء وعدم الانغماس في الشئون الدولية بصفة عامة، ولم يكن التجاهل التركي وقتذاك قاصراً على الدائرة العربية الإسلامية. كذلك فإنه يجدر التنويه إلى أن الأجواء السلبية التي خيمت على أجواء العلاقات التركية العربية لسنوات طويلة خلال تلك الحقبة لم يكن مردها دائماً إلى مواقف تركية ، وإنما أسهمت المواقف السلبية لبعض الدول العربية أحياناً بنصيب وافر في تكريس تلك الأجواء. أيضاً يتعين التأكيد على أن السياسة التركية خلال تلك الحقبة لم تكن مخاصمة تماماً لهوية تركيا كدولة إسلامية ، إذ على الرغم من التزامها الصارم بالمبادئ الكمالية إلا أنها اتخذت مواقف عديدة لا يمكن تفسيرها إلا بردها إلى الهوية الإسلامية التركية التقليدية، على نحو ما عرضنا سلفاً. يضاف إلى كل ما تقدم أن ملاحظة تاريخ السياسة الخارجية خلال تلك الحقبة الطويلة تشير إلى أن الفترات التي شهدت قطيعة تركيا لمحيطها العربي الإسلامي هي ذاتها فترات توافقها الكامل مع الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة ، والعكس صحيح. فخلال حقبة الجفاء التركية العربية الأولى الممتدة منذ نهاية الأربعينيات (تاريخ اعتراف الأتراك بإسرائيل) وحتى منتصف عقد الستينيات كانت علاقات تركيا مع الغرب على خير ما يرام ؛ باعتبارها طرفاً فاعلاً في أحلافه الرامية إلى حصر المد الشيوعي وعلى رأسها حلف شمال الأطلنطي. في حين أن التحسن الذي شهدته أجواء العلاقات التركية العربية منذ منتصف الستينيات وحتى نهاية السبعينيات تواكب مع تدهور في العلاقات التركية الأمريكية ، وهو التدهور الذي كان مرده إلى امتعاض الأتراك من الموقف الأمريكي غير الداعم لهم خلال الأزمة القبرصية الأولى عام 1964 (31).ثم إن عودة أجواء الجفاء لتخيم على العلاقات التركية العربية خلال عقد الثمانينيات تواكبت أيضاً مع التحسن الكبير لعلاقات تركيا مع الغرب ولاسيما الولايات المتحدة ؛ على إثر استرضاء الأمريكيين للأتراك بغية إعادتهم إلى حظيرة الغرب في أعقاب ذلك الحدث المدوي المستجد على الصعيد الشرق أوسطي في بداية عام 1979 والمتمثل في الثورة الإسلامية الإيرانية؛ التي حولت إيران من شرطي أمريكا في الخليج إلى واحدة من ألد الدول المعادية ، وبالتالي كانت الحاجة الأمريكية لتركيا ملحة كدولة أطلنطية شرق أوسطية لمواجهة واحتواء ذلك العدو المستجد.(

المبحث الثاني: السياسة الخارجية التركية ومرحلة العثمانية الجديدة

تواكب ظهور مصطلح العثمانية الجديدة New-Ottmanism مع اعتلاء تورجوت أوزال سدة الحكم في أنقرة عام 1989؛ حيث كان قد أدى اليمين الدستورية كرئيس لتركيا في التاسع من نوفمبر من ذلك العام وفي ذات اليوم الذي شهد سقوط حائط برلين، ذلك الحدث الذي يؤرَخ به لنهاية حقبة الحرب الباردة في العلاقات الدولية.(33) وقد سعى أوزال – على حد قول البعض- إلى الإفادة من الظروف الدولية المستجدة والمواتية المصاحبة لتقلص حدة الصراع الدولي في إضفاء توجهه الانفتاحي على مسار السياسة الخارجية التركية.(34) وذلكم هو التوجه الذي كان الزعيم التركي قد عبر عنه في مناسبات عديدة بقوله :”أنا مقتنع بأن على تركيا أن تدع سياساتها السلبية والمترددة السابقة، وأن تدخل في سياسة خارجية نشطة”.(35) وارتباطاً بهذا التوجه الجديد دخلت منطقة الشرق الأوسط- منذ بداية عقد التسعينيات- في مجال اهتمام الساسة والعسكريين الأتراك مدفوعين في ذلك باعتبارات أمنية.(36)

غير أنه مما تتعين الإشارة إليه أن أوزال لاقى صعوبات عديدة في بادئ الأمر؛ لكي يدشن سياسته الجديدة ، حيث عارضت الجمعية الوطنية منحه سلطات واسعة حينما طلب قيام تركيا بدور رئيسي في التحالف الذي قادته الولايات المتحدة ضد العراق خلال حرب الخليج الثانية عام 1991، إلا أن الرئيس التركي – برغم ذلك – قام بإغلاق خط الأنابيب الذي ينقل النفط العراقي عبر الأراضي التركية ،كما سمح لطائرات التحالف بشن غارات انطلاقا من قواعد عسكرية داخل تركيا، وحشد قواته على امتداد الحدود التركية مع العراق(37)، وهي الإجراءات التي لقيت معارضة شديدة من قبل بعض أفراد النخبة الكمالية التقليدية. فعلى سبيل المثال كتب الجنرال تورمتاي قائد الأركان العامة للقوات المسلحة قائلا :”فليكن معلوما أن الأمة التركية وقادتها لم ينسوا كيفية انجرارنا للدخول في الحرب العالمية الأولى ومآسيها، وفي ذلك مثال تاريخي واضح لمغامرة نبعت أساسا من قرارات فردية وطموحات طائشة”، ووصف تورمتاي القرار التي اتخذه أوزال بأنه مقامرة ومغامرة تهدد بجر بلادنا إلى السقوط في المستنقع الشرق الأوسطي، مؤكداً أن التورط في نزاعات خارجية يهدد مصالح تركيا.(38) إذن فقد كان المبدأ الانعزالي الكمالي لا يزال – برغم مرور عقود عديدة على رحيل مؤسسه- يجد له أنصاراً عديدين يتشبثون به بين كبار صانعي القرار التركي مع بداية سني التسعينيات، وعلى الرغم من ذلك خاضت تركيا في ما يصر عتاة الكمالية على تسميته بالمستنقع الشرق أوسطي.

ومهما يكن الأمر فإنه يمكن القول بأن عقد التسعينيات كان يمثل بالنسبة إلى السياسة الخارجية التركية عقد إسرائيل، ذلك بأن هذا العقد شهد تقارباً دبلوماسياً وتعاوناً عسكرياً غير مسبوقين بين تركيا والدولة العبرية، في ذات الوقت الذي حفل بالتصعيد الدبلوماسي والعسكري التركي تجاه سوريا، و تواكب مع تصاعد أجواء التوتر السياسي والأيديولوجي مع إيران. وبدت تركيا خلال ذلك العقد على حد قول البعض؛ وكأنها على استعداد لاستخدام القوة المسلحة كأداة من أدوات سياستها الخارجية دفاعاً عن مصلحتها القومية.(39) إنه –إذاً- عقد التقارب التركي الإسرائيلي؛ كما هو عقد الجفاء مع سوريا، وتلكم هي الحقيقة التي تبدو جلية في ثنايا التحليل التالي للعلاقات بين تركيا وتينك الدولتين خلال عقد التسعينيات:

أولاً: العلاقات التركية السورية خلال عقد التسعينيات:

لقد خيمت أجواء العداء – كما سبق أن أشرنا- في أفق العلاقات التركية السورية طيلة أغلب سنوات التسعينيات، وتمحور الصراع بين الدولتين حول ثلاث قضايا أساسية تدور حول اتهام تركيا للسوريين بدعم حزب العمال الكردستاني، وخلافات الدولتين حول اقتسام مياه نهر الفرات، إلى جانب مشكلة لواء الإسكندرونة التي طالما شكلت عاملاً منغصاً لأجواء العلاقات بين الدولتين منذ سنوات العشرينيات . فعلى صعيد المسألة الكردية – بادئ ذي بدء- كان حزب العمال الكردستاني قد طفا على سطح الأحداث مع بداية عقد الثمانينيات ؛ وفي أعقاب أربعة عقود من الهدوء النسبي شهدتها الساحة الكردية التركية، ويمثل الحزب تنظيماً عرقياً انفصالياً تأسس على يد الزعيم الكردي عبد الله أوجلان في نهاية السبعينيات، غير أنه بلغ أوج قوته بحلول السنوات الأولى لعقد الثمانينيات بعد فرار أوجلان إلى لبنان حيث شرع- وبدعم سوري هائل- في تأسيس ميلشيات كردية مسلحة راحت تتسلل بمساعدة السوريين إلى كردستان التركية وتبادر بشن حرب عصابات شعواء في مواجهة الأتراك (40). وقد تكبدت تركيا خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات من جراء تلك الحرب التي شهدت الآلاف من عمليات العنف نفذها حزب أوجلان خلال سنوات التسعينيات، وهي العمليات التي لم تقتصر مراميها على الداخل التركي وإنما امتدت لتشمل المباني والمنشآت التركية الموجودة بالخارج، حيث قام أتباع الحزب -على سبيل المثال- في يونيو 1993 بجملة هجمات مسلحة استهدفت السفارات والقنصليات والمصارف التركية في أكثر من ثلاثين مدينة داخل كل من ألمانيا وفرنسا وسويسرا والدانمارك والسويد. (41) وارتباطا بما تقدم اعتُبر أوجلان بحق عدو تركيا والأتراك الأول وأصبح القضاء عليه واستئصال شأفة حزبه هدفاً محورياً ملحاً لدى الساسة الأتراك، كما كان من الطبيعي أن تشكل المشكلة الكردية الشاغل الأكبر لصانع السياسة التركي منذ نشأة الجمهورية في البلاد.

على أية حال ففي ظل التصاعد الكبير لهجمات حزب العمال الكردستاني على المقدرات التركية خلال سنوات التسعينيات راح الأتراك يلقون باللائمة على جيرانهم السوريين؛ وذلك على اعتبار أن سوريا هي الداعم الكبير لعبد الله أوجلان وحزبه، كما أنها كانت وقتذاك تستضيفه على أراضيها. فلقد جرى السوريون على استخدام ورقة المشكلة الكردية كأداة للضغط على تركيا عسى أن يقدم الأتراك لهم بعض التنازلات فيما يتصل بخلافات الدولتين حول اقتسام مياه نهر الفرات، وهي الخلافات التي نجمت عن شروع تركيا في بناء العديد من السدود على ذلك النهر في إطار المشروع الضخم المعروف بمشروع منطقة جنوب الأناضول(جواب) والذي خصصت له ميزانية ضخمة بلغت 30 مليار دولار(42)، ولم يكترث الأتراك بما جره المشروع على سوريا من مشكلات جمة؛ وأكدوا دوماً سيادتهم على المياه وحقهم المطلق فيها. وعلى سبيل المثال صرح سليمان ديميريل رئيس الوزراء الأسبق قائلا في هذا الصدد: “لا يمكن لأي من سوريا أو العراق أن تدعي حقاً في الأنهار التركية أكثر مما تستطيع أنقره أن تدعي حقا في نفطهما. إنها مسألة سيادة ، نحن نملك الحق في أن نفعل ما نشاء . منابع الماء تركية ، ومنابع النفط عائدة إليهما. نحن لا نزعم أن لنا حصة في ثرواتهما النفطية ؛ وهما لا تستطيعان المطالبة بحصة من الموارد المائية”(43).

وعلى صعيد ثالث كانت هناك – كما أسلفنا الإشارة – القضية الأخرى التي طالما كرست التوتر في أجواء العلاقات بين الدولتين؛ والمتعلقة بلواء الإسكندرونة الواقع حالياً ضمن الأراضي التركية ويطلق عليه الأتراك إقليم هاتاي ، في حين يعتبره السوريون تاريخياً جزءاً لا يتجزأ من الأراضي السورية وحقا أصيلا لبلادهم. وارتباطا بكل ما تقدم فقد شهدت الأعوام (1996 ،1997،1998) بصفة خاصة تدهوراً حاداَ في العلاقات التركية السورية ، ولم يتردد الساسة الأتراك في تهديد سوريا بالحرب في أكثر من مناسبة (44)، فعلى سبيل المثال راح رئيس الوزراء مسعود يلماظ في خطاب له ألقاه في الإسكندرونة (هاتاي) في أبريل 1997 ؛ يتوعد السوريين قائلا: “إنبعض جيراننا يوفرون المأوى لأولئك الذين يسعون لتدمير وحدة بلادنا … فإما أن يضع ذلك الجار حداً لهذا الوضع ؛ وإما أنه سيعاقب بكل تأكيد إن عاجلاً أو آجلاً على تلك العداوة … نحن الأتراك شعب صبور ولكن عندما ينفد صبرنا سيكون رد فعلنا عنيفاً”(45). وفي ذات الشهر ألقى الأتراك بمزيد من ضغوطهم على السوريين متهمين إياهم بتدبير عمليات تخريبية في هاتاي وبحشد الجيوش على طول الحدود مع تركيا ،وواكب ذلك الإعلان بأن تركيا ستشارك في تدريبات عسكرية مشتركة مع القوات الإسرائيلية والأمريكية في شرقي البحر المتوسط خلال شهر نوفمبر 1997(46). وبلغ التدهور ذروته في عام 1998 حين وقفت الدولتان على شفا الصراع المسلح الدامي؛ إذ هدد الأتراك باجتياح سوريا إن لم يقم السوريون بتسليم أوجلان، وتحت وطأة الضغوط التركية الهائلة اضطرت سوريا إلى إخراج الزعيم الكردي من أراضيها ،حيث تمكنت المخابرات التركية – في وقت لاحق وبمساعدات استخباراتية أمريكية إسرائيلية – من القبض عليه في فبراير 1999 بكينيا التي كانت محطته الأخيرة في رحلة تنقل خلالها بين العديد من الدول على إثر مغادرته سوريا (47) .

وعلى العكس مما تقدم كانت أجواء العلاقات التركية الإسرائيلية خلال عقد التسعينيات أقرب ما تكون إلى التحالف، وذلك على النحو الذي سنعرض له فيما يلي:

ثانياً: العلاقات التركية الإسرائيلية خلال عقد التسعينيات:

شهدت سنوات التسعينيات – كما أسلفنا الإشارة- تقارباً غير مسبوق في العلاقات التركية الإسرائيلية ،وقد تجسد هذا التقارب بوضوح من خلال جملة من الزيارات المتبادلة المكثفة قامت بها قيادات كلتي الدولتين للدولة الأخرى؛ وعلى نحو أسفر عن توطيد علاقاتهما في مختلف المجالات السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، بل والسياحية. إنه التقارب الذي تم تدشينه في عام 1992 حينما رفعت الدولتان التمثيل الدبلوماسي بينهما إلى مستوى السفراء(48)، والذي كان منطقياً ومبرراً من قبل الداعين إليه في ظل ما لمسوه من سعي عربي للتصالح مع إسرائيل خلال مؤتمر مدريد المنعقد في أكتوبر 1991. لقدتصدت الخارجية التركية للمعارضة الداخلية الرافضة للتطبيع مع إسرائيل ببيانات مفادها أنه لا داعي لأن نكون عرباً أكثر من العرب أنفسهم ؛ فما دامت الدول العربية بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية تسعى لإقامة علاقات مع إسرائيل فلم لا تنحو تركيا منحاهم؟(49).

على أية حال فقد سارت العلاقات التركية الإسرائيلية قدماً نحو التطبيع والتقارب ، حيث قام وزير الخارجية التركي حكمت تشتين بزيارة إسرائيل في 14 نوفمبر 1993، وكان وقتها أرفع مسئول تركي زار تل أبيب منذ نشأة الدولة العبرية في عام 1948، واعتبرت الزيارة استمراراً للعهد الجديد في العلاقات التركية الإسرائيلية؛ حيث وقعت خلالها عدة اتفاقيات في مجال التعاون الاقتصادي والسياحي والتبادل الثقافي. وصرح تشتين لدى عودته إلى أنقرة قائلاً:”سوف يحدث مزيد من التطوير للعلاقات التركية الإسرائيلية في كافة الميادين.لقد اتفقنا على ضرورة التعاون بين تركيا وإسرائيل لإعادة هيكلة الشرق الأوسط”(50). واستمراراً لذات النهج التقاربي قام الرئيس الإسرائيلي عيزرا وايزمان، في 24 يناير 1994، بزيارة لأنقرة؛ حيث أعلن من هناك دعم بلاده للأتراك فيما يتصل بالمشكلة الكردية قائلا: “ليس في استطاعة المنطقة أن تتحمل دولة فلسطينية .. فهل نزيد على ذلك دولة كردية؟!” (51). وفي 13 نوفمبر من ذات العام قامت رئيسة الوزراء التركية تانسو تشلر بزيارة إسرائيل ؛ وكان من اللافت في هذا الخصوص أنها كانت رئيس الوزراء الوحيد في العالم (باستثناء رؤساء وزراء إسرائيل بطبيعة الحال) الذي أطلق على الأراضي الفلسطينية (الأرض الموعودة)(52).

وعلى ذات الصعيد شهد عام 1996 ذروة التقدم في مضمار التقارب التركي الإسرائيلي ففي 11مارس من ذلك العام وصل سليمان ديميريل إلى القدس في أول زيارة من نوعها يقوم بها رئيس تركي إلى إسرائيل(53)، حيث تم التوقيع على اتفاقية للتجارة الحرة بهدف مضاعفة حجم التجارة بين الدولتين أربعة أضعاف؛ حيث كان قد زاد زيادة كبيرة ليبلغ 500مليون دولار في عام 1996 وبتوقيع الاتفاقية صار الهدف المنشود أن يبلغ ملياري دولار في عام 1999 . كما تضمنت الاتفاقية مشروعات أخرى مشتركة بين الدولتين؛ تشمل الأقمار التجارية وتقل البضائع وتوليد الكهرباء والتصنيع المشترك للأسلحة. كذلك فقد استهدفت رفعاً تدريجياً للحواجز والتعريفات الجمركية عن معظم السلع. وعلى صعيد السياحة بلغ عدد السياح الإسرائيليين إلى تركيا 300 ألفا في عام 1996 وتوقع المراقبون أن يصل الرقم إلى 350 ألفا في عام 1999(54) ، كما قام رئيس الأركان التركي الجنرال تشيفيك بير، في ذات الشهر، بتوقيع اتفاقية في إسرائيل للتعاون بين القوات الجوية والبحرية للدولتين (55). كذلك فقد عاود وايزمان زيارة أنقرة في يونيو 1996، وفي حديث له أمام مؤتمر الأمم المتحدة لشئون الإسكان والبيئة قال:”إن العلاقات الدافئة التي تعززت بين زعماء إسرائيل وتركيا تشكل انعكاساً دقيقاً للعلاقات بين شعبينا وبلدينا ، لقد تحسنت العلاقات بيننا خلال السنوات الأخيرة بسرعة،فالزعامة السياسية في البلدين تلتقي في أوقات متقاربة وتحافظ على حوار دائم” (56) .

واستمراراً لنفس السياسة قام رئيس الأركان التركي إسماعيل حق، في 24مارس 1997 بزيارة لإسرائيل، وفي 12 أكتوبر من ذات العام رد نظيره الإسرائيلي أمنون شحاك الزيارة حيث بحث مع الجانب التركي بأنقرة سبل التعاون المشترك في مجال الإنتاج المشترك للصواريخ أرض أرض وإنشاء نظام اتصالات متطور عبر الأقمار الصناعية لتبادل المعلومات العسكرية والاستخباراتية والأمنية، والبحث في تطوير صفقة ضخمة تشتري بمقتضاها تركيا دبابات إسرائيلية (57).

ومهما يكن الأمر فإن التقارب الكبير في العلاقات التركية الإسرائيلية خلال عقد التسعينيات كان يرتد إلى اعتبارات برجماتية بحتة، كما أن هذا التقارب ذاته استتبع – حين شرع فيه الأتراك- تجاهل اعتبارات الهوية، لاسيما وأنه تواكب مع تدهور حاد في العلاقات التركية السورية. فالمؤسسة الأتاتوركية الحاكمة التي اعتمدت سياسة التطبيع مع إسرائيل ومن ثم التحالف الإستراتيجي معها كانت – على حد قول البعض- تأمل من وراء ذلك في أن يتحقق لها ما يلي : (58)

1-الحصول على باب خلفي موصل إلى واشنطن من خلال المساعي الحميدة لإسرائيل في مواجهة اللوبيين اليوناني والأرمني في الكونجرس الأمريكي.

2-تأكيد التوجه الغربي لتركيا في أعقاب رفض الاتحاد الأوربي لمحاولتها الحصول على عضويته ، وبالتالي أراد الأتراك أن يدعموا أوراق اعتماد بلادهم ومؤهلاتها العلمانية كدولة أوربية.

3-التصدي للدعم الإقليمي (وعلى الأخص من قبل إيران وسوريا) للجماعات الإسلامية المحلية وحزب العمال الكردستاني.

4-تأمين مصدر جديد معتمد للتقنيات العسكرية لا يخضع للقيود المرتبطة بحقوق الإنسان.

وعلى الرغم من كل ما تقدم فإن المتتبع للسياسة التركية خلال حقبة التسعينيات يدرك بجلاء أن سنوات تلك الحقبة لم تخل في أحايين عديدة من نزوع تركي إلى إعادة الاعتبار لهوية البلاد التقليدية، وبالتالي السعي إلى مد جسور التقارب مع الدائرة العربية الإسلامية. ففي هذا السياق ليس بمقدور أي محلل تجاهل مواقف القيادات التركية ذات التوجه الإسلامي حال نجم الدين أربكان زعيم حزب الرفاه، والذي كان قد علا نجمه في أفق السياسة التركية في منتصف تسعينيات القرن الماضي قبل أن يخبو سريعا تحت وطأة الضغوط الهائلة التي تعرض لها من قبل المؤسسة العسكرية التي يهيمن عليها غلاة العلمانيين الأتاتوركيين المناوئين لأي توجه إسلامي (59).فلقد كان توجه أربكان إسلامياً صرفاً عبر عنه بوضوح حتى أثناء حملته الانتخابية في عام 1996، حين قال:”إن الصهاينة يسعون إلى استيعاب تركيا واجتثاثنا من جذورنا التاريخية الإسلامية عن طريق دمجنا بالجماعة الأوربية”. كذلك فقد عمد أربكان – وفي مناسبات عديدة- إلى تصوير إسرائيل على أنها مركز عالمي للأنشطة المعادية للإسلام. وفي أعقاب هجوم إسرائيل على لبنان في أبريل 1996 وزع أتباع حزب الرفاه أشرطة فيديو تصور الدمار الذي خلفه القصف في قانا.(60) يشار كذلك إلى مضمون اللافتات التي كانت ترفع من قبل مؤيدي أربكان في أوساط حزب الرفاه والحركات الإسلامية الشعبية من شاكلة : (وسائل الإعلام التركية خادمة إسرائيل) و(هذه تركيا وليست إسرائيل) و(تركيا لن تصبح إسرائيل) ، ناهيك عن اعتياد حرق العلم الإسرائيلي خلال هذه التظاهرات.(61)

وفي المقابل حاول أربكان إعطاء نوع من الأولوية للعلاقات مع العالم الإسلامي وهو أمر تجلى بوضوح في آلية (مجموعة الدول الثماني) الأربكانية والتي استهدفت إقامة علاقات وثيقة بين تركيا وسبع دول إسلامية أخرى كبيرة وهي إيران ومصر وباكستان وبنجلاديش وإندونسيا وماليزيا ونيجيريا (62).

وفي ذات السياق أصيبت النخبة الكمالية بشيء من القلق جراء تحسن العلاقات التركية الإيرانية خلال ولاية أربكان، وهو التحسن الذي جرى تتويجه بزيارة صاحبها ضجيج إعلامي صاخب لرئيس الجمهورية الإيراني على أكبر هاشمي رفسنجاني إلى تركيا في ديسمبر 1996 (63 )

ويشار كذلك في هذا الصدد إلى إجبار السفير الإيراني _ تحت وطأة ضغوط هائلة للعلمانيين الأتراك _على مغادرة البلاد في فبراير 1997 بعد قيامه بإلقاء خطاب جماهيري، في احتفالية عرفت باسم “ليلة القدس” أقيمت بضاحية سنجان القريبة من أنقرة؛ امتدح فيه على الملأ جملة المواقف الأصولية المناوئة للعلمانية (64)، وهي المناسبة التي كان قد دعا إليها وشارك فيها رئيس بلدية سنجان المنتمي إلى حزب الرفاه ؛ والتي سارع الجيش التركي في اليوم التالي لها إلى إرسال الدبابات عبر شوارع سنجان و اعتقال رئيس البلدية .

وقد اعتبرت سياسات الرفاه عموما منافية للمبادئ الكمالية ومهددة للعلمانية ، ولم يمض وقت طويل حتى تحركت جحافل الكماليين يتقدمهم كبار رجالات الجيش تحذر من مخاطر الأصولية الإسلامية؛ وتدعو إلى وضع حد للحكومة الائتلافية؛ وحظر حزب الرفاة الذي اعتبر بؤرة للنشاط المعادي للعلمانية ، لكي تبدأ بذلك مرحلة جديدة من مراحل الصراع الحاد مع الإسلاميين والحصار الشديد عليهم من قبل العلمانيين ولاسيما العسكريين. ففي أبريل 1997 أعلنت القوات المسلحة عن صياغتها لمفهوم للإستراتيجية العسكرية القومية يصف الحركات الإسلامية صراحة بأنها العدو رقم 1 للدولة التركية جنباً إلى جنب مع الانفصاليين الأكراد، وبلغ التصعيد ذروته حينما قامت القوات المسلحة باتخاذ خطوة لم يسبق لها مثيل حيث كلفت النائب العام للدولة بأن يطلب إلى المحكمة الدستورية حظر حزب الرفاه، ثم أعلنت في يونيو 1997 عن استعدادها لاستخدام القوة ضد مظاهرات الإسلاميين المناهضة لإغلاق مدارس القرآن الكريم ، وفي 18 يونيو وتحت وطأة الضغط الهائل للعسكريين اضطر أربكان إلى الاستقالة من رئاسة الحكومة فيما عرف بالانقلاب الهادئ ، وتم تشكيل حكومة جديدة بزعامة العلماني العتيق مسعود يلماظ وحزبه الوطن الأم الذي استمر في مطاردة الإسلاميين بل والمتعاطفين معهم حتى في صفوف الجيش (65). ولم يمض على ذلك وقت طويل حتى وجه العلمانيون ضربتهم القاضية إلى حزب الرفاه، ففي 16 يناير 1998 قضت المحكمة الدستورية بحل الحزب بدعوى انتهاكه للدستور العلماني لكي ينتهي الأمر بحل الحزب وملاحقة العديد من قياداته قضائيا بتهمة انتهاك القوانين التي تؤكد الطابع العلماني للدولة، ليسدل الستار بذلك على أربعة عشر عاماً من النفوذ المتنامي لذلك الحزب ذي المرجعية الإسلامية في الساحة السياسية التركية (66) .

ومهما يكن الأمر فإن إقصاء حزب الرفاه لم يكن الحلقة الأخيرة من حلقات الصراع العلماني الإسلامي في تركيا؛ ذلك بأن ذلك الحزب لم يكن السهم الأخير في جعبة الإسلاميين الأتراك ، إذ سرعان ما طفت على سطح الحياة السياسية التركية أحزاب أخرى ذات نهج إسلامي. ولعل أقوى هذه الأحزاب وأمضاها تأثيراَ كان حزب العدالة والتنمية الذي تأسس على يد بعض تلامذة أربكان من أمثال رجب طيب أردوجان وعبد الله جول.وهو الحزب الذي لم يلبث نجمه أن علا في أفق السياسة التركية، فلم يمض سوى وقت وجيز على إنشائه إلا وكان قد اعتلى دست الحكم في البلاد، ليدخل بالسياسة الخارجية التركية مرحلة جديدة نعرض لها فيما يلي:

 

المبحث الثالث السياسة التركية في ظل حكم العدالة والتنمية

بدأت هذه المرحلة بوصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم على إثر انتخابات عام 2001؛ إذ سعت الحكومة الجديدة ذات الجذور الإسلامية إلى إحداث نوع من المصالحة الشاملة بين تركيا ومحيطها العربي الإسلامي؛ بحيث راح الأتراك ينغمسون في شئون المنطقة العربية باعتبارها إحدى الدوائر عظيمة الأهمية بالنسبة إليهم. إنه التوجه الجديد الذي يجد أصوله الفكرية في كتاب (العمق الإستراتيجي) للأكاديمي التركي أحمد داود أوغلو، وهو الرجل الذي شغل فيما بعد منصب مستشار الأمن القومي ومن ثم وزير الخارجية. فلقد أكد أوغلو في كتابه الصادر عام 2000 على ضرورة العمل من قبل الساسة الأتراك على المواءمة بين الهويتين الأوربية والإسلامية للبلاد، وانتهاج سياسة متوازنة تجاه كافة القوى العالمية والإقليمية الفاعلة في المحيط الجغرافي التركي، مع الأخذ في الاعتبار كون تركيا تقع في محيط جغرافي ثقافي عظيم الأهمية ، وأنها مؤهلة للإفادة من التواجد في محيطها الغربي (متضمناَ الولايات المتحدة)، مع عدم تجاهل ما يمكن أن تحققه من مصالح هامة في محيطاتها الأخرى المتمثلة بمناطق البلقان، وآسيا الوسطى، والشرق الأوسط. واعتبر أوغلو أنه من الخطأ الاستمرار في تجاهل المحيط الإسلامي للبلاد ولاسيما الدائرة الشرق أوسطية (67)، كما أنه لم يعد مقبولاً التمادي في النظر إلى منطقة الشرق الأوسط باعتبارها منطقة عربية مليئة بالاضطرابات التي يتعين النأي عنها. فلقد آن الأوان لأن تنتهج البلاد سياسة جديدة تجاه الشرق الأوسط تستند على الاعتبارات الجيو ثقافية والجيو اقتصادية، وتأخذ بعين الاعتبار تأثير المنطقة في السياسة العالمية. وحدد أوغلو جملة عناصر ارتأى أن تتأسس عليها السياسة الجديدة المقترحة لبلاده تجاه المحيط الشرق أوسطي؛ ويمكن إيجاز أظهر هذه العناصر كما وردت بكتاب العمق الإستراتيجي فيما يلي: (68)

  1. (1)تجاوز العوائق السيكولوجية التي أثرت سلباً على الانفتاح الدبلوماسي نحو المنطقة.
  2. (2)إقامة وتطوير مراكز بحثية ومعاهد أكاديمية ينصب اهتمامها على متابعة وتقييم التطورات الإقليمية وتقديم التصورات والسيناريوهات بصدد التعامل معها.
  3. (3)طرح مشروعات شاملة للمنطقة بأسرها.
  4. (4)إيجاد نوع من التوازن بين التزامات تركيا المرتبطة بالتوازنات الدولية ودورها المبتغى للتعامل مع الواقع السياسي للمنطقة.
  5. (5)المبادرة بتشكيل مجالات المصالح المشتركة التي تعزز السلم بالمنطقة.
  6. (6)المبادرة والفعالية في التعامل مع المشكلات الإقليمية وفي مقدمتها عملية السلام في الشرق الأوسط.
  7. (7)تكثيف الاتصالات وإقامة شبكة من العلاقات التي تدعم صورة تركيا في المنطقة.

وعلى صعيد الواقع فإن المتغيرات التي طرأت على الساحة الإقليمية منذ بداية الألفية الثالثة – على حد قول البعض- حتمت على الأتراك إعادة النظر في سياستهم الخارجية والتخفيف من غلواء توجهها الغربي، فتحديات الاحتلال الأمريكي للعراق وماجلبه من عدم استقرار في الشمال العراقي مثل مصدراً لقلق الأتراك؛ شأنه في ذلك شأن البرنامج النووي الإيراني ومايدور حوله من لغط سياسي، وكذا التواجد الروسي في منطقة بحر قزوين، والمنافسة التركية الروسية على النفوذ في دول آسيا الوسطى، كل ذلك في وقت لم تكن فيه العلاقات مع الولايات المتحدة في أحسن أحوالها ، وكان هدف الأتراك التاريخي في الانضمام للاتحاد الأوربي يواجه عراقيل عديدة ، كما أن مشكلاتهم مع جيرانهم اليونانيين في بحر إيجة لما تزل مستعصية على الحل. ولقد اقترنت كل هذه الظروف والتحديات بوجود رغبة أكيدة لدى قيادات العدالة والتنيمة في مد جسور التقارب مع الدول الإسلامية ولاسيما دول منطقة الشرق الأوسط العربية . لقد حتمت كل هذه العوامل – كما يقول البعض- على أنقرة اتباع سياسة خارجية قوامها التوازن واعتماد أفكار من قبيل العمق الإستراتيجي Strategic Depth ، وتصفير المشاكلZero Problems ، والدبلوماسية المتناغمة Rhythmic Diplomacy ، وانتهاج سياسة القوة الناعمة. (69).وعلى حد قول البعض فإن تصور حزب العدالة والتنمية للعلاقات مع سوريا قوامه أنه بينما سعينا دوماً إلى علاقات سلسة مع الولايات المتحدة ؛ خلقنا توتراً خطيراً وعلاقة عدائية مع سوريا وهذا خطأ كبير ، إذ ليس لأحد أن يطلب من تركيا أن تصبح عدواً لسوريا بالنيابة عن الولايات المتحدة. إن السياسة التركية يتعين أن تدار بشكل متوازن وبدون أية مبالغات، فلا نخسر الولايات المتحدة ولا سوريا بأن نعمد إلى تجنب التصرفات التي تغضب كلتيهما، إنها سياسة اللا مشاكل أو تصفير المشكلات.(70).

وفي إطار هذا التوجه الجديد شهدت العلاقات التركية الإيرانية – بادئ ذي بدء – تحولاً كبيراً بحيث بمكن القول إن تركيا خرجت من أسر الموقف التقليدي لدول النيتو الذي يعتبر إيران أحد أبرز أعداء الغرب، وبصنفها كعضو بارز ضمن ما يعرف بمحور الشر.(71) غير أن الأتراك صار لهم موقفهم الاستقلالي الذي يعتبر إيران في النهاية دولة مسلمة من جهة ودولة جوار لا غنى عن تطوير العلاقات معها من جهة أخرى, وفي هذا السياق على سبيل المثال وقعت أنقرة وطهران – في عام 2004 – اتفاق تعاون أمنياً يقضي باعتبار حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية (72).وعلى الصعيد الاقتصادي سعت الدولتان إلى تعزيز علاقتهما لاسيما في مجال الطاقة ؛ حيث تأتي إيران في المرتبة الثانية بعد روسيا في إمداد تركيا بالغاز، وفي إطار تعزيز العلاقات في هذا المجال وقعت الدولتان في فبراير 2007 اتفاقيتين تتعلق الأولى بالسماح لشركة بتروليوم كوربوريشن التركية بالتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في إيران، فيما تسمح الثانية بنقل الغاز من تركمانستان إلى تركيا عبر أنابيب نفط تمر بإيران، كما شهدت سنوات منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة ومنذ تولي حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في تركيا نمواً كبيراً في حجم التبادل التجاري بين الدولتين، وعلى سبيل المثال فقد بلغت قيمة التبادل التجاري بين البلدين في عام 2006 زهاء 6.7 مليار دولار، أي بزيادة نسبتها 52.5 % عن سنة 2005 ، كما كانت هذه القيمة تعادل خمسة أضعاف نظيرتها المسجلة في عام 2002. وفي ذات السياق التقاربي أعلن وزير التجارة الخارجية التركي في صيف عام 2007 أن بلاده بصدد توقيع اتفاقية تفاضل تجاري يتم بمقتضاها تعزيز التبادل التجاري وخفض التعريفة الجمركية تدريجياً بين تركيا وثماني عشرة دولة إسلامية من بينها إيران. (73).

وعلى ذات المنوال وفيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني والجدل الدائر حوله اتخذت تركيا موقفاً مغايراً لموقف الولايات المتحدة وحليفاتها الأخريات في حلف النيتو، إذ جاء هذا الموقف على المستوى الدبلوماسي متناغماً مع التوجه الجديد للسياسة التركية ومسانداً إلى حد كبير للموقف الإيراني؛ حيث أكد الأتراك تمسكهم بالحل السلمي للمسألة معتبرين أن المفاوضات هي السبيل الوحيد المقبول في هذا الصدد، كما أعلنوا في مناسبات عديدة مساندتهم الدبلوماسية لإيران وحقها المشروع كأية دولة أخرى في امتلاك التقنية النووية واستخدامها في المجال السلمي (74)، كما ألمحوا في غير مرة إلى ازدواجية المعايير التي تنطوي عليها السياسة الأمريكية والغربية بصدد البرنامجين النوويين الإيراني والإسرائيليعلى نحو ما سنعرض له لاحقاً في ثنايا استعراضنا للعلاقات التركية الإسرائيلية. وفضلاً عن ذلك سعى الأتراك دوماً للقيام بدور الوسيط بين إيران والدول الغربية في إطار نزع فتيل التوتر وإزالة الشكوك والهواجس العالقة بالبرنامج النووي الإيراني؛ حيث يشار في هذا الصدد إلى أن تركيا كانت قد عرضت في عام 2009 استضافة عملية تبادل لليورانيوم المخصب بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية على نحو يزيل الشكوك حول سعي الدولة الفارسية لامتلاك سلاح نووي، ثم كان أن جدد الأتراك عرضهم في أبريل 2010 أثناء زيارة قام بها وزير الخارجية داوود أوغلو إلى طهران أعلن خلالها استعداد بلاده لمتابعة جهودها في سبيل إيجاد حل سلمي للخلاف الغربي الإيراني بصدد المسألة النووية ، وقال أوغلو: “إذا كان أصدقاؤنا الإيرانيون لديهم الرغبة ؛ وإذا اعتقدوا أنه من الحكمة أن يكون لنا دور فنحن مستعدون لذلك. فتركيا- باعتبارها بلداً ثالثاً- مستعدة للعب دور الوسيط في عمليات تبادل اليورانيوم وغيرها من القضايا المتعلقة ببرنامج إيران النووي”(75).

ولم يكد يمضي شهر على هذه الزيارة حتى كانت تركيا قد أنجزت المهمة، ففي 17 مايو 2010 وفي العاصمة الإيرانية طهران ؛ قام كل من الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان والرئيس البرازيلي لولا داسيلفا بالتوقيع على اتفاق يقضي بأن تتم على الأراضي التركية عملية تبادل للوقود النووي بين إيران ووكالة الطاقة الذرية ؛ يلزم الإيرانيين بتقديم كميات من الوقود النووي منخفض التخصيب المتاحة لديهم في مقابل قيام الوكالة بتقديم الوقود النووي اللازم لمفاعل نووي إيراني مخصص لأغراض طبية. وفي أعقاب توقيع الاتفاق أكدت تركيا أن إيران قد قامت بالمطلوب منها تجاه الجماعة الدولية؛ وأنه لم يعد مقبولاً الحديث عن توقيع عقوبات جديدة عليها. إذ صرح داوود أوغلو بأن “اتفاق التبادل الذي وقعت عليه إيران اليوم يبرهن بأنها ترغب في سلوك طريق بناء، ولذا لم يعد هناك أي مبرر لعقوبات أو ضغوط جديدة.”(76) في حين أكد رجب طيب أردوغان خلال مؤتمر صحفي عقد في 20 مايو 2010 أن إيران قامت بالخطوة المطلوبة منها، وعلى المجتمع الدولي أن يقدر ما قامت به، إن ذلك ينبغي أن يكون توطئة لتجريد المنطقة من السلاح النووي، وأضاف:” لقد تحدثت مع أوباما وبوتين وأبلغتهما أن البروتوكول المبرم مع إيران هو نصر دبلوماسي تم تحقيقه بعد عملية مفاوضات صعبة؛ ولا بد هنا من الإشارة إلى الدور الذي لعبته البرازيل ورئيسها في هذه المفاوضات. وبعد إنهاء هذه العملية الصعبة بنجاح _ أردف أردوغان _ فإن على المجتمع الدولي أن يقدم الدعم اللازم للتسوية السلمية، وهو المهم بالنسبة لمنطقتنا التي لا نريد فيها سلاحا نووياً أبداً، ولا نقبل أيضا أن تقوم أي دولة مهما كانت بالاستثمار في السلاح النووي في منطقتنا “(77) . وعلى الرغم من الجهود المضنية التي بذلها أردوغان لإقناع الأمريكيين بفتح صفحة جديدة مع إيران وعدم التمادي في تهديدها وفرض العقوبات عليها؛ فقد أصروا على المضي قدماً في مشاريعهم الرامية إلى استصدار قرارات متوالية من مجلس الأمن بتشديد العقوبات على الدولة الفارسية. غير أن الأتراك أصروا هم أيضاً على موقفهم وصوتوا _ومعهم البرازيل_ ضد قرار مجلس الأمن بتشديد العقوبات على إيران وفقاً لمشروع تقدمت به الولايات المتحدة في يونيو 2010، وهو الأمر الذي عكس وجود خلاف بين الحليفين الأمريكي والتركي، وعبر إزاءه وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس عن شعوره بخيبة الأمل باعتبار أن تركيا تمثل أحد حلفاء الولايات المتحدة التقليديين.

وعلى صعيد العلاقات التركية السورية ؛ فإنها كانت قد شهدت تحسناً كبيراً خلال العقد الأول من حكم حزب العدالة والتنمية في تركيا ؛ ففي هذا السياق شهد عام 2005 أول زيارة لرئيس سوري إلى أنقرة عُدَت وقتها الأولى من نوعها منذ استقلال سوريا عام 1946. وقد دشنت زيارة بشار الأسد هذه عهداً جديداً في علاقات البلدين على الصعيدين الاقتصادي والسياسي؛ حيث تم الاتفاق على زيادة حجم الاستثمارات التركية في سوريا من خلال إقرار ما يزيد على ثلاثين مشروعاً استثمارياً تركياَ، كما تم التوقيع على مشروع تأسيس شركة مشتركة للتنقيب عن النفط ، واتفق الطرفان أيضاً على دعم العلاقات السياحية بين الدولتين ؛ لاسيما بعد أن زاد عدد السياح الأتراك الذين قصدوا سوريا خلال الفترة (2000 : 2005) بواقع تسعة عشر ضعفاً(78)؛ وقد أسهم في زيادة تدفق التجارة والسياحية البينية قيام الدولتين بإلغاء نظام تأشيرة دخول الأفراد ؛ كما تتعين الإشارة إلى أن الإحصائيات الرسمية كانت قد أكدت وصول حجم التبادل التجاري بين أنقرة ودمشق إلي مليار دولار أميركي خلال الشهور الخمسة الأولى فقط من عام 2010، وهو رقم يتجاوز بمراحل حجم هذا التبادل خلال عام 2007 بأكمله(79).

وعلى الصعيد السياسي بدت السياسة الخارجية التركية متناغمة إلى حد كبير مع نظيرتها السورية؛ حيث كانت تركيا قد أكدت استعدادها للعمل كوسيط في الصراع بين سوريا وإسرائيل قبل أن تنهار علاقتها بتلك الأخيرة على إثر تورطها في الاعتداء العسكري على أسطول السلام (80)، وبان التناغم التركي السوري بجلاء خلال مؤتمر القمة التركية السورية القطرية الذي عقد في اسطنبول في 9 مايو 2010؛ حيث أظهر البيان الختامي للمؤتمر تطابق وجهات النظر حول سائر قضايا المنطقة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والبرنامج النووي الإيراني (81). فبصدد القضية الفلسطينية أكد الزعماء الثلاثة على ضرورة التوصل إلى سلام شامل ودائم يتأسس على إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية؛ إعمالاً للقرارات الدولية ذات الصلة، كما دعوا إلى إنهاء فوري للحصار الإسرائيلي المفروض على غزة، وطالبوا الجماعة الدولية بعدم السكوت إزاء هذا الحصار، والعمل على تأمين احتياجات سكان القطاع في أقرب وقت ممكن.

وفيما يتصل بالبرنامج النووي الإيراني أكدت الدول الثلاث على حق كل الدول في امتلاك واستخدام الطاقة النووية في المجال السلمي ؛ كما أعلن الزعماء الثلاثة تأييدهم لحل المشكلة النووية الإيرانية عبر الطرق الدبلوماسية وباركوا جهود تركيا كوسيط في هذا الصدد.

وإلى جانب ما تقدم أيدت الدول الثلاث جهود تركيا كوسيط في الصراع السوري الإسرائيلي ، وحيث كان الأتراك قد نجحوا في عقد عدة جلسات جمعت الطرفين في هذا السياق.

يشار كذلك إلى أن مجلس الأمن القومي التركي كان قد أقر – في 28 أكتوبر 2010- تعديلات جديدة على “الوثيقة السياسية للأمن القومي” للبلاد تضمنت إلغاء اسم سوريا

من قائمة الدول التي تشكل تهديدا قوميا وعسكريا على تركيا(82).

غير أنه مع قيام الثورة السورية في مارس 2011 تأثرت إلى حد كبير وعلى نحو سلبي علاقات تركيا مع نظام الأسد الحاكم في سوريا؛ وجاء ذلك على إثر فشل كافة المحاولات المضنية التي قام بها الأتراك لحث الرئيس السوري على إدخال إصلاحات ديمقراطية حقيقية ترضي طموحات شعبه في هذا الخصوص؛ حيث كان العديد من الدبلوماسيين الأتراك قد قاموا بجملة جولات دبلوماسية مكوكية بين أنقرة ودمشق بهدف إقناع الرئيس السوري بشار الأسد بالاستجابة للمطالبات الشعبية الداعية إلى التغيير. وفي ظل فشل كل هذه الجهود أخذت العلاقات بين الدولتين تتجه شيئاً فشيئاً نحو التدهور، وأعلن الأتراك صراحة تأييدهم للثورة السورية ووجه أردوغان – في مناسبات عديدة – انتقادات حادة للرئيس السوري مطالباً إياه بالتنحي. فعلى سبيل المثال وفي خطاب له في 12 ديسمبر 2011 ألقاه أمام الاجتماع العام لحزب العدالة والتنمية الحاكم (83)؛ اتّهم أردوغان الأسد بأنه “عديم المصداقية لعدم التزامه بتطبيق الاتفاقية التي أبرمها مع الجامعة العربية بشأن وقف أعمال العنف والقتل ضد المتظاهرين المدنيين،”. وحذّر أردوغان الأسد بشدة مرة أخرى حيث قال:” أذكره نفسه مرة أخرى.. لا يُصنع أي مجد بالظلم. إضافة إلى ذلك فسيذكر المستقبل هؤلاء القادة الذين يقتلون شعوبهم على أنهم قادة يتغذون بدماء هذه الشعوب. وأنت يا بشّار تسير على نفس هذه الخطى”. يشار كذلك إلى أن تركيا فرضت العديد من العقوبات الاقتصادية على نظام الأسد وهي العقوبات التي وصفها الأتراك بالذكية إذ تستهدف النظام دون الشعب؛ وقد تمثل أبرز هذه العقوبات في تجميد التبادل التجاري بين البلدين، ووقف التعامل بين المصرفين المركزيين، وتعطيل اتفاقية التعاون المشترك بين الدولتين؛ وكذا تجميد (مجلس التعاون الاستراتيجي عالي المستوي)، إلى جانب قيام تركيا بفرض حظر على كافة أنواع الاسلحة والمعدات العسكرية إلى نظام الأسد.

وارتباطاً بهذا الموقف التركي المناوئ لنظام الأسد صارت الأراضي التركية قبلة لمختلف الحركات والتنظيمات الثورية المناهضة لنظام الأسد؛ وعلى رأس هؤلاء قادة الجيش السوري الحر والمجلس الوطني السوري؛ كما استضافت الأراضي التركية العديد من المؤتمرات والاجتماعات التي عقدتها القوى الثورية السورية بكل من اسطنبول وأنطاليا ؛ في إطار التنسيق وتوحيد الجهود الرامية لإسقاط هذا النظام.

وإلى جانب كل ما تقدم استقبلت تركيا العدد الأكبر من اللاجئين السوريين الذين فروا من بلادهم هرباً من جحيم أعمال العنف المتصاعد التي صاحبت الثورة؛ حيث أعلنت الخارجية التركية – في أكتوبر 2012 – عن تجاوز عددهم للمائة ألف لاجئ؛ وأن جملة ما أنفقه الأتراك لاستضافتهم بلغ زهاء 211 مليون دولار.

إننا – إذاً- بصدد انغماس تركي حقيقي في شئون منطقة الشرق الأوسط؛ وهو الأمر الذي كان قد عبر عنه البعض في سياق حديثه عن علاقات تركيا بكل من إيران وسوريا قائلاً:” إن السياسة الخارجية التركية تشهد تحولاً عن أحد أبرز مبادئ السياسة الأتاتوركية والذي كان قوامه أنه يتعين على تركيا أن تقلص اهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط “(84) .

وأما بخصوص العلاقات مع العراق ؛ فغني عن البيان أن تركيا كانت قد رفضت السماح للقوات الأمريكية باستخدام أراضيها كجبهة لغزو العراق في عام 2003؛ فبرغم التلويح الأمريكي بمساعدات سخية تمثلت في تسهيلات مالية لتركيا بلغت 15 مليار دولار؛ رفض البرلمان التركي في أول مارس 2003 دخول الأمريكيين العراق عبر الأراضي التركية؛ وهو القرار الذي مثل صدمة للأمريكيين نظراً لأن دونالد رامسفيلد وزير الدفاع كان يعلق آمالاً كبيرة على الجبهة التركية في تيسير اجتياح الأراضي العراقية (85)، وبالتالي فقد أحدث القرار شرخاً في العلاقات الأمريكية التركية آنذاك. غير أن هذا القرار لاقى قبول الشارع التركي بل والشارع العربي الذي كان في مجمله رافضاً بقوة للغزو الأمريكي للعراق.

وتتعين الإشارة إلى أن تركيا حريصة على وحدة الأراضي العراقية خوفاَ من ظهور دولة كردية في شمال العراق؛ وبالتالي تطلعها إلى ضم كردستان التركية على نحو يهدد سلامة الإقليم التركي ذاته، كما تحرص تركيا على حماية حقوق الأقلية التركمانية المتمركزة في شمال العراق. كذلك تعمل تركيا على تأمين خطي الأنابيب اللذين يحملان النفط من حقول شمال العراق إلى محطة الضح في ميناء جيهان التركي (86). وارتباطاً بما تقدم حرص الأتراك دوماً على توطيد علاقاتهم بجيرانهم العراقيين، وعلى الرغم من تدخل الجيش التركي مرات عديدة في شمال العراق لمطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني المتحصنة بالمناطق الجبلية في كردستان العراقية ؛ إلا أن هذا الأمر لم تكن له تأثيرات سلبية تذكر على علاقات الدولتين الجارتين، وبدا وكأن الحكومة العراقية تتفهم ضمنياً دوافع الأتراك. وفي إطار التناغم بين الدولتين يأتي حرصهما على التنسيق الأمني الدائم عالي المستوى، كما دشنت الدولتان علاقات اقتصادية بالغة التميز منذ عام 2004 ، وحيث تشير المصادر إلى أن حجم التبادل التجاري بينهما وقتذاك لم يكن يتجاوز المليار دولار ؛ إلا أنه أخذ في التصاعد تدريجياً ليصل حسب تأكيدات الحكومة العراقية إلى 12 مليار دولار في عام 2011 ، كما يبلغ حجم الاستثمارات التركية في العراق نحو 14 مليار دولار(87).

على أية حال فإن انغماس تركيا في منطقة الشرق الأوسط لم يقتصر على ما تقدم وإنما امتد كذلك ليشمل علاقتها بمصر؛ إذ كانت علاقات الدولتين قد شهدت تقارباً ملحوظاً في ظل حكم حزب العدالة والتنمية. ففي ظل هذه الأجواء المواتية تبادل زعماء الدولتين الزيارة أكثر من مرة؛ فقام الرئيس المصري السابق حسني مبارك بزيارة أنقرة في أعوام 2004 ، 2007 ،2009 ، في حين كانت القاهرة أول عاصمة عربية يزورها الرئيس عبد الله جول عقب انتخابه رئيساً لتركيا عام 2007 ؛ ثم عاد إلى زيارتها مجدداً في فبراير 2009 لحضور مؤتمر شرم الشيخ حول أحداث غزة ؛ حيث كان رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان قد سبقه بزيارة القاهرة في يناير من العام نفسه للتشاور مع الحكومة المصرية بخصوص ذات الموضوع. ويمكن القول إن التعاون الاقتصادي كان المحور الرئيسي لعلاقات الدولتين خلال تلك المرحلة؛ إذ تم توقيع اتفاقية للتجارة الحرة بين البلدين تم تفعيلها في مطلع مارس 2007؛ وكان من شأن ذلك تنامي معدلات التبادل التجاري بين الدولتين، وزيادة حجم الاستثمارات التركية في مصر؛ حيث ازداد حجم التبادل التجاري من 1.1 مليار دولار2007 في عام إلى 3.2 مليار دولار عام 2010، كما بلغت قيمة الاستثمارات التركية في مصر 1.1 مليار دولار موزعة علي 200 شركة(88).

ومع قيام الثورة المصرية في 25 يناير 20011 سارعت تركيا إلى إعلان تأييدها لمطالب الثوار؛ ودعا رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الرئيس المصري إلى التنحي والاستجابة لرياح التغيير، ويشار في هذا الصدد إلى أن خطابات أردوغان الموجهة لمبارك قد انطوت على صيغ ذات صبغة دينية تنطلق من تصور العقيدة الإسلامية للحياة عموماً بأنها مؤقتة وأن الدنيا لن تدوم لأحد ؛ ولعل من أبرز عبارات رئيس وزراء تركيا هذ قوله مخاطباً مبارك: ” ارحل فكلنا بشر زائلون .. عليك أن تستجيب بدون تردد لصيحات التغيير إن مصر بلد الحضارة قادرة على تلبية المطالب المشروعة والمبررة والملحة بحيث لا تحتمل التأجيل”، وأضاف أردوغان مخاطبا الرئيس المصري “سيد حسني مبارك، أريد أن أقدم توصية خالصة للغاية، تحذيراً صريحاً للغاية ؛ كلنا سنموت وسنُسأل عما تركناه وراءنا”, وأردف “نحن كمسلمين سنوضع في حفرة حجمها لا يزيد على مترين مكعبين”(89). ووقد استمر أردوغان على موقفه هذا ولم يتزحزح عنه متجاهلاً الانتقادات الموجه له من قبل الخارجية المصرية واتهامه بالتدخل في الشئون الداخلية للبلاد.

وعقب نجاح الثورة المصرية في الإطاحة بنظام مبارك وانتقال السلطة المؤقت إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية ؛ كان المسئولون الأتراك في طليعة ساسة العالم الذين زاروا القاهرة لتدشين عهد جديد من العلاقات مع مصر . إذ كان الرئيس التركي عبد الله جول أول رئيس دولة يزور مصر عقب الثورة عندما وصل القاهرة في 3مارس 2011 ؛ والتقى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية المشير حسين طنطاوي . وفي سبتمبر 2011 قام رئيس الوزراء أردوغان بزيارة للقاهرة التقى خلالها بنظيره المصري وقتذاك عصام شرف ؛ حيث اتفق الجانبان على ترسيخ الشراكة بين البلدين في مختلف المجالات من خلال إنشاء مجلس للتعاون المشترك. واتفق الجانبان على تطوير العلاقات الاقتصادية من خلال زيادة حجم التبادل التجاري ومضاعفة حجم الاستثمارات التركية في مصر؛ كما وقع المسئولان عدداً من مذكرات التفاهم والبروتوكولات في مجالات الكهرباء والطاقة والموارد الطبيعية والبترول، والتجارة والسياحة والتعليم والإدارة العامة والإعلام والثقافة والرياضة. وقد أعلن أردوغان خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره المصري: أنه اصطحب معه 280 من رجال الأعمال الأتراك بهدف بدء خطوات مشتركة لمضاعفة التعاون التجاري بين البلدين والوصول به من 3 إلى 5 مليارات دولار، وزيادة الاستثمارات التركية في مصر من 1.5 الى 5 مليارات دولار خلال الفترة القليلة المقبلة.

كما أكد الجانبان تطابق مواقفهما السياسية إزاء كافة قضايا المنطقة ولاسيما القضيتان الفلسطينية والسورية ، وقد ظهر ذلك جلياً في ثنايا الكلمة التي ألقاها أردوغان أمام مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية في إطار زيارة تاريخية لمقر الأمانة العامة للجامعة بالقاهرة . ثم جاء الخطاب المطول الذي ألقاه رئيس الوزراء التركي بدار الأوبرا في القاهرة أمام حشد كبير من عناصر النخبة المصرية ؛ ليؤكد على مساعي التقارب الكبير المزمع بشأن علاقات الدوليتين وكذا على مستوى التغير في السياسة الخارجية التركية إزاء المنطقة العربية. ففي هذا الخطاب أكد حرص بلاده على دعم مصر في الأفراح والأتراح مردداً وباللغة العربية: ” مصر وتركيا يد واحدة .. مصر وتركيا شقيقتان كما أن القاهرة واسطنبول شقيقتان”.. ونوه أردوغان بمقولة الخطاطين الشهيرة “القرآن نزل في مكة وقرئ في مصر وكتب في اسطنبول”. وفيما يتصل بالقضية الفلسطينية هاجم أردوغان بشدة إسرائيل وأكد عزمه على العمل من أجل رفع الحصار عن غزة وحصول الشعب الفلسطيني على كافة حقوقه المشروعة ؛ معتبراَ إسرائيل عقبة أساسية أمام الاستقرار الدائم في المنطقة موضحاً أن السياسة الاسرائيلية لا تعترف بالحقوق الشرعية، كما أن الحكومة الإسرائيلية تتبع استراتيجية عمياء تقضى على كل فرصها. وأضاف “يجب أن تعلموا أننا سنعمل بكل الجهد لرفع الحصار وأن تنتهى هذه المأساة.. وسنعمل على حل القضية الفلسطينية لأن شرعية النظام الدولي تأتى من حل هذه القضية، فإذا لم يتم حلها فإن عدالة النظام الدولي سوف تنتهى بشكل سريع”. وأردف أردوغان بعبارة عاطفية :”روحي وجروحي في غزة”

وبصدد المسالة السورية أكد أردوغان تأييده للثورة معتبراً أن نظام الأسد فقد شرعيته ، وعاود الزعيم التركي استخدام عبارات ذات صبغة دينية في سياق دعوته الرئيس السوري إلى التنحي ؛ إذ وجه إليه الخطاب قائلاً : “نحن فانون جميعاً.. وإنا لله وإنا إليه راجعون “.. وتساءل :” هل بقيت الدنيا لفرعون.. ويجب ألا ننسى أن قدرة الله التي حمت موسى عليه السلام في قصر فرعون قادرة على كل شيء.. ويجب علينا أن ننتبه لذلك فنحن لن نبقى في هذه الدنيا” (90).

على أية حال فإن زيارة أردوغان هذه بكل ما حملته من دلالات اعتبرت تدشيناً لعصر جديد في العلاقات التركية العربية عموماً والعلاقات التركية المصرية على وجه الخصوص؛ وجاءت الأحداث اللاحقة لتؤكد على استمرار هذا التوجه التركي الجديد ؛ فعلى إثر انتخابات الرئاسة و وصول محمد مرسي ذي المرجعية الإسلامية إلى سدة الحكم في مصر ؛ سارعت تركيا بإرسال وزير خارجيتها أحمد داوود أوغلو في بداية يوليو 2012 إلى مصر مهنئاً الرئيس الجديد ومؤكداً على توطيد شراكة الدولتين في شتى المجالات ؛ إذ عرض على الرئيس المصري الجديد تعاوناً تركياً غير محدود؛ عبر عنه بقوله: ” إن تركيا ستبقى إلى جانب مصر وشعبها كدولة صديقة وشقيقة ؛ إنه إن جاز التعبير فقد جئت إلى مصر بورقة بيضاء، وطلبت من السيد الرئيس أن يخط ما يريد بما يحتاجه من تركيا ولا حدود للتعاون في أي من المجالات، نحن مصممون على العمل معاً يد بيد من أجل زيادة الرفاهية والاستقرار وتحقيق السلام في المنطقة” (91).

وفي إطار تطوير علاقات الدولتين قام الرئيس المصري محمد مرسي بزيارة لأنقرة بناءً على دعوة تركيا حيث التقى الرئيس جول ورئيس الوزراء عبد الله أردوغان؛ وألقى كلمة باعتباره الضيف الرئيسي أمام المؤتمر العام الطارئ الرابع لحزب العدالة والتنمية أكد خلاله تطابق السياسيتين الخارجيتين المصرية والتركية إزاء سائر قضايا المنطقة والعالم . كما أعلن الجانبان عن تقديم تركيا لمصر تسهيلات مالية قدرها مليارا دولار، و أكدا سعيهما المشترك للمضي قدماً في زيادة حجم التبادل التجاري والعلمي والثقافي والسياحي والاستثماري. لقد بدت العلاقات بين البلدين أثناء زيارة مرسي تحديداً في أقوى أواصرها، وبان جلياً أن المنطقة بصدد مولد محور سياسي استراتيجي جديد يتألف من تركيا ومصر ويتأسس على علاقتهما المتميزة وتقاربهما المتسارع.

وتتعين الإشارة اتخذت تركيا مواقف إيجابية ولم تقف مكتوفة الأيدي إزاء كافة ثورات ما يسمى (الربيع العربي) (92)؛ إذ أعلنت تأييدها للثورة التونسية ورغبتها في تدعيم العلاقات مع تونس على إثر سقوط بن علي؛ حيث تم توقيع العديد من الاتفاقيات في مجالات تشجيع الاستثمار وزيادة التبادل التجاري، وإقامة منطقة للتجارة الحرة بين الدولتين؛ فلقد قام أردوغان بزيارة تونس في 15 سبتمبر 2011؛ تم خلالها التوقيع على اتفاقية للصداقة والتعاون بين البلدين بهدف توطيد العلاقات التركية التونسية في مختلف المجالات(93)، كما قام الرئيس التركي عبد الله جول بزيارة تونس في 20 مارس 2012 ليؤكد للرئيس التونسي الجديد المنصف المرزوقي دعم بلاده لتونس ما بعد الثورة استناداً إلى رابطة الأخوة التي تربط الشعبين على حد تعبير الرئيس التركي؛ وتأسيساً على ما تقدم وقع الجانبان في أكتوبر 2012 العديد من الاتفاقيات في مجالات الزراعة، والصناعات الغذائية، والتنمية الريفية، وتطوير الموارد المائية، ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والبنية التحتية، والطاقة، والنقل، والثقافة، والسياحة، والتعليم، والبحث العلمي. يشار كذلك إلى أن تركيا كانت قد قدمت لتونس تسهيلات مالية تتمثل في قروض ميسرة قدرت بنصف مليار دولار(94).

وفي إطار زيارته لبلدان ما يسمى بالربيع العربي أيضاً قام رئيس الوزراء التركي بزيارة ليبيا في 16 سبتمبر 2011 حيث استقبله مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي في العاصمة طرابلس ؛ قبل أن يحل الزعيم التركي ضيفاً على جماهير بنغازي التي كانت تحتفل وقتذاك بذكرى عمر المختار. وفي ظل استقبال حافل و أجواء مفعمة بالحماس والود ألقى أردوغان كلمة غلبت عليها المشاعر الجياشة وحفلت بالعبارات الدينية مؤكداً للمحتشدين أنه جاء من أجل توطيد أواصر الأخوة لا من أجل المصالح مثل غيره؛ في إشارة إلى الرئيس الفرنسي ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذين كانا قد سبقا أردوغان بساعات قليلة في زيارة لطرابلس؛ اعتبرت من جانب المحللين والمراقبين بمثابة جمع للغنائم بعد المساعدات التي قدمتها الدولتان لليبيين أثناء الثورة. وقد عبر أردوغان عن ذلك قائلاً: “إن الدول التي تعمل من أجل المصالح لن تفهم العلاقة الأخوية بين الشعب الليبي والشعب التركي” (95). يشار إلى أن العلاقات التركية الليبية قد شهدت ازدهاراً واضحاً منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في أنقرة ؛ حيث كان حجم الاستثمارات التركية في ليبيا قبل الثورة على سبيل المثال يقدر بأحد عشر مليار دولار(96). كما يشار إلى أن الدبلوماسية التركية كانت طرفاً حاضراً وفاعلاً بقوة أثناء أحداث الثورة الليبية؛ ومن ذلك أن تركيا كانت قد تقدمت في بداية أحداث الثورة بمبادرة لاقت قبولاً عربياً ودولياً تهدف إلى إرساء هدنة وبدء حوار بين نظام القذافي ومعارضيه من الثوار؛ وذلك كله قبل أن يعلن الأتراك تأييدهم الصريح للثورة ويطالبون القذافي بالرحيل.

هذا ولم تكن اليمن استثناءً من الاهتمام التركي بدول ما يسمى (الربيع العربي) حيث حرص الأتراك على المشاركة بمؤتمر المانحين (أصدقاء اليمن) الذي عقد في 27 سبتمبر 2012 بنيويورك، وقدمت مساعدات اقتصادية لليمن قدرها مائة مليون دولار(97) . كما قام وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو بزيارة إلى صنعاء في أكتوبر 2012 على رأس وفد كبير ضم العديد من رجال الأعمال؛ حيث تم التوقيع على عدة اتفاقيات تركية يمنية استهدفت تحقيق التعاون في المجالات الاقتصادية والتنموية والتعليمية والثقافية والصحية ، كما أكد أوغلو للمسئولين اليمنيين حرص بلاده على دعم اليمن سياسياً وأمنياً.

يشار كذلك إلى تنامي اهتمام تركيا بعلاقتها مع السودان لاسيما في المجال الاقتصادي؛ ويتعين التنويه في هذا الصدد إلى أن الاستثمارات التركية في السودان تزيد علي ملياري دولار؛ تشمل مجالات اقتصادية وصناعية وزراعية، إضافة للمجالات الصحية والاجتماعية (98).

كما تتمتع تركيا بعلاقات قوية مع الجزائر وخصوصاً في المجال الاقتصادي ؛ حيث تقدر الاستثمارات التركية في الجزائر بنحو 300 مليون دولار موزعة على قطاعات البناء والبنية التحتية والصناعات الغذائية ، كما يجري العمل على إنشاء مصنع تركي لإنتاج الحديد والصلب في مدينة وهران غربي العاصمة الجزائرية بتكلفة تصل إلى حوالي 350 مليون يورو(99).

وعلى ذات المنوال تتمتع تركيا بعلاقات اقتصادية متميزة مع المغرب؛ حيث كانت الدولتان قد أسستا لهذا الغرض ما يعرف باللجنة الاقتصادية المشتركة المغربية – التركية ، كما وقعت الدولتان اتفاقية للتبادل التجاري الحر في عام 2006، وحسب مصادر الحكومة المغربية فإن حجم الصادرات التركية إلى المغرب بلغ 760 مليون دولار عام 2010؛ في حين بلغ حجم الصادرات المغربية إلى تركيا نحو261 مليون دولار خلال نفس العام (100).

ولم تكن الدول الخليجية استثناءً من الاهتمام التركي بالمنطقة العربية؛ إذ سعت تركيا إلى تعزيز علاقاتها مع هذه الدول ولاسيما المملكة العربية السعودية وقطر. فبالنسبة للسعودية – بادئ ذي بدء – سعت تركيا إلى مد جسور التقارب معها بعد سنوات طويلة من التردد سادت خلالها أجواء الريبة في دوائر صنع القرار التركي إزاء النظام السعودي الذي طالما اعتبره أتاتورك وأتباعه من بعده نموذجاً للنظم المناهضة للعلمانية . وفي ظل أجواء التقارب التي أوجدتها سياسات حزب العدالة والتنمية قام الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز بزيارة أنقرة في أغسطس 2006؛ وهي الزيارة التي عدَت في حينها الأولى من نوعها منذ أربعين عاماً (101)، وتبعها بزيارة مماثلة في يوليو 2007؛ وفي المقابل قام المسئولون الأتراك بالعديد من الزيارات للرياض منها على سبيل المثال زيارة الرئيس عبد الله جول في فبراير 2009 ، وزيارتان قام بهما أردوغان للعاصمة السعودية في أبريل وأكتوبر من عام 2012 ؛ وهما الزيارتان اللتان جاءتا في إطار التشاور المشترك حول مشاكل المنطقة ولاسيما الأزمة السورية ؛ وحيث تتقارب إلى حد كبير وجهات نظر الدولتين في هذا الخصوص، وكذا فيما يتعلق بقضايا مكافحة الإرهاب، وجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، والدعوة إلى فكرة حوار الحضارات كفكرة بديلة لصدام الحضارات . كما تشهد علاقات الدولتين ازدهاراً في مجالات التبادل التجاري والسياحي وحجم الاستثمارات وانتقال العمالة، إلى جانب تناغم واضح في المجالين الثقافي والديني(102).

وعلى ذات المنوال تتمتع تركيا بعلاقات وطيدة ومتميزة مع قطر في المجال الاقتصادي، كما أن السياسات الخارجية للدولتين منسجمتان إلى حد كبير إزاء كافة قضايا المنطقة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، والمسألة السورية، وقضية البرنامج النووي الإيراني؛ الأمر الذي يفسر حالة التواصل والتشاور الدائمين بين حكومتي الدولتين لاسيما رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ونظيره القطري حمد بن جاسم آل خليفة.

يشار كذلك إلى أن بلغ حجم التبادل التجاري التركي الخليجي إجمالاً بلغ نحو 10.3 مليارات دولار في العام 2010، فيما وصل حجم الاستثمارات المتبادلة 8.1 مليارات دولار حتى بداية عام 2011(103).

على صعيد آخر وفي ظل احتدام الأزمة الداخلية اللبنانية وتصاعد الخلاف بين الفرقاء بشأن المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري ؛ قام أردوغان بزيارة لبنان في 24 نوفمبر 2010 حيث التقى كلاً من رئيس الجمهورية ميشال سليمان، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس مجلس الوزراء آنذاك سعد الحريري؛ في إطار دعوة كافة الأطراف إلى التوافق والوصول إلى نقطة التقاء حول مسالة المحكمة الدولية بشأن قضية اغتيال الحريري؛ تجنب اللبنانيين الانجرار مجدداً إلى هاوية الحرب الأهلية(104).

ومن الأحداث بالغة الدلالة بصدد التغير الكبير الذي طرأ على السياسة الخارجية التركية إزاء المنطقة العربية مبادرة رئيس الوزراء التركي أردوغان بزيارة الصومال؛ وهو عمل لم يقدم عليه أي من الحكام أو حتى الوزراء العرب . ففي 19 أغسطس 2011 قام أردوغان على رأس وفد تركي كبير بزيارة مقديشو للوقوف بنفسه على واقع الأوضاع المتردية التي تعاني منها الصومال منذ رحيل آخر رؤسائها محمد سياد بري ونظامه عن سدة الحكم في البلاد عام 1991. يشار كذلك إلى أن تركيا كانت قد شكلت مع كازاخستان وتركيا والسعودية والسنغال ومنظمة التعاون الاسلامي مجموعة خاصة مكلفة بمتابعة الوضع في الصومال وتنسيق حملات المساعدات ،كما قامت تركيا بحملة انسانية ودبلوماسية واسعة للتصدي للجفاف في الصومال ؛ إلى جانب تقديمها لعشرات الأطنان من المواد الغذائية والدوائية لأبناء ذلك الشعب الذين يعانون الفاقة والمجاعة (105).

وإذا كانت العلاقات التركية العربية على النحو المتقدم قد بلغت أوج ازدهارها في ظل حكم العدالة والتنمية ؛ فإن العلاقات التركية الإسرائيلية وصلت إلى أدني مستوياتها على نحو ما قد يبدو جلياً في ثنايا عرضنا السابق. ولقد تمحورت خلافات الدولتين بصفة أساسية حول الموقف التركي من القضية الفلسطينية وما يرتبط بها من قضايا فرعية حال الحصار الإسرائيلي على غزة، كما مثل موقف تركيا من قضية التسلح النووي في المنطقة سبباً آخر رئيسياً لتعكير صفو العلاقات التركية الإسرائيلية.

فعلى صعيد القضية الفلسطينية – بادئ ذي بدء – أكد المسئولون الأتراك دوماً على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، كما لم يترك هؤلاء المسئولون فرصة إلا وعبروا من خلالها عن رفضهم للحصار الإسرائيلي على غزة ومناشدتهم للجماعة الدولية بسرعة التدخل لإجبار إسرائيل على رفع هذا الحصار. ولم يكتف الأتراك بذلك وإنما دعموا محاولات كسر الحصار من قبل بعض المنظمات غير الحكومية التركية والدولية؛ الأمر الذي كان يقابل باستياء إسرائيلي مكتوم .

يشار كذلك إلى استقبال أنقرة لخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في مناسبات عديدة، منها دعوته لزيارة العاصمة التركية عقب فوز حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، كما يتعين التنويه إلى أن تركيا أكدت مراراً على دعمها لحكومة حماس، كما أنها دعت دوماً الجماعة الدولية إلى احترام خيار الشعب الفلسطيني ممثلاً في تلك الحكومة.

وقد شهدت العلاقات التركية الإسرائيلية حالة عالية من التوتر على إثر الهجوم الإسرائيلي على غزة في 27 ديسمبر 2008 والذي أسفر عن مقتل المئات من الفلسطينيين وجرح الآلاف. حيث أدانت تركيا الهجوم بشدة ووصفه بأن «نقطة سوداء» في تاريخ الإنسانية، واعتبر أردوغان الهجوم إهانة لتركيا نظراً لأنها كانت تسعى حينذاك للقيام بدور الوسيط لإقرار السلام بين العرب وإسرائيل، كما رفضت تركيا مشاركة إسرائيل في مناورات نسر الأناضول التي كان من المقرر أن تجرى في أكتوبر 2009.وكان التوتر في علاقات الدولتين قان بان جلياً خلال فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس؛ والذي عقد في يناير 2009؛ حين صفق الحاضرون للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز عندما برر في ثنايا كلمته الهجوم الإسرائيلي على غزة؛ وعندها انتفض أردوغان وحمل على الحضور بشدة قائلاً ” عار عليكم أن تصفقوا لقتل الأطفال في غزة “؛ ثم ما برح أن انسحب من المؤتمر غاضباً(106).

وفي إطار تأكيد الأتراك على حقوق الشعب الفلسطيني في إعلان دولته المستقلة واعتبار القدس عاصمتها الحتمية؛ حرص رئيس الوزراء التركي على تلبية الدعوة وحضور اجتماعات القمة العربية الثانية والعشرين التي عقدت بمدينة سرت الليبية في 27 مارس 2010، تحت عنوان (دعم صمود القدس) ؛ وقد أكد أردوغان خلال كلمته أمام المؤتمر على أن القدس هي عاصمة فلسطين واصفاً المحاولات الإسرائيلية لاتخاذها عاصمةً بالجنون الذي لا يلزمنا وأضاف: ” إن القدس هي قرة عين كل مسلم وإن احتراقها يعني احتراق الشرق الأوسط بالكامل”، وكذا : “مصير اسطنبول لا يختلف عن مكة المكرمة ولا عن مصير القدس… تاريخنا وعقيدتنا لا يجعلان منا أصدقاء، بل إخوة أشقاء”. وأيضاً : “اليوم ليس يوم العزاء وسكب الدموع.. اليوم تحالف وتحرك معاً لتأسيس السلام بشكل عادل، وفي تركيا نرى أن تسوية القضية الفلسطينية مفتاح الأمن والسلام في المنطقة، فنحن شعوب أسسنا معا حضارات وثقافات السلام، ونحن أنصار دين اسمه السلام”(107). وتجدر الإشارة كذلك إلى أن أردوغان صرح في 5 أبريل 2010 وأثناء حفل افتتاح قناة تي آر تي التركية الناطقة بالعربية بأن بلاده لن تسكت إذا أعادت إسرائيل “حرق غزة مرة أخرى”. وهو التصريح الذي أثار غضب المسئولين الإسرائيليين؛ وأعقبه رد سريع من أحد كبار مسئولي خارجية إسرائيل من خلال تصريح للإذاعة الإسرائيلية قال فيه: “إنه يتعين على أردوغان إيجاد طرق خلاقة أكثر للتقرب من العالم الإسلامي بدلاً من إطلاق التصريحات المناوئة لإسرائيل”.

ثم جاءت القشة التي قصمت ظهر بعير علاقات تركيا بإسرائيل؛ والمتمثلة في قيام الزوارق الحربية الإسرائيلية فجر 31 مايو 2010 وفي عرض المياه الدولية بالبحر المتوسط ؛ بالهجوم على قافلة من السفن المحملة بالمساعدات الإنسانية كانت في طريقها إلى قطاع غزة المحاصر إسرائيلياً منذ عام 2007 . وهي القافلة التي عرفت بأسطول الحرية وكان من أبرز الجهات المنظمة لها مؤسسة الإغاثة الإنسانية التركية، وضمت القافلة ست سفن على متنها مئات الناشطين من عشرات الدول ،وكان على رأس هذه السفن السفينة التركية (مافي مرمرة) التي تعرضت للجانب الأكبر من القذائف الإسرائيلية. وقد أسفر الهجوم الدامي عن مصرع تسعة أشخاص وإصابة ما يربو على العشرين شخصاً آخرين. وعلى إثر هذا الهجوم الإسرائيلي الدامي سارع المسئولون الأتراك إلى إدانة إسرائيل بقوة وتحميلها المسئولية كاملة عما حدث في لهجة لم تخل من عبارات التهديد. ودعت تركيا الأمم المتحدة إلى معاقبة إسرائيل وعدم الاكتفاء بمجرد الإدانة . وفي كلمة له أمام البرلمان التركي عقب الهجوم الإسرائيلي شن رئيس الوزراء أردوغان هجوماً عنيفاً على إسرائيل ووصف هجومها على القافلة بالمجزرة الدموية ودعاها إلى الإنهاء الفوري لحصارها على غزة، بل وحذرها من عاقبة اختبار صبر تركيا؛ مؤكداً على أن الضرر الذي لحق بعلاقات الدولتين كبير جداً؛ وأضاف: “نشهد اليوم بداية عصر جديد والأمور لن تكون أبداً بعد الآن كما كانت عليه ولن ندير أبداً ظهرنا للفلسطينيين”. ولم يكتف أردوغان بمجرد الأقوال وإنما سارع باتخاذ جملة إجراءات في مواجهة إسرائيل كان من بينها استدعاء السفير التركي من تل أبيب، وتعليق المناورات العسكرية التركية الإسرائيلية المشتركة التي كان من المزمع إجراؤها في وقت لاحق، وأعلن تجميد العلاقات التجارية والتقنية مع إسرائيل، كما أرسل وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو إلى نيويورك كي يطلب من الجمعية العامة عقد جلسة طارئة لمناقشة الأزمة؛ وذهبت تركيا إلى أبعد من ذلك حين قامت في سبتمبر 2011 بطرد السفير الإسرائيلي في أنقرة ،ورهنت عودته إليها باعتذار إسرائيلي واضح ومكتوب عن الهجوم المسلح على أسطول الحرية (108).

ومهما يكن الأمر فإن علاقات تركيا بإسرائيل لم تعد إلى طبيعتها بل واتجهت إلى مزيد من التدهور منذ الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية. ودخل الجانبان في حرب كلامية لما تزل قائمة؛ ولم يترك أردوغان مناسبة إلا وشن فيها هجوماً لاذعاً على إسرائيل، وأعلن خلالها تأييد بلاده للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني .

على صعيد آخر وكما أشرنا سلفاً؛ فقد مثل الموقف التركي من قضية التسلح النووي في الشرق الأوسط سبباً آخر لإثارة الخلافات بين تركيا وإسرائيل، إذ يشعر الإسرائيليون بالامتعاض من دفاع الأتراك عن البرنامج النووي الإيراني وتأكيدهم على سلميته ودعوتهم الجماعة الدولية إلى حل المشاكل العالقة به من خلال الطرق الدبلوماسية ، في الوقت الذي ترى إسرائيل ضرورة التدخل العسكري لإجبار إيران على التخلي عن برنامجها الرامي- حسب الدعاوى الإسرائيلية- إلى إنتاج سلاح نووي. ومما يزيد من الامتعاض الإسرائيلي حديث المسئولين الأتراك المتكرر عن ضرورة التعامل مع البرنامج النووي الإسرائيلي بنفس الحزم الذي تتعامل به القوى الغربية مع البرنامج الإيراني .ولقد بدا الموقف التركي هذا واضحاً في ثنايا تصريحات عديدة لأردوغان ؛ منها على سبيل المثال تصريحاته لهيئة الإذاعة البريطانية قبيل لقائه برئيس الوزراء البريطاني جوردن بروان بلندن في 16 مارس 2010 ، حيث جاء بهذا التصريح على لسان رئيس الوزراء التركي: “إن القول بأن إيران تعكف على إنتاج اسلحة نووية «مجرد اشاعات»” وتساءل أردوغان عن سبب عدم دعوة المجتمع الدولي دولاً اخرى مثل اسرائيل الى نزع أسلحتها بينما تواجه إيران هذه الدعوات. وأضاف: “إن الدول التي تمتلك اسلحة نووية لا يحق لها أن تقول لدولة أخرى يجب عليك عدم إنتاج اسلحة نووية .خذ إسرائيل على سبيل المثال؛ إسرائيل تمتلك أسلحة نووية. لماذا لا تطلب دول أخرى من إسرائيل التخلص من أسلحتها النووية ولكنها تطلب ذلك من إيران؟”(109)

وتتعين الإشارة إلى أن المسئولين الإسرائيليين عبروا أكثر من مرة عن قلقهم إزاء التقارب التركي الإيراني؛ ونذكر في هذا الصدد على سبيل المثال ذلك التصريح الذي أثار أزمة جديدة في العلاقات التركية الإسرائيلية واستدعت على إثره الخارجية التركية السفير الإسرائيلي في أنقرة احتجاجاً؛ والذي ورد على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك في مطلع أغسطس 2008 ؛ إذ قال:” لا نستطيع أن تأتمن أنقرة على أسرارنا بسبب علاقاتها مع طهران. هناك بعضٌ من أسرارنا العسكرية (ائتمنا عليها الأتراك)، وفكرةُ أن تصبح متاحة للإيرانيين في الأشهر القليلة القادمة أمر مقلق فعلاً ” (110).

وجملة القول في شأن كل ما تقدم أنه إذا كان عقد التسعينيات هو عقد إسرائيل بامتياز في السياسة الخارجية التركية؛ فإن العقد التالي وما تلاه من زمن لم يكن أبداً كسابقه، ذلك بأن هذي السنين كانت بحق تعبيراً عن التوجه العربي الإسلامي الجديد للسياسة الخارجية التركية تجاه منطقة الشرق الأوسط. يبقى أن نشير إلى أن الهدف التقليدي للسياسة التركية والمتمثل في ضم البلاد إلى الاتحاد الأوربي ظل حاضراً وبوضوح في ظل حكم العدالة والتنمية الذي حقق نجاحات لا يستهان بها في هذا الصدد (111)؛ غير أن تلك السياسة لم تعد متقوقعة كما الماضي في بوتقة هذا الهدف ؛ وإنما امتدت إلى آفاق أخرى رحبة ؛ تمثل أبرزها في تمدد تركيا من جديد في فضائها العربي الإسلامي الفسيح.

الخاتمة

استهدف هذا البحث الإجابة عن جملة من التساؤلات تتعلق بالسياسة الخارجية لتركيا الجمهورية ؛ على نحو يهيئ لتقديم حكم موضوعي يوصِّف بدقة حجم وطبيعة التغييرات التي طرأت على هذه السياسة عموماً ولاسيما خلال العقد الأخير، بكل ما يقتضيه ذلك من تعريف بالثوابت التقليدية لتلك السياسة منذ نشأة الجمهورية في البلاد، وكذلك المراحل التاريخية المختلفة التي مرت بها، ومدى تخليها – لاسيما خلال الفترة الأخيرة- عن منطلقاتها الأيديولوجية المستمدة بصفة أساسية من أفكار مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال(أتاتورك). وارتباطاً بما تقدم شرعنا – من خلال المنهج الاستقرائي – في ملاحظة واقع السياسة الخارجية لتركيا الجمهورية منذ ظهورها إلى حيز الوجود في عام 1923 ؛ من حيث المراحل التاريخية المختلفة التي مرت بها، والمبادئ التي ارتكزت إليها، والأهداف التي استهدفتها، وكيفية تعاطي القادة الأتراك خلال المرحل المختلفة مع المشكلات والقضايا الدولية. ويمكن إيجاز أبرز ما خلصنا إليه من نتائج بصدد هدف البحث فيما يلي :

أولاً: يمكن التمييز بين ثلاث مراحل نوعية مرت بها السياسة الخارجية لتركيا الجمهورية؛ حيث تمتد المرحلة الأولى منذ نشأة الجمهورية التركية عام 1923 وحتى عام 1989؛ وهي المرحلة التي يمكن وصفها بحقبة القبض على الثوابت الكمالية. في حين تتمثل المرحلة الثانية في سنوات عقد التسعينيات من القرن الماضي ؛ والتي جرى بعض المحللين على وصفها بمرحلة العثمانية الجديدة. أما المرحلة الثالثة فتجد بدايتها في وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في البلاد عام 2002 وتمتد إلى وقتنا الراهن.

ثانياً: فيما يتصل بالمرحلة الأولى – والتي تمتد من عام 1923 إلى عام 1989 تقريباً- انتهينا إلى أن السياسة الخارجية لم تكن خلالها – كما هو شائع – سلبية تماماً إزاء الدائرة العربية الإسلامية الشرق أوسطية ؛ إذ على حين اتسمت خلال عقود العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات بتجاهل تلك الدائرة ، اتخذت مواقف اعتبرت على الصعيد العربي الإسلامي معادية وممالئة للغرب خلال عقد الخمسينيات وحتى منتصف الستينيات تقريباً؛ غير أنها تميزت خلال السنوات اللاحقة وحتى نهاية السبعينيات تقريباً بتوجهات على قدر بائن من الإيجابية إزاء القضايا العربية الإسلامية ، ثم عادت خلال عقد الثمانينيات إلى ذات نهجها الذي سارت عليه خلال حقبة الخمسينيات والسنوات الأولى من عقد الستينيات. ويلاحظ كذلك أن الحقبة الأولى الممتدة منذ تأسيس الجمهورية التركية وحتى نهاية عقد الأربعينيات كانت توجهات السياسة الخارجية عموماً تميل إلى الانزواء وعدم الانغماس في الشئون الدولية بصفة عامة، ولم يكن التجاهل التركي وقتذاك قاصراً على الدائرة العربية الإسلامية. كذلك فإنه يجدر التنويه إلى أن الأجواء السلبية التي خيمت على أجواء العلاقات التركية العربية لسنوات طويلة خلال تلك الحقبة لم يكن مردها دائماً إلى مواقف تركية؛ وإنما أسهمت المواقف السلبية لبعض الدول العربية أحياناً بنصيب وافر في تكريس تلك الأجواء. أيضاً يتعين التأكيد على أن السياسة التركية خلال تلك الحقبة لم تكن مخاصمة تماماً لهوية تركيا كدولة إسلامية، إذ على الرغم من التزامها الصارم بالمبادئ الكمالية العلمانية التأريبية التغريبية المشار إليها في متن المبحث الأول ؛ إلا أنها اتخذت مواقف عديدة لا يمكن تفسيرها إلا بردها إلى الهوية الإسلامية التركية التقليدية ، على نحو ما عرضنا له في ثنايا المبحث الأول. يضاف إلى كل ما تقدم أن ملاحظة تاريخ السياسة الخارجية خلال تلك الحقبة الطويلة تشير إلى أن الفترات التي شهدت قطيعة تركيا لمحيطها العربي الإسلامي هي ذاتها فترات توافقها الكامل مع الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة ، والعكس صحيح. فخلال حقبة الجفاء التركية العربية الأولى الممتدة منذ نهاية الأربعينيات (تاريخ اعتراف الأتراك بإسرائيل) وحتى منتصف عقد الستينيات كانت علاقات تركيا مع الغرب على خير ما يرام ؛ باعتبارها طرفاً فاعلاً في أحلافه الرامية إلى حصر المد الشيوعي وعلى رأسها حلف شمال الأطلنطي. في حين أن التحسن الذي شهدته أجواء العلاقات التركية العربية منذ منتصف الستينيات وحتى نهاية السبعينيات تواكب مع تدهور في العلاقات التركية الأمريكية، وهو التدهور الذي كان مرده إلى امتعاض الأتراك من الموقف الأمريكي غير الداعم لهم خلال الأزمة القبرصية الأولى عام 1964. ثم إن عودة أجواء الجفاء لتخيم على العلاقات التركية العربية خلال عقد الثمانينيات تواكبت أيضاً مع التحسن الكبير لعلاقات تركيا مع الغرب ولاسيما الولايات المتحدة؛ على إثر استرضاء الأمريكيين للأتراك بغية إعادتهم إلى حظيرة الغرب في أعقاب ذلك الحدث المدوي المستجد على الصعيد الشرق أوسطي في بداية عام 1979 المتمثل في الثورة الإسلامية الإيرانية؛ التي حولت إيران من شرطي أمريكا في الخليج إلى واحدة من ألد الدول المعادية، وبالتالي كانت الحاجة الأمريكية لتركيا ملحة كدولة أطلنطية شرق أوسطية لمواجهة واحتواء ذلك العدو المستجد.

ثالثاً: بصدد المرحلة الثانية والتي يطلق عليها العديد من المحللين مرحلة (العثمانية الجديدة) والتي مرت بها السياسة الخارجية التركية خلال عقد التسعينيات وحتى مشارف الألفية الثالثة؛ يمكن القول بأن هذا الوصف غير دقيق ولا يعبر عن طبيعة السياسة التركية تجاه الشرق الأوسط خلال تلك المرحلة. ذلك بأن السياسة العثمانية كانت تتسم عموماً بسمتين رئيسيتين أولاهما الانفتاح الكبير على السياسة الدولية باعتبار أن دولة العثمانيين كانت تمثل قوة كبرى ولاعباً دولياً مهماً ؛ في حين تمثلت السمة الثانية في انطلاق تلك السياسة من الفكرة الإسلامية التي قوامها إعلاء شأن رابطة الدين كمقوم لهويات الأمم والشعوب ، بحيث تجب في هذا الصدد ما عداها من روابط سلالية بيولوجية أو ثقافية لغوية ؛ آخذين في الاعتبار أن تلك الدولة كانت تشكل – بنظر قاتها على الأقل – دار الإسلام ودولة المسلمين قاطبة. وإذا كانت السياسة التركية خلال عقد التسعينيات قد اتسمت بقدر يعتد به من الانفتاح على السياسة الدولية ولاسيما منطقة الشرق الأوسط ؛ فإنها كانت خلال معظم سني هذه المرحلة سياسة كمالية صرفة وأبعد ما تكون عن الفكرة الإسلامية العثمانية . فباستثناء الشهور القليلة التي اعتلى فيها أربكان وحزب الرفاه سدة الحكم في أنقرة؛ كانت السياسة الخارجية التركية تجاه الدائرة الشرق أوسطية إسرائيلية الوجهة ومخاصمة – إلى حد كبير – للهوية الإسلامية. إذ على حين وطَد الأتراك علاقاتهم بالدولة العبرية إلى معدل يقترب من مستوى التحالف الإستراتيجي؛ كانت علاقاتهم بإخوانهم في الدين – عرباً وفرساً – يسودها الود المفقود إلى حد بعيد، ذلك إلى جانب أن الانضمام إلى الاتحاد الأوربي كان الهدف الرئيسي والمحوري والملح الذي يسيطر على ذهنية القادة الأتراك خلال تلك السنين.

رابعاً : فيما يتصل بالمرحلة الثالثة والتي ولجتها السياسة الخارجية التركية باعتلاء حزب العدالة والتنمية دست الحكم في أنقرة بدءاً أواخر عام 2002 ، فإنه يمكن القول بأن هذه المرحلة هي الجديرة بوصف مرحلة العثمانية الجديدة إن كان لا مناص من استخدام هذا الوصف كتعبير عن إحدى المراحل التي مرت بها تلك السياسة عموماً. ذلك بأن القادة الجدد في تركيا من ذوي الخلفية الإسلامية – حال رجب طيب أردوغان وعبد الله جول وأحمد داوود أوغلو – انطلقوا بسياسة بلادهم الخارجية إلى آفاق رحبة انطلاقاً من فكرة العمق الإستراتيجي التي نظَر لها ذلك الأخير، وهي السياسة التي كانت الهوية الإسلامية لتركيا واضحة على ملامحها. إننا إذاً بصدد نقلة نوعية للسياسة الخارجية التركية ؛ حيث خاضت تركيا بأقدام ثابتة فيما كان يطلق عليه الكماليون الأوائل (المستنقع الشرق أوسطي)؛ إذ راح الأتراك يمدون جسور التقارب مع كافة الدول الإسلامية بما فيها إيران وسوريا المنظور إليهما غربياً باعتبارهما ضمن دول محور الشر. فلقد اتخذ الأتراك خلال هذه المرحلة مواقف ذات طابع استقلالي خارجين بذلك من أسر السياسات الغربية التقليدية التي تضع مصالح إسرائيل في قمة أولوياتها الشرق أوسطية. ولقد بدت هذه الاستقلالية جليةً في المواقف التركية إزاء القضية الفلسطينية ومعضلة البرنامج النووي الإيراني على وجه الخصوص. وإجمالاً – كما أسلفنا القول- نؤكد على أنه إذا كان عقد التسعينيات هو عقد إسرائيل بامتياز في السياسة الخارجية التركية ؛ فإن العقد التالي وما أعقبه من زمن لم يكن أبداً كسابقه ، ذلك بأن هذي السنين كانت بحق تعبيراً عن التوجه العربي الإسلامي الجديد للسياسة الخارجية التركية تجاه منطقة الشرق الأوسط. يبقى أن نشير إلى أن الهدف التقليدي للسياسة التركية والمتمثل في ضم البلاد إلى الاتحاد الأوربي ظل حاضراً وبوضوح في ظل حكم العدالة والتنمية الذي حقق نجاحات لا يستهان بها في هذا الصدد؛ غير أن تلك السياسة لم تعد متقوقعة كما الماضي في بوتقة هذا الهدف ؛ وإنما امتدت إلى آفاق أخرى رحبة ؛ تمثل أبرزها في تمدد تركيا من جديد في فضائها العربي الإسلامي الفسيح.

**************

الهوامش

(1) راجع بصدد هذه الفكرة على سبيل المثال: موفق بني المرجة، صحوة الرجل المريض: أو السلطان عبد الحميد الثاني والخلافة الإسلامية (الكويت، مؤسسة صقر الخليج للنشر، 1984)، ص ص 126: 128.

(2)أنظر في هذا المضمون: محمود ثابت الشاذلي، المسألة الشرقية: دراسة وثائقية عن الخلافة العثمانية 1299 – 1923 (القاهرة ،مكتبة وهبة، الطبعة الأولى،1989) ، ص 54: 56.

(3)نقلاً عن: خليل إينالجيك، تاريخ الدولة العثمانية من النشوء إلى الانحدار، ترجمة محمد الأرناؤوط (بيروت، دار المد الإسلامي، الطبعة الأولى،2002)،ص67.

(4)م.هاكان يافوز، العلاقات التركية – الإسرائيلية من منظور الجدل حول الهوية التركية (مركز الإمارات للدراسات الإستراتيجية ، سلسلة دراسات عالمية ، العدد 29 ، الطبعة الأولى ،2000)،ص 8: 9.

(5)راجع في هذا المضمون كلاً من:

– عمر تشيبنار ،سياسات تركيا في الشرق الأوسط :بين الكمالية والعثمانية الجديدة (بيروت، مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، مركز الشرق الأوسط، العدد 10، سبتمبر 2008)، ص 5.

– روبير مانتران ،تاريخ الدولة العثمانية: الجزء الثاني، ترجمة :بشير السباعي (القاهرة، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى،1992) ، ص ص 347: 348.

(6)هاينتس كرامر ، تركيا المتغيرة تبحث عن ثوب جديد: التحدي الماثل أمام كل من أوربا والولايات المتحدة، تعريب :فاضل جتكر(الرياض، مكتبة العبيكان ، 2001)، ص 149.

(7)المرجع السابق، ص ص 20 : 23.

(8) نقلاً عن المرجع السابق ، ص 29 ، 30.

(9)أنظر في هذا الصدد:مالك مفتي ، الجرأة والحذر في سياسة تركيا الخارجية (مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، سلسلة دراسات عالمية، العدد ،27)، ص:39.

(10) راجع في هذا الصدد:

Danforth, Nicholas, Ideology and Pragmatism in Turkish Foreign Policy:

From Ataturk to the AKP(Ankara, Turkish Policy Quarterly ,Vol. 7 ,No. 3 Fall 2008).p 84.

(11)راجع في هذا الصدد :

Fuller , Graham E, Turkey’s Strategic Model: Myths and Realities, available at:Guarrero: Turkey’s Strategic Model: Myths and Realities (Graham E. Fuller)

(12)أنظر بصدد تاريخ وتطور هذه العلاقات على سبيل المثال:

Abadi , Jacob ,Israel and Turkey: From Covert to Overt Relations, available at :

http://www.setav.org/ups/dosya/28724.pdf

(13) Danforth, op. cit. P 87.

(14)أنظر بصدد الخلافات العربية حول الانضمام إلى حلف بغداد : ليلى مرسي، أحمد وهبان، حلف شمال الأطلنطي: العلاقات الأمريكية الأوربية بين التحالف والمصلحة 1945:2000(الإسكندرية ، دار الجامعة الجديدة،2001) . ص ص 96 :98 .

(15)تشيبنار ، م . س . ذ ، ص9.

(16)ليلى مرسي، أحمد وهبان ، م . س . ذ،96 : 98.

(17) تشيبنار ، م . س . ذ ، ص9.

(18)المرجع السابق.

(19)أنظر بصدد هذه المشكلة التاريخية تفصيلاً : أحمد عدنان عيطة ،أزمة الإسكندرونة وعصبة الأمم (دمشق – الجمعية الجغرافية السورية – 2000).

(20)تشيبنار ، م . س . ذ ، ص9.

(21) كرامر ، م. س. ذ، ص 167.

(22) راجع في هذا المضمون:مفتي ،م.س.ذ، ص 24.

(23) كرامر ،م. س. ذ، ص 11.

(24)المرجع السابق ، ص 245.

(25)راجع بصدد هذ الاتفاقية : جليلي جليل وآخرون ، الحركة الكردية في العصر الحديث ، ترجمة عبدي حاجي (بيروت – دار الرازي -1992). ص ص 181، 182.

(26)تشيبنار ، م. س. ذ ، ص 10.

(27)ذات المرجع السابق.

(28) أنظر في هذا المضمون : يافوز ،م.س.ذ ، ص ص 10 ، 11.

(29)تشيبنار ، م.س.ذ ، ص 10.

(30) أنظر بصدد هذه المواقف : المرجع السابق ، ص 10.

(31)راجع في هذا المضمون تفصيلاً: ليلى مرسي، أحمد وهبان ، م . س .ذ ، . ص ص 238 : 244.

(32)ذات المرجع السابق.

(33)أنظر في هذا المضمون:

Danforth, op . cit. p p : 88,89.

(34) Ibid

(35)Ibid

(36) مفتي ، م. س. ذ ، ص 31.

(37) راجع في هذا المضمون : المرجع السابق ، ص25.

(38) المرجع السابق .

(39)Ozturk , Asiye , The domestic Context of Turkey’s Changing Foreign Policy Towards the Middle East and the Caspian Region (Bonn, German Development Institute , 2009). P22.

(40) أنظر بصدد الدور السوري في تدعيم حزب العمال الكردستاني:

Gunter, Micheal M., The Kurdish Problem in Turkey(The Middle East Journal, Summer 1988), pp. 394-397.

(41) أحمد وهبان، الصراعات العرقية واستقرار العالم المعاصر: دراسة في الأقليات والجماعات والحركات العرقية(الإسكندرية ، دار أليكس لتكنولوجيا المعلومات ، ط5 ، 2007). ص ص 249 : 250.

(42) مفتي ، م.س.ذ ، ص 11.

(43) كرامر ، م.س.ذ ، ص 242.

(44) وهبان، م.س.ذ ، ص ص 249 : 250.

(45) مفتي ، م.س.ذ ، ص ص 11 : 12.

(46) المرجع السابق ، ص 12.

(47)وهبان، م.س.ذ ، ص ص 249 : 250.

(48) أنظر بصدد هذا التقارب التركي الإسرائيلي على سبيل المثال :

Abadi , op . cit.

(49)راجع في هذا المضمون : يافوز ، م.س.ذ ، ص 15.

(50) نقلاً عن المرجع السابق، ص ص 16 :17.

(51) نقلاً عن :مصطفى طلاس، التعاون التركي الإسرائيلي (مجلة الفكر السياسي، دمشق، العدد الأول ،شتاء 1997) ، ص 40.

(52) المرجع السابق ، ص 41.

(53) مفتي ، م.س.ذ ،ص 11.

(54) نقلاً عن يافوز ، م.س.ذ ،ص 24.

(55) مفتي ، م.س.ذ ،ص 11.

(56) طلاس ، م.س.ذ ،ص 40.

(57) نقلاً عن المرجع السابق ، ص 41.

(58)راجع في هذا المضمون : يافوز ، م.س.ذ ، ص 15 ،16.

(59)راجع في هذا الصدد تفصيلاً :

Zeyenb ,Cagliyan Imisiker , The changing Nature of Islamism in Turkey : A Comparison of Erbakan and Erdogan (Ankara, The Institute of Economics and Social Sciences of Bilkent University, September 2002), pp 20 :22.

(60) راجع في هذا المضمون : يافوز ، م.س.ذ ،ص 30.

(61) المرجع السابق ، ص 8 .

(62) كرامر ، م.س.ذ ، ص 169.

(63) المرجع السابق ، ص ص 245 : 246.

(64)المرجع السابق.

(65)راجع في هذا المضمون : يافوز ، م. س. ذ، ص 21.

(66) راجع في هذا المضمون : كرامر ، م. س. ذ، ص ص 133 : 136.

( 67) راجع في هذا المضمون : Danforth, op . cit. p p 90,91.

(68)راجع في هذا المضمون تفصيلاً: أحمد داود أوغلو ، العمق الإستراتيجي: موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية ، ترجمة: محمد جابر ثلجي ، طارق عبد الجليل (مركز الجزيرة للدراسات بالدوحة _ الدار العربية للعلوم ناشرون – بيروت ،الطبعة الثانية 2011) . ص ص 488 : 490.

(69)

Lesser Ian O ,Turkey’s Regional Role : Harder Choices Ahead ( Ankara, Turkish Policy Quarterly ,Vol. 7 ,No. 2, 2008).p 34.

(70)ibid ,p 93. (71) راجع في هذا الصدد تفصيلاً :

McCurdy, Daphne, Turkish-Iranian Relations: When Opposites Attract( Ankara, Turkish Policy Quarterly ,Vol. 7 ,No. 2, 2008).p p 89 : 93.

(72) راجع في هذا المضمون: تشيبنار، م. س. ذ، ص 26.

(73) راجع في هذا المضمون: McCurdy, op. cit. p p 89 : 93. كذا : المرجع السابق ، ص 26 ، 27.

(74)راجع بصدد تطور الموقف التركي إزاء البرنامج النووي الإيراني :

McCurdy, op. cit. p p 99 :103.

(75) هذا المضمون نقلاً عن مادة إخبارية بعنوان: وساطة تركية لحل الخلاف النووي بين إيران والغرب ، متاحة على الرابط التالي :

‭BBC Arabic‬ – ‮الشرق الأوسط‬ – ‮وساطة تركية لحل الخلاف النووي بين ايران والغرب‬

(76) هذا المضمون نقلاً عن مادة إخبارية بعنوان :التوقيع في طهران على اتفاق مبدئي لتبادل الوقود النووي ، متاحة على الرابط التالي :

‭BBC Arabic‬ – ‮الشرق الأوسط‬ – ‮التوقيع في طهران على اتفاق مبدئي لتبادل الوقود النووي‬

(77) هذا المضمون نقلاً عن مادة إخبارية بعنوان: وسط إصرار أمريكي على مشروع العقوبات ؛ أردوغان : إيران قامت بالمطلوب ، متاحة على الرابط التالي :

أردوغان: إيران قامت بالمطلوب

(78) راجع في هذا المضمون: تشيبنار، م. س. ذ، ص 290، 291.

(79) هذا الإحصاء نقلاً عن موقع تركيا اليوم بتاريخ 31 يوليو 2010، تحت عنوان:مليار دولار حجم التبادل التجاري بين تركيا وسوريا ، متاح على الرابط التالي:

http://turkeytoday.net/node/1579

(80) راجع بصدد المساعي التركي هذه على سبيل المثال: مصطفى اللباد، تركيا والعرب: شروط التعاون المثمر، في :محمد عبد العاطي (محرر) وآخرون ، تركيا بين تحديات الداخل ورهانات الخارج (مركز الجزيرة للدراسات بالدوحة _ الدار العربية للعلوم ناشرون – بيروت ، 2009)، ص ص 221 : 223.

(81) راجع بصدد هذا المؤتمر ومقرراته مادة إخبارية بعنوان : قمة سورية قطرية تركية في إسطنبول ،متاحة على الرابط التالي :

‭BBC Arabic‬ – ‮الشرق الأوسط‬ – ‮قمة سورية قطرية تركية في اسطنبول‬

(82) راجع بصدد هذه الوثيقة مادة إخبارية بعنوان :تركيا تعيد صياغة أمنها القومي ، متاحة على الرابط التالي :

تركيا تعيد صياغة أمنها القومي

(83) راجع بصدد تفاصيل هذا الخطابمادة إخبارية بعنوان: أردوغان يخاطب الأسد بـ”يا بشار” وتهديد بقطع الكهرباء التركية، متاحة على الرابط التالي :

أردوغان يخاطب الأسد بـ”يا بشار” وتهديد بقطع الكهرباء التركية – CNNArabic.com

(84)Larrabee, F. Stephen , Turkey Rediscovers the Middle East(Foreign Affairs , July/August 2007), available at : Turkey Rediscovers the Middle East | Foreign Affairs

(85) راجع في هذا المضمون : هنري جي باركي ، تركيا والعراق : أخطار وإمكانات الجوار(واشنطن- معهد السلام الأمريكي – يوليو 2005). ص 7.

(86) أنظر بصدد هذه المصالح تفصيلاً : المرجع السابق ،ص ص 3 :8.

(87) راجع بصدد حجم النشاط الاقتصادي بين تركيا والعراق :

Turkey: Investing in Iraq, available at:

Turkey: Investing in Iraq | Turkey | Oxford Business Group

(88) أنظر بصدد حجم النشاط الاقتصادي بين تركيا ومصر على سبيل المثال :إنشاء مجلس للتعاون المشترك بين مصر وتركيا ، مادة إخبارية متاحة على الرابط التالي:

إنشاء مجلس للتعاون المشترك بين مصر وتركيا – بوابة الأهرام

(89) أنظر بصدد مقولات أردوغان هذه على سبيل المثال: مادة إخبارية بعنوان: أردوغان يطالب مبارك بخطوة مختلفة ، متاحة على الرابط التالي:

أردوغان يطالب مبارك بخطوة مختلفة

(90) أنظر بصدد تفاصيل هذا الخطاب مادة إخبارية بعنوان: أردوغان مصر وتركيا يد واحدة، منشورة بتاريخ 13/9/2011 بموقع بوابة الأهرام:

http://gate.ahram.org.eg

(91) أنظر بصدد هذه الزيارة على سبيل المثال :مادة إخبارية بعنوان :تركيا تعرض على مصر تعاوناًغير مشروط في كافة المجالات، متاحة على الرابط التالي :

http://www.aawsat.com/details.asp?article=684843

(92)أنظر بصدد موقف تركيا عموماً من هذه الثورات:

-Gumuscu, Sebnem, Turkey’s Reactions to the Arab Spring, available at: http://yalejournal.org/2012/05/turkeys-reactions-to-the-arab-spring

– Ozhan , Taha ,The Arab Spring and Turkey, available at:

Ara | SETA

(93) أنظر بصدد هذه الزيارة على سبيل المثال:

Erdogan stops at Tunisia for the Arab Spring tour, available at:

TURKEY – Erdoğan stops at Tunisia for the Arab Spring tour

(94) أنظر بصدد العلاقات الاقتصادية بين تركيا وتونس على سبيل المثال البيانات المتاحة بموقع وزارة الاقتصاد التركية على الرابط التالي:

http://www.economy.gov.tr/index.cfm?sayfa=countriesandregions&country=TN®ion=0

(95) أنظر بصدد هذه الزيارة على سبيل المثال: مادة إخبارية بعنوان: أردوغان يتعهد في بنغازي بدعم ليبيا بعيدا عن أية مصالح غداة زيارة ساركوزي وكاميرون، متاحة على الرابط التالي:

تقرير إخباري: أردوغان يتعهد في بنغازي بدعم ليبيا بعيدا عن أية مصالح غداة زيارة ساركوزي وكاميرون

(96)أنظر بصدد العلاقات الاقتصادية بين تركيا وليبيا على سبيل المثال البيانات المتاحة بموقع وزارة الاقتصاد التركية على الرابط التالي:

http://www.economy.gov.tr/index.cfm?sayfa=countriesandregions&country=LY®ion=0

(97)أنظر بصدد العلاقات الاقتصادية بين تركيا ودول الربيع العربي عموماً: محمد عبد القادر خليل، حسابات أنقرة:الأبعاد الاقتصادية لسياسة تركيا تجاه دول الربيع العربي، منشوربتاريخ 1/10/2012،على موقع المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية:

Starlight Princess Slot: Slot Gacor Pragmatic Play Terbaru

(98)أنظر بصدد العلاقات الاقتصادية بين تركيا والسودان على سبيل المثال البيانات المتاحة بموقع وزارة الاقتصاد التركيةعلى الرابط التالي:

http://www.economy.gov.tr/index.cfm?sayfa=countriesandregions&country=SD®ion=0

(99) راجع في هذا الصدد تصريح لأحد المسئولين الأتراك، منشور على الرابط التالي:

http://www.elbiladonline.net/modules.php?name=News&file=article&sid=17863

وبخصوص العلاقات الاقتصادية بين تركيا والجزائر عموما ًعلى سبيل المثال البيانات المتاحة بموقع وزارة الاقتصاد التركيةعلى الرابط التالي:

http://www.economy.gov.tr/index.cfm?sayfa=countriesandregions&country=DZ®ion=0

(100) بصدد العلاقات الاقتصادية بين تركيا والمغرب راجع البيانات المتاحة بموقع الحكومة المغربية بتاريخ 3/3/2011، تحت عنوان:انطلاق أشغال الدورة التاسعة للجنة الاقتصادية المشتركة المغربية – التركية، متاحة في ذات التاريخ والموقع:

Maroc.ma

(101) أنظر في هذا الصدد :تشيبنار ، م. س. ذ، ص 29.

(102) أنظر بصدد العلاقات التركية السعودية تفصيلاً على سبيل المثال تقرير المنتدى التركي السعودي لعام 2011 بعنوان :

The Saudi-Turkish Relations , available at:

http://stf.kcorp.net/data/ksa-tIRKEY-ReLATION.pdf

وأنظر كذلك البيانات المتاحة بموقع وزارة الاقتصاد التركية على الرابط التالي:

http://www.economy.gov.tr/index.cfm?sayfa=countriesandregions&country=SA®ion=4

(103) نقلاً عن تقرير للمركز العربي للدراسات المستقبلية بعنوان : قطر بوابة تركيا إلى أسواق الخليج ، متاح على الرابط التالي:

قطر بوابة تركيا إلى أسواق الخليج | المركز العربي للدراسات المستقبلية

(104)أنظر بصدد هذه الزيارة على سبيل المثال: مادة إخبارية بعنوان: شن هجوماً حاداً على إسرائيل: أردوغان يدعو اللبنانيين لتوافق داخلي، متاحة على الرابط التالي:

أردوغان يدعو اللبنانيين لتوافق داخلي

(105) راجع بصدد هذه الجهود تفصيلاً:

Somalia famine: Turkish PM Erdogan visits Mogadishu, available at:

BBC News – Somalia famine: Turkish PM Erdogan visits Mogadishu

(106) أنظر في هذا الصدد:

Walt,Stephen M,The real significance of Erdogan’s Davos outburst, available at:

The real significance of Erdogan’s Davos outburst | Foreign Policy

(107) أنظر بصدد خطاب أردوغان في سرت: مادة إخبارية منشورة بموقع صحيفة الشرق الأوسط اللندنية بتاريخ 28 مارس 2010، تحت عنوان: افتتاح القمة العربية في سرت الليبية بهجوم تركي على إسرائيل، متاحة على الرابط التالي:

افتتاح القمة العربية في سرت الليبية بهجوم تركي على إسرائيل, أخبــــــار

(108) راجع بصدد تداعيات الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية ، وعلى سبيل المثال:

Turkey expels Israeli ambassador over Gaza flotilla row,available at:

BBC News – Turkey expels Israeli ambassador over Gaza flotilla row

(109)راجع بصدد هذه التصريحات لأردوغان:مادة إخبارية بعنوان : أردوغان: إشاعات … القول إن إيران تنتج أسلحة نووية، متاحة على الرابط التالي:

أردوغان: إشاعات … القول إن ايران تنتج أسلحة نووية | خارجيات | جريدة الراي الكويتية

وأنظر بصدد الموقف التركي من القضية النووية عموماً:حقي ياغور، تركيا وإيران: البعد عن حافة الصدام في:محمد عبد العاطي (محرر) وآخرون، م. س. ذ، ص ص 235: 237.

(110) أنظر في هذا الصدد : مادة إخبارية بعنوان : تل أبيب لا تأتمن أنقرة على أسرارها احتجاج تركي على تصريحاتٍ لباراك ، متاحة على الرابط التالي :

احتجاج تركي على تصريحاتٍ لباراك

(111)أنظر في هذا المعنى على سبيل المثال:

Keyman, E.Fuat,Turkish Foreign Policy in A Globalizing World(Ankara, Turkish Policy Quarterly ,Vol. 5 ,No. 1 ,2006)

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى