القاموس الاجتماعيدراسات سوسيولوجية

المسايرة (الامتثال) الاجتماعية Social Conformity

تُعرّف “المسايرة” أو “الامتثال” بأنها الالتزام بالمعايير السائدة في الجماعة أو المجتمع. ولا يمتثل الناس دائماً للمعايير الاجتماعية لأنهم يقبلون بالقيم الكامنة ورائها. فهم قد يتصرفون، أحياناً، بما يتوافق والطرائق المقبولة؛ لأنه قد يكون من المفيد أن يسلكوا على هذا النحو، أو بسبب العقوبات أو الجزاءات، التي قد تنجم عن خرق القواعد.

إن الامتثال الاجتماعي هو سلوك يعكس مسايرة الفرد للقواعد والمعايير الاجتماعية، ويُعُبّر عنه باستجابات تكون مشابهة لسلوك الآخرين، أو باستجابات تحدد وفقاً لعادات الجماعة ومعاييرها. وقد يُعرّف الامتثال أو المسايرة بأنه العمل على تدعيم مجموعة مستويات سلوكية من جانب الجماعة؛ وحينما نلاحظ أن جماعة معينة من الأفراد يستجيبون بصورة متكررة ومتميزة نحو موقف مثير، فإن المتوقع أن يكون لهؤلاء الأفراد اتجاه اجتماعي ثابت نحو هذا الموقف. ويمكن أن يُطلق على هذه الاستجابة المتميزة، في بعض الأحيان، “سلوك ممتثل”.

إذا كان الامتثال هو مسايرة المعايير والتوقعات الشائعة في الجماعة، التي يُعَد الفرد عضواً فيها؛ فإن الامتثال لمعايير جماعة خارجية يُشار إليه –عادة- بعدم الامتثال، لمعايير الجماعة الداخلية.

وقد أوضح روبرت ميرتون اعتماد المسايرة، بالدرجة الأولى، على تكيف الفرد مع وسائل الضبط والتنظيم، التي يفرضها المجتمع لتحقيق أهدافه وغاياته المطلوبة، أو المرغوبة اجتماعياً. وهذا النموذج هو أكثر النماذج شيوعاً في المجتمعات الإنسانية، وهو النموذج الذي يختاره غالبية الأفراد؛ لذا، فهو الأكثر انتشاراً؛ لأنه يحافظ على المجتمع وعلى تنظيمه. وتتوقع معظم المجتمعات تنفيذ هذا النموذج، وتسعى إلى أن يتقيد الأفراد به من خلال تحديدها للقواعد التي يشملها التنظيم. وهذا من شأنه إحداث التوافق والتجانس الاجتماعي داخل المجتمع.

تمثل المعايير Norms السائدة في المجتمع وأساليب الضبط الاجتماعي، القوى التي بها يمتثل الأفراد لنظم المجتمع الذي يعيشون فيه. وتختلف وسائل الضبط تبعاً لاختلاف المجتمعات؛ بل وفي المجتمع الواحد باختلاف الزمان والمكان. ويُعَد القانون أكثر أدوات الضبط تجريداً ووضوحاً؛ بل أوضح وأدق وسيلة، وأكثرها قوة وإلزاماً. وتتوقف فاعلية أساليب الضبط ـ متمثلة في مدى ممارسة الضغط على الأفراد لكي يمتثلوا لقيم المجتمع التي ينتمون إليها ـ على الجماعة ذاتها، ذلك أن طبيعة الجماعة هي التي تحدد وسائل الضبط.

وهناك حدود للتسامح مع غير الممتثل تعتمد على عناصر ثلاثة، هي:

أ. طبيعة الموقف الاجتماعي.

ب. مكانة الفرد وسمعته.

ج. نمط السلوك المتضمن.

يحدث تغير في درجة التسامح في مواقف الأزمات والكوارث. ويكون الانحراف عن المعايير السائدة مُتسامحاً فيه بدرجة كبيرة في المجتمعات الكبيرة والمفككة، عنه في المجتمعات الصغيرة والمتماسكة. كما أن أعضاء الجماعة، الذين يتميزون بسمعة عالية، ينالون القدر الأكبر من الحرية.

إن لكل المجتمعات قواعدها ومعاييرها، التي تحدد السلوك المتوقع وغير المتوقع من أفرادها. ويمتثل هؤلاء الأفراد أو ينحرفون، تبعاً لما يقترفون من سلوك يتفق أو يختلف، مع تلك المعايير. ومن الصعب تخيل مجتمع بلا معايير، إذ  من دونها لا يمكن التنبؤ بسلوك أفراده.

وهناك مجموعة من الأسباب التي تفسر عدم تقبل الأفراد للمعايير، أهمها:

  • قد تُعَد بعض المعايير أقل أهمية من غيرها.
  • قد تتصارع المعايير كلُ مع الأخرى، ولا يستطيع الفرد الامتثال لإحداها.
  • قد ينصرف بعض الأفراد عنها؛ لأنهم لا يعرفون قوتها.
  • قد لا تكون بعض المعايير معروفة لدى بعض الأفراد في المجتمع.

أنواع المُسايرة

للمسايرة أنواع مختلفة؛ فقد تكون مسايرة معيارية، أي: الامتثال للمعايير السائدة في الجماعة، أو مسايرة معلوماتية، أي: التقبل غير النقدي للمعلومات التي تقدم للفرد في مواقف معينة.

إن أكثر أنواع المسايرة شيوعاً هما: “المسايرة الاجتماعية” و”المسايرة الفردية”. ويُقصد “بالمسايرة الاجتماعية” تغيير اتجاهات الجماعة، حتى تساير المعايير السائدة والجديدة. وقد بيّنت الدراسات اختلاف المسايرة الاجتماعية من مجتمع لآخر، ومن ثقافة لأخرى. ويرجع ذلك إلى الفروق الاجتماعية والسياسية والجغرافية والأسرية والتربوية في كل مجتمع. فالمجتمعات الرعوية الجليدية، وصائدو الأسماك، وسكان الجبال، تلعب ظروفهم الصعبة دوراً مهماً في اهتمام هذه البيئات بتنمية السلوك الاستقلالي لدى الأفراد؛ بينما يتجه سكان المناطق الريفية الزراعية، والقبائل سكان المناطق الحارة، إلى التمسك بقيمها وعاداتها وتقاليدها وضرورة مسايرة الأفراد لها.

أما “المسايرة الفردية”، فهي تأثر الفرد في أحكامه بوجود الآخرين، بحيث يجعل اتجاهه موافقاً مع ما تذهب إليه غالبية الجماعة. وتوجد عوامل متعددة تؤدي إلى المسايرة الفردية:

  • كلما كانت جاذبية الجماعة للفرد عالية (بناءً على أهدافها أو ما تحققه له من فوائد ومزايا)، أدى هذا إلى مسايرته لمعاييرها.
  • لا يُساير الفرد الجماعة التي يتمتع بعضويتها لفترة قصيرة؛ بل يساير جماعته المرجعية، التي يتوحد بها وتحدد سلوكه واتجاهاته وآراءه ومعتقداته.
  • تتأثر المسايرة الفردية بدرجة اعتماد الفرد على الآخرين، خاصة عندما يكون الآخرون أكثر خبرة وأعلى مكانة منه.
  • يُعَد غموض الموقف أساساً مهماً لمسايرة الفرد؛ لأنه مع زيادة غموض الموقف يزداد اعتماد الفرد على أعضاء الجماعة وعلى ما لديهم من معلومات، ومسايرتهم فيما يذهبون إليه من أحكام، بوصف الجماعة هي المرجع الذي يعتمد عليه لمواجهة مثل هذا الموقف الغامض. ونظراً لصعوبة الموقف وغموضه، وما يمثله من تهديد للفرد تقل معه ثقته في ذاته، فإن ذلك يدفعه إلى الاعتماد على الآخرين.
  • لذكاء الفرد أثره في المسايرة الفردية. فقد تبين أنه كلما زاد ذكاء الفرد كانت مسايرته التلقائية أضعف وأقل، وذلك لقدرته على الفحص والتمحيص والدراسة المتعمقة والمتأنية للمواقف والمعايير.
  • تتوقف المسايرة الفردية على مدى إدراك الفرد لمعايير الجماعة، ذلك أن الأفراد لا يدركون معايير الجماعة بالدرجة نفسها؛ بل إن بعض الأفراد يكون إدراكهم لمعايير الجماعة وفقاً لظنهم، وليس لما هو معلن ومعروف. ومما يسهم في تفاوت إدراك الأفراد لمعايير الجماعة غموض تلك المعايير ذاتها.
  • عند المقارنة بين المسايرين والمستقلين، وُجد أن المسايرين أكثر شعوراً بالمسؤولية، وأعلى في الاتزان الوجداني، وفي سمة الاجتماعية، وأكثر ثقة في الآخرين، وأعلى تسامحاً وصبراً، وأسرع في اتخاذ القرار، وأكثر اندفاعاً وحيوية من المستقلين.

المصادر والمراجع

  1. أنتوني جيدنز، “مقدمة نقدية في علم الاجتماع”، ترجمة أحمد زايد وآخرون، مطبوعات مركز البحوث والدراسات الاجتماعية، كلية الآداب، جامعة القاهرة، 2002.
  2. عبدالفتاح السيد عبدالفتاح درويش، “تباين مستويات الانصياع للسلطة مع اتجاه النسق القيمي وبعض متغيرات الشخصية”، رسالة ماجستير، غير منشورة، كلية الآداب، جامعة طنطا، 1995.
  3. غريب سيد أحمد وآخرون، “المدخل إلى علم الاجتماع”، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1996.
  4. محمد عاطف غيث (تحرير)، “قاموس علم الاجتماع”، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1995.
  5. مصطفى عبدالمجيد كاره، “مقدمة في الانحراف الاجتماعي”، معهد الإنماء العربي، الكويت، 1985.
  6. منير محمد حسن خليل، “المسايرة الاجتماعية والأسلوب المعرفي”، رسالة دكتوراه، غير منشورة، كلية التربية، جامعة عين شمس، القاهرة، 1990.
  7. Ogburn, W. F., and Nimkoff, Sociology, Houghton Mifflin Co., Boston, 1964

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى