...
القاموس السياسيدراسات اقتصاديةدراسات سياسية

الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة – General Agreement on Tariffs and Trade

· مقدمة:

تعتبر التجارة الدولية اليوم منظومة عالمية تنافسية كبيرة تجمع العديد من المنظمات و القوانين التجارية العالمية وتحكم من خلالها تطور الشعوب و الأمم وإنتعاشها الإقتصادي و الإجتماعي ، ولهذه التجارة تحالفات و أسس دولية نضجت عبر عشرات السنين أو أكثر، وصارت نجاح التجارة الدولية مقياس لنجاح الدول في تحقيق الأسس والجودة و الوصول للأسواق وبناء الثقة ، وهذا التحدي يواجه بعمق الدول النامية التي لم تنجح حتي اليوم في بناء تحالفاتها الإقتصادية الإقليمية ، ولم تنجح في تطوير منظومة الإنتاج لديها بشكل ديناميكي ومنافس للدول الأخرى ،إنها تحديات العولمة و الإنفتاح التجاري العالمي التي تقودها منظمات عالمية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية.

وبينما يمكن القول بأن إتفاقية الجات ( GATT ) ( بإعتبارها كيانا أو إطارا مؤقتا تحول بدءا من عام 1995 إلى منظمة التجارة العالمية تمثل إحدى المؤسسات التابعة للأمم المتحدة و المنبثقة عنها).

تتشابه في الخط العام لتوجهاتها مع كل المؤسسات المالية الأخرى وهي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإ نشاء و التعمير في أنها تتقيد بالخط العام ألا وهو تحرير النظام العالمي تجاريا (الجات) ونقديا (صندوق النقد) وماليا (البنك الدولي)، إلا أنها تختلف في ذلك عن المؤتمرات والمنظمات المنبثقة عن الأمم المتحدة والتي تهدف إلى تنظيم بعض القضايا الفرعية وذلك ما سوف نتعرض له في هذا المقياس.

 الإتفاقية العامة للتعريفات الجمركية و التجارة ( GATT ) –   نشأة الجات ، أهدافها ومبادئها .

1-اسباب نشأتها:

بعد النتائج الإيجابية التي حققها مؤتمر بريتون وودز – Bretton Woods وذلك بإعادة تنظيم المبادلات النقدية والمالية تحت غطاء كل من صندوق النقد الدولي – International Monetary Fund   و الـبنك الدولي للإنشاء والتعمير – International Bank for Reconstruction and Development اللتان بدأت أعمالها بواشنطن في 1947/03/01 دون التمكن من استكمال الأساس الثالث الذي سيقوم عليه النظام الاقتصادي الدولي، أي المعالجة من الجانب المالي والنقدي، ولكن أصبح العالم بحاجة إلى من ينظم العمليات التجارية العالمية، وعلى هذا الأساس جاءت فكرة إنشاء منظمة التجارة في عام 1947 الصادرة عن ميثاق هافانا – Havana Charter، إلا أن هذه المبادرة لم تلق استحساناً ولا تأييداً من طرف الدول الصناعية، ومن ثم باءت المنظمة لتنظيم التجارة العالمية بالفشل، لتحل محلها في 30 أكتوبر 1947 الإتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة المعروفة باسم GATT وقد دخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ ابتداء من 1948/01/01.

دعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى مؤتمر دولي في جنيف عام 1947 للمداولة حول التجارة الدولية، وفي هذا المؤتمر تم التوقيع على الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة – GATT، التي اشتملت على المبادئ والأسس والقواعد التي تحكم النظام التجاري العالمي الجديد لمرحلة بعد الحرب ولقد شارك في توقيع هذه الإتفاقية 23 دولة. 
على خلاف ما هو شائع ، فإن تاريخ الجات يعود إلى إتفاقية جنيف عام 1927 مرورا بميثاق هافانا ، وصولا إلى إتفاقية الجات 1947 .
لقد إتصفت الفترة التي سبقت الحرب لعالمية الثانية بتزايد الحواجز والقيود المباشرة والجمركية بصورة إنتقامية بين الكثيرمن الدول إلى الدرجة التي يكاد أن توصف بـ “حرب تجارية ” ولقد ظهر عقب هذه الحرب إتجاه تبنته الولايات المتحدة الأمريكية لإنشاء منظمة التجارة الدولية(ito) في إطار الأمم المتحدة ليستكمل بها الإطار المؤسساتي الدولي على النطاق الإقتصادي الذي يهدف لتحرير النظام العالمي في المجالات التالية :

· النقدية من خلال صندوق النقد لدولي الذي تأسس بمقتضى إتفاقية بريتون وودز عام 1944 وبدأ نشاطه في عام 1947 بإعتباره مصرف عالمي يضع موارده في متناول الدول الأعضاء فيه لتمكينها من مواجهة العجز المؤقت أو القصير الأجل في موازين مدفوعاتها .

· المالية من خلال البنك الدولي للإنشاء والتعمير للقيام بالمشروعات الزراعية والصناعية في الدول الأعضاء فيه بتقديم قروض طويلة الأجل .

· التجارية من خلال منظمة التجارة الدولية ، والذي إقترحت الدول الرأسمالية بشأنها عقد مؤتمر دولي للتجارة إنعقد في هافانا في الفترة من 21 نوفنبر 1947 إلى 24 مارس 1948 .

ـ مؤتمر وميثاق هافانا .

سبق هذا المؤتمر سلسلة من المؤتمرات في لندن وجنيف للإعداد له ، ولقد شارك فيه 55 دولة ليس من بينها الإتحاد السوفياتي في ذلك الوقت .

أقر مؤتمر هافانا نص ميثاق منظمة التجارة العالمية ، (ميثاق هافانا) ، والذي أبرزنواحي السياسات التجارية للدول الأعضاء والمساواة في المعاملة الجمركية ، والإهتمام بتخفيض مستوياتها من خلال التفاوض . كذلك لم يتعرض المؤتمر لنظم الأفضلية القائمة وأن كان قد طالب بالعمل على إلغائها بالتدرج ، وأجاز إنشاء الإتحادات الجمركية ومناطق التجارة الحرة. ومن الجدير بالذكرأنه منذ ذلك الحين إستثنت مواد ميثاق هافانا بعض الدول الأعضاء من تخفيض القيود الجمركية في الحالات الثلاث التالية :

ـ السلع الخاصة بالمنتجات الزراعية .
ـ إنشاء صناعات جديدة .
ـ عجز ميزان المدفوعات .

وترجع هذه الإستثناءات إلى نظرة المجتمع الدولي في ذلك الوقت إلى المشاكل الإقتصادية التي تواجهها الدول النامية وحتى لا تزداد هذه المشاكل إذا ما أجبرت هذه الدول على تقرير تخفيضات جمركية تتعارض مع خطط التنمية بها.
كما أجاز ميثاق هافانا للدول الأعضاء مكافحة الإغراق بفرض رسم تعويضي إذا أصاب الإغراق صناعة محلية أو أثر سلبا على صناعة ناشئة ونتيجة لتسابق دول الكتلة الشرقية والدول الرأسمالية في إستمالة وإستقطاب الدول النامية إلى جانب كل منهما ، قرر ميثاق هافانا المساهمة في تنمية إقتصاديات الدول النامية من قبل الدول المتقدمة بعدم وضع الحواجز على صادراتها إليها.
إلا في حالات يتعين تبرير أسبابها وتكون قابلة للإلغاء ، مع جواز إبرام الإتفاقات التفضيلية بشروط معينة. ولقد أوصى ميثاق هافانا بتثبيت أسعار الصادرت من السلع الأساسية للدول النامية .
مما سبق يتبين أن ميثاق هافانا نهج منهجا طموحا يخدم مصالح الدول النامية من خلال إتباع الدول الغنية سياسات تجارية تخدم مصالح تلك الدول وجميع دول العالم .
إلا أن الجهود التي بذلت في هذا الإتجاه لم يكتب لها النجاح فقد تراجعت الدول الغنية عن تطيبق ماجاء بأحكام ميثاق هافانا ، وأخذت تمهد لتأسيس منظمة أخرى تهتم بالتجارة الدولية إلا أنها ليست وثيقة الصلة بكل من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي للإنشاء والتعمير كما كان مفترضا لميثاق هافانا ونشأه( ITO) .

ويمكن تلخيص أهداف ميثاق هافانا في وضع الأسس الخاصة بكل من :

– منظمة التجارة الدولية ( ITO).
– إتفاقية التجارة الدولية.

وعلى الرغم من أن المبادرة الأمريكية كانت وراء التوصل إلى ميثاق هافانا ، وعلى الرغم من موافقة 52 دولة على هذا الميثاق إلا أن الولايات المتحدة ذاتهاعمدت إلى إجهاضه لكونه ينادي بتدخل الحكومات في سير التجارة الدولية ، مما يعد تعدي على سلطة الكونجرس وكما أن قيام منظمة التجارة الدولية( ITO) قد يفرض قيود على سياستها التجارية وبهذا فهو يتعارض مع مصلحتها ، لذا فقد سعت إلى إجهاضه قبل ميلاده أو وأده بمجرد مولده، وتحقيقا لهذا الهدف فقد سارت الولايات المتحدة في إتجاهين :

أ– يرتكز على سحب موافقتها المبدئية على ميثاق هافانا وتجميد عرضه على الكونجريس للتصديق عليه ، بل ورفضته رسميا عام 1950.
ب– يتمثل في الدعوة إلى مؤتمر دولي للتفاوض لإقرارإتفاقية دولية لتحرير التجارة السلعية الدولية ، وحيث أنه من مصلحتها تحريرتلك التجارة بإعتبار أن إنتاجها يمثل حينذاك مايقرب من نصف الناتج العالمي.

كما ألتقت مصالحها في ذات الوقت مع مصالح دول أوربا الغربية ، وبالتالي أنعقد المؤتمر بحضور 18 دولة في البداية ، ثم إرتفع العدد ليصل إلى 23 دولة ، وبدأت المفاوضات على
أساس ثنائي لتبادل التنازلات الجمركية على السلع وذلك في الفترة ما بين 10 أفريل حتى 30 أكثوبر1947 ، ثم جمعت كافة الإتفاقيات الثنائية التي تم التوصل إليها ، وأضحت إتفاقية شاملة متعددة الأطراف لتحرير التجارة الدولية في السلع ، أطلق عليها الإتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة وتم التوقيع عليها في 30 أكثوبر 1947 وعلى أن يبدأ سريانها إبتداء من 01 جانفي 1948 .

2- التعريف بالجات (GATT) :

تُعتبر اتفاقية الجات  – GATT من المنظور الاصطلاحي، أنَّها عبارة عن ناتج جمع الأحرف اللاتينية الأولى للاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة General Agreement on Tariffs and Trade

ومن المنظور الاقتصادي، فهي إتفاقية دولية متعددة الأطراف لتبادل المزايا التفضيلية بين الدول الأعضاء الناتجة عن تحرير التجارة الدولية من القيود الجمركية والتي يطلق عليها القيود التعريفية والقيود الكمية التي يطلق عليها القيود غير التعريفية، وبالتالي فإن الجات  – GATT كانت ولازالت تمثل محاولة من الدول الأعضاء للعودة إلى سياسات حرية التجارة الدولية ومن منطلق أن التجارة الدولية هي محرك للنمو.

أما من المنظور القانوني، تعتبر الجات  – GATT معاهدة دولية تنظم التجارة الدولية بين الدول التي كانت تقبل الانضمام إليها والتي كانت 23 دولة عند التوقيع عليها عام 1947 ووصلت إلى 117 دولة في أوائل 1994،  عند انتهاء العمل بسكرتارية الجات  – GATT مع التوقيع على إنشاء منظمة التجارة العالمية – WTO بدلاً منها بمراكش بالمغرب.

ومن المنظور المؤسسي، فقد تكونت سكرتارية الجات  – GATT للإشراف على الجولات التي أقرت من الدول المتعاقدة عليها، حول التعريفات الجمركية والقواعد المنظمة للتجارة الدول.

هي إتفاقية دولية متعددة الأطراف لتبادل المزايا التفضيلية بين الدول الأعضاء الناتجة عن تحرير التجارة الدولية من القيود الجمركية والتي يطلق عليها القيود التعريفية والقيود الكمية والتي يطلق عليها القيود غير التعريفية . وبالتالي فإن إتفاقية الجات كانت ولازالت تمثل محاولة من دول الأعضاء العودة إلى سياسات حرية التجارة الدولية ومن منطلق أن التجارة الدولية هي محرك النمو.
ومن المنظور القانوني فقد رؤي أن الجات هي معاهدة دولية تنظم التجارة الدولية بين الدول لتي كانت تقبل الإنضمام إليها والتي كانت 23 دولة عند التوقيع عليها عام 1947 ووصلت إلى 117 دولة في أوائل 1994 عند إنتهاء العمل بسكرتاريه الجات مع التوقيع على إنشاء منظمة التجارة العالمية(wto) بدلا منها بمراكش بالمغرب .
ومن المنظور المؤسساتي ، فقد تكونت سكرتارية الجات للإشراف على جولات المفاوضات التي أقرت من الدول المتعاقدة عليها، حول التعريفات الجمركية والقواعد المنظمة للتجارة الدولية وذلك منذ أكتوبر عام 1947 من خلال الدول الموقعة عليها والتي بلغ عددهم في ذلك 23 دولة وأقرت في جولة جنيف لتدخل حيز التنفيذ في عام 1948 في أول جانفي من هذا العام.وقد أنطوت الإتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة حتى ما قبل إنشاء منظمة التجارةالعالمية مباشرة على ثلاث أنواع من الإتفاقات الدولية .

أ‌- الإتفاقية العامة للتعريفات والتجارة ، بما في ذلك ما أدخل عليها من تعديلات وأضيف إليها من شروح وإيضاحات وما أستحدث فيها من مواد وعلى وجه الخصوص المواد من (36) إلى (38) التي أصبحت تشكل الجزء الرابع من تلك الإتفاقية العامة. وقد تم إدخال هذا الجزء في سنة 1965 ليعالج قضايا التجارة والتنمية ، ويؤكد تعهد الدول المتقدمة بتمكين الدول النامية من إستخدام إجراءات خاصة لتشجيع تجارتها وتنميتها ومنحها معاملة تفضيلية دون إلتزام مقابل من جانبها . ومن الضروري الإشارة إلى أن الإتفاقية تشمل بالإضافة إلى موادها المختلفة ، جداول إلتزامات الدول بالتعريفات المخفضة التي يتم التوصل إليها في المفاوضات التجارية المتعددة الأطراف التي تنظمها الجات . إذ جرى العرف على إعتباران هذه الجداول هي جزء لايتجزأ من تلك الإتفاقية العامة.

ب‌- مجموعة الإتفاقات التي تم التوصل إليها في نهاية جولة مفاوضات طوكيو 1973-1979 حيث أطلق عليها الإتفاقات الجمعية التي لاتلزم جميع الدول المنضمة إلى الجات بل تطبق فقط على مجموعة الدول التي تعاقدت ووافقت عليها ، والتي حولتها جولة اوروجواي إلى إتفاقيات متعددة الأطراف لتكون ملزمة لجميع الدول الأطراف في الجات ومثال لهذه الإتفاقيات ، إتفاق مكافحة الإغراق ،إتفاق الدعم وإتفاق القيود الفنية على التجارة .

جـ– إتفاقية الألياف المتعددة الأطراف( M.F.A) التي تنظم التجارة في المنسوجات والملابس وفق إستثناء من القواعد العامة للجات حيث تحدد تلك الإتفاقية حصصا كمية لصادرات الدول النامية من المنسوجات والملابس الجاهزة إلى الدول المتقدمة وكانت توجد لجنة للإشراف على تنفيد تلك الإتفاقية داخل سكرتارية الجات .
وتجدر الإشارة إلى إتفاقية الجات كانت تتكون من أربع أجزاء رئيسية:

الجزء الأول : يتلخص في الإلتزامات الأساسية التي يلتزم بها الأعضاء وكذلك حقوق الدول المنظمة للإتفاقية بما في ذلك جداول التعريفات الجمركية.

الجزء الثاني : طرق التعامل والقواعد الخاصة بالتجارة الدولية.

الجزء الثالث : القواعد الخاصة بالإنضمام والإنسحاب من الإتفاقية.

الجزء الرابع : يتعلق بالدول النامية حيث يرتبط بتشجيع الصادرات لمجموعة الدول النامية وجرى العمل في ظل سكرتارية الجات قبل إنشاء منظمة التجارة العالمية في أول جانفي 1995 على أن يبدأ كل بلد أو إتحاد جمركي يشترك في المفاوضات الخاصة بتخفيض الرسوم الجمركية بإعداد قائمتين:

القائمة الأولى: قائمة بالسلع التي يرغب في التوسع في تصديرها ويطلب من عضو أو أكثر تخفيض رسومه الجمركية المفروضة عليها.
القائمة الثانية : وهي قائمة بالسلع التي يمكنه أن يوافق على تخفيض رسومه الجمركية عليها ومن ثم كانت هاتان القائمتان الوثيقتان الأساسيتان في كل مفاوضات تمت على أساس تبادل المزايا التفضيلية والمعاملة بالمثل وكانت المفاوضات تتم على أساس بنود التعريفة سلعة سلعة ، وهذا ما أعطي المفاوضات مرونة كبيرة ووفقا لظروف كل دولة .

3ـ أهداف الجات
يمكن تخليص أهداف الجات على النحو التالي:

  1. إنشاء نظام تجارة دولية حرة، يساعد على رفع مستوى المعيشة في الدول المتعاقدة، والعمل على تحقيق مستويات التوظيف الكامل فيها.
  2. السعي إلى تحقيق زيادة في حجم الدخل القومي.
  3. الاستغلال الكامل للموارد الاقتصادية العالمية، والعمل على تطويرها.
  4. تنمية الإنتاج والمبادلات التجارية السلعية الدولية والخدمات، والتوسع فيها.
  5. سهولة الوصول إلى الأسواق ومصادر المواد الأولية.
  6. تشجيع الحركات الدولية لرؤوس الأموال، وما يقترن بها من ازدياد الاستثمارات العالمية.
  7. تشجيع التجارة الدولية، من خلال إزالة القيود والحواجز العائقة.

أمّا السبيل إلى تحقيق تلك الأهداف، فتمثل في:

  1. تخفيض التعريفة الجمركية.
  2. تخفيف القيود الكمية على الواردات.
  3. منع التمييز بين الدول في التجارة.
  4. انتهاج المفاوضات في حل المشكلات المتعلقة بالتجارة الدولية، وفض المنازعات بين الأطراف المتعاقدة.

ـ مبادئ الجات (GATT)

تستند اتفاقية الجات إلى ثلاثة مبادئ رئيسية:

  1. مبدأ الدولة الأَولى بالرعايةMost Favoured Nation MFN

وهو الركيزة الأساسية لتحرير التجارة الدولية، في إطار الجات. ومعناه أن أيّ امتياز تجاري بين بلدَين من بلدان الاتفاقية، لا بدّ أن يشمل، تلقائياً، كلّ دولها الأخرى، من دون مطالبة بذلك. فإذا منحت إحدى دولها نظيرة لها تخفيضاً أو إعفاءً من ضريبة جمركية على سلعة مستوردة منها، فإن هذا التخفيض أو الإعفاء، يعمّ السلعة نفسها المستوردة من سائر دول الجات الأخرى؛ فتتساوى كلّها في ظروف المنافسة في الأسواق الدولية. مبدأ الدولة الأَولى، بالرعاية يعني، إذاً، المساواة في المعاملة بين كلّ دول الاتفاقية، وليس منح رعاية خاصة لإحدى دولها، دون الدول الأخرى.

  1. مبدأ تحرير التجارة الدولية

القيود التعريفية هي الرسوم الجمركية. والقيود غير التعريفية، تشمل كثيراً من معوقات التجارة، ولا سيما القيود الكمية، مثل: حصص الاستيراد، وأذون الاستيراد، واشتراط إيداع نسبة من قيمة الواردات، ودعم الصادرات. وتحرير التجارة هو هدف الجات الأساسي؛ إذ إن دول الاتفاقية الأعضاء، ملتزمة بالعمل على إزالة تلك القيود، أو تخفيفها، في إطار مفاوضات، تشارك فيها كلّ تلك الدول، على أساس مبدأ التبادلية؛ بمعنى أن ما تعرضه كلّ دولة، من إزالة أو تخفيف، يكون مشروطاً بحصولها على عروض مماثلة من الدول الأخرى، فتتعادل فوائد كلّ منها؛ أيْ أن تخفيف الحواجز: الجمركية أو غير الجمركية، من جانب، لا بدّ أن يقابله تخفيف معادل في القيمة، من الجانب الآخر. وما إن تسفر المفاوضات عن اتفاق على تعريفة جمركية معينة، تسمى تعريفة مربوطة، حتى تصبح إلزامية، لا يجوز رفْعها إلا من خلال مفاوضات أخرى، أو إجراءات محددة.

  1. مبدأ الاعتماد على التعريفة الجمركية في تقييد التجارة الدولية

حصص الاستيراد، وما شابهها، هي من المحرمات، في اتفاقية الجات. فإذا كان لا بدّ من التقييد؛ حماية للصناعة الوطنية، أو علاجاً لعجز في ميزان المدفوعات، فإنه ينبغي الالتجاء إلى الوسائل السعرية (أيْ التعريفة الجمركية)، وليس إلى تلك الكمية، أو غير التعريفية، التي تفتقر إلى الشفافية. ومثال ذلك، أن رسماً جمركياً، مقداره 50%، يُفرض على الواردات من سلعة معينة، لحماية المنتج المحلي ـ يحدد مقدار الدعم، الذي يحظى به ذلك المنتج. ولو اعتُمد أسلوب كمي، بالحظر الكلي، أو بتحديد الكمية المسموح باستيرادها، لَما أمكن معرفة مقدار الدعم الممنوح، ولا النفقة الحقيقية، التي ينطوي عليها هذا النوع من الحماية. ولذلك، تنكرت الجات للأساليب الكمية، إلا في حالات استثنائية، نصت عليها صراحة؛ وذلك في السلع الزراعية، وفي حالة عجز مخطر في ميزان المدفوعات، أو ازدياد مفاجئ للواردات من سلعة معينة، يضر بإنتاجها المحلي.

رابعاً: إطارها العام

تضمنت اتفاقية الجات، لدى إبرامها عام 1947، 35 مادة، انتظمت الأحكام المختلفة، المتفق عليها في إطار المبادئ العامة لتحرير التبادل التجاري السلعي، ولا سيما مبدأ تبادل المعاملة التفضيلية، من خلال المساواة بين الدول الأعضاء كافة في تطبيق شرط الدولة الأَوْلى بالرعاية. وخلت الاتفاقية، عامئذٍ، من أيّ حكم، يتعلق بمتطلبات التنمية الاقتصادية، في البلدان النامية خاصة، ونشطت في مطاولتها، فأمكنها التوصل، عام 1965، إلى بروتوكول تكميلي، لتعديل هيكل الاتفاقية، نال موافقة ثلثَي الأعضاء، وقضى بإضافة باب إليها، يتناول العلاقة بين التجارة والتنمية، ويمنح الدول النامية معاملة خاصة.

احتوت الاتفاقية على ثلاثة أبواب، أُلحق بها، رابع، يتعلق بمعاملة الدول النامية.

الباب الأول:      يتضمن المادتَين: الأولى والثانية. ويتناول التزام الأطراف المتعاقدة بتطبيق شرط الدولة الأَوْلى بالرعاية، ومعاملة السلع الأجنبية، المستوردة من الدول الأعضاء، معاملة نظائرها الوطنية؛ وتبادل التخفيضات الجمركية المتفق عليها، والملحقة جداولها بالاتفاقية.

الباب الثاني:  يبدأ بالمادة الثالثة، ويختتم بالمادة الثالثة والعشرين. وهو يؤكد التزام الدول الأعضاء بأحكام الاتفاقية. ويحظر فرض ضرائب أو إجراءات، تقيد التجارة، أو تميز بين الواردات. وينظم تنقل السلع العابرة “الترانزيت”. وينص على إجراءات مكافحة الدعم والإغراق، وعلى أسلوب احتساب الجمارك، وعلامات المنشأ. ويمنع فرض القيود الكمية على الواردات. ويحدد الاستثناءات الأمنية. ويعيِّن الإطار الملائم للمشاورات بين الأطراف المتعاقدة.

الباب الثالث: يضم 12 مادة، من 24 إلى 35. ويضبط وضع الاتحادات الجمركية، ومناطق التجارة الحرة، وفق شرط الدولة الأَوْلى بالرعاية. ويحصر مسوغات التخلي عن الالتزامات المتفق عليها، أو تعديلها. وينوِّه بأسلوب عمل الجات، وطريقة اكتساب عضويتها، والانسحاب منها، وتعديل جداولها وأحكامها.

الباب الرابع: وهو باب، أضيف إلى الاتفاقية بموجب بروتوكول 1965، استجابة للدول النامية الأعضاء. ويشتمل على ثلاث مواد:

المادة 36: تعرض مبادئ التنمية الاقتصادية وأهدافها؛ والتدابير الميسرة لتجارة المواد والسلع الأولية؛ وتنويع إنتاج الدول النامية، وتوفير المساندة الدولية لها، لعلاج نقص حصيلة صادراتها.

المادة 37: تشترط على الأطراف المتعاقدة:

  1. التزام الدول المتقدمة بعدة أحكام، تنعش مصالح الدول النامية، كإعطاء سلعها التصديرية المهمة الأولوية في التخفيضات الجمركية، سواء كانت سلعاً مصنعة أو في صورتها الأولية؛ والامتناع عن فرض رسوم جديدة على منتجات الدول النامية الأعضاء، أو زيادة الرسوم الجمركية، والحواجز القائمة.
  2. التعهد بتطبيق الإجراءات، المنصوص عليها في الباب الرابع، على الدول النامية الأخرى، غير الأعضاء في الاتفاقية؛ دعماً لجهود التنمية المستقبلية فيها.

المادة 38: وتنص على أن تتعاون الأطراف المتعاقدة على تنفيذ الأهداف المدرجة في المادة 36، بإبرام اتفاقيات دولية، تحسن من إمكانية تسويق السلع الأولية، ذات الأهمية التصديرية للدول النامية؛ والتعاون مع الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة كافة، على زيادة صادرات تلك الدول النامية.

استندت الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة إلى النظرية الراتبة في التجارة الخارجية، التي سادت القرنَين: الثامن عشر والتاسع عشر؛ فاقتصرت على تحرير التجارة السلعية فقط، بين دولها الأعضاء. واستمرت في النمو، فاجتذبت المزيد من الأعضاء، من دول شرقي أوروبا؛ إضافة إلى روسيا، التي تقدمت بطلب للانضمام إلى الاتفاقية، وكذلك الصين. وظلت الجات، منذ إبرامها في عام 1947 وحتى نهاية عام 1994، هي الأداة القانونية الدولية، الوحيدة، التي تنظم تنظيماً شاملاً نشاط التبادل التجاري الدولي، سواء من خلال المبادئ والقواعد والإجراءات، التي أقرت أحكامها، والتزمت بها الدول الأعضاء؛ أو بالتخفيضات الجمركية المتبادلة؛ ما أسهم إسهاماً كبيراً في خفض عوائق التجارة، وزيادة حجم التدفقات السلعية الدولية.

خامساً: أجهزتها وآلية عملها

تتمثل أجهزة الجات في مؤتمر الأطراف المتعاقدة، ومجلس عام، وسكرتاريا، ولجان. وقد اختيرت مدينة جنيف، في  سويسرا، لتكون مقراً لها. ويعيِّن أغلب الدول الأعضاء سفراء لدى الجات.

  1. مؤتمر الأطراف المتعاقدة

يتألف المؤتمر من جميع الأعضاء المنضمين إلى الاتفاقية. وتنعقد اجتماعاته سنوياً. وغالباً ما ينعقد على مستوى وزاري. ويشترط حضور الأكثرية المطلقة لالتئام الاجتماع. وتتخذ القرارات بالأغلبية الطفيفة، عدا حالتَين: أولاهما، طلب الاستثناء من تطبيق الاتفاقية؛ والثانية، قبول انضمام أعضاء جدد؛ إذ لا بُدّ فيهما من أغلبية ثلثي أصوات الحاضرين، على أن تفوق بواحد نصف عدد الأعضاء. أمّا تعديل الاتفاقية، فيستلزم موافقة ثلثَي الأعضاء جميعاً. والمؤتمر هو أعلى سلطة في الجات. يقرر كلّ ما يتعلق بها، وخاصة تحديد جولات المفاوضات، وقبول انضمام أعضاء جدد، وتعيين الأمين العام وتحديد صلاحياته، وتعديل نصوص الاتفاقية، وإقرار الميزانية. وقد ترأس الأمين العام للأمم المتحدة أول اجتماع لمؤتمر الأطراف المتعاقدة، في الأول من مارس 1948.

  1. مجلس الممثلين

يتكوَّن من ممثل لكلّ عضو. يجتمعون تسع مرات، في السنة. وكلما دعت الحاجة، يضطلع المجلس بمهام المؤتمر الآنف. ويساعد السكرتارية على معالجة القضايا اليومية. ويجتمع بصفة جهاز لحل النزاعات التجارية. ويفصل في الانتساب إلى الاتفاقية والانسحاب منها، والاستثناءات، وقضايا تطبيق أحكام الجات.

  1. السكرتاريا

قوامها مدير عام، ومكتب وسكرتاريا، وعدد من الموظفين، يشرف المدير العام على تعيينهم، وتحديد أعمالهم، ومراقبة أدائهم؛ وهم يناهزون 400 موظف. وقد بلغت ميزانية الجات 70 مليون فرنك سويسري، يدفعها الأعضاء، كلٌّ بما يلائم حصته من التجارة الدولية. والدولة الراغبة في الانضمام إلى الجات، تودع السكرتاريا العامة خطاب موافقتها على الاتفاقية، الذي يصبح مستجاباً بعد مضي 30 يوماً على إيداعه.

  1. اللجان: الفنية والإدارية

يؤلِّف المدير العام لجاناً وجماعات استشارية مؤقتة، تعالج قضايا معينة، تتعلق بتطبيق أحكام الاتفاقية، وخاصة طلب الانضمام إليها، واستيفاء شروطه. أمَّا اللجان الدائمة، فأهمها:

أ. لجنة العناية بمصالح الدول النامية.

ب. لجنة النظر في السماح بتدابير حمائية، لتحسين ميزان المدفوعات في بعض الدول.

ج. لجنة بحث قضايا التعريفة.

د. لجنة الميزانية.

سادساً: مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية

United Nations Conference for Trade and Development (UNCTAD)

  1. أسبابه

طالما افتقدت اتفاقية الجات صفة العالَمية، حتى إنها كادت تقتصر على الدول الصناعية الغنية، لولا اشتمالها على بعض البلدان النامية، ولا سيما تلك الواقعة في أمريكا اللاتينية. ويُعزى عزوف سائر الدول النامية عن الاتفاقية إلى أن مبادئها، وبخاصة، عدم التمييز، والتبادلية، وعدم اللجوء إلى الوسائل الكمية، لا تراعي الظروف الخاصة لتلك الدول، ولا استراتيجيتها التنموية، المعتمدة على تقييد التجارة؛ ما انتهى بها، عام 1964، إلى عقد “مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية” (الأنكتاد)، لتنظيم التجارة الدولية على أُسُس مخالفة تماماً لأُسُس الجات.

اقترنت نشأة المؤتمر بجمهورية مصر العربية، إثر دعوتها، في يوليه 1962، الدول النامية إلى اجتماع خاص، في القاهرة، شاركت فيه 31 دولة. وتمخض بوثيقة، سُميت “إعلان القاهرة”، وتضمنت رؤية الدول المجتمعة لقضية التنمية ومقتضياتها. فركزت في أهمية التجارة المتكافئة بين الدول النامية؛ وزيادة معونات التنمية، لدعم الجهود في تحقيق معدلات نمو عالية. وقد وافق إعلان القاهرة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، الصادر في ديسمبر 1961، والذي جعل الفترة من 1961 إلى 1970 عقداً للتنمية، وحث على بذل أقصى الجهود، لكي يتسنى للدول الآخذة في النمو تحقيق معدل اقتصادي، سنوي، مرضي، لا يقلّ عن 5%.

التأم الأنكتاد، عام 1964، في جنيف؛ فغدا ثاني مؤتمر دولي للتجارة، يعقد في رحاب الأمم المتحدة، بعد مؤتمر هافانا، الذي رعته خلال الفترة من 21 نوفمبر 1947 إلى 24 مارس 1948؛ ولكنه أمسى موءوداً. وكان أبرز هدف لمؤتمر الأنكتاد، هو السعي إلى نظام اقتصادي عالمي جديد؛ يتدارك ما شاب اتفاقية الجات، من استيحاء للفكر التقليدي في التجارة الخارجية، وخلوها من ترتيبات خاصة للتجارة الدولية في السلع؛ وتجاهلها لطبيعة عملية التنمية الاقتصادية، لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، والظروف الاقتصادية العائقة؛ حتى وقت قريب، فضلاً عن أنها لم تكن تضم دول أوروبا الاشتراكية. ويراعي مصالح الدول الآخذة في النمو. ويحاول تضييق الفجوة، بين الشمال المتقدم والجنوب المتخلف. فأوصى الأنكتاد بتشجيع التنمية في الدول النامية، ومنع تدهور شروط التبادل، والامتناع عن الإغراق، وإعطاء هذه الجماعة من الدول حق الحماية الجمركية؛ والعمل على فتح أسواق الدول المتقدمة، وعدم فرضها للقيود، وإلغاء الرسوم، وغير ذلك مما يسهل دخول صادرات الدول النامية إلى تلك الأسواق.

  1. أسباب فشله

واصل الأنكتاد عقد دوراته، كلّ أربع سنوات. وأصدر عدداً هائلاً من التوصيات، في شأن تحسين التبادل الدولي، لمصلحة الدول النامية خاصة. وأعدت سكرتاريته، في جنيف، دراسات عديدة، وقيِّمة، في هذا الشأن. إلا أنه اتسم بسلبية، أدت إلى فشله، وعجزه عن إنجاز مهامه؛ فساعدت على رواج فكرة الجات. ولعل أبرز أسباب ذلك الفشل، ما يلي:

أ. دول المؤتمر غير ملزمة بتوصياته.

ب. حرص الدول المتقدمة على استئثار اتفاقية الجات بتنظيم التبادل التجاري الدولي، وشعورها بأنها ستتحمل العبء الأكبر، من جراء التخفيضات الجمركية، التي أوصى بها المؤتمر؛ فضلاً عن اجتذاب تكتلاتها الاقتصادية.

ج. تنكّر الدول الاشتراكية، وقتذاك، لبعض مشاكل التجارة في الدول النامية؛ بحجة مناقضة أحكام سوقها آلية السوق الرأسمالية.

سابعاً: “اتفاقية الألياف المتعددة”

اتفاقية الألياف المتعددة Multi- Fibre Arrangement، هي الاتفاقية التي نظمت التجارة في المنسوجات والملابس، من عام 1974 حتى عام 1994، وفق استثناء من القواعد العامة لاتفاقية الجات؛ إذ إن مفاوضات تحرير التجارة، ضمن اتفاقية الجات، تناولت عدداً وافراً من السلع؛ إلا أنها لم تطاول قطاع المنسوجات والملابس، فظل خاضعاً للعديد من القيود الاستثنائية.

تحدد إتفاقية الجات الموقعة عام 1947 مجموعة من المبادئ التى يمكن من خلالها تنظيم التجارة الدولية ، ويمكن تجميع هذه المبادئ تحت ثلاثة مبادئ رئيسية هي :
المبدأ الأول : عدم التمييز بين البلدان المختلفة في المعاملات التجارية.
المبدأ الثاني : هو تحرير التجارة الدولية من القيود الجمركية وغير الجمركية .
المبدأ الثالث : فهو يتعلق بتحرير القواعد المتعلقة بالمعاملات التجارية .
ويندرج تحت كل مبدأ من المبادئ الثلاثة مجموعة من المبادئ الأخرى ، ويهدف هذا المبحث إلى إبراز الطبيعة المصلحية في صياغة مبادئ الجات وأهدافها ، وذلك على النحو التالي :
* أولا : مبدأ عدم التمييز في المعاملات التجارية بين الأطراف المتعاقدة و ينطوي تحت هذا المبدأ ثلاث مبادئ :

1– مبدأ الدولة الأولى بالرعايا .
توجب المادة الأولى من إتفاقية الجات ضرورة منح كل طرف من أطراف التعاقد فورا وبلا شروط ، جميع المزايا والحقوق والإعفاءات التي تمنح لأية دولة أخرى ـ سواء كانت متعاقدة أو غير متعاقدة ـ دون حاجة إلى إتفاق جديد ودون مطالبة وهذا معناه أن أي ميزة أو معاملة تفضيلية تمنحها دولة منظمة للإتفاقية إلى أي دولة أخرى يستفيد منها باقي الدول الموقعة على إتفاقية الجات . والهدف من هذا المبدأ تحقيق المساواة في المعاملة بين كل الدول . حيث تتساوى جميعها أمام ظروف المنافسة الدولية .
والحقيقة إن هذا المبدأ كان سابقا في إستخدامه على نشأة إتفاقية الجات . فقد كان قاسما مشتركا في معظم الإتفاقات التجارية الدولية التي أبرمت في القرن التاسع عشر وذلك بهدف منع التمييز في مجال الضرائب الجمركية . وقد أوقف إستخدامه في أثناء الحرب العالمية الثانية ، إلا أنه عاد ليتبوأ مكانة كبيرةفي إتفاقية الجات مند عام 1947 .والواقع أن شرط الدولة الأولى بالرعاية هو السبيل إلى تحقيق مبدأ عدم التمييز في معاملة الصادرات و الواردات الذي تنص عليه المادة الثانية من إتفاقية الجات والتي تقضي بضرورة إلتزام الأطراف المتعاقدة بإستخدام القيود التجارية أن يتم بطريقة غير تمييزية.
ويرد على تطبيق هذا المبدأ عدة إستثناءات .

أ ـ التكتلات الإقليمية :
تعفي التكتلات الإقليمية من تطبيق شرط الدولة الأولى بالرعاية ، وذلك أعمالا لنص المادة 24 من الإتفاقية، إذا كانت الترتيبات الإقليمية لتحرير التجارة الدولية تتم بين مجموعة من الدول تنتمي جغرافيا لإقليم إقتصادي معين ، ويشترط للتمتع بهذا الإستثناء:
ـ أن يكون الهدف من إنشاء هذا التكتل تسهيل التجارة البينية بين الدول المعينة .
ـ عدم زيادة القيود المفروضة على تجارة دول التكتل مع الأطراف الأخرى المتعاقدة.

ب-في حالة وجود إختلال في ميزان المدفوعات :
أجازت المادة 12 من إتفاقية الجات لأي دولة تواجه إختلالا في ميزان مدفوعاتها أن تفرض قيودا كمية على وارداتها، وأن توقف العمل بمبدأ الدولة الأولى بالرعايا.

جـ – الدول النامية :
تستثنى الدول النامية من شروط الدولة الأولى بالرعاية في الأحوال التالية:
– الترتيبات المتعلقة بالتبادل التجاري بين الدول النامية، حتى وإن لم تكن تنتمي إلى إقليم جغرافي واحد، ويسري هذا الإستثناء على إتفاقيات التجارة التفضيلية والمناطق الحرة وإلإتحادات الجمركية وكذلك إستثناء من المادة 24 من الإتفاقية.
– المزايا الممنوحة للدول النامية:
ومن بين هذه المزايا للدول النامية في إطار المادة 18 من إتفاقية الجات 1947 لحماية الصناعات الناشئة حيث تعفي من الإلتزام بشرط الدول الأولى بالرعايا إلى أن تتمكن من المنافسة في الأسواق العالمية.
كما تتيح هذه المادة مرونة لتعديل هيكل التعريفة الجمركية بالدول النامية، بما يكفل الحماية للصناعات الناشئة، كما تتمتع بحق فرض قيود كمية لإحتواء الخلل في ميزان المدفوعات الناجم عن الإضطلاع ببرامج التنمية الإقتصادية.
المزايا الممنوحة من دول الإتحاد الأوروبي لدول أفريقيا والكاريبي والباسيفيكي في إطار إتفاقية لومي الرابعة والتي بمقتضاها تتمتع صادرات تلك الدول بإعفاءات جمركية في أسوق دول الإتحاد الأوروبي.
وكذلك يستثني من شرط الدولة الأولى بالرعايا، المعاملة التفضيلية التي تمنحها بعض الدول المتقدمة إلى الدول النامية التي كانت قديما مستعمرات لها، والمعاملة التفضيلية التي تقدمها الدول المتقدمة لصادرات الدول النامية دون مقابل وعلى أساس غير تمييزي والمعرفة بإسم النظام المعمم للتفضيلات والتي بمقتضاها تتمكن صادرات الدول النامية من النفاد إلى أسواق الدول المتقدمة.
وهذه المعاملة كانت تطبق كإستثناء من المادة 25 من إتفاقية الجات 1947 إلا أنها مند 1965 تتم وفقا للمادة 36 من الإتفاق إعمالا لقاعدة التمكين التي تقضي بأن الأطراف المتعاقدة عليها أن تمكن الدول النامية من تشجيع تجارتها وتنميتها.

2 مبدأ عدم التمييز:
وهذا المبدأ تنص عليه المادة الثانية من إتفاقية الجات والتي تقضي بأن يكون إستخدام القيود التي ترد على التجارة الدولية بطريقة غير تمييزية والحقيقة أن تطبيق شروط الدولة الأولى بالرعاية يعتبر أيضا سبيلا لتحقيق مبدأ عدم التمييز .

3- مبدأ المعاملة القومية :
ويعني هذا المبدأ عدم إستخدام القيود غير التعريفية بأنواعها كوسيلة لحماية المنتج المحلي، ومن ثم التمييز ضد المنتج المستورد. ومن أمثلة القيود الغير تعريفية، تقديم إعانة للمنتج المحلي أو فرض ضرائب أو رسوم على المنتج المستورد تفوق المفروضة على المنتج المحلي، أو إشتراط نسبة معينة من المنتج المحلي في إنتاج سلعة معينة.

ثانيا :مبدأ تحرير التجارة الدولية من كافة القيود الجمركية وغير الجمركية :
وهذا هو الهدف الرئيسي لإتفاقية الجات ويتحقق من خلال ما أصطلح على تسميته بإسم التبادلية. ويعتبر هذا المبدأ أحد المبادئ الرئيسية لإتفاقية الجات، ومضمونة أن التخفيضات التي تعرضها دول في إطار المفاوضات متعددة الأطراف تكون مشروطة بحصولها على تخفيضات مماثلة من البلاد الأخرى، ويهدف هذا المبدأ إلى إعطاء كل دولة حافزا لتخفيض القيود التي تفرضها على وارداتها السلعية مقابل حصولهاعلى تخفيض للقيود المفروضة على صادرا تهاالسلعية إلى الدول الأخرى. وذلك بغية تحقيق التعادل في المزايا.
ويطبق هذا المبدأ عند الدخول في مفاوضات تحت رعاية الجات بأن تقوم كل دولة أو تكتل إقتصادي مشارك في المفاوضات.بإعداد قائمتين الأولى مدرج بها السلع التي يرغب العضو في زيادة صادراته منها ويطلب تخفيض القيود عليها. أما القائمة الثانية فتظم السلع التي يمكنه الموافقة على تخفيض القيود التي يفرضها على وارداتها.
ومتى إتفق على مستوى معين للتعريفة الجمركية في إطار المفاوضات، تصبح الدولة ملتزمة به، حيث يتم ربط هذه التعريفات أي تثبيتها والإلتزام بعدم رفعها بعمل إنفرادي من جانبها بل لابد من الدخول في المفاوضات مع الأطراف المتضررة من زيادة التعريفة لتعويضها عن رفعها.
ويستثنى من هذا المبدأ الإستثناءات الأتية:
أ‌- مكافحة الأغراق والرسوم التعويضية.
ب- التكاليف المعادلة للضريبة الداخلية المفروضة على المنتج المحلي المماثل.
ج- الرسوم والنفقات الأخرى المعادلة لتكلفة الخدمات المِؤداة.
د – المنتجات التي يتداولها وفقا لترتيبات خاصة مثل المنتوجات متعددة الألياف.
ه- حماية الصناعة الناشئة في الدول النامية.

