العداء والعنف والتعصب العرقي

تأليف : إيان لوو – ترجمة: عاطف معتمد، كرم عباس، عادل عبد الحميد

ملتقى الباحثيين السياسيين العرب

يضم العرض التالي أهم الأفكار التي جاءت في الفصل السادس من كتاب “العنصرية والتعصب العرقي” الصادر عن المركز القومي للترجمة

يعمل هذا الفصل على بيان البيئات المختلفة التي تدعم العداء العنصري وتشجع على العنف المصاحب له. وليس هذا أمرًا سهلاً بطبيعة الحال. فتلك البيئات متداخلة إلى حد بعيد. مثلها مثل دوافع العنف العنصري التي لا يمكن ردها جميعًا إلى نمط واحد. ولذلك ركز الفصل على تصنيف الأنماط المختلفة لدوافع العنصرية والعنف المصاحب لها. ويحاول الفصل التركيز على الاستراتيجيات والآليات المستخدمة لمحاولة الحد من العنصرية في أوروبا، مع بيان أنه رغم ضخامة تلك المحاولات والجهد المبذول فيها إلا أنه ما زالت هناك حاجة ملحة لمزيد من الجهد لأجل القضاء على تلك الظاهرة. كما يتوقف الفصل بشكل خاص عند ظاهرتي “معاداة السامية” و”رهاب الإسلام” المعروفة “بالإسلاموفوبيا”، مبينًا قصور التعامل الحكومي الرسمي تجاه هاتين الظاهرتين.

لقد تم تخصيص جزء كبير من هذا الكتاب لتناول الخبرات المريرة والقهر والعنف الذي تواجهه الأقليات الإثنية والعرقية في دول الهيمنة عبر العالم. ويمثل هذا الفصل نظرة أقرب لثلاثة أبعاد لتلك المسألة:

أولاً: يتناول الفصل استمرار أنماط العنف العنصري في قلب أوروبا الغربية، وهو ما يضع مفاهيم الحداثة والتقدم والتنوير الحضاري محل تساؤل يفضي إلى الشك. فلماذا يستمر العنف العنصري في أوروبا؟ وكيف يمكن التوصل إلى تفسير كاف لتلك الممارسات؟ وكيف يمكن تحديد دوافع العنف العنصري بشكل عام؟ وكما يتضمن الفصل الأخير فإن مشروع وسم العنصرية الأوربية بالإقليمية هو أقرب ما يكون لعملية تحليلية تهدف إلى “أقطعة Provincialising” أوروبا في عصر ما بعد الاستعمار (Chakrabatary 2000). فما أوروبا إلا إحدى المناطق التي يُمارس فيها العنف العنصري.

ثانيًا: ما الدليل على طبيعة ونطاق العداء العنصري والعنف المصاحب له في أوروبا؟ ويلقي الفصل الضوء على العداء والعنف ضد الغجر، وضد اليهود، وضد المسلمين، بالإضافة إلى العنصرية والعنف ضد السود. وهي أشكال سائدة للعنف العنصري في أوروبا. ويتصدى الفصل لتحديد الأزمات العنصرية الأوربية في مواجهة موجات العنف العنصري.

ثالثًا: ما الذي يجب عمله؟ وما أسباب عدم فعالية ردود فعل الدول في مواجهة تلك الظاهرة؟ يحاول هذا الفصل استكشاف وتوضيح الاستراتيجيات والأطر والمبادرات العالمية والأوروبية – وخاصة البريطانية – الهادفة إلى الحد من مستويات تلك الممارسات من العداء والوحشية والترهيب.

وقد اتخذت صور العداء العرقي والتمييز العنصري والإقصاء أشكالاً عديدة. ويمكن التعرف على ثلاثة أشكال رئيسة بهذا الخصوص، وهي:

أولاً: العداءات الحادة التي تتضمن عداءات مجتمعية واسعة النطاق مثل ما حدث في أمريكا الشمالية وجنوب أفريقيا وأستراليا من إبادة للسكان الأصليين. وتشمل تلك الفئة أيضًا ما حدث في “الهولوكوست” النازي، أو العبودية المزرعية، والمذابح التي تعرضت لها قبائل التوتسي على يد قبائل الهوتو في  رواندا، أو ما حدث من عمليات تطهير عرقي وإبادة لألبان كوسوفو على يد الصرب.

ثانيًا: الإقصاء الإثني والتمييز الذي يؤدي إلى الحرمان من الحصول على فرص مجتمعية مثل فرص التعليم والصحة والإسكان والتوظيف والأجور والعدالة. وقد تم توثيق العديد من نماذج تلك الممارسات الإقصائية والتمييز العرقي في أوروبا بواسطة الوكالة الأوروبية للحقوق الأساسية “FRA”. وقد تأثرت جماعات غجر الروما والسنتى و”جماعات الرُحَّل” بشكل حاد بهذه الممارسات. وتعاني تلك الجماعات من تدني مستويات الرعاية الصحية والنفسية والجسدية. وتعاني أيضًا من تدني الفرص المجتمعية مثل فرص التعليم والتوظيف وتدني مستويات الدخل. وقد ساهم ذلك كله في تدني الظروف الاجتماعية وتقلص فرص المشاركة السياسية لتلك الجماعات. وسوف يتم التوقف عند ذلك بشكل أكثر تفصيلاً في الفصل القادم.

ثالثًا: يمثل الشكل الثالث شكلاً أخف وطأة من أشكال العداء الإثني والتمييز العنصري. ويتمثل في استخدام العنف اللفظي أو الإساءة بأشكال أخرى من الوسائط غير اللغة، مثل الرسوم الكاريكاتورية الدنمركية المسيئة للإسلام. ويشمل هذا الشكل أيضًا أشياء أخرى مثل النكات العنصرية أو استخدام شارات وشعارات النازية أو غيرها من عبارات التحقير أو حتى التنميط غير المقصود الذي يوحي بالعداء الإثني أو التمييز العنصري.

هناك أشكال متنوعة من العداءات العنصرية التي تُمارس على نطاق واسع في المملكة المتحدة البريطانية والاتحاد الأوروبي. وتشكل تلك العداءات مصدرًا دائمًا للتوتر والصراع. وتشمل: معاداة الغجر، ورهاب الإسلام (إسلاموفوبيا)، والعنصرية ضد السود، ومعاداة السامية. وعلى الرغم من التطورات البارزة التي شهدتها السياسات والإجراءات التي تقوم بها العديد من المؤسسات والمنظمات إلا أنها قد فشلت في أن تؤدى إلى أي تغير جوهري أو حقيقي. فلا زالت الكارثة العنصرية موجودة ومتضخمة. وبالرغم من تزايد الفهم للظاهرة وتوافر الدليل على طبيعة ونطاق العنف العنصري إلا أن ذلك لم ينجح في المساعدة في التوصل إلى تغييرات جذرية في هذا السياق، والمملكة المتحدة مثال واضح على ذلك.

وتتعدد أسباب الصراعات بين الإثنيات والثقافات المختلفة في بريطانيا ما بين ثقافية وسياسية واقتصادية. وتتضمن رفض فكرة الاختلاف والتنوع (مثل معارضة استخدام لغات الأقليات في المدارس على سبيل المثال). وتشمل أيضًا الصراع القانوني على الأراضي التي تعيش عليها جماعات الغجر والرُحَّل. وكذلك النزاع على فرص اجتماعية أخرى مثل الإسكان والتعليم وغيرهما. واستمر العداء، واستمرت الكراهية، وتزايدت الشكاوى والمظالم من اللاجئين وطالبي اللجوء والجماعات المهاجرة في العديد من السياقات الوطنية.

إن استمرار التجاهل الثقافي وغياب التواصل وعدم الاعتراف بضرورة الاختلاف – وهي ظواهر تتكرر بشكل يومي- يؤدي في النهاية إلى خلق سلوك عدواني يؤثر على مفاهيم الكرامة الإنسانية وضرورة الاحترام المتبادل. ويؤدي ذلك في النهاية إلى أشكال مختلفة من موجات الصراع العنيف. (Law, 2008).

التفسيرات والدوافع

كيف يمكن لنا أن ندرس ونفسر نماذج العنف العنصري؟ يسعى هذا القسم للإجابة على هذا التساؤل من خلال، أولا: بلورة تفسير متعدد المستويات للعوامل المسببة للعنف العنصري. ثانيا: تحديد الجوانب الأساسية في السياقات والبيئات التي نعيش بها والتي تجعل من فرص العنف أكثر احتمالية. ثالثا: تحديد الدوافع المختلفة وراء الأفعال الفردية.

التفسيرات.

تتطلب تفسيرات العنف العنصري اعتبارات وتقديرات قادرة على أن تنسحب على العمليات النفسية الدقيقة، وعلى خبرات الفرد والجماعة، وكذلك على التنافسية والتنشئة الاجتماعية، بالإضافة للعلاقات البنيوية للسلطة. فالعنصرية تبلورها وحدة من العناصر المختلفة.

العناصر الستة الرئيسية للعنصرية:

1– أهمية السمات والخصائص العرقية التي تحدد الجماعة.

2- إسناد خصائص بيولوجية أو ثقافية سلبية لمثل هذه الجماعة.

3- تعين قيود وحدود لهذه الجماعة من أجل تحديد الإقصاء أو الدمج.

4- التنوع في الشكل، فربما يكون النمط أو النموذج من العنصرية نموذجا لنظرية متماسكة نسبيا أو أنه يمثل تجمعًا فضفاضًا من الصور والتفسيرات.

5- كفايتها العملية، أو قدرتها على النجاح في أن تضيف على العالم معنى خاص لمن يؤمنون بها.

6- ما يتحقق من متع مثل الشعور بالسمو المتخيل، والتدعيم الوهمي لهوية الجماعة على أساس هش من الكراهية التعسفية.

وتؤكد الكفاءة العملية للعنصرية وقدرتها على الجذب الشعوري للعديد من الأشخاص على أن التوجهات والممارسات الهادفة لمقاومة تلك التصرفات والحد منها سوف تلاقي مقاومة عنيفة. ففي الرواية العنصرية المسماة “نهاية الشرق East End”، تبدو الجدة متسقة مع نفسها حين تخشى على أبنائها وأحفادها من تهديد المهاجرين الجدد فيما يتعلق بالمزاحمة على سبل الرزق والسكن والتعليم وغيرها. ورغم أن منطقها ربما يكون خطئًا من الناحية الموضوعية، إلا أن محاولة تغيير تلك الأساطير المتخيلة بتقديم حقائق بديلة عن آليات سوق العمل أو سوق الإسكان تبدو مستحيلة. وبناءً على ذلك، فإن التصرفات السيئة التي قد يقوم بها أحفادها تجاه الأقليات الإثنية أو المهاجرين ستبدو منطقية تمامًا بالنسبة لها. ويمكن القول أنه في مثل هذه العائلة فإن أعمال العنف أو الإساءة اللفظية تجاه المهاجرين لن تبدو متوقعة فحسب، بل ستكون مستحسنة أيضًا ويتم التشجيع والإثابة عليها

وتتخذ العنصرية أشكالا عدة تشتمل على العنف الجمعي، والتطهير العرقي، والإبادة الجماعية، وأشكال الإقصاء المبنية على التمييز العنصري، واستغلال الضعفاء، فضلاً عن صور شتى للانتهاك اللفظي والجسدي والرمزي. وقد أجريت دراسة على خمس عشرة دولة أوروبية تشمل أدلة على وجود أعمال عنف عنصري بها. وذلك للتوصل إلى تفسيرات للعداء العرقي. واقترحت الدراسة إطارًا لفهم آليات ذلك العداء. وخلصت الدراسة (FRA2005:187-93) إلى:

1- ما وراء التفسيرات Meta explanations: والتي تستمد الأدلة من سلسلة من الدراسات التي تتبنى أي من النظريات السائدة (مثل نظرية التنافس في تفسير الجريمة العنصرية). وتعتمد على تلك النظريات في تفسير ظواهر العنف العنصري.

2- تفسيرات سياقية Contextual: وتهتم بمحاولة القراءة السياقية المحلية لظاهرة تفشى العنف العنصري بين مجموعات بشرية بعينها في ظروف وبيئات محددة.

3- التفسيرات النفسية الاجتماعية “الصغرى” والتي تُعنى بتفسير الأسباب الكامنة وراء ارتكاب العنف العنصري الفردي.

وقد زودنا الاقتصاد الدولي وعمليات التطور السياسي والاجتماعي بمجموعة من العوامل المهمة في تحديد النماذج المحلية للعنف العنصري رغم أن تلك العوامل خارج سيطرة السلطات المحلية والتجمعات المدنية. وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى موجات من الكراهية الدولية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، وأحداث السابع من يوليو في لندن، والحرب على الإرهاب، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وغيرها من الصراعات المسلحة في العالم والتي خلفت وراءها الآلاف من المشردين واللاجئين وطالبي اللجوء. وتعكس هذه الأحداث التوترات المحلية والإقليمية والإحساس بالخطر وانعدام الأمن.

وأيضًا، فإن إعادة الهيكلة الاقتصادية العالمية والتي تؤثر في تدهور الاقتصاديات المحلية وما ينتج عنه من تضاؤل فرص العمل وتسريح الموظفين وغيرها، تؤدي إلى زيادة الشعور بعدم الأمان الاقتصادي وما يصاحب ذلك من صراعات. ومع ذلك لا يمكن القول بأن هناك علاقة واضحة أو مباشرة بين معدلات البطالة والأنشطة الاقتصادية من جانب، ومعدلات العنف العنصري من جانب آخر.

وتعد الموروثات الثقافية لأشكال العنصرية ذات البعد القومي من الأهمية الكبيرة بمكان في هذا السياق، حيث تعمل تلك الموروثات على الإمداد المستمر بذخيرة من الأشكال العدائية العنصرية تجاه أعراق أخرى. وتجعل تلك الموروثات من القسوة أو الوحشية أو العنف الممارس ضد عدة جماعات شيئا شرعيا. وتبرز العنصرية القديمة في الإمبراطورية البريطانية السابقة وما صاحبها من الهيمنة الاستعمارية والإحساس بالتفوق العنصري الإنجليزي كمثال على ذلك. ويتزامن الحديث عن انهيار الإمبراطورية البريطانية مع انتشار سرديات إهمال السلطات العامة مما يعمق الشعور بالغضب والامتعاض لدى المواطنين البيض الفقراء. ويضاف إلى ذلك ممارسات اليمين المتطرف الذي يسعى لاستدعاء النظرة الاسترجاعية للصلات التاريخية من أجل تنشيط العداء المعاصر.

ومن الصعب جدًا تفسير الأنماط المحلية للعداء العنصري. ونشير هنا على سبيل المثال إلى مدينة “ليدز Leeds” إحدى مدن شمال إنجلترا. فقد اعتمد مجلس المدينة بداية ما يعرف بـ “سياسة التحرش العنصري” عام 1986م. وتشير الدلائل المستقاة من السنوات المبكرة للعمل بهذه السياسة إلى وجود نماذج متقطعة من العنف العنصري تم الإبلاغ عنها في العديد من العقارات والمناطق الداخلية والخارجية عن حدود المدينة. تلك الأنماط من العنصرية كانت عصية على التفسير في ضوء النظريات التي تعول على مفاهيم المنافسة والتنافس على الأراضي وحداثة التحركات السكانية وأنشطة جماعات اليمين المتطرف. وبعد مرور عشرين عامًا على العمل بهذه السياسة فان المستويات الحالية لتقارير حوادث العداء العنصري في مدينة ليدز الانجليزية تقدر مابين 4000 و5000 حادثة عبر المدينة سنويًا مما يشير إلى استمرار هذا العنف، وكذلك انتشاره على المستوى الجغرافي وما يترتب على ذلك من دلالات. وقد زادت تقارير هذه الحوادث كثيرا خلال الفترة الأخيرة. ويؤكد هذا على التطور الذي شهدته التقارير العامة في هذا السياق، وعلى زيادة وعى الموظفين والمسئولين المعنيين بتسجيل ممارسات حوادث العنف العنصري. وتمثل الحوادث التي يتم تسجيلها عددًا بسيطًا مقارنة بالمستويات الحقيقية لحوادث العداء العنصري التي قد تصل معدلاتها إلى حوالي 10000 حادثة سنويًا في مدينة ليدز وحدها (Hemmerman et al ,2007).

وهناك دلائل متزايدة على وجود العنف العنصري في المناطق الريفية والحضرية على حد سواء. وهذا يوضح أن هذا النمط من السلوك ليس قاصرًا على المناطق الفقيرة داخل المدن فحسب. وربما تكون النزاعات المحلية، والهويات المحلية، والشبكات غير الرسمية، عوامل ذات صلة تؤثر في معدلات التعرض للعنف العنصري في مختلف المناطق. وأيضًا، العوامل التي تدعم من الروابط العائلية، والتي تشمل انخفاض الفرص الاقتصادية والعزلة عن الشبكات الاجتماعية خارج المنطقة، يمكنها أن تدعم من العداء تجاه المخاطر والتهديدات الخارجية، وكذلك تجاه الوافدين. أما الجماعات القوية فهي جماعات إقصائية في الأصل.

العداء العنصري والاضطهاد العرقي في شمال إنجلترا.

ظهر عدد من الدراسات نتيجة لقلق بعض الهيئات الحكومية إزاء تزايد موجات العداء العنصري والعنف المصاحب له في المناطق الفقيرة بمدينة “ليدز” الإنجليزية، فضلاً عن إدراك أنه لمواجهة تلك الظاهرة فإن هناك حاجة ملحة لما يلي:

أولا: فهم أفضل لكيفية انتشار وآليات عمل العداء العنصري.

ثانيا: ردود فعل أكثر ايجابية وفعالية للتصدي لهذه المشكلة المزمنة.

ثالثا: ضرورة العمل الميداني مع الضحايا والسكان وكذلك موظفي الوكالة المهتمة بهذا الشأن. وقد تم ذلك عن طريق مجموعة من الباحثين العاملين بمركز الدراسات الإثنية والعرقية بجامعة ليدز خلال الفترة ما بين يناير ويونيو من عام 2007، وتم التوصل للأتي:

-لقد تبين أن العداء العرقي والعنف العنصري قد تزايدا في “ليدز” رغم التحسن الملموس في مستويات التسجيل والتطوير في سياسات وممارسات الهيئات المعنية، والتي تشمل السلطة المحلية والشرطة.

-إن التعامل مع الأفراد من خلال دعم ضحايا العنف العنصري أو اتخاذ إجراءات ضد مرتكبي هذا العنف، لم يغير شيئًا في أنماط العنف متسعة الانتشار داخل المجتمع.

-حدد ضحايا العنف العنصري أشكالاً من العداء واسعة النطاق تجمع بين العداء الصريح العلني (خاصة من جانب الأطفال والشباب) وصولاً إلى الأشكال الكامنة من العداء الذي يتمثل في الأحاديث العنصرية لكبار السن، وكذلك الممارسات الترويعية من جانب اليمين المتطرف. وعلى الجانب الآخر، أكدوا أن هناك بعض التفاعلات الإيجابية مع الأفراد في المنطقة المحلية.

-تشمل قاطرة العداء العنصري العديد من الأمثلة، أهمها ازدراء أصحاب البشرة البيضاء لأصحاب البشرة السوداء والأقليات الأخرى. بالإضافة إلى المعاملة التفضيلية أو غير العادلة بين البيض والسود. وازدياد إدراك ذلك التفضيل أو التمييز في التعاملات، والذي يؤثر في قدرة عائلات الأقليات الإثنية في الحصول على مسكن اجتماعي مناسب، وتتملكهم الغيرة من أسلوب الحياة والممتلكات. كما تفرض الشبكات المحلية والعائلية القوية أشكالاً من المطاردة والتعقب لعائلات الأقليات، مما يرفع من درجة العداء الموجه إلى تلك الأسر. وهو الأمر الذي من شأنه تدعيم وتعزيز أجواء التخويف والفقر والتهجير وعدم التمكين، وما يترتب على ذلك من إحساس بالعار والغضب، في وجه هذا العداء الإثني والعنف العنصري.

– استحوذت الجماعات الآسيوية والعائلات الأفريقية على النصيب الأكبر من عدم الترحيب والكراهية في مدينة “ليدز”. فقد لوحظ أنهم من أهم المستهدفين بالعداء والعنف العنصري.

-أكد الضحايا أن فشل الهيئات المختصة في الإتيان بردود فعل قوية وضعف تنفيذ السياسات هو السبب الرئيس في اتساع نطاق العنف العنصري.

-أكدت الهيئات المحلية على ضعف مستويات الخدمات التي تقدم للضحايا، وكذلك ضعف آليات ووسائل سياسة مجابهة العداء العنصري مع وجود رغبة قوية لعمل أكثر فعالية مع الجماعات المحلية.

إن معرفة قصص الحياة الفردية، والسير الذاتية، والانفعالات، والعلاقات الأساسية ربما تمكننا من إلقاء الضوء على نماذج هامة مسئولة عن أحداث العداء العنصري في الجماعات الكبرى داخل المجتمع (David Gadd et al, 2005: 9). وقد كشف فحص عينة تتكون من القصص الحياتية لخمسة عشر مرتكب جريمة عن: نماذج قاسية، وانحرافات مؤقتة، وعناصر مادية وعاطفية مصاحبة أو مشكلة لهذا السلوك الإجرامي، وعنف محلي، وأمراض عقلية، وتأثير سلبي لتعاطي المخدرات والكحوليات. وكل هذه العناصر تؤدي إلى سلوك العنف العنصري (David Gadd et al, 2005: 9).

وتوصف مجموعة المجرمين الصغار بأنهم (المشتبه بهم المعتادين). وهم أولئك الذين يتكرر القبض عليهم من قِبل رجال الشرطة. وهم في الغالب شباب فقراء، ومهمشين اجتماعيًا، ومحطمين، وقابلين للاختراق. ولديهم الاستعداد الداخلي للسلوك العنيف. ولا يزال هناك سؤال مطروح عما إذا كان هذا الوصف ينطبق على كل المسئولين عن الآلاف من أحداث العنف والعداء العنصري التي تحدث سنويًا.

البيئات:

هناك الكثير من الدوافع والأسباب المعقدة والمتداخلة التي تؤدي إلى العنف العنصري. وحتى تتم معرفة تلك الأسباب والدوافع التي تؤدي إلى العنف العنصري أو حتى قبوله واستحسانه، لابد من معرفة البيئات المتداخلة التي تدعم من هذا العنف، وهي:

البيئة الافتراضية: وتشمل مواقع وشبكات الانترنت وما لها من تأثير واضح في الحث على العنف العنصري.

البيئة الدولية: وهي تلك التي تشمل الأحداث والصراعات. ومنها الصراعات العرقية والإثنية، إضافة إلى الأعمال الإرهابية. وتزيد من الشعور بالخوف وعدم الأمان داخل الوطن. وتمثل بدورها أحد أسباب تبرير العنف العنصري.

البيئة الوطنية: وتشمل الرسائل السياسية والإعلامية حول موضوعات الهجرة والعنصرية والإثنية. والتي تساهم في تشكيل العداء العنصري.

البيئة الاقتصادية: وتشمل أنماط البطالة وتدني مستويات الدخول والتدهور الاقتصادي وانعدام الفرص الاقتصادية الجديدة.

البيئة التعليمية: وتشمل العوامل التي تجعل من العداء العنصري أمرًا مستحسنًا. وتلك العوامل مثل أنماط الإخفاق والإقصاء والاستبعاد والاضطهاد العنصري ونقص التركيز على المدارس. فضلاً عن الفشل في مقاومة العنصرية من خلال محتويات المناهج الدراسية والقيم والسلوكيات التعليمية.

البيئة الطبيعية: وتشمل خصائص وسمات المناطق المحلية التي تجعل من العنف أكثر جاذبية للجناة، مثل العزلة الجغرافية والافتقار إلى المراقبة التقليدية وضعف الإضاءة ونقص وسائل الترفيه وغيرها.

البيئة الأسرية: وتشمل أنماط التنشئة الاجتماعية التي قد تضفي الشرعية على العداء والعنف العنصري عبر الأجيال. ويتم تمثلها في توجهات الكبار أو الصغار، والرجال أو النساء. فضلاً عن الأحاديث والنقاشات العائلية التي قد تشجع على العنصرية بدرجات متفاوتة.

البيئة المحلية: وتشمل العناصر المجتمعية والجماعية، مثل محاولة تحقيق التوازن بين داعمي ومعارضي العنف العنصري. وطبيعة ومستوى التداخل الاجتماعي بين السلالات والأعراق.

بيئة الشباب والراشدين: وتشمل الثقافات الفرعية النشطة والقيم والعادات لدى مجموعة متجانسة ومتشابهة في نفس الظروف. والتي من شأنها أن تدعم وتعزز من درجات العنف العنصري.

الجماعات ذات التوجه الأيديولوجي: مثل جماعات اليمين المتطرف التي تشجع على العنف العنصري.

البيئة الإجرامية: وهي البيئة التي يمكن أن توفر عن قصد أو دون قصد تلك الأدوات من المعرفة اللازمة وكذلك الدوافع والضغط المشترك وغيرها من العوامل التي تدعم من العنف العنصري.

وتأخذ الجماعات والأفراد قرارات محددة تشجع على العنف العنصري داخل تلك البيئات التي تقدم أنماطًا متعددة من الدوافع المختلفة. ويعد كلٌ من صيرورة التبرير للعنف العنصري، وكذلك التغير في الجماعات المستهدفة، عاملان حاسمان في جعل مفهوم العنصرية أكثر ديناميكية. فالدوافع تتغير وتطور نماذج جديدة من العنف.

الدوافع:

إن الكراهية العنصرية هي نتاج لمجموعة متداخلة من الدوافع التي يصعب الفصل بينها في البيئات الواقعية (Law 2007). ونسعى في هذا الجزء إلى تفعيل الدليل التاريخي والعالمي لنموذج “مايكل مان Michael Mann 2005”. وهو النموذج الذي ركز على دوافع الجناة وعلاقتها بالعنف العنصري والإثني. ويوضح النموذج كذلك قابلية تطبيق تلك الدوافع في كافة السياقات المحلية.

لقد قدم العمل الاجتماعي الرائع لـ “مايكل مان” نموذج عالمي لمصادر وعمليات القوة الاجتماعية (الجزء الأول 1986- الجزء الثاني 1993- والجزء الثالث في طريقه للنشر). وفي عام 2005 طبق “مايكل مان” هذا النموذج لتفسير عمليات التطهير العرقي. ويمكن استخلاص سبع مجموعات من العوامل المحفزة التي عند تطبيقها على العداء العنصري سوف تنتج تصنيفًا للدوافع كما يلي:

تصنيف دوافع العداء العنصري:

  • أيديولوجي: لأن ذلك يتلاءم مع نظرتنا للعالم.
  • متعصب: لأننا نكرههم.
  • انفعالي: لأن ذلك ممتع.
  • الجريمة المادية: لأننا نريد الحصول على شيء ما.
  • السياسة الإقليمية: لأنه مكاننا.
  • مفاهيم الجماعات الاجتماعية: لأننا جميعًا نعتقد أن ذلك صواب.
  • العسكرية/ البيروقراطية/ النظامية: لأننا أُخبرنا بذلك.

الدوافع الأيديولوجية.

وتشمل أولئك الذين لديهم الاستعداد للمخاطرة والتعرض للموت أو الأذى الشديد اقتناعًا ودفاعًا عن قيمهم الخاصة. وفي هذا الخصوص غالبًا ما يحتج الجاني معتبرًا فعله شكلاً من أشكال الدفاع عن النفس. وهو ما وصفه “ماكس فيبر” بفعل القيمة العقلانية Value-rational action (1987: I, 25). وفي دراسة حديثة حول دوافع مرتكبي جرائم العنف العنصري، راجعت “سارة إيزال Sarah Isal 2005” الافتراضات الشائعة التي ترى أن تلك الحوادث تنفذها “جماعات الكراهية”. واقترحت بدلاً من ذلك سلسلة متصلة من الدوافع السياسية التي تكمن وراء تلك الجرائم، والتي يمكن ترتيبها بدءً من نشاطات اليمين المتطرف وحتى نزاعات الجيرة.

وهنا فإن دراسة “روجر وهويت” تسعى إلى إبراز الاختلافات بين الجماعات المتورطة في العداء العنصري. فهناك بعض القادة البالغين الذين لهم منطلق أيديولوجي ومسئولين عن توجيه بعض الشباب وحثهم على العداء العنصري. وتسعى الدراسة إلى التمييز بين تلك الجماعات وبين المتعصبين.

دوافع التعصب:

يرفض المتعصبون تغيير أفكارهم وقيمهم ويتمسكون بها بشدة. وليس ذلك من منطق السعي نحو أهداف سياسية أو أيديولوجية بل إن أحكامهم في حقيقة الأمر هي أحكام شائعة على المستوى الشعبي، استمدوها من سياقاتهم الاجتماعية المباشرة أو ما يعارضها. وقد وجدت دراسة (Gadd et al 2005) التي أُجريت على خمسة عشر جاني من الضالعين في أفعال الكراهية العنصرية في شمال “ستانفوردشاير” أن غالبية مرتكبي حوادث الكراهية العنصرية ليسوا من المتعصبين العرقيين بشكل صارخ. فقد وجدت الدراسة أن هؤلاء الجناة تجمعهم وجهات نظر متشابهة حيال ما يسود مجتمعهم. وأفعالهم العنصرية مبررة في وجهة نظرهم. وقد يرون أنهم مجبرون على تلك الأفعال. فيسقطون إحباطاتهم بطرق مخيفة على الأقليات. وهنا يمكن تحديد العنف العنصري لدى البيض في سياق الحديث الواسع عن الظلم وغياب العدالة.

دوافع العنف الانفعالي:

كما أشرنا سابقًا فإن التعبير عن العنصرية ربما يجلب شعورًا مجانيًا بالتفوق والسمو. وربما تؤدي مشاعر الزهو والسعادة والمتعة إلى زيادة حدة العداء العنصري، خاصة عندما يسبقها الشعور بالإهانة أو القلق الانفعالي. فهناك عوامل كثيرة تدعم من العنصرية، ومنها مشاعر الحقد والاحتقار التي يشعر بها أولئك الذين يعيشون في أوساط هشة وغير آمنة اجتماعيًا واقتصاديًا، فضلاً عن شعور الفرد بالفشل وبأن فرص الآخرين أفضل كثيرًا من فرصه. “Ray and Smith, 2004”. ويمثل العنف العنصري تفريغ لمشاعر القلق والتوتر لدى هؤلاء.

وترى دراسة “Gadd et al, 2005” أن المهاجرين والأقليات الإثنية يمثلون تذكيرًا مزعجًا للمحليين من البيض بأنهم يعجزون عن تأمين حياة كريمة ملائمة لهم ولأسرهم. فضلاً عن أن المخدرات والكحوليات وغيرها من وسائل فقدان الوعي، تلعب دورًا هامًا في التعبير عن العنصرية الانفعالية. وقد أشارت العديد من الدراسات بأن تلك الأشياء تعد من أهم العناصر المدعمة للعنف العنصري “Bowling and Philips 2002: 117”.

دوافع الجريمة المادية:

يتمثل أحد دوافع جرائم العداء العنصري في تحقيق مكاسب أو فائدة مباشرة من وراء تلك الجرائم التي تشمل السرقة أو الاستيلاء على الممتلكات الشخصية للأفراد أو حماية استمرار الأنشطة الإجرامية من المراقبة والأمن الخارجي.

وهناك عوامل عديدة من الممكن أن تؤدي إلى هجمات استباقية وأفعال مناهضة ضد الوافدين الذين يُنظر إليهم على أنهم غير مستحقين لحماية شبكة الأمن المحلي. ومن تلك العوامل الشبكات المحلية غير الرسمية التي تلعب دورًا هامًا في العدالة غير الرسمية، ومدى فاعلية السيطرة غير الرسمية والأمن غير الرسمي على الجريمة، وكذلك الوقاية الدفاعية من الأغراب، وحماية النشاط الإجرامي من خلال تفعيل القواعد المحلية الموثوق فيها، إضافة إلى غياب التعاون مع سلطات الدولة.

دوافع السياسات الإقليمية:

إن الانتماء والولاء للشوارع والبيوت والأحياء والوطن وما يشكله ذلك من هوية اجتماعية وسياسية، من الممكن أن يمثل أداة هامة تعزز من العداء والكراهية العنصرية. فيحفز ذلك الولاء العائلات وجماعات الشباب للدفاع عن “مكانهم” ضد هؤلاء “الغزاة” المحتملين.

وعلى سبيل المثال، أكد تقرير المجلس المحلي عن المناطق التي تمت دراستها في ليدز على الآتي:

’’لقد أكد الدليل التجريبي بشكل قاطع بأن هناك مناطق يحظر فيها التواجد للسود والأقليات الإثنية والتي يطلق عليها “No – go Area“. وذلك بسبب المضايقات التي تتعرض لها تلك العائلات. وقد أقرت كل المؤسسات الرقابية بذلك‘‘ “Hemmerman et al 2007: 7“.

فضلاً عن ذلك، فإن تدني المشاركة أو انعدامها في أي من أشكال الأنشطة التعاونية ذات الأهداف المشتركة (مثل الجمعيات، والأنشطة الشبابية والرياضية)، إضافة إلى تدني مستوى العلاقات الشخصية بين الجماعات (مثل الصداقة، والشراكة، وشبكات الجيرة)، يؤديان إلى تدعيم أشكال العداء العنصري والاضطهاد الإثني والتمييز العرقي على المستويات غير الرسمية.

دوافع تخضع لمعايير الجماعة الاجتماعية:

قد تكون الجماعات هنا جماعات غير رسمية (مثل جماعات الأصدقاء والعصابات وشبكة القرابة)، وقد تكون جماعات أكثر رسمية تتوقع تدعيمًا لسلوك العداء العنصري. وتهدد بوقف الحماية والدعم وغيرهما ما لم يتحقق ذلك التوقع. وهناك دراسة حديثة قام بها كل من “جيوف دنش Geoff Dench”، و”كيت جافرون Kate Gavron”، و”مايكل يونج Michael Young” عام 2006م، وقد أوضحت هذه الدراسة أن هناك روابط أساسية بين كراهية البيض للمهاجرين في شرق لندن وبين قوة الروابط العائلية والولاء المحلي في تلك المنطقة. وأكدت الدراسة أن هذا النوع من العنصرية هي النمط الاجتماعي الذي يعبر عن أعلى المستويات من العداء العنصري. وذلك لأن تلك العنصرية لها معنى اجتماعي بالنسبة لهم. وأشار “روجر هويت Roger Hewitt 1996: 57” أن تأثير شبكة القرابة في العداء العنصري أقل أهمية من تأثير ثقافات وسلوك جماعات الأصدقاء. فالشباب لهم ثقافتهم الخاصة المحركة للعداء العنصري اللفظي والفعلي. ويجب معالجة تلك الثقافة بشكل مباشر. ولذلك، فإن ثقافات الشباب والثقافات الفرعية يمكن أن تنتج أشكالاً من العداء العنصري تتجاوز بشكل كبير توجهات وأفعال العائلة أو شبكة القرابة أو حتى تعارضها.

دوافع القوة العسكرية أو النظامية أو البيروقراطية:

ربما تجد السلطات المنظمة الشرعية توافقًا وانسجامًا مع العداء العنصري والتطهير العرقي والإبادة الجماعية في بعض المجتمعات الحديثة. وقد تصبح تلك الممارسات مألوفة وممنجهة، وتظل مجهولة الفاعل. وقوات الشرطة والجيش وكذلك بعض المنظمات المسلحة هي الوكالات والمؤسسات الأساسية الفاعلة في هذا السياق. وقد لعبت تلك القوى أدوراً فادحة في الأمثلة الأسوأ على مر التاريخ، مثل التطهير العرقي والإبادة الجماعية في كل من الهولوكوست النازي ورواندا. “Mann 2005 (راجع الفصل الرابع فيما يتعلق بهذا الخصوص).

وقد تبدو أنماط الدوافع السابقة كلها جامدة وثابتة عند نقطة الفعل العنيف “Mann 2005: 29”. ومع ذلك فهي تلعب دورًا هامًا في تفكيك وتوضيح بعض الأشكال المعقدة لدوافع العنف العنصري.    وتبدو تلك الدوافع هامة أيضًا في تحديد العناصر المتداخلة التي ربما تساعدنا في مواجهة العداء العنصري والعنف المصاحب له خاصة في بعض السياقات المحلية الخاصة. وحتى نتمكن من فهم العداء العنصري فإننا في حاجة لان نفهم طبيعة التداخل بين العوامل التفسيرية الأساسية له، وأن نفهم أيضًا الصياغات المختلفة للسياقات والدوافع في السير الذاتية الفردية وفي المجتمعات المحلية، إضافة إلى نقاط الضغط وأسباب اندلاع الأحداث والوقائع.

الدليل:

سجلت جرائم العنصرية وجرائم معاداة السامية، وكذلك جرائم اليمين المتشدد زيادة ملحوظة في أوروبا (FRA 2008 a). وكانت تلك الزيادة ملحوظة في إحدى عشرة دولة تم جمع بيانات كافية منها لدراسة معدلات الجرائم فيها في الفترة من عام 2000 إلى عام 2006م في دول: الدنمرك، وألمانيا، وفرنسا، وأيرلندا، والنمسا، وسلوفاكيا، وفنلندا، وبريطانيا. وكانت الحال شبيهة في الفترة من 2005 إلى 2006 في دول: ألمانيا، أيرلندا، النمسا، سلوفاكيا، فنلندا، السويد، بريطانيا. وفي الفترة من 2001 إلى 2006 تزايدت معدلات الجرائم ضد السامية في دول فرنسا، والسويد، وبريطانيا. إضافة إلى الارتفاع العام في معدلات الجرائم التي تتم بدافع من اليمين المتشدد في كل من فرنسا وألمانيا في الفترة من 2000 إلى 2006م.

وبسبب ضعف الأجهزة الحكومية فيما يتعلق بمراقبة وتوثيق أحداث العنف العنصري، فإن المنظمات غير الحكومية قد لعبت دورًا محوريًا في إبراز الأدلة على تلك الجرائم. وقد أكدت تلك المنظمات على ثلاثة توجهات أساسية في هذا السياق، وهي:

أولاً: تزايد الهجمات ضد المسلمين والأهداف الإسلامية.

ثانياً: تزايد جرائم العنف العنصري ضد الجماعات الضعيفة من المهاجرين الجدد، وهم المهاجرين غير المنظمين وطالبي اللجوء واللاجئين.

ثالثًا: استمرار العنف والانتهاكات المعادية لجماعات غجر الروما. وتشمل تلك الانتهاكات ما يتم من جانب مسئولين في الدولة مثل الشرطة خاصة في وسط وجنوب أوروبا. وسوف نسوق مثالاً حديثًا على هذا العنف الممارس ضد جماعات الروما ونوضح بعض العوامل الهامة فيه فيما يلي:

التهجير الجماعي لغجر الروما من معسكراتهم ومنازلهم في المنطقة المحلية بسبب تكرار حوادث إطلاق النار والهجوم والضرب الذي يمارس من مجموعة تتراوح أعدادهم من 300 إلى 400 شخص.

قوة الدعم الشعبي لمثل هذا العنف:

فشل المنظمات المسئولة عن الأمن والعدالة في الرد بحزم على تلك الأفعال. فالجهد الأساسي لتلك المنظمات ينصب على نقل وتجميع العائلات المتضررة في معسكرات أكثر اتساعًا وأمنًا، فضلاً عن أنها تعمل على تسهيل نقلهم خارج منطقة نابولي.

تعقيد وتشابك الدوافع المؤدية لهذا العنف وتشمل الجريمة المادية إضافة للعوامل السياسية والإقليمية.

معاداة السامية Anti-Semitism

يقصد بمعاداة السامية معاداة الفكر اليهودي، وهي أيضًا تلك التوجهات والأفعال المتعصبة ضد اليهود، واستهداف من ينتمي إلى الديانة أو الثقافة اليهودية “FRA, 2004: 227”.

وقد مثلت نهاية الحرب العالمية الثانية حجر الأساس في التحول التاريخي نحو معارضة معاداة السامية في أوروبا. وبالرغم من ذلك ظلت هناك توجهات معادية للسامية في العديد من الدول الأوربية وعلى رأسها ألمانيا والنمسا. وقد تم تعريف “المعاداة الثانوية للسامية” في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية بأنها أي شكل من أشكال معاداة السامية. وهو الأمر الذي يؤكد أن معاداة السامية أصبحت من المحرمات “FRA, 2004”. ويرتكز هذا الأمر على الصورة التقليدية القديمة عن القوة اليهودية وتأثيرها ونفوذها على الإعلام. ويعتبر هذا الأمر أيضًا رد فعل على استغلال مشاعر الشعور بالذنب بعد الحرب، واعتبار مصطلح “معاداة السامية” تعبيرا محرما في حد ذاته.

وهناك أمر يجب الإشارة له فيما يتعلق بمعاداة السامية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ويتمثل هذا الأمر في قيام دولة إسرائيل. وقد ناقشنا في الفصل السابق العنصرية ضد الفلسطينيين، والدور الهام الذي لعبته وتلعبه الصهيونية والحركة السياسية اليهودية العالمية في العنصرية ضد الفلسطينيين. وهي المنظمات التي أنشأت وطنًا قوميًا لليهود على أرض فلسطين. والتساؤل الهام هنا هو إلى أي مدى أدت حركات معاداة الصهيونية والنقد الذي تتعرض له السياسة الإسرائيلية إلى ظهور ما يسمي “المعاداة الجديدة للسامية” في أوروبا؟

وقد أكد أحدث تقرير عالمي عن “معاداة السامية” قام به معهد “ستيفن روث” عام 2008 على أن إسرائيل واحدة من أهم المصادر والنماذج التي تجسد الشر العالمي. وشمل التقرير مقارنة إسرائيل ومواطنيها والداعمين لها مع النازيين، خاصة في تعاملهم مع الفلسطينيين.

ولا يجب أن يفسر انتقاد إسرائيل على أنه “معاداة للسامية” أو “معاداة لليهودية”، ولكن هناك خطر كبير قد ينتج عن تضخم العداء تجاه إسرائيل وجعله عداءً طبيعيًا. ويتمثل هذا الخطر في أن تلك المعاداة قد تنسحب لاحقًا إلى اليهودية نفسها، وقد يصبح هذا شكلاً سائدًا ومقبولاً من معاداة السامية “Hirsh 2007”.

العنف المعادي للسامية في أوروبا وأمريكا الشمالية:

تزايد العنف ضد السامية عبر أجزاء عديدة في قارتي أوروبا وأمريكا الشمالية في عام 2007م، وتظل مستويات العنف المدفوعة بمعاداة السامية عالية تاريخيًا.

إنجلترا: أشارت البيانات الرسمية الصادرة عن الجمعية العامة إلى عام 2007 بأنه الأسوأ فيما يتعلق بعدد الاعتداءات العنيفة المسجلة رسميًا منذ بدء رصد تلك الاعتداءات عام 1984م؛ فقد تم تسجيل 114 حالة في هذا العام.

ألمانيا: أشارت الجمعية العامة للدفاع عن الدستور إلى أن هناك زيادة في معدلات جرائم عنف معاداة السامية التي يرتكبها متطرفون يمينيون بنسبة 37% ليرتفع عدد الحالات من 43 حالة في 2006 إلى 59 حالة في 2007.

كندا: رصدت مؤسسة بيناي بريث لحقوق الإنسان زيادة قدرها 11.4% في المعدلات بشكل عام من عام 2006 إلى عام 2007، مع بقاء مستويات العنف كما هي حيث رصدت 1042 حالة عام 2007، أي ما يعادل ضعف ما تم رصده في عام 2003 الذي شهد 584 حالة.

روسيا: ذكر مركز “صوفا SOVA” للتحليل والمعلومات أن حوادث العنف ضد اليهود ازدادت بشكل درامي عام 2007، حيث رصدت 9 جرائم ضد 13 شخص عام 2007.

أوكرانيا: رصدت منظمات غير حكومية زيادة في حوادث العنف ضد السامية في عام 2007، وشملت تلك الحوادث اعتداءات عنيفة على الأفراد والمعابد والنصب التذكارية والمؤسسات اليهودية.

وقد ذكر معهد “ستيفن روث” لدراسة العنصرية والمعاداة المعاصرة للسامية أن هناك زيادة قدرها 11.8% في معدل حوادث معاداة السامية في أوروبا، وأمريكا الشمالية، ودول الاتحاد السوفيتي السابق. فقد ارتفعت الحوادث من 510 حادثة في عام 2006 إلى 578 حادثة في عام 2007م. وقد شهدت تلك الحوادث استخدام الأسلحة والحرق والشروع في القتل. وزادت الهجمات الكبرى بمعدل أربعة أضعاف تقريبًا لتصل إلى 51 حالة في 2007 بعد أن كانت 17 حالة في 2006م.

ويرتبط ارتفاع مستويات العنف المعادي للسامية في الفترة من 2000 إلى 2005 م بالأوضاع في الشرق الأوسط، والتي مثلت مبررًا جديدًا لمن يميلون في الأساس لمعاداة السامية في أوروبا. وتغير الوضع تدريجيًا بداية من عام 2005 إلى حد ما. فقد تراجعت المعدلات الشهرية لأنماط العنف المعادي للسامية لتحل محلها معدلات ثابتة بشكل كبير. وظهرت شواهد عديدة تظهر ترابطًا أقل بين العنف المعادي للسامية والحوادث التي تكون إسرائيل طرفًا فيها مع دول الشرق الأوسط. ومع ذلك يظل الخطر قائمًا، حيث تظل مستويات العنف المعادي للسامية في تزايد سنويًا.

وقد ذكرت وكالة الحقوق الأساسية FRA أن هناك خمس دول فقط من دول الاتحاد الأوربي هي التي تجمع بيانات عن جرائم معاداة السامية. والخمس دول هي: النمسا وفرنسا وألمانيا والسويد وإنجلترا. وتؤكد البيانات على ارتفاع في معدلات جرائم معاداة السامية من عام 2001 إلى عام 2006م.

واستهدف العنف المعادي للسامية الأشخاص اليهود ورجال الدين وأماكن العبادة اليهودية ومراكز التجمع والمدارس. ومنذ عام 2005 تشير الإحصاءات الرسمية والإحصاءات الصادرة عن منظمات غير حكومية أن الاعتداءات الجسدية على الأفراد شكلت النسبة الأعلى من مجمل حوادث العنف المعادية للسامية. ويحدد المهاجمون ضحاياهم المستهدفين من خلال اللبس المميز أو المجوهرات أو ملامح الوجه. وبناء على ذلك أصبحت هناك ضغوط متزايدة على اليهود لإخفاء هويتهم. وإخفاء الهوية هو أمر مستحيل وغير مقبول عند كثير من اليهود، خاصة من يعتنقون الإيمان الأصولي.

ويمكن القول أن الفضل في انخفاض معدلات الهجمات على الممتلكات والمواقع اليهودية في دول مثل فرنسا وألمانيا وإنجلترا يعود في الأساس لمجهودات الحكومات المتعاقبة لتلك الدول. ورغبتهم الأكيدة في حماية الجماعات اليهودية وتعزيز الإجراءات الأمنية. ورغم ذلك فإن شعور اليهود بالحاجة إلى الأمن هو مؤشر قوي على عودة معاداة السامية في السنوات الأخيرة. وقد أكدت منظمة “حقوق الإنسان أولاً” على ما لا يقل عن أربعين اعتداء على المعابد اليهودية، وأكثر من ستين اعتداء على المقابر والنصب التذكارية للهولوكوست في أوروبا وأمريكا الشمالية في عام 2007 “Human Rights First 2008″، وفي ذلك يذهب تقرير منظمة حقوق الإنسان إلى ما يلي:

بتفسير التوجهات الحالية لمعاداة السامية لا يمكن اعتبار أحداث الشرق الأوسط سببًا ضمنيًا لها. فقد كان هناك تطور ملحوظ في جمع المعلومات عبر دول الاتحاد الأوربي ودول أخرى بواسطة عدد من الهيئات الرسمية وغير الرسمية والتي أكدت على هذا الأمر. وهناك عوامل ضمنية هامة مثل العوامل الاقتصادية والاجتماعية وعدم الشعور بالأمان، كلها تلعب دورًا في تحديد توجهات وأنماط معاداة السامية. فهناك ارتباط بين مستويات الجريمة بشكل عام ومستويات معاداة السامية. وأيضًا هناك ارتباط بين معاداة السامية وما يعرف بـ” رهاب الإسلام أو الإسلاموفوبيا”. وبناء على ذلك، فإنه رغم أن استهداف جماعات خاصة مثل اليهود يمكن ربطه بمبررات قوية وصيغ مشروعة فإن عوامل ثقافية ودافعية أعمق هي التي تسبب العداء العنصري الضمني ضد الجماعات الأخرى.

معاداة الإسلام Anti-Muslimism

تزايد الجدل حول العنصرية ضد الإسلام والعنف المصاحب لها بعد الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر. وجرت العادة على أن تسمى تلك العنصرية بـ “الإسلاموفوبيا Islamophobia أو رهاب الإسلام”. وقد نوقش هذا المصطلح بشكل واسع كغيره من المصطلحات التي تستخدم لوصف أشكال معينة من العنصرية. ونقطة البداية في الكثير من تلك النقاشات هو تعريف “رونيميد ترستRunnymede trust 1997 ” الذي يشتمل على ثمانية عناصر:

الإسلام أحادي الرؤية وجامد ولا يستجيب للتغيير

الإسلام دين متمحور حول ذاته، وليست هناك قيم مشتركة بينه وبين الثقافات الأخرى. فهو لا يتأثر بهم ولا يؤثر فيهم.

ينظر إلى الإسلام على أنه أدنى بالنسبة للغرب. فينظر إليه باعتباره دينا بربريا وغير عقلاني وبدائيا وجنسيا.

يُعتبر الإسلام دين عنيف وعدائي، ومصدر تهديد دائم. فهو داعم للإرهاب ومتورط في صدام الحضارات.

يُنظر إلى الإسلام باعتباره أيديولوجيا سياسية تهدف إلى تحقيق المصالح العسكرية أو السياسية.

الانتقادات التي يوجهها الإسلام للغرب مرفوضة ولا أساس لها من الصحة.

يستخدم العداء تجاه الإسلام لتبرير الممارسات التمييزية تجاه المسلمين واستبعادهم من المشهد الاجتماعي العام.

يعتبر العداء ضد الإسلام أمرا عاديا أو طبيعيا.

ويرتكز أحد الامتدادات الأساسية لهذا المفهوم على الخلط بين الخوف من الإسلام والهجوم عليه من ناحية، والخوف من المسلمين والهجوم عليهم من ناحية أخرى (وأيضًا الهجوم على البعض من غير المسلمين الذين أصبحوا ضحايا معاداة الإسلام مثل السيخ). ويمكن اعتبار “رهاب الإسلام” و”معاداة السامية” مصطلحين يعبران عما يعرف بالعنصرية ضد المسلمين واليهود، ولكنهما يتخطيان ذلك ليشملان العديد من العناصر والمواقف الإضافية.

وليس بالضرورة أن يندرج انتقاد الإسلام تحت العنصرية. ولكن التوسع في هذا الانتقاد وتعميمه على كل المسلمين يؤدي في النهاية إلى أشكال محكمة من معاداة الإسلام. وهناك بعض المشكلات التي تظهر عند دراسة العنف العنصري المعادي للإسلام. وأهم هذه المشكلات على الإطلاق هي محاولة تصنيف أية حادثة ضد الإسلام على أنها تتبع الإسلاموفوبيا (FRA 2006). فعلى سبيل المثال، أي تبليغ عن حادثة ارتكبت ضد مسلمين أو من يُعتقد بأنهم مسلمين بسبب مظهرهم أو بلدهم، فإنه في ظل غياب الدليل يكون من الصعب جدًا الجزم بأن الجريمة التي تعرضوا لها تندرج تحت الإسلاموفوبيا. أما الهجوم على مسجد أو رمز إسلامي فيمكن تصنيفه بسهولة على أنه يندرج تحت الإسلامفوبيا.

وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أصبحت التجمعات الإسلامية وبعض الجماعات الضعيفة أهدافًا للعداء العنصري، خاصة بعد تزايد المطالبة بالاعتراف العام بالمسلمين في المجتمعات الأوروبية. وأظهرت دراسة أجريت في أوروبا بعد وقت قصير من الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر أنه تم رصد مستويات منخفضة نسبيًا من العنف البدني في معظم دول الاتحاد الأوروبي، بالرغم من أن الإساءات اللفظية والكراهية منتشرة إلى حد كبير. وقد أصبح طالبو اللجوء من المسلمين – خاصة النساء منهم – أهدافًا للعداء في بعض الفترات. وكانت المساجد والمراكز الثقافية الإسلامية أهدافًا لأفعال التدمير والانتقام. ومن أهم النتائج التي رصدتها الدراسة أن معاداة الإسلام المستترة قد أصبحت ظاهرة بقوة في عدة مظاهر أهمها صعود تيار اليمين المتطرف وما يعرف بالنازية الجديدة، وأيضًا في الخطاب السياسي والإعلامي.

وقد أظهرت مقارنة حديثة بين معاداة الإسلام ومعاداة السامية في أوروبا أن العداء تجاه المسلمين أعلى كثيرًا من العداء تجاه اليهود رغم أن معدل تنامي معاداة السامية أعلى من معدل تنامي معاداة الإسلام (Pew Global Attitudes Project 2008). وقد تنامت مشاعر العداء تجاه اليهود في كل من روسيا وبولندا في شرق أوروبا، وفرنسا وأسبانيا في الغرب، على العكس من الولايات المتحدة وإنجلترا اللتان يتميزان بأن نسبة معاداة السامية فيهما ظلت مستقرة وتتراوح ما بين 7 إلى 9%. وإذا قارنا ذلك بمعاداة الإسلام في إنجلترا سنجد أن واحد من كل أربعة يحمل مشاعر الكراهية تجاه المسلمين. وتلك نسبة أقل من النسبة في باقي الدول الأوربية. فعلى سبيل المثال يحمل أكثر من نصف الأسبان والألمان مشاعر الكراهية تجاه المسلمين. وتشير أنماط العداء العنصري إلى مجموعة من الملامح الرئيسة، أهمها: أن المعاديين للإسلام من الممكن أن يكونوا معادين لليهود أيضًا. وأن مستويات العداء تزداد بين الأجيال الأقدم، و بين من يعيشون في أوساط اقتصادية واجتماعية وتعليمية منخفضة. إضافة إلى أن مشاعر العداء تجاه المسلمين واليهود تنتشر في كل الأيديولوجيات السياسية في أوروبا.

بيانات عن نسبة معاداة اليهود والمسمين في دول أوربية بحسب الفئة العمرية والتعليمية والأيديولوجية السياسية

الأزمات العنصرية الأوربية:

إن الممارسات العنصرية والإقصائية التي تمارس بشكل يومي في أوروبا هي أمر واضح. ويعاني منها قطاع واسع من المهاجرين وأبناء الأقليات. وقد أشارت منظمة “الحقوق الأساسية في دول الاتحاد الأوروبي The European Union Fundamental Rights” أن ازدواج المعايير يؤدي إلى إعادة إنتاج العنصرية الظاهرة والكامنة وتفاقم مشكلاتها. وقد أكدت المنظمة التي وثقت الكثير من ممارسات العنصرية أن هذا الازدواج في المعايير يؤدي أيضًا إلى تنامي مجموعة من الاستجابات الإستراتيجية المشوشة وغير الناضجة على العنف العنصري، وغالبًا ما تنتهي تلك الاستجابات إلى الفشل. فهناك أزمة كبيرة فيما يتعلق بالاستراتيجيات التي تسن لمعالجة العنف العنصري. فتظهر الكثير من التشريعات والقوانين والآليات والمناهج، ولكنها جميعًا تفشل في الحد من العنف العنصري. وتزخر التقارير المحلية بأمثلة كثيرة على تشريعات هشة وممارسة ضعيفة لما يسمى بالعدالة الجنائية، وضعف في جمع المعلومات، وعدم وجود شواهد تؤكد جدية الحكومات في مواجهة أحداث العنف تلك، فضلاً عن غياب الإجراءات أو الالتزام بها.

وقد أكد “فرانكو فراتيني Franco Frattini” مفوض الاتحاد الأوروبي لشئون العدالة أن خمس دول من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تواجه مشكلات كبيرة في التعامل مع التطرف اليميني والتعصب المتأصل في تلك الدول. وتلك الدول هي: ألمانيا، وفرنسا، وبلجيكا، وإيطاليا، والدنمرك. وقد قال فرانكو بهذه التصريحات بعد حادثة هجوم عصبة مكونة من خمسين شخصا في حالة ثمالة متفوهين بألفاظ عنصرية على ثمانية من الهنود في مدينة موجلين شرق ألمانيا. وأيضًا بعد اعتداء متطرفين يمينيين على رجلين من الأفارقة في مينز غرب ألمانيا. وكانت هناك حالة من القلق بسبب الاتهامات الموجهة للحزب الديمقراطي القومي بالتحريض على تلك الحوادث. وهذا الحزب هو جماعة قومية تعارض الهجرة. وهو على صلة وثيقة بالنازيين الجدد. ويحرض بشكل واضح على الكراهية العنصرية على موقعه الالكتروني. وقد أكدت جماعة “أميل Amil” – وهي جماعة رئيسية من النازيين الجدد في إقليم ساكسونيا – أن النازيين الجدد قاموا بـ 137 هجوم على أشخاص في الستة أشهر الأولي من عام 2007م. وأكدت جماعة “فورس Forse” للدراسات أن نصف الشباب في شرق ألمانيا ما بين 14 إلى 25 عامًا يعتنقون أفكارا إيجابية تجاه النازية الجديدة.

وكان هناك جدال سياسي واسع حول إمكانية حظر الحزب القومي الديمقراطي. وانتهت هذه المهزلة القانونية بالفشل. ويوضح هذا الأمر مدى الأزمة التي تعبر عنها استجابة ألمانيا للعنصرية السياسية والعنف العنصري. فلقد ظلت الحكومات في التباس طويل فيما يمكن فعله، وكيف يمكن فعله، وعن الوسائل المجدية في التعامل مع العداء العنصري المنظم سياسيًا أو الممارس من قبل بعض الكيانات السياسية. وفي انجلترا أيضًا هناك قلق متزايد من تنامي الكتلة التصويتية للعنصرية السياسية.

الحد من العنصرية:

مناهج عالمية

لقد تمت صياغة بعض المبادئ الأساسية في أجندة السياسة الدولية للحد من العنصرية في اتفاقيات وإعلانات الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو. وتشمل تلك المبادئ الحفاظ على الكرامة الإنسانية، وحقوق الاختلاف والتعدد، وأن العنصرية لا مبرر لها “Law 2007”. وبالرغم من أن تلك الطرق والآليات تحدد العنصرية على أنها نتيجة لتعصب بعض الأفراد وتتجاهل الأشكال العنصرية الأهم في سياسات الديمقراطية الليبرالية المعاصرة “Lentin 2004: 310” فإن الأمر لم يعد كذلك في الوقت الراهن بسبب بعض الفعاليات والأنشطة. فقد أصدر تقرير المؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية توصية محددة في موضوع العلاقة بين الحد من العنصرية وأنظمة الحكم الديمقراطية، وفي ذلك ذهب التقرير إلى ما يلي:

نحن ندرك أن الحكم الديمقراطي الشفاف، والمسئول، والخاضع للمحاسبة والمسائلة، والمعتمد على المشاركة، والذي يستجيب لحاجات وتطلعات الناس ويحترم حقوق الإنسان والحريات الأساسية وسلطة القانون، هو شيء أساسي للحد من العنصرية والتمييز العرقي ورهاب الأجانب وغيرها من مظاهر عدم التسامح. ونؤكد على أن منح أي شكل من أشكال الحصانة لمرتكبي جرائم العنف العنصري أو الخوف من كل ما هو أجنبي إنما يلعب دورًا أساسيًا في تقويض سيادة القانون والنظام الديمقراطي، كما يشجع على تكرار مثل تلك الممارسات العنصرية.

وقد قام “دودو دينيه Doudou diene” المقرر الخاص للأمم المتحدة لأشكال العنصرية المعاصرة والتمييز العرقي وكراهية الأجانب بمتابعة برنامج المؤتمر الدولي للعنصرية. واهتم دينيه بتقييم الأهداف الإستراتيجية للمؤتمر، وحدد أربعة عناصر رئيسة لها أولوية مطلقة، وهي:

مراقبة وتحليل الأنماط القديمة للعنصرية والتمييز العرقي وثقافة كراهية الأجانب.

الإستراتيجية السياسية: تعبير الحكومات عن إرادة سياسية قوية لمكافحة العنصرية.

الإستراتيجية القانونية: تبني وتنفيذ التشريعات الوطنية المتعلقة بمكافحة العنصرية والتمييز العرقي وكراهية الأجانب.

الإستراتيجية الفكرية والأخلاقية: السعي نحو فهم أعمق لجذور الثقافة العنصرية، وفهم الأسس والعمليات والآليات الأيديولوجية والثقافية والنفسية التي تقف وراء العنصرية.

وقد تبنت منظمة اليونسكو عام 2003م إستراتيجية متكاملة لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب وثقافة عدم التسامح. وتأسست تلك الإستراتيجية على مجموعة من الدراسات التي اهتمت بأشكال العنصرية وكراهية الأجانب والتمييز العرقي في شتى أنحاء العالم. وركزت على مناقشات في أقاليم مختلفة حول اهتمامات وأولويات محددة. وركزت الإستراتيجية الجديدة على ممارسات محددة في المجالات الآتية:

تطوير البحث العلمي وانعكاس ذلك على ظواهر العنصرية والتمييز العرقي وكراهية الأجانب.

مراجعة وتنشيط آليات منظمة اليونسكو المرتبطة بالعنصرية والتمييز العرقي.

تطوير مناهج دراسية جديدة، وتطوير وسائل التدريس، فضلاً عن أدوات تعبئة قادة الرأي وصناع القرار ضد العنصرية والتمييز العرقي.

الحفاظ على التعددية في المجتمعات ذات التعددية الإثنية والثقافية.

محاربة الترويج للعنصرية في وسائل الإعلام، وخاصة على شبكة الانترنت.

وأسس اليونسكو الائتلاف العالمي للمدن ضد العنصرية عام 2004م. وحثه على تنفيذ تلك الإستراتيجية وتبادل الخبرات والممارسات عبر دول العالم المختلفة. ويهدف هذا الأمر إلى تأسيس ائتلافات إقليمية في أوروبا وأفريقيا وأمريكا الشمالية والكاريبي وأمريكا اللاتينية وآسيا والمحيط الهادئ. وقد عقد الائتلاف الأوروبي للمدن ضد العنصرية أول اجتماعاته في ألمانيا في شهر مايو من عام 2007م. وفيما يتعلق بمبادرات الممارسة الجيدة على المستوى المحلي فإن المبادرات تشير إلى أنه يجب أن يوضع في الاعتبار أهمية المبادئ السابقة وإدراك المخاطر والمشكلات التي تقترن بالطرق والمناهج البسيطة عند صياغة خطط العمل. وطبقًا لما اقترحه الائتلاف العالمي للمدن ضد العنصرية فإنه من المهم أن توضع في الاعتبار ترابط مجموعة من القطاعات الهامة في هذا الخصوص، وتشمل تلك القطاعات: الحكومات المحلية، والتعليم، والتشريع، وسلطات الأمن، ووسائل الإعلام الجماهيرية، بالإضافة لأهمية موضوع التمييز العرقي في الإسكان.

ويمكن استخلاص الكثير من الدروس فيما يتعلق بكيفية الحد من العنصرية من خلال العديد من الشواهد والأدلة الدولية والقومية. ويمثل فقدان الإرادة السياسية عقبة حقيقية أمام التقدم للأمام فيما يتعلق بمكافحة العنصرية. وهنا يجب التأكيد على أهمية الدور الذي تلعبه المنظمات غير الحكومية في الضغط على صانعي القرار. وليس هناك أدل على ذلك من مشاركة أربعة آلاف منظمة غير حكومية بجانب 250 دولة في المؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية. ويتضح ذلك أيضًا فيما يتعلق بمجال التعليم والاستفادة السريعة للدول والمنظمات. فهناك تقدم ملحوظ في مستويات جمع المعلومات والعقوبات الرادعة ومشاريع الشباب ومبادرات التصالح والحملات المضادة للعنصرية ومبادرات بناء المجتمع. وعلى سبيل المثال، هناك تطور واسع في بريطانيا على مستوى السياسة والممارسة وأشكال التدخل الأخرى بهدف الحد من العنف العنصري الذي انتشر في نطاق المملكة. ولقد تم التأكيد على أن الحد من العنصرية يتطلب وجود حملات لدعم المجتمع، ومبادرات وقف العنف، وتطوير وسائل الإبلاغ عن حوادث العنصرية، وجمع المعلومات الإستخباراتية، وتطوير نظم المراقبة ومتابعة الجريمة، وتحسين أداء الهيئات، وتحسين فرص العمل، وتشارك الخبرات، وتطوير العمل مع مرتكبي الجرائم والمخالفين، وتطوير معايير الأداء.

المناهج الأوربية:

أطلقت مجموعة من المؤسسات الأوربية مجموعة أطر ومبادرات للتصدي للعنف العنصري. وهذه المؤسسات هي “مجلس المفوضية الأوربية لمكافحة العنصرية وعدم التسامح”، وشبكة المنظمات غير الحكومية في أوروبا مثل “ائتلاف أوروبا” و”الشبكة الأوربية لمناهضة العنصرية” و”مركز الانترنت الأوروبي لمكافحة العنصرية”، إضافة إلى مراكز الأبحاث والمؤسسات المحلية والقومية. وهناك العديد من الشواهد على المحاولات التي تمت، ما نجح منها، وما لم ينجح.

وتربط الشبكة الأوربية لمناهضة العنصرية بين ألفين من المنظمات في مائة وأربع عشرة دولة. وتعمل الشبكة كمزود معلومات للجمعيات والمنظمات الأوربية غير الحكومية التي تعمل في مجالات مكافحة التمييز العرقي والعداء العنصري وحقوق الإنسان ومعاداة السامية والتعددية والهجرة، مع التركيز بشكل خاص على مكافحة العنصرية. ويتركز هدف الشبكة في دعم وتعزيز العمل الديمقراطي الداعم لحقوق الإنسان والمناهض لكل أشكال العنصرية عن طريق المعلومات والتقارير عن الأحداث الجارية. وتعمل الشبكة أيضًا على تيسير وسائل الاتصال والحملات وتحفيز التعاون الدولي في جوانب وقطاعات متعددة.

تسجيل حالات العنف العنصري( CEOOR )

هو مشروع تجريبي يتم إجراءه في مراكز الشرطة متوسطة الحجم في بلجيكا، وخاصة في المناطق التي تتميز بحضور ملحوظ للأقليات. ويهدف المشروع إلى تسجيل حالات التمييز العنصري وجرائم الكراهية. وتشمل جرائم الكراهية المتعلقة بالعرق أو الانتماء الإثني والديني، وما يصاحب ذلك من عنف عنصري .وفي هذا الإطار، طور مركز الفرص المتساوية ومعارضة العنصرية استمارة تسجيل توزع على مراكز الشرطة والمنظمات الخاصة بالمهاجرين، ويطلب من كل هيئه أن تملأ استمارة تسجيل مع كل شكوى تقدمها تتعلق بالتميز العنصري أو العنف.

نظام المراقبة الشرطي Police monitoring system

نتيجة لارتفاع مستويات العنف العنصري في عام 2001 في الدنمرك التي شهدت اعتداءات على مجتمعات المسلمين واليهود، قررت السلطات إعادة تنظيم نظام المراقبة الشرطية. ويقتضي ذلك إعداد قوائم بالجرائم ذات الدوافع العنصرية. وتشمل بالتأكيد جرائم العنف العنصري. وتعاملت مكاتب الشرطة المحلية بشكل سريع مع التعليمات الجديدة في 2001 في إطار الجهود المبذولة لوضع المعايير التي تحكم آليات جمع البيانات. وعلى الرغم من إمكانية اعتبار تلك الخطوة ممارسه سليمة إلا أنها يجب أن تقرأ في ظل حقيقة أن التشريع الدنمركي لا يجرم الجرائم العنصرية والعنف المصاحب لها بشكل مباشر.

التحالف من أجل الديمقراطية والتسامح ونبذ التطرف والعنف

هو تحالف واسع تم تأسيسه في عام 2000م. ويشمل العديد من المبادرات المختلفة إلى جانب عمله مع العديد من النشطاء في المجتمع المدني الألماني. ويشمل التحالف برنامج ” ENTIMON” الذي يتولى مبادرة معًا ضد العنف واليمين المتطرف. وقد دعمت المبادرة 238 مشروعًا عام 2003، و153 مشروعًا عام 2004م. ويتضمن الدعم مجموعة من المؤتمرات والبرامج التدريبية وورش العمل والمهرجانات ومشاريع المسرح واللقاءات الدولية بين الشباب. ويشمل أيضًا خطط العمل المحلية ضد العنف واليمين المتطرف وكراهية الأجانب، وتستهدف الشباب في البيئات الاجتماعية المتأزمة. وإجراءات التدريب السياسي هي جزء من تركيز البرنامج الذي يهدف إلى تعزيز ممارسة التسامح والحوار بين الثقافات. والعمل على مشاركة الفرد المجتمعية وفي الممارسة الديمقراطية. كما يقدم البرنامج دعمًا كبيرًا للمشروعات البارزة على المستوى الوطني (مثل الفعاليات المختلفة للتصدي لليمين المتطرف). ويتخذ التدابير اللازمة لدعم مشاركة الشباب بالتعاون مع المركز الفيدرالي للتعليم السياسي والهيئات الفيدرالية الأخرى، بالإضافة لمشاريع الالتزام المدني خاصة على المستوى المجتمعي. وقد أظهر تقييم البرنامج نجاحًا مزدوجًا؛ فقد حقق مستويات جيدة لمشاركة الشباب ولكن تأثيره كان محدودًا فيما يتعلق بالتنمية المستدامة في مجال التلاقي بين الثقافات المختلفة في إطار التواصل مع الشباب المعارضين أيديولوجيًا، والذين يعزلون أنفسهم في اليمين المتطرف.

برامج لمساعدة الشباب لترك منظمات اليمين المتطرف.

هناك الكثير من تلك البرامج توجد في ألمانيا على سبيل المثال. ومنذ أبريل 2001م ويعمل البرنامج على تشجيع متطرفي اليمين الفيدرالي على ترك تلك الحركة. وقد أنشأت وزارة الداخلية هذا البرنامج ويتولى المكتب الفيدرالي للأمن الداخلي رئاسته. ويهدف البرنامج إلى تشجيع الرموز القيادية في اليمين المتطرف على ترك تلك الساحة، ووقاية بعض المنتمين إلى ترك الحركات من الانخراط في أعمال أو جرائم عنف محتملة. ويعمل البرنامج بالتعاون مع مكاتب توظيف الشباب وغيره من المؤسسات على تأمين أماكن ووسائل للتدريب والتوظيف لمن يريد ترك اليمين المتطرف. ويعمل أيضًا على توفير أماكن لمعيشتهم. وفي بعض الأحيان يتم تقديم دعم مالي لقادة النازية الجدد لتسهيل عودتهم لساحة الديمقراطية، وذلك للمساعدة في تعزيز هويتهم الجديدة.

وتولي هيئة الحقوق الأساسية أهمية كبيرة للنجاح الذي حققته مبادرات العدالة الجنائية لمساندة ضحايا العنف العنصري. وذكرت الهيئة أن العدالة الجنائية التقليدية حققت تقدمًا محدودًا فيما يتعلق بمعالجة الجريمة العنصرية والعنف العنصري.

وقد تم تطوير أشكال جديدة من العدالة التصالحية في هذا الإطار، والتي تهدف إلى حل الصراعات بطرق غير رسمية تتمثل في عقد لقاءات بين الجناة والضحايا، وفي بعض الأحيان تعقد لقاءات موسعة بين العائلات والجماعات الصغيرة. وتعتبر العدالة التصالحية عملية يتم في إطارها جمع الجاني والضحية معًا للتوصل لصيغة توافقية فيما يتعلق بكيفية التعامل مع مرحله ما بعد الجريمة وتداعياتها المستقبلية. وتشتهر العدالة التصالحية في العديد من الأماكن، وخاصة في استراليا، بلجيكا، ألمانيا وبريطانيا، إلا أنها غالبًا ما تُنتقد لتعاطيها مع العنف العنصري كنوع من العدالة الثانوية واعتمادها على الخيارات الناعمة في مواجهته مما قد يؤدي إلى إحباط وإرهاب الضحايا والفشل في تحديد ورصد التاريخ المحتمل للعنف.

وسائل إنجلترا في معالجة العنف العنصري.

هناك مادة ضخمة متاحة في إنجلترا وغيرها من البلدان لتوثيق السياسات والممارسات وأشكال التدخل بهدف معالجة العنف العنصري “Chahel 2007”. وفي هذا السياق فإن قضية “ستيفين لورنس Stephen Lawrence” والتحقيقات التالية لها قد أثارت الكثير من الجدل وأدت إلى دفع الحكومة لمزيد من الاهتمام بقضية العنف العنصري.

الدروس المستفادة من قضية ستيفين لورنس

كان ستيفين لورنس طالبًا أسود اللون في الثامنة عشرة من عمره عندما قتله أحد الأشخاص في جنوب لندن في ليلة الثاني والعشرين من إبريل عام 1993م. وكان دافع القتل عنصريًا. وقد أظهرت التحقيقات مدى الفساد والعنصرية التي اتسم بها أفراد الشرطة المسئولين عن استجواب القاتل سواء بشكل مقصود أو غير مقصود. وقد فتحت هذه القضية ملفات التحيز والعنصرية في مراكز الشرطة وفي السلطات العامة، بل وفي المجتمع البريطاني كله.

وقد أفضت تحقيقات قضية ستيفين لورنس في عام 1999 وما نتج عنها من ستة تقارير لمتابعة التوصيات التي خرجت بها إلى ما يمكن تسميته بإطار وطني شامل لتحقيق ممارسة مسئولة فيما يتعلق بمعالجة الأفعال العنصرية العنيفة. وبعد مرور عشر أعوام من تلك القضية باتت هناك مؤشرات على حدوث تغير إيجابي، خاصة فيما يتعلق بنظم الملاحقة القضائية في بريطانيا. ومع ذلك ما زالت هناك مشكلات أساسية فيما يتعلق بالعلاقة بين الشرطة والسود وجماعات الأقليات العرقية. ويشمل ذلك على حوادث التوقيف والتفتيش المبالغ فيها والتي تمثل ممارسات عنصرية من جانب رجال الشرطة تجاه ذوي البشرة السوداء.

وقد أبرز تقرير لمنظمة الحقوق الأساسية الممارسات الجيدة في بريطانيا في ثلاثة مجالات:

مبادرات الشرطة التي تستهدف الجرائم العنصرية. وقد أدت تلك المبادرات إلى تأثير كبير فيما يتعلق بالجريمة العنصرية في عدد من المناطق. وذلك مثل ما حدث في لندن أو في شرطة مانشستر، أو المبادرات التي تم تنفيذها في جنوب غرب انجلترا.

الخدمة القومية للاختبار الصارم NPS والبرنامج الذي تديره لدعم وتعزيز الكرامة الإنسانية، إضافة إلى الخدمات الأخرى مثل تلك الخدمات المفعلة في نيوكاسل وجرينيتش، والتي تستهدف الجناة من مرتكبي الأفعال العنصرية.

البرامج التعليمية متعددة الثقافات، مثل مجلس كينت كونتي لخدمات منجزات جماعات الأقلية، والذي يمكن الأطفال من تعلم قيم المشاركة والاحترام المتبادل، كما يدرس قضايا معينة مثل الخوف والعدالة والتعددية الإثنية في نطاق التعليم.

وقد قدمت لجنة المساواة العرقية مشورة قيمة فيما يتعلق بكيفية القضاء على الكراهية العنصرية المنظمة في البيئات المحلية عام 2006م. وتشمل المبادرات المشار إليها بناء تحالفات مناهضة للممارسات العنصرية تشمل كافة الأطراف والقوى والأحزاب المتعددة عن طريق عقد المؤتمرات واللقاءات، بالإضافة للتصريحات والتحالفات الانتخابية، واستخدام الصحف، وتوزيع المنشورات، واستخدام وسائل الاتصالات، و العمل على بناء شراكات لمحاربه الرسائل التي يتبناها وينشرها اليمين المتطرف، ونشر مطبوعات إرشادية لتلك الإجراءات والفعاليات.

وبناء على ذلك يمكننا القول إن القيادة القوية في السلطات المحلية إضافة إلى توحد الأحزاب يمكن أن يمثل إستراتيجية فعالة لتحدى وتقويض اليمين المتطرف، وما يرتبط به من عنف عنصري. كما أن الاستخدام الأمثل لاستراتيجيات الاتصال الفعالة لمهاجمه الخرافات والأساطير العنصرية يعتبر عنصرًا رئيسيا في استراتجيات الحد من العنف العنصري .ولابد من العمل على استمرارية هذه الرسائل والأنشطة المناهضة للعنصرية طوال الوقت، وليس في وقت الأزمات فقط. وهذا عنصر مهم وضروري في إطار محاربه العنف العنصري، إلا أنه من الواضح أن العديد من السلطات المحلية تمنح هذه الموضوعات اهتمامًا محدودًا.

وفي السياق نفسه تبرز عناصر فعاله أخرى مثل العمل التوعوى والمشاركة المجتمعية. وهى عناصر ثبتت فعاليتها فيما يتعلق بالحد من التوترات في المناطق المحلية. وقد ساهمت جماعة “ساوزهمبتون” للتوعية المجتمعية في الجهد المبذول لتقليل التوتر بين جماعات المحلية المعروفة باسم “BME” وطالبي اللجوء. واشتمل هذا الجهد على حزمة من الاستراتيجيات تتمثل في تدشين الحوار بين الطوائف المختلفة والوساطة المجتمعية، وإعداد المجتمعات المضيفة لاستقبال الوافدين الجدد، علاوة على بناء قدرات الأفراد والجماعات بهدف تأهيلهم لقياده شبكاتهم ومنظماتهم الخاصة. كما تم استخدام العمل الشبابي المنفصل، وهذا العمل لا يعتمد على المراكز المجتمعية ولكنه يسعى لتطوير التفاعلات مع الشباب للحد من العنصرية.

كما اعتبر تسهيل ما يعرف بـ “التفاعلات الفردية المباشرة لدعم التواصل والفهم الصحيح” واحدًا من الاستراتيجيات التي يمكن التعويل عليها لتحقيق نتائج إيجابية في بعض المناطق. وترى منظمة “العمل من أجل اللاجئين Refugee Action” أن أفضل طريقة لدعم التفاهم والقبول هي أن يقابل السكان لاجئ ما أو طالب لجوء ويستمعوا لحكايته. وهذا يشبه إلى حد كبيير إشراك الناجين من الهولوكوست في التوعية بما حدث لهم. وفي هذا السياق برز مشروع توعية اللاجئين Refugee Awareness Project الذي يعمل في مناطق شمال غرب وجنوب غرب وغرب “ميدلاندز Midlands” من خلال تنظيم لقاءات لتنمية الوعي في المراكز المجتمعية، والعمل مع الصحافة المحلية، وتوفير المعلومات وتدريب المتطوعين، وتطوير الموارد والمصادر. وكان من المفيد في هذا السياق استخدام الفعاليات المجتمعية لدعم الانتماء والتفاهم المتبادل.

وتقوم العديد من الهيئات العامة بجمع البيانات عن الحوادث العنصرية بهدف تقييم مستويات التوتر في مناطق معينة، ومن ثم تحديد خطط التدخل المناسبة . وبالرغم من ذلك، لا يُستفاد من البيانات بالشكل المطلوب. فتحليل وتقسيم البيانات ملح وضروري. وقد  ركزت كل من دراسات “Webster 1993, Hesse et al 1992” على أهميه تحديد الأنماط في العنف العنصري، والربط بين ذلك وبين تصورات الشارع والمناطق التي ينتمي لها هذا العنف العنصري.

ويسهل تطوير الأدلة من استهداف مناطق تتمركز فيها حوادث العنف العنصري، وذلك من خلال تشديد الرقابة وعمل دوريات ومبادرات أخرى. وتوظف جميعها للحد من العنف العنصري في بعض المناطق المحلية. بالإضافة إلى تحديد أنماط الحوادث وكذلك الأنماط العامة للكراهية العنصرية. فهناك حاجة ملحة لتحديد ما يمكن اتخاذه من تدابير احترازية تجاه تلك الظاهرة. ويمكن أن تخبرنا الأدلة والشواهد على تقييم برامج المخاطرة من خلال البحث الكيفي. فعلى سبيل المثال قدمت بلدة “ليمرتون” بلندن تقييم لمخاطرة العنف العنصري عند إيجار السكن مع أولوية لبيان تاريخ الإيذاء العنصري فيما يتعلق بالأفراد والممتلكات، مع زيادة دعم المستأجر كلما كانت المخاطرة محددة وواضحة. وهنا نؤكد أن توفير معلومات للضحية يمكنه أن يدعم من موقفه.

ولا يمكن التقليل من دور هذا القدر الهائل من أنماط معالجة المشكلة. وهناك فرص حقيقية لتحسين حياة المهاجرين والأقليات والجماعات الإثنية المختلفة من خلال صياغة خطة موحدة للحد من العنصرية، بحيث تكون هذه الخطة مؤسسة على أطر ومبادئ عالمية، ومن خلال دعم وتمكين السلطات المحلية والمنظمات غير الحكومية

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button