المجتمع الدولي الجديد وظاهرة الإرهاب

اعداد : حمد قدوره – المركز الديمقراطي العربي

من أخطر التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي الجديد، هي ظاهرة الإرهاب الذي تعددت أشكاله، وتماثلت ألوانه، حيث صار موضوعه يتصدر مشاغل المجتمع الدولي المعاصر، لما يشكله من خطر بالغ الأهمية على الأمن والسلم الدوليين . الإرهاب ظاهرة سياسية لا تجد لها توصيف قانوني لذلك من الصعب أن يوجد لها مفهوم يجمع حوله جميع الفقهاء[1]. ليمكن تشخيصها ومعالجتها أوالحد منها.

الإرهاب ظاهرة قديمة حديثة، حيث أول اتفاقية لمنع الإرهاب ومعاقبته كانت منذ سنة 1937[2] إثر اغتيال ملك يوغوسلافيا والوزير الأول الفرنسي سنة 1934، وازداد انشغال العالم بالإرهاب بعد أحداث 1972[3] قتل عناصر من الفريق الرياضي الإسرائيلي، وبعد هجومي، نيورك وواشنطن يوم 11 سبتمبر2001.[4]

اليوم لا يمكن لأي جهة أن تجزم مهما كانت الخبرة التي تمتلكها، ومهما كان إلمامها بالأحداث العالمية، بأن هذه المنطقة أو هذا الإقليم من العالم هو في منأى أو خال من الإرهاب. فإن ضرب اليوم هنا، فقد يضرب غدا هناك ، وأمام تضارب مصالح الدول واستثمار بعضها في الإرهاب، أصبح نفس العمل الإجرامي هنا يطلق عليه إرهابا، وهناك يعد عملا مشروعا ودفاعا عن النفس، وذودا عن الحقوق المنتهكة. حركات التحرر الوطني في هذا المكان تعتبر مقاومة وطنية من أجل حق الشعوب في تقرير المصير وفي مكان آخر تعد إرهابا يستدعي معاقبة مرتكبيه ومحاربتهم تباينت نظرة القوى الفاعلة في المجتمع الدولي الحديث للإرهاب. لم يقع اعتماد مفهوم موحد للإرهاب فتعددت المفاهيم بتعدد الآراء والأفكار التي يؤمن بها هذا الفقيه أو ذاك فالخلاف حول تحديد طبيعة الإرهاب هو اختلاف إيديولوجي بحت.[5] باعتبار إن مفهوم الإرهاب بصيغه الحالية يعتبر ظاهرة حديثة ، فالمراجع القديمة تعرضت لإعمال العنف. حيث ظهورت جماعات مارست العنف المادي عبر التاريخ الإنساني الطويل . لترهيب الناس بغية تحقيق أهداف سياسية معلنة أو سرية .

الفرع الأول : نشأة الإرهاب :

يقول بول حونسن « بأن البشرية قد انحدرت شيئا فشيئا ، وبطريقة لا تكاد تكون محسوسة نحو عصر إرهابي»[6].يرجع بعض الباحثين مسألة الإرهاب إلى طبيعة الإنسان، وحبه للسيطرة وبسط نفوذه على الآخرين بالقوة، وذلك عن طريق ترهيبهم وترويعهم،[7] المقصود من تلك الأفعال، التي تتمثل في: القتل ، والاغتيال ، والحرق، والتفجير، هدم المنازل والمعابد، والمؤسسات … وصول من قام بذلك العمل الإرهابي إلى بغيته، عادة ما تكون إنهاء وضع سياسي أو اجتماعي قائم ، وإقامة وضع بديل .

ذكرت كتب التاريخ ظهور جماعة من المتشددين اليهود، في القرن الأول الميلادي، حيث قامت هذه الجماعة بترويع وقتل الأغنياء من اليهود المتعاونين مع المحتل الروماني في بعض المناطق من فلسطين، أطلق عليهم اسم رجال الخناجر (Sicarii Zealots). في القرن الحادي عشر ميلادي ظهرت فرقة الحشاشين التي بثت الرعب بين الناس، ولدى الحكام في إيران وفي بلاد الرافدين ( سوريا العراق اليوم) ، نجح الحشاشون في بلوغ أهدافهم السياسية عن طريق القتل والإرهاب، على مدى قرنين من الزمن. أما في العصر الحديث استخدم مصطلح الإرهاب ( terrorisme ) ، لأول مرة عام 1795، ( كلمة فرنسية مشتقة من كلمة لاتينية terrere أي «التخويف»)،استعملت الكلمة لوصف الأساليب التي استخدمتها المجموعة السياسية الفرنسية (Jacobin Club) بعد الثورة الفرنسية خلال الفترة التي عرفت باسم عهد الرعب (Règne de la terreur) في فرنسا. كانت هذه الأساليب تشمل ترهيب وإسكات واعتقال كل صوت معارض لرموز الثورة الفرنسية وتوجهاتهم. أوائل القرن العشرين ، استعملت كلمة الإرهابي لوصف الأشخاص أو الجهات التي لا تحترم قوانين الحرب، مثل استهداف المتعمد لأهداف مدنية أو تعذيب الأسرى أو قتل الجرحى.

كان المعارضون للسلطة يوصفون بالإرهابيين، وكان المعارضون يتباهون بصفة إرهابي كما يتباهى المناهضين للاستعمار الغربي في منطقتنا العربية بصفة “فلاقة”، وحين أقدمت المعارضة الماركسية الروسية فيرا زاسوليج (Vera Zasulich) على اغتيال الحاكم العسكري لمدينة سانت بطرسبرغ العام 1878 لأسباب سياسية، سلمت نفسها للسلطة الروسية، وهي تصرخ «أنا إرهابية ولست بقاتلة»، وهي عضو في مجموعة معارضة لحكومة روسيا القيصرية سميت بالمجموعة ألاسلطوية (Anarchisme). استعملت كلمة الحرب على الإرهاب لأول في أربعينات القرن من طرف سلطات الانتداب البريطاني على أرض فلسطين ضد الجماعات الصهيونية ( منظمتا أرجون وشتيرن ) ، التي باتت تستهدف المدنيين الفلسطينيين عنوة وبطريقة وحشية قصد إرهابهم وتهجيرهم من قراهم أطلقت السلطات البريطانية على حملتها الإعلامية تلك عنوان: الحرب على الإرهاب، وفي سنة 1977 اتخذت مجلة “تايم مقازين” (Time magazine) عنوانا لمقال رئيس على غلافها (الحرب على الإرهاب) يتعلق بالمعارضين السياسيين لحكومات الاتحاد السوفييتي سابقا، ومثيلاتها في الدول الأوروبية .

في خضم مسار العولمة وأمركة الكون وانبهار الناس بالنظام العالمي الجديد وقع حدث هز أركان الدولة العظمى، صبيحة يوم 11 سبتمبر 2001[8]، حدث غريب في وقوعه وأبعاده العاجلة والآجلة، يتمثل في هجوم إرهابي بطائرات تجارية على برجي التجارة العالمية بنيويورك، ومبنى “البنتاقون” وزارة الدفاع الأمريكية بواشنطن ( أزهقت فيه أرواح أكثر من3000 إنسان)، أحدث تغيرات كبيرة في السياسة الأمريكية – التي أصبحت القوة العظمى في العالم دون منازع في النظام الدولي الجديد – عقبت تلك الهجمات[9]. بدأت بإعلان الولايات المتحدة الأمريكية الحرب على الإرهاب، دخلت في حرب ضد أفغانستان وإسقاط نظام طالبان واحتلالها أواخر سنة 2001، تم احتلال العراق، وإنهاء حكم الرئيس صدام حسين سنة 2003 ، بادعاء امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل وعلاقته بالإرهاب، وقد كذبت في ما بعد الدوائر الحكومية الأمريكية نفسها تلك الإدعاءات ، وبينت بكون مبررات الحرب على العراق كانت باطلة. أصبح تقرير مصير شعوب العالم رهن إرادة الولايات المتحدة الأمريكية، التي سخرت كل وسائل القوة التي تمتلكها للهيمنة والتحكم في مصير الإنسانية . أصبح مبدأ تقرير المصير يتصف بشبهة الإرهاب حين يكون المطالبون به تتعارض توجهاتهم مع النظام العالمي الجديد الذي تبشر به الولايات المتحدة، حيث يكون المقاوم الفلسطيني الذي يدافع من أجل تحرير أرضه من الغاصب الصهيوني المحتل،[10] والذي استباح كل المحرمات في القانون الدولي والقيم الإنسانية، إرهابيا، ويوصف المحتل الصهيوني بالمدافع عن حقه الشرعي في العيش بسلام وأمنه الإقليمي. أصبحت كلمة الإرهاب وصفة الإرهابي، تطلق على كل فرد أو جماعة يستعمل الدين في الأمور السياسية، كحماس في غزة وحزب الله في لبنان وكل من يتخذ الدين كمبرر لاستعمال العنف ضد الآخرين.[11] بعض الدول الغربية أرادت إلصاق الإرهاب بالدين الإسلامي خصوصا،[12]وأصبح هذا التوصيف مصدر إحراج وقلق للمسلمين في ديار الغرب وبرزت في السنوات الأخيرة تيارات معادية للمسلمين ولوجودهم في الدول الغربية. كما تصنف كل حركات المقاومة العربية التي تستهدف الاحتلال الصهيوني لفلسطين، سواء داخل فلسطين أو خارجها بكونها تنظيمات إرهابية. وأخذت الحرب على الإرهاب أوجه عديدة: إعلامية واقتصادية أمنية وعسكرية، وفي أغلب الأحيان تستهدف دولا ذات سيادة، وأعضاء في منظمة الأمم المتحدة بدعوى بكونها تمول أو تحتضن مجموعات إرهابية.

الفرع الثاني : مفهوم الإرهاب

من أصعب الأعمال التي تعترض الفقهاء اليوم،[13] هو عدم الإجماع حول مفهوم فقهي موحد للإرهاب. فحين تطرح اليوم كلمة إرهاب قد لا تجد إشكالا في تعريفها اللغوي، فكل المعاجم تجمع بكون الإرهاب هو كل فعل يرمى فاعله من ورائه ترهيب الناس وتخويفهم وترويعهم لغاية يريد القائم بالفعل الإرهابي بلوغها. لكن الصعوبة في المفهوم الفقهي الموحد لم تكن حائلا دون اجتهاد الفقهاء، بل صدرت العديد من الدراسات الفقهية حول التوصل إلى مفهوم دقيق للإرهاب. لأن التوصل إلى مفهوم دقيق يرضي الجميع ينهي الكثير من الإشكالات العملية والنظرية المتعلقة بالإرهاب الدولي.[14]

التعريف اللغوي للإرهاب: هو اشتقاق من فعل أرهب، يرهب،إرهابا وترهيبا[15]: يقال أرهب عمرو زيدا أي خوفه وأفزعه. ففي المعجم الوسيط والمنجد: الإرهابي هو من يلجأ إلى الإرهاب لإقامة سلطته، وتحقيق أهدافه السياسية،[16]والحكم الإرهابي هو نوع من الحكم يقوم على الإرهاب والعنف تعمد إليه حكومات أو جماعات ثورية. في معجم الرائد: الإرهاب هو رعب تحدثه أعمال عنف كالقتل وإلقاء المتفجرات أو التخريب . والإرهابي هو مَنْ يلجأ إلى الإرهاب بالقتل أو إلقاء المتفجرات أو التخريب لإقامة سلطة أو تقويض أخرى . أما الحكم الإرهابي فهو نوع من الحكم الاستبدادي الذي يقوم على سياسة معاملة الشعب بالشدة والعنف بغية القضاء على النزعات والحركات التحررية والاستقلالية.

يعرفه القاموس العربي المصور”المتقن”[17]بأنه: الرعب، والعنف الذي يصاحبه تخويف أو تخريب، والإرهابي هو من يمارس الإرهاب، ويلجأ إلى الإرهاب للحصول على غايته .علما أن المعاجم العربية القديمة خلت من كلمتي الإرهاب والإرهابي لأنهما من المصطلحات حديثة الاستعمال،ولم تعرفهما الأزمنة القديمة[18].

يعرف القاموس الفرنسيLAROUSSE الإرهاب بكونه: « جملة من الأفعال العنفية (اغتيالات، أخذ رهائن) ترتكب من طرف تجاه مجموعة أو بلد أو نظام لخلق مناخ غير آمن …».

«Ensemble d’actes de violence (attentats, prises d’otages, etc.) commis par une organisation ou un individu pour créer un climat d’insécurité, pour exercer un chantage sur un gouvernement, pour satisfaire une haine à l’égard d’une communauté, d’un pays, d’un système.»[19]

كما يعرفه القاموس السياسي الفرنسي : TOUPICTIONNAIRE[20] Etymologie : du latin terror, terreur. Le mot terrorisme a été utilisé pour la première fois en novembre 1794 pour désigner la “doctrine des partisans de la Terreur” pendant la Révolution Française.
Le terrorisme désigne l’usage de la violence par certaines organisations politiques pour atteindre leurs objectifs : faire pression sur l’Etat, contraindre une population à l’obéissance, médiatiser une cause, promouvoir une idéologie….Le terrorisme peut prendre la forme d’attentats, d’assassinats, d’enlèvements, de sabotages, d’actes d’intimidation, etc. Au-delà des victimes directes, qui sont souvent des civils, le terrorisme cherche à frapper l’opinion publique, à l’intimider, en instaurant un climat de terreur et de peur . Un terroriste est celui qui réalise des actes de terrorisme .

إذا طرح مفهوم الإرهاب اصطلاحا فتجد هيلا من المفاهيم، ذكر بعضهم أنه وجد تسعا بعد المائة (109)[21] من التعريفات للإرهاب ولم تجد من بينها تعريفا واحدا دقيقا لمعنى كلمة الإرهاب،فكل مفهوم يشير إلى منحى صاحبه الفكري والإيديولوجي،وموقفه وغاياته، ومصلحته من تلك العملية الإرهابية. عرفه”سوتيل“:»بالعمل الإجرامي المصحوب بالرعب أو العنف بقصد هدف محدد»، ويعرفه مكتب التحقيقات الفدرالية بأنه:« الاستخدام غير القانوني للقوة والعنف ضد البشر وممتلكاتهم وممتلكاتهم،بغرض إجبار الحكومة أو المجتمع على تحقيق أهداف سياسية، أو اجتماعية معينة».[22]

اختلاف كبير حول مفهوم الإرهاب واستعمالاته المختلفة. يتبين من كل ذلك أن ظاهرة الإرهاب ليس لها تعريف قانوني محدد على وجه الدقة حتى من الناحية الاصطلاحية حول ما هو المقصود بالإرهاب الدولي. القاضي “باكستر” Baxter” يقول في ذلك « المصطلح تعوزه الدقة كما أنه غامض والأهم من ذلك كله أنه لا يخدم غرضًا قانونيًا فاعلا »[23]. لقد حاول العديد من الفقهاء وضع تعريف للإرهاب، من بينهم أستاذ القانون الدولي شريف بسيوني[24]، اعتمدت اجتماعات لجنة الخبراء الإقليمية في فيينا التي نظمتها الأمم المتحدة في مارس1988 هذا التعريف : « الإرهاب هو إستراتيجية عنف محرم دوليًا، تحفزها بواعث عقائدية وأيديولوجية وتثير في إحداث عنف مرعب داخل شريحة خاصة من مجتمع معين لتحقيق الوصول إلى السلطة أو القيام بدعاية لمطلب أو لمظلمة بغض النظر عما إذا كان مقترفو العنف يعملون من أجل أنفسهم ونيابة عنها أم نيابة عن دولة من الدول.«[25]. فهذا التعريف هو لظاهرة سياسة وليس تعريفًا قانونيًا وتوصيف لحالة واقعية. إذ يمكن القول بأن مصطلح الإرهاب ليس له مضمون قانوني محقق أو دقيق، أو أنه لا يوجد له تعريف قانوني أو حتى سياسي مقبول بوجه عام هو إقرار بالواقع[26] .

لم يجمع فقهاء القانون الدولي والعلوم السياسية في المجتمع الدولي المعاصر رغم اجتهاداتهم حول مفهوم موحد للإرهاب، ورغم صدور العديد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية التي تندد وتجرم أعمال العنف وتقر بسلامة النقل الجوي والبحري لكنها لم تتطرق إلى تحديد مفهومة عبارة إرهاب، ليس من علة في خبرتهم بل أن الظاهرة سياسية ذات مفهوم مميع من طرف القوى العظمى ، والفاعلة في مركز القرار الدولي وممارساتها على المسرح الدولي التي هي في الواقع تخضع لمزاج تلك القوى الذي لا يخضع لمبادئ قانونية ولا لمعايير موضوعية.

من أهم هذه الاتفاقيات الدولية والإقليمية : [27]

اتفاقية MONTREAL بكندا لقمع أعمال العنف اللاشرعية ضد سلامة الطيران المدني الموقعة في23 ديسمبر1971[28]….والملحقة ببروتوكول، مؤرخ في 24 فيفري1988المتعلق بالإعمال الإرهابية التي تستخدم الطيران المدني الدولي[29]. اتفاقية روما حول قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد الملاحة البحرية بتاريخ 10 مارس 1988. تم اعتماد اتفاقيات تتعلق بالهجمات الإرهابية بالقنابل بتاريخ 15 ديسمبر1997 واتفاقية قمع الإرهاب النووي في 15 أفريل 2005 .

كما صدرت العديد من الاتفاقيات الإقليمية :

– توقيع اتفاقية الحماية من الإرهاب بتاريخ 16ماي2005، في إطار المجلس الأوروبي.

– اعتماد اتفاقية مكافحة الإرهاب الدولي بتاريخ 1 جويلية 1999، في منظمة التعاون الإسلامي. ونفس الشيء في إطار جامعة الدول العربية بتاريخ 22 أفريل 1998. في نفس السياق تم توقيع اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية (الإتحاد الأفريقي حاليا) لمنع الإرهاب ومكافحته[30]. لكن الاتفاقيات الصادرة عن المنظمات العربية والإفريقية والإسلامية ، لئن كانت هي الأخرى لم تعط مفهوما دقيقا للإرهاب، لكنها تميزت عن الاتفاقيات الأخرى بكونها ميزت بين الإرهاب والمقاومة، التي يراد من ورائها بلوغ التحرر الوطني، ودحر المستعمر، وحق تقرير المصير ولو كانت هذه الأعمال تكتسي صبغة الكفاح المسلح.

ترى بعض القوى العالمية في حركات التحرر الوطني المسلحة منظمات إرهابية يراها البعض الآخر حركات مقاومة لدحر المغتصب المحتل، ومن أجل حق تلك الشعوب في تقرير مصيرها.[31] نفس العمل الإرهابي ومن نفس التنظيم في زمن وموقع يعد إرهابا ، وباختلاف الزمان والمكان يعد عملا مقاوما ومشروعا، وهو ما نراه اليوم في ما تقوم به نفس المجموعات الإرهابية من تفجيرات في بلاد الغرب، أو ضد إسرائيل يعد إرهابا، وحين يمارس نفس العمل من نفس المجموعة في سوريا يعتبر مقاومة ودفاعا عن الحقوق والحريات ضد نظام مستبد. أدت هذه الازدواجية في المكاييل إلى فشل معظم الجهود الدولية للوصول إلى تحديد مفهوم دقيق ومشترك لحقيقة الإرهاب وهذا ما حال دون الاتفاق على درجة من التعاون الدولي لمكافحته. المؤتمر الدولي الذي عقد العام 1973 لبحث الإرهاب والجريمة السياسية، انتهى إلى أن «عدم وجود مفهوم واضح للأسباب التي تؤدي إلى ممارسة النشاطات التي تنشا حالة الإرهاب، هو العقبة التي تحول دون اقتلاع الإرهاب واجتثاث جذوره».

وكالة المخابرات المركزية الأميركية أعطت مفهوما للإرهاب سنة 1980 بكونه: « التهديد باستعمال العنف أو استعمال العنف لأغراض سياسية من قبل أفراد أو جماعات سواء كانت تعمل لمصلحة سلطة حكومية قائمة أو ضدها ، وعندما يكون القصد من تلك الأعمال إحداث صدمة، أو فزع، أو ذهول ، أو رُعْب لدى المجموعة المُسْتَهدَفَة والتي تكون عادة أوسع من دائرة الضحايا المباشرين للعمل الإرهابي».

حددت بعض اللجان الأميركية القانونية سنة 1975 الإرهاب في عدة أنواع منها:
– الإرهاب السياسي .
– الفوضى المدنية.
– الإرهاب غير السياسي .

– الإرهاب السياسي المحدود . .
– الإرهاب الرسمي أو إرهاب الدولة .

لكن لجنة الخبراء العرب المجتمعة في تونس، في الفترة من 22 إلى 24 أوت 1989 أعطت للإرهاب مفهوما يعد أكثر الصيغ شمولية ووضوحًا. حيث نص هذا المفهوم بكون: « الإرهاب هو فعل منظم من أفعال العنف أو التهديد به ، يسبب فزعًا أو رعبًا من خلال أعمال القتل أوالاغتيال أو حجز الرهائن أو اختطاف الطائرات أو تفجير المفرقعات وغيرها، مما يخلق حالة من الرعب والفوضى والاضطراب، بهدف تحقيق أهداف سياسية، وذلك سواء قامت به دولة أو مجموعة من الأفراد ضد دولة أخرى أو مجموعة أخرى من الأفراد، في غير حالات الكفاح المسلح الوطني المشروع من أجل التحرير والوصول إلى حق تقرير المصير في مواجهة جميع أشكال الهيمنة أو قوات استعمارية أو محتلة أو عنصرية أو غيرها، وبصفة خاصة حركات التحرير المعترف بها من الأمم المتحدة، ومن المجتمع الدولي، والمنظمات الإقليمية بحيث تنحصر أعمالها في الأهداف العسكرية أو الاقتصادية للمستعمر أو المحتل أو العدو ولا تكون مخالفة لمبادئ حقوق الإنسان».

الفرع الثالث : الإرهاب ونشر ثقافة الخوف

يرى البعض في الإرهاب بكونه نشر ثقافة الخوف بين الناس لتحقيق أهداف سياسية ، لإخضاع الشعوب والحكومات لإرادة صناع الإرهاب وهو في الغالب من أعمال المخابرات والتنظيمات السرية التابعة لها لبث الرعب والخوف بين الناس، يرى زبغيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس جيمي كارتر، في الحرب على الإرهاب، خلق لثقافة الخوف، وترهيب الشعوب عن قصد « لأنها تحجب العقل ، وتزيد من حدة المشاعر، وتجعل من الأسهل على السياسيين الغوغائيين تعبئة الجمهور بالسياسات التي يرغبون في تمريرها». وهو ما تقوم اليوم به الأحزاب الشعبوية في الغرب ضد المهاجرين الملونين وخاصة المسلمين منهم ، وبث الرعب في الناس بكون كل مسلم إرهابي ، فلا تقربه ولا تتعامل معه ، خاصة عقب كل عملية إرهابية يتبين القائم بها مسلم (إسلامفوبياislamophobie) ، وخلال الحملات الانتخابية. الجبهة الوطنية الفرنسية (front national, F .N) حزب يميني متطرف، علما أنه قد غير اسمه إلى التجمع الوطني (national rassemblement) ، في أول حملة انتخابية له سنة 1978 كانت تحت شعار بات من التاريخ “مليون عاطل عن العمل يعني مليون مهاجر زائد عن الحاجة”. تركز خطابه منذ نشأته سنة 1972 حول الأمن، ومحاربة الإرهاب الديني ، والهجرة غير الشرعية .

الفرع الرابع : تنوع أشكال الإرهاب :

لقد تجاوزت الأعمال الإرهابية، أصناف الإرهاب التقليدي إلى ظهور أصناف جديدة من الإرهاب ، في مقال نشرته مجلة سبايكد (Spiked) البريطانية ، يشير فيه “فرانك فوريدي”FRANK FUREDI)) أستاذ علم الاجتماع في جامعة’ كنت’ KENT)) إلى أن ثقافة الخوف السائدة اليوم لم تبدأ بانهيار مركز التجارة العالمي، وإن حالات الذعر العامة انتشرت قبل11 سبتمبر عام 2001 بكثير، لتشمل الخوف من كل شيء بدءً من المحاصيل الزراعية المعدلة وراثيًا إلى الهواتف المحمولة إلى الاحتباس الحراري والحمى القلاعية، فلونزا الطيور،جنون البقر… ، والإرهاب الغذائي المتمثل في احتكار أسواق المواد الغذائية الأساسية كمادة القمح والحليب من طرف قوى الاحتكار العالمي، التي تستغل زمن الحروب أوالأوبئة، وقد عاشت تونس زمن جائحة كورونا، خلال ربيع 2020، هذا النوع من الإرهاب الغذائي ، حيث احتكرت مجموعة من المضاربين مادتي السميد والدقيق،( مادتان غذائيتان أساسيتان في الثقافة الغذائية التونسية). ما تقوم به كل من إثيوبيا وتركيا من إقامة سدود ضخمة على أنهار دولية ( نهر النيل، نهري دجلة والفرات) مما يقلص منسوب المياه بالنسبة لمصر والسودان الواقعتين على مصب نهر النيل ( نزاع حول إقامة سد النهضة من طرف الدولة الإثيوبية)، ومشكل سوريا والعراق مع تركيا حول مياه الرافدين ( دجلة والفرات) وما يقوم به الكيان الصهيوني من استغلال مفرط لمياه الدول المجاورة لفلسطين المحتلة، وهي ما يعبر عنها اليوم بحروب المياه أو إرهاب العطش، فهي نوع من الإرهاب الغذائي لما يحدثه من نقص في المحصول الزراعي للدول المتضررة ، وما ينتج عن ذلك من تصحر، ومجاعات، وهجرة غير منظمة. كما برز الإرهاب البيولوجي، حيث هو نوع من أشكال السلاح الذي يشكل تهديدا لسلامة الإنسان والطبيعة. توجد العديد من المخابر المصنعة للمواد الكيميائية، والمفاعلات النووية البعض منها قادر على الفتك بملايين البشر في لحظات ، إذا استعمل، أو فقدت السيطرة عليه، وانتشر في الجو أو تسرب إلى جوف الأرض، فحادثة انفجار المفاعل النووي “تشرنوبيل” بأوكرانيا يوم 6 أفريل 1986، مازالت عالقة في أذهان ملايين البشر حيث انتشرت الحرارة والإشعاعات النووية في كافة البلدان المجاورة لأوكرانيا روسيا البيضاء وساعدت الرياح في حملها إلى بولندا والدول الإسكندنافية والتشيك، ومنها إلى ألمانيا ورومانيا وبلغاريا واليونان وتركيا، وتسبب انفجار المفاعل عند وقوعه بمصرع واحد وثلاثين (31) من العاملين ورجال الإطفاء بالمحطة جراء تعرضهم مباشرة للإشعاعات النووية. أن المنطقة المحيطة بمفاعل تشرنوبيل شهدت تصاعدا كبيرا في معدلات الإصابة بسرطان الغدة الدرقية أكثر من أي أنواع أخرى من السرطان لاسيما من بين من كانوا في سن 18عاما، وقت وقوع الكارثة.[32] أشارت إحصائية رسمية لوزارة الصحة الأوكرانية إلى إن 2.3 مليون من سكان البلاد ما زالوا إلى وقت قريب يعانون بأشكال متفاوتة من الكارثة، كما تسببت في تلوث 1.4 مليون هكتار من الأراضي الزراعية في أوكرانيا، وروسيا البيضاء بالإشعاعات الملوثة.

اعتبرت جيني بريستو”JENNY PRESTO” الكاتبة في نفس المجلة سالفة الذكر، أن ثقافة الخوف التي ظهرت في أعقاب11 سبتمبر 2001، وهجمات الجمرة الخبيثة المتتالية لم تكن مخاوف طبيعية ناشئة ، ولكنها مخاوف مصنعة من أعلى إلى أسفل أي من السياسيين إلى الجماهير ويتم ترويجها من قبل الإعلام. ولما لذلك من ـتأثير سلبي على تفرغ الشعوب لتقرير مصيرها السياسي والاجتماعي، والاقتصادي، والعلمي وثني لجهودها من أجل التقدم والنمو، واللحاق بمصاف الأمم المتقدمة والمشاركة الإيجابية في بناء الحضارة الإنسانية، والتخلص من التبعية المقيتة التي كبلت الشعوب عن التحرك من خلال مصالحها وبناء دولها السيدة والمستقلة ، ينعم فيها الفرد بالحرية والكرامة والعيش الكريم .

[1] د.عزيز شكري – الإرهاب الدولي دراسة قانونية ناقدة – الطبعة الأولى – دار العلم للملايين 1991 – ص. 45 .

288عبد الرحمان أبو النصر ، مشروعية استخدام القوة بشأن حق تقرير المصير وعلاقته بالإرهاب الدولي في ضوء القانون الدولي العام والشريعة الإسلامية كلية الحقوق – جامعة الأزهر بغزة مجلة جامعة الأزهر بغزة، سلسلة العلوم الإنسانية 2006 ، المجلد الثامن، العدد الأول ص 138.

[3] حادث ميونخ في 5 سبتمبر/أيلول 1972 والتي أسفرت عن مقتل 11 رياضياً اسرائيلياً .

د. عبد المجيد العبدلي ، مصدر سابق ص .524 .[4]

[5] Ale.P.Schmidt and Albert .I. Jongman et al,Polical Terrorism,Swidoc,Amsterdam and Transaction Books,1988 ,p.5.

د. أمحمدي بوزينة آمنة ، مصدر سابق ،ص.23 .[6]

[7] سعد صالح شكطي نجم الجبوري ، الجرائم الإرهابية في القانون الجنائي ، دراسة مقارنة في الأحكام الموضوعية ، دار الجامعة الجديدة ، الاسكندرية ، 2013 ، ص .21 .

[8] د.أمحمدي بوزينة أمنة ، الخلط بين الإرهاب والمقاومة وأثرها على القضية الفلسطينية ، دار الجامعة الجديدة ، الإسكندرية ، 2019 ،ص ص . 8-9 . أنظر كذلك : انظر قرار الجمعية العامة الذي أدان هذه الهجمات في 56/1 الصادر في 12 سبتمبر 2001 .وتقرير الفريق العامل المعني بالسياسات المتعلقة بالأمم المتحدة والإرهاب وثيقة رقم 875 A/57/273-5/2003/

مذكور في عبد الرحمان أبو النصر ، مصدر سابق ، ص. 140 .

[9]Sofie Body –Gendord ,La société américaine ,après le 11septembre 2001,France ,Presse des sciences politiques،, 2002،p. 124

د. أمحمدي بوزينة أمنة ، مصدر سابق ، ص. 11 .[10]

[11] عادل عبد الله المسدي ،الحرب ضد الإرهاب والدفاع الشرعي في ضوء أحكام القانون الدولي مع دراسة لمدى مشروعية استخدام القوة المسلحة من جانب الولايات المتحدة ردا على هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية ، القاهرة، 2006 ، ص. 15 .مذكور في د. أمحمدي بوزينة آمنة ،مصدر سابق ، ص.22 .

عبد الرحمان أبو النصر ، مصدر سابق ، ص .126 .[12]

[13] Lauren Langman and Dougاlas Morris, islamic Terrorism .From Retrenchment to Resentment and Beyond in Essential Readings in Politiical Terrorism , Harvey Kushner Ed. New York : Gordian knot Press, ( University of Nebraska ) ,2002, p. 01.مذكور في المصدر السابق ،ص .24 :

أنظر كذلك : إمام حسنين، الإرهاب وحروب التحرير الوطنية ، الطبعة 1 ، دار مصر المحروسة ، القاهرة ، 2002 ،ص. 8 .

مذكور في : الدكتورة أمحمدي بوزينة آمنة ، مصدر سابق ، 25[14]

مذكور في نزار كرمي ، مصدر سابق ،ص.11 .[15]

نفس المصدر السابق .[16]

نفس المصدر السابق.[17]

محمود داوود يعقوب، المفهوم القانوني للإرهاب ، منشورات زين الحقوقية ،لبنان ،2012 ، ص. 61 .[18]

[19] Dictionnaire encyclopédique LAROUSSE :

[20] Dictionnaire politique français toupictionnaire .

[21] حماد، ك. الإرهاب والمقاومة في ضوء القانون الدولي العام، المؤسسة الجامعية للد ا رسات والنشر والتوزيع، بيروت، 2003. ص 29.

[22] ا لمخزومي عمر محمود سليمان، مفهوم الإرهاب في القانون الدولي وتمييزه عن الكفاح المسلح، رسالة ماجستير في القانون الدولي،

جامعة الدول العربية، القاهرة، 2000 ، ص. 17 ، ص. 21 .

R.Baxter, A Skeptical look at the concept of Terrorism, 7 Akron Low Rev. 380 , 1974. [23]

شريف بسيوني ، أمريكي من أصل مصري ، خبير في القانون الدولي العام ، عمل في اللجان القانونية التابعة للأمم المتحدة .[24]

[25] C.H.Pyle. The political Offense exception in Bassioune(ed). Legal Responses to

International Terrorism, U.S. Procedural Aspects, Martinus Nijhoff Publishers 1988 P. 23

[26] عزيز شكري – الإرهاب الدولي دراسة قانونية ناقدة – الطبعة الأولى – دار العلم للملايين 1991 – صفحة 47.

د. عبد المجيد العبدلي ، مصدر سابق ، ص .ص . 554 -555 – 556 .[27]

[28] الضمور، ج ، مشروعية الج ا زءات الدولية والتدخل الدولي ضد ليبيا، السودان، الصومال، الطبعة الأولى، الشركة الجديدة. للطباعة والنشر، عمان، الأردن،2004 ، ص. 17.

د. عبد المجيد العبدلي، نفس المصدر السابق .[29]

نفس المصدر السابق .[30]

[31] كمال حماد، الإرهاب والمقاومة في ضوء القانون الدولي العام، المؤسسة الجامعية للنشر، بيروت، طبعة أولى بيروت، 2003 ، ص.22 .

[32] Marc Lallanilla, Tchernobyl, Faits sur la catastrophe nucléaire, Vivre science Contributeur , 25 septembre 2013 www.livescience.com/39961- tchernobyl .htm .

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button