جولات الجات  – GATT:

يمكن تقسيم الفترة جولات الجات  – GATT  من تاريخ التوصل إلى الإطار العام لإتفافية الجات الأصلية عام 1947 وحتى التويقع على الوثيقة النهائية لجولة الأوروجواي عام 1994 إلى ثلاث فترات أو مراحل على النحو التالي:

الفترة الأولى: 1947-1971:

خلال هذه الفترة تم عقد خمس جولات للمفاوضات التجارية المتعددة الأطراف، في إطار السعي نحو المزيد من إزالة الحواجز الجمركية أمام التجارة الدولية، كان من أهمها:

– جولة جنيف 1947: شاركت فيها 23 دولة، وكانت ناجحة مقارنة بالجولات الأربعة التي تلتها، حيث تم الإتفاق على تخفيض الرسوم الجمركية على عدد كبير من السلع الداخلة في التجارة، وتضمنت نتائج المفاوضات التنازل عن الرسوم الجمركية بما يقارب 20% من حجم التجارة العالمية.

– جولة آنسي Annecy في فرنسا 1949: و تعتبر من الناحية العلمية أول جولة للمفاوضات التجارية المتعددة الأطراف في إطار اتفاقية الجات.

– جولة توركاي في إنجلترا 1950-1951: و قد شاركت في هذه الجولة 47 دولة، وقد دارت في نفس الإطار للجولات السابقة وهو السعي لتحقيق المزيد من التنازلات في ضرائب الإستيراد.

– جولة جنيف 1954-1957: شاركت فيها 27 دولة.

–  جولة ديلون 1960-1961: في جنيف، وبلغ عدد الدول المشاركة فيها 27دولة.

الفترة الثانية: 1972-1989:

تشمل هذه الفترة في سياقها الزمني جولتين من المفاوضات التجارية المتعددة الأطراف، وهي تبدأ مع نهاية أعمال الجولة الخامسة، وتستمر حتى نهاية الجولة السابعة إلى ما قبل جولة أورجواي التاريخية.

– جولة كنيدي 1964-1967: عقدت هذه الجولة بجنيف بدعوى من الرئيس الأمريكي السابق “جون كينيدي” عام 1962، في رسالة عرضها على الكونغرس والتي تقدم على إثرها منح الرئيس الأمريكي سلطة إجراء المفاوضات التجارية لتوسيع نطاق التجارة عن طريق منحة صلاحية خفض التعريفات الجمركية بمقدار 50% على جميع السلع.

– جولة طوكيو 1973-1979: لقد شاركت في هذه الجولة 102 دولة وكان الموضوع الأساسي الذي تناولته هذه الجولة هو القيود الغير الجمركية، حيث لوحظ أنَّه على الرغم من أنَّ الرسوم الجمركية بدأت في الإنخفاض على السلع المصنعة، إلا أنَّ القيود الغير جمركية بدأت في التزايد، مما تسبب في إلغاء بعض المزايا التي تحققت من التخفيض الذي تم في الرسوم الجمركية، إلى جانب موضوع القيود الغير الكمية، فإنَّ جولة طوكيو قد تناولت أيضا، موضوع تخفيض الرسوم الجمركية، وهو القاسم المشترك في جميع الجولات.

الفترة الثالثة: 1979-1993: في هذه الفترة شهدت أعمال الجولة الثامنة والأخيرة قبل نشوء منظمة التجارة العالمية،و هي جولة لأورجواي، ويمكن تقسيمها إلى مرحلتين:

– جولة أورجواي 1991-1976: تعد جولة الأورجواي الجولة الثامنة من جولات الجات، إلا أنَّها كانت أكثر الجولات تعقيداً وتأزماً، وقد تأخرت أربع سنوات حيث كان من المقرر أن تنطلق في 1982 ولكنها لم تبدأ إلا في 20 سبتمبر 1986، وتعد هذه الجولة أكثر طموحاً وأوسع نطاقاً، من سابقاتها نظراً لامتدادها لقطاعات جديدة لم تكن مشمولة في جولات المحادثات السابقة، وقد جاءت هذه الدورة في ظروف اقتصادية حاسمة كما أنها سعت لرسم معالم القرن الواحد والعشرين، وكان الهدف من هذه الجولة تحقيق بعض الأهداف الأساسية التالية: 

1 –  تخفيض القيود الغير جمركية.

2 – تحرير تجارة الخدمات بالإضافة إلى التجارة السلعية.

3 – تخفيض القيود على الواردات من المنتجات الزراعية.

ولقد تعرضت موضوعات تجارة الخدمات والزراعة والملكية الفكرية لمناقشات حادة، خاصة موضوع حماية الملكية الفكرية، حيث أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية قد نجحت في إدراج هذا الموضوع في المناقشات على مستوى الجات  – GATT، وذلك لأنها المتضرر الرئيسي من غياب أي تنظيم دولي لحقوق الملكية الفكرية. ومن ناحية أخرى، فإنَّ تخفيض القيود على الواردات من المنتجات الزراعية كانت غاية في الصعوبة، لأنَّ أغلب دول العالم تستخدم العديد من السياسات ودعم القطاع الزراعي بها، سواء كان ذلك في صورة دعم سعري، أو دعم للتصدير، أو حصص كمية على الواردات… الأمر الذي تسبب في تشوه هيكل أسعار تلك المنتجات، ولقد كان الإتحاد الأوروبي من أشد المعارضين لأي إلغاء للقيود على الواردات من المنتجات الزراعية، أو إلغاء الدعم المقدم للمنتجين الزراعيين، وهكذا انتهت الأربع سنوات الأولى من جولة الأورجواي 1990-1987 دون التوصل إلى اتفاق يتعلق بالتجارة الخارجية.

– جولة أورجواي الثانية 1994-1991: لقد بدأت المفاوضات مرة أخرى بغرض الوصول إلى حل وسط بين الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية والإتحاد الأوروبي من ناحية أخرى، حول دعم المنتجات الزراعية، ولقد انتقدت الولايات المتحدة الأمريكية ذلك بتأييد من أعضاء الجات بعض البرامج الأوروبية التي تساند المنتجين الزراعيين، وفي نفس الوقت تؤثر سلبا على التجارة الدولية بصفة عامة وتجارة الولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة، ولقد هددت الولايات المتحدة الأمريكية بفرض رسوم جمركية قدرها 20% على إيراداتها من الإتحاد الأوروبي في حدود ما قيمة 300مليون دولار.  

و لقد ساعد هذا التهديد على استئناف المفاوضات مرة أخرى في مجال الزراعة، ولقد تم الإتفاق حول نقطة الخلاف السابقة، حيث تعهد الإتحاد الأوروبي بتخفيض لدعم البذور الزراعية بنسبة 37% من القيمة، و 21% من الكمية، و ذلك خلال 7 سنوات.

و في عام 1993 عقد وزراء التجارة لكل من الإتحاد الأوروبي و كذا اليابان و أمريكا اجتماعا تم الاتفاق فيه على دراسة كل المشاكل المعلقة  في جولة أورجواي I، وقد تم بالفعل حل هذه المشكلات ليتم توقيع الاتفاق النهائي في مراكش في المغرب في أفريل عام 1994.

أبرز نتائج جولة أورجواي الثانية:

1 – قيام منظمة التجارة العالمية كمؤسسة دولية تشرف على تطبيق اتفاقيات الجات، وتضع الأسس للتعاون بينها وبين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بهدف تنسيق السياسات التجارية والمالية والإقتصادية للدول الأعضاء.

2- تحسين ودعم المنظومة القانونية بشأن الإجراءات المعيقة للتجارة.

3- المزيد من التفصيل والوضوح في الأحكام في القواعد والإجراءات المرتبطة بتحرير التجارة سواء في الاتفاقية الرئيسية، أو الاتفاقيات الفرعية، وخصوصا بالنسبة للمشاكل التي كانت غامضة ومثيرة للتأويلات العديدة وإساءة الاستخدام في السابق.

4- إيجاد نظام متكامل لتسوية المنازعات التجارية، وإقامة آلية (نظام) لمواجهة السياسات التجارية للدول الأعضاء.

5- تعزيز خطوات تحرير التجارة من خلال المزيد من تخفيض الرسوم الجمركية وإزالة الحواجز غير الجمركية عليها، وتوسيع نطاق الجات ليشتمل تحرير السلع الزراعية والمنتوجات والملابس، وتجارة الخدمات، والجوانب التجارية المتعلقة بالاستثمار وحقوق الملكية الفكرية.

6- التأكيد على التزام دول العالم المتقدمة بالمعاملة التفضيلية للدول النامية، بصفة عامة والأقل نمواً على وجه الخصوص.

7- ألزمت نتائج جولة أورجواي الدول الصناعية المتقدمة بتقديم العون المالي والفني إلى الدول النامية، لتمكينها من الإستجابة للمتطلبات الإدارية والفنية، بغرض الوفاء بالتزاماتها إزاء تطبيق الإتفاقية الجديدة.

8- إعطاء الفرصة للدول النامية والأقل نمواً المزيد من المشاركة في النظام التجاري العالمي الجديد، وذلك من خلال الوزن المتساوي لأصوات الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، بغض النظر عن أوزانهم التجارية والإقتصادية بصورة عامة.

ثالثا: مبدأ تحديد قواعد السلوك في المعاملات التجارية.

وينطوي تحت هذا المبدأ مجموعة من المبادئ الفرعية أهمها :

1- مبدأ الإلتزام بتجنب الإغراق:

نصت المادة 6 من إتفاقية الجات على إلزام الأطراف المتعاقدة في الجات بعدم تصدير منتجات بأسعار أقل من سعرها الطبيعي في دولهم، وإذا كان ذلك يؤدي إلى الإضرار بمصالح المنتجين المحليين في الدول المتعاقدة المستوردة.ويسير في ركاب هذا المبدأ، مبدأ أخر نصت عليه المادة 16 من إتفاقية الجات،حيث تلزم الأطراف المتعاقدة بعدم دعم الصادرات وخصوصا الصادرات المصنعة، حتى لايؤدي ذلك إلى الأضرار بطرف أخر متعاقد سواء كان مستوردا أو مصدرا.
وقد أعطت الإتفاقية الحق للدول التي تتعرض لأغراق أو صادرات مدعومة، أن تفرض رسوما إضافية ضد الأغراق أو أن تفرض رسوما مضادة للدعم بحسب الأحوال. إلا أن الأتفاقية ألزمت الطرف المتضرر من الدعم أو الأغراق باللجوء إلى الجات لتفصل النزاع.

2- مبدأ الشفافية:

ومعناه أن يتم الأعتماد على التعريفة الجمركية إذا دعت الضرورة إلى تقييد التجارة الدولية والبعد عن القيود غبر التعريفية أي القيود الكمية، يرجع السبب في تفضيل القيود السعرية على القيود الكمية إلا أن الأولى تكون مدرجة بجداول إلتزامات كل دولة وبالتالي فهي معروفة للجميع ويسهل تحديد آثارها على التجارة الدولية. أما القيود الكمية لايمكن التعرف على الآثار المترتبة على فرضها وعلى مقدار الحماية للمنتج المحلي الناجم عن فرضها.
وقد منحت إتفاقية الجات عدة إستثناءات من هذا المبدأ تتمثل في:

أ‌- تقييد الصادرات بصيفة مؤقتة لحين التخلص من عجز مزمن في إحدى المنتجات الغذائية أي منتج ضروري.
ب‌- ضبط إستراد الأنتاج الزراعي والأسماك، في حالة وجود عجز أو فائض في الإنتاج المحلي.
ج- الحد من الإستيراد لعلاج إختلال توازن ميزان المدفوعات.
وفي جميع الأحوال فإنه لايجب لأي طرف من أطراف التعاقد أن يفرض قيود جديدة أو يزيد في مستوى القيود الموجودة دون إبلاغ باقي أطراف التعاقد بذلك، فإذا تعارضت هذه القيود مع أحكام إتفاقية الجات، وجب عليه تعديل السياسات التقييدية بما يتلاءم وأحكام تلك الإتفاقية وإلاجاز للدول المتضررة إتخاذ إجراءات إنتقامية.

3- مبدأ المفاوضات :

تنتهج الجات أسلوب المفاوضات كسبيل لتحرير التجارة الدولية وتسوية المنازعات وتعديل الإتفاقية، وذلك لكونها لاتملك سلطة لإلزام الدول الأعضاء على تنفيد الإتفاقية، وتستهدف المفاوضات زيادة الأطراف المتعاقدة والقضاء على ظاهرة الثنائية في التجارة الدولية عملا بقاعدة “تعدد الأطراف المتعاقدة”.
وتنص المادة 22 من إتفاقية الجات على أن يتم تسوية المنازعات بين الأطراف المتعاقدة بإحدى الوسائل التالية:
بالتشاورأو التوفيق أو التحكيم كما أجازت للطرف المتضرر أن يلجأ إلى السلطات المختصة لوقف إلتزماته، في حالة فشل الوسائل السابقة.
تلك هي المبادئ الحاكمة لنظام التجارة الدولية في إطار الجات، وأن المتأمل في هذه المبادئ يستطيع أن يلمس أنها صيغت بطريقة تناسب ظروف الدول المتقدمة، ولا تلائم ظروف الدول التي مازالت في طورالنمو.حتى أنه يمكن القول أن الجات تمت لتلائم مصالح الإقتصاديات المتقدمة والمتمكنة في تجارة السلع الصناعية بل أن هذه المبادئ لاتجد طريقها إلى التطبيق إلا عندما تكون بصدد تجارة مكملة أو مهددة لإنماط التجارة الجارية فيما بين الدول الصناعية عبر الأطلنطي وكأن هناك قانونا غير مكتوب يوجهها.
وللتدليل على عدم ملائمة تلك المبادئ لظروف الدول المتخلفة نسوق الأمثلة الآتية:
1- إن مفهوم التبادلية أنه إذا عرضت الدولة (أ) تخفيض رسوم الضرائب الجمركية على وارداتها من سلعة معينة من الدولة (ب) بنسبة 50 بالمئة مثلا، فإن هذا التخفيض يكون مشروط بالحصول على تخفيض مماثل على صادراتها من سلعة أخرى لنفس الدولة، وذلك حتى تتعادل المزايا التي تحصل عليها البلاد المتفاوضة. إلا أنه يمكن القول أن هذا التعادل لايتحقق إذا كانت الدولتان طرفا التبادل متباينتين في المستوى الإقتصادي ودرجة التقدم والنمو لعدة أسباب منها :
أ‌- تعتمد الدول المتخلفة على تصدير المواد الأولية، بينما تعتمد الدول المتقدمة على تصدير المنتجات الصناعية وعادة ماتميل معدلات التبادل الدولي في غير صالح الدول المتخلفة المصدرة للمواد الأولية، وبالتالي فإن العائد المترتب على تخفيض الضرائب الجمركية على صادراتها من المواد الأولية لايتعادل مع العائد المترتب على تخفيض الضرائب الجمركية على صادرات الدول المتقدمة.
ب‌- كما تتكون معظم واردات الدول المتخلفة من سلع ضرورية ( سواء كانت سلع غذائية أو إنتاجية أو وسطية ). وبالتالي فإن مرونة الطلب السعرية عليها تتميز بالإنخفاض الأمر الذي يؤدي إلى إنخفاض حصيلة الضرائب الجمركية ومن ثم يؤدي إلى تعثر برامج التنمية الإقتصادية .
ج- بالإضافة إلى أن هيكل الضرائب الجمركية في الدول النامية يعتبر مرتفع نسبيا لإعتمادها عليها في حماية الإنتاج المحلي . وبالتالي فإنه وإن تساوت نسب التخفيض المتبادلة إلا أن التخفيض المطلق في الضرائب الجمركية الذي تقدمه الدول النامية يكون أكبر من مثيله المقدم من الدول المتخلفة.
د- ناهيك أن زوال الحماية التي توفرها الضرائب الجمركية للإنتاج المحلي تعرض إنتاجها للمنافسة الدولية.
2- كما أن مبدأ تحرير التجارة الدولية وإلغاء القيود الكمية يتعارض مع إستراتيجية التنمية الإقتصادية التي كانت سائدة في الستينات والمعرفة بإسم إستراتيجية الأحلال محل الواردات وهذه الإستراتيجية أهم دعائها هو تقييد التجارة الخارجية .
وعلى ذلك فإن الدول المتخلفة قد نظرت إلى الجات كنادي للأغنياء، كما أن دول المنظومة الإشتراكية لم تعبأ بإنشاء الجات حيث أن سياستها تقوم على التقييد الشديد للتجارة الخارجية، والإعتماد على الأساليب الكمية.ولهذا إفتقرت الجات منذ إنشائها إلى الصفة العالمية . وقد إنصرفت الدول المتخلفة إلى إنشاء منظمة أخرى كبديل للجات تتلائم وظروف التنمية ولهذا نشأ مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية(UNCTAD) عام 1964 بهدف تنظيم التجارة الدولية على أسس تختلف عن الأسس التي قامت عليها الجات لتعكس مطالب الدول المتخلفة .
وتأسيسا على ماتقدم شكلت لجنة هابرلرHABERLER للنظر في مطالب تلك الدول وبناء على توصيات تلك اللجنة،أضيف الجزء الرابع إلى إتفاقية الجات، والذي يقرر مساعدة الدول النامية على تنويع صادراتها وزيادة حصيلتها والخروج على مبدأ المساواة في المعاملة من خلال النظام المعمم للتفضيلات ،وإعفاء الدول النامية من مبدا التبادلية على النحو السالف ذكره.
ويرى البعض أن مبادئ إتفاقية الجات بعد إضافة الجزء الرابع أصبحت تلائم ظروف الدول النامية،إلا أننا نسارع إلى التنبيه إلى أن الإتفاقية مصاغة في شكل إلتزامات قانونية يتعين على الأعضاء الإنصياع لأحكامها، في حين أن صياغة الجزء الرابع غير ملزمة.

المبحث الثاني: أهم جولات الجات

إن المفاوضات هي إحدى المبادئ التي ترتكز عليها الجات ، وإعتمادا على هذا المبدأ فقد جرت (08) ثمان جولات من المفاوضات في إطار الإتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة منذ عام 1947 إلى 1993، أي خلال 46 عاما بمتوسط جولة كل 6 سنوات تقريبا.
إن إنعقاد هذه الجولات كان يتم بترتيب من الدول الصناعية المتقدمة،ولتحقيق مصالح بعينها على النحو التالي:
حاولت الدول الصناعية المتقدمة وبصفة خاصة الولايات المتحدة ، دفع إتفاقية الجات لزيادة دورها في تحرير التجارة الدولية بما يخدم مصالحها، وتحقيقا لهذا الهذف فقد أجرت تلك الدول مفاوضات مع الأطراف المتعاقدة خلال ثمان جولات.
تركز الخمس جولات الأولى على تحرير التجارة الدولية من القيود الجمركية وقد حققت بالفعل تقدما كبيرا لإزالة الكثير من القيود الجمركية التي تعترض حركة التبادل الدولي بينما ركزت الجولات الثلاثة الأخيرة بالإضافة إلى ذلك –على القيود غير الجمركية، كما أضيف في الجولة الأخيرة السلع الزراعية والمنسوجات والملابس، والخدمات وحقوق الملكية الفكرية، وتدابير الإستثمار المتعلقة بالتجارة وإنشاء منظمة التجارة العالمية

1- جولة جنيف 1947

أصرت الولايات المتحدة على عقد هذه الجولة وكان ذلك أحد الأسباب الرئيسية وراء عقدها، ذلك أن الولايات المتحدة كانت راغبة في إستمرار تحرير التجارة الخارجية بإعتبارها من الدعائم الرئيسية لإعادة بناء أوروبا الغربية.
هذا وقد أجتمعت الدول الموقعة على إتفاقية الجات 1947. وعددها 23 دولة في جنيف لبحث التعريفة الجمركية، وتم الإتفاق على تقديم تنازلات جمركية في حوالي 45 بندا جمركيا. تمثل نحو نصف التجارة الدولية في ذلك الوقت وتغطي معاملات تجارية تقدر بنحو 10 مليار دولار على أساس أسعار ماقبل الحرب العالمية الثانية.

Advertisement

ويلاحظ أن الدول الأوروبية كانت تعاني من عجز في موازين مدفوعاتها، وبالتالي أخضعت تجارتها الخارجية لنظام الحصص لحماية إنتاجها المحلي لرأب هذا العجز أي أنها لم تلتزم بتنفيذ مبدأ المعاملة بالمثل، أي أن هذه الجولة جاء مخاضها تحقيقا لرغبة الولايات المتحدة، وماصادفته من نجاح في تخفيض التعريفات جاء بتدبير منها، وأن دول أوروبا عندما لمست أن تحرر التجارة في غير صالحها قدمته قربانا لحماية إنتاجها المحلي بغية إصلاح عجز موازين مدفوعاتها.

2- جولة آنسي

إجتمع ممثلي 13 دولة في مدينة آنسى الفرنسية وذلك في عام 1949 وتم الإتفاق على تخفيض التعريفة الجمركية على خمسة آلاف بندا جمركيا وقد سارت مفاوضات آنسي” كمفاوضات جنيف” على قاعدة المورد الرئيسي للسلعة،والتي تقضي بأن يقتصر طلب الدولة للمعاملة التفضيلية على المنتجات التي تعتبر الدولة المصدرة الرئيسية لها في الأسواق العالمية، إلا أن أعمال شرط الدولة الأولى بالرعاية يؤدي إلى إنسحاب المعاملة التفضيلية على منتجات الدول الأخرى إنسحابا ذاتيا.

3- جولة إنجليترا:

تمت تنازلات متبادلة بين ممثلي 38 دولة، وتقدر التخفيضات الجمركية بنحو ثمانية وخمسين ألف بندا جمركيا منها ثمانية آلاف وسبعمائة بند تم تخفيض تعريفاتها الجمركية بنحو 25 بالمئة من قيمة التعريفات المتفق عليها عام 1947 وكان هدف هذه الجولة حصول الدول الأطراف على مزيد من المعاملة التفضيلية.

4- جولة جنيف:

عقدت هذه الجولة عام 1956 وحضرتها ممثلي 26 دولة، وتبادلوا تنازلات في التعريفات الجمركية تغطي ماقيمته 2.5 مليار دولار من التجارة الدولية وكان من نتائج الإتفاقية المبرمة في آنسى وتروكواي وجنيف تخفيض الرسوم الجمركية وتثبيت الفئات المنخفضة لفترة طويلة، كماأن تطبيق المعاملة التفضيلية ساعدت على تنشيط التبادل التجاري الدولي.

5- جولة ديلون:

عقدت هذه الجولة في جنيف واستغرقت عامين 1960/1961 وقد دعى إلى عقد هذه الجولة وكيل وزارة الخارجية الأمريكية “دوجلاس ديلون” لذا سميت الجولة بإسمه ، ولم تسهتدف هذه الدورة –كالدورات السابقة- سوى تنازلات متبادلة في التعريفة الجمركية بنسبة 20 بالمئة على مجموعة من المنتجات الصناعية تقدر بنحو أربعة آلاف وأربعمائة ألف بندا جمركيا تمثل معاملات تجارية دولية تقدر بنحو أربعة آلاف مليار وتسعمائة ألف دولار.
وفي هذه الجولة تم إقرار مبدأ التعويضات للدول التي أضيرت من إنشاء المجموعة الأوروبية كما تم التوصل إلى ترتيب المنسوجات القطنية قصيرة الأجل في هذه الدورة الذي تم تطويره في جولة كيندي إلى ترتيب طويل الأجل والواقع أن النجاح الذي حققته الجات عام 1964 يعتبر محدودا لعدة أسباب من أهمها:

أ‌- أن الطريقة التي يتم بها مناقشة التنازلات المتبادلة في التعريفات الجمركية كانت تتم بإنتهاج أسلوب بند مقابل بند، وهذه الطريقة شاقة للغاية،كما واجه هذا المنهاج معارضة سياسية من الدول التي تتسم تعريفاتها الجمركية بالإنخفاض النسبي تأسيسا على أن إستخدام هذا النهج في التفاوض يجعلها في مركز أسوء نسبيا من الدول التي تتسم تعريفاتها الجمركية بالإرتفاع . وعلى ذلك تقدمت أحد عشرة دولة في مارس 1951 بمذكرة لإجراء مفاوضات لبحث مشكلة التفاوت في التعريفات الجمركية وقد تم إعداد خطة لتخفيض التعريفات الجمركية عام 1953.
ب‌-وعلى الرغم من التوصل إلى خطة مناسبة لخفض التعريفات الجمركية مؤادها أن يكون الحد الأعلى للتعريفات الجمركية لايزيد عن 5 بالمئة بالنسبة للمواد الخام الصناعية، وعن 15 بالمئة للمنتجات النصف المصنعة، وعن 30 بالمئة للمنتجات تامة الصنع و27 بالمئة للمنتجات الزراعية ، إلا أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أفشلتا هذه الخطة، فالولايات المتحدة أدعت عدم حصولها على تفويض من الكونجرس للتوقيع على هذه الخطة، في حين آثرت المملكة المتحدة تطوير أسواق دول الكومنولث على هذه الإتفاقية.
ج- بينما أتجهت الدول الأوروبية إلى تحرير التجارة البينية فيما بينهم فتم تكوين المجموعة الإقتصادية الأوروبية عام 1956 ومنظمة التجارة الحرة عام 1959، وكانت هذه التنظيمات أول خروج على قاعدة عدم التمييز، إستغلالا لنص المادة 24 من إتفاقية الجات ولاشك أن عملية تحرير التجارة التي تمت على أساس إقليمي تحد من جدوى التحرير متعدد الأطراف الذي تم في إطار الجات في الجولات السابقة.
وهكذا نرى مرة أخرى أن الدعوة إلى تحرير التجارة ليست دعوة مذهبية أو عقائدية وإنما هي دعوة مصلحية، فحينما رأت الدول الصناعية المتقدمة أن أكبر تعديل للتعريفات سيكون مفروضا على السلع الصناعية التي تنتجها رفضت التوقيع على خطة خفض التعريفات.

المصادر والمراجع:

عبد الواحد العفوري, العولمة و الجات-الفرص و التحديات, مكتبة مدبولي , القاهرة, 2000.

بن عيسى شافية، أثار و تحديات الانضمام  للمنظمة العالمية للتجارة على القطاع المصرفي الجزائري، قسم علوم التسيير، جامعة الجزائر، 2011.

علاء كمال، الجات و نهب الجنوب – الجات الأهداف والمبادئ، الحوار المتمدن ، العدد 379، 2003.

سمير محمد عبد العزيز، التجارة العالمية والجات، ط2، مكتبة الاشعاع للطباعةوالنشر والتوزيع، الاسكندرية، 1992.

محمد سيد عابد، التجارة الدولية، مكتبة ومطبعة الإشعاع الفنية، جامعة الإسكندرية 2001.

نبيل حشاد، الجات والمنظمة العالمية للتجارة، النسر الذهبي للطباعة، القاهرة، 1996.

المصدر: الموسوعة السياسية

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى