دراسات سياسية

العقوبات الامريكية على ايران وتأثيرها المستقبلي على الاقتصاد الايراني

اعداد: م.م شهد عبد الستار عيسى – ماجستير علاقات دولية- كلية العلوم السياسية/ الجامعة المستنصرية

تعد العقوبات الدولية من اقدم اشكال الجزاء في اطار العلاقات الدولية, فتستخدم لعرقلة مسيرة النمو لدولة ما وتقيد رخائها وهي تستخدم ضد دولة تنتهج سياسة عدائية تهدد الامن والسلم الدوليين, وتعتمد الدول في استخدامها للعقوبات على مدى استقلاليتها وقدراتها على المبادرة وانتهاج سياسة خارجية بعيدة عن التبعية، لذا تعد الولايات المتحدة الأمريكية الأكثر استخدامًا لتلك العقوبات ضد الدول الأخرى على مر التاريخ , وتستخدم الولايات المتحدة مجلس الامن بكافة أذرعه في فرض تلك العقوبات على الدول المعادية لها ولمصالحها في مناطق نفوذها وتعد ايران ابرز الدول التي استهدفتها الولايات المتحدة الامريكية من خلال عقوباتها.

شملت المرحلة الأولى من العقوبات الامريكية على ايران المفروضة في 7 آب 2018 ، حظر تبادل الدولار مع الحكومة الإيرانية، حظر التعاملات التجارية المتعلقة بالمعادن النفيسة، ولاسيما الذهب، وفرض عقوبات على المؤسسات والحكومات التي تتعامل بالريال الإيراني أو سندات حكومية إيرانية، الى جانب حظر توريد أو شراء قائمة من المعادن أبرزها الألومنيوم والحديد والصلب، وفرض قيود على قطاعي صناعة السيارات والسجاد في إيران, فضلاً عن حظر استيراد أو تصدير التكنولوجيا المرتبطة بالبرامج التقنية الصناعية، ذات الاستخدام المزدوج المدني والعسكري.

         اما المرحلة الثانية من العقوبات والتي دخلت حيز التنفيذ في تشرين الثاني 2018, شملت فرض عقوبات على الشركات التي تدير الموانئ الايرانية الى جانب الشركات العاملة في الشحن البحري وصناعة السفن, وفرض عقوبات شاملة على قطاع الطاقة في ايران, لاسيما قطاع النفط, الى جانب فرض عقوبات على البنك المركزي الايراني وتعاملاته المالية, ومنع شبكة (سويفت) للتحويلات البنكية العالمية من التعامل مع القطاع المصرفي في ايران, فضلاً عن قائمة من العقوبات شملت (700) شركة ومؤسسة ايرانية, هذه العقوبات لم تطبق بشكل حرفي, فقد تراجعت الولايات المتحدة الامريكية وسمحت ل(8) دول بكسر قيد العقوبات النفطية والاستمرار بشراء النفط الايراني ولو مؤقتاً ولمدة (45) يوماً وتضم قائمة الدول (كوريا الجنوبية, اليابان, الهند, الصين, تركيا, ايطاليا, العراق).

         توضح تصريحات الرئيس الامريكي (دونالد ترامب) حجم التأثير الذي ستتركه هذه العقوبات على الاقتصاد الايراني, فقد صرحت إدارة الرئيس الامريكي ترامب في المرحلة الاولى من العقوبات ان اي شركة او دولة تريد التعامل تجارياً مع ايران لن تحظى بأعمال تجارية مع الولايات المتحدة الامريكية, وقد كان لهذا الامر اثر كبير على الشركات التي تريد الاستثمار في ايران, فالعديد منها تركت ايران هي والاخرى التي كانت تنوي الاستثمار فيها مما سدد ضربة كبيرة للاقتصاد الايراني, فأصبحت هناك تزايد في نسبة العاطلين عن العمل, والكثير من الشركات لن تستثمر بنفس المستوى التي كانت تطمح اليه الحكومة الايرانية.

         تعد ايران واحدة من اهم الدول في مجال الطاقة عالمياً فتستحوذ على (27%) من الاحتياطيات العالمية للنفط والغاز الطبيعي, اذ تمتلك (9%) من الاحتياطي العالمي للنفط و (18%) من الاحتياطي العالمي للغاز الطبيعي, ويصل الاحتياطي الايراني من النفط الى (155)مليار برميل, واستطاعت ان ترفع انتاجها من النفط الى (8,3) مليون برميل من النفط يومياً, ووفقاً لمنظمة اوبك وصلت الصادرات النفطية الايرانية الى (1,2) مليون برميل يومياً مما وفر للبلاد عائدات مالية وصلت الى (52) مليار دولار خلال العام الماضي, هذا الرقم يمثل (50%) من العائدات المالية من الصادرات الايرانية, فالاقتصاد الايراني يعتمد بنسبة (60%) على عائدات قطاع الطاقة, ونتيجة لذلك فقد ضربت الولايات المتحدة الامريكية العامود الاكبر بل الاقوى الذي تستند عليه دولة ايران.

         تطمح الولايات المتحدة الامريكية من خلال الضغط بهذه العقوبات تحقيق امرين, الاول هو محاولة احتواء ايران في المنطقة, فواشنطن تتهم طهران بأنها تحاول نشر تأثيرها عبر الشرق الاوسط, ثانياً تحاول الولايات المتحدة الامريكية جعل ايران متوافقة مع الكثير من المطالبات الامريكية, فدائماً ما تصرح الولايات المتحدة الامريكية ان على ايران التوقف عن تهديد الكيان الصهيوني (اسرائيل) اضافة الى وقف نشر تأثيرها على بلدان مثل سوريا والعراق, وغالباً ما يتمثل الرد الايراني بأنهم لا يشكلون تهديداً على هذه المنطقة (الشرق الاوسط) إلا انهم لا يريدون ان يقيدوا من قبل الولايات المتحدة الامريكية.

         لم تستلم ايران للعقوبات الامريكية المفروضة عليها, فقد بحثت عن طرق جديدة لتمرير نفطها إلا ان (Tanker Trackers) التي تراقب حركة سفن النفط في العالم رصدت سفن ايرانية مازالت تنقل النفط فطهران لاتزال تجد من يشتري نفطها بعد العقوبات, فقد عملت (سفن الشبح) الايرانية على تعطيل ترددات الاقمار الصناعية قبل تحركها لتخفي نفسها وتهرب النفط, إلا انها التقطت بأقمار عالية الدقة, الى جانب ذلك بدأت طهران وللمرة الاولى بيع نفطها لشركات خاصة من خلال بورصة الطاقة, اذ تم بيع (280) الف برميل نفط من اصل مليون برميل تم عرضه, كما ان ايران تستخدم العديد من آليات التحدي لهذه العقوبات اهمها اغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي, إلا ان هذه العقوبات ستؤثر بشكل او بآخر على الاقتصاد الايراني اهمها خطة رفع الانتاج الايراني النفطي الى (5,4) مليون برميل يومياً فهذه الخطة تحتاج الى استثمارات ضخمة تصل الى (200) مليار دولار, فضلاً عن الحاجة الى استثمارات اجنبية لتوفير الخبرة والمال والتكنولوجيا.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى