...
دراسات أمنيةدراسات استراتيجيةنظرية العلاقات الدولية

الفضاء الالکتروني وأثره علي مفاهيم القوة والأمن والصراع في العلاقات الدولية

يشهد العالم الآن في ظل الطفرة الکبيرة فى استخدام التکنولوجيا ثورة تعتمد على المعلومات والمعرفة ألا وهى الثورة التکنولوجية وانتشارها بشکل کبير حيث تم التزاوج بين التکنولوجيا والارهاب، وظهور الارهاب الالکترونى الذي أثر بدوره علي مفاهيم الأمن والقوة وأضفي البعد الالکتروني عليها، فالقوة لم تعد مقتصرة على القوة الصلبة والتى تتمثل فى القوة العسکرية والاقتصادية، والتى تحتکرها الدول بشکل عام، وليس کل الدول وانما الدول الکبرى، وأن هذا النوع لم يعد يقتصر على الدول فقط وانما کل من له القدرة على امتلاک المعرفة التکنولوجية والقدرة على استخدامها وتوظيفها لتحقيق أهدافه، سواء کان دولة أو أفراد أو فاعلين من غير الدول، ومن ثم انتهاء عصر احتکار القوة، ومن ناحية أخري ظهور الفضاء الالکتروني الذي اختصر حاجز الزمان والمکان وخلق مساحات للتفاعلات الداخلية والدولية في الواقع الافتراضي ومن ثم برزت فضاءات جديدة للصراع بأدوات مختلفة وأنماط جديدة تختلف عن الصراعات التقليدية کما أسهمت الثورة التکنولوجية في تغير مفهوم الأمن القومي بعد أن کان يرکز على القوة العسکرية وقدرتها على حماية الدولة، وأدت الي ظهور مفهوم الأمن الالکتروني حيث تغير هذا المفهوم مؤخراً بتغير مصادر تهديدات النظام الدولى التي تؤثر على الأمن القومي للدولة.

المؤلف
محمود علي عبد الرحمن علي البرهامي 
کلية السياسية والاقتصاد _ جامعة بني سويف
مجلة السياسة والاقتصاد، المقالة 14، المجلد 16، العدد 15، يوليو 2022، الصفحة 423-443

مقدمة:

        أفرزت ثورة المعلومات والتکنولوجيا تحولات عميقة في مفهوم الأمن ومضامينه وأبعاده، وايضا أحدثت تغيرات في مفاهيم القوة والصراع من حيث طبيعة المفهوم وملامح الفاعلين، حيث ظلت الصراعات التقليدية والقوة العسکرية تحددان لفترة طويلة طبيعة الخطابات السياسية، وحدود وهيکل النظام العالمي، وموقع القوي الکبري منه، إلا أن اتساع تأثيرات التقدم التقني والعامل التکنولوجي في السياسات الدولية، وخاصة بعد انتهاء الحرب الباردة، أضاف أبعادا أخري للمفاهيم التقليدية کالأمن والقوة العسکرية والصراع، حيث تلاشت الفواصل والحدود بين ماهو مدني وعسکري، ومن ثم أخذت تلک المفاهيم أبعاد وسمات غير تقليدية، سواء من حيث الفاعلون، أو القضايا، أو ديناميات التفاعل في عالمنا الراهن، وذلک نتيجة التغير في طبيعة التهديدات في ظل التزاوج بين التکنولوجيا والارهاب وظهور الارهاب الالکتروني ومع بروز الفضاء الالکتروني، کأحد أسباب التغير في مفاهيم القوة والأمن والصراع في العلاقات الدولية، حيث ساهمت ثورة المعلومات والتکنولوجيا في تحول عدد من الظواهر والتهديدات وفي مقدمتها الإرهاب، مما يجعله يشکل تأثيرا سلبيا متناميا على الأمن القومي للدول( )، حيث أصبح العالم أمام ما يمکن أن يطلق علية العصر الجديد للارهاب وذلک بالمقارنة بتغير طبيعة الصراعات وملامح الفاعلين وأبعاد الامن القومي وظهور الأمن الالکتروني والفضاء الالکتروني الذي اختصر حاجز الزمان والمکان وخلق مساحات للتفاعلات الداخلية والدولية في الواقع الافتراضي ومن ثم برزت فضاءات جديدة للصراع بأدوات مختلفة وأنماط جديدة تختلف عن الصراعات التقليدية.

المشکلة البحثيه:

      مع بروز الفضاء الالکتروني کساحة للصراع العالمي واجهت المفاهيم التقليدية مثل الأمن والقوة والصراع تحديات واضحة خاصة لجهة مدي ملائمتها أو حتي تکيفها مع طبيعة التفاعلات في الواقع الافتراضي، لذا برزت الحاجة الي معرفة وتفسير طبيعة التغيرات التي ألحقتها الحقائق التکنولوجية بهذه المفاهيم ومن هنا تدور المشکلة البحثيه حول التساؤل الرئيسي وهو: کيف أثر الفضاء الالکتروني علي مفاهيم القوة والأمن والصراع في العلاقات الدولية؟

وتأتي أهمية الدراسة في معرفة التحولات التي طرأت علي مفاهيم الامن والقوة والصراع في ظل التقدم الملحوظ والانتشار المتزايد لثورة التکنولوجيا والمعلومات فضلا عن توضيح أبرز التغيرات في الفواعل وطبيعة الصراعات في العلاقات الدولية، بينما تهدف الدراسة الي ابراز وتوضيح البعد الالکتروني لمفاهيم القوة والأمن والصراع وتأثير ذلک علي طبيعة وشکل النظام الدولي وموازين القوي في العلاقات الدولية، مع توضيح العلاقة بين الأمن الالکتروني والأمن القومي وتمثل منهج البحث وأدواته من خلال منهج التحليلي الوصفي والذي يمکن من خلاله تفسير طبيعة التغيرات التي لحقت بمفاهيم الامن والقوة والصراع من خلال جمع البيانات الوصفية حول واقع التحولات والتحديات التي واجهتها من حيث تکيفها مع طبيعة التفاعلات في الواقع الافتراضي وصولا الي تحليل وتفسير هذه البيانات. وسوف تتناول الدراسة المحاور التاليه:

– المحور الأول: أثر الفضاء الإلکتروني علي مفهوم القوة في العلاقات الدولية.

– المحور الثاني: أثر الفضاء الالکتروني علي طبيعة الصراعات في العلاقات الدولية.

– المحور الثالث: أثر الفضاء الالکتروني علي مفهوم الأمن في العلاقات الدولية.

– أولا: أثر الفضاء الإلکتروني علي مفهوم القوة في العلاقات الدولية:

           کانت ثورة المعلومات وظهور الانترنت إیذانا ببزوغ العصر الإلکتروني، وخلق بیئة جدیدة هي الفضاء الإلکتروني (Cyber space) الذي يمثل بعدا خامسا للحرب والارهاب إلي جانب الأبعاد الأربعة الأخري التقليدية المتمثلة في البر والبحر والجو والفضاء الخارجي حيث أصبح یؤثر في النظام الدولي، خاصة مع بروز شکل جدید من القوة وهي القوة الإلکترونية (Cyber power) التي توزعت وانتشرت بین عدد أکبر من الفاعلین على المستوى الدولي والمحلي، ما جعل الفضاء الإلکتروني مجالا جدیدا للصراع بین الدول( ).

        وقد جاء دور الفضاء الإلکتروني في تحول الجماعات الإرهابية من الطابع القومي الى طابع عابر للقوميات حيث أصبحت لا تتقيد بحدود الدولة بل أنها تعمل على نطاق عالمي وتسعى إلى التأثير الکوني لاعمالها ومخاطبة الرأي العام، کما وفر التقدم التکنولوجي من وجود افاقا جديدة للعمليات السرية، وتميزت بتعدد الجنسيات المنضوية تحت عمل تلک المنظمات، کما أن تلک المنظمات تعمل من خلال بنيان شبکي لا مرکزي، کما أن هناک إمکانية للتنسيق والتجنيد والتعبئة والتمويل عبر شبکات تکنولوجيا الاتصال والمعلومات والهاتف المحمول وأجهزة الکمبيوتر المحمولة والبريد الالکتروني ومواقع الانترنت .

     يعتبر الفضاء الإلکتروني مجال افتراضي من صنع الإنسان یعتمد على نظم الکمبیوتر وشبکات الانترنت وکم هائل من البیانات والمعلومات والأجهزة، وهناک من عرف الفضاء الإلکتروني بوصفه الذراع الرابعة للجیوش الحدیثة، وهناک من یرى أنه البعد الخامس للحرب، وهذا التعریف یحصر الفضاء الإلکتروني في المجال العسکري فقط دون التطرق للمجالات الأخرى، وهذا التعریف یرکز على الجانب التقني کما یغفل العامل البشري، والذي یعد جزءا أساسیا في فهم الفضاء الإلکتروني( ).

       کما جاء تعریف الاتحاد الدولي للاتصالات للفضاء الإلکتروني بأنه: ” المجال المادي وغیر المادي الذي یتکون وینتج عن عناصر هي: أجهزة الکمبیوتر، الشبکات، البرمجیات، حوسبة المعلومات، المحتوى، معطیات النقل والتحکم، ومستخدمي کل هذه العناصر” .

    وعلیه یمکننا القول بأن: “الفضاء الإلکتروني هو بیئة تفاعلیة حدیثة، تشمل عناصر مادیة وغیر مادیة، مکون من مجموعة من الأجهزة الرقمیة، وأنظمة الشبکات والبرمجیات، والمستخدمین سواء مشغلین أو مستعملین” .

     وتجدر الإشارة إلى أن مسألة تحدید مفهوم “الفضاء الإلکتروني”، هي مسألة نسبیة تتوقف على طبیعة إدارک وفهم کل من الدول والهیئات کلاً علي حسب رؤیته واستراتیجیته وقدرته على استغلال المزایا المتاحة ومواجهة المخاطر الکامنة في هذا الفضاء.

– دور الفضاء الالکتروني في تغير مفهوم القوة:

     أصبح الفضاء الإلکتروني أحد العناصر الأساسیة التي تؤثر في النظام الدولي، بما یتیحه من أدوات تکنولوجیة مهمة لعملیات الحشد والتعبئة في العالم، فضلا عن التأثیر في القیم السیاسیة، فسهولة الاستخدام ورخص التکلفة زادا من قدرته على التأثیر في مختلف مجالات الحیاة، سواء السیاسیة، الاقتصادیة، العسکریة، الاجتماعیة وحتى الایدیولوجیة، وبات جلیا أن من یمتلک آلیات توظیف البیئة الالکترونیة یصبح أکثر قدرة على تحقیق أهدافه والتأثیر في سلوک الفاعلین المستخدمین لهذه البیئة .

        حيث لعب الفضاء الإلکتروني دورا أساسيا في تعظيم القوة، أو الاستحواذ على عناصرها الأساسية في العلاقات الدولية، حيث أصبح التفوق في ذلک المجال عنصرا حيويا في تنفيذ عمليات ذات فاعلية في الأرض، والبحر، والجو، والفضاء، واعتماد القدرة القتالية في الفضاء الإلکتروني على نظم التحکم والسيطرة التکنولوجية

     وأدى ذلک الأمر إلى تغيير في مفهوم القوة الوطنية للدولة، فبات بالإمکان تعريفها بأنها مجموعة الوسائل، والطاقات، والإمکانيات المادية وغير المادية، المنظورة وغير المنظورة التي بحوزة الدولة، ويستخدمها صانع القرار في فعل مؤثر يحقق مصالح الدولة، وتؤثر في سلوک الوحدات السياسية الأخرى .

– تحولات القوة وظهور القوة الإلکترونیة:

      من الأمور المستقرة في العلاقات الدولیة أن مصادر قوة الدولة وأشکالها تتغیر، فإلى جانب القوة الصلبة ممثلة في القدرات العسکریة والاقتصادیة، تزاید الاهتمام بالأبعاد غیر المادیة للقوة، ومن ثم بروز القوة الناعمة التي تعتمد على جاذبیة النموذج والإقناع، ومع ثورة المعلومات ظهر شکل جدید من أشکال القوة وهي القوة الإلکترونیة power) Cyber)، التي لها تأثیر کبیر على المستوى الدولي والمحلي، فمن ناحیة أدت إلى توزیع وانتشار القوة بین عدد أکبر من الفاعلین مما جعل قدرة الدولة على السیطرة موضع شک، ومن ناحیة أخرى منحت الفاعلین الأصغر قدرة أکبر على ممارسة کل من القوة الصلبة والقوة الناعمة عبر الفضاء الإلکتروني، وهو ما یعني تغیرا في علاقات القوى في السياسة الدولیة .

    وفي غمار هذا التحول، برزت “القوة الالکترونية”، حیث یعرفها جوزیف ناي (Joseph S.Nye) بأنها:” القدرة على الحصول على النتائج المرجوة من خلال استخدام مصادر المعلومات المرتبطة بالفضاء الإلکتروني، أي أنها القدرة على استخدام الفضاء الإلکتروني لإیجاد مزایا للدولة، والتأثیر على الأحداث المتعلقة بالبیئات التشغیلیة الأخرى وذلک عبر أدوات إلکترونية”، کما یوضح جوزیف ناي أن مفهوم القوة الإلکترونیة یشیر إلى “مجموعة الموارد المتعلقة بالتحکم والسیطرة على أجهزة الحاسبات والمعلومات والشبکات الالکترونیة والبنیة التحتیة المعلوماتیة والمهارات البشریة المدربة للتعامل مع هذه الوسائل”( ).

      ویتناول مفهوم القوة الإلکترونیة مجمل القضایا التي تتعلق بالتفاعلات الدولیة الاقتصادیة العسکریة والسیاسیة والثقافیة والإعلامیة وغیرها.

      وترتکز عناصر تلک القوة على وجود نظام متماسک يعظم القوة المتحصلة من التناغم بين القدرات التکنولوجية، والسکانية، والاقتصادية، والصناعية، والقوة العسکرية، وإرادة الدولة، وغيرها بما يسهم في دعم إمکانات الدول على ممارسة الإکراه، أو الإقناع، وممارسة التأثير السياسي في أعمال الدول الأخرى بغرض الوصول للأهداف الوطنية، من خلال قدرات التحکم، والسيطرة على الفضاء الالکترونی .

      فقد أعطت القوة الالکترونية دفعا رئيسيا في اتجاهين الأول: تدعيم القوة الناعمة للدول حيث بات الفضاء الإلکتروني مسرحا لشن هجمات تخريبية ترتبط بنشر المعلومات المضللة، والحرب النفسية، والتأثير في توجهات الرأي العام، والنشاط السري والاستخباراتي، أما الاتجاه الآخر، فيتعلق بتبني الدول لزيادة الإنفاق في سياسات الدفاع الإلکتروني، وحماية شبکاتها الوطنية من خطر التهديدات، وبناء مؤسسات وطنية للحماية الإلکترونية .

– الفواعل في مجال القوة الإلکترونیة:

یحدد جوزیف ناي ثلاثة أنواع من الفاعلین الذین یمتلکون القوة الإلکترونیة( ):

1- الدول: والتي لدیها قدرة کبیرة على تنفیذ هجمات إلکترونیة وتطویر البنیة التحتیة وممارسة السلطات داخل حدودها.

2- الفاعلون من غیر الدول: ویستخدم هؤلاء الفاعلون القوة الإلکترونیة لأغراض هجومیة بالأساس، إلا أن قدرتهم على تنفیذ أي هجوم إلکتروني مؤثر تتطلب مشارکة ومساعدة أجهزة استخباراتیة متطورة، ولکن یمکنهم اختراق المواقع الالکترونیة واستهداف الانظمة الدفاعیة.

3- الأفراد (القراصنة) : الذین یمتلکون معرفة تکنولوجیة عالیة والقدرة على توظیفها، وعادة ما تکون هناک صعوبة في الکشف عن هویاتهم، ومن الصعب ملاحقتهم.

     کما یمکننا التفصیل أکثر بخصوص الفاعلین من غیر الدول کالتالي( ):

– الشرکات متعددة الجنسیات :

     تمتلک بعض شرکات التکنولوجیا موارد للقوة تفوق قدرة بعض الدول، ولا تنقصها سوى

شرعیة ممارسة القوة التي مازالت حکرا على الدول، فخوادم شرکات مثل: جوجلGoogle

وفیسبوک Facebook ، ومیکروسوفت Microsoft تسمح لها بامتلاک قواعد البیانات العملاقة التي من خلالها تستکشف وتستغل الأسواق، وتؤثر في اقتصادیات الدول وفي ثقافة المجتمعات وتوجهاتها، وهذا ما حدث في الأزمة بین شرکة جوجل والصین حول المحتوى، أو فضیحة تسریب بیانات مستخدمي فیسبوک لصالح شرکة “کامبردج أنالیتیکا” التي تم الاستعانة بها لصالح حملة المرشح الجمهوري ترامب.

– المنظمات الإجرامیة:

        تقوم هذه المنظمات الإجرامیة بعملیات القرصنة الإلکترونیة، وسرقة المعلومات واختراق الحسابات البنکیة وتحویل الأموال، کما توجد سوق سوداء على الانترنت المظلم Dark internet لتجارة المخدارت والأسلحة والبشر، حیث تکلف هذه الجرائم الإلکترونیة ملیارات الدولارات سنویا.

– الجماعات الإرهابیة( ):

         تعد من أبرز الفواعل الدولیة، خاصة بعد أحداث 11سبتمبر، حیث تستغل الفضاء الإلکتروني في عملیات التجنید والتعبئة والدعایة وجمع الأموال والمتطوعین، کما تحاول جمع المعلومات حول الأهداف العسکریة، وکیفیة التعامل مع الأسلحة وتدریب المجندین الجدد عن بعد، رغم أنها لم تصل بعد إلى مرحلة القیام بهجوم إلکتروني حقیقي على منشآت البنیة التحتیة للدول.

– الأفراد :

        أصبح الفرد بفضل الفضاء الإلکتروني فاعلا مؤثرا في العلاقات الدولیة، ومن أبرز النماذج ظاهرة الویکیلیکس ” “Wikileaksالذي نجح في نشر ملایین الوثائق السریة وقنصلیاتها للإدارة الأمریکیة، مما خلق مشاکل دبلوماسیة بین الولایات المتحدة الأمریکیة وحلفائها.

ثانيا: أثر الفضاء الالکتروني علي طبيعة الصراعات في العلاقات الدولية:

        تعرضت ظاهرة الصراع إلى تغيرات مع بروز الفضاء الإلکترونی، کمجال تنشأ فيه نزاعات بين الفاعلين المختلفين، خاصة مع الاعتماد الکثيف على تکنولوجيا الاتصال والمعلومات، وهنا ظهر الصراع الإلکتروني کحالة من التعارض في المصالح والقيم بين الفاعلين، سواء أکانوا دولا أم غير دول في الفضاء الإلکترونی.

       وبرغم الآثار المدمرة لهذا النمط من الصراعات، فلا يرافقه دماء، وقد يتضمن التجسس والتسلل إلى مواقع الخصوم الإلکترونية وقرصنتها دون أنقاض، أو غبار، کما أن أطرافه يتسمون بعدم الوضوح، وتنطوي کذلک تداعياته على مخاطر عدة على أمن الدول، سواء عن طريق التخريب، أو استخدام أسلحة الفضاء الإلکتروني المتعددة( ).

       ومع انتشار الفضاء الإلکتروني وسهولة الدخول إليه، اتسعت دائرة الصراعات الإلکترونية، وزاد عدد المهاجمين، وباتت هناک حالة من الکر والفر في الهجمات الإلکترونية لتعبر عن الصراع الممتد، ولذا صار الصراع بين الفاعلين المختلفين حول امتلاک أدوات الحماية والدفاع، وتطوير القدرات الهجومية الإلکترونية يستهدف حيازة القوة، والتفوق، والهيمنة، وتعزيز التنافس حول السيطرة والابتکار، والتحکم في المعلومات، وتعظيم القدرات القادرة على زيادة النفوذ والتأثير في المستويين المحلي والدولي .

       وبما أن المتنازعين يلجئون في الصراعات التقليدية إلى استخدام شتى أنواع أسلحة التدمير الممکنة، فقد انتقلت جبهات القتال بشکل مواز الي ساحة الفضاء الالکتروني، وکان هذا التغيير سببا في اعادة التفکير في حرکية وديناميکية الصراع وظهور مايعرف بعصر القوة النسبية والتي أثبتت أن القوة العسکرية قد لا تکفي وحدها لتأمين البنية التحتية للدول، الأمر الذي يخلف اثارا استراتيجية هائلة علي مستوي ترکيبة وتوازنات النظام الدولي.

       حيث اختصر الفضاء الإلکتروني حاجز الزمان والمکان، وخلق مساحات للتفاعلات الداخلیة والدولیة في الواقع الافتراضي، ومن ثم، برزت فضاءات جدیدة للصراع بأدوات مختلفة، وأنماط جدیدة تختلف عن الصراعات التقلیدیة، بعد أحداث 11سبتمبر 2001کان الفضاء الإلکتروني ساحة الصراع والقتال بین تنظیم القاعدة والولایات المتحدة، وفي عام2007 جرت العملیات العدائیة بین استونیا وروسیا، وهو ما حدث أیضا في 2008في الحرب بین روسیا وجورجیا، وجاء الهجوم الإلکتروني بفیروس ”ستاکسنت“ على برنامج إیران النووي عام 2010 لیبرز قوة الأسلحة الإلکترونیة في الصراعات الدولیة.

      برزت فضاءات جديدة للصراع بأدوات مختلفة، وأنماط جديدة تختلف عن الصراعات التقليدية وتعود أسباب اهتمام الفاعلين، سواء کانوا من الدول، أم غيرها، بهذا الفضاء، کمجال لتحقيق البيئة، وتنفيذ الأهداف، وإدارة الصراعات، إلى امتلاکه عدة سمات أساسية، من أبرزها مايأتي :

1- ساحة صراع افتراضية: أي أنه ليس له مساحة جغرافية، لذلک يتخطى الفضاء الإلکتروني العديد من الثنائيات التي تظهر في الصراعات التقليدية، حيث يشارک في الصراعات ذات الطبيعة الإلکترونية المدنيون والعسکريون، کما ترتبط أيضا بالتطورات المادية السياسية والعسکرية على الأرض، کما أنها أقل تکلفة، من حيث الخسائر المادية، وأکثر تحديدا للهدف، مقارنة بنظيراتها التقليدية.

2- زيادة الاعتماد الإلکتروني: إذ باتت الدول الحديثة تربط بنيتها التحتية بالفضاء الإلکتروني، خاصة شبکات الکهرباء والمياه، والبنوک، والبورصة، والاتصالات، وغيرها بالإضافة إلى أنظمة السيطرة والتحکم العسکرية، وجمع المعلومات، مثل الأقمار الصناعية والطائرات دون طيار في الحروب للدولة ذات الطابع الإلکتروني أحد عوامل الصراع الإلکترونی .

3- تماهي حدود الداخل والخارج: اي وجود حالة من التأثير الشبکي المتزايد داخل الدول وخارجها، حيث أن الصراع يجري في بيئة متحرکة قد تغير من طبيعته واتجاهاته، خاصة مع اتساع استخدام الافراد والجماعات والدول للتکنولوجيا الحديثة المرتبطة بالفضاء الإلکتروني سواء کانت مواقع تواصل اجتماعي ام هواتف ذکيه ام مواقع عامة للتعاملات المالية والتجارية والخدمية، ويتصل کل ذلک بشبکة الانترنت مما يجعل الخدمات والمعلومات متاحة للجميع، الأمر الذي قد يعرضها للاستهداف.

4- صعوبة الردع الالکتروني: کون الفضاء الإلکتروني ساحة افتراضية بالتالي يصعب علي الدول وضع حدود لسيادتها عليه ومع ضعف القوانين الدولية للسيطرة علي هذا الفضاء، يغيب الردع في ظل امکانية التنکر علي شبکة الانترنت ومجهولية مصدر الهجمات الالکترونية وسهولة ان يقوم بها الأفراد وليس الدول فقط .

5- غياب الشفافية الالکترونية: فمع عدم القدرة علي معرفة هويات القائمين علي هجمات القرصنة، نشبت معضلة غياب الشفافية والقوانين المقيدة للصراعات في المجال الالکتروني، بالاضافة الي صعوبة التمييز بين طبيعة الأطراف المتنازعة.

ولعل أبرز ما یعزز انتشار الأنشطة غیر السلمیة في الفضاء الإلکتروني ما يلي( ( :

1- ارتباط العالم المتزاید بالفضاء الإلکتروني وزیادة خطر تعرض البنیة التحیة الکونیة للمعلومات لهجمات إلکترونیة.

2- استخدام الفاعلین من غیر الدول للفضاء الإلکتروني لتحقیق أهدافهم وتأثیر ذلک على سیادة الدولة.

3- انسحاب الدولة من قطاعات إستراتیجیة لصالح القطاع الخاص.

4- اشکالیة تعامل الدول مع الشرکات التکنولوجیة متعدیة الجنسیات، والتي أصبحت تفوق قدراتها، مثل مواقع التواصل الاجتماعي کالفیسبوک وتویتر والیویتوب الذین أصبحوا فاعلین دولیین بامتیاز.

       وبالتالي أصبح الفضاء الإلکتروني ساحة جدیدة للصراع بشکله التقلیدي ولکنه ذو طابع إلکترونی یعکس النزاعات التي تخوضها الدول أو الفاعلین من غیر الدول على خلفیات دینیة أو یدیولوجیة أواقتصادیة أو عرقیة أو سیاسیة، ویتمدد الصراع الإلکتروني بداخل شبکات الاتصال والمعلومات متجاوزا الحدود التقلیدیة وسیادة الدول.

      وکشف استخدام الفضاء الإلکتروني عن حالة التعارض الحقیقي للاحتیاجات والقیم والمصالح بین العدید من الفاعلین، وساعد ذلک على ظهور أسالیب جدیدة للصراع الدولي، تباینت بین الطابع التقني والتجاري والاقتصادي والعسکري، إلى جانب ظهور طرق بدیلة عن الحرب المباشرة بین الدول عبر شبکات الاتصال والمعلومات، فهناک أنواع للصراع الإلکتروني منها :

– صراع إلکترونی تحرکه دوافع سیاسیة، ویأخذ شکلا عسکریا، ویتم فیه استخدام قدرات هجومیة ودفاعیة عبر الفضاء الإلکتروني بهدف افساد النظم المعلوماتية والشبکات والبنية التحتية .

– ویوجد صراع إلکتروني ذو طبیعة ناعمة، حول الحصول على المعلومات والتأثیر في المشاعر والأفکار وشن حرب نفسیة واعلامية.

– کما یأخذ الصراع الإلکتروني طابعا تنافسیا حول الاستحواذ على سبق التقدم التکنولوجي وسرقة الأسرار الاقتصادیة والعلمیة، والتحکم بالمعلومات، والعمل على اختراق الأمن القومی للدول، کهجمات قراصنة الکمبیوتر والتجسس بما یکون له من تأثیر على تدمیر الاقتصاد والبنیة التحتیة بنفس القوة التي قد یسببها تفجیر تقلیدي مدمر.

      ویمکن أن یستخدم الفضاء الإلکتروني کوسیلة من وسائل الصراع داخل الدولة بین مکوناتها، على أساس طائفي أو اقتصادي أو دیني ونتیجة زیادة التهدیدات والمخاطر في الفضاء الإلکتروني التي تواجه الدول ظهر مفهوم الأمن الإلکتروني .

– ثالثا: أثر الفضاء الالکتروني علي مفهوم الأمن في العلاقات الدولية:

     فقد ارتبط ظهور الأمن الإلکتروني بظهور الهجمات الإلکترونية والتي حدثت بسبب عاملين أساسين:

– الأول: باستحداث أجهزة الکمبيوتر في منتصف الخمسينيات من القرن المنصرم کأداة لمعالجة وحفظ المعلومات رقمياً (Digital)، رافقه تضافر جهود عدد من الشرکات الخاصة والعامة، توج بتطوير وحدة المعالجة المرکزية (CPU)، وذلک لتسهيل المهام الموکلة له، وقد تطور ذلک بصورة جذرية في العقود اللاحقة، حتى أصبح جهاز الکمبيوتر أساساً في عمل الکثير من المؤسسات الخاصة والعامة، فضلاً عن الحياة اليومية.

– أما الثاني: فهو ظهور الشبکة العنکبوتية )الإنترنت(، الذي أحدث انقلاباً مثيراً في حياة البشرية من خلال التواصل ونقل المعلومات بسرعة فائقة، وقد سارعت الدول في وتيرة استخدام الکمبيوتر لتحقيق قفزات نوعية في المجال الأمني والعسکري في مطلع التسعينيات من القرن المنصرم، وذلک حتى أطلق البعض عليها مصطلح الحرب الإلکترونية الباردة ( Cyber Cold War) أو سباق التسلح الإلکتروني .(Cyber arms race)

       ویعرف الأمن الإلکتروني بأنه أمن الشبکات والأنظمة المعلوماتیة، والبیانات، والمعلومات، والأجهزة المتصلة بالانترنت، وعلیه فهو المجال الذي یتعلق بإجراءات، ومقاییس، ومعاییر الحمایة المفروض اتخاذها، أو الالتزام بها، لمواجهة التهدیدات، ومنع التعدیات، او على الأقل الحد من آثارها .

– طبيعة العلاقة بين الأمن والتکنولوجيا:

      تزايدت العلاقة بين الأمن والتکنولوجيا، خاصة مع إمکانية تعرض المصالح الاستراتيجية للدول إلى أخطار وتهديدات، الأمر الذي حول الفضاء الإلکتروني لوسيط ومصدر لأدوات جديدة للصراع الدولي وفرضت تلک التطورات إعادة التفکير في مفهوم الأمن القومي للدولة، والذي يعنى بحماية قيم المجتمع الأساسية، وإبعاد مصادر التهديد عنها، وغياب الخوف من خطر تعرض هذه القيم الهجوم، وبات توافر أمن الفضاء الإلکتروني يتحقق حال وجود إجراءات الحماية ضد التعرض للأعمال العدائية، والاستخدام السيئ لتکنولوجيا الاتصال والمعلومات .

     وعنى ذلک الأمن الإلکتروني بعملية وضع المعايير والإجراءات المتخذة لمنع وصول المعلومات إلى ايدى أشخاص غير مخولين بها عبر الاتصالات، ولضمان أصالة وصحة هذه الاتصالات .

        بيد أن طبيعة ذلک الفضاء، کساحة عالمية عابرة لحدود الدول، جعل الأمن الالکتروني يمتد من داخل الدولة إلى النظام الدولي ليشکل نوعا من الأمن الجماعي العالمي، خاصة مع وجود مخاطر تهدد جميع الفاعلين في مجتمع المعلومات العالمي لذا، أصبحت هناک مصلحة قطرية، وکذلک دولية، في الحفاظ على أمن الفضاء الإلکتروني، على أساس أن الأخير صار جزءا من الأمن القومي، ودعم ذلک الطبيعة المتغيرة للتفاعلات الإلکترونية، خاصة مع تطور القدرات البشرية على إنتاج تقنيات جديدة، فضلا عن تصاعد مخاطر التهديدات الإلکترونية على البنية التحتية الکونية للمعلومات .

– أبعاد الأمن الإلکتروني:

       یطال الأمن الإلکتروني جمیع المسائل العسکریة، الاقتصادیة، والاجتماعیة، والسیاسیة، والإنسانیة، بهدف تحقیق منظومة أمن متکاملة تعمل على الحفاظ على الأمن القومي للدولة من کل التهدیدات الإلکترونیة، وعلیه لابد من توضیح أبعاد الأمن الإلکتروني، والتي نوردها کالآتي :

 – البعد العسکري: یکمن في الحفاظ على قدرة الوحدات العسکریة على التواصل عبر الشبکات العسکریة، مما یسمح بتبادل المعلومات والأوامر وتدفقها ، ٕواصابة الأهداف عن بعد، إلا أنها تمثل کذلک نقطة ضعف، خاصة إذا لم تکن مؤمنة جیدا من الاختراق، الذي قد یؤدي إلى تدمیر قواعد البیانات العسکریة، أو قطع الاتصال بین القیادة والوحدات العسکریة، فضلا عن إمکانیة التحکم في بعض الأسلحة وخروجها عن السیطرة ) طائرات بدون طیار، صواریخ موجهة، أقمار صناعیة…إلخ)، ویعتبر فیروس ستاکسنت Stuxnet بداية لاستعمال القوة الإلکترونية لتدمير البنية المادية (هاجم حواسيب أجهزة الطرد المرکزي الإيرانية.(

– البعد الاقتصادي: أصبح الانترنت أساسا للمعاملات التجارية والمالية والاقتصادية، کما تستعمل الحواسيب في تسيير وتطوير الصناعات وتحريک الاقتصاد، وأصبح الکل مترابطا عبر شبکات الکمبيوتر، مما يستدعي الحديث عن أهمية تحقيق الأمن الإلکتروني في المجال الاقتصادي.

– البعد الاجتماعي :تسمح طبيعة الإنترنت المفتوحة عبر المدونات والشبکات الاجتماعية بشکل خاص لکل مواطن بأن يعبر عن تطلعاته السياسية وطموحاته الاجتماعية، حيث تمثل مشارکة جميع شرائح المجتمع فرصة للاطلاع على الأفکار والمعلومات المختلفة وبما تکونه من حاجة لدى المجتمع في الحفاظ على استقرار الفضاء الإلکتروني والمجتمع الذي يرتکز إليه، لکن في المقابل يعرض أخلاقيات المجتمع للخطر، نظراً لصعوبة مراقبة محتوى الإنترنت، کما يعرض الهويات لعمليات اختراق خارجي مما قد يتسبب في تهديد السلم الاجتماعي للدولة، وعليه فلابد من العمل على توعية المواطن بهذه المخاطر لتحقيق الأمن الإلکتروني في بعده الاجتماعي.

– البعد السیاسي: یعد التدخل الروسي الإلکتروني في الانتخابات الأمریکیة أبرز دلیل على ضرورة وأهمیة الأمن الإلکتروني في بعده السیاسي، إضافة إلى التسریبات للوثائق الحساسة والاختراقات التي غالبا ما تؤدي إلى أزمات دبلوماسیة بین الدول، کما أن الفضاء الإلکتروني أصبح بیئة خصبة للحملات الانتخابیة والدعایة لمختلف الفاعلین الدولیین.

 -البعد القانوني: إن التطورات التکنولوجیة المتسارعة، تفرض مواکبة التشریعات القانونیة لها، من خلال وضع أطر وتشریعات للأعمال القانونیة وغیر القانونیة في الفضاء الإلکتروني، فالملاحظ أن الجریمة الإلکترونیة تفتقد في معظم الحالات والبلدان أطرا قانونیة صارمة للتعامل معها، إضافة إلى ضرورة تفعیل التعاون الدولي المشترک لمکافحتها.

 ويتميز الأمن الإلکتروني بمجموعة من الخصائص منها:

– طابع متعدد التخصصات الاجتماعية والتقنية.

– کونه شبکة خالية من الحجم، اضافة الي أن قدرات الفاعلين يمکن أن تکون مماثلة على نطاق واسع.

– درجة عالية من التغيير والترابط وسرعة التفاعل .

         کما أن تراجع سيادة الدولة مع تصاعد دور الفاعلين من غير الدول في العلاقات الدولية (مثل الشرکات التکنولوجية العابرة للحدود، وشبکات الجريمة، والقرصنة الإلکترونية، والجماعات الإرهابية وغيرها) فرض تحديات عديدة في الحفاظ على الأمن الالکتروني العالمي، ودفع ذلک إلى بروز اتجاهات تعددية لتحقيق ذلک الأمن عبر التنسيق بين أصحاب المصلحة من الحکومات والمجتمع المدني، والشرکات التکنولوجية، ووسائل الإعلام، وغيرها.

الخاتمة:

           يمکن القول أن ثورة المعلومات وما صاحبها من التطور في التکنولوجيا والتقنيات الحديثة في ظل العصر الرقمي أدت الي ظهور تحولات في طبيعة التهديدات للأمن القومي أبرزها الارهاب الالکتروني واستغلاله لبعض الثغرات الموجودة في الفضاء الإلکتروني، ويعتبر من بين التهديدات التي لا تقل خطورة ومساسا بالأمن القومي للدول، الذي قد طرأ عليه الکثير من التعديل والتغيير، على مستوى التهديدات، الفاعلين، والقطاعات، فبعد أن بدأ عند الواقعيين محصورا في الدولة والقوة العسکرية، توسع في مفهومه الشامل، ليعم جميع مجالات الحياة، مرکزا على أمن الافراد والمجتمعات، وظهور العصر الرقمي بفضل ثورة المعلومات والاتصالات، فالکل مرتبط بالشبکة، مما خلق فضاء جديدا للتفاعل، هو الفضاء الإلکتروني، الذي بدوره أحدث تغييرا في مفاهيم العلاقات الدولية، کمفهوم القوة والصراع والحرب، حيث انتشرت القوة بين الفاعلين، وتحول الصراع من المادي الى الافتراضي، وأصبحت الحروب تخاض بالاصفار والآحاد، وبدا واضحا أن الدول تتجه نحو عسکرة الفضاء الإلکتروني، مما نتج عنه ظهور تهديدات جديدة تتزايد في الحجم والشدة، وتشکل تهديدا خطيرا للأمن القومي، فکلما زاد التشابک، زادت التهديدات الإلکترونية، وأثر ذلک على الأمن القومي، مما عجل بظهور مفهوم جديد هو الامن الإلکتروني، بأبعاده المختلفة، والذي تحاول الدول من خلاله الحد من المخاطر والتهديدات في الفضاء الإلکتروني، فالجريمة والارهاب والحرب في الفضاء الإلکتروني تعد من بين التحديات الأمنية الجديدة أمام الدول.

ولذا فقد خلصت الدراسة لعدة نتائج:

1- أصبح الفضاء الالکتروني أحد العناصر الأساسیة التي تؤثر في النظام الدولي، بما یتیحه من أدوات تکنولوجیة مهمة لعملیات الحشد والتعبئة في العالم، فضلا عن التأثیر في القیم السیاسیة.

2- الفضاء الالکتروني أصبح مجالا للتفاعلات الصراعية الدولية، حتي في ادارة الأسلحة التقليدية، التي تستهدف البنية التحتية المدنية المرتبطة بالفضاء الالکتروني، والذي يربط الشبکات الحيوية للدولة عبر نظم اتصال قد تستهدفها الهجمات الالکترونية، بجانب تهديد البني التحتية العسکرية، وسرقة المعلومات العسکرية أو التلاعب بها، واختراق أنظمة التحکم والسيطرة والحرب النفسية الالکترونية علي العدو.

3- أن من یمتلک آلیات توظیف البیئة الالکترونية یصبح أکثر قدرة على تحقیق أهدافه والتأثیر في سلوک الفاعلین المستخدمین لهذه البیئة.

4- ظهور القوة الالکترونية منحت الفاعلین الأصغر قدرة أکبر على ممارسة کل من القوة الصلبة والقوة الناعمة عبر الفضاء الالکتروني، وهو ما یعني تغیرا في علاقات القوى في السياسة الدولیة.

5- يأخذ الصراع الالکتروني طابعا تنافسیا حول الاستحواذ على سبق التقدم التکنولوجي وسرقة الأسرار الاقتصادیة والعلمیة، والتحکم بالمعلومات، والعمل على اختراق الأمن القومی للدول، کهجمات قراصنة الکمبیوتر والتجسس بما یکون له من تأثیر على تدمیر الاقتصاد والبنیة التحتیة بنفس القوة التي قد یسببها تفجیر تقلیدي مدمر.

6- مفهوم الأمن القومي قد طرأ علیه الکثیر من التعدیل والتغییر، على مستوى التهدیدات، الفاعلین، والقطاعات، فبعد أن کان محصورا عند الواقعیین في الدولة والقوة العسکریة، توسع في مفهومه الشامل، لیعم جمیع مجالات الحیاة.

الهوامش

5/5 - (10 أصوات)

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى