دراسات سياسية

تركيا بين محاولة انقلابية وتعديلات دستورية

د.محمـد عبدالرحمن عريـف
  تاريخيًا المؤسسة العسكرية التركية لها أثرها الواضح في صياغة القرار السياسي التركي الخارجي ومن خلال اعتبارها حامية للمبادئ الديمقراطية وإنها محافظة على مبادئ أتاتورك والتي كانت حجر الأساس في قيام الجمهورية التركية عام 1923. وبالتالي فإن المؤسسة العسكرية التركية قد لعبت دورًا أساسيًا ومؤثرًا في عملية صنع القرار السياسي التركي الخارجي، وذلك من خلال اعتبار القادة العسكريين هم من يديروا البلاد حتى وان كانت هناك أحزاب سياسية مدنية في الواجهة ومن خلال تأسيس مجلس الأمن القومي والذي كان فيه أكثر من عضو عسكري فيه لإدارة شؤون البلاد وهذا الأمر يدفعنا إلى التوصل إلى نتائج بشأن دور المؤسسة العسكرية التركية وتدخلها المستمر في الحياة السياسية. حيث حاولت المؤسسة العسكرية إثبات نفسها من خلال فرض أجندتها على الحياة السياسية من خلال الصراع ما بين العسكريين من جهة والمدنيين من جهة أخرى وهذا ما ينطبق على أكثر الانقلابات التي كانت تقوم بها الجيوش في العالم الثالث .
   يتذكر الجميع المحاولة الانقلابية التركية في 15 يوليو/ تموز 2016، وهي محاولة انقلاب عسكري فاشلة لمجموعة من ضباط القوات المسلحة التركية، وكان قد دبرها فصيل داخل القوات المسلحة التركية، وأعلن مدبرو الانقلاب إنشاء مجلس السلم من أجل أن تكون الهيئة الحاكمة في البلد. من خلال بيان بث بعد سيطرتهم على قناة تي آر تي الرسمية التركية والذي تضمن خلاله حظر التجول في أنحاء البلاد وإغلاق المطارات، وحسب المصادر العسكرية التركية فان قائدي القوات الجوية والبرية هما من نفذا الانقلاب على الرئيس التركي رجب طيب اردوغان. ومع صباح السبت كان أردوغان قد وصل إلى مطار إسطنبول الدولي وسط ترحيب شعبي وأعلن عن إنهاء محاولة الانقلاب وتحدث بأن المتورطين سيعاقَبون بغض النظر عن المؤسسات التي ينتمون إليها. وشهدت المدن التركية مظاهرات حاشدة دعمًا للحكومة الشرعية وللرئيس أردوغان، ورفضًا لمحاولة الانقلابب، ولاقت محاولة الانقلاب رفضًا من قيادات حزبية وعسكرية وبرلمانية تركية وكذلك رفض قائد القوات البحرية التركية الأميرال بوسطان أوغلو وزعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كليجدار أوغلو الذي قال بأن “تركيا عانت من الانقلابات، وأننا سندافع عن الديمقراطية”.
  مرت الشهور ولم ينتهي العام، على هذه المحاولة الانقلابية، حتى جاء استفتاء 16 ابريل/نيسان 2017. وجاء نص التغيير الدستوري المقترح على إلغاء منصب رئيس الحكومة والسماح بالتالي للرئيس بتعيين الوزراء وجعل الإجراءات الحكومية تحت سلطته. وظهر اردوغان رليؤكد على أن التعديلات الدستورية ستجلب الاستقرار لتركيا، في وقت تفشت فيه الاضطرابات في ظل التمرد الذي يقوده حزب العمال الكردستاني المحظور، وتنفيذ عمليات إرهابية وانتشار التشدد واستمرار النزاع في سوريا المجاورة الذي قاد إلى تدفق نحو ثلاثة ملايين لاجئ من هذا البلد.
 يبقى الحذر من منتقدو هذه الإجراءات الحكومية من منح صلاحيات واسعة لرئيس البلاد بحيث يجمع بين يديه سلطات كبيرة ويتحول بالتالي نظام الحكم إلى حكم رجل واحد بدون أن تكون هناك ضوابط قانونية لمساءلة الرئيس عن الإجراءات المتخذة. وأن قدرة الرئيس على إقامة علاقات مع حزب سياسي -وفي هذه الحالة حزب العدالة والتنمية الذي ساهم في تأسيسه وقيادته- سينهي أي فرصة في ضمان حياد الرئيس. وتنص التعديلات المقترحة على إجراء انتخابات برلمانية يوم 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019. كما تنص التغييرات المقترحة على بقاء الرئيس في منصبه لمدة ولايتين كحد أقصى، كل ولاية مدتها خمس سنوات. ويرى معارضو الحكومة أن التعديلات المقترحة من شأنها أن تقود إلى استبداد الرئاسة بشكل متزايد. وقد يمهد الاستفتاء على التعديلات المقترحة لأكبر تغيير في نظام الحكم منذ تأسيس الجمهورية التركية. ويأتي الاستفتاء الحالي أيضًا في ظل حالة الطوارئ التي فرضتها الحكومة في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة في منتصف شهر يوليو تموز الماضي.
  على النظم الناشئة في المنطقة العربية بعد الثورات أن تستفيد من المنهج الذي اتبعه حزب العدالة والتنمية في تحجيم دور المؤسسة العسكرية تدريجيًا ومن خلال الاحتكام إلى المواطنين والسلطة القضائية. وأن الديمقراطية تتسع لكافة التيارات شريطة اعتراف كل منها بالآخر وحقه في الوجود والتعبير عن نفسه وأن الحكم هو الشعب وأن الآلية هي الانتخابات وأن تقبل هذه التيارات بنتائج الانتخابات أيا ما كانت وتحترمها لأنها تعبر عن إرادة عامة. علينا أن نعيد النظر في ثنائية المدني والعسكري فهما ليس بالضرورة متناقضان بل ما يجمعهما أكثر بكثير من الاختلاف بينهما والفروق لا تظهر إلا في ظل تدهور المؤسسية في المجتمع.
ستحمل الأيام القادمة لتركيا كل جديد. فهل يستمر نجم اردوغان في الصعود؟ أم أن هناك من المشاكل الداخلية والخارجية ما يعيق ذلك ويتوقف هذا الصعود؟ المنطقة ملتهبة.. والحمل ثقيل.. والقادم مجهول.
د.محمـد عبدالـرحمـن عريـف.. كاتب وباحــث في التاريخ الحديث والمعاصر وتاريخ العلاقات الدولية والسياسة الخارجية.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى