الشراكة الاستراتيجية بين الصين والعالم العربي في إطار مبادرة الحزام وطريق الحرير

أ/ كـردالـواد مـصـطـفى

كلية الحقوق – جامعة سطيف 2-

mestafaboulem@yahoo.fr

 

    أعلن الرئيس الصيني شي جين بينج Xi Jinping عن إقامة شراكة استراتيجية بين الصين والعالم العربي، في خطابه الذي ألقاه في العاشر (10) من شهر جويلية سنة 2018. وذلك على هامش الجلسة الافتتاحية للاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني العربي. حضر هذا الاجتماع الوزاري حوالي 300 مشارك من الصين ومن الدول الأعضاء في الجامعة العربية. ويُـبرز الحضور العربي المشارك في هذا الاجتماع الثامن ارتفاع عدد الدول العربية المنضمة إلى هذه الشراكة بالمقارنة مع عددها المشارك في الاجتماع الوزاري الرابع الذي انعقد قبل ثماني سنوات.

   هذا الاهتمام الصيني المتزايد بالمنطقة العربية، والذي يقابله أيضا تجاوب من قبل معظم دول المنطقة مع مبادرة الحزام وطريق الحرير، يدفع إلى محاولة تحليل عناصر الشراكة الاستراتيجية الصينية-العربية في هذه الورقة، من خلال طرح التساؤلات التالية: ماهي أهداف ومجالات الشراكة الاستراتيجية بين الصين والعالم العربي؟ وماهو مستقبل هذه الشراكة؟.     

الصين والعالم العربي: علاقات تاريخية

    يعـود تاريخ العلاقات الصينية-العربية إلى أعماق التاريخ، كما وصفتها وثيقة سياسة الصين اتجاه الدول العربية، وجسّـد طريق الحرير القديم Old silk road برا وبحرا منذ 2000 سنة خلت، كما جاء في الوثيقة؛ عُمق التواصل الحضاري، وروابط الصداقة التاريخية التي جمعت بين الجانبين. أما في العصر الحديث فترجع العلاقات بين الطرفين إلى قيام جمهورية الصين الشعبية سنة 1949، واعتراف معظم الدول العربية بقيامها، وتأيدهم بعد ذلك لحقها في دخول منظمة الأمم المتحدة، وبالمقابل لم تتأخر الصين في دعم حركات التحرر من الاستعمار في الوطن العربي، في إطار نهجها الداعم لحركات التحرر الوطني عبر العالم.

  وعلى أسس السلام، التنمية والتعاون؛ تم إنشاء منتدى التعاون العربي الصيني سنة 2004، ثم تلاه إقامة علاقات التعاون الاستراتيجي القائمة على التعاون الشامل والتنمية المشتركة بين الصين والدول العربية سنة 2010، وانعقاد الاجتماع الوزاري السادس لمنتدى التعاون الصيني العربي سنة 2014. ويتجلى أيضا الاهتمام الصيني المتزايد بالمنطقة العربية، من خلال الزيارات المتتالية للمسؤولين الصينيين إلى العديد من البلدان العربية في الآونة الأخيرة، وبالمقابل هناك تجاوب كبير من الدول العربية مع مبادرة حزام واحد طريق واحد One Belt One Road، التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينج Xi Jinping سنة 2013، وهي المبادرة التي تستهدف ربط الصين بآسيا وإفريقيا وأوربا عبر شبكة من الطرق البرية والبحرية والموانئ وخطوط للسكة الحديدية، كما يتجلى أيضا تجاوب الدول العربية مع الشريك الصيني من خلال حجم المساهمة العربية في بنك الاستثمار الآسيوي الذي ترعاه الصين.

أهداف الشراكة الاستراتيجية بين الصين والعالم العربي

    أعلنت الصين مؤخرا بأنها رصدت استثمارات خلال الخمس (5) سنوات القادمة تزيد قيمتها عن 750 مليار دولار أمريكي، ومن المنتظر أيضا أن تستورد من السلع في نفس الفترة ما قيمته ثمان (8) تريليونات دولار أمريكي.

   وتماشيا مع هذا النمو المطرد في اقتصادها، وتضخم مصالحها في الخارج؛ بدأت القيادة الصينية في السنوات الأخيرة تطرح رؤية موسعة لأمن الصين القومي Broad vision of national security، تقوم في جوهرها على محورية أمن الطاقةEnergy security ، من أجل تلبية الاحتياجات الطاقوية الكبيرة للاقتصاد الصيني، وضمان استمرار دوران عجلته المتسارعة؛ مما جعل الصين تدرج المنطقة العربية الغنية بمواد الطاقة في صلب استراتيجيتها الأمنية الجديدة.

مجالات الشراكة القائمة والمستقلبية بين الصين والعالم العربي

   تعـدّ الطاقة والتجارة والاستثمار وكذا مشاريع البنى التحتية من أبرز مجالات التعاون القائمة حاليا بين الصين والعديد من الدول العربية، وفي سياق الشراكة المعلن عنها تعهد الجانبين في الاجتماع الثامن لمنتدى التعاون الصيني العربي بتوسيع وتعميق مجالات التعاون الاستراتيجي، حيث التزمت الصين في إطار مبادرتها الكبرى للحزام وطريق الحرير، بتعزيز التعاون مع دول العالم العربي في مجالات جديدة على غرار الاقتصاد الرقمي Digital economy، بناء المدن الذكيةSmart cities ، تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي  Artificial Intelligence، الصناعات البحرية، تدعيم البنية التحتية مثل الطرق، الموانئ وشبكات خطوط السكك الحديدية ومسارات بحرية عربية.

    وما يلفت النظر في الشراكة الاستراتيجية المعلن عنها بين الصين والعالم العربي، هو أنها تتصف بالتعاون الشامل والتنمية المشتركة للجانبين وفق قاعدة رابح-رابح Win-Win، كما تتميز هذه الشراكة المعلن عنها بين الجانبين، بتوجهها نحو المستقبل من أجل بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك لكل من الصين والدول العربية وأجل البشرية جمعاء، وبعبارة أخرى يسعى الطرفان إلى إقامة شراكة مستدامة في ظل عالم مُعوْلمَ يسوده الغموض واللايقين على الأصعدة السياسية، الاقتصادية والأمنية…

موقف الشريك الصيني من قضايا وأحداث العالم العربي

     إن تحليل مواقف الشريك الصيني من قضايا وأحداث العالم العربي، تقتضي تتبع مسار العلاقات التاريخية والقائمة بين الجانبين؛ ويلاحظ بأن خلفيات مواقف الشريك الصيني تأثرت إلى حد كبير بتلك الصورة التي شكّلها جيوبوليتيك العالم العربي في المخيلة الصينية، حيث تنظر الصين إلى هذا العالم على أربعة مستويات:

   أولا/ تتوزع دول العالم العربي بين قارتين، بعضها يقع في نقطة الإلتقاء القاري بين آسيا وإفريقيا، وبعضها الآخـر يقع في شمال القارة الإفريقية؛

   ثانيا/ تتميز دول العالم العربي بعراقة تاريخية وطابع ثقافي متعدد، لذلك فهي اليوم تشكل دول ذات تنوع حضاري وديني بارز في العالم؛

   ثالثا/ تنفرد دول العالم العربي بإمكانيات إنمائية هائلة وخصوصيات للموارد التي تحوزها.

   رابعا/ تتنافس القوى العالمية والإقليمية من أجل السيطرة على الموارد الهامة التي تمتلكها دول العالم العربي.

     هذه الأهمية الجيوبولتيكية للعالم العربي؛ جعلت القيادة الصينية تتبنى سياسات تتوافق إلى حد كبير مع مواقف العديد من دول المنطقة العربية؛ خاصة اتجاه القضايا الأساسية للأمة العربية والأحداث الجارية حاليا في بعض دولها، حيث تدعو الصين دوما إلى المحافظة على السيادة الوطنية والوحدة الترابية لدول المنطقة، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، مع ضرورة اتباع نهج الحل السياسي للأزمات، تعزيز سبل السلام، التعايش السلمي والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

    وعلى أساس هذه الخلفيات يتجلى موقف الصين من القضية الفلسطينية؛ القضية المحورية للأمة العربية، حيث تقف الصين إلى جانب عملية السلام، بدعمها لإقامة الدولة الفلسطينية، عاصمتها القدس الشرقية، وتتمتع بالسيادة الكاملة حتى حدود 1967، كما تدعم جهود الجامعة العربية وأعضائها المشتغلين على هذا المسار.

    أما فيما يخص موقف الصين من الأحداث الجارية في بعض دول المنطقة العربية بعد 2011، فقد لخّصها وزير الخارجية الصيني وانغ يي Wang Yi  بمناسبة إحدى الزيارات التي قادته إلى الجزائر سنة 2013 بقولـه:” في ظل الوضع الجديد يمكن تلخيص السياسة الخارجية الصينية اتجاه الدول العربية بـ[أربع تأييدات]:

أولا/ تأييد الدول العربية بثبات في سلوك الطريق الذي اختارته بأنفسها؛

ثانيا/ تأييد الدول العربية في حل القضايا الساخنة بالوسائل السياسية؛

ثالثا/ تأييد الدول العربية في التعاون وتحقيق التنمية المشتركة مع الصين؛

رابعا/ تأييد الدول العربية في حماية حقوقها ومصالحها الشرعية”.

     وجدير بالذكر بأن مجمل هذه المواقف والسياسات التي تتبناها الصين من قضايا وأحداث العالم العربي، أعاد الرئيس الصيني شي جين بينج Xi Jinping التأكيد عليها خلال الاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني العربي المنعقد في شهر جويلية الماضي، حيث شدّد على ضرورة السعي من أجل دعم السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وحماية النزاهة، والعدل، وتعزيز التنمية المشتركة. كما أكد الرئيس شيXi  على أهمية احترام الظروف الوطنية لدول المنطقة العربية واختياراتها المستقلة.

مستقبل الشراكة الاستراتيجية بين الصين والعالم العربي

     إن الحديث عن مستقبل الشراكة الاستراتيجية بين الصين والعالم العربي في إطار مبادرة الحزام وطريق الحرير، لا يجب أن يقتصر فقط على إبراز المنافع والمصالح المتبادلة التي يحرص واضعوا الشراكة على إعلانها ومن ثمة العمل على تحقيقها لشعوب وبلدان طرفي الشراكة الاستراتيجية، بل يجب أيضا أن يبرز هذا الحديث مجموعة التحديات الآنية والمستقبلية التي تواجه هذه الشراكة، وهذه التحديات التي تقع على كاهل طرفي الشراكة نجملها كما يلي:

أولا/ تحديات العالم العربي:

1- الموقع الاستراتيجي للعالم العربي الذي يشرف على أهم المعابر والمنافذ والمضايق التي تشكل شرايين هامة للاقتصاد والتجارة العالمية، زيادة على غناه بالموارد والثروات النفطية والغازية. فهذه الأهمية الجيوبوليتكية جعلت من العالم العربي منطقة صراع دائم بين القوى العالمية ممثلة في الولايات المتحدة وروسيا والقوى الإقليمية ممثلة في تركيا وإيران.

2- عدم الاستقرار الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط نتيجة الاحتلال الصهيوني لدولة فلسطين، واستمرار دعم الولايات المتحدة الأمريكية لهذا الاحتلال، مما شجعه على ارتكاب جرائم في حق الشعب الفلسطيني وأرضه، وبالتالي توقف مسار السلام في المنطقة .

3- حالة عدم الاستقرار التي تعرفها بعض دول العالم العربي منذ 2011، فهذه الأحداث التي أثرت سلبا على الأمن القومي العربي Arab national security وأمن الإنسان العربي Arab human security، ونتج عن هذه الأحداث أزمات عنيفة في بعض الدول، وما انجر عنها من انتهاكات لحقوق الإنسان وتدني مؤشر التنمية الإنسانية، بالإضافة إلى موجات هجرة بشرية غير مسبوقة في تاريخ المنطقة.

4- تعاني بلدان العالم العربي على غرار باقي دول العالم من الآثار الضارة للتغير المناخيClimate change، وتتجلى هذه الآثار في ارتفاع درجة الحرارة، ندرة المياه، الجفاف، الفياضانات، التصحر، اضطراب في مواسم هطول الأمطار، ارتفاع نسبة ملوحة مياه الخليج، الهجرة البيئية.

ثانيا/ تحديات الطرف الصيني:

1-إعلان الولايات المتحدة الأمريكية فرض مجموعة من العقوبات الاقتصادية على الصين، حيث انطلقت في شهر جويلية الماضي أكبر حرب تجارية بين عملاقي الاقتصاد العالمي.

2- إضافة إلى الضغوط الأمريكية تعاني الصين أيضا من مشاكل إقليمية مع جيرانها لعل أبرزها قضية تايوان والسيادة على البحر الجنوبي.

3- تواجه الصين العديد من المشاكل على المستوى الداخلي، فقد أعلن الحزب الشيوعي عن حملة مكافحة الفساد في صفوفه وفي مفاصل الدولة، ضف إلى ذلك تسجيل انتهاكات في حقوق الإنسان لا سيما انعدام الديموقراطية والرقابة على الإنترنيت، انتشار الفقر في المناطق الداخلية البعيدة عن المدن والموانئ الكبرى.

4- تصنف الصين اليوم كأكبر ملوث للبيئة في العالم، لأن اقتصادها لا يزال يعتمد على الطاقات الأحفورية التي تزيد من نسبة تركيز ثاني أكسيد الكربون  Carbon dioxide (CO2)في الغلاف الجوي، والذي يساهم في ارتفاع درجة حرارة الأرض Global warming.

     بعـد استعراض أهم التحديات التي تواجه مستقبل الشراكة الاستراتيجية بين الصين والعالم العربي في إطار مبادرة الحزام وطريق الحرير، نشير إلى أن الهدف من رصد هذه التحديات هو إيجاد أنجع الحلول والتطبيقات الآنية لهذه التحديات؛ حتى لا تتحول إلى عقبات حقيقية في المستقبل تحول دون تحقيق أهداف مسار الشراكة، وكذلك من أجل وضع أفضل السيناريوهات المستقبلية لتطوير آفاق الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين.

    في الأخير نختم القول بأن انخراط البلدان العربية في مسار الشراكة الاستراتيجية مع الصين في إطار مبادرة الحزام وطريق الحرير، يعكس إدراك الدول العربية ووعيها بحجم التحولات الجارية في العلاقات الدولية، والتي تشهد انتقال مراكز القوة من الغرب إلى الشرق، حيث تشير أغلب الدراسات والتقارير بأن الصين تمثل اليوم ثاني قوة اقتصادية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وثالث قوة عسكرية بعد كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وحسب العديد من المحللين فإن التنامي المذهل للقوة الصينية جعل العالم اليوم يقف أمام عتبة تحول تاريخي في الاقتصاد والسياسة الدولية؛ فهذا الصعود الصيني المتسارع على المسرح الدولي، سيمكّن الصين خلال العقدين القادمين من تجاوز الولايات المتحدة الأمريكية، ويجعل منها القوة العالمية الأولى.

المراجع:

– وثيقة سياسة الصين اتجاه الدول العربية، يناير 2016.

– أ.م.د مثنى فائق مرعي، الصين والقضايا العربي…دراسة في طبيعة المواقف والمحددات، مؤتمر آفاق التعاون العربي الإفريقي الصيني في إطار مبادرة الحزام والطريق، جامعة إفريقيا العالمية، مركز البحوث والدراسات الإفريقية، رابطة جمعيات الصداقة العربية الصينية، الخرطوم 21-22 2017.

– نور عطية عبد السلام الحضيري، هل تصبح الصين قائد العالم القادم ؟، المركز الديموقراطي العربي، نوفمبر 2017.

    – Bertrand Badie, La Chine : créateur et acteur d’un nouveau monde,

Colloque “La Chine Hors de Chine”, la Fondation Prospective et Innovation au Futuroscope, 2016.

www.youtube.com/watch?v=fNY3rqz_Bj0

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button