المنظومات الأمنية الوطنية على محك العولمة الإعلامية بين الاختراقات وضرورات التحصين

مقدمة :

تحاول هذه الورقة البحثية تسليط الضوء على ظاهرة الاختراقات التي تمارسها العولمة بمختلف منظوماتها على الدولة الوطنية ، و بالتحديد تأثير وانعكاسات الاعلام السياسي على الأمن القومي للدول خاصة النامية منها و من ضمنها الدول العربية .

فعلى غرار تراجع  السيادة الوطنية يبدو أن هناك تراجعا آخرا يمس المنظومات الأمنية بفعل تأثير قوى العولمة ومدخلاتها الاضطرابية،لا سيما التأثير الممارس من قبل الاعلام السياسيالذي أخذ أبعادا كبيرة إثر الثورة التكنولوجية والرقمية فصار بذلك يشكّل مصدر تهديد متزايدعلى الأنساق الأمنية.

وتحاول هذه الورقة الإحاطة بالإشكالية التالية : كيف يتسنى للاعلام السياسي تخطي السيادة الوطنية و اختراق المنظومات الأمنية الوطنية ؟

ويتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من التساؤلات :

ما المقصود بالاعلام السياسي ؟

هل دفعت العولمة والتطور التكنولوجي باتجاه تشكيل تهديدات جديدة نحو الأمن القومي للدول؟

كيف يمكن للدولة الوطنية تجاوز المعضلة الأمنية الناجمة عن تعاظم سطوة الاعلام السياسي؟

وتتهيكل هذه الورقة في الخطة التالية :

المحور الأول : مدخل مفاهيمي :العولمة ، الأمن ، الاعلام السياسي .

المحور الثاني : سطوة الرقمنة وسيادة الاعلام و المعلوماتية في عصر العولمة.

المحور الثالث : الفجوة الأمنية في ظل الاعلام السياسي : مقتضيات الإصلاح و التحيين .

المحور الأول : مدخل مفاهيمي العولمة : الأمن ، الإعلام السياسي .

أولا: مفهوم العولمة :

من ميزات مفهوم العولمة أنه كثير ما يكتنفه الغموض و الالتباس  و التشعب و التركيب و التعقيد ، لما ينطوي عليه من تعدد و تنوع المداخل الفكرية و الانتماءات المذهبية و الأيديولوجية التي تنظر إليه ، وكذلك بالنظر إلى تعدد أبعاد العولمة الثقافية الاجتماعية و الإعلامية الاقتصادية و السياسية .

و العولمة لغة من اشتقاق عولم عالم عولمة

يرى المفكر أحمد صدقي الدجاني في الدلالة اللغوية للعولمة و مرادفها بالإنجليزية  Globalization   و الكلمتان الآخريان هما الكوكبة الكونية ،و العولمة في اللسان العربي من العالم ، و يتصل بها فعل “عولم ” على صيغة “فوعل ” وهي من أبنية الموازين الصرفية العربية ، ويلاحظ على دلالة هذه الصيغة أنها تفيد فاعل يقوم بفعل ، وهذا ما يترتب عن صيغة “Zation  “على خلاف صيغة “ism” في عبارة Globalism  التي تشير إلى العالمية .(1)

ورد مصطلح العولمة Mondialisation  في القاموس الفرنسي Robert  عام 1953 ، أما في القاموس الأمريكي وايبستر Webster  فذكر مصطلح Globalisation  لأول مرة سنة 1961.(2)

ومن حيث التحديد الاصطلاحي فليس هناك تعريف جامع متفق عليه ، بالنظر إلى تضارب الرؤى و المدارس و المنطلقات ، وفي هذا الصدد يُقرّ الأمريكي جيمس روزنو  J.Rosneau  بالتعقيد الذي ينطوي عليه تعريف العولمة ، إذ يرى أنه من السابق لأوانه إيجاد تعريف كامل و نهائي متفق عليه يلائم التنوع الضخم لهذه الطفرة و الحركية ، وحتى و لو تم تحديد مفهوم للعولمة  فإنه سيبقى موضع شك ، و من الصعب تقبّله و إشاعته بشكل واسع .(3)

و يعرفها المفكر أنتوني جيدنز Anthony Giddens  :”العولمة هي بالأساس حالة حضارية جديدة ، و هي  تمثل طفرة  ما بعد الحداثة Post modernism  التي ظهرت في المجتمعات ما بغد الصناعة  Post Industrialized Societies و هي بذلك تمثل طفرة جديدة مميزة ،ظهرت خلال العقد الأخير .”(4)

ويعرفها بصبغة اجتماعية المفكر مالكوم وترزMalcom Waters  على أنها :”تلك العمليات الاجتماعية ، التي يترتب عليها تراجع القيود الجغرافية على الترتيبات الثقافية و الاجتماعية ، و يتزايد في الوقت نفسه إدراك الفرد لذلك التراجع.(5)

و من المفكرين العرب ، يعرفها سمير أمين :” العولمة هي امتداد للتوسع الرأسمالي المرتبط بالتراكم ، وهو توسع إمبريالي استقطابي بين المراكز و الأطراف ، و معنى التراكم أنه جاء نتاج مسار تاريخي عرفه العالم منذ قرون ثلاثة يكمن على التوالي في الاستعمار الامبريالية و العولمة .(6)

ويعرفها الباحث الجزائري محند برقوق :”هي مجموعة الحركيات المتشابكة و المعقدة التي تخلق توافقات نفعية أو غير نفعية بين الدول و البشر ، وهي حركيات عبر وطنية ، وفي أحيان كثيرة تتعدى إرادة و حسابات الدول ، لتكون فواعلها غير دولتية .(7)

وبدورنا كتعريف إجرائي نقول أن العولمة هي عبارة عن “جملة الديناميكيات الدافعة نحو تنميط الاقتصاديات الوطنية وفقا للنمط الرأسمالي السائد ، وهي أيضا تنميط المجتمعات وفقا لمعايير وقيم المنظومة الليبرالية المهيمنة “.

لقد أصبح مصطلح العولمة بمثابة “موضة ” أو كلمة طنانة ، وحتى مزعجة ، إنه دائم التكرار ، و بالرغم من هذا فإنه غامض و من ثم  ليس من السهولة فهمه، لأن ليس هناك اتفاق حول تشخيصه ، و من هنا المرونة في استخدامه التي وصلت إلى حد  ” الفوضى” في نظر البعض ، وإلى حد القول في نظر البعض الأخر أن هناك من التعريفات بقدر ما هناك من الدارسين للموضوع ، أو القول بأن أفكار العولمة من الاتساع و التنوع و التغيّر لدرجة إمكان إلصاقها بأي شيء، أو القول بأن العولمة مفهوم غامض ويثير الالتباس نظرا لتعدد التعاريف ، وتداخلها مع المصطلحات الأخرى.(8)

ثانيا : مفهوم الأمن :

من فعل أَمن أمنا وأمانا

ولغة هو عكس الفزع و الخوف، ويعني الطمأنينة أو الاطمئنان إلى عدم وقوع أيمكروه.(9)

والأمن يعد حالة نفسية سيكولوجية ، وهي الشعور بالسلامة ، حيث يعرف الأمن النفسي على أنه :”اتجاه مركب من تملّك النفس بحالة الثفة و السلامة من التهديد الأخطار، والشعور بالانتماء إلى جماعة آمنة ، وكذا الإحساس بالقيمة.”(10)

والأمن عموما حسب أرنولد والفرز A.Wolfer   يبقى اصطلاحا غامضا إن لم نستطع الإجابة عن سؤالين :

الأمن لمن ؟و الأمن من أجل أي قيمو بالنسبة لأي تهديدات؟(11)

أما المفكر باري بوزان Barry Buzan  فيعرفه على أنه :”السعي إلى التحرر من أي تهديد كان قد يواجه الفرد، المجتمع أو الدولة،”(12) و يعرفه نفس الكاتب في مقام آخر على أن الأمن هو :”أن يتعدى الجانب العسكري السياسي ليشمل المسائل البيئية والقضايا الديمغرافية ، و قبل كل شيء هو تلبية الحاجات الأساسية (المادية و المعنوية)للسكان.(13)

ويعرفه هنري كيسنجر H. Kissinger  :”هو أي تصرف يسعى المجتمع عن طريقه لتحقيق حقه في البقاء .”

ويعرفه ليبمان   Lippman تعد الأمة آمنة إلى حد ما إذا لم تكن في خطر و غير مهددة في قيمهالأساسية.”(14)

ويعرفه الروسي بيركوفيتس D.A.Birkovitz  :” هو حماية الدولة من الخطر الخارجي ، وصيانة السيادة و الوحدة  الترابية وسلامتها ، و التي ينبغي أن تفهم على أنها المتطلبات الأساسية لتحقيق الأمن بالنسبة للدولة الوطنية .”(15)

و الأمن الوطني يقع ضمن السياسات العليا للدولةHigh politics ، وقد تطور مفهوم  الأمن ليخرج عن نطاقه العسكري الضيق ، ويشمل مجالات أخرى وحقولا أخرى ، ويتعدد استعماله Multidiscplinaire .

كما ظهر مفهوم واسع  ودقيق في آن واحد للأمن وهو مصطلح الأمن الإنساني Human Security  ، ولقد استعمل لأول مرّة من قبل برنامج الأمم المتحدة للتنمية PNUD    في تقريره عن التنمية الإنسانية سنة 1994 ، ويقصد به حسب ذات البرنامج “التمتع بالأمن الإنساني حق لكل فرد أن يكون بمنأى عن الخوف و الحاجة و العبارة باللغة الإنجليزية  Freedom From Fear ,Freedom From Want ”   و يفرق هذا التقرير بين سبعة أصناف من الأمن Seven types of secuurity     وهي الأمن الاقتصادي ، الغذائي ، الجسدي ، البيئي، الشخصي ، الاجتماعي و السياسي .

ويعرف الأمن الإنساني على أنه :”حماية الحياة البشرية من كل التهديدات و الأخطار ، سواء السياسة الاقتصادية ، الصحية أو البيئية و غيرها .”(16)

ويتداول أيضا في حقل العلاقات الدولية ، وحتى في العلوم الاجتماعية الأخرى مصطلح الأمن المجتمعي ، وهو لا يخرج عن نطاق الأمن الإنساني ، ويعرف على أنه :”يدرس زيادة على الفواعل الخارجية ، الفواعل الداخلية، ومدى إسهامها في تحقيق الحاجات وإشباعها لتحقيق الأمن المجتمعي ، من حيث كون عدم إشباع تلك الحاجات  مصدرا للعطب الأمني الاجتماعي .”(17)

ثالثا :الاعلام السياسي :

وسائل  الاعلام السياسي ،هي تلك التي تمتلكها أو تديرها ، أو تؤثر فيها كيانات سياسية ، بهدف الترويج  لأراء هذه الكيانات ، و المصطلح الشبيه هو وسائل الاعلام المعيارية ، التي تؤكد على السمات الاجتماعية و الفنية لوسائل الاعلام نفسها في تشكيل القرارات ، ولقد لعب الباحثان الكنديان في ميدان الاعلام و الاتصال هارولد إينس و مارشال ماكلوهان دورا كبيرا في تطوير البعد المفاهيمي  للإعلام السياسي.(18)

والعمل الاعلامي الذي يطلق عليه صفة الاعلام السياسي يتصل خاصة باهتمامات محلية و دولية ذات طابع سياسي ، وللإعلام السياسي   في النظام الدولي أو النظام السياسي الوطني أهداف كثيرة منها دعم الديمقراطية ، والتنمية السياسية ، وتكريس الحقوق و الحريات الإنسانية .(19)

وفيما يتعلق بالاتصال السياسي فهو ظاهرة اجتماعية قديمة ، وعلى الرغم من قدمها كممارسة فإنها لم تخضع للتحليل الابستمولوجي و التدقيق المعرفي إلا في أواسط القرن الماضي ، و الاتصