دراسات افريقيةدراسات اقتصادية

الفرص الاقتصادية في القارة الإفريقية عام 2022

تعاني الاقتصادات العالمية من أزمة سلاسل التوريد، والانتشار السريع لمتحور أوميكرون، لكن لا يزال من المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنحو 4% في عام 2022، مقارنةً بما يُقدَّر بنحو 5.1% في عام 2021. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، ستستمر التحديات الملحوظة، ومنها نمو العمالة المتواضع، وارتفاع التضخم، وانعدام الأمن الغذائي، وتراكم رأس المال البشري. وبالنسبة إلى الدول الإفريقية، فإنه برغم التحديات المتباينة، لا سيما ما يتعلق بتداعيات كورونا، فإن هناك فرصاً واعدة للقارة. مع الأخذ في الاعتبار أن إفريقيا تمثل نحو 17% من سكان العالم، لكنها تمثل 3% فقط من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وتشير تلك الإحصاءات إلى الفشل في الاستفادة من الإمكانات التنموية للقارة، وتُسلِّط الضوء أيضاً على الفرص الهائلة لديها.

توقعات 2022

تتمثل أبرز التوقعات الاقتصادية خلال عام 2022، فيما يلي:

1– تعافي طفيف في النمو الاقتصادي: بعد انكماش الوضع الاقتصادي في إفريقيا بنسبة 3.4% في عام 2020 –وهو الأول منذ 27 عاماً والأكبر على الإطلاق– من المُتوقَّع أن تحقق إفريقيا انتعاشاً متواضعاً مع توسُّع الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي بنسبة 3.4% في عام 2021، و3.6% في عام 2022؛ وذلك وَفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، كما توقع صندوق النقد الدولي أيضاً في أكتوبر 2021 أن ينتعش الاقتصاد الإفريقي بقدر طفيف لينمو بنحو 3.7% لعام 2021، و3.8% في عام 2022. وسيسجل أكثر من 25 اقتصاداً من أسرع الاقتصادات نمواً في إفريقيا أكثر من 5%. ويعتمد تحقيق الانتعاش المُتوقَّع على انتعاش الطلب المحلي الذي نشأ من خلال تخفيف قيود الإغلاق وانتعاش الصادرات وأسعار السلع الأساسية. وتجدر الإشارة إلى أنه سيتعيَّن على العديد من الدول الإفريقية، إدارة أولويات السياسات بعناية على طريق الانتعاش، وسط السيولة المحدودة وأعباء الديون المرتفعة، خاصةً في ظل مواجهة الدول ارتفاعاً في الإصابات بكورونا، فيجب أن تظل الأولوية لزيادة الإنفاق الصحي والدعم المالي للفئات الضعيفة. وفي الدول التي انحسر فيها الوباء، ينبغي التركيز على تحفيز الأنشطة الاقتصادية.

2– ازدهار تجارة السلع الأساسية: من المتوقع أن تمتد فترة ازدهار تجارة السلع الأساسية إلى عام 2022؛ حيث يتيح العام الجاري فرصة أخرى من الأداء القوي لمنتجي وتجار السلع الأساسية الأفارقة، نظراً إلى استمرار اعتماد معظم الدول على الصادرات من السلع الأساسية؛ ما يُبشِّر بعوائد إيجابية بالنسبة إلى إيرادات الشركات وأسعار حصتها بين منتجي الطاقة والمعادن والمواد والأغذية الأفارقة، وهو ما يُسهِم في نهاية المطاف في التخفيف من مخاطر أزمات ميزان المدفوعات المتكررة في القارة.

3– تفاقم أزمة الديون الخارجية: وفقاً لتوقعات وحدة الاستخبارات الاقتصادية التابعة للإيكونوميست، قد تصل ضغوط أسعار الصرف ومشاكل الديون الخارجية إلى ذروتها في عام 2022 بالنسبة إلى بعض الدول الإفريقية؛ الأمر الذي سيُثير المزيد من الدعوات إلى إعادة هيكلة الديون الحقيقية بدلاً من تأجيل خدمة الديون، كما ستستمر بؤر الصراع الساخنة في الظهور في عام 2022؛ حيث تواجه منطقة الساحل أزمة تبدو غير قابلة للحل، وفي الوقت نفسه، سيُشكِّل الصراع في إثيوبيا مصدراً رئيسياً لعدم الاستقرار في القرن الأفريقي.

