دخلت شعوب العالم في عشرية جديدة بعد وداعها لسنة 2019 لتنطلق بذلك بثبات نحو مستقبل تلوح في أفقه العديد من المتغيرات التي ممكن أن تطبع العشرية المقبلة مع بداية سنة 2020 و تشكل بالنتيجة تغيير جوهري في نمط الحياة اليومية و الإقتصاد العالمي. فالعالم يشهد اليوم تجديدا متواصلا و متزايدا في شتي المجالات و القطاعات خاصة في مجال الإقتصاد الرقمي الذي أصبح يراهن بشكل مباشر علي تكنولوجيات الإتصال و المعلومات. أيضا يعتبر الإقتصاد الأخضر العمود الفقري للتنمية المستدامة و يصنف ضمن سمات الحداثة الإقتصادية للعشرية الماضية بحيث ممكن أن تتضاعف البحوث و التطوير و التجديد في صلبه و ذلك من أجل تحقيق توازن حقيقي يضمن الإنتاجية و الثروة الوطنية المطلوبة و الحفاظ علي بيئة سليمة خالية من سموم الغازات. إن الطاقات التقليدية التي إستغلتها البشرية في المراحل الأولي من الثورة الصناعية و ذلك من أجل تشغيل الآلات و المحركات مثل السيارات, الطائرات و القطارات خاصة منها طاقة النفط الخام و مشتقاته و الغاز و الطاقة النووية تسببت اليوم بكارثة بيئية حقيقية, مما أدت بالنتيجة إلي إنخرام طبقة الأزون و تلويث أديم الأرض و إنتشار الكوارث الطبيعية من فيضانات و زلازل و إحتباس حراري و تغيير مناخي شامل. أما في المقابل فالطاقات المتجددة صديقة البيئة تعتبر اليوم البديل الرئيسي لتلك الطاقات التقليدية الملوثة. كما أنها لها نفس النتائج التشغيلية و ذلك بأقل الكوارث و التكاليف و من أهم تلك الطاقات نذكر بالأساس توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية و من الرياح و إنتاج الوقود الحيوي من زيوت نبتات مثل الذرة و عباد الشمس و الجاتروفا أو أيضا الإعتماد علي التكنولوجيا النظيفة و التي تعد بدورها حدث الساعة بحيث ممكن أن ترسم سمات الصناعة التكنولوجية المستقبلية.
توليد الكهرباء من الطبيعة
تعتبر الطبيعة مصدر رئيسي لإنتاج طاقة بكميات كبيرة و قوة ناجعة و فعالة و أيضا بأقل التكاليف الممكنة بحيث أصبحت أغلب دول العالم تراهن عليها كبديل جدي عن إنتاج الكهرباء من إستعمال المحروقات و الخزانات الكبري. فالطبيعة لها إيجابيات كبري و تساهم في الحفاظ علي بيئة نظيفة خالية من إنبعاثات الغازات السامة منها نذكر بالأساس طاقة الرياح و التي تتوفر بشكل مستمر علي مدى فترة طويلة تتجاوز ستة أشهر من السنة و التي قادرة بدورها علي تخزين كميات كبري من تلك الطاقة. أيضا منها الطاقة الشمسية خاصة في القارة الإفريقية و أمريكا اللاتينية و بعض البلدان الآسيوية بحيث تشكل بدورها قاعدة إنتاج كبري بأقل التكاليف المادية و ذلك عبر نشر تلك اللوحات المولدة لتلك الطاقة ثم تخزينها و تحويلها للإستهلاك الكهربائي. إذ في هذا الصدد إنتشرت مؤخرا بشكل رهيب و غريب العديد من الشركات الأوروبية خاصة في دول جنوب المتوسط مثل مصر و تونس و بدأت بالفعل في نشر و تشغيل تلك اللوحات الشمسية و إنتاج كهرباء طبيعية ثم توجيهها نحو دول شمال المتوسط لتصبح بذلك دول الإتحاد الأوروبي من أبرز المستهلكين للكهرباء الطبيعية. أما التوربينات الهوائية لإنتاج الكهرباء من الرياح فهي أصبحت أيضا أصبحت منتشرة بشكل ملحوظ علي أغلب تلال الجبال في شتي دول العالم. إجمالا تعتبر تلك الطاقة الكهربائية الأفضل حاليا من أجل تخفيف عبء النفقات العمومية المخصصة لشراء المحروقات خاصة في الدول غير نفطية و ذلك من أجل إنتاج طاقة الكهرباء.
الوقود الحيوي – البيوديزال
الوقود الحيوي المستخرج من الزيوت النباتية يعد اليوم من أبرز الطاقات المتجددة الصاعدة خاصة بالدول الناشئة بحيث أصبح له تأثير مباشر علي المستهلك و أيضا علي الإستهلاك العام نظرا لرخص تكاليف الإنتاج و أسعار التزود به. فتلك الطاقة المعروفة بالبيوديزال أصبحت قادرة بدورها علي تشغيل جميع المحركات و الآلات الصناعية بشكل ثابت و مستمر و لها نفس القدرات التشغيلية تقريبا مقارنة مع بقية إستغلال طاقات المحروقات. إذ من أبرز الزيوت التي يتم إستخراج منها تلك الطاقة نذكر بالأساس الذرة, عباد الشمس و الأهم من كل ذلك هي نبتة الجاتروفا و المشابهة كثيرا لزيوت شجرة الزيتون من جانب الإنتاجية. فتلك الزيوت يقع تكريرها و معالجتها في المخابر لتنتج بالنتيجة كميات كبري من الوقود الحيوي المعروف بالبيوديزال أو الوقود الأخضر. كما أن أغلب محطات تزويد السيارات بالبنزين أصبحت توزع ذلك النوع من الوقود بشكل ملحوظ خاصة في الدول المتقدمة.
التكنولوجيا النظيفة
إن التكنولوجيا أصبحت واقعا ملموسا في حياتنا اليومية و تعتبر هذه العشرية المقبلة عشرية تكنولوجيا بإمتياز نظرا لتزايد إنتشار التقنيات و الإبتكارات المخصصة في الصناعة و ذلك بالتحديد في قطاع صنع السيارات و التجهيزات المنزلية و التي أصبحت في مجملها تعتمد بشكل كبير علي الإلكترونيات و الإنترنت في أبسط الجزئيات. فالتكنولوجيا النظيفة تعتبر رهان المستقبل قصد تقليص نسبة إنبعاثات الغازات السامة من محروقات النفط و الغاز و التي تتسبب مباشرة في كوارث كبري علي البيئة و خاصة منها تلويث الهواء بالمدن . كما أنها أضحت اليوم المساهم الرئيسي في تحفيز التنمية المستدامة نظرا لدورها الهام من أجل تحقيق التوازن بين الصناعة و البيئة. فعلي سبيل المثال نذكر سيارات التسلا و التي إنتشرت بشكل سريع خلال الآونة الأخيرة لتبرز بذلك في محطات التزويد بطاريات الشحن لتلك النوعية من السيارات و التي تشابه كثيرا في تصميمها جهاز الهاتف الجوال. كذلك تعتبر تلك التكنولوجيا سهلة من جانب الإستعمال و ذات تأثير فعال و تحقق أهدافها بجودة عالية و دقة فعالة.
إن الطاقات المتجددة تعتبر الرهان المستقبلي من أجل تحقيق تنمية مستدامة تراعي بين الإنتاجية بكميات مطلوبة و ثابتة و تساهم بتطوير الصناعة و التكنولوجيا و تحافظ علي بيئة سليمة خالية من السموم. كذلك تعتبر في هذا الصدد الكهرباء الطبيعية المستخرجة من طاقة الرياح و من الطاقة الشمسية ذات تأثير إيجابي مباشر علي الإقتصاديات الوطنية لأغلب دول العالم بحيث تساهم في تقليص العجز في الميزانية و تحد من تراكم المديونية و ترفع من نسب النمو الإقتصادي و بالنتيجة تحافظ علي البيئة و قادرة بدورها علي تحقيق التنمية المستدامة المنشودة. كما أن الوقود الحيوي يعد مؤخرا الحدث البارز عالميا في صلب الإقتصاد الأخضر و المعروف بالبيوديزال المستخرج من زيوت النباتات خاصة منها نبتة الجاتروفا أو أيضا من الفاضلات المنزلية خاصة منها بقايا الخضروات و المواد البلاستيكية.
فؤاد الصباغ – كاتب تونسي و باحث اقتصادي دولي.