المخطط الأثيوبي و تداعياته على الأمن القومي المصري (سد النهضة )

إعداد:  حسام عربي عبد العظيم – كلية الإقتصاد و العلوم السياسية – جامعة القاهرة.

  • المركز الديمقراطي العربي

مقدمة:

نعلم جيدا أن السدود الاثيوبية الأربعة لها خلفية تاريخية حيث ترجع إلى المخطط الأمريكي و جاءت ردا على مصر بعد قيامها بإنشاء السد العالي, فأرسلت أمريكا بعثة دبلوماسية كبيرة من مكتب الاستصلاح  الزراعي الأمريكي عام 1985 لدراسة و إنشاء عدة مشروعات وإقامة سدود على النهر الازرق حيث يبلغ حجمه أربعة اخماس حجم مياة نهر النيل و استصلاح اراضي جديدة قابلة للزراعة. و انتهى مكتب الاستصلاح الامريكي من وضع مخطط يضم انشاء 33 مشروعا منهم أربعة سدود على النهر الازرق بسعة تخزينية 70 مليار متر مكعب من المياه و توليد طاقه كهربائية بسعة 5500 ميجاوات[1], بالاضافة إلى الاراضي الزراعية التي سيتم استصلاحها بعد انشاء السدود والتي حددها مكتب الاصلاح الامريكي و تبلغ مليون فدان يستهلك مايقرب من 5 مليار متر مكعب من المياة سنويا كما موضح (بالشكل 1).

و يعتبر نهر النيل أطول أنهار العالم, حيث يبلغ طوله 6650 كم, ويغطي حوض النيل مساحة 3,5 مليون كم مربع في 10 دول أفريقية هي من المنبع إلي المصب (تنزنيا , جمهورية الكونغو الديمقراطية , أوغندا ,  كينيا ,  بورندي , رواندا , إثيوبيا , إرتريا , السودان , مصر) , ورغم ذلك فإن تصرفه عند أسوان من أقل التصرفات النهرية  84) مليار متر مكعب فقط) علي مستوي العالم. ينبع نهر النيل من مصدرين رئيسيين هما: 1- الهضبة الإثيوبية والتي تشارك بحوالي 71 مليار متر مكعب عند أسوان ( 85 % من إيراد نهر النيل)، من خلال ثلاث أنهار رئيسية: النيل الأزرق (أباي) 50 مليار متر مكعب  والذي يشكل حوالي 60 % من إيراد نهر النيل عند أسوان، نهر السوباط (بارو- أكوبو) 11 مليار متر مكعب.  و نهرعطبرة (تيكيزي) 11مليون متر مكعب , 15 % من إيراد نهر النيل،  2- هضبة البحيرات الاستوائية والتي تشارك بحوالي 13 مليار متر مكعب  والتي تشمل بحيرات فيكتوريا، كيوجا، إدوارد، جورج[2].

و قد ساعد دولة اثيوبيا في انشاء هذه السدود مجموعة من الدول الغربية و المنظمات الدولية مثل البنك الدولي و كان هدفه نقل اثيوبيا من دولة فقيرة الدخل إلى دولة متوسطة الدخل بحلول عام 2025 و ذلك من خلال توليد الطاقة الكهرومائية من هذه السدود و تصديرها إلى الدول المجاورة مثل السودان و كينيا و الصومال و جيبوتي و أيضا مصر , خصوصا إن مصر قد وافقت على دراسة جدوى الربط الكهربائي مع أثيوبيا لإستيراد الكهرباء منها , وذلك قبل تقييم الاثار السلبية لهذه السدود على الأمن القومي المائي لمصر.

و من هنا نرى أن البنك الدولي قد يخطأ في الحسبان بشأن دولة أثيوبيا لأنه لو أراد تنمية أثيوبيا فلا يأتي ذلك على حساب دولة أخرى و هي مصر و التي عندما تحجب مياة النيل عنها ستنهار, فهي مسألة وجودية لمصر و شعبها.

كما أن أثيوبيا تمسكت بمبدأ الحق المطلق بعقدها لإتفاقية عنتيبي عام 2010 مع 6 دول المنابع و هي تنزانيا و روندا و بروندي و كينيا و أوغندا وارادت السيطرة و الهيمنة على مياة النيل لتنفيذ استراتيجيتها و مخططها و هي تعلم جيدا أنها بذلك تضر بمصلحة دول المصب مثل مصر و السودان و تخليها عن مبدأ السيادة المشتركة و حق المشاع.

المخطط الأثيوبي و تأثيره على الأمن القومي المصري و السد العالي:

  • كيف استغلت اثيوبيا الظروف التي مرت بها مصر لتنفيذ مخططها؟

ساعدة الظروف أُثيوبيا حيث هيأت لها الفرصة في البدء في مخططها القومي الاستراتيجي بالسيطرة و التحكم في مياة النيل الازرق خلال مبادرة حوض النيل (1999-2012), والذي كانت تموله دول غربية بالاضافة إلى البنك الدولي. وقد استدرجت كلا من مصر و السودان للدخول في أطر للتعاون لدول حوض النيل و التي كان تهدف الى اعادة توزيع مياة نهر النيل و عدم الإعتداد بالاتفاقيات التي أبرمت في سنوات الاحتلال, هذه الاتفاقيات التي منحت مصر و السودان حقهما التاريخي و الطبيعي لمياة النيل, كما اعطتهم الحق في منع أي دولة في إقامة مشروعات ري أو سدود أو محطات توليد كهرباء قد تعوق سريان مياة النهر إلى مصر او تنقص من الكميات المتفق عليها. من هذه الاتفاقيات, اتفاقية عام 1902 التي أبرمتها بريطانيا مع الإمبراطور الأثيوبي “ميلنيك الثاني” و ألزمته فيها بعدم السماح بقيام أي مشروعات أو سدود على النيل الأزرق أو نهر السوباط أو بحيرة تانا و التي من شأنها تعوق وصول كميات المياة في النيل إلى مصر. أيضا اتفاقية 17 مايو عام 1929 و التي وقعها رئيس الوزراء المصري حين ذاك “محمد محمود” مع المندوب السامي البريطاني “لويد” وكانت عبارة عن خطابين متبادلين, مرفق بهما تقرير للجنة المياه سبق اعداده عام 1925 تعهدت فيها بريطانيا بالنيابة عن أوغندا و و تنزانيا و السودان و التي كانت جميعهم تحت الاحتلال البريطاني بعدم انشاء مشروعات أو محطات توليد كهرباء قد تعوق وصول كميات المياه في النيل إلى مصر أو تنقص من حجمها او تعدل من تاريخ وصولها أو إنخفاض منسوبها و ذلك بدون اذن مسبق من مصر[3].

و غيرها من الاتفاقيات الدولية التي تعترف بالحقوق المائية لمصر و تنظم العلاقات المائية بينها و بين دول حوض النيل, حتى انتهت أثيوبيا من وضع إتفاقية السيطرة و التحكم المطلق لدول المنابع على مياة النيل و جميع منابعه و البحيرات و المستقعات و هي إتفاقية عنتيبي 2010 مع 6 دول المنابع و التي أقرت بمبدأ السيادة المطلقة لمياة النيل لدول المنابع و قد عارضت مع الاتفاقيات و القوانين الدولية مثل قانون الأمم المتحدة لمياة الأنهار 1997 و الذي ينظم العلاقات المائية لدول الجوار و يقر بمبدأ السيادة المشتركة لمياة النهر.

و بالتالي قطع الطرق على مصر تماما ليس فقط في التحكم في تدفق المياة اليها, بل منع مصر أيضا من الحصول على مياة الفواقد التي تحصل عليها من باقي دول المنابع, مثل أوغندا و جنوب السودان حيث تعتمد مصر في تنمية مواردها المائية من خارج حدودها, “مياة الفواقد” هي كميات المياه التي تتسرب من النيل إلى المستنقعات أو إلى باطن الأرض, أو تفقد بالبخر مثل مستنقعات الصدد بجنوب السودان التي تبتلع من مياة النيل مايقرب من 30 مليار متر مكعب سنويا و تضيع  بالبخر و لاتعترض مصر و أيضا لاتكتفي أثيوبيا بذلك[4].

و في بداية 2010 انشغلت مصر بإجتماع مجلس وزراء الموارد المائية لدول حوض النيل كما انشغلت بإعداد مؤتمر شرم الشيخ للمجلس الوزاري , حتى أرسلت أثيوبيا باكورة من دراسات السدود الأثيوبية والتي كانت بمثابة دراسات مبدأية, و طالبتها بسرعة الإستجابة و وضع الملاحظات على دراسات ماقبل الجدوى , متعمدة في ذلك إنشغال مصر مع تضييق الوقت و المطالبة بسرعة الإستجابة مما يسبب ضغط على الحكومة المصرية و يفقدها وعيها بما يخصها و يحق لها في مياة النيل ولا تدرك الادراك التام لخطورة هذه السدود على الأمن القومي الماتي لمصر.

لكن تعاملت الحكومة المصرية بكل عقلانية و رزانة و كأنها لم تكن أزمة , فخبرة مصر في إدارة مثل هذه الأزمات تعتبر نموذجا يحتذى به. فسارعت بتشكيل لجنة كبيرة من أساتذة جامعة القاهرة المتخصصين في شئون السدود الهيدرولوجية و شئون البيئة و الموارد المائية , بالإضافة إلى أساتذة المركز القومي للبحوث المائية و النماذج الرياضية و ذلك لمناقشة دراسات ماقبل الجدوى للسدود الاثيوبية التي أرسلها مكتب النيل الشرقي الأثيوبي المعروف “بالإنترو”. و وضعت ملاحظتها بالفعل و حددت أن هذه الدراسات لم تأخذ في الاعتبار الأثار السلبية التي تخلفها هذه السدود على مصر , و طالبت اللجنة مكتب الإنترو الأثيوبي بضرورة الأخذ في الإعتبار هذه الأثار السلبية و لم يهتم مكتب الإنترو الأثيوبي بهذه الأثار السلبية و أرسل دراسات ماقبل الجدوى مجددا مع بعض التعديلات السطحية و التي لم تمنع الأثار السلبية و لم تحل الموقف حتى ردت الحكومة المصرية بالرفض و أرسلتها إلى مكتب النيل الشرقي “الإنترو” و أرسلت نسخة من الرفض إلى البنك الدولي و سكرتارية مبادرة حوض النيل[5].

اشتعال ثورة الخامس و العشرين من يناير عام 2011 ضد النظام المصري الذي كان يقف امام أثيوبيا و زواله من الحكم و اشتعال الاضطرابات السياسية و الأمنية في مصر مع إنسحاب معظم الإستثمار و السياحة منها كانت أكبر فرصة لأثيوبيا لعزمها البدأ في تشييد السد دون الخوف من أي رد فعل من مصر, وحتى يصبح حقيقة واقعة معترف بها تجدها مصر أمامها قبل أن تستعيد قوتها و تجمع شملها. ففي فبارير 2011 أعلنت صحيفة أديس فورشن الأثيوبية “Addis Fortune” أن الشركة الإثيوبية لتوليد الكهرباء ستبدأ عملها في إنشاء سد “إكس” , و أكد وزير المياه و الطاقة الأثيوبي على هذا الخبر في مؤتمر صحفي له في مارس 2011, كما حدد السعة التخزينية لهذا السد و التي تبلغ 60 مليار متر مكعب من المياه و توليد طاقة كهربائية تبلغ 5250 ميجاوات. و حدد أيضا مكان السد و هو بالقرب من سد الحدود  ” border” عند منطقة بني شنقول-جوميز.

و قامت الحكومة الأثيوبية بتوقيع عقد مع الشركة الإيطالية “ساليني” و التي ستتولى إنشاء السد بقيمة 4,8 مليار دولار, و قام رئيس الوزراء الأثيوبي “ميليس زيناوي” بوضع حجر الأساس للسد في إبريل 2011 , والذي أطلق عليه سد الألفية العظيم , ثم تغير أسمه إلى سد النهضة العظيم من قبل مجلس الوزراء الأثيوبي الذي غير الأسم بعد وفاة زيناوي , كما قاموا بإجراء تعديل في حجم السد ليصل إرتفاعه إلى 145 متر و سعته التخزينية التي تصل إلى 74 مليار متر مكعب و حجم الطاقة الكهرومائية المستولدة 6000 ميجا وات, كل هذا دون أي تنسيق مع الإدارة المصرية .

كما تلعب أثيوبيا دورا واضحا في استقطاب الدول الافريقية التي تأخذ فكرة سلبية عن مصر حيث تريد الهيمنة على مياة النيل على حساب باقي دول حوض النيل و أنها لاتريد التنمية و التقدم لهذه البلاد و تحاول نشر الفقر و الفساد بين شعوبها و أن دور مصر تجاه  دول الخليج و الشرق الأوسط و لاتهتم بالدول الأفريقية و ساعدها على ذلك الاتفاقيات التاريخية التي أبرمها الاحتلال بالنيابة عن هذه الدول و لصالح مصر حيث أمنح مصر حق الفيتو في منع أي مشروعات أو سدود قد تعوق تدفق المياة في نهر النيل إلى مصر.  و أن مصر و السودان نظرا لأنهم دول عربية إسلامية فستجعل دول مجلس التعاون الخليجي ينحاز في صفهما و يمارسو الضغط على إثيوبيا بالتوقف عن البناء وإلا سيسحبو اسثماراتهم منها, كما إن مصر جعلت أمريكا و البنك الدولي في صفها حتى تستخدمهم في وقف الدعم المالي المقدم منهم لبناء السد و الضغط عليها للتوقيع على الاتفاقيات التي تدعم دور مصر و السودان فقط[6].

ماذا يتضمن المخطط الأثيوبي؟.

كما ذكرنا من قبل أن الولايات المتحدة الأمريكية  أرسلت وفد يضم عدد كبير من مكتب إستصلاح الأراضي الأمريكي كرد على الإدارة المصرية التي قامت ببناء السد العالي . وذلك  لدراسة و تنفيذ 33 مشروعا منهم أربعة سدود على النيل الأزرق هم (كارادوبي, بيكوابو, مندايا, بوردر) بسعة تخزينية للمياه تصل إلى 70 مليار متر مكعب و توليد طاقة كهروبائية بحجم 5500 ميجاوات, مع استكشاف أراضي جديدة قابلة للزراعة و استصلاحها و زراعتها قد تصل لمليون فدان, لكن اجرت الحكومة الأثيوبيا تعديل في دراستها الهيدرولوجية لهذه السدود لتصبح السعة التخزينية 140 مليار متر مكعب من مياة النيل الأزرق , و توليد طاقة كهروبائية تصل إلى 7100 ميجاوات. من هنا نرى أن السعة التخزينية و حجم توليد الطاقة الكهرومائية قد زادت إلى ضعف السعة التخزينية و حجم الطاقة التي قدرها مكتب الاستصلاح الأمريكي 1985[7].

المخاطر و التداعيات السلبية لسد النهضة على أمن مصر المائي:

يمكننا استخلاص الأثار الكارثية لسد النهضة الأثيوبي من خلال التوصيات التي أعلنت عنها اللجنة الفنية الثلاثية الدولية التي شكلت في عهد رئيس الوزراء المصري دكتور عصام شرف و هي تجمع بين مصر و السودان و أثيوبيا و تضم عضوين من كل دولة من الدول الثلاث بالإضافة إلى أربعة خبراء دوليين في مجال البيئة و السدود و الموارد المائية, لكن كل هذه التوصيات و الاستنتاجات كانت غير ملزمة لأي طرف بل ذات طبيعة أكاديمية لا يلتزم بها أي طرف.

فنجد أن السعة التخزينية لسد النهضة العظيم هي أكبر المشاكل التي تواجهنا كمصريين حيث لها تأثير كبير على منسوب مياة النيل. فيحتفظ بكمية مياه تصل إلى 74مليار متر مكعب بالإضافة إلى مياة الفواقد التي سبق شرحها و تترواح بين 10-15 مليار متر مكعب سنويا حتى تصل النسبة الإجمالية 90 مليار متر مكعب, تساوي الكمية التي يحتفظ بها السد العالي خلفه أثناء الفيضان لإستخدامها في توليد الكهرباء و الري أثناء الجفاف من 25 يناير إلى 15 يوليو. و بالتالي ستقل نسبة المياة المتدفقة إلى مصر سنويا نتيجة إحتفاظ سد النهضة بالمياه خلفه و نبدأ في السحب من المخزون وراء السد العالي(90 مليار متر مكعب) و مع تكرار سيناريو سحب المياه المخزونة وراء السد ستستنزف الكمية كلها و بالتالي ستنهار اكبر نهضة في تاريخ مصر الحديث و هو “السد العالي”[8].

كما أن الدراسات الأثيوبية تجاهلت الأثار السلبية لهذا السد على دول المصب وهي مصر و السودان. ولم تذكر التصميم الإنشائي لأساسات السد ولا تأخذ في الإعتبار التشققات و الفواصل الموجودة في الطبقة الصخرية أسفل السد مما قد ينزلق و ينهار و يسبب تدفق هائل و مفاجئ لكميات المياه مما يسبب فيضانات و دمار شديد لمصر و السودان[9] .

و وضح أيضا هذا التقرير أن الدراسات الهيدرولوجية التي قدمتها أثيوبيا ما هي الا دراسات مبدئية لا ترقى لمستوى شرح تفصيلي لسد عملاق مثل سد النهضة, حيث تجاهلت أيضا سياسات تشغيل هذا السد و حساب مياة الفواقد في هذا السد خصوصا فواقد البخر التي تصل إلى 3 مليار متر مكعب سنويا في أثيوبيا غير فواقد المياه المتسربة إلى باطن الأرض. و وضح التقرير النهائي لهذه الجنة الفنية الثلاثية أن التصميم الإنشائي لجسم سد النهضة لا يسمح بمرور الإحتياجات المائية لمصر و السودان سوى عن طريق مخارج محطات الكهرباء و بالتالي هناك إحتمالية كبيرة بحجب المياه عن مصر و السودان في حالات تعطل محطات الكهرباء.

تجاهلت الدراسات المقدمة من إثيوبيا أيضا  التصميم الإنشائي للسد الركامي الذي يبعد عن سد النهضة بضعة كيلومترات الذي يبلغ طوله 4,8 كيلو متر و إرتفاعه 50 متر, كما لم تذكر التأثير السلبي للسدود الأثيوبيا الأخرى المقترحة من مكتب الاستصلاح الامريكي على النيل الأزرق أعلى سد النهضة و هم كارادوبي و مندايا و بيكوابو و من ثم التغيرات المناخية و البيئية التي سيخلفوها بعد إنشائهم و بدأ تشغيلهم..

و هناك دراسة نشرت عن جامعة ديوك الأمريكية في نوفمبر 2010 في دورية بحوث الموارد المائية و التي يصدرها “الاتحاد الجيوفيزيقي الأمريكي” حول تأثير سد مندايا على توليد الطاقة الكهروبائية لمصر والنقص السنوي في تدفق المياه, حيث وضحت الدراسة أن توليد الطاقة الكمهرومائية من السد العالي و خزان أسوان ستنخفض إلى 600 ميجاوات و سيزداد الانخفاض إلى 1200 ميجاوات مع التغيرات المناخية , كذلك سيزيد العجز المائي المتدفق من دول المنابع إلى مصر إلى 9 مليار متر مكعب من المياه و سيزداد هذا النقص إلى 12 مليار متر مكعب مع التغير في المناخ نتيجة احتفاظ هذا السد بالمياه خلفه[10].

و من بعض المخاطر التي يسببها سد الألفية (النهضة) العظيم يمكن أن تتخلص في 1- نقص الطمي الذي يساعد في خصوبة الأرض الزراعية. 2- زيادة تصحر الأراضي الزراعية الموجودة و قلة خصوبتها. 3- عجز شديد في توليد الطاقة الكهرباية نتيجة تناقص مخزون السد العالي و خزان أسوان. 4- نقص شديد في الثروة السمكية خصوصا في بحيرة ناصر و التي انخفض منسوبها.

كل هذه المخاطر ستتحول إلى مزايا لأثيوبيا نتيجة احتفاظ سد النهضة بالكميات الهائلة من المياه خلفه التي تبلغ 74 مليار متر مكعب, و بالتالي ستكون رائدة في مجال الزراعة و انتاج و تصدير المحاصيل الإستراتيجية مثل القمح و الأرز, و رائدة في مجال الثروة السمكية و التي سوف تتحرم منها مصر و السودان.

هل هناك بدائل أخرى غير الحرب لحل مشكلة سد النهضة؟

ستكون الفترة القادمة أصعب حيث ستظهر عقبات كثيرة منها خروج أثيوبيا عن بعد الجزء عمتها والتهرب منها الاستمرار في التعنت ضد مصر.

‏فقد رفضت مطالب مصر بقبول خبراء دوليين لمناقشة السد ولا سيما تداعياته الكارثية على مصر وكان هدف مصر من وجود خبراء دوليين إن قراراتهم سوف تكون حيادية ولم تنحاز إلى جانب على حساب الآخرين في المقابل رفضت إثيوبيا والسودان هذا المطلب متمسكة بإسناد الأمر لخبراء محليين من الدول الثلاث ‏لمناقشة دراسات السد لأن أثيوبيا ليست من السذاجة أن توافق على مشاركة خبراء دوليين يؤكدون على الآثار الكارثية للسد على مصر ما يستخدمونها في المحافل الدولية والمنظمات الدولية ضدها، ‏ ‏أو يستخدمون تلك التوصيات كورقة ضغط على سبيل تنفيذ بعض السياسات كما ممكن أن تستخدمها مصر حجة ضد اثيوبيا لوقف اعمال بناء السد او المطالبة بتعويض.

‏كما تتهرب أثيوبيا من الالتزام بإعلان المبادئ الذي تم توقيعها في 23 مارس 2015 والذي كان يهدف إلى تحديد فترة دراسات مناقشة السد و الإلتزام بنتائجه لمدة 15 شهر.

‏وفي اجتماع  وزراء الري و الخارجية للدول الثلاث الذي عقد في ديسمبر 2015 والذي كان يهدف إلى التعاقد مع مكاتب استشارية دولية ‏لمناقشة دراسات السد و تداعياته، ‏والاتفاق مع أثيوبيا للحصول على آلية ‏ لضمان عدم ملىء السد خلال فترة مناقشة دراسات السد من قبل المكاتب الاستشارية.

‏لكن ‏إثيوبيا تهربت من تلك الالتزامات واستمرت في التعنت وفي استكمال بناء السد حتى انتهت من استكمال 50 %من بناء السد، ‏و تم استكمال المرحلة الأولى وسوف يتم توليد الكهرباء خلال مرحلة الفيضان القادمة في يونيو 2015 , و جاء على لسان وزير الري الأثيوبي أن أثيوبيا لن تتوقف عن ‏استكمال عملية بناء السد وعن عملية تخزين المياه في السد و هي جزء من أعمال البناء و سيتم وفق الجدول الزمني المحدد له[11].

‏لكن نحن لم نصل إلى حائط سد و لم تنتهي المباحثات لكي يتم استخدام القوة العسكرية, فهناك وسائل أخرى سلمية ‏ ‏منها ‏طرق سياسية دبلوماسية  فالقوة العسكرية تعتبر الخيار الأخير ويجب أن تتجه مصر إلى دور الوساطة او استخدام اسلوب المساعي الحميدة والوساطة هي مجموعة من الدول التي تدخل لمناقشة القضية لمحاولة ‏وضع حل لأنها النزاع مثلا مجلس الأمن و دول الإتحاد الأوروبي و مجلس التعاون الخليجي والإتحاد الإفريقي. ‏وضع حل لأنها النزاع مثلا مجلس الأمن دول الاتحاد الأوروبي التعاون الخليجي والاتحاد الإفريقي و مجلس السلم والأمن الأفريقي السلم والأمن الأفريقي[12].

‏فإذا استمرت أثيوبيا في التعنت  و ‏التهرب وعدم الالتزام بتعهداتها و عدم اعترافها بالحقوق التاريخية و الطبيعية التي تمنح مصر حقها في مياة النيل , سوف تلجأ مصر ‏إلى مجلس الأمن أو محكمة العدل الدولية لرفع القضية و التي يمكن أن تقوم تلك المؤسسات الدولية بفرض عقوبات سياسية و إقتصادية. مثل المقاطعة الدبلوماسية و تعليق عضويتها في المنظمات و المؤسسات الدولية, ومن العقوبات الاقتصادية هي مطالبة الدول بمقاطعة منتجاتها و حظر الاستيراد و التصدير و وقف رحلات السياحة و سحب الإستثمار منها, أيضا إلزام الشركات التي تقوم بتمويل السد مثل البنك الدولي و صندوق النقد الدولي, و كذلك الشركات الأجنبية التي تتولى عملية بناء السد مثل شركة ساليني الإيطالية ” Salini Costuttor” و إلزامها وقف عمليات البناء.

و تستطيع مصر أن تلعب دورا رائدا في جذب المنظمات و المؤسسات الدولية لجانبها من خلال تدشين حملة إعلامية و دبلوماسية ضخمة تعرض فيها للدول التي تقوم بالوساطة الأثار الكارثية التي يسببها سد النهضة الاثيوبي على مصر و توضيح الهيكل الهيدروليكي له و ماذا يحدث لدول المصب في حالة إنزلاقه أو إنهياره, كذلك تستطيع مصر جذب بعض الدول العربية و الخليجية و التي لها استثمار ضخم في أثيوبيا بتأييدها للموقف المصري و تهديد أثيوبيا بسحب استثماراتها منها إذا لم تتوصل لحل يرضي جميع الاطراف.

مقترحات بشأن سد النهضة:

تعاني مصر بالفعل من نقص كبير في المياه بلغ 21 مليار متر مكعب نتيجة زيادة درجة الحرارة على المنطقة العربية بمقدار من 2 إلى 4 درجات، وأن كمية الأمطار قليلة في مصر و الدول العربية نتيجة تغير المناخ , و مع إرتفاع الكثافة السكانية , حيث تضاعف عدد السكان ثلاثة أضعاف خلال هذا القرن, كما أن وقعات تشير إلى خفض إيراد النيل الأزرق بنحو 15%. لذلك لابد أن تتخذ الحكومة المصرية بعض القرارت و السياسات بشأن أزمة مياة النيل محليا و دوليا.

فعلى الصعيد الوطني يجب على الحكومة المصرية و خصوصا وزارة الزراعة و الري بقيام حملات توعية للشعب المصري و الفلاحين برورة ترشيد استهلاك المياه في ري الأراضي بإستخدامهم التقنيات الحديثة لري الأراضي بالتنقيط أو الرش بدلا من الري بالغمر الذي يستنفذ كميات كبيرة من المياه[13].

فيقول خبراء إثيوبيون أن حوالي 50 بالمائة من المياه المتدفقة إلى مصر تهدر ، بسبب التبخر في القنوات المفتوحة وأنظمة الري بالرش التي تستخدمها مصر. ويقول الخبراء إنه إذا استطاعت مصر إنقاذ هذا الهدر ، فلن يكون بناء السد مصدر قلق للبلاد.

و على الصعيد الدولي لابد للحكومة المصرية أن تتمسك بالإتفاقيات التاريخية و الدولية و المعاهدات التي تضمن لمصر حقها التاريخي و الطبيعي في تدفق مياة النيل إليها.

أيضا التمسك بالمقترح المصري الذي يقترح  كحد أدنى مضمون يبلغ 40 مليار متر مكعب من المياه المتدفقة إلى البلاد سنويًا. وتريد أيضًا أن تستمر تعبئة المياه بين 12 و 21 عامًا وتطالب بتوصيل سد النهضة بسد أسوان.

و ضرورة التعاون مع دول حوض النيل وجنوب السودان وغيرها، واللجوء إلى الوسائل الحديثة والتقنية العليا الناقلة للمياه، واتباع كافة الوسائل التي تعمل على تقليل استخدامات المياه اليومية أو الاستهلاكية للفرد في المستقبل القريب أو البعيد

لكن المقترح الأثيوبي يرفض ذلك و يضع الحد الأدنى لتدفق المياه 35 مليار لتر مكعب ويجب أن يستمر ملء المياه بين أربع إلى سبع سنوات. كما يقترح  استخدام طريقتين للتخفيف من الجفاف, أثناء الجفاف الشديد وعندما يكون مستوى المياه منخفضًا في أسوان ، ستطلق إثيوبيا التدفق الكامل ، مما يؤجل التعبئة. كما وافقت إثيوبيا على إطلاق المياه من المياه المخزنة خلال الجفاف الشديد. أيضا سيتم تعبئة المياه خلال موسم الأمطار من يوليو إلى أغسطس وستستمر في سبتمبر في ظل ظروف معينة. سيبدأ التعبئة الأولية عند 595 مترًا ، وسيتم توليد الكهرباء في وقت مبكر مع توفير تدابير التخفيف المناسبة في حالة الجفاف الشديد خلال هذه المرحلة[14].

قائمة المراجع:

أولا مراجع باللغة العربية.

  • محمد نصرالدين علام وزير الموارد المائية والري الأسبق, “سد النهضة و هدوء ماقبل العاصفة”, مجلة السياسة الدولية, الملف المصري, العدد 20.
  • د .ﺷارﻗﻲ ﻋﺑﺎس ﻣﺣﻣد , “ﺳد اﻟﻧﻬﺿﺔ اﻷﻟﻔﻳﺔ ﻋﻠﻲ اﻻﺛﻳوﺑﻲ اﻟﻛﺑﻳر وﺗﺄﺛﻳرﻩ ﻣﺻر”,  ﻣﻌﻬد اﻟﺑﺣوث واﻟدارﺳﺎت اﻷﻓرﻳﻘﻳﺔ ,  ﻗﺳم اﻟﻣوارد اﻟطﺑﻳﻌﻳﺔ, جامعة  اﻟﻘﺎﻫرة  .
  • زكي البحيري, “مصر و مشكلة مياة النيل: أزمة سد النهضة”, الهيئة المصر ية العامة للكتاب, 2016, ص ص 105-137, https://www.noor-book.com/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%88%D9%85%D8%B4%D9%83%D9%84%D8%A9-%D9%85%D9%8A%D8%A7%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%8A%D9%84-%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9-%D9%84%D9%80-%D8%AF-%D8%B2%D9%83%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D9%8A%D8%B1%D9%8A-pdf.
  • أ.د. نادر نور الدين , استاذ الأراضي و المياه بكلية الزراعة, “العلاقات و الاتفاقيات التاريخية بين مصر و دول حوض النيل” , مجلة السياسة الدولية, االملف المصري , السنة الثالثة, العدد 20.
  • “اتفاق الخرطوم وضياع حقوق المصريين على أبواب سد النهضة”, مركز هردو لدعم التعبير الرقمي, ص21, https://hrdoegypt.org/wp-content/uploads/2016/01/%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9.pdf.
  • ترشيد استهلاك المياه على طاولة الحكومة.. توقعات بخفض إيراد النيل الأزرق لـ15% عام 2100.. خبراء: تحلية مياه البحر أحد البدائل.. وضرورة استخدام التكنولوجيا الحديثة في الري”، البوابة نيوز، فبراير ٢٠٢٠ ، https://www.albawabhnews.com/3889814

ثانيا مراجع باللغة الأجنبية.

  • Jesse Jackson,”Ethiopia Could become 21st Century Colony of Egypt”, Addis fortune news, February 29 , 2020, https://addisfortune.news/ethiopia-could-become-21st-century-colony-of-egypt/
  • Fahmy S. Abdel Haleem and Esam Y. Helal, “Impacts of Grand Ethiopian Renaissance Dam on
  • Different Water Usages in Upper Egypt”, British Journal of Applied Science & Technology, 27th April 2015, 7, https://www.researchgate.net/publication/274961204_Impacts_of_Grand_Ethiopian_Renaissance_Dam_on_Different_Water_Usages_in_Upper_Egypt/link/55479a740cf2e2031b376d21/download
  • Fasika Tadessa, “Dam deal: the devil in the details”, Addis Fortune, january2020, https://addisfortune.news/dam-deal-the-devil-in-the-details/

[1] د.محمد نصرالدين علام وزير الموارد المائية والري الأسبق, “سد النهضة و هدوء ماقبل العاصفة”, مجلة السياسة الدولية, الملف المصري, العدد 20.

[2] د .ﺷارﻗﻲ ﻋﺑﺎس ﻣﺣﻣد , “ﺳد اﻟﻧﻬﺿﺔ اﻷﻟﻔﻳﺔ ﻋﻠﻲ اﻻﺛﻳوﺑﻲ اﻟﻛﺑﻳر وﺗﺄﺛﻳرﻩ  ﻣﺻر”,  ﻣﻌﻬد اﻟﺑﺣوث واﻟدارﺳﺎت اﻷﻓرﻳﻘﻳﺔ ,  ﻗﺳم اﻟﻣوارد اﻟطﺑﻳﻌﻳﺔ, جامعة  اﻟﻘﺎﻫرة .

[3]  د.زكي البحيري, “مصر و مشكلة مياة النيل: أزمة سد النهضة”, الهيئة المصر ية العامة للكتاب, 2016, ص ص 105-137.

[4]  أ.د. نادر نور الدين , استاذ الأراضي و المياه بكلية الزراعة, “العلاقات و الاتفاقيات التاريخية بين مصر و دول حوض النيل” , مجلة السياسة الدولية, االملف المصري , السنة الثالثة, العدد 20.

[5]  نفس المرجع رقم 1 “سد النهضة و هدوء ماقبل العاصفة”.

[6] Jesse Jackson,”Ethiopia Could become 21st Century Colony of Egypt”, Addis fortune news, February 29 , 2020, https://addisfortune.news/ethiopia-could-become-21st-century-colony-of-egypt/ .

[7]  المرجع الستبق رقم 1 محمد نصرالدين علام وزير الموارد المائية والري الأسبق, “سد النهضة و هدوء ماقبل العاصفة”.

[8]Fahmy S. Abdel Haleem and Esam Y. Helal, “Impacts of Grand Ethiopian Renaissance Dam on

Different Water Usages in Upper Egypt”, British Journal of Applied Science & Technology, 27th April 2015,  p.7.

[9]  “اتفاق الخرطوم وضياع حقوق المصريين على أبواب سد النهضة”,  مركز هردو لدعم التعبير الرقمي, ص21.

[10]  نفس المرجع رقم 1 .

 [11]انظر نفس المرجع رقم 1  محمد نصرالدين علام وزير الموارد المائية والري الأسبق, “سد النهضة و هدوء ماقبل العاصفة”.

[12]  أنظر المرجع السابق رقم 3 “مصر و مشكلة مياة النيل: أزمة سد النهضة” ص ص 584-586.

[13]  “ترشيد استهلاك المياه على طاولة الحكومة.. توقعات بخفض إيراد النيل الأزرق لـ15% عام 2100.. خبراء: تحلية مياه البحر أحد البدائل.. وضرورة استخدام التكنولوجيا الحديثة في الري”، البوابة نيوز، فبراير ٢٠٢٠ ، https://www.albawabhnews.com/3889814

[14] Fasika Tadessa, “Dam deal: the devil in the details”, Addis Fortune, january2020, https://addisfortune.news/dam-deal-the-devil-in-the-details/

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button