4– انعكاسات سلبية لجائحة كورونا: يواجه الانتعاش الاقتصادي لإفريقيا مخاطر سلبية؛ حيث تخضع التوقعات لشكوك كبيرة بشأن تطور جائحة كورونا على المستويَين المحلي والعالمي، حتى الشكوك من إمكانية الوصول إلى اللقاحات المتاحة للفيروس، لا سيما مع تدني مُعدَّلات التطعيم في القارة؛ حيث أظهرت بيانات مؤسسية أن واحداً من بين كل 15 شخصاً في إفريقيا تلقَّوا تطعيمات كاملة، مقارنةً بقرابة نحو 70% في دول مجموعة السبع الغنية؛ ما يشجع على ظهور متحورات جديدة لجائحة كورونا في إفريقيا، وتأثير ذلك على استمرارية الأعمال والاستثمار؛ بسبب موجات العدوى المتتالية، واستمرار تدفق تدابير الاحتواء، بما تشمله من قيود مفروضة على السفر الدولي لفترات طويلة.

فرص واعدة

تمثل السوق الإفريقية فرصة واعدة أمام المستثمرين والفاعلين الاقتصاديين، خاصةً في ظل النمو المستمر للقارة، واحتياجها إلى زيادة مستمرة في مشروعات ريادة الأعمال؛ لذلك يجب أن تلعب الحكومات الإفريقية دوراً في تسهيل جذب الاستثمارات الأجنبية من خلال تقديم مزيد من تسهيلات التمويلات للأفكار المبتكرة في القارة السمراء، مع تقديم الدعم الفني واللوجيستي. وتكمن أهم الفرص الاقتصادية التي تمثل عوامل جذب استثمارية للقارة فيما يلي:

1– عوائد منطقة التجارة الحرة القارية: تعد منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، مبادرة رائدة في أجندة الاتحاد الإفريقي 2063، وتم إنشاؤها لخلق سوق قارية متكاملة للسلع والخدمات، ودعم الحركة الطبيعية لرأس المال والأشخاص. ويتم تفعيل هذه السوق من خلال الإلغاء التدريجي للرسوم الجمركية، وإزالة الحواجز غير الجمركية. وقامت 54 دولة من أصل 55 دولة من أعضاء الاتحاد الإفريقي، بالتوقيع على الاتفاقية، وأودعت 33 دولة صكوك التصديق. وبدأت دول القارة الإفريقية رسمياً تطبيق العمل باتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) مع بداية العام الماضي. ومن المتوقع أن تعزز منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية القدرة التنافسية، والتنمية الصناعية للقارة الإفريقية، من خلال تنويع وتطوير سلاسل القيمة الإقليمية، وتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة والتحول الهيكلي. وتهدف الاتفاقية الجديدة إلى خفض جميع تكاليف التجارة، وتمكين إفريقيا من الاندماج بنسبة أكبر في سلاسل التوريد العالمية؛ حيث ستُلغي 90% من التعريفات الجمركية، وتركز على الحواجز غير الجمركية المُعلَّقة، وتخلق سوقاً واحدة تتمتع بحرية حركة السلع والخدمات، فتحقق مكاسب كبيرة في الدخل.

2– صعود الشركات الناشئة في إفريقيا: على الرغم من توقُّعات المحللين أن تداعيات جائحة كورونا على النمو الاقتصادي في إفريقيا سوف تستمر على مدى السنوات الخمس المقبلة، فإن النمو سيستمر بقدرة الاقتصاد الاستهلاكي في إفريقيا على الصمود، بجانب تزايد المطورين والاستثمارات العامة والخاصة والاستثمارات في البنية التحتية الرقمية، بالإضافة إلى العدد المتزايد من الشركات القائمة على الإنترنت، الذي يتيح سبلاً لتحقيق نمو اقتصادي ملموس يساعد في خلق فرص العمل، والحد من الفقر والمساهمة في التغلب على التحديات التي ستظهر أمام التنمية في إفريقيا. كما أن اهتمام المستثمرين بالشركات الناشئة الرقمية في إفريقيا، تصاعد خلال السنوات الأخيرة. ومن المرجح أن يتزايد الاهتمام بتلك الشركات، خاصةً في ظل اتفاق منطقة التجارة الحرة لقارة إفريقيا الذي يهدف إلى خفض الرسوم الجمركية على 90% من جميع السلع، وتسهيل حركة السلع والخدمات ورأس المال، وبما يعزز ريادة الأعمال في قارة تضم سوقاً تبلغ 1.3 مليار نسمة، ويبلغ حجم ناتجها المحلي الإجمالي 2.6 تريليون دولار.

3– تحفيز قدرات التصدير غير المستغلة: تمثل إفريقيا نحو 2% فقط من حجم التجارة العالمية. وتمثل الصادرات الإفريقية داخل القارة 17% فقط مقارنةً بنحو 59% لآسيا، و68% لأوروبا؛ لذلك فإن إمكانية الاعتماد على إفريقيا كبيرة جداً. ووَفقاً لتقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، فإن إمكانات التصدير الإفريقية الحالية غير المستغلة تبلغ 21.9 مليار دولار. ويمكن تحقيق 9.2 مليار دولار إضافية من إمكانات التصدير من خلال التحرير الجزئي للرسوم الجمركية بموجب اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية على مدى السنوات الخمس المقبلة. ولإطلاق الإمكانات غير المستغلة، يجب معالجة العديد من الحواجز غير الجمركية داخل إفريقيا، بما تشمله من التدابير غير الجمركية المكلفة والبنية التحتية وفجوات معلومات السوق.

4– استغلال الثروات المعدنية والنفطية الهائلة: تتمتع القارة السمراء بثروات طبيعية وموارد ضخمة؛ حيث تشير التقديرات إلى أن 30% من الموارد المعدنية المُستخرَجة توجد في القارة الإفريقية. أما بالنسبة إلى الموارد النفطية فتُعَد إفريقيا أكبر القارات التي تضم دولاً منتجة للنفط؛ حيث يوجد بها قرابة 21 دولة منتجة للنفط. وتنتج القارة الإفريقية في الوقت الراهن نحو 11% من النفط العالمي، بما يعادل 80 –100 مليار برميل من النفط الخام، وتضم نحو 10% من احتياطي النفط العالمي المثبت، وتنتج إفريقيا 22 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي يومياً قابلة للزيادة مع استكشافات الغاز في دول شمال القارة، بنسبة 75% من إجمالي الإنتاج العالمي من هذا المورد الاقتصادي، كما تعتبر منجماً ضخماً ينتج قرابة 80% من بلاتين العالم، وأكثر من 40% من ماس العالم، و20% من الذهب. وتسهم هذه الاحتياطيات من الثروات الطبيعية، بدرجة كبيرة في دعم اقتصادات الدول الإفريقية، وتعزيز فرص النمو، ودعم مؤشرات التنمية في القارة الصاعدة.

وختاماً، عانت إفريقيا من تباطؤ اقتصادي متزامن في عام 2020، لكن المنطقة استطاعت التغلب إلى حد كبير على الركود في عام 2021. ويبدو أن التعافي سيتسارع في عام 2022. وهناك مجموعة واسعة من العوامل ستدفع المنطقة إلى الأمام العام الجاري، خاصةً في ظل استمرار التحول الرقمي لأسواق السلع والخدمات الإفريقية وسلاسل التوريد في عام 2022، وتزايد الاستثمارات الأجنبية في البنية التحتية، بجانب التعليم والتدريب اللذين سيكونان حاسمَين لتحقيق التنمية الاقتصادية. ومع ذلك، فإن عدة عوامل ستؤثر بدرجة كبيرة على آفاق التعافي؛ على رأسها الآثار المستمرة لجائحة كورونا، والمخاطر المرتبطة بموجات العدوى المستقبلية، لا سيما بالنظر إلى معدلات التطعيم المنخفضة في معظم أنحاء المنطقة.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى