دراسات أسيويةنظرية العلاقات الدولية

 العلاقات الروسية-الصينية للفترة 2000-2012

المتغيرات العسكرية والأمنية في العلاقات الروسية – الصينية

يُقصد بـــــــ(المتغيرات العسكرية والأمنية) في العلاقات الروسية-الصينية هي: تلك العوامل والمسببات العسكرية والأمنية التي أثرت في طبيعة العلاقات الثنائية الروسية-الصينية، حيث أفرز الوضع الدولي بعد الحرب الباردة تحولات هامة واقعياً ونظرياً، اسهمت في بلورة مفاهيم ورؤى جديدة لظواهر العلاقات الدولية، فلم تعّد هذه الأخيرة تقتصر على دراسة وتحليل سلوكيات الوحدات السياسية وحسب، وإنّما امتدت لتشمل: دراسة فواعل من غير الدول، كنتيجة لحجم التأثير في ظواهر وقضايا العلاقات الدولية.

    ومن بين المفاهيم التي طرأت عليها تحولات هامة بعد الحرب الباردة، نجد مفهوم(الأمن)، إذ بلور المنظرين أطر نظرية ومفاهيم أمنية جديدة، خاصة بعد بروز ما يعرف بــــــــ(التهديدات الأمنية الجديدة)، التي تتميز: بامتدادها عَبِر القارات، وسرعة انتشارها، وصعوبة التحكم في أطرافها أو فواعله, إذ أنه بعد الحرب الباردة توسعت دائرة التهديدات الأمنية، فلم تعّد تقتصر على بعُدها العسكري فقط، وإنّما امتدت لتشمل: باقي الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية والحضارية، لذلك برزت تهديدات أمنية عابرة للحدود يصعب على الدولة بمفردها مقاومتها، وهو ما أدى لضرورة تكثيف جهود التعاون الدولي لمواجهتها.

    وفي هذا المبحث، سنحاول التعرف على المنظورين: العسكري والأمني لكل من: روسيا والصين تجاه بعضهما، ولماذا أثرت هذه المتغيرات على العلاقة خلال المدة التي تُغطيها الدراسة. وعليه فقد تم تقسيم المبحث إلى مطلبين: تناولنا فيها أهم المتغيرات العسكرية والامنية في العلاقات الروسية-الصينية، حيث تناولنا في المطلب الاول: المتغيرات العسكرية والأمنية على الصعيد الروسي، فيما خصصنا المطلب الثاني: المتغيرات العسكرية والأمنية على الصعيد الصيني.

        المتغيرات العسكرية والأمنية على الصعيد الروسي:

    لقد شهدت روسيا تحولات جذرية منذ بداية التسعينيات، على صعيد مقومات القوة الشاملة، بما يشمله ذلك من التماسك السياسي الداخلي والقدرة العسكرية والأداء الاقتصادي والمكانة الدولية، وكانت هذه التحولات من الكثافة والتسارع بصورة يندر حدوثها في العلاقات الدولية الحديثة، ففي أعقاب تفكك الاتحاد السوفيتي، ورثت روسيا أغلب التركة السوفيتية، ولكنها عانت من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية حادة، ومما زاد من حدة هذه الأزمات تلك الاختلالات التي شابت أداء نظام الرئيس الأسبق الروسي الأسبق(يلتسين)، والتي إتسمت بارتباك سياسي كبير، وهيمنة أقلية محدودة واسعة الثراء على شئون السياسة والاقتصاد في آن واحد، فضلاً عن إنفلات المشكلات الأثنية، وتفشى الفساد والجريمة المنظمة.(1)

ومن ضمن تركة الاتحاد السوفيتي، ورثت روسيا تلقائياً أغلب القوة العسكرية السوفياتية، بما في ذلك أغلب الترسانة النووية للاتحاد السوفيتي، وفي أعقاب إعلان رابطة(الكومنولث)* بثلاثة أسابيع وقعت دول الكومنولث معاهدة بنقل كل الأسلحة النووية والتكتيكية إلى روسيا بحلول تموز من العام 1992م.

  وبالفعل تم الانتهاء من نقل كافة الأسلحة النووية والتكتيكية الموجودة في دول الكومنولث إلى روسيا في 7أيار من العام 1992م، فقد كان هناك شبه إتفاق فيما بين دول الكومنولث على أن تظل روسيا الدولة النووية الوحيدة، خاصة ان الغرب كان يؤيد ذلك.(1)

 وفي ظل هذه الأوضاع شكلت السياسات التي تبناها الرئيس(فلاديمير بوتين)*، منذ توليه رئاسة الحكومة في العام 1999م، ثم توليه رئاسة الدولة في العام 2000م، محاولة إصلاحية شاملة، ليس فقط لمعالجة الاختلالات الضخمة التي نشأت في فترة حكم بوريس يلتسين، ولكن أيضا محاولة إستعادة جزء ولو ضئيل من المكانة الدولية للاتحاد السوفيتي السابق، عن طريق العمل على إعادة هيبة الدولة، وإصلاح الاقتصاد، وقمع الحركات الاستقلالية الداخلية، وتطوير القدرة العسكرية، وتبنى سياسة خارجية نشطة.

    لقد أعاد(بوتين) مظاهر الصلابة إلى روسيا، بعد ان شهدت حالة من التدهور والانحلال على كافة المستويات في مرحلة ما بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، بحيث أعاد فرض إحترامها كقوى كبرى في العالم، فتحسن وضعها الاقتصادي، وأستقر وضعها السياسي، وعادت الهيبة إلى قوتها العسكرية التي كانت قد وصلت الى أدنى مستويات منذ تفكك الاتحاد السوفيتي، وظهر خلالها عجر الدولة عن دفع رواتب الجنود، كما إن استعادة قوة المؤسسة العسكرية، وتطوير الجيش وتسليحه بأحدث الأسلحة تمثل أيضا أحد المكونات الجوهرية لما يسمى بــــــ(مشروع بوتين) لمواجهة التحديات والأخطار، التي يمكن أن تهدد الأمن القومي الروسي.

   وبعد توليه منصب رئيس الدولة في روسيا، أصدر الرئيس(بوتين) في آيار من العام 2000م، وثيقة الأمن القومي التي ذكر فيها:(على الرغم من النزاعات الاساسية بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، إلاّ أننّا لا نستغني عن مساعدتها المالية لنا لتحسين الوضع الاقتصادي).

هنالك متغيرات عسكرية وأمنية دفعت روسيا لتطوير علاقتها مع الصين، وهي كالآتي:

1.وراثة روسيا للترسانة النووية للاتحاد السوفيتي.

2.اصدار روسيا وثيقة للأمن القومي بالإضافة إلى وثيقة العقيدة العسكرية.

3.صناعة الأسلحة الروسية.

4.القدرات الاستراتيجية النووية الروسية.

   ومن المتغيرات العسكرية الروسية الاخرى هي صدور وثيقة الأمن القومي لروسيا في 24كانون الثاني من العام 2000م، موقعة من الرئيس الروسي(بوتن)، والتي تضمنت: مفهوم الأمن القومي في روسيا، من خلال منظومة متكاملة لضمان الأمن للمجتمع وللدولة ضد المخاطر الداخلية والخارجية، في ظل التأكيد على ان روسيا واحدة من اهم الدول الكبرى التي لها تاريخ عريق وتقاليد ثقافية غنية، وانها تمتلك موقع أوروبي/آسيوي مهم، أما فيما يتعلق بالتغيرات التي تبلورت ضمن إطار وثيقة الأمن القومي الروسي للعام 2000م، فقد تضمنت جملة من الاخطار الحقيقية التي تواجه الأمن القومي الروسي في الألفية الثالثة وهي منها: اولاً/محاولة بعض الدول والمنظمات الدولية كحلف الناتو، التقليل من دور المؤسسات الدولية المسؤولة عن تحقيق الأمن الدولي، ثانياً/تقوية وتعزيز الاحلاف العسكرية وتوسيع مديات نفوذها خارج أوروبا كحلف الناتو، ثالثاً/اقامة قواعد عسكرية قريبة من الحدود الروسية، رابعاً/اضعاف التعاون بين روسيا ورابطة الكومنولث، خامساً/ الضغوط الأمريكية لأضعاف المجتمع الصناعي والعسكري الروسي، سادساً/التغلغل الايديولوجي الديني والثقافي للغرب بين أطياف المجتمع الروسي، اضعاف روسيا دولياً ومنعها من إقامة عالم متعدد الاقطاب.

    ثم بدأت روسيا تسعى لاستعادة مجد الاتحاد السوفياتي، في محاولة تحقيق توازن بين المعارضة التدريجيّة اللينة إزاء التوسع الظاهر لحلف الناتو في مناطق نفوذها السابقة، وبين المحافظة على علاقتها الحسنة بالولايات المتّحدة الأمريكية وكل من: ألمانيا وفرنسا، حيث توافقت في تلك المدة سياسة بوتين الهادفة إلى: تحديث الجيش، وخفض نفقاته عَبِر التخلص من الأسلحة النووية المكلفة، مع توجهات الإدارة الأميركية لتجريد روسيا من قوّتها النووية التي تُعدّ خطراً من المنظور الأميركي، سواء ظلت في خدمة الروس أم إنتقلت إلى أيدي منظمات إرهابية ودول أخرى؛ نتيجة لتدهور الوضع الاقتصادي وحاجة روسيا الماسة إلى المال.

   وفي العام 2010م، أصدر الرئيس الروسي(ميدفيدف)المرسوم الرئاسي بإقرار وثيق الأمن الروسي الجديدة(2010-2020)، وهي: الوثيقة الثالثة منذ تفكك الاتحاد السوفيتي، حيث سبق أن صدرت العقيدة العسكرية الأولى في العام 1993م، خلال حقبة الرئيس الأسبق(يلتسن)، ثم وثيقة الأمن الثانية لعام 2000م، التي أصدرها الرئيس(بوتين)، وُتعدّ وثيقة العام 2010م، امتداداً لهذه الأخيرة مع تعديلها في ضوء التطورات والمستجدات الإقليمية والدولية.

جدول(1) الأنفاق العسكري الروسي للمدة ما بين الأعوام(2000-2011) بالدولار الأمريكي.

 الأعوام   الأنفاق العسكري
2000    14,2
2001   15,7
2002 16,9
2003 18,5
2004 19,4
2005 43,1
2006 47,2
2007 51,2
2008 56,8
2009 59,5
2010 58,6
2011 64,1

الجدول من أعداد الطالب بالاعتماد على:

1.بيتر ستالنهايم وآخرون، جداول الإنفاق العسكري، في التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي، الكتاب السنوي2005، ط(1)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2005، ص521-523.

     إذ فإنّ روسيا في الوقت الذي تحاول به جاهدة مغالبة المشاكل الداخلية، فإنّها تتلمس الاحتفاظ بالمجالات التي تمكنها من استعادة بعضاً من صورتها القديمة كقطب عالمي، حيث إتجهت إلى رفع النفقات العسكرية بشكل ثابت، هذا ما قد تبين لنا عن طريق الجدول السابق، حيث: ان سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، وتوجهاتها من خلال نشر الدرع الصاروخي في أوروبا وتقدمه على أنه: وسيلة من وسائل الوقوف بوجه الإرهاب، فهي قللت من تأثير نشر المنظومة على روسيا والصين، فهي ترى: أن هذه الشبكة قد تتطور مستقبلاً لتضم دول حلف الناتو نفسها، ومن ثم الانسجام مع أوروبا، وليس الابتعاد عنها.

   إلاّ أن روسيا أبدت تخوفها من نشر الدرع الصاروخي الأمريكي، لأن ذلك يهدد مصالحها الحيوية في المناطق التي تُعدّها مناطق نفوذ لها، وكذلك يهدد أمنها القومي، فقد دفعت بالرئيس الروسي آنذاك(بوتين) الى إطلاق تحذيرات صريحة، بداية من مؤتمر ميونخ في شباط من العام 2007م، ثم في بداية شهر آيار من نفس العام عندما قامت روسيا بإجراء التجربة الصاروخية الأبرز: إطلاق صاروخ(RS-24) العابر للقارات في 29/آيار من العام 2007م، مما يعكس رسالة موجهة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بأنّ روسيا ستعيد التوازن الاستراتيجي العالمي، واستغل الزعيم الروسي عوائد النفط والغاز ليجدد عملية التسليح، وإعلان تخصيص(200) مليار دولار لتحديث المعدات العسكرية الروسية للمدة ما بين الأعوام(2007- 2017م).

  إن هذه المقومات العسكرية تجعل من القوة الروسي قوة لا يستهان بها، ومما يؤشر له: ان مقومات القوة الروسية العسكرية في حالة صعود كبير وسريع، حتى صارت القوة العسكرية أهم مقومات الدور الروسي العالمي. ويمكن بيان تفاصيل هذه القوة كما موضح في الجدول فيما يلي:

جدول(2) القدرات النووية الروسية:

  1. القوات الهجومية الاستراتيجية الروسية-الرؤوس الحربية:
النوع العدد المنتشر السنة الأولى للنصب المدى(كم2) حمولة الرأس الحربي عدد الرؤوس الحربية
القاذفات 72 72/820
RS-12M2 Topol-M(SS-27) 56 1997 10500 1×800 kt 56
RS-12M1 Topol-M(SS-27) 18 2006 10500 1×800 kt 18
RS-24 Yars(SS-27 Mod 2) 15 2010 10500 6X(100?kt) 90
القذائف البالستية التي تطلق من غواصات 144 352/528
RSM-54 Sineva

(SS-N-23 Skiff)

96 1986/2007 11,547 4×100 kt 256/384
RSM-65 Bulava(SS-NX-32) 32 2011 أكثر من 8050 6×100? Kt 192

2.القوات الغير الاستراتيجية الروسية-الرؤوس الحربية:

قذائف مضادة للقذائف البالستية, دفاع جوي/ساحلي 1100 452
Su-34(Fullback) 16 2006 00 قنبلتان
أسلحة تطلق من البر 164 164
SS-21 Tochka(Scarab) 150 19811989 1990 120 1×10 kt 150
SS-26 Iskander(Stone) 24 2005 500 1×10 kt 24
أجمالي الرؤوس الحربية المنتشرة/المخصصة نحو 1800/4430

الجدول من أعداد الطالب بالاعتماد على: شانون ن. كايل، القوات النووية في العالم، في التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي، الكتاب السنوي2012، ط(1) مركز دراسات الوحدة العربية،، بيروت، 2012، ص 425-426-427.

    وتأكيداً لما تقدم، فإنّ الدافع الروسي لإقامه وتدعيم العلاقات العسكرية والأمنية مع الصين تنطلق من دوافع واعتبارات عديدة من أهمها: حاجة روسيا الملحة في ظل محاولات الهيمنة الأمريكية على العالم إلى التحالف الاستراتيجي مع الصين، ان روسيا تُدرك: أهمية التحالف العسكري والأمني مع الصين، إذ يشكل نداً للتكتلات القائمة في العالم أو التي في طور التكوين، مثل: حلف الناتو وتوسعاته باتجاه مناطق شرق أوروبا التي كانت في السابق مناطق للنفوذ الروسي، والعمل على إيقاف نشرع الدرع الصاروخي الأمريكي.

   وكذلك أدركت روسيا: ان الهيمنة الأمريكية أصبحت تمس مصالحها القومية، فقد قدمت الكثير من التنازلات على أمل ان تحظى بدور أكبر في السياسة الدولية، ولكن المصلحة كانت عكس ذلك، الامر الذي دفعها الى اعادة إحياء علاقتها مع حليفها القديم الصين، في ضوء إدراك روسي مفاده: ان نظاماً متعدد الاقطاب مؤلفاً من أكثر من ثلاثة دول يمتلك قوة كافية ليتأرجح ميزان القوى بواسطة حلفائها، وفي ظل هذا النظام ستكون بعض الدول اقوى من غيرها، ولكن أي منها سيكون غير قادر على الهيمنة على النظام الدولي، وفي الوقت ذاته فإنّها جميعاً لديها الوسائل لمنع الهيمنة.

   ومن الدوافع الأخرى لروسيا في تطوير التعاون العسكري والأمني مع الصين هي: ضمان أمن الحدود الجنوبية لروسيا عن طريق التعاون المشترك مع الصين لوقف نشاط القوى الانفصالية، والتطرف الديني الذي تصاعدت عملياته في مناطق الحدود المشتركة، وان روسيا ترى: إنّ الشراكة الاستراتيجية مع الصين ستكون بالنسبة لها: وسيلة لإحلال الاستقرار في آسيا الوسطى، ولضمان أمن حدودها الجنوبية، لاسيما اذا توسعت هذه الشراكة، وشملت إلى جانب الصين كلاً من: الهند وإيران في مرحلة لاحقة.

المتغيرات العسكرية والأمنية على الصعيد الصيني:

   لا يتوقف أمر المتغيرات العسكرية والأمنية الدافعة باتجاه تطوير العلاقات الثنائية على صعيد روسيا فحسب، وإنّما للصين أيضاً متغيراتها العسكرية والأمنية التي تدفع بها باتجاه  تطوير هذه العلاقات، والمتغيرات العسكرية والأمنية الصينية الدافعة لتطوير علاقاتها مع روسيا، يمكن تحديدها بالآتي: أولاً: إمتلاك السلاح النووي. ثانياً: إمتلاك جيش كبير. ثالثاً: تنامي القدرات العسكرية الصينية.

   أن المتغيرات الإقليمية والدولية، بما فيها انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي، كان لها ان تترك آثارها وانعكاساتها على الاستراتيجية العسكرية والأمنية الصينية، وخاصة في ضوء متغيرين دوليين هما: المتغير السوفيتي/الذي فتح لها آفاق جديدة لتحقيق أهداف الدولة أمنياً وعسكرياً واقتصادياً، والمتغير الآخر/هو: المتغير الأمريكي/ الذي تركزت آثاره على الاطار السوقي لها من حيث اعادة الاعتبار لجيش التحرير الوطني، فضلاً عن إنسياق الصين نووياً نحو انتاج الأسلحة التكتيكية.   ان انتهاء الحرب الباردة اصبح يمثل نقطة تحول مهمة في الفكر الاستراتيجي الصيني، ولاسيما الجانب النووي منها، وان تفكك الاتحاد السوفيتي كدولة عظمى وقطب مؤثر ومواز للولايات المتحدة الأمريكية ادى إلى بروز قوة واحدة مهيمنة على العالم متمثلة بـــــــ(الولايات المتحدة الأمريكية)، وكذلك بروز حلف الناتو كأكبر وأقوى تنظيم عسكري، ان إدراك الصين هذه المتغيرات والتطورات وغيرها حدا بها إلى السعي الى تحديث وتطوير قدراتها العسكرية والأمنية، وخاصة منها النووية.

  وكان الهدف الرئيسي للصين من وراء تطوير قدراتها العسكرية والنووية هي: العوامل النفسية والتاريخية التي قد تدفع الدولة الى دخول النادي النووي، ومواجهة تهديدات الدول النووية الكبرى؛ وذلك لكسر إحتكار الدولتين العظميين للسلاح النووي.

  ان ما تمتلكه الصين من قوة عسكرية وأمنية تؤمن لها سلامة أرضيها من أي هجوم خارجي، وكذلك تعزيز مكانتها الدولية، فالصين تمتلك ثالث قوة عسكرية بعد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا من حيث الكم والأنفاق العسكري، ولنا في معدل الانفاق العسكري خير دليل على اهتمام القيادة الصينية في المؤسستين: العسكرية والأمنية  لكي تلعب دوراً مؤثراً آسيوياً ومن ثم عالمياً، اذ يتوقع أن يكون للإمكانات العسكرية أثر كبير في أسناد السياسة الخارجية للصين، وتقوية موقعها إقليمياُ، وأيضاً يكون الأثر نفسه في بروز الصين كقوة عظمى على المستوى العالمي(يُنظر: الجدول3). ومن الملاحظ: أن الصين شهدت وبشكل واسع: زيادة في حجم الأنفاق العسكري، خاصة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، إذ نرى: ان الرغبة الصينية الواسعة في عملية التحديث هي التي دفعت الصين إلى الخروج عن التزاماتها بالاكتفاء الذاتي، والبدء في شراء كميات كبيرة من التجهيزات والتقنيات العسكرية الروسية، وعلى وجه الخصوص: في مجال القوة البحرية والجوية، وليس هناك رقم ثابت يشير إلى الأموال التي تنفقها الحكومة الصينية على الدفاع، أذ هناك العديد من المصادر التي تعطي أرقاما مختلفة حول الموضوع، وتطبق الحكومة الصينية وفقاً لقانون الدفاع الوطني الأنفاق العسكري المتوازي مع الناتج القومي، بحيث تزيد باستمرار نفقات الدفاع الوطني إلى حد مناسب على أساس التنمية الاقتصادية وزيادة الإيرادات المالية للدولة.

جدول(3) الأنفاق العسكري الصيني للمدة ما بين الأعوام(2000-2011) بمليار دولار أمريكي.

 الأعوام       الأنفاق العسكري
2000    22,2
2001   26,1
2002 30,7
2003 33,1
2004 35,4
2005 64,7
2006 76,1
2007 87,7
2008 96,7
2009 116,7
2010 121,1
2011 129,3

الجدول من أعداد الطالب بالاعتماد على المصادر التالية:

1.بيتر ستالنهايم وآخرون، جداول الإنفاق العسكري، في التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي، الكتاب السنوي2005، ط(1)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2005، ص 521-523.

2.سام بيرلو-فريمان، أو لاويل إسماعيل، ومجموعة باحثين، بيانات الإنفاق العسكرية(2002-2011)، في التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي، الكتاب السنوي2012، ط(1)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2012، ص27.

   إن الصين تمثل هدفاً عسكرياً شديد الصعوبة، فهي تتمتع بحماية دفاعية طبيعية، حيث أنّ مساحتها تصل إلى(9,6)مليون كم2، كما أن عدد سكانها يصل إلى(1,3)مليار نسمة حسب احصائيات 2010م، ومع مثل تلك المؤشرات، يصعب أن يتم بناء استراتيجية مضادة تقوم على: الهجوم على تلك الدولة أو التأثير في كتلتها الحيوية، فعلى الرغم من أنه تم التمكن تاريخيا من المساس الحاد بأرض وشعب الصين، على غرار ما تشير إليه فترة (حرب الأفيون)* أو الاحتلال الياباني خلال الحربين العالميتين: الأولى والثانية، فإنّ تطور القوة العسكرية، وظهور الأسلحة النووية، وتماسك الدولة الصينية، كل ذلك يغير مثل تلك المعادلات التاريخية.

   إن القوة العسكرية الصينية تبدو كبيرة بصفة عامة، ويعود ذلك إلى عوامل مختلفة، أهمها بالطبع: القوة البشرية، فعدد أفراد القوات المسلحة الصينية يبلغ مليونين و(250)ألف جندي بحسب إحصائية عام 2009م، وهو ما يشكل الجيش الأكبر عالميا من حيث القوة العددية، وفي ضوء القدرات العسكرية الصينية، فان الصين تمثل قوة قادرة على ممارسة الردعين: التقليدي والنووي ضمن محيطها الإقليمي، وإذ ما استمرت في تحديث قدراتها العسكرية بهذا الشكل السريع، فإنّها ستصبح الدولة الوحيدة القادرة على تحدي القوة الأمريكية في شرق آسيا، وسيكون للولايات المتحدة  فقط الدور الرئيس في مواجهة القدرات الصينية على المستوى الإقليمي.

لقد تنامت قوة الجيش الصيني على أثر خطط التحديث العسكرية الصينية، وتزايد الانفاق العسكري، وواردات السلاح والتكنولوجيا الروسية والغربية، بما زاد من التطور النوعي للمؤسسة العسكرية، وكان مسعى الصين يكمن في: تطوير قدرتها العسكرية إنطلاقاً من الدور العالمي الذي رسمته لنفسها، والقائم على: تحقيق اهدافها وطموحاتها، كونها ستصل إلى مرتبة القوة العظمى خلال العقود القادمة على رأي أغلب التحليلات، كما تسعى الصين إلى زيادة قوتها العسكرية ليس طمعاً بالسيطرة، وبسط نفوذها في آسيا بالدرجة الأولى، بل لحماية إمداداتها الحيوية والاستراتيجية وأهمها في هذه المرحلة: (النفط)، ففي هذا المجال، تفوقت الصين على اليابان في العام 2003م، لتصبح ثاني أكبر مستهلك للمنتجات البترولية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
ان اتجاه الصين لتحديث ترسانتها العسكرية إنّما بالقدر الذي يسمح لها أن تكون ذات قوة مؤثرة على الصعيد الإقليمي/أولاً، والدولي/ثانياً، وأن عملية تطوير وتحديث القوة العسكرية الصينية لا تقتصر على تطوير التقنيات الأسلحة التقليدية والنووية، وأسلحة الدمار الشامل، بل الأمر تعداه ليشمل: حدوث تحول في العقيدة العسكرية الصينية، حيث تبنت استراتيجية عسكرية توسع حقل المعركة الحديثة بأبعادها البرية والجوية والبحرية إلى الفضاء، واذا كان ذلك التوسع يركز في البُعد الإقليمي، فإنّ توسع المصالح الصينية في العالم ينذر بحدوث تحول لاحق لتكون تلك العقيدة تنظر إلى العالم ككل وليس إلى المحيط الصيني الإقليمي فحسب، حيث أدركت الصين مبكراً: أهمية تطوير قدرتها العسكرية وبموازاة انفتاحها الاقتصادي، حيث عملت الصين على بناء قواتها العسكرية بقصد: تعزيز مكانتها الإقليمية، واعتمدت الصين في بناء قواتها العسكرية على تعزيز عنصرين أساسيين هما: القوة الصاروخية الضاربة، والقوة البحرية القادرة على الاشتباك في المضايق وأعالي البحار.

جدول(4) القدرات العسكرية والنووية الصينية:

النوع العدد المنتشر السنة الأولى للنشر المدى(كلم2) حمولة الرأس الحربي عدد الرؤوس الحربية
قذائف ذات قواعد برية 130 نحو 130
DF-21(CSS-5) 60 1991 2100 1×200-300 kt 60
DF-31(CSS-10Mod 1) 10-20 2006 7200 1×200-300 kt 10-20
DF-31A(CSS-10Mod 2) 10-20 2007 11200 1×200-300 kt 10-20
JL-2(CSS-NX-14) 36 00 7400 1×200-300 kt 36
طائرات 20 40
DH-10 150-350 2007 1500 001x 00
النوع التسمية لدى الناتو العدد المنشور سنة الانتشار الأولى المدىكلم أ الرؤوس الحربية ×الحصيلة الرؤوس الحربية المخزونة

الطائرات

HO6 B-6 120 1965 3100 1-3قنابل 120
Q5 A-5 30 1970 400 1×قنبلة 30

الصواريخ ذات القواعد البرية

DF-A3 CSS-2 40 1971 2800 1×3.3ميغاطن 40
DF-4 CSS-3 12 1981 5500 1×3.3ميغاطن 12
DF-5A CSS-4 20 1985-86 13000 1×4-5ميغاطن 20
DF-21A CSS-5 48 2005-2009 1800 1×200-300 ميغاطن 48
DF-31 CSS-X-10 غير متوفر 8000

الجدول من أعداد الطالب بالاعتماد على: شانون ن. كايل، القوات النووية في العالم، في التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي، الكتاب السنوي2012، ط(1)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2012، ص442-443.

   ان القدرة العسكرية الصينية كانت موجهة بالدفاع عن مصالح اقتصادية وجيوسياسية إقليمية، لكنها تتجه بشكل متزايد لتكتسب طابعاً عالمياً أكثر من أي وقت مضى، ومن ثم يتوقع أن تزداد ادوار القوة العسكرية الصينية لتخرج من نطاقها الإقليمي إلى العالمي خلال العقود القادمة، وان القوة العسكرية حققت للصين حضور في المحيط الهادي، وهو حضور كانت قد افتقدته منذ أكثر من قرن من الزمن، أما في عملية بناء قوتها الدفاعية فقد اعتمدت الصين على كم متزايد من شركات التصنيع الحربي المحلي، توازيها عملية استيراد واسعة للتقانة العسكرية، إذ برزت روسيا كأكبر مورد للصين في هذا المجال.

دوافع الصين العسكرية والأمنية في تطوير علاقتها مع روسيا:

1.إدراك الصين الأهمية الاستراتيجية لروسيا، فالصين قلقة من توسع حلف الناتو في منطقة حوض المحيط الهادي مما يقلق أمنها الإقليمي.

2.تسعى الصين لأحكام أوضاعها الداخلية مما يتطلب بيئة إقليمية هادئة، فضلاً عن الحصول على دعم خارجي، وقد ساند أحدهما الآخر بما صدر في العام 1997م، من بيان مشترك أقرت فيه روسيا: بأنّ تايوان والتبت جزء من الصين، وأقرت الصين: بأنّ الشيشان جزء من روسيا.

3.أرادت الصين موازنة الاتفاق الأمني بين الولايات المتحدة الأمريكية واليابان الذي أتاح لليابان هامش من الفاعلية في إقليم آسيا.

4.الحاجة الصينية للتكنولوجيا العسكرية المتطورة من روسيا.

    وفي نهاية هذا المبحث وتأكيداً لما تقدم، فإنّ المتغيرات العسكرية والأمنية المؤثرة في العلاقات الروسية-الصينية، هي أثرت بشكل كبير على مسار العلاقة بين الدولتين، حيث شهدت العلاقة في مجالها العسكري والأمني تطوراً ملحوظاً، لاسيما بعد دخولهما في إطار تفاهمات وتحالفات ثنائية مشتركة، إذ نرى: ان هناك تعاون وتنسيق كبير في المجالين: العسكري والأمني بين الدولتين، وأن الدافع الصيني لإقامه وتدعيم العلاقات العسكرية والأمنية مع روسيا تنطلق من دوافع واعتبارات عدة من أهمها: حاجة الصين الى دعم واسناد روسيا، حيال الضغوط التي أثارها اتساع دائرة الفعل والهيمنة الأمريكية بعد نهاية الحرب الباردة ولمواجهة التحالف الأمني الأمريكي–الياباني، وإنطلاقاً من إدراك صيني–روسي مشترك مُفاده: ان التقارب الصيني–الروسي يُعّد محاولة لممارسة ضغوط مضادة تعادل ما تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية من ضغوط على الدولتين، ولدفع الأخيرة للحد منها. وكذلك حاجة الصين إلى المعدات والتجهيزات العسكرية الروسية، فضلاً عن الخبرة والتكنولوجيا الروسية المتقدمة اللازمة لتحديث الصناعة العسكرية الصينية، اذ استطاعت الصين تحقيق معدلات نمو اقتصادي عالية، مما ساعدها على زيادة الانفاق العسكري، والذي وصل في العام 2011م، إلى(129,3)مليار دولار، الامر الذي وضع الصين في مصاف أكثر دول العالم إنفاقاً على التسليح، مما سهل عليها الحصول على تقنيات عسكرية متطورة من روسيا. وايضاً العمل على تطويق الحركات الاصولية المتطرفة والانفصالية في إقليم سينكيانغ– يوغور، المعروف بـ(تركستان الشرقية) المتمتع بالاستقلال الذاتي، الامر الذي يلتقي مع الدوافع الروسية في مواجهة الحركات ذات النزعة الاستقلالية في روسيا ودول آسيا الوسطى:(كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجاكستان).

تابع…الصفحة التالية

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6 7 8 9الصفحة التالية

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى