مثَّل انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية فترة الحـرب البـاردة نقطـة تحـول محورية في تاريخ العلاقات الدولية والنظام الدولي المعاصر، ومنذ ذلـك الوقـت وهناك حوار محتدم حول طبيعة النظام العالمي الجديد، كما تعددت بشأنه الكتابات،فمن قائل بأنه نظام يقوم على قطبية أحادية، إلى من يقول بأنه نظام يقـوم علـى تعدد الأقطاب، بينما يؤكد رأي ثالث على أنه مازال في مرحلة سيولة وتحول ولم تتحدد معالمه بعد. ويرجع البعض السبب في عدم استقرار الباحثين على رأي محـدد بـشأن طبيعة النظام الدولي في المرحلة الراهنـة إلـى حقيقـة أن الولايـات المتحـدة الأمريكية، وإن كانت القوة العسكرية الأولى في العالم، إلا أنهـا لا تملـك القـوة الاقتصادية التي تجعلها مهيمنة. وفي الوقت نفسه تصاعدت مكانة وتـأثير بلـدان وقوى أخرى، تمتلك قوة اقتصادية ضخمة، وإن كانت تفتقر إلى القوة العـسكرية الكافية مقارنةً بالولايات المتحدة الأمريكية. ويشار إلى الدور المتزايد لهذه القـوى والبلدان في مجال الاقتصاد والسياسة العالميين منذ نهاية نظام القطبية الثنائية منخلال أوصاف عدة من قَبِيل “القوى الصاعدة Powers Emerging “أو”القـوى .” Middle Powers المتوسطة.
ويعتبر مفهوم القوى المتوسطة من المفاهيم التي تزايد الاهتمام الأكـاديمي بها – بشكل ملحوظ – داخل أدبيات العلاقات الدولية خلال فترة ما بعد الحـرب الباردة. وبرغم أن المفهوم كان – ولا زال – محلاً لجدل كبيـر بـين المحللـين والخبراء في مجال العلاقات الدولية، إلا أنهم لم يختلفوا كثيراً حول تأثير وأهميـة الدور الذي تلعبه القوى المتوسطة في النظام الدولي، بل ويؤكد بعضهم علـى أن واقع السياسة الدولية يشير إلى ضرورة الأخذ في الاعتبار النفوذ والدور المتزايد لتلك القوى في إقامة النظام الدولي والحفاظ على استقراره، وهو ما دعـى إلـى التساؤل عن الأسباب والعوامل التي تجعل لمجموعة من الدول متوسـطة القـوة ٣ القدرة على أخذ زمام المبادرة والتأثير الفعال في مجالات وقضايا إقليمية ودولية، برغم عدم امتلاكها للكثير من مصادر القوة الـصلدة Power Hard) اقتـصادياًوعسكرياً).