دراسات سوسيولوجية

المعلم ودوره الجوهري في الإصلاح

المعلم ودوره الجوهري في الإصلاح

أحمد الخالصي

صار من الممل ذكر أهمية الدور الذي يلعبه المعلم في المجتمع، لما في الأمر من تكرار لآلاف الطروحات التي تناولت ذلك، وكذلك فأن  وجوده وفاعليته  أصبحتا من  البداهة التي تماثل في أهميتها الماء بالنسبة للأرض، ولكنه ماء بحر، أي يحتاج لعوامل تساعد في جعله أكثر ملائمة للاستخدام والفائدة.
دور المعلم هو الأخطر من كل ماعداه
لعدة أسباب أهمها ارتباطه في عملية التنشئة المجتمعية والتي تؤدي لجعل هذا الدور ذات خاصية عامة وبالتالي فأن أي خللٍ  صادر ولوكان على الصعيد الفردي يخرج من إطاره الشخصي  ليكون شاملًا مؤثرًا بالجميع.
لذلك لاتتم أي عملية إصلاحية دون إن يكون للمعلم فيها دورًا جوهريًا، ولكن قبل ذلك يجب إن يتم إعداد المعلم لكي يهيئ من ثم يأخذ على عاتقه ممارسة دوره بالطريقة الأمثل، ولامناص في سبيل الوصول لذلك من معالجة المشاكل التي تشكل عائق أمام ذلك والتي منها تدني معدلات القبول في كليات التربية، مما يؤدي في الغالب لدخول طلاب غير مؤهلين ومدركين للدور الجوهري الذي سيلقى على عاتقهم، ولنكن أكثر وضوحًا فأن تدني المعدل غالبًا مايشير للمستوى العلمي المستحق للطالب (باستثناء بعض الحالات طبعًا)، وكذلك يشير الأمر لكسل وفشل في علاقة الشخص بالتعليم وإن نجح فيكون الأمر بطرق غير مشروعة وهذا ما لايحتاج في الأصل لبيان وشرح لإنه أصبح واقعًا مطلع عليه معظمنا، وهذا خلل بحد ذاته يمكن في كثيرٍ من الأحيان من إن يستمر وبالتالي كما أسلفنا مسبقًا إنه (أي الخلل)  بالنسبة للمعلم ينسحب تأثيره على الكل وإن كان فرديًا، وهنا بالكاد ستؤثر مرحلته الدراسية بما حملته من ضمور في التعاطي والانسجام مع المنظومة التعليمية في طريقته الحالية المتبعة في تدريس طلابه، وهنا ببساطة يعني نقل الخلل بعدوى  التماثل الذي تفرضه السياقات النفسية من خلال التجارب الحياتية، وهو مما لايمكن ردعه كليًا ولكن يمكن التقليل من حدته، لذلك ينبغي بلا مواربة إن يكون معدل كليات التربية هو الأعلى بين كل الاختصاصات بعد إن يكون التعيين فيها مركزيًا اسوةً بالطب، وهذا مايؤدي لجعل الخطوة الأولى في بناء المعلم ذاته والطالب فيما بعد رصينة، عبر فرض هذا الشرط الذي يؤدي لأن يحصر الدخول للصفوة من الطلاب الأكثر انسجامًا وإيمانًا بالمنظومة التعليمية.
كما يجب إن يكون الراتب الذي يتقاضاه هو الأعلى أيضًا،بالتزامن مع تجريم ومعاقبة كل  من يلقي دروس خصوصية ولأي سببٍ كان، وهذا الأمر يؤدي لتعضيد مكانة المعلم كفرد والتعليم الحكومي كمنظومة، فقضية الدروس الخصوصية فتحت المجال لإظهار مساوئ الشخصية الحداثوية، وهنا في هذه الحالة فالسبب يكون  عامًا وخارج الحدود المكانية للبلد، وذلك لارتباطه بماهية الإنسان الحديث أو مايسمي بالحداثوي كما ذكرنا، والتي من مساوئها النفعية وربط الإنسان بها بعيدًا عن أي معايير أخلاقية أو  وضعية تتعلق بأصول المهنة، وهذه الظاهرة حديثة كما يشير لذلك المنظر الأمريكي روبرت هيلبرونر  وذلك بقوله بإن الفكرة القائلة بأن على الجميع البحث عن الطرائق الكفيلة بتحسين وضعه المادي لم تكن موجودة لدى الطبقات الدنيا والوسطى في المجتمعات البشرية القديمة…..،  وبالفعل فأن هذه الظاهرة لم تكن يومًا ذات جذور تاريخية سوى في الحضارة البابلية و المصرية أو الأغريقية والرومانية فيما بعد، وحتى لم تكن موجودة في العصور الوسطى الأوروبية لأنها ولدت مع عصر التنوير كما يؤكد ذات الكاتب، ولعل السبب في ولادتها في هذا العصر من وجهة نظرنا، إنه وفي إطار الصراع الفكري الذي احتدم في وقته بين الفلسفة والعلم من جهة والنفوذ الكنسي والسلطة الملكية من جهة أخرى، أدى ذلك لجرف المعايير الأخلاقية والدينية  التي تحد من هذا المبدأ وتحول دون برزوه وتناميه، ولعل مايعضد من تحليلنا هذا قول هارولد لاسكي حول نشوء الرأسمالية في الغرب( كانت طريقة التفكير الرأسمالية مترسخة في الأذهان وبشكل ملحوظ إبان القرن الرابع عشر الميلادي، ولذلك تولدت نزعة كنز المال والثروات وأصبحت الحافز الرئيس للنشاط البشري، قبل هذه الفترة وتحديدًا في القرون الوسطى كانت القواعد الأخلاقية التي يروج لها رجال الدين عاملًا في تقييد نزعة كنز المال……….،)،
ولمجابهة النفعية فلا بد إذًا من تقديس التعليم كمهنة لها تأثيرها في الشقين الوضعي كدولة ومجتمع وذلك من خلال دورها في البناء العلمي والاجتماعي للأفراد وميتافيزيقي من خلال بيان أهمية المعلم في الدين، وهذا الأمر يؤدي لتعضيد عملية الردع المفروضة في حالة المخالفة من قبله عبر تطويقه بالأطر الوضعية (القانون ) والدينية ( المعصية والعقاب).
في الختام فلايمكن تصور نجاح المعلم والتعليم مع وجود  النفعية كظاهرة متفاقمة خارج حدود المألوف ،و تهميش كليات التربية من مكانتها الحقيقية، ومع كل الإجراءات التي ذكرناها وتلك التي غفلنا عنها فأن النفعية سيحد منها

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى