المعلومات اليوم، ثروة وطنية

 لقد أضحت المعلومات اليوم ثروة وطنية و رافدا أساسيا من روافد البناء الحضاري في مختلف مجلات الحياة ،وموردا إستراتيجيا لا غني عنه في الحياة اليومية للإنسان ،و ذلك بسبب التحول الاجتماعي الراهن والمتمثل في الثورة الجديدة المتكاملة و المتناسقة الأركان يسومونها ثورة المعلومات،هذه الثورة التي تركت آثارها علي النشاطات البشرية في جميع المجالات و دفعت بها أشواطا بعيدة إلى طريق التقدم .إن الارتقاء الإنساني اليوم أٍٍصبح يتوقف علي كمية المعلومات المتاحة و نوعيتها،فالسياسي والإداري والعسكري و الإقتصادي و رجل التربية و الإعلام كل لا يستغني في عمله و في أسلوب صنع قراراته عن المعلومات لا سيما إذا كانت دقيقة و مناسبة لطبيعة العمل الذي يقوم به.

إن التعرض لقضية المعلومات يلمس أبعادا متعدد، سواء في محتواها وأسلوب تداولها، أو في معالجتها وإستخدامها،و بكل ما يتصل بها من النظم و المعايير و التقنيات….الخ، ولهذا أصبح التحدي الأكبر أمام نشاط الإنسان بكل مظاهره في القرن العشرين سواء علي مستوي الأفراد أو الهيئات أو الدول هو الإحاطة بأطراف هذه القضية في صورها العلمية الدقيقة من أٍٍٍجل التعرف علي أحسن الطرق و المسالك المؤدية إلى إستغلال طاقة المعلومات باعتبارها الطاقة الأولى في أي مشروع أو عمل أو قرار،وذلك بإبراز المتطلبات الضرورية لحسن الاستفادة من هذه الطاقة بوضع المعايير و النظم و الإجراءات الكفيلة بكفاءة إستخدامها في كل المواقف و الموضوعات.

لقد إرتبط الإهتمام بالمعلومات بالسعي نحو التحول من أسلوب التجربة والخطأ إلى أسلوب المخاطرة المحسوبة (1). وذلك لتنامي درجة الوعي بأهمية المعلومة وحيوية دورها في صناعة القرار المدروس، فهي تعد من أهم وأقوى المقومات التي تدعم عملية إتخاذ القرارات ورسم السياسات، حيث تتوقف نوعية وجودة القرار أو أي سياسة ما على طبيعة ما يتوافر من معلومات ، ولقد أظهرت الخبرة العملية في شتى حقول السياسة والإدارة والبناء التنموي الحاجة الملحة للمعلومات في سياق عمليات رسم السياسات وصياغة الخطط والبرامج وإتخاذ ما يلزم من قرارات وتقييم سير الأداء. والواقع أن الإهتمام بالمعلومات أخذ يتزايد تحت تأثير ما يتحقق من تطورات فعلية في مختلف مجالات البناء الإقتصادي والإجتماعي، وإتساع مهام الإدارة والسياسة والأخذ

بسياسات وبرامج الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية، إلى جانب ما يطرأ من متغيرات عالمية متسارعة وما تحدثه ثورة المعلومات من انعكاسات شاملة على جميع جوانب الحياة الإنسانية. والملاحظ أن تلك العوامل مجتمعة قد أدت إلى توسيع الاهتمام بمجال المعلومات، وذلك لأن المعلومات اليوم أصبحت مهمة علمية وعملية وطنية شاملة ومتكاملة، تتفاعل في مكوناتها كافة قضايا البناء والتطوير و التغيير. وعليه سنتطرق إلى نشأة وتطور المعلومات والاهتمام بها،إلى درجة أنها أصبحت علما قائما له أسسه العلمية، فالحاجة الماسة إلى أن ندقق في المسألة والذي ينبغي أن نعرفه قبل كل شيء هو ماهية المعلومات كمورد أساسي على نفس درجة الأهمية للموارد الأخرى.

أولا: ماهيةالمعلومات

أ/تعريف المعلومات:

تعتبر المعلومات جزءا لا يتجزأ من جميع الخبرات الإنسانية، ومن الجوانب الأساسية للحياة نفسها،لأنها أصبحت علما شانه في ذلك شأن أي علم يتصل بالقوى السياسية والاجتماعية، وذلك نتيجة تعقد مشكلات الحياة والتطور السريع للتكنولوجيا، ونمو المعرفة، والتقدم السريع للعالم الحديث ، ومن هذا المنطق سنحدد في هذا الصدد المقصود بالمعلومات، علم المعلومات، ومختلف المفاهيم المتصلة بها.

*-(المعنى اللغوي):

لقد تعددت الكتابات والآراء العلمية والدراسات والبحوث حول مفهوم وتعريف المعلومة، واحتلت حيزا كبيرا لدي المهتمين بهذه الظاهرة .حيث يعتبر البعض أن المعلومة اصطلاحا هي:”كل مصطلح أو ناتج بحثي يؤثر على ما قبله وما بعده، ويعتبر في اعتقاد سابق أو يؤكده أو يطوره أو يعتبره”. (1)

كما تعرف المعلومات لغتا أيضا بأنها:” إحدى المفردات المشتقة من (علم) وتتسم بثراء مفرداتها وتنوع معانيها، فهي تتصل بعدة معاني، فتتصل بالعلم، المعرفة، والتعليم، والدراية، والإحاطة، والإدراك، واليقين، والإرشاد، والوعي، والإعلام، والشهرة، والتميز، والتيسير، وتحديد المعالم وغير ذلك من المعاني المتصلة بوظائف العقل وما يتم الحصول عليه وتلقيه بالبحث أو الدراسة، أو التوجيه” (2).

ومن أهم الكلمات الإنجليزية المتصلة بكلمة (information) معلومات هي كلمة enlightenment) بمعنى التنوير أو التنور (knowledge) بمعنى المعرفة. أو العلم أو الدراية أو الإطلاع و(publicity) بمعنى الشيوع أو العلنية أو الشهرة و (communication) بمعنى الإتصال أو الرسالة أو تبادل الأفكار أو البيان وغير ذلك من المفردات المتصلة بالفكر والعقل والفطنة والذكاء وتبادل المعلومات ونقلها. ويتضح من خلال هذه المعاني ثراء مفردة المعلومات وغناها وارتباطها بمفردات ومعاني كثيرة. (1)

*- المعنى (الاصطلاحي) للمعلومات:

من العسير جدا حصر كل محاولات تعريف المعلومات و التي أسهم فيها مختصون ينتمون إلى مجالات مختلفة نظرا لدلالتها على أشياء عديدة، فلإنسان يحاط علما، أو يصبح على بينة أو دراية في موضوع معين إذا ما تغيرت حالته المعرفية بشكل ما، فهي بكل بساطة إذا «ذلك الشيء الذي يغير من الحالة المعرفية للشخص في موضوع ما» (1) .

وجاء في المعجم الموسوعي لمصطلحات المكتبات والمعلومات المفاهيم الآتية للمعلومات:

1- البيانات التي تمت معالجتها لتحقيق هدف معين أو استعمال محدد لأغراض اتخاذ القرارات، أي البيانات التي أصبح لها قيمة بعد تحليلها وتفسيرها أو في تجميعها بأي شكل من الأشكال التي يمكن تداولها وتسجيلها ونشرها وتوزيعها في صورة غير رسمية أو رسمية.

2- المقدمات الجوهرية في أي نظام للتحكم.

3- المفهوم المتصل بالبيانات نتيجة لتجميعها وتناولها.

4- بيانات مجهزة ومقيمة خاصة إذا تم استقائها من الوثائق والأشكال. (2)

ولكن من زاوية علم المعلومات فيجمع المتخصصون علي انه حتى نفهم جيدا ما المقصود بالمعلومات؟لا بدمن التمييز بين عدة مفاهيم أساسية وهي البيانات(data)،المعلومات(information)،المعرفة(knowledge)،الحقائق(facts)، والفرق والعلاقة بين هذه المصطلحات.

*- ما هي البيانات what is data :

هي المادة الخام للمعلومات، وقد تكون مجموعة من الأعداد مثل عدد موظفي منظمة ما، أو رموز لها معنى ومعروفة محليا أو دوليا ، أو جمل تمثل حقائق. كما يمكن أن تغير البيانات من خلال أي نظام معلومات ويجري عليها عمليات تجهيز ومعالجة، لتحويلها إلى معلومات (2).

أو هي” الحروف، الأرقام، الأسطر، الرموز…الخ المستخدمة لتمثيل الأحداث وحالتها، والمنظمة وفقا لقواعد وإتفاقات رسمية” (1).

و يعرفها شيلي و كاشمان(chelly.cachman)بأنها:”تمثل حقائق أو مبادئ أو تعميمات في شكل رسمي مناسب للإتصال،و التفسير،و التشغيل بواسطة الأفراد و الآلات،وتمتاز بالدقة،الإرتباط المنطقي بالموضوع،القدر المناسب،التوقيت المناسب،التناسق “. (2)

أي بمعنى عدم وجود تعارض وتضارب بينها،سواء كان مصدرها داخليا أو خارجيا أو عالميا، حيث يتم إجراء عمليات على البيانات بعد الحصول عليها من هذه المصادر المتمثلة في المراجعة والتصنيف، والتخزين تمهيدا لمعالجتها والاستفادة منها كمعلومات دقيقة.

*- الحقائق facts:

تعرف بأنها:شيء تبين صدقه عن طريق الملاحظة بقدر ما تسمح به القدرة الإنسانية،و كل مجموعة حقائق تشكل ما يعرف بالمعطيات التي يمكن استخلاص نتائج منها (1).

*- المعرفةknowledge:

تعرف المعرفة على أنها الحالة المعرفية الأعلى من الإحاطة أو الإدراك، وتتضمن المعرفة المشاركة والفهم النشط فضلا عن مقدرة على الارتفاع بمستوى الفهم لمقابلة احتمالات الحياة، ويمكن أن تشير المعرفة أيضا إلى السجل

المنظم للخبرة البشرية مقدمة في تمثيل مادي (كتب، تقارير…).وقد تشير المعرفة أيضا إلى الحكمة التي تتضمن تطبيق المعرفة المحتواة في الرأي أو الحكم الإنساني والذي يدور حول معايير أو قيم معينة تعتبر مقبولة بصفة عامة.

ومن جانب الثقافة أو المجتمع ويصفها(Drucker)بأنها:معلومات مفهومة قادرة علي دعم الفعل،فيما يكون الفعل و العمل تطبيقا لها.أي القدرة علي ترجمة المعلومات إلى أداء لتحقيق مهمة محددة أو إيجاد شيء،وهذه القدرة لا تكون إلا عند الأفراد ذوي المهارات الفكرية (1)

طيف المعرفة الحدث

ويعتبر العالم Brookes من أكثر المهتمين بظاهرة المعلومات1، ويميز بين المعلومات، البيانات، المعرفة، والحكمة، و يبين بجلاء متى تشكل هذه العناصر المعرفية الأساسية دلالة علمية ،و يري بأن صعوبة الفصل بين هذه المفاهيم هو السبب المباشر في سوء تقدير المعلومات واستخدامها.وعليه يمكن القول أن هناك بعض المعلومات تأتي إلينا من خلال الملاحظة لما يحيط بنا، والبعض مما يقوله الآخرون، والبعض من الإطلاع، وهناك مصادر أخرى ، وكل المعلومات التي تعدل أو تغير من البناء المعرفي هي عملية استخدام المعلومة في مجال ما كقيمة فعلية مدركة2. كما يمكن توضيح العلاقة بين البيانات و المعلومات والمعرفة في المعادلة الآتية:

ا لملاحظة + التمعن والتفكير بيانات

ا لبيانات + التجميع +التحليل + التنظيم معلومات

ا لمعلومات + التجميع + التنظيم + الاستيعاب المعرفة

ا لمعرفة + الفعل حل، قرار، تقدم.

يبين هذا التحليل أن المعلومات مع مستوياتها الأدنى في التركيب كمادة خام (بيانات) يمكن إدارتها بالنظم والإجراءات، أما المعرفة فلا تتم إدارتها إلا بالسياسات وذلك حسب الطيف التالي:

ا لبيانات المعلومات المعرفة الحكمة (الرشد) (1)وبذلك يمكن القول أن البيانات عبارة عن رموز و حقائق بسيطة متفرقة لم يجري تفسيرها و قليلة الفائدة ،وعندما تجتمع هذه الحقائق وترتبط معا تصبح معلومات وهي بيانات ذات معني يمكن الاستفادة منها، وعندما تصبح كذلك تكون قادرة على التأثير في سلوكات الفرد والمجتمع….الخ، وتتحول إلي معرفة تكتسب من خلال الإتصال أو البحث أو التعلم. وهناك من يضع المعلومات في رتبة وسط بين البيانات أو المعطيات والمعرفة،أي أن المعلومات هي البيانات المستخدمة، وذلك بإعتبارها العملية التي تتم في عقل واحد (إنسان، جماعة، مؤسسة، حكومة،..الخ) وهذه نظرة علماء المعلومات.

أما من وجهة نظر رجال الإعلام فينظر باكلاند (Buckland) إلى المعلومات على أساس أن لها ثلاث استخدامات رسمية:

  1. المعلومات كعملية هي أنها فعل الإعلام.أي رمز تعبيري يسمح بالإتصال.
  2. المعلومة كمعرفة للدلالة على ما تم إدراكه من المعلومات كعملية.

ج- المعلومات كشيء ، أي توصيلها أو تمثيلها بطريقة مادية (1).

ويرى الباحث ستونير (Stonert) أن المعلومات من فلسفة التنظيم هي:” إحدى الخصائص الأساسية شأنها في ذلك شأن المادة والطاقة، وهي جزء من محتوى أي نظام يعرض عملية التنظيم، أي أنه إذا كانت الكتلة هي التعبير عن المادة، وقوة الدفع هي تعبير عن الطاقة، فإن التنظيم هو التعبير عن المعلومات” (1).

وعند علماء السياسة فيمكن لكلمة معلومات أن تحدث وقعا اكثر تباينا،حيث يري لوكاس(lucas) أن المعلومة:“تعبر عن حقيقة أو ملاحظة أو رأي أو إدراك لشيء محسوس أو غير محسوس يستخدم في تقليل عدم التأكد بالنسبة لحالة أو حدث معين و يظيف إلى معرفة الفرد أو الجماعة (2).

في حين يكثر الحديث في كل المؤتمرات و الإجتماعات في البلدان المتقدمة و النامية عن المعلومات و أهميتها و الدور الذي تلعبه في كل مجالات التنمية.

و في هذا السياق يقول( ألن كنتa.kent)أن:“المعلومات هي أية معارف مسجلة يمكن أن يفيد منها أي مسؤول في عملية اتخاذ القرارات ،و يمكن لهذه المعرفة المسجلة أن توجد أنواع مختلفة من المصادر كالمرسلات،و تقارير الجرد،و البحوث،و مقالات،و دوريات،وأي إنتاج فكري” (1).

ولقد أصبح اليوم كذلك الأمن الوطني من الفطور المعلوماتي يعرف على أنه: “الإحساس الجمعي الفعلي والتخيلي، بعدم وجود تأثير أو تهديدات لبنى المجتمع المعلوماتية (خاصة الحساسة منها) في جوانبها السياسية، العسكرية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية…الخ، أيا كان مصدرها داخلي مثل المشكلات الاجتماعية، ومختلف التحديات الداخلية كالتنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان، والتخلف، والفقر، الأمية، والجريمة، والمشكلات الاجتماعية المتنوعة، والفساد الإداري والسياسي، ونقص الكفاءات، والتحدي الثقافي والتربوي وحتى التحدي الأخلاقي، أو كانت مصدرها التحديات العالمية السياسية والاقتصادية، والتحديات التقنية (التكنولوجيا)» (1).

وفي الأخير لابد من الإشارة إلى أن المعلومة تحظى بأهمية بالغة من لدن علماء الاجتماع،حيث تعتبر رمز من رموز الإتصال بين الأفراد و كذلك مضمون الرسالة الإتصالية ،وتمثل أيضا البنية المعرفية للفرد أو المجتمع.ويري زكي حسن الوردي في كتاب (المعلومات و المجتمع)أن: “كل ما يغير في البناء المعرفي هو نتيجة عملية المعلومات،و التي تكتسب عن طريق الاتصال أو البحث….الخ،فالفرد بنيته المعرفية ناتجة عما حصل عليه من معلومات و ما إكتسبه من خبرات و التي تؤثر في أدائه و سلوكه،و كذلك الحال أيضا بالنسبة للمجتمع.و يري أن المعلومات هي البيانات المستخدمة في حل المشكلات علي إعتبارها عملية تتم في عقل الإنسان عندما تجتمع إحدى المشكلات.(المشكلة……بيانات……العقل…..معلومات…. … القرار)”(1).

ولا تزال العلاقة وطيدة بين المعلومات والمجتمع على مر التاريخ، إلى درجة وصولنا اليوم لهذا المصطلح مجتمع المعلومات (Informationsocietyإذ تحتل فيه المعلومات مكانا مركزيا والتي أثرت في البنى الإقتصادية والإجتماعية والسياسية للمجتمعات، مما أثر في أنماط السلوك والقيم الإنسانية والثقافية، حيث شاع الإنتشار الثقافي وعولمة الثقافة والاقتصاد…الخ.فهو المجتمع الذي يعمل معظم أفراده بإنتاج المعلومات أو جمعهاأو اختزانها أو معالجتها أو توزيعها.

أو «… هو المجتمع الذي يعتمد اعتمادا أساسيا على المعلومات الوفيرة كمورد استثماري وكسلعة استراتيجية وكخدمة وكمصدر للدخل القومي، وكمجال للقوىالعامة» (1).

كما ترى (ناريمان إسماعيل متولي) أن مجتمع المعلومات هو«…المجتمع الذي يعتمد في تطوره بصفة رئيسية على المعلومات والحاسبات الآلية وشبكات المعلومات والإتصال، أي أنه يعتمد على التكنولوجيا الفكرية تلك التي تضم سلعا وخدمات جديدة، مع التزايد المستمر للقوة العاملة المعلوماتية، التي تقوم بإنتاج وتجهيز ونشر وتوزيع وتسويق هذه السلع والخدمات» (2).

من خلال التعريفات السابقة ندرك أنه لتقنية المعلومات دور هام في تطور مجتمع المعلومات، حيث أن عمليات الانتقال للبنية التحتية للمجتمعات “Infrastructural Transformation” قائمة في أغلب المجتمعات عن الأثر المدمج للتطور التكنولوجي المبني على تكنولوجيا المعلومات وظهور اقتصاد المعلومات والمعرفة، وعمليات التغيير الثقافي والظاهرة بشكل واضح بتغيير مكانة الفرد والمؤسسات وظهور الوعي ، ويصبح التركيز على العمليات التي تعالج فيها المعلومات،وأن المادة الخام الأساسية هي المعلومة، حيث يمكن النظر إلى تكوين البنية التحتية المعلوماتية للمجتمع ومدى نضج هذه البنية كمؤشر يبين قيمة المعلومات لديها، ومنه الاعتماد على هذا البعد كأساس لقياس التنمية.

وفي ختام هذا العرض المفاهيمي نستنتج العلاقة بين هذه المفاهيم، فالبيانات هي المادية الأولية، وهي المعطيات البكر التي نستخلص منها المعلومات، وهي بنود البطاقة الشخصية، ومادة استيفاء النماذج، وقراءات أجهزة القياس والإشارات المتفق عليها رسميا، ويعطي ارتباطها المعلومات التي هي نتاج معالجة البيانات تحليلا وتركيبا لاستخلاص ما تتضمنه هذه البيانات أو تشير له من مؤشرات وعلاقات ومقارنات وموازنات من خلال تطبيق الطرق الإحصائية والرياضية والمنطقية والحسابية وكذلك من خلال إقامة النماذج، وعليه فعلاقة البيانات بالعلامات علاقة المواد الخام بالمنتج فهي الركيزة الأساسية للمعلومات والمتغير المستقل الذي لا يستحدث، و المعلومات هي المتغير التابع وهي تمثل ما نحصل عليه نتيجة لمعالجة البيانات بطريقة تزيد في مستوى المعرفة لكل من يحصل عليها من المستفيدين.وفي جانب المعرفة فإن هذا المصطلح يستخدم لوصف فهم أي منا للحقيقة. وأن الحاجة إلى المعلومات حول تلك المسألة يعني امتلاك المعرفة عنها، وعملية أو طريقة امتلاك المعرفة الخاصة بقضية معينة هي مصطلح يسمى التعلم أو الإطلاع. وبذلك وحسب تقديرنا أصبح النظر إلى المعلومات يختلف مع إختلاف من يتعامل معها، فهي بالنسبة إلى:

  • السياسي: مصدر القوة وأداة السيطرة.
  • المدير: أداة لدعم اتخاذ القرار.
  • العالم: وسيلة لحل المشكلات ومادة لتوليد المعارف الجديدة.
  • الإعلامي: مضمون الرسالة الإعلامية.
  • اللغوي: رموز تشير إلى دلالات أو رموز أخرى .

كما توجد هناك عدة تعاريف أخرى متصلة بالمعلومات كظاهرة، ومختلف الظواهر الأخرى المتصلة بها، وتأتي في مقدمتها المعلومات كعلم، فإذا كان هناك الكثير من المهنيين الذين يشعرون بالارتياح التام لفهم واستخدام مصطلح المعلومات فهناك من يرى صعوبة حصره ويظهر له على أساس أنه علم له أسسه ومبادئه.

*- مفهوم علم المعلومات:

هناك العديد من المحاولات من جانب علماء المعلومات لاقتراح بناء أساسي للمعلومات ونذكر منهم بروكس ( Brookes)، وكليفردون( Cleverdon)، وفيروثورن( Fairthrne) وجارفيلدGarfied، وفيكر ( Vickory)، وغيرهم…الخ.وكذلك الجمعية الأمريكية لعلم المعلومات (Asis) عام 1968. وإسهامات الباحث ساراسيفيك (Saracevic 1990) الذي وضع خريطة المستقبل لعلم المعلومات حيث حاول الرجوع إلى بدايته كتخصص مستقل، ليتلوه بعد ذلك الباحث لي (Lai.1994)، ثم هناسون (Hanson.1994) التي أرست قواعد علم المعلومات خصوصا بالنسبة للجانبين الأول الإتاحة للمصدر وثانيا مدى أهمية المواد المقتناة (1). ومن خلال هذه المحاولات وأخرى مما لم يتسنى لنا ذكرها فإن مفهوم علم المعلومات لخصه بلكين Belkin وهي:

  1. المعلومات في نظم الاتصال المعرفي الإنساني. 2- فكرة المعلومات المرغوبة.
  2. فاعلية نظم المعلومات ونقل المعلومات. 3- العلاقة بين المعلومات ومولدها.
  3. العلاقة بين المعلومات والمستفيد منها. (1)

و يري عماد الصباغ أن مصطلح(informatics)الذي ظهر في الاتحاد السفياتي في الستينات يترجم بالعربية إلى (المعلوماتية)*أو(علم المعلومات)و الذي يشير إلى معالجة البيانات،بحوث العمليات،نظرية الإتصال و الشبكات،نظرية المعلومات و التنظيم.

كما وصف أنطوان بطرس المصطلح بأنه يضم:

  1. يضم الشبكات ومواقع الفاعلين والمنظمات والمؤسسات في المجتمع.
  2. وجود اختلافات هامة بين الشبكات فيما يخص الأهمية البنائية للانسياب الحاصل للمعلومات لأجل نظام ما ولأهدافه.
  3. تفاوت القوة والتحكم والسيطرة على المعلومات في الشبكات. (1)

ب/ التطور التاريخي للمعلومة:

إن للمعلومات دور رئيس على مر العصور وهذا الدور ليس وليد هذا العصر، فحياة الإنسان القديمة وصراعه مع قوى الطبيعة منها خاصة، كان فيها الإنسان متعطشا للمعلومة لتفسير الظواهر المخفية بالنسبة له في تلك الأزمنة. وشمل بحثه عن إجابات للعديد من الظواهر حوله والتي تتطلب البحث عن المعلومات حول ماذا يحدث؟ لماذا يحدث؟ متى يحدث؟ وكيف يحدث؟…الخ، ولم يتوقف ذلك على الظواهر الطبيعية فحسب، بل شمل ذلك إلى علاقاته مع باقي الأشياء الأخرى سيما المتعلقة بنواحي الحياة الاجتماعية، و بالأخص أهمية المعلومة في الصراعات البشرية. (1)

لقد بدأ هذا الإهتمام يشق طريقه إنطلاقا من خلفياته التطبيقية، وهي الأنشطة الاجتماعية الخاصة بتسيير وتداول المعلومات، ولمختلف الممارسات الإجتماعية تاريخها المغرق في القدم، حيث تنشأ من البيئة الحاجة إلى المعلومات (2). فإذا نظرنا إلى البيئة الحضارية التي تنامى فيها تداول المعلومات وإزدهر نجد أينما ذهبنا وحيثما تبصرنا أنفسنا في مواجهة المعلومات، نجدها في جزيئات الذرة ونواة الخلية، كما نجدها في المحيط الأرضي والمجرات والفضاء، وكما تكمن في بنية الكائن البشري الذي أوشك أن يتحول إلى قاعدة بيانات، عن طريق الخرائط الوراثية، كذلك تكمن في بنية المجتمع البشري سواء نظرنا إليه ككائن بيولوجي تتفاعل بداخله أعضاءه من مؤسسات الحكم، والإقتصاد، والدين، والتربية، والإعلام، وأجهزة الأمن والرقابة والقانون، أو نظرنا إليه كنسق رمزي وليد الخطابات المعرفية التي تسري داخل بنيته ما بين أفراده وجماعاته ومؤسساته.

ويذهب البعض إلى أن الحضارة بأسرها هي في جوهرها نظام للمعلومات، ويموت الإنسان وتطوى صحيفته و لا يترك وراؤه إلا معلومات، وكلمات الإنسان هي أكثر مخلفاته مقاومة للزمن، وكذلك تذهب الحضارات

وتبقى نظم معلوماتها ومعارفها، فالحضارة اليونانية مثلا مازالت معالمها بادية حتى اليوم في الغرب إذ تعد مرجعا أساسيا ونبعا أصيلا لنماذج تداول المعلومات،فالمدن الأثينية آنذاك كانت فيها المدينة مركزا لشبكة الاتصالات، وليس من قبيل الصدف أن تتزامن نشأة المدينة مع تطور السجلات الدائمة، وما يحمله المنادون والمبعوثون والاتصالات بين الحكماء وتبادل الرسائل خاصة في شؤون الحكم وممارسة السلطة. (1) ولقد حضيت المعلومة بأهمية كبيرة آنذاك في الصراعات والحروب وإعداد الخطط الحربية والإستراتيجيات العسكرية، ولقد كافح الإنسان بإستخدام كافة الوسائل المتاحة لديه خدمة للحصول على المعلومة التي يمكن أن يوظفها لخدمة أمنه الفردي، والاجتماعي، والسياسي. (2)

كذلك الحضارة الرومانية علي سبيل المثال وريثة الحضارة اليونانية أسست لفكرة المعلومات، سيما في مجال القانون، وأبرزت دور الحكمة والمعرفة كجزء من المعلومات في البناء الحضاري، حيث شهدت أقدم المدن المعروفة بعض التدابير اللازمة لتداول المعلومات مثل السجلات المدونة على ألواح الفخار وأوراق البردي ومحفوظات المعابد والقصور،والمحترفين والمبعوثين الرسميين،ومستودعات المحفوظات القديمة ومنذ ذلك العهد ،أصبحت المكتبات أيا كان نوعها أحد الملامح الدائمة للمجتمع سواء كانت خاصة، أكاديمية، ملكية، كنسية، أو عامة.1 كما أن الحضارة العربية التي ازدهرت في العصور القديمة والوسطى والتي تعد من أعرق الحضارات معرفة وعلما، حيث تركت كنوزا من المعلومات تتمثل في التراث العربي المخطوط. كما أكده حامد ربيع في شتى صنوف المعرفة والذي أثرى الحضارة الإنسانية وكان من العوامل الأساسية في النهضة الأوربية.

إن المعلومات بالنسبة للإنسان كانت منذ البداية وما تزال من أهم المقومات للتفاعل من الآخرين لغرض العيش سوية والتواصل معهم في تبادل المعلومات والخبرات. وبدأت صيغة التواصل، أو ما يطلق عليه بالإتصال الذي رافق الحياة الإنسانية منذ نشأتها، وأتخذ أشكالا غير معقدة في البداية إلا أنه كان أساسا للعلاقات بين الأفراد والجماعات الصغيرة، وعاملا في التغيير الاجتماعي والثقافي. ولما كان الكلام وحده عاجزا عن تلبية حاجة الإنسان من المعلومات، ذلك لأن الاتصال الشفوي مقيد بحواجز الذاكرة الإنسانية وحواجز المسافات، كما تزايد رصيد الخبرات في الذاكرة الداخلية* عبر الأجيال، كل هذا دفع الإنسان إلى وسيط خارجي وهو كل أشكال تدوين المعلومات سواء كان هذا لدى عامة الناس للإحتفاظ بمعارفهم أو مختلف المجتمعات للقيام

بمختلف شؤون الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى الدينية. وليكن الحجر المنقوش نقطة البداية في نشأة الذاكرة الخارجية**وكان بداية أوعية المعلومات التي تراكمت عبر الزمن منذ بدئ النقش والألواح الطينية، والمسلات والأختام، وممرات المعابد والقصور، ووسائل التثقيف الجماهيري ونشر المعلومات، والتي هيأت للمجتمعات الإنسانية برمتها شعوبا وحكومة إمكانية استخدام المعلومات وتسجيلها. ثم انتقالها من جيل لآخر حتى أوصلت المعلومات من عهد المخطوطات كواسطة لتسجيل ونشر المعرفة، إلى إستخدام الحواسيب والأقمار الصناعية والألياف الضوئية في وقتنا الحاضر (1).

من هذا كله نستطيع أن نلمس حجم الاهتمام بجمع ونشر وتوثيق المعلومات وإيصاليها إلى مستخدميها سواء كانوا أفراد، أو جماعات سواء كان ذلك على المستوى الشخصي أو المهني، الوطني أو القومي، حيث تحدد خصائص المدن التي سبق وأن أوضحنا معالم العوامل التي أثارت الحاجة إلى القنوات الرسمية والغير الرسمية للمعلومات .ولقد أدى تجمع البشر في جماعات كبيرة (بروز فكرة الدولة) إلى زيادة الحاجة إلى المعلومات الإدارية ولا يقتصر الأمر على حاجة رجال الإدارة إلى المعلومات حول المجتمع، وإنما يشمل أيضا حاجة المواطن للتعرف على القوانين واللوائح، والنظم، والسياسات والقرارات الخاصة بالإدارة. (1)

ولقد ازدادت هذه الاحتياجات المعلوماتية بشكل مطرد نتيجة لتزايد اهتمامات الحكومات بحياة المجتمع (من ضرائب، رعاية اجتماعية، تخطيط…الخ)، وكذلك نمو الوعي ودرجة المشاركة الديمقراطية في الشؤون الإدارية والسياسية. فالمعلومات أصبحت ثروة وطنية لا تقل في أهميتها عن الموارد البشرية والطبيعية وغدت شريان الحياة الذي تعتمد عليه القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، وأضحى الارتقاء الإنساني يتوقف على كمية ونوعية المعلومات المتاحة (2). فالمعلومات تصمم المياه في المحركات، وتضبط الحسابات وتراقب الميزانيات، وتدعم القرارات والسياسات، ولإحكام السيطرة على تدفق المعلومات وتسخيرها لخدمة المجتمع نجد الآلاف من مؤسسات المعلومات التي لجأت بفعل التطورات والتقنيات الحديثة إلى استخدام الآلة أو الجانب (السيبرنتيكي)* في عمليات الاقتناء والتنظيم والاسترجاع وتوصيل المعلومة لمن يحتاجونها في احسن صورها.

إن التطور التاريخي للمعلومة كمادة خام أدى بالمجتمعات المعاصرة إلى إدراك أهميتها وزيادة الإعتماد عليها كمورد حيوي في الحياة بالشكل الذي أدى إلى ظهور صناعة المعلومات في العديد من دول العالم، التي تنهض من خلال مؤسساتها المتنوعة بإنتاج المعلومات وتعبئتها وتسويقها، وتزدهر هذه الصناعة بشكل خاص في الدول التي تقترب من التحول إلى مجتمعات ما بعد صناعية التي تعتمد على مورد المعلومات بصورة أساسية، وأصبح الإستثمار في المعلومات من الاستثمارات المربحة والكبيرة (1). وأصبحت المعلومات ثروة وطنية اليوم، وهي بناء تحتي ترتكز عليه النظم السياسية والاجتماعية والتربوية والإدارية الحالية وهي مصدر مهم من مصادر الثروة في المجتمع، وإكتسابها وإستخدامها يتطلب مهارات عالية، حيث يحتدم الصراع في مجتمعات اليوم حول عناصر الثروة، القوة، المكانة، والنفوذ، وهي العناصر التي يتنافس عليها الأفراد في علاقاتهم ببعضهم والمجتمعات والدول. والأبعد من ذلك أصبحت المعلومات اليوم وتبقى على مدى حقبة من الزمن حربا وصراعا قوميا، حيث تقاس به مكانة الدولة وهيبتها، والمقدرة بالبنية التحتية للمجموعات والمؤسسات المعلوماتية ،وزيادة الاعتماد على تقنيات المعلومات زادت احتمالات التعرض للفشل أو التخريب مما قد يهدد الأمن الوطني للمجتمع والدولة في كافة نظمها ووظائفها. (1)

ج/ خصائص المعلومات:

1- الخصائص العلمية للمعلومات:

لقد سبق وأن أشرنا إلى مفهوم المعلومات وما تحركه من قوى في الفرد والجماعة والدولة، ومنه يمكن أن نحدد خصائص وطبيعة وأهمية المعلومات، وذلك بوصفها حركة مستمرة ينبغي إمتلاكها، وإستثمارها، وتنميتها، وإستعمالها على أوسع نطاق خدمة لمختلف النشاطات المتنوعة.وهناك العديد من المحاولات للبحث عن خصائص عامة للمعلومات ومن هذه المحاولات ما ذهب إليه ماكجيري Mcgaryالذي بين:

*- من الممكن النظر إلى المعلومات على اعتبارها أقرب إلى الترادف مع الحقائق.

*- إن للمعلومات تأثير تحويلا أو تدعيما على ما يعرفه الإنسان أو ما يعتقد أنه يعرفه. *- إن المعلومات تستخدم كعامل مساعد في اتخاذ القرارات ورسم السياسات.

*- إن المعلومات عنصر حيوي من (شيء ما) عندما نواجه موقف اختيار.

*- إن المعلومات لا تتلقى وإنما تتبادل مع المحيط (النظام). (1)

ويحدد (نبيل على) خصائص أساسية للمعلومات يمكن إيجازها كالآتي:

*- خاصية التميع والسيولة: فالمعلومات ذات قدرة هائلة على التشكيل (إعادة الصياغة) فعلى سبيل المثال يمكن تمثيل المعلومات نفسها في صورة قوائم أو أشكال بيانية ورسوم ومخططات وخرائط…الخ.

*- قابلية نقلها عبر مسارات محددة (الانتقال الموجه) أو بثها لمن يرغب في إستقبالها من المستفيدين والمستخدمين.

*- قابلية الاندماج العالية لعناصر المعلومات، إذ يمكن بسهولة ضم عدة قوائم في قائمة أو بيان أو نص جديد أو جداول أو فقرات يتم إستخلاصها من نصوص سابقة.

*- تتسم العناصر بالندرة وهو أساس إقتصاديتها، وتتميز بالوفرة أيضا، لذا يسعى منتجوها لوضع القيود على انسيابها لإحداث نوع (الندرة المصطنعة) حتى تصبح المعلومة سلعة تخضع لقوانين العرض والطلب، وهكذا ظهر للمعلومات أغنياؤها، وفقراؤها وأباطرتها وخدامها ومحتكروها وسماسرتها ولصوصها.

*- خلافا للموارد المادية التي تنفذ بعد إستهلاكها فالمعلومات على العكس تنمو مع زيادة إستهلاكها، ومن هنا فهناك إرتباط وثيق بين معدل إستهلاك المعلومات من طرف الدولة والمجتمع وقدرتها على توليد المعارف الجديدة.

*- إمكانية إستنتاج وتصحيح المعلومات المشوشة التي تشوبها درجة من عدم اليقين،إذ لا يمكن الحكم إلا على قدر ضئيل منها بأنه قاطع بصفة نهائية (1).

وإذا أردنا تحديد خصائص المعلومات العلمية بشكل خاص فإنه لا بد من تناول ما عرضه ميخائيلوف وزميلاه في معرض ديثهم عن المعلوماتية، فقد ركزوا على إثني عشر خاصية جوهرية تتراوح بين“قابلية الفصل والضم والاستبدال والتداعي وسمتها البرجماتية والطابع الاجتماعي، والدلالي، والزمكانية، والتراكمية، وتقادمها نظرا لإنتاج معلومات جديدة، والتشتت” (1).

هذه باختصار شديد الخصائص العلمية للمعلومات، لكن قد تختلف النظرة فهذه الخصائص في مجملها ذات طابع اجتماعي بحت، فهناك عدة آراء نحو خصائص المعلومات وكل مستفيد ينظر إليها من زاويته الخاصة وحسب مجال استخدامه لهذه المعلومات.

2-خصائص المعلومات من حيث طبيعتها:

لقد حاول الباحث برامان (Braman .s 1969) التوفيق بين المدخل الموضوعي والذاتي في تحديد خصائص المعلومات بالنسبة لحقل السياسة المعلوماتية. وهذه الخصائص عبر عنها بطبيعة المعلومات، والتي يمكن أخذها في الحسبان عند وضع أي سياسة معلوماتية أو عند أي تحليل للمعلومات.

*- المعلومات كمورد resours : وهذه هي الفكرة الكلاسيكية عن المعلومات حيث يعتبر المنشئون والمعالجون للمعلومات، وكذلك المستفيدون منها ككيانات معزولة عن بعضها البعض، أي أنها عبارة عن مادة خام ليستخلص منها عن طريق المعالجة حقائق أخرى عن أحداث أو قضايا معينة، الذي أصبحت المعلومات أحد الموارد الاستراتيجية للدولة والحكومة من القيام بأنشطتها، والمحافظة على استمرار واستقرار النظام.

*- المعلومات كسلعة commodity: مع ما يصحب ذلك من تطبيق المفاهيم الاقتصادية المتصلة بالبيع والشراء والمتصلة بسلسلة الإنتاج، فالمعلومات بهذا المعنى تشير إلى قيمتها إلى درجة أنها أصبحت تسوق كباقي المنتجات، فإذا كانت المؤسسات تحول المواد الأولية إلى مواد إستهلاكية فمؤسسات المعلومات ومختلف الهيئات والدوائر الرسمية وحتى الدول ككيانات تحول المعلومات إلى مواد استهلاكية من نوع خاص كالسياسات والتشريعات والتنظيمات التي تؤدي إلى التغير والتطوير أي الانتفاع الاجتماعي بها كمنتوج . (1) كما تشير أيضا المعلومات وفق هذا المنحى إلى كتاب أو عقل شخص (معرفة)، أو في ملف مؤسسة أو حكومة، أو بند إحصائي مفرد statistic، وعندما ينظر إلى المعلومات كسلعة فإنها غالبا ما تأخذ قيمة اقتصادية، وتصيح

إدارة السلعة هي الأساس في النشاط (اقتصاديات المعرفة).ومن ثم فإن المعلومات يمكن أن تقدم سيطرة control على الأشياء والأشخاص.

*- المعلومات كطاقة: إن هؤلاء الذين يرون المعلومات كطاقة ينظرون إليها ككيان مادي قابل للقياس حيث يمكن التحقق من وجوده أو عدم وجوده تجريبيا، ويمكن القول بأن المعلومات تنقل بواسطة الأشكال المألوفة من الطاقة أو أنها جزء لا يتجزأ منها. ، وليس من السفاهة أن نشبه النظام كما سنرى لاحقا بالآلة فلا يمكن أن يتحرك إلا بوجود طاقة والتي هي المعلومات التي توضع في خزانة المدخلات ليستمر النظام في الحركة وتصرف هذه الطاقة وتحترق لتعطي قدرة النظام على الحركة (المخرجات، القرارات، سياسات،…الخ). أما باقي الشوائب والفضلات فتطرح من فوهة المحرك هي طلبات وبدائل زائدة، معلومات مشوشة،…الخ. وهكذا

يحق لنا أن ننعت المعلومات بالطاقة الضرورية واللازمة لأي نظام سواء كان مؤسسة، أو حكومة، دولة وحتى على المستوى الفردي تشكل المعارف طاقة الفرد على التعامل مع مشاكل الحياة.

*- المعلومات كإتصال: عالميا تعتبر المعلومات مرادفة للاتصال، فعندما يتصل شخص بشخص آخر فإن الشخص البادئ يتبادل البيانات،ويحرك أو ينقل إدراكه للبيانات للشخص الآخر ويصبح الشخص عارفا informed عند تلقيه البيانات، ويحق لنا أن نعمم هذه الحالة على باقي أشكال الاتصال الأخرى في المؤسسات والحكومات وحتى الدول.فهناك تدفق لا ينقطع بيننا من المعاملات المالية، السلع، الطاقة، المعلومات وهذه الأخيرة لا يمكن لعدم تدفقها للحياة أن تدوم، ويؤدي الإعتماد المتبادل interdependence في مجال المعلومات إلى فرض التعاون والتعايش بين الاهتمامات المختلفة، إلا أننا نعلم أن النتيجة أبعد ما تكون عن التآلف المثالي، فجميع المصالح والاهتمامات أيضا في حد ما في تسابق وتصارع ومساومة. ويشكل الإتصال التعرض إلى سيل لا ينقطع من رسائل المعلومات، وهو ما يثير انتباهنا كثيرا، في أن يشكل في حد ذاته حاجزا يحول دون تلقي أنسب المعلومات وأدقها لتلبية الاحتياجات ومن الواضح كما قال تايلر thayor)) أننا في مأزق حيث يقول:«… ومن الممكن اتخاذ مجرد كم من البيانات التي تمر على مكتب أي مسؤول أو أي مستخدم مؤشرا لإلقاء الضوء على أوجه القصور في تكوين وتنمية استراتيجيته وممارسته في التماس المعلومات …الخ». (1)

د/أهمية المعلومات:

تظهر أهمية المعلومات من خلال ما يطرأ من متغيرات متسارعة وما تحدثه ثورة المعلومات من إنعكاسات شاملة في كافة جوانب الحياة، وما تقدمه للمستخدمين من حلول وخيارات. فالمعلومات والمعرفة لا بد أن تسهم في المساعدة على تطوير المجتمعات، وقد كانت هذه القضية محل تحليل ومناقشة لدى العديد من علماء المعلومات منهم عالم المعلومات والاقتصاد دونالد كنج(Donald. W. king) الذي حاول الإجابة على الأسئلة الرئيسية والمطروحة في هذا الصدد والتي منها: هل يتم دفع أجور أو لا يتم مقابل منتجات وخدمات المعلومات وخاصة تلك التي تمولها الحكومة جزئيا؟.

إن الإجابة على هذا السؤال توضح لنا أن قيمة المعلومات هو من أكثر القضايا تعقيدا في مجال إقتصاديات المعلومات، لذلك يجب تحديد العلاقة بين إستخدام المعلومات والقيمة المستمدة من هذا الإستخدام، فنحن مثلا لا نستطيع تقدير قيمة الرسالة الفردية قبل إستخدامها، لأن الإستخدام هو الذي يعطينا أهميتها وقيمتها، وكذلك على مستوى النظام فأهمية المعلومات تقاس بمدى مساعدة المستخدمين على إيجاد الخيارات أو توضيح المشكلات.وهناك ما يسمى بالقيمة المتبادلة والقيمة المستفادة من المعلومات، وفي هذا يرى السياسيون

والإستراتيجيون أن المعلومات هي ظاهرة للتقليل من عدم اليقين، لذلك لا بد من الإشارة إلى أن مصطلح القيم المتبادلة لا يتضمن الثمن الذي يرغب المستفيد (المستخدم للمعلومات) في التبادل به، وإنما يتمثل في الوقت والجهد الذي يرغب المستفيد في استثماره من أجل الحصول على عائد عملية استغلال المعلومات وهذه تسمى القيمة الظاهرة للمعلومات (1).

لقد أصبحت المعلومات هامة وضرورية جدا لكل منظمات الأعمال والمؤسسات الحكومية، وذلك لزيادة التعقيد في مهام إدارة الأعمال التنظيمية والإستراتيجية بفعل المتغيرات والتقلبات البيئية السياسية والثقافية، الاقتصادية والاجتماعية والتشريعية والتكنولوجية…الخ، وكذلك إحتدام الصراع والمنافسة حول إمتلاك المعلومات وإستخدامها بشكل سريع في إتخاذ القرارات والسياسات لمواجهة التحديات الخارجية (البيئة) من مشكلات وقضايا إستراتيجية، بالإضافة إلى زيادة النفوذ والمعرفة، حتى أصبحت المعلومات اليوم تشكل مصدر للقوة و، وأصبحت مورد استراتيجي لحفظ المصالح وإقامة التوازنات. كما أدى التطور التكنولوجي وتطوير الاتصال والمعالجة الدقيقة المبنية على استخدام التقنيات الحديثة، حيث تواجه الحكومات اليوم أكبر تحدي والذي يكمن في كيفية الاستفادة واستخدام تكنولوجيا المعلومات (1).

وفي هذا السياق يلخص( بولين اثرتون)أهمية المعلومات كثروة وطنية في أنها:

1-تساهم في تنمية قدرة الدولة علي الإفادة من المعلومات المتاحة و الخبرات التي تحققت في الدول الأخرى .

2- تساعد في ترشيد و تنسيق ما تبذله الدولة في البحث و التطوير و التنمية.

3- تضمن قاعدة معرفية لحل المشكلات و توفير البدائل و الأساليب لحل المشكلات الفنية و التقنية و اختيارات تكفل الحد منها مستقبلا.وترفع من مستوي فعالية و كفاءة الأنشطة في كل القطاعات.والأهم هو ضمان القرارات السليمة في جميع المجالات وعلى مختلف مستويات المسؤولية (2).

كما تتجلى أيضا أهمية المعلومات في جميع مراحل النظام أو أي سياسة ما من تخطيط وتنظيم وتوجيه ورقابة، والتي هي صلب أي عملية إدارية. حيث تتحدد جودة المعلومات بقدرتها على التحفيز لاتخاذ قرارات أثر فاعلية، وتوجد ثلاث عوامل تحدد درجة جودة المعلومات وذلك من قبل من يستخدمها:

1- منفعة المعلومات ..utility of inf: تقييم المعلومة من زاوية المنفعة المستمدة منها، تتمثل هذه المنفعة في عنصرين هما صحة المعلومة وسهولة إستخدامها، ولها أربع منافع:

  1. المنفعة الشكلية form utility: كلما تطابق شكل هذه المعلومات مع متطلبات المستفيد “صانع القرار أو راسم السياسة…الخ”، كلما كانت قمة هذه المعلومات عالية.
  2. المنفعة الزمنية time utility: يكون للمعلومات قيمة كبيرة جدا إذا توافرت لدى متخذ القرار (المستخدم) في الوقت المناسب والذي يحتاج فيه إليها.

ج- المنفعة المكانية place utility: ترتفع قيمة المعلومات إذا أمكن الوصول إليها والحصول عليها بسهولة، فالتعرف على طريقة الإتصال والوصول إلى المعلومة من الأهمية، فأماكن تخزين المعلومات والشبكات أصبحت من الأمور الهامة وأسس تقدم المنظمات والأمم.

د- منفعة التملك possession utility: يؤثر معد المعلومات في قيمتها، من خلال الرقابة التي يمارسها في عملية توزيع ونشر المعلومات في أرجاء النظام. (1)

  1. درجة الرضا عن المعلومات information satisfaction: من الصعب أن نحكم عن المدى الذي ساهمن به المعلومة في تحسين القرار المتخذ، لذلك فالبديل لقياس كفاءة المعلومات هو استخدام مقياس الرضا عنها من قبل متخذ القرار، فهو الذي يحدد توفراها بقدر معين التي تساعده في اتخاذ إجراء أو سياسة معينة. (1)

إن الدور الحيوي الذي تلعبه المعلومات جعلها القوة الأساسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والاجتماعية…الخ، حيث باتت أداة رئيسية للفعل السياسي الموجه نحو السيطرة والتوجيه الإعلامي والتربوي…الخ، ولا أحد يستطيع أن ينكر دورها أيضا في نظام القيم وتشكيل رؤية الفرد نظرا لما تحدثه من تغييرات حادة في أنماط السلوك والمعايير التي تشكل في مجملها موارد ومعلومات للمجتمع والنظام ككل، ويرى “ألفين توفلر” في كتابه “أشكال الصراعات المقبلة”: «..أن المعرفة كوسيلة تختلف عن كل الوسائل الأخرى، فيمكن استخدامها من قبل الطرفين وجزء محدود من المعلومات يمكن أن يعطي أفضلية استراتيجية وتكتيكية هائلة…». (1)

وأخيرا فلقد عبر أحد رجال الاقتصاد وهو لامبرتون( D. lamberton )عن هذه الأهمية بطريقة أكثر تحديدا حيث قال « في عالم… نجد فيه أن كل مؤسسة (هيئة) مرغمة على إتخاذ قرارات مصيرية لتحقيق أعلى معدلات الكفاءة، فإن إتخاذ مثل هذه القرارات يدفع للإهتمام بالمعلومات بحيث يصبح توفيرها وإختزانها والإفادة منها، نشاطا إستثماريا أساسيا…» (2).

ه/مصادرالمعلومات:

لقد أثر التطور السريع لتكنولوجيا المعلومات و الإتصالات تأثيرا كبيرا في مصادر المعلومات ،حيث تزايد الإهتمام بها بشكل مذهل،إذ أن الكم الهائل من المعلومات قد جعل عملية السيطرة عليه بالطرق التقليدية أمرا صعبا،لذا كان لابد من البحث عن أساليب و تقنيات حديثة لإستخدامها في السيطرة علي المعلومات و تيسيرها لمن يحتاجونها من الأفراد و المؤسسات.وإتجهت الأنظار خارج أصوار المكتبات إلى هيئات وبنوك وقطاعات وشبكات امتهنت تجارة المعلومات وتسويقها،والتي نشرت آفاق هذه الخدمات إلى مناطق متباعدة وقطاعات عريضة في المجتمع،وغدت المعلومة سلعة ورأس مال جديد.وتعرف علي أنها:”جميع الأوعية والقنوات التي يمكن من خلالها نقل المعلومات للمستفيدين منها”1.

المصدر:الطالب بالإطلاع

ثانيا: نظم المعلومات

لقد أصبحت نظم المعلومات هامة وضرورية جدا لكل المنظمات والمؤسسات الحكومية وذلك نتيجة زيادة التعقيد في المهام الإدارية بفعل سرعة التأثير بالمتغيرات البيئية من سياسية وثقافية وإقتصادية وإجتماعية وتشريعية وتكنولوجية…الخ. وكذلك تلاحق التطورات التكنولوجية في أساليب ووسائل الإتصال ونقل المعلومات، وسرعة إتخاذ القرارات وحل المشكلات، بالإضافة إلى تغيير مفهوم وقيمة المعلومات. لذلك أصبحت دراسة نظم المعلومات مثل دراسة أي مجال وظيفي آخر كجزء أساسي من مقومات النجاح الحديثة،وكذلك يواجه الباحثين عادة مشكلة في تعريف نظام المعلومات، وتعود هذه المشكلة إلى عدم وجود إتفاق عام بين المهتمين بنظم المعلومات على إستخدام مصطلح واحد يعبر عن هذا النشاط، فالبعض يطلق عليه “نظم المعلومات والقرارات”، والبعض الآخر “نظام المعلومات” وآخرون “نظم المعلومات التنظيمية”.

وعليه فقد مرت نظم المعلومات بتطورات هائلة من الخمسينات حتى الوقت الحالي، وهذا يؤكد أهمية نظم المعلومات في تحسين عمليات وأداء جميع المؤسسات والهيئات في الدولة ومساندة عملية اتخاذ القرارات ودعم الأعمال التعاونية بين الهيئات وفرق العمل والخبراء والتقنيين والمستشارين….الخ.

أ/تعريف نظام المعلومات:

على الرغم من الإختلافات حول تعريف نظم المعلومات إلا أن هناك عدة تعاريف رائدة في هذا المجال. لكن وقبل تحديد مفهوم نظم المعلومات الإدارية لا بد من الإشارة إلى ماهية النظام، كما سبق وان أشرنا في المبحث الأول فلا أحد أعطى وصفا دقيقا للنظام كالذي أعطاه (إستون) والذي إعتبره بمثابة وحدة التحليل الأساسية،والنظام عنده هو:” مجموعة من العناصر المتفاعلة والمترابطة وظيفيا مع بعضها البعض بشكل منظم بما يعنيه ذلك من أن التغير في أحد العناصر المكونة للنظام يؤثر في بقية العناصر الأخرى” (1).

غير أن إستخدام هذا المصطلح له إرهاصات تاريخية ، حيث تشير كلمة نظام (system) في الفقه اليوناني إلى الترابط العضوي بين أجهزة مختلفة،فالنظام بهذا المعنى يتأثر ويصيبه الخلل أو التوقف، إذا عزل أحد عناصره أو أصابه التلف، لأن النظم بشكل طبيعي تتواجد في محيط أكبر وأشمل يعرف ببيئة النظام (system environment) مما يحتم أن يكون لكل نظام حدود واضحة( system boundary) تفصله عن باقي الأنساق الأخرى1.فبعد أن تطرقنا إلى مفهوم المعلومات باعتبارها بيانات تمت معالجتها بوسائل ضليعة لتصبح في شكل أكثر نفعا لمستخدميها حاليا ومستقبلا.

كما وقفنا أيضا على مفهوم النظام بوصفه مجموعة أجزاء أو عناصر أو أقسام ترتبط ببعضها البعض بعلاقة منطقية بغرض أهداف معينة، فالسؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا هنا هو كيف يتم الربط بين هذين المفهومين، أي ما المقصود بنظام المعلومات؟.

لقد وردت عدة تعريفات لنظم المعلومات والتي أخذنا منها هذا التعريف:”مجموعة من الإجراءات تتضمن تشغيل،تخزين،توزيع،نشر،و إسترجاع المعلومات بهدف تدعيم عمليات صنع القرارات و الرقابة.” (2).

وهناك من ينظر إليه من زاوية النسق على أن نظم المعلومات عبارة عن:”هو نظام متكامل أو بيئة تحتوي علي عدة عناصر التي تتفاعل فيما بينها و مع محيطها بهدف جمع البيانات و معالجتها و إنتاج و بث المعلومات لمن يحتاجونها لصناعة القرارات”. (1)

كما تعرف نظم المعلومات أيضا علي أنها على أنها: “عبارة عن مجموعة من الإجراءات و القواعد التي تكفل انسياب المعلومات المناسبة إلى الشخص المناسب و في الوقت المناسب لاتخاذ اكفأ قرار” (2). حيث يقوم نظام المعلومات باستخدام الموارد للقيام بأنشطة الإدخال والتشغيل والتحويل والتخزين، وهذا وفقا للنموذج الأساسي لنظم المعلومات، وعليه يمكن أن تكون نظم المعلومات يدوية مثل نظام حفظ السجلات والوثائق والملفات، أو تلك النظم المبنية على تكنولوجيا المعلومات التي تتكون من عدة أجزاء يجب أن تتكامل مع بعضا البعض لتكون نظاما معلوماتيا فعالا، حيث تتضمن تلك الأجزاء العناصر والمعدات والأجهزة والبرمجيات وقواعد البيانات وشبكات الربط والإتصالات، ونظم المعلومات إما أن تكون رسمية أو غير رسمية ويتضح ذلك من خلال ما يتم تصميمه لمقابلة الإحتياجات من المعلومات وكذلك ما يتداول بين مختلف مراكز المعلومات وحتى العاملين بها، ومختلف الفاعلين في البيئة الخارجية، والتي قد لا يتم الحصول عليها من النظام الرسمي للمعلومات.

من خلال المفاهيم السابقة يمتد خيالنا العلمي إلى أن تطور نظم المعلومات إرتبط بالتطورات التكنولوجية والحاسبات الآلية في مجال الأعمال في بداية الخمسينات، فقبل هذه المدة كان لا يستخدم هذا المصطلح إلا في بعض المجالات العلمية والعسكرية، وكان الغرض من تطويرها وإستخدامها هو الإستغلال الأمثل لموارد المعلومات وسرعة التعامل مع البيانات من أجل مساعدة صانعي القرارات لاتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لمواجهة المشكلات التي تواجههم في الوقت المناسب وبأقل جهد وتكلفة، بدلا من الملفات والتقارير الدورية الناجمة عن العمل البيروقراطي البطيء ، ومنه نستنتج عدة مزايا تتحقق من توفر نظام فعال للمعلومات.

ب/خصائص نظم المعلومات:

*- تحقيق الكفاءة: تشير الكفاءة إلى أداء المهام بصورة أسرع وبأقل تكلفة وكلما كانت البيانات والمعلومات متوفرة بأكبر دقة، كلما أعطت لصانع القرار أو راسم السياسة فرصا أكبر ورشدا موضوعيا وذاتيا أوسع، وكذا الرفع من جودة القرار، كما قد تشير إلى بعض التصورات عن الأحداث المستقبلية والسياسات المطلوب تنفيذها، وكذلك ضمان التفاعل بين السياسات والخطط والبرامج والإستراتيجيات.

*- الوصول إلى الفعالية: تدل الفعالية على مدى تحقيق الأهداف من خلال دعم المقررين و المخططين و السياسيين و المحلين و الباحثين في اتخاذ التدابير ذات الجودة العالية.

*- تحسن أداء الخدمة: تهدف نظم المعلومات إلى تقديم خدمة ذات مستوى عالي للعملاء والفاعلين على جميع المستويات،و تنسيق جهود التعاون بين المؤسسات المحلية و الدولية،وليس هناك مثال أفضل من إستخدام آلات الصرف السريع لتمكن المواطنين من الاستعلام وسحب أرصدتهم على مدار اليوم. فهي أفضل خدمة ممكنة.

*- التعرف على الفرص وإستغلالها: تعيش الأنظمة اليوم في مناخ سريع التغير، الأمر الذي يتطلب منها ضرورة التكيف مع هذه المتغيرات البيئية، فأنظمة المعلومات وسيلة تحديد التغيرات لمساعدة متخذي القرارات في استغلال الفرص والحلول بأكبر سرعة وكفاية.

*- ربط العملاء والفاعلين: يمكن لكل من المنظمات والمؤسسات الحكومية الإستفادة من تكنولوجيا المعلومات لتجعل العملاء والمتعاملين أكثر قربا وإرتباطا بها، من خلال تحسين مستوى الخدمات ورصد التحركات والتقلبات البيئية، إذ يعتبر نظام المعلومات أحد المراد الأساسية والسلاح الاستراتيجي للتعامل مع البيئة وتحقيق التكامل بين المتغيرات (1).

وهناك عدة اتجاهات تبرز الحاجة إلى ضرورة وجود نظام فعال للمعلومات، فالزيادة في التخصص وظهور أساليب جديدة في إتخاذ القرارات والاتجاه نحو اللامركزية، أي إلى الطلب على المشاركة في المعلومات بين المتخصصين وتزايد الاهتمام والإعتماد على النماذج والأساليب المتطورة في عملية صنع القرارات، وكذا تزايد أهمية الاتصالات بين كافة المستويات السياسية والإدارية، كل هذا يتطلب وجود أنظمة ناجعة وفعالة

للمعلومات تتسم (بالاتساق و الكلية و الوظيفية و الهدفية و التكامل و البساطة)، و تعتمد على المهارات والمعارف المطلوبة في هذا المجال، إذ تعد المعرفة الفنية ضرورة ملحة في مجال المعلومات من عاملين وخبراء وأخصائيين، الذين لا بد أن تتوفر لديهم المهارات الكافية والإبداعية في التعامل مع التكنولوجيا والبرمجيات والشبكات وقواعد البيانات، ولا يتحقق هذا إلا عن طريق تحديث المعارف بواسطة برامج التدريب والمشاركة في الندوات وغيرها من أساليب صقل المهارات.إن خبراء نظم المعلومات يجب أن يكونوا قادرين على تطبيق التكنولوجيا بطرق إبداعية للمساعدة في تحقيق الأهداف، فهذه إعتبارات يجب أخذها في الحسبان عند بناء نظام للمعلومات بصورة تفصيلية ودقيقة لكي يتم الوفاء بالمتطلبات والاحتياجات، وبالتالي بناء نظام يكفل الحصول على المعلومات ويؤمن جودتها.

ج/وظائف نظام المعلومات:

يقوم نظام لمعلومات بعدة وظائف لضبط المعلومات وذلك بسبب نمو حجم البيانات التي تدور داخل المؤسسات ومراكز المعلومات، الشيء الذي يدفع إلى زيادة أنظمة المعلومات المتعلقة بجمع البيانات وتجهيزها وإدارتها وضبطها، وتتلخص وظائف نظام المعلومات فيما يلي:

*- الحصول على البيانات: وتتضمن هذه الوظيفة إختيار وتحديد البيانات اللازمة لإحتياجات مراكز إتخاذ القرارات.

*- إعداد التعليمات الخاصة بتشغيل البيانات: تتعلق بالإجراءات التي تحدد بناءا على طبيعة الإستخدام للمعلومات المطلوبة، ومن ثم طريقة معالجة البيانات التي تبنى على رأي الخبراء والمتخصصين من وضع تعليمات وبرامج التشغيل اللازمة لإعداد التقارير المطلوبة، ثم تحدد تكنولوجيا المعلومات لإجراء التشغيل الفني للبيانات.

*- تشغيل البيانات: وتتضمن كل العمليات المتعلقة بتجميع وتحليل البيانات والتحقق من صحتها بهدف إستخراج المعلومات التي تتطلبها الإدارة للإجراءات أو البرامج المعدة مستقبلا.

*- تخزين المعلومات: تحفظ جميع البيانات التي يتم الحصول عليها سواء تم استخدامها أو لم تستخدم بطريقة تسهل الرجوع إليها عند الحاجة، ويتوقف هذا على نوع التكنولوجيا المستخدمة.

*- إيصال المعلومات: يقوم نظام المعلومات بتوصيل المعلومات المستخرجة بالشكل المطلوب لمستخدميها ولاحتياجات مراكز اتخاذ القرار ورسم السياسات، فلا قيمة للمعلومات ما لم تصل في الوقت والمكان المناسبين، وبأكبر مقدار من الدقة والكفاءة (1).

وأخيرا يمكن الإشارة إلى أن إنشاء وتطوير نظم المعلومات على نحو سليم يتطلب الاستعانة بعد من المداخل والأدوات في عمليات التصميم والتحليل. ولابد من رؤية استراتيجية لنظام المعلومات لأن قرار تصميم نظام المعلومات ليس مجرد قرار فني فحسب، بل قرار يشترك فيه العديد من الأطراف لما قد يترتب عليه من تغييرات تنظيمية، الأمر

الذي يحتم التعاون المشترك بين خبراء نظم المعلومات وخبراء التنظيم والتخطيط.لقد بينا ولو بطريقة موجزة مراحل بناء نظم المعلومات لعملية فنية تساعد على انتقاء المعلومات والتعامل معها، لتقديمها إلى المستفيدين في صورة مواد استهلاكية لخدمة القرارات والسياسات بصفة عامة، فالنظام بهذا المعنى كل متكامل من عدة أجزاء، تسهم جميعا في تحقيق هدف شامل. فنظام المعلومات يعد نظاما فرعيا بالنسبة للبيئة المحيطة ويعد من موارد أنظمة أخرى كالنظام السياسي مثلا، أو المؤسسات الحكومية، إذ تأتي المعلومات من نظم رسمية وغير رسمية لوصف ما حدث وما يحدث في الوقت الحالي وما قد يحدث في المستقبل.فمراكز المعلومات (informationcentres) هي عبارة عن مجهودات لتلبية احتياجات المستفيدين من المعلومات، وذلك بطريقة منظمة. إلا أنه مازال هناك الحاجة إلى موارد المعلومات ويجب أن تبدأ هذه السياسة على مستوى الإدارة العليا. الاستراتيجية، كما قد تواجه نظم المعلومات جملة من التحديات كبعض المعلومات الهامة التي لا يمكن إدخالها في النظام، وذلك لصعوبة التعبير عنها بشكل نظامي systematic، مثلا كالأفكار ونشأة سياسة ما، أو خطط المنافسين أو اتجاهات المجتمع…الخ.

تؤدي التغيرات البيئية إلى سرعة تغير الاحتياجات من المعلومات، حيث أن نظام المعلومات يتواجد في بيئة متحركة، ويكفي أن نفترض كمثال الدول اليوم وظاهرة التطور التكنولوجي والعولمة، حتى أصبحت عرضة للتغير في كل لحظة وحين. ارتفاع مستوى التطور التكنولوجي السريع وضع أكبر تحدي في وجه نظام المعلومات، فالتغير المذهل يجعل نظاما فعالا اليوم لا جدولا منه في ساعات متأخرة من النهار، وأصبح التداول السريع للمعلومات وبروز الشبكات التي تشكل سيلا عرما من المعلومات، وأصبحت اليوم حتى السياسات تتبادل عبر الأجهزة الإلكترونية.إن هذا التقديم لبناء وتصميم وتحليل نظم المعلومات والتحديات التي قد تواجهها، يجعلنا ندرك حقيقة وأهمية تكنولوجيا المعلومات في عمليات رسم وبناء هذه الأنظمة، وحتى في طريقة التعامل مع المعلومات وإدارتها بشكل سريع وأكبر دقة وكفاية. وتقديمها بالشكل والوقت والمكان المناسب.

ثالثا:أهم النظريات و النماذج في المعلومات

نظام للمعلومات، لكن في واقع الأمر فهو بيان نقل الإشارات بواسطة قناة، ومع ذلك فإن أهمية مفهوم شانون للمعلومات يقع في محاولته التعبير الكمي عن معالجة ظاهرة متقلبة أو غامضة، ويركز على إمكانية توفر حالات بديلة معينة للحدث. وعليه و ضع شانون الأساس الرياضي لكمية المعلومات لقياس عنصر المفاجأة.إن عينة صغيرة من تلك التي يمكن تصنيفها كنماذج ذات إرتباط مباشر أو غير مباشر بنظم المعلومات، ومن المهم الإشارة إلى مثل هذه النماذج حتى نستطيع معرفة بدايات أو إرهاصات التفكير في هذا النوع من النظم، وكذلك التمييز بين نظام المعلومات العام والنماذج ذات المكونات المحددة، بالإضافة إلى أنه هناك نوع من الضبابية بالنسبة للمفاهيم التي تشكل نظم المعلومات.

بالإضافة إلى عدة نماذج أخرى كالذي قدمه عالم الفيزياء و المعلومات هايلبرن Heilprinالذي قام بربط مفهوم المعلومات بالإطار السيبرنيتيكي، والهدف الرياضي من ذلك هو تحديد العوامل الموجهة vectors (العمليات والقوي) أو القواعد التي تؤثر على التفاعل بين المكونات الخاصة بالمرسل والمستقبل.وفي هذا السياق جاءت عدة أنواع من نظم المعلومات الحديثة التي توصف بأنها نظم معلومات وظيفية، كنظم إدارة البيانات ونظم المعلومات الإدارية ونظم دعم القرارات…الخ، والتي تعتمد على المكونات وكذلك الأنشطة كالإدارة والاسترجاع والتوثيق…الخ، وهو ما سنتطرق إليه بالتفصيل.

ب/ نماذج نظم المعلومات الحديثة (الوظيفية):

لقد تنوعت أنظمة المعلومات بتنوع التكنولوجيا السائدة في مراكز ومؤسسات المعلومات ، وكذلك باختلاف المستويات لصانعي القرارات فعلى مستوى القطاعات والوزارات والهيئات الحكومية تكون تكنولوجيا نظم المعلومات أكبر وأكثر دقة وكفاءة مما هي عليه في المنظمات والمؤسسات والمنشآت الأخرى.حيث كان التركيز في البداية على البيانات ثم تحول التركيز بعد ذلك إلى المعلومات وبعدها على دعم القرارات، وأصبح التركيز الآن على الاتصالات ومن المتوقع أن يتحول التركيز بدرجة اكبر في الفترة القادمة إلى الإستشارات( consultation )، ويطلق على هذه الأنواع بنظم المعلومات المبنية على الحاسب الآلي، كأحد المكونات الأساسية في النظام، وعليه سوف نتطرق بصورة مفصلة إلى هذه النماذج والتي تنقسم كمايلي:

1- نظم معالجة البيانات:

لقد عرفنا فيما سبق أن البيانات هو مصطلح يشير إلى مجموعة الأرقام، الحروف، والرموز التي تعبر عن أشياء مثل الأسماء، والعناوين، الكميات، أو الأهداف…الخ، حيث تعد المادة الخام للمعلومات، والتي تمثل مخرجات عملية معالجة وتشغيل البيانات. إذ تعد كذلك موردا قيما جدا، لا يستطيع أي مخطط أو صانع سياسات العمل بدونه، لذلك وبغض النظر عن الطرق المستخدمة فإن هناك حد أدنى دائما من البيانات نحتاجه للتخطيط أو اتخاذ القرارات. (1)

فعملية تمثيل البيانات و المعلومات تختلف وفقا للوسائل المستخدمة حتى يمكن تمثيلها في الأشكال اللازمة، فالمقصود بمعالجة البيانات بصفة عامة هو النظام الموجه لمعالجة البيانات أي تحويل الأرقام والحروف إلى معلومات، بغرض زيادة منفعة استخدامها، فنظام البيانات (ops) يعد من أقدم النماذج التي استخدمت في الإدارات والتي تشير إليه الكتابات بعدة تسميات، كنظام معالجة البيانات أو نظام معالجة التبادلات، أو النظام المحاسبي…الخ(1).وتعد نماذج البيانات ذات أهمية كبيرة(Data model) كحلقة اتصال بين العالم الحقيقي الواقعي والحاسب، فما هي نظم معالجة البيانات؟.

ويقصد بنظم معالجة البيانات هو:“تمثيلها بصورة آلية كوسيلة تستخدم لتوضيح معنى البيانات والعلاقة التي تربط بها، والكيفية التي يتم بها تركيب البيانات Data.structure، والعمليات المسموح بها على هذا التركيب أو هياكل البيانات، وتعالج البيانات بعدة أنواع ظهرت تبعا لمرور الوقت والتطور التكنولوجي، فهناك النظم اليدوية (Manuels systems) وتعتبر أول نظم أستخدمت في معالجة البيانات من خلال الدفاتر والسجلات والأوراق التي تسجل فيها البيانات كنتائج للعمل والتراكمات البيروقراطية الضخمة، ليأتي دور التكنولوجيا الحديثة من الحاسبات الآلية التي أصبحت تعالج الفياضات والسيول من البيانات الواردة في ظرف قصير جدا وبأقل جهد وتكلفة،وأكثر دقة” (1).

ولمعالجة البيانات وفقا لنظام محدد لابد من خمس مهام رئيسية:

*- تجميع وإعداد البيانات:هذه العملية هي المهمة الأساسية في معالجة البيانات، وفقا لهذه العملية يتم تحليل الأنشطة والأحداث والمشكلات فور وقوعها أو كأعمال دائمة، ويمكن إدخالها وإعدادها في شكل صالح للإستخدام من خلال النظام ،حيث يتم تصنيف البيانات وترميزها في شكل حقول للبيانات (عناصر) Files، وهو التمثيل الفعلي لوحدات البيانات داخل الحاسب الآلي.كذلك وقع السجلات Recordوالتي هي عبارة عن مجموعة حقول للبيانات المرتبطة بكيان واحد معين سواء كان الكيان فرد، مؤسسة، حدث، مشكلة،…الخ أو أي شيء، ولكي يسهل التعامل معها فلا بد أن تكون منظمة ومرتبطة. ثم تكوين الملفات Filesوالتي تعرف بأنها مجموعة من السجلات المرتبطة ببعضها البعض والخاصة بكيان واحد لتسهيل التعامل معها آليا.

*- مراجعة البيانات: الهدف من هذه العملية هو التأكد من صحة البيانات وخلوها من الأخطاء قبل إجراء عمليات المعالجة اللازمة لها، وقد تقسم عمليات المراجعة يدويا أو باستخدام الحاسب الآلي، فلا بد من التأكد من صدق التعاملات التي يمكن معالجتها من خلال النظام المتاح، والتأكد من صدق المدخلات ويهتم بكشف الخطاء في البيانات والتأكد من عدم نقصها.وتتفاوت برامج مراجعة البيانات في تعاملها مع الأخطاء فهناك النقل المباشر للبينات السليمة أو تصحيح البيانات ثم إجراء عمليات المعالجة بشكل كلي بعد التأكد من صدقها وصحتها.

*- معالجة البيانات: تشتمل هذه العملية على عدد من الأنشطة الفرعية مثل التركيب وإنشاء الملفات وتحديثها فضلا عن إجراء العمليات الحسابية والتلخيصية، وهي تعني وضع البيانات في تتابع معين لأغراض السرعة وكفاءة المعالجة.وإنشاء الملفات التي يتم بمقتضاها تكوين ملف مناسب لها، حيث يتم وضع مخرجات عملية الترتيب في ملف جديد، وأخيرا يتم تلخيص البيانات بمعنى أن يتولى الحاسب إعداد ملخصات للكم الهائل من البيانات التي يتم تحويها إلى ملفات، فالإدارة العليا تفضل التعالم مع البيانات ملخصة وليست تفصيلية حتى يمكن تكوين رؤية شاملة بشأن القضايا والمشكلات، ويمكن الاستعانة أيضا بوسائل عرض البيانات مثل الرسومات والأشكال التوضيحية، هذا فضلا عن البرامج الإحصائية التي يمكن من خلالها عرض الجداول التلخيصية للبيانات.

*- تخزين البيانات: تتولد مئات الآلاف من البيانات يوميا في المنظمات والإدارات والهيئات الحكومية، منها ما لا يمكن استخدامه إلا لاحقا فلا بد تخزينه باستخدام وسائل التخزين المادية المتنوعة من الاسطوانات …الخ. وعادة ما يطلق على الملفات التي يتم تخزينها باسم قاعدة البيانات DataBase، وبالتالي فإن معظم البيانات المتوافرة في قواعد البيانات هي نتاج نظم معالجة البيانات، حيث تمر عملية تصميم قواعد البيانات بمراحل عديدة تنتهي بتحديد كل من شكل السجل، طرق التعامل معها، وأسلوب تأمين قاعدة البيانات المتكررة، حيث يضمن ذلك تكامل أكثر وسرعة أكبر.

*- إعداد التقارير: العمليات السابقة عبارة عن تمهيد لمرحلة إعداد التقارير فالبيانات يتم تجميعها ومعالجتها وتخزينها بغرض استخدامها لاحقا(1).

فيجب أن تظهر في صورة صالحة للإستخدام، فالتقارير هي الكيفية التي تقدم بها البيانات للمستخدم النهائي، ولذلك غالبا ما يتم الإعداد النهائي للتقارير على ضوء الاحتياجات المباشرة والغير مباشرة للمستخدم.فقد يتم إعداد التقارير بناء على أحداث معينة أو تقارير يتم إعدادها من خلال عقد تحديث البيانات، أو قد يتم إعدادها على أساس زمني مثل (تقارير أسبوعية، شهرية، سنوية…الخ) التي يتم إعدادها لإظهار نتائج الأعمال عن فترة زمنية معينة، والبيانات التي قد تمت معالجتها وإخراجها مباشرة في شكل تقرير يتم طبعها أو تبادلها لتصل إلى مستخدميها.

رغم أن الحدود الفاصلة بين الخصائص المميزة للأنواع المختلفة لنظم المعلومات غير متباينة تماما، إلا أن هناك بعض الخصائص التي تميز نظام معالجة البيانات عن غيره من نظم تطبيقات الحاسب الآلي والتي نلخصها كمايلي:

*يؤدي نظام معالجة البيانات مهام أساسية لا غنى عنها في المنظمات والهيئات والمراكز المتخصصة.و هناك قواعد وإجراءات خاصة.

*يتعامل مع البيانات بشكل تفصيلي بواسطة أنشطة وعمليات وليس بشكل إجمالي.ويتم من خلاله وصف الأحداث والمشكلات، …الخ.

*إن نظام معالجة البيانات يوفر الحد الأدنى من المعلومات التي يمكن استخدامها في حل المشاكل.وهو نظام يستخدم على المستويات التشغيلية (المستندات، التسجيلات،…).

*يعطي تقارير ملخصة وبشكل تفصيلي يساعد على تكوين رؤية شاملة حول الحدث، بالإضافة إلى قواعد بيانات تشمل المجالات الوظيفية المختلفة.

وأخيرا يمكن القول أن إستخدام نظام معالجة البيانات هو تحويلها إلى معلومات مفيدة في اتخاذ القرارات ووضع السياسات، وذلك من خلال الإنشاء( orginate )لتصبح البيانات دالة ثم التصنيف ( classify )بغية التثبيت والتخطيط، ثم التنقيح( edit )للتأكد من عدم احتوائها على الأخطاء وبعدها التخليص( Summarizing )في شكل قواعد ،فالاسترجاع( rearieving )ويعني نقلها إلى التخزين ( storage )لحمايتها ووقايتها. كل هذا من أجل أن لاتفقد المعلومات فائدتها ونوعيتها وتكون مناسبة (المناسبية) حتي تكون مفيدة في عملية صنع السياسات، أو تحسين القرار، وكذلك الوقتية (timeliness) حتى تكون أكثر قيمة لابد أن تصل في الوقت المناسب، والدقة أيضا( accuracy )أي خلوها من الأخطاء، والقابلية للتثبيت( verifiability )وتعني المقدرة على التثبت من صحة المعلومات، حتى نصل إلى الحكم الذي يعتبر المعلومات بحق شريان الإدارة وبالأخص عمليتي التسيير والتنظيم.

ب/ نظم المعلومات الإدارية:

لقد أصبحت نظم معالجة البيانات غير قادرة على توفير إحتياجات متخذي القرارات من المعلومات بسبب تزايد حجم المنظمات والإدارات والهيئات والمراكز والمستويات الإدارية والتعقيد الإداري، بالإضافة إلى زيادة حجم المعلومات التي تحتاجها.فجاءت نظم المعلومات الإدارية (MIS) التي تعتبر أكثر النظم الوظيفية شهرة، حيث تجمع بين جوانب من نظرية الإدارة ومن تجهيز ومعالجة البيانات فضلا عن نظرية الاتصال.كانت فكرة نظم المعلومات الإدارية في البداية عبارة عن تساؤل عن إمكانية تصميم نظام واحد للمعلومات يستخدم الحاسب الآلي والذي يمكن أن يستخدم في عملية التخطيط وإتخاذ القرارات، وإستمر المفهوم في التطور والنمو. وينبغي أن نشير إلى أن نظام المعلومات الإدارية تختلف عن نظام إعداد البيانات (Dataprocessing )، ولكنه يرتبط به كما يرتبط أيضا بمفهومين أساسيين هما نظم تدعيم القرارات (Decision support system ) وإدارة مصادر المعلومات Information ResourcesManagement.

لذا تعرف نظم المعلومات الإدارية على أنها:” نظم مبنية على الحاسب الآلي لتوفير الاحتياجات إلى المديرين التي توفر غالبا في شكل تقارير دورية أو تقارير خاصة ومخرجات نماذج يستخدمها فني القرارات في حل المشكلات. أي هناك نظام متكامل للمعلومات يضم كل من العنصر البشري والآلة، يهدف إلى التزويد بالمعلومات، تأييد المشاريع الخاصة بالمشاريع وإدارتها وتحليل البياناتالخ، حسب المستويات الإدارية والذي يوضح استخدام نظم المعلومات الإدارية على كل المستويات الإدارية خاصة العليا منها” (1).

فهي بشكل عام تعرف على أنها تتعامل مع جميع الأنشطة المتصلة بالمعلومات واتخاذ القرارات لرفع الكفاءة والفعالية عن طريق توفر المعلومات وتدعيم صانعي القرار .

كما عرفها سكوت (1986)أيضا أنها:”مجموعة شاملة ومستقلة من نظم المعلومات الفرعية التي تتكامل بصورة رشيدة، لتحويل البيانات إلى معلومات بطرق متعددة، وبما يتفق مع أنماط وخصائص المديرين، وعلى أساس معايير متفق عليها للجودة”. (1)

ومن خلال هذا التعريف يبدو أن سكوت أعطى بديلا عن إمكانية وجود نظام متكامل يصعب تطبيقه، وهو قيام عدد من النظم الفرعية التي يركز كل منها على تلبية احتياجات متجانسة من المستخدمين، ولكي تكون النظم الفرعية قادرة على تحقيق الأهداف الكلية للنظام لا بد أن تتصف بالشمول والتنسيق.

أما سـن (Senn 1952) فقد عرفه باعتباره:“نظاما متكاملا يهدف إلى تدعيم وظيفتي التخطيط والرقابة وتنفيذ العمليات، عن طريق توفير معلومات منظمةعن الماضي والحاضر والمستقبل بخصوص العمليات الداخلية والخارجية، ويتم تصميم نظام المعلومات بحيث ينتقي البيانات الملائمة من نظام تشغيل البيانات ومن البيئة الخارجية لتوفير معلومات مناسبة لاحتياجات الإدارة، ويتضمن النظام الأفراد، والإجراءات، والأجهزة، وبرامج التشغيل، وقواعد البيانات”. (1)

ويقول murdick))أنها:” مجموعة من الأفراد و الأجهزة التي تتولي عملية جمع و معالجة و خزن البيانات و استرجاعها بغية تقليل حالة عدم التأكد عند اتخاذ القرارات، و ذلك من خلال تلبية حاجات المعلومات في الوقت الذي يمكن استخدامها بفعالية اكبر”. (2)

ومنه فالتعاريف كلها ركزت على وضيفة نظم المعلومات بصفة عامة وهي توفير البيانات والمعلومات، كما كانت هناك محاولات أخرى رائدة في هذا المجال وآثرنا أن نأخذ تعريف عربي من خلال ما قدمه البكري حيث نعتقد أنه تعريف متوازن إلى حد بعيد، حيث عرف نظم المعلومات بأنها:“مجموعة من العمليات المنظمة التي تمد بالمعلومات اللازمة للمساعدة في تنفيذ الأعمال واتخاذ القرارات داخل التنظيم، على أن تتميز هذه المعلومات بالكمال والشمول والصحة والدقة، وأن تكون ملائمة من ناحية الجودة والتوقيت والتكلفة”.

لقد قدمت لنا التعريفات السابقة صورة عن نظم المعلومات الإدارية التي كانت بمثابة المحاولة الأولى التي قدمها المهتمون بنظم المعلومات لتزويد مستخدمي القرارات بما يحتاجونه من معلومات، التي تساهم في حل المعضلات، فهو نظام يحتفظ بقاعدة بيانات. فهو بذلك نظام رسمي وغير رسمي يمد بمعلومات سابقة وحالية وتنبؤية في صورة شفهية أو مكتوبة، طبقا للعمليات الداخلية للمؤسسات والمراكز والبنية المحيطة بها، فيمكن من التعريفات السابقة أن نستخلص أن نظم المعلومات الإدارية له الخصائص الآتية :

*أنه نظام معلومات مبني على الحاسب الآلي في إدخال ومعالجة البيانات وتحويلها.

*أنه نظام متكامل يربط بين مجالات وظيفية مختلفة،و نظام يدعم بصورة كبيرة عملية التخطيط وحل المشكلات…الخ

*يرتبط بالبيئة ويساعد على التخطيط الاستراتيجي من خلال المعلومات التنبئية.

*أنه نظام يرصد الأحداث والفرص التي يمكن أن تؤثر على العمليات الداخلية.

وبالتالي فهو نظام يرتبط بمعالجة البيانات ونوعية القرارات التي تدعمها، ويختلف عن نظام معالجة البيانات من خلال النظام الأول انه يوفر البيانات، بينما نظم المعلومات الإدارية يرشحها ويضفي عليها معنى من خلال تشغيلها، كما يحتوي هذا الأخير على تقارير يقدمها للإدارة في حين أن نظام معالجة البيانات يوفر هذا المحتوى.وما يجدر الختام به في هذا الصدد هو أن نظم المعلومات الإدارية أو نظم التقارير تعتبر أداة لمساندة عملية صنع القرارات والتخطيط، فلما كان لديها تكاملا بين نظم المعلومات الوظيفية المختلفة، فإنها توفر معلومات تعطي احتياجات المستخدمين، وتركز تلك النظم على القرارات الهيكلية لتوفير معلومات عن الإتجاهاتالاتجاهات الحالية كأساس لتحديد الاتجاهات اللاحقة (الاستشراف)،كما نقوم بتحليل البيانات وتقديمها في صورة تقارير دورية ملخصة تساعد على التعرف على المشكلات، والمساعدة في فهمها وتحديدها من حيث حجمها ومكانها، والعوامل المسببة لها، لكن نظم المعلومات الإدارية أصبحت لا تشبع حاجات متخذي القرارات من حيث المعلومات الموجهة لاتخاذ قرار معين على وجه الدقة فلهذا الغرض صممت نظم دعم القرار كمدخل أنجع في تقديم المعلومات.

ج/نظم دعم القرار (DSS):

بدأ هذا النظام في الظهور في أواخر الستينات، وذلك مع ظهور نظم مشاركة الوقت في الحاسب الآلي، وقد بدأت هذه النظم نتيجة دخول النظم التفاعلية على الحاسبات الآلية، والتي يمكن أن تدعم إتخاذ القرارات وتساعد على حل المشكلات غير المنظمة، أي أنها تتصدى للمستجدات التي تتطلب البديهية وبعد النظر والتفكير الإبداعي…الخ، مستعينة بالأشكال وقواعد البيانات وأدوات تطوير البرامج وغيرها.ولتعريف نظم دعم القرار ، قدم (ألتر) تصنيفا لأنواع دعم القرار على حسب درجة مساهمتها في صنع القرارات وهي:

  1. النظم التي تمكن من إسترجاع عناصر نظم المعلومات.
  2. النظم التي تسمح بتحليل ملف كامل من المعلومات.
  3. النظم التي تقوم بإعداد تقارير خطية في ملفات متعددة.
  4. النظم التي تقترح القرارات المناسبة والنماذج. (1)

وبناء على هذا التصنيف تعرف نظم دعم القرار على أنها:” تلك النظم التي تساند المدير أو الفرد أو مجموعة من المديرين أو ممن يعملون كفريق لحل مشكلة شبه مبرمجة وذلك من خلال توفير المعلومات والاقتراحات المتعلقة بقرارات معينة، وهذه المعلومات يتم توفيرها في شكل تقارير دورية وتقارير خاصة، وتكون لهذه النظم درجات متفاوتة من القدرة على توفير مقترحات لزيادة فعالية القرار….وهي نظم تحليلية تهيئ إمكانات واسعة للمقررين للتحليل،التوقع،التخطيط،الاستجابة المرنة و السريعة،توجيه المصالح”…2.

من خلال هذا التعريف نستطيع القول أن نظم دعم القرارات طريقة جديدة تطبيقية بشأن إستخدام التكنولوجيا لأغراض إدارية، لتحسين الأداء والفعالية، ولقد صممت كذلك لمساعدة المستفيدين من البيانات والنماذج في إتخاذ القرارات غير الروتينية، أو غير المبرمجة وشبه المبرمجة، والتخطيط طويل الأجل أي التخطيط الإستراتيجي (الإرتيادي)،و تحليل عمليات الإندماج التنظيمي، ووضع السياسات…الخ .وأضاف البعض للتعريف السابق أن هذا النظام يتعامل مع المشكلات المبرمجة وقادر على دعم تحليل البيانات.وهناك تعريف أخر (لمعالي حيدر فهمي):”بأنه نظام مبني على الحاسب الآلي يهدف إلى مساعدة متخذ القرار في استخدام البيانات والنماذج التحليلية المقدمة في التعامل مع المشكلات المهيكلة أو شبه المهيكلة” (1).

أي تركز على عمليات إتخاذ القرارات أكثر من تركيزها على تجهيز العمليات التي يمكن تصميمها بسهولة، كما أنها بسيطة في تركيبها سريعة بالنسبة للتطبيق والتعبير.ويتم تصميمها وإدارتها بواسطة المديرين،وتقدم لنا المعلومات المفيدة في التحليل الإداري.كما تهتم هذه النظم بمساحة صغيرة نسبيا من التحليل، أو جزءا صغيرا من مشكلة كبيرة، بالإضافة إلى أنها تحتوي على قاعدة بيانات تتضمن معلومات مقتبسة من ملفات أخرى لهيئة و معلومات من البيئة الخارجية.ويمكننا من خلال التعاريف السابقة والإنتقاء من بعض التعاريف الكثيرة في هذا الصدد تحديد بعض الملامح الأساسية لنظم دعم القرار الذي تميزه عن غيره من النظم:

* الإهتمام بالقرارات غير المبرمجة وشبه المبرمجة التي تتخذ في المستويات الإدارية العليا.

* التركيز على خاصية التفاعلية، والمرونة والقدرة على التكيف مع متطلبات متخذ القرار والاستجابة السريعة لاحتياجاته.

* إمكانية بدأ التشغيل والتحكم في العمليات بواسطة المستخدم النهائي فضلا عن الألفة في إجراء هذه العمليات.ودعم عمليات كل من متخذ القرارات سواء كان فردا، جماعة، هيئة…والتركيز على الجودة والفعالية والتكامل مع نظم المعلومات الأخرى السابق ذكرها.

ويمكن أن نلخص أنواع نظم دعم القرار في ضوء التعاريف السابقة كايلي:

أ- مجموعة النظم المهتمة بالبيانات( Dataorientedsystèmes):وهي النظم التي تهتم بالبيانات مع تجاهل نوعية النماذج التي تتعامل معها، مثل إدارة الملفات ونظم تحليل البيانات ونظم المعلومات التحليلية (أنظر الشكل في الملحق رقم..).

ب- مجموعة النظم المهتمة بالنماذج(Modalorientedsystems ):وهي النظم التي تركز على النماذج المستخدمة في التعامل مع البيانات، مع تجاهل الكيفية التي يتم الحصول من خلالها على البيانات (طرق جمع البيانات).

جنظم دعم القرارات المحددة (Specific decision spport systems ): وهي التي يمكن من خلالها التعامل مع مجموعات محددة من المشاكل.

إذن فنظم دعم القرارات تتطلب بالضرورة التكامل بين هذين العنصرين معا، عنصر البيانات وعنصر النماذج، بغض النظر عن عنصر الاهتمام أحيانا بالنماذج دون البيانات أو العكس.

د- نظم دعم القرارات التنظيمية:يركز فيها على أداء مهام تنظيمية تتضمن تتابع العمليات وتنتمي إلى مجالات تنظيمية مختلفة، مثل القرارات المتعلقة بالتخطيط طويل الأجل الإرتيادي (الإستراتيجي).

كما يتكون نظام دعم القرار من ثلاث مكونات رئيسية:

أ- قاعدة البيانات Data base: تعتبر بمثابة البيانات المخزونة في مكان مركزي باستخدام التكنولوجيا، حيث تعرف بأنها مجموعة من الملفات المتكاملة مع بعضها البعض، والملف يتكون من مجموعة من السجلات، والسجل يتكون من مجموعة من عناصر البيانات، والعنصر يتكون من رموز.حيث يقوم نظام إدارة قاعدة البيانات بوظائف تخزين وإيداع البيانات والتحكم فيها بمرونة عالية، وتحديد المعالجات التي يتم إجراؤها على البيانات، كما يحدد شكل المخرجات النهائية من حيث النواحي الشكلية للتقارير وأنواع الرسومات…الخ.وكذلك أنشطة التحكم في البيانات من خلال الوظائف غير الظاهرة لمستخدم النظام، فالمستخدم يطلب معلومات معينة بشكل محدود.أما مخرجات قاعدة البيانات فهي عبارة عن تقارير دورية وتقارير خاصة ونماذج في صورة ملخصة، أو تفصيلية التي تساعد في الكشف عن المشاكل ومجالات الانحراف، ولأغراض نظم القرار يتم التركيز غالبا على النماذج الرياضية والإحصائية والكمية(1).

ب- قاعدة النماذج: والنموذج هو عبارة عن تمثيل أو محاكاة للواقع، وهناك العديد من النماذج بالخرائط التنظيمية التي توضح الأقسام والفروع، وتحدد العلاقة بينها، فمن حيث الهدف فيمكن التمييز بين نوعين من النماذج :

*النماذج الو صفية: وهي التي تصف سلوك أي نظام أو تمثل الواقع تمثيلا صادقا.

* النماذج المثالية: وهي التي تسعى إلى تحقيق أهداف كبيرة أو تعظيمها. أما من حيث درجة التعامل يمكن أن نميز نوعين آخرين هما النماذج الاحتمالية: أي الأحداث المرتبطة باحتمالات معينة لتحقيقها مثل نماذج شجرة القرارات،والنماذج الحتمية: التي يمكن من خلالها التوصل إلى مخرجات معبر عنها في شكل قيمة واحدة تقديرية.

ج- نظام إدارة الحوار:هي الوسيلة التي يمكن من خلالها أن يتفاعل المستخدم مع نظام دعم القرار، فهي وسيلة التحكم في عمليات النظام، كما تمثل إدارة التعبير عن استجابة النظام للمستفيد، وفقا لهذا النظام تستطيع الجهة المستخدمة طلب تقرير معين، فهو يتكون من التصرف العرض، وقاعدة المعرفة، أي عملية اتصال مباشر مع النظام. لأن استخدام هذا النظام ليس بالضرورة يتم آليا لذلك لا بد من الحوار، وأن يتفق مع الاحتياجات التنظيمية لمتخذ القرارات. ويتسم بالبساطة أي الألفة في الاستخدام، والاتساق (تناسب) بين المكونات المختلفة، وتوفير المعلومات الإرشادية، بالإضافة إلى المرونة(1).

ومما سبق ذكره بشأن نظم دعم القرارات، تتجلى لنا حقائق جوهرية تتمثل في مدى أهمية نظم المعلومات في تحديد المشكلات، ومساعدة صانعي القرارات والسياسات في فهمها ،بالإضافة إلى دعم الخطوات الأخرى في حل المشكلات. وتوفر كذلك قاعدة من البيانات والنماذج والسيناريوهات المحتملة، التي تمكن من إجراء تحليلات موضوعية علمية وعملية لمعرفة البدائل وتحديد البديل الأمثل بأقل زمن وجهد وتكلفة، والمزيد من الكفاءة والفعالية في التحليل والتخطيط ورسم الإستراتيجيات. كما تعتبر نظم دعم القرار مجموعة من الأدوات والإمكانيات التي تسمح لمتخذ القرار بالتخاطب مع الحاسب لاسترجاع المعلومات ومعالجة المشكلات إلى درجة اليقين في ضوء البيانات المتاحة، بالإضافة أيضا إلى قواعد البيانات التي يتم من خلالها التعرف على المتغيرات البيئية المحيطة. كذلك يمكن أن نستنتج أيضا أن نظم دعم القرار من الأساليب الفعالة في معالجة جزم البيانات إحصائيا، باستخدام الطرق الكمية، وصياغة الرسوم والأشكال والخطوات البيانية التي تعطي لمتخذ القرار صورة عن مشكلة ما.هناك عدة (نظم حديثة)(*)أخرى تساعد علي تحليل وبث وإسترجاع المعلومات.

لقد حاولنا ولو صورة مختصرة إعطاء رؤية عن نظم المعلومات ومختلف المفاهيم المتصلة بها، وأنواعها وخصائصها وطرق بناء وتصميم هذه النظم كأساليب علمية للتعامل مع المعلومات بصورة أكبر دقة ومرونة، كما أدت إلى إحداث التغيير المطلوب في كافة نواحي العمليات والإجراءات وفي الخبرة والمعرفة العلمية في إدارة المعلومة كأحد الموارد الأساسية المتاحة بشكل يتناسب مع الفروق والإمكانيات والإحتياجات، وكذا طبيعة القدرات الذاتية.إن التطور السريع لأنظمة المعلومات ناجم عن الاحتياجات الكبيرة من المعلومات من طرف المخططين والمقررين والمشاكل الكبيرة التي سببها التدفق الهائل للمعلومات الواردة للأنظمة الإدارية والسياسية…الخ. الشيء الذي دفع بالمختصين وعلماء المعلومات إلى ضرورة التعامل مع هذا الكم من المعلومات بطريقة آلية لضمان دقة وسرعة المعلومة وتحقيق درجات عليا من الانتقائية في جمع وتحليل وتخزين وإرسال البيانات، كما أدى التحليل الدقيق لإحتياجات المعلومات إلى القدرة على تحديد أهداف النظام وتطوير الوظائف المطلوب أدائها مع الأخذ بعين الاعتبار النواحي الفنية والاقتصادية والزمنية كقيود على النظام، كما لا يجب إغفال الأهداف العامة والجزئية، والإجراءات والسلوكيات….الخ.

رابعا:البنية الأساسية للمعلومات في الدولة الحديثة

تعد القدرة العلمية علي خلق و معالجة وتخزين ونقل المعلومات أبعد الإبتكارات أثرا في القرن العشرين،وقد جري الإعتراف بقوة الدور الذي تلعبه هذه المعلومات في كل الجوانب وذلك حسب خطة العمل للبنية الأساسية القومية للمعلومات،حيث أكدت (براسنكومب) مؤلفة كتاب “من يملك المعلوماتبأن المعلومات هي شريان الحياة الذي تعتمد عليه القرارات السياسية. (1)إن دراسة هذا الجانب يتطلب منا قدرا كبيرا من التدقيق على مفهومين أساسيين هما سياسات المعلوماتأو التخطيط الاستراتيجي للمعلومات، والمفهوم الثاني هو أهم البنى الأساسيةinfrastructureللمعلومات في الدولة، وذلك لأن المعلومات أصبحت تمثل موردا إستراتيجيا يجب التحكم فيه وتخطيطه كباقي الموارد الأخرى، وأصبحت في القرن الواحد والعشرين تحدد التوازنات السياسية والعسكرية، ومستوى النمو والتقدم والرقي الاقتصادي والاجتماعي.

كما تعد المعرفة هي المنطلق الجديد للقوة والتفوق والتعمق والإرتباط بين العلم والإنتاج، وزيادة دور الإكتشافات العلمية في تطوير تقنيات الحياة وما صاحب ذلك في إسهام الثورة العلمية في تحرير الطاقات البشرية وإستثمارها والتحكم في الموارد الطبيعية والاستغلال الأمثل للثروة وتكوين القدرات لأبعد حد ممكن، كل هذا يفرض على الحكومات الوطنية تحديا أكبر في مجال التحكم في المعلومات على المستوى الإستراتيجي(الإرتيادي) حتى يتم إستغلال أكبر قدر ممكن من روافد المعلومات وإدارتها، وتوجيهها لخدمة السياسات وترشيد القرارات. ولعل البلدان الصناعية المتقدمة أدركت هذه المسألة مبكرا وأخذت تتعامل مع المعلومات بدرجة كبيرة من الاهتمام والجدية وتمكنت بفعل مستويات وإمكانات التطور لديها من تحقيق نتائج مذهلة في مجال تخطيط المعلومات، وأصبحت المعلومات تشكل بالنسبة لها ثروة وطنية لا تقل أهمية عن الموارد البشرية الاقتصادية عموما، كما ترسخت لديها ثوابت علمية ونظم عملية في الاعتماد على المعلومة واستخدامها كشرط لازم لرسم السياسات.

أما في الإتجاه الآخر فهناك عدد قليل من البلدان النامية التي شرعت في دخول مجال المعلومات ولم تتردد في إعطاء الأولية لهذا المجال بعد أن ترسخت لديها قناعات بعد القيام بالإصلاح والتغيير والتطور دون الاهتمام بهذا المورد الهام على المستوى الوطني، وذلك بتثبيت رؤية وطنية إتجاه مجال المعلومات وإعطاء أولية لإقامة المراكز المعلوماتية وبناء تكوينات مؤسسية لقطاع معلوماتي متكامل ودعمت خطط وبرامج تطوير أنشطة المعلومات وتنمية مصادرها. وعلى الرغم من أن التخطيط في مجال المعلومات والسياسات المعلوماتية قد

أصبحت موضوعا هاما للدراسة في السنوات الأخيرة، إلا أن هذا المجال مازال في مرحلته التسطيرية الأولى في الدول النامية التي تحتاج إلى المزيد من الدراسة والنضج الفكري وخصوصا أن هذا الموضوع يرتبط بعدة مواضيع بالسياسة والاقتصاد والإدارة العامة والإجتماع والسياسة العامة وعلم المعلومات والاتصالات. ومن خلال هذا التقديم وحتى نكون على درجة من الدقة والاهتمام لابد لنا من تحديد مفهوم السياسة المعلوماتية كعملية أساسية للتعامل مع المعلومات والتحكم في مواردها.

فإذا كان مصطلح المعلومات كما سبق الإشارة إليه آنفا أنه مصطلح له أكثر من دلالات، كما يستخدم مصطلح سياسةلوصف العديد من الإمكانات والحقائق المختلفة، فهذا يلقي بضلاله على ماهيته السياسة المعلوماتية (التخطيط المعلوماتي).هناك من يرى أن هذه السياسة المعلوماتية هي جزء من السياسة العامة، فإن الباحثين سافج وأندرس و روبينز (Savaje. S.p. 1994) قد درسوا المجالات العشر للسياسة العامة من بينها السياسة المعلوماتية.

أما (إيان رولاند Rowlans )فيقتبس التعريف الآتي:“تحتوي السياسة المعلوماتية على مجموعة القوانين العامة والقواعد والسياسات التي تشجع أو تنظم إنشاء واستخدام واختزان وتوصيل المعلومات“.

هذا وتعرف موسوعة علم المكتبات (ELIS 1991) سياسة المعلومات بأنها:“مجال يضم كل من علم المعلومات والسياسة العامة، وينظر إلى المعلومات على أنها سلعة وأنها مورد ينبغي إقتناؤها وحمايتها وتقاسمها ومعالجتها وإدارتها مع الآخرين. كما تشير إلى أنه لا توجد في الواقع سياسة واحدة شاملة للمعلومات، بل سياسات تتعامل مع قضايا معينة، وتكون تلك السياسات متداخلة في تغطيتها لمجال المعلومات”1.

ومن خلال التعاريف السابقة يمكن القول أن السياسة المعلوماتية هي عبارة عن مجموعة واسعة من العناصر المترابطة، مثل الإتصالات ، تكنولوجيا المعلومات، إقتصاديات المعلومات، خصوصية المعلومات، نظم المعلومات، شبكات المعلومات، وإدارة المعلومات وغيرها، هذه العناصر المترابطة والمتكاملة تهدف إلى توجيه دورة حياة المعلومات بما تمنحه من تخطيط وإنتاج وجمع وإتاحة وبث وإسترجاع، وذلك على المستوى الوطني وبناء على الإمكانيات والتطورات المتوفرة.كما تشير أيضا السياسة المعلوماتية إلى كل ما يقع على عاتق السياسة الوطنية للمعلومات في مختلف المستويات الحكومية والقطاع الخاص، بما تقدمه لنا هذه السياسة من إطار فكري لوضع الأولويات الوطنية وتحقيق التنسيق وتشجيع الروابط التكنولوجية في مجال المعلومات والاتصالات، وأن تعتبر المعلومات من لب نشاطاتها لدفع عملية التنمية بمفهومها العام.

أ/ الإطار العام لسياسات المعلومات:

إن النظام العالمي اليوم يؤثر في مختلف جوانب الحياة، ، ويعزز الحاجة للحصول على مزيد من المعرفة وبشكل سريع في إعتماد مفاهيم عامة لسياسة المعلومات ، حيث أصبحت المعلومات والمعرفة المصادر الهامة الجديدة التي تواجه التحديات العالمية. لقد تمت في معظم دول العالم مناقشة نماذج مختلفة بهدف تبني المفهوم الملائم الذي يمكن من خلاله تطوير وإستغلال تكنولوجيا المعلومات لتحسين الإنتاجية والمقدرة التنافسية في كل القطاعات، كإطار لوضع أهداف هذه السياسة . إن الهدف من وضع إطار لسياسة وطنية للمعلومات بشكل عام هو تركيز الجهود الوطنية نحو تحقيق الأهداف والطموحات العامة التي يمكنها الصمود في وجه التذبذب على المدى القصير ، وان تكون من المرونة بحيث تستطيع استيعاب التغيرات الكبيرة فيما يتعلق بالأهداف والأولويات .

فمن المناسب إذا تطوير مجموعة من الإستراتيجيات المعلوماتية المنسجمة التي يمكن تطبيقها ، وتمثل بشكل حقيقي غالبية الجهات ذات العلاقة و العناصر الأساسية لسياسة المعلومات الوطنية ، وعلى الإطار القانوني والتنظيمي لترويجها وإدارتها. وتتناول هذه العناصر أيضا السياسة المتعلقة بالبنية التحتية للمعلومات وتكنولوجيا المعلومات بهدف تطويرها ، وتعتبر الجوانب الثقافية والعامل الإنساني عناصر هامة في سياسة المعلومات الوطنية

، بالإضافة إلى أهمية التعاون الإقليمي والدولي في هذا المجال الحيوي.لذلك فان الإطار العام لسياسة المعلومات الوطنية يدعم كل النشاطات الهادفة إلى:

* تحديد ، واستخدام ، وتعزيز المعايير المشتركة التي تشتمل على التطورات الحاصلة في مجال تكنولوجيا المعلومات وتجميع مصادر المعلومات بهدف إستغلالها من أجل المساعدة في عملية صنع القرار وشموليته.

* إزالة الحواجز التي تمنع تبادل المعلومات مع إحترام حقوق ومسؤوليات الأفراد والمؤسسات التي تؤكد خصوصية المعلومات ووحدتها وتشجيع الأسلوب التشاركي ضمن آلية تنسيقية جيدة تتناول القضايا الاجتماعية، والقطاعية ، والتنظيمية .

* تشجيع الجهود الرامية لإنشاء بنية تحتية للاتصالات المعلوماتية والتي تعتبر حاجة ملحة من أجل الربط بين المعلومات وتبادلها والجهود الهادفة لجعل الأردن مركز معلومات إقليمي .

وعلى أي حال فالسياسة المعلومات المعيارية لأي دولة يمكن أن تصاغ حسب مور (Moor. N 1990) أربع فئات لسياسة المعلومات هي: (1)

  1. القضايا التشريعية والتنظيمية: وهذه تشمل حماية البيانات والخصوصية وحرية المعلومات، و المعلومات كسلعة والتجارة الدولية للمعلومات وخدماتها، وتدفق البيانات عبر الحدود، والتنظيم الذاتي لصناعة المعلومات والمعايير.
  2. قضايا الاقتصاد الكلي: والتي تشمل تحديد قطاع المعلومات فضلا عن قياس حجمه ونموه في إطار المقارنات والإستثمار في البنية الأساسية للمعلومات وفي رأس المال الرمزي.
  3. قضايا تنظيمية: وهذه تشمل إستخدام المعلومات كمصدر للإدارة والعلاقة بين المعلومات والإنتاجية، والحاجة إلى داخل جديدة في الإدارة، المهارات الجديدة المطلوبة للمقررين، وظهور جيل جديد من إختصاصيي المعلومات.
  4. القضايا الاجتماعية: وهذه تشمل تزويد المستهلكين بالمعلومات الموضوعية وتوعيتهم بأهمية المعلومات وكيفية الاستجابة للإحتياجات المعلوماتية.

إن هذه القضايا التي قدمها لنا هذا الأخصائي في علم المعلومات تعطينا صورة عن آلية وضع السياسة القومية للمعلومات وتنفيذها من أجل التوسع في تنوع مجالات تدفق المعلومات، وتنمية المعايير والإجراءات التي تزيد من سهولة الحصول على المعلومات، وتشجيع القدرات المحلية من أجل جمع وحشد المعلومات، ليتم الارتقاء بالمجتمعات بصورة فعالة على كافة المستويات والقطاعات، فلا بد ومن الضروري جدا الارتقاء بإدارة واستخدام المعلومات وتحسين القدرة للوصول إليها، وتنمية الاتصالات…الخ.

ب/أهم البنى الأساسية للمعلومات الوطنية:

كما سبق وأن أشرنا في البداية أن التخطيط للمعلومات على المستوى الإستراتيجي يضم بالإضافة إلى السياسات البرامج والتدابير والمعايير والإجراءات المتعلقة بقطاع المعلومات أيضا هناك البنى الأساسية التي تشير إلى الإمكانات الوطنية اللازمة للحصول على المعلومات وتداولها، وتضم كل البؤر المؤسساتية والقطاعية التي تهتم بأوعية المعلومات، والهيئات الرسمية وغير الرسمية لجمع وتخزين وتحليل وإيصال وإسترجاع المعلومات، وغالبا ما تسمى الإمكانيات القومية اللازمة لتسيير وإدارة سبل الحصول على المعلومات وتداولها، ومن ثم الإفادة منها في المجالات التطبيقية في الدولة، وتظم حسب هذا المفهوم هذه العناصر:

* نواة من المؤسسات التي تهتم بأوعية المعلومات (مكتبات، مراكز توثيق، مراكز تحليل المعلومات، هيئات استشارية،…).عدد من العاملين في هذا المجال والمؤهلين.

* قنوات الاتصال بالمصادر الشخصية للمعلومات، كالمستشارين والفنيين والباحثين العلميين والهندسيين، ورجال تكنولوجيا، والخبراء ومعاهد البحث والتطوير، وغيرها من الوحدات والهيئات الفنية.

* إستراتيجيات وطنية تدعم التطوير المنهجي المستمر للبنى الأساسية. (1)

وعليه ينبغي الحرص على دعم البنى الأساسية للمعلومات في الدولة بتطويع أرصدة المعلومات المتاحة في الداخل والتكنولوجيات الواردة من الخارج، لمواجهة معظم ما يواجهها من مشكلات بسرعة أكبر وتكاليف أقل، فالبنى الأساسية للمعلومات هي الضمان الوحيد لتداول هذه المعلومات والخبرات والإفادة منها في مجالات التطوير والتغيير(2) . إن هذا التحليل يعطينا نظرة عن سلطة المعلومات، ولا نكون مبالغين إذا ضربنا مثلا في هذا الشأن وذلك بتشبيه المعلومات بالدم فهي تجري في الأنظمة والمؤسسات والهيئات…الخ مجرى الدم في العروق، ولهذا الدم مراكز تصفية وقنوات ضخ، بل الأكثر من ذلك فهو عبارة عن خليط من المكونات التي لها درجة كبيرة من الأهمية في حياة الإنسان من خلال الدور الجوي الذي تلعبه في نقل المواد والهواء والدفاع والمناعة، فلا يوجد مثال أصدق من ذلك فالمعلومات تجري في الأنظمة السياسية والإدارية على وجه الخصوص وهي التي تنقل الحقائق وتعطي الحلول والخيارات، بل و الأكثر من ذلك هي التي تبقي على حياة النظام (مهما كان نوعه) وتجعله يستمر. كذلك لا بد من وجود مراكز تقوم بدور مراكز تصفية الدم، مؤسسات جمع المعلومات ومراكز التحليل والتوثيق، والهيئات الاستشارية والمؤسسات الحكومية والخاصة كلها تعمل على جمع وتخزين وتحليل وإرسال وإسترجاع المعلومات وتكرير هذه المادة الخام للحصول على بيانات تساعد في فهم المشكلات وحل القضايا، ومواجهة التحديات وترشيد السياسات ودعم القرارات كما سنرى في الفصول اللاحقة.وهذا يتطلب خطة إستراتيجية لتحديد الأولويات وتنسيق الموارد بما يتفق ومجالات الإفادة منها، بالإضافة إلى طريقة منهجية تتسم بالمرونة لمعالجة قضايا المعلومات. ولعل من أهم المراكز ومستودعات المعلومات على المستويات الوطنية يمكن أن نحصر ما يلي رغم الاختلافات في التسمية علي المستوى التنظيمي.

1- مصادر المعلومات العامة الحكومية:

توجد في معظم الدول للبنية الأساسية للمعلومات في شكل مستودعات بيانات في الأجهزة والهيئات الحكومية المتخصصة والعامة، والهيئات ذات الطابع الدولي فمن الممكن أن نجد البيانات الإحصائية والدراسات وتقارير الخبراء…الخ في كل من مختلف الوحدات الإدارية للحكومة والهيئات التشريعية والقضائية والوحدات الإدارية الإقليمية والمحلية، بالإضافة إلى بنوك المعلومات( Data banks )، كالمستودعات الإحصائية العامة مثل الديوان الوطني للإحصاء …الخ، وبنوك المعلومات الإدارية والصناعية والتجارية والزراعية والخاصة

بالعقارات والأطيان. وتلك المتعلقة بالأنشطة العلمية والتكنولوجية مثل المكتبات والأرشيفات ومراكز التوثيق وكل المستودعات الرئيسية التي تتجمع فيها معظم المواد الرسمية والغير رسمية، كالإنتاج الفكري والخرائط والمخطوطات…الخ. (1)

ويقع على عاتق هذه المؤسسات التنظيم والتنسيق والتعاون في مجال المعلومات والتعامل مع الرصيد الوطني والعالمي من المعلومات وذلك من خلال التجميع والتحليل والتخزين والإيصال والإسترجاع، أي إدارة المعلومات في شتى المجالات وفي كل القطاعات بما يخدم ويدعم راسمي السياسات والقائمين على شؤون التنمية في مواجهة وحل المعضلات، فهذه المراكز المتخصصة يجب أن تكون مسؤولة عن كل ما يتعلق بقطاع المعلومات في البيئة الداخلية والخارجية والذي يمكن أن ترتكز عليه الخدمات العامة الرئيسية في الدولة.

2- شبكات وبنوك المعلومات المتخصصة:

يمكن التعرف على إحتياجات الدولة من المعلومات بطرق عديدة أهمها القيام بالدراسات التفصيلية عن كيفية حصول المستفيدين على المعلومات وكيفية إستخدامها، كما أن التعرف على أولويات والإحتياجات المعلوماتية يرتبط بأهداف وخطط التنمية. ولعل أهم الطرق المتبعة في دول عديدة للإستجابة للإحتياجات الوطنية هو إنشاء الشبكات أو الدخول فيها.

هذا و يعرف(susan.k.martain)الشبكةبانها:“مجموعة من الأشخاص أو المنظمات مرتبطة مع بعها عن طريق الاتصال ،لتحقيق التشارك بمصادر المعلومات لاقصي حد و توفير اعلي نسبة من المعلومات للمستفيدين منها. (1). سواء كانت تلك الشبكات حسب المجالات أو التخصصات الموضوعية أو حسب أنواع الخدمة المعلوماتية أو حسب مستوى الشبكات (وطنية، إقليمية، دولية).وما يهمنا هنا التأكيد على ضرورة شمول السياسة الوطنية للمعلومات هي إنشاء أفضل شبكة خدمات معلومات ممكنة (رسمية) في حدود الإمكانات المتاحة، وذلك لتغطية الإحتياجات من المعلومات للمستفيدين من صناع السياسات والمخططين والإستراتيجيين…الخ بأسرع وأرخص وأكمل طريقة وبشكل مناسب عمليا. فضلا عن التوازن بين الاعتماد على المصادر المحلية والإقليمية والمصادر العالمية والإفادة القصوى من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المتطورة.1

3- الهيئات البحثية و الاستشارية:

تحتاج الأعمال الحكومية وهيئات التخطيط إلى المشورة التي تأتيها عادة من قطاعات ثلاث هي المستفيدون والمهتمون بالمعلومات والمستشارون أوالخبراء. ويمكن أن تكون قنوات هذه المشورة من خلال لجان دائمة أو لجان تشكل لهذا الغرض، واللجان الدائمة الإستشارية هي لجان حكومية وتعتبر جزءا من البناء الوطني الأساسي الخاص بالعلاقات التنظيمية والتنسيق في مجال المعلومات، أما بالنسبة إلى اللجان المستقلة والتي قد تمول بمنح حكومية، لكن لها حرية أكبر في التفكير والإبداع، لكن من جهة أخرى قد لا يكون لها تأثير على الحكومة وممثليها. ويمكن لهذه اللجان أو الهيئات المستقلة أن تقدم نتائجها ودراستها وأبحاثها إلى اللجان الحكومية كجزء من الإجراءات التنظيمية الخاصة بوضع وتنفيذ السياسة الوطنية للمعلومات.

وتختلف النماذج في الدول طبقا للظروف الداخلية، فعلى كل حال فمشكلة الهيئات الوطنية الإستشارية في مجال المعلومات مازالت محل جدل ودراسة للدور الذي تلعبه في عملية التخطيط ومدى الأخذ بمعطياتها في رسم السياسة العامة، وكذا مصداقية المعلومات التي تقدمها حتى ولم تكن مظللة وسرية فهل يمكن الاستعانة بها في دعم القرارات. ومن جهة أخرى هناك لجان تنشأ فقط عندما تظهر الحاجة إليها لجمع المعلومات حول مشكلة معينة، ويفضل في مثل هذه اللجان الاستعانة بالكفاءات والخبرات لوضع لمساتهم في المسرح المعلوماتي وهي في جميع الأحوال تلقي أضواء وتقدم إقتراحات قد تكون ذات ثقل وأهمية أكبر للاستعانة بها في إن هذه المحاور الثلاثة الأساسية للبنية الأساسية للمعلومات هي العصب الحكومي الذي تعتمد عليه الدولة في إنشاء المعلومات لخدمة التخطيط والتنمية، وقد تتفرع هذه البنى إلى عدة بنى فرعية تشكل بؤر معلومات قطاعية، يتم التنسيق بينها على المستوى الوطني، وحتى على المستوى الدولي لتوظيف أكبر قدر ممكن من المعلومات المتاحة في البناء والتطوير والتغيير. وهناك عدة مراكز ومصادر للمعلومات لم نذكرها بسبب إرتباطها بهذه المحاور الأساسية كمعاهد البحث والتطوير والإختبار وفرق البحث والتطور، ومكاتب الاستثمارات الفنية، والخبراء والفنيين والإستراتيجيين في الحكومة والأجهزة القطاعية الأخرى، ومراكز البحث العلمي والتقني، والدراسات الإستراتيجية( الإرتيادية) والإستشرافية وإستطلاعات الرأي وصبر الأراء، وحتى الباحثين الجامعيين، ناهيك عن المراكز والشبكات الغير الرسمية للمعلومات، كالجمعيات…الخ.

كلها تعد مراكز ومستودعات إستقاء المعلومات وتخزينها وتنظيمها وتحليلها، التي تأخذ كحجر أساس في بناء أي سياسة وطنية سواء كانت المعلوماتية، سياسية، إقتصادية، إجتماعية،…الخ. لقد تناولنا ولو وضع السياسات الوطنية للمعلومات بصفة عامة، كما أشرنا إلى أنها تختلف باختلاف الأمصار طبقا للظروف والإمكانات المتاحة، وأردنا التمييز بين وضع هذه السياسات من إجراءات وتدابير ومعايير وأسس وكذلك البنى الأساسية للمعلومات وتخطيطها، وكذا أهميتها في الاستجابة للاحتياجات الوطنية للمعلومات. هذا دفعنا

إلى التطرق إلى رؤية استراتيجية لتخطيط المعلومات بعد إيماننا بضرورة ترتيب الأولويات العربية في مجال المعلومات، وتحقيق توازن بين الاحتياجات من المعلومات للتخطيط ورسم السياسات والإستراتيجيات والكم من المعلومات المتداولة وهذا في الوقت والمكان وبالشكل المناسب وبأقل تكلفة ممكنة.

ج/ رؤية استراتيجية لتخطيط البني الأساسية للمعلومات على المستوى الوطني:

إذا كانت المعلومات سلطة فإن مؤسسات المعلومات والبنية الأساسية لها هي منافذ تسويق هذه السلطة، وخدمات المعلومات هي وسيلة الترويج لها، وإذا كانت ثروة فإنه لا قيمة لها إذا لم يتم استثمارها، فإن على عاتق مؤسسات المعلومات يقع الطلب الأساسي لتحويل المعلومات إلى معرفة. وإذا كانت هذه المعلومات عبارة عن طاقة فإن هذه البنية التحتية المعلوماتية أيضا مسؤولة عن توفير مقومات تحويل هذه الطاقة إلى قوة دفع في خدمة برامج وأهداف التنمية الوطنية الشاملة.فإيمانا بهذا الدور المحوري الذي تؤديه المعلومات تعمل هذه المؤسسات على تنمية مصادر المعلومات وتطوير خدماتها وإيصالها إلى الباحثين والدارسين والمخططين والعاملين في مجال التنمية بأيسر الطرق وأقل جهد ممكن.و بالتالي يمكن أن نحصر هذه الأهداف الإستراتيجية التي تطمح سياسات المعلومات إلى تحقيقها أو متابعتها على المستوى القومي فيما يلي:

  1. الوسائل والإمكانيات من مؤسسات وهيئات التي من خلالها تستطيع الأنظمة الوطنية توفير الاحتياجات المستقبلية من المعلومات في مجال التخطيط.
  2. الدور المنوط لهذه البنى الأساسية للمعلومات من خلال التخطيط والتنبؤ بأهم المجالات والمشاكل والقضايا التي يمكن أن تواجهها من احتياجات للمعلومات في المستقبل.
  3. توفير الاحتياجات الاستراتيجية من المعلومات التي تضمن القرارات السليمة في جميع القطاعات وعلى مختلف مستويات المسؤولية.

كما أن هناك عدة بنى أساسية تحتية لقطاع المعلومات وسياستها في معظم البلدان النامية لكن كما سبق وأن أشرنا أنها تختلف حسب المعطيات الداخلية والخارجية، فالجزائر كذلك من بين البلدان النامية التي سعت جاهدة في بناء قطاعها المعلوماتي، والإهتمام بالإصلاح والتطوير في مجال المعلومات، ووضع سياسة وطنية للمعلومات تتمثل في إنشاء مجموعة من الهيئات والمراكز والمجالس والمعاهد والدواوين، في محاولة إلى توظيف هذا البناء المؤسسي للمعلومات، والذي يعتبر الأساس في توفير البيانات لكافة الفعاليات والبرامج التي من شأنها تحقيق تنمية شاملة وتطوير المجتمع الجزائري، وهذا يتم بترشيد وتقويم وتقييم السياسات في شتى القطاعات. ومنها نذكر الديوان الوطني للإحصاء، المحافظة العاملة للتخطيط والإشراف، مجلس المحاسبة، المجلس الاقتصادي الاجتماعي كهيئة استشارية، وهيئات علمية مثل المجلس الوطني للبحث والتطوير العلمي والتقني…الخ، وغيرها

من المراكز الأخرى، كشبكة مترابطة والتنسيق في مجال المعلومات حتى مع القطاع الخاص لدعم رسم السياسات وإتخاذ القرار. لذا أصبحت المعلومات من الأصول الأساسية في أي تنظيم مثل أي مورد حيوي آخر، من هنا تبرز أهمية وضع خطط استراتيجية للمعلومات حتى يتم بناء هذه النظام على أسس قوية ولكي تتحقق الاستفادة المثلى منها، فالتخطيط الإستراتيجي كما يراه محمد سعيد الحفار يهدف إلى وضع أساس سليم وصلب يشكل قاعدة للتحكم في المعلومات ويجب أن تتكون من:

  1. إتباع منهج علمي عند تطوير نظم المعلومات.
  2. التركيز على عمليات التخطيط بعيدة المدى للمعلومات.
  3. عمل الدراسات التحليلية في كل مرحلة من مراحل التطوير.
  4. وضع منهج واضح للمتابعة والتقويم. (1)

هذا وقد أصبحت تكنولوجيا المعلومات عصب الأنظمة في دعم الإجراءات والأنشطة المتعلقة بتنفيذ العمليات المختلفة ومساعدة المستويات الإدارية في كافة القرارات التي يتطلبها العمل، وذلك لما يحققه من صحة وتكامل في المعلومات وسرعة وزيادة كفاءة العاملين، وتحسين الخدمات، والتقليل من الهدر المادي وتحسين الاتصالات وتوفير المعلومات اللازمة لمتخذي القرارات بكفاءة وسرعة مناسبة، وتحسين وتطوير الأداء. ولكن كل هذا لا يكتب له النجاح إلا بوضع خطط إستراتيجية بعيدة المدى لإدارة المعلومات على المستوى الوطني ، ويعني ذلك تطويرها في كل القطاعات العامة والخاصة. والتخطيط لها على كل المستويات الإستراتيجية، الوسطى والدنيا، والتخطيط يكون ببناء مؤسسي لإدارة نظم المعلومات، لتصبح إطارا صالحا لتفاعل الإنسان الجديد الذي يكون مؤمنا بأهمية المعلومة في كل نواحي حياته ثم تصبح المسألة وطنية وذلك حسب المبادئ التالية:

1- أن يضع الجهاز السياسي في الدولة إستراتيجية وطنية للمعلومات Information stratigy Masterplan، تحدد الأهداف والغايات والمؤسسات والأدوار والعلاقات والمراحل والوسائل الملائمة لكل مرحلة، ويضمن ذلك تنسيق الأدوار وكفاءة التنفيذ، وذلك للحيلولة دون النمو العشوائي لمنظمات المعلومات على المستوى الوطني.

2- تحديد أدوار المؤسسات والأجهزة الإحصائية للمعلومات، حتى تتكامل هذه الأدوار ولا تتناقض وتتصارع، ويتم التنسيق بينها.

3- تطوير البنية التحتية للمعلومات (الجانب التكنولوجي) في كافة أجهزة الدولة الرسمية وتحديثها من أجل تحسين الكفاءة على مستوى الإدارة التنفيذية والوسطى.

4- يجب أن تتفق الأجهزة والمنظمات الحكومية على تعريفات واضحة ومفاهيم محددة للبيانات، حتى يمكن إنتاج معلومات دقيقة تكون محل إتفاق جميع أجهزة المعلومات في الدولة وتكون هناك معلومات تكتنفها السرية، وحتى تتحدث أيضا جميع أجهزة الدولة بلغة معلوماتية واحدة.

5- يجب الاهتمام بتعليم وتدريب وتكوين القوى البشرية وتأهيلها على مستوى عالي في مجال نظم المعلومات والتحكم في التكنولوجيا وتنمية العنصر البشري في هذا القطاع الذي يعد ثروة في عالم المستقبل الذي يوشك أن يتحول كله إلى مجتمع المعلومات.

6- توثيق الروابط والاتصال بين منظمات المعلوماتية وقواعد البيانات الإقليمية والدولية حتى تكون هناك رؤية شاملة للبيئة الداخلية والخارجية.

7- وضع إطار مؤسسي متناسق تتحد فيه الأدوار، خصوصا تلك العاملة في حقل المعلومات على مستوى الإدارة الوسطى والعليا في الدولة حتى لا يكون هناك تضارب في المعلومات .

8- وآخر ما يستهل أن نخدم به هذه المبادئ لوضع سياسة محلية للمعلومات هو تخليص المعلومات من قبضة البيروقراطيين والإجراءات الإدارية الضخمة والمعطلة حتى لا يتم إنسيابها وذلك بواسطة هذا النظام الوطني التقني الشامل المتكامل المرن للمعلومات، وزيادة دور المستشارين والفنيين والخبراء وأخصائي المعلومات…الخ.حتى تكون المعلومات بأكبر دقة وكفاية وتصل في الوقت والمكان المناسب للأجهزة الرسمية العليا في الدولة،ويتم إستغلالها في تحقيق الرشد الموضوعي والذاتي لراسمي السياسات وتوضيح الرؤية لهم خاصة على المستوى (الاستراتيجي)، وذلك من أجل الإصلاح والبناء والتطور والتحديث. فإطار العمل الاستراتيجي مثلا في استئصال الفقر أو تحقيق الأمن الغذائي أو إفعال أسس تنمية مستدامة أو إتباب الأمن في البلاد لا يتم إلا من خلال تخطيط إستراتيجي للمعلومات من خلال الأساليب الكمية وغير الكمية، كالبحوث الدراسات الإستشرافية واستطلاعات الرأي من أجل الإمداد بالبيانات والحقائق اللازمة وتحويلها إلى معرفة علمية وعملية في كل المجالات، وإدارة تلك المعرفة لوضع التدابير والمعايير والإجراءات اللازمة لمواجهة هذه المشكلات.

وأخيرا و مما لا شك فيه أن تطوير وبناء نظم جيدة للمعلومات له علاقة مباشرة بنمو وتطوير الأنظمة والمنشآت، حيث أن الحاجة إلى المعلومات أصبحت من المتطلبات الأولية والأساسية للبقاء والاستمرار، هذا ما قاله بصدق محمد سعيد الحفار في كتابه الثورة الإدارية.1

* خلاصة وإستنتاجات:

ومما سبق ذكره في هذا الفصل يبدو لنا جليا أن السياسة العامة تأخذ العادة شكل برنامج عملي تتولاه السلطة الرسمية العامة أو سلطات الحكومة ومختلف المراكز الإدارية حيث تتمثل في مجموعة من التدابير المضامين الواضحة والمحددة الشاملة والمتوازنة، والمقترنة بعناصر إتخاذ القرار الملزمة قانونا والتي يقرها الفاعلون الحكوميون على البيئة والمجتمع القائم، بالشكل الذي يجعل السياسة العامة إطار إستعاب الفعل والحدث والقضايا العامة، وذلك لأنها موجهة إلى جمهور المستفيدين أو الخاضعين لها ضمن مجالها.

كما تتأثر السياسة العامة بقوى كثيرة فاعلة في البيئة السياسة تشكل دوافع نحو إقامة تحالفات متوازنة للحفاظ على المصالح الإنتقائية، أو في شكل صراعات تضع السياسة العامة في مفترق الطرق أو في حالة لا توازن ،أي في المستوى العقيم، ما لم تحسم هذه الصراعات بأدوات وأساليب علمية وعملية توحد الرؤي وتجانس في المصالح،فنجاح أي سياسة عامة في تحقيق أهدافها يتضمن من حيث الناحية المبدئية تحريك مراكز الدعم سواء من المشرعين أو من القادة الحكومين ومداراء الدوائر المركزية وهذا سوف يحول السياسة العامة إلى حالة الإنجاز والعمل والتطبيق،حيث أن السياسة العامة بمقدورها التأثير والتغيير فإنها تتبني مجموعة أدوات ورسائل ومجموعة خطط متوفرة لديها تتناسب مع دواعي إستخدامها في ظروف البيئة المحيطة والظروف القائمة المستدعية لذلك.

ومن جملة ما خلصنا إليه أن السياسة العامة كبرنامج عمل هادف يمثل إستجابة حيوية وفعلية للمشكلات والمتغيرات البيئة بالشكل الذي يعبر عن نشاط المؤسسات الحكومية الرسمية ويحدث هذا غير بعيد عن القوى الإجتماعية الأخرى التي تجعل من السياسة العامة وجبة طعام توزع على الجياع والضيوف على حد سواء، بفعل عمليات المساومة والصراع والمناورات لتحقيق الأهداف والمصالح الذاتية، تحت رداء المصلحة العامة، ثم أشرنا إلى أحد الأطر المنهجية المتعددة في صنع السياسات العامة وهي عملية التحليل للسياسات كعملية منهاجية تلازم الصنع والتطبيق للوصول إلى أنجع الحلول المتاحة للمشكلات والقضايا التي تواجه المجتمعات والحكومات والدول ، حيث تقوم العملية على منهج علمي مفتوح على مختلف المحاور العلمية في سبيل تقديم إطار متكامل من المعلومات والمتغيرات ذات العلاقة المضمون السياسة العامة.

لنعرج بعدها على أهم مقوم في نجاح السياسات وتحويلها إلى حقائق عملية لنؤكد بذلك جوهر لعلاقة بين الإدارة العامة والسياسة العامة التي تقوم على التعاون والمشاركة والنمطية والرتابة لا على التبعية والمفارقة، فلا يمكن أن تصنع السياسات بعيد عند الإدارة العامة فهي ملازمة على صعيد الممارسة والسلوك ثم حرصنا على تقديم صورة عن عملية صنع السياسات من زاوية مرحلية وهذا التقسيم منهجي لغرض الدراسة لكون العملية متداخلة ومعقدة وإلى درجة لا تكاد المواطن البسيط يغرق بين عمليتين الصنع والتنفيذ وبينا مراحل صنع

السياسات العامة التي تتم في خضم جو من المساومة والتحالف والصراع والتعاون والإقتناع والأمر لينتهي الخاص بسياسات عامة تنفذ وتقوم لتعكس الجدوى منها والفاعلية والكفاية والإنتاجية كمؤشرات رشاد السياسات أو عقمها.

وفي نهاية المطاف لا يمكن دراسة أي ظاهرة سياسة أو إجتماعية ما لم تكن هناك أدوات منهجية ومداخل نظرية تهدي الباحث من جهة للقيام بتحليل علمي صادق عن الظاهرة محل الدراسة وتوجه صناع السياسة وجزائها ومحلليها و العاملين بها والمشاركين فيها إلى النهج القويم ليعلم كل طرف في صنع السياسات مستقره ومستودعة ومنطقة في التأثير وحصة منها.والفائدة الأساسية من هذه النظريات المساعدة في فهم ودراسة السلوك السياسي بجعل النظام السياسي ودراسة الظواهر السياسة وتعميق الفهم والوعي لأسبابها وجذورها ومضاعفاتها.

أما في ما يخص المعلومات فهي عبارة عن مجموعة من البيانات تمت معالجتها لتصبح في صورة صالحة للاستخدام ، ومجموعة من المعلومات تشكل المادة الأساسية لكل معرفة ،والمعرفة هي القدرة على الاستنتاج وإستنباط الحلول والنتائج،وان المعلومات وحدها ليست كافية للمساهمة الفاعلة تنمية قدرات الفرد أو المجتمع أو الدولة…الخ ما لم تعالج بأسلوب سليم وقويم يجعلها اكثر تكاملا وتجانسا ضمن منظومة واحدة لتصل في أسرع وأحسن صورها.وعلي ضوء ما سبق أيضا ندرك أن المعلومات حتى تكون ذات قيمة كبيرة لابد أن تصل لمن يحتاجونها لحظة إحتياجها ولهذا لا بد من نظم معلومات حديثة متكاملة وعلية الكفاءة توصل المعلومات بأقل وقت وأكبر سرعة ودقة ممكنة. وإنطلاقا من الأهمية الإستراتيجية لهذا المورد كان لابد من إستثماره على المستويات الوطنية من خلال البني التحتية للمعلومات ووفق سياسات وطنية تكفل تداولها وإنسيابها للإستغلالها في عمليات البناء والتطوير والتحديث،خاصة في الدول المصابة بفقر المعلومات ،فإذا كان الفقير يعرف بأنه أحد أشكال التجريد من القوة فالمعلومات هي القوة الحقيقية اليوم التي تقوي بها الدول علي إختلاف بيئاتها.

1(): كمال المنوفي، السياسة العامة و أداء النظام السياسي، القاهرة:مكتبة النهضة المصرية،1988،ص15.

2(): سلوي الشعراوي جمعة،تحليل السياسة العامة في القرن الحادي والعشرين، في:علي الدين هلال(وآخرون….)، تحليل السياسات العامة في الوطن العربي، القاهرة: مركز دراسات واستشارات الإدارة العامة ،2004،ص23.

1(): محمد محمود ربيع،عبد الله الغنيم و(اخرون…)، موسوعة العلوم السياسية،ج الكويت،1993،ص451.

2preusthus.r. public administraton ,theronalc press comping , n ,y, 1975, p15. :()

1(): أحمد رشيد، نظرية الإدارة العامة ،القاهرة: دار المعارف، 1987،ص13.

2(): علي الشرقاوي، السياسات الإدارية...،الإسكندرية ،المكتب العربي الحديث،1988،ص23.

1(): محمد محمود ربيع،عبد الله الغنيم (واخرون…)،المرجع السابق،ص102.

2(): مصطفي أبو زيد فهمي،حسين عثمان، الإدارة العامة،الإسكندرية: دار الجامعة الجديدة،2003،ص308.

1(): محمد قاسم القريوتي،مهدي حسين زويلف، المفاهيم الحديثة في الإدارة”النظريات والوظائف”،ط3،عمان:1993،ص124.

1(): محمد نصر مهنا، العلوم السياسية بين الأصالة والمعاصرة،الإسكندرية: مركز الدلتا للطباعة،2002،ص ص120-121.

1(): انظر محمد نصر مهنا،المرجع السابق،ص ص123-125.

1(): فهمي خليفة الفهداوي، السياسة العامة منظور كلي في البنية والتحليل،ط1،عمان:دار المسيرة للنشر والتوزيع،2001،ص16.

2(): فهمي خليفة الفهداوي، المرجع السابق،ص32.

1) : (david estonn, ,analyse de système politique, paris:traduction de P.R. Armandcolin,.1974,p125.

1(): جابرييل الموند، بنجهام بويل، السياسة المقارنة إطار نظري ، ترجمة: محمد بشير المغازي، بنغازي: منشورات قان يونين،1996،ص272.

1(): فهمي خليفة الفهداوي،المرجع السابق،ص33.

1(): محمد سعيد عبد الفتاح، محمد فريد الصحن،الإدارة العامة المبادئ والتطبيق، الإسكندرية:الدار الجامعية ،2003،ص143.

1(): محمد العلي مهنا، الإدارة في الإسلام، الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية، ب ت، ص146.

1(): فهمي خليفة الفهداوي،المرجع السابق،ص35.

2,englewoodclffs,N,prentice-hall,2end,1975,p05.”,”publicpolicy: thomas day( )

1(): جيمس اندرسون، صنع السياسات العامة ،ترجمة: عامر الكبيسي،ط1،الأردن: دار المسيرة،1999، ص ص 14-15.

2(): ماجد راغب الحلو،علم الإدارة العامة، لإسكندرية: دار الجامعة الجديدة للنشر، 2004،ص51.

1(): فهمي خليفة الفهداوي،المرجع السابق،ص16.

1(): فهمي خليفة الفهداوي، المرجع السابق،ص38.

1(): عبد الكريم مجدي، سيكولوجية صنع القرار،ط1،القاهرة:مكتبة النهضة المصرية،1997،ص59.

*)): تحليل السياسة العامة : كانت سابقا الدولة هي الفاعل الأساسي في مجال السياسة، لكن مع التغيير في بنية الأنظمة السياسية ودور الدولة وبروز القطاع الخاص وتقلص مفهوم السيادة ،وثورة الإتصالات و التدفق الحر للمعلومات ،وكذلك الدور الذي أصبحت تلعبه المنظمات و الهيئات الدولية وغير الحكومية منها أيضا في رسم وتحديد أولويات السياسة العامة .فظهرت عدة اتجاهات في تحليل السياسة العامة،التي أصبحت وحدة التحليل فيها هي الفواعل أو الشبكات “الشبكة Netzork.policy .أنظر سلوي الشعراوي جمعة،علي الدين هلال (و آخرون…)،المرجع السابق.

1(): السيد ياسين،السياسات العامة القضايا النظرية والمنهجية، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية،1988،ص13.

2(): سلوي الشعراوي جمعة،المرجع السابق،ص34.

1(): عادل حسن،مصطفي زهير،الإدارة العامة ، بيروت: دار النهضة العربية للطباعة والنشر،2000،ص156.

1(): فاطمة الربابعة ،تحليل السياسات العامة”نظرة في الممارسة”،في : علي الدين هلال وآخرون ،المرجع السابق،ص13.

1( ): محمد العلي مهنا،المرجع السابق،ص146.

1( ): مصطفي أبو زيد فهمي،حسين عثمان، الإدارة العامة،الإسكندرية :دار الجامعة الجديدة،2003،ص55.

1(): محمد العلي مهنا،المرجع السابق،ص168.

1(): عبد العزيز بن حبتور، أصول ومبادئ الإدارة العامة ،ط1،عمان:الدار الجامعية للنشر والتوزيع،2000،ص54.

1(): سلوي الشعراوي جمعة،المرجع السابق،ص29.

1( ): محمد موفق حديد، إدارة الأعمال الحكومية،عمان:دار المناهج،2002،ص233.

2(): محمد شلبي، المنهجية في التحليل السياسي،الجزائر:ديوان المطبوعات الجامعية ،1997،ص195.

1(): فهمي خليفة الفهداوي، المرجع السابق،ص63.

1(): محمد نصر مهنا،المرجع السابق،ص168.

2 .thomas.r.day, opcit,p45:( )

(*) : مستويات السياسة العامة: يضع جيمس إندرسون و آخرون مثل فهمي خليفة الفهداوي و قابرييل ألموند السياسة العامة في عدة مستويات نذكر منها1/السياسات العامة الإستخراجية (Extractive) فالنظام السياسي لكي يقوم بوظائفه المعروفة يلزمه موارد تختلف حسب المجتمعات ، فلا بد من إيجاد موارد للنظام خاصة المالية منها وفي هذا الصدد يلزم الحكومة وضع سياسة عامة توصف بالإستراتجية وتعبر عن تعبئة الموارد المادية والبشرية مثل ( رصد المال ، السلع ، الأشخاص ، الخدمات ..). 2/السياسات العامة التوزيعية(duistributive): تتناول توزيع الخدمات والمنافع والقيم لفئات وشرائح المجتمع والأفراد والتعاونيات والجماعات.3/السياسات العامة لإعادة التوزيعRedistributive: كإعادة النظر في دخل فئة معينة من المجتمع أو قطاع ما ت4./السياسة العامة الرمزية (Symbolic): يكون تأثيرها معنويا فهي تخص باهتمام واسع لدى الحكومات مثل ما يحدث من خلال عرض التاريخ السياسي مثلا من بطولات وأمجاد ومفاخر للأمة تكون بمثابة الدافع لأبناء الأمة من أجل الدفاع والرفع من روحهم الوطنية, كذلك يخلق الالتزام العاطفي والوجداني نحو الولاء للوطن. 5/السياسات العامة التنظيمية:يصفها” أندرسون جيمس” بالضابطة التي تفرض قيودا أو محددات على سلوك الأفراد والجماعات أي أنها تحد من حرية تصرف الجهات الخاضعة للسيطرة والضبط، فالسياسة التوزيعية تقيد التصرف أما التنظيمية فتزيد عليها بالنسبة للمتأثرين أو المتعاملين معها.

1 (): جيمس اندرسون،المرجع السابق،ص ص77.78.

2 (): سيد الهواري، الادراة الأصول والأسس العلمية،القاهرة: مكتبة عين الشمس،1976،ص458.

1():georgs.c.edwards-lrasharkansky,lespolitiques publiques,paris,leséditionsd’organisation,1981,p75

1():فهمي خليفة الفهداوي،المرجع السابق،ص100.

*(*):أجندة الحكومة: يعرفها”gohn-kingdon”بأنها:”قائمة تتضمن الموضوعات و المشكلات الموجودة أمام موظفي الحكومة والتي يشارك الناس من خارج الحكومة للموظفين الرسميين فيها،أو في إعطائها قدرا من الإهتمام والعناية خلال أية فترة من الوقت.”

1georgs.c.edward-lra..,ipid;p82. :( )

(*) : يميز كوبCobb) ) وايلدرElder) ) بين نوعين من جداول الأعمال في السياسة العامة هما:

*جدول الأعمال النظامي: يتضمن جميع القضايا التي يستشرها أعضاء السلطات الثلاث وتستدعي تدخل كل منها حسب الإختصاص والصلاحية،فالمشكلة المدرجة في هذا النوع من الأجندة تكتسي إعترافا عاما يحتم على الهيئات الحكومية في الدولة أن تتحرك بأكبر سرعة وكفاية لإحتواءها وإلا قد تتسع كل إلى المستويات المركزية والإدارية والمحلية ، وذلك كما يعالجه هذا الجدول من قضايا متشعبة تتسع قاعدتها وحجم تأثيرها فهو جدول للنقاش فالعمل به يستلزم إدراج المشكلة أولا ثم عرضها على المستوى الحكومي المخول بمناقشتها تمهيدا لمعالجتها.

*جدول الأعمال المؤسسي :تختص به مؤسسة بعينها سواء كانت تشريعية أو تنفيذية ، وتكون فيه القضايا تفصيلية ومخصصة أكثر مما هي عليه في الجدول السابق حيث يتولاه الرسميون والحكوميون بإهتمام جاد وأولوية خاصة وقد تكون القضايا محل النقاش في هذا الجدول واردة أي سبق التعرض لها ومعرفة في ذاكرة الحكومة فتلقي بشأنها سياسات تكميلية وإعادة التوزيع كاستجابة فورية لها ومن أمثلتها الزيادة في الموازنة العامة المالية أو الأجور أو تقديم دعم لوحدات أو قطاعات إنتاجية معينة ……الخ.

 

 

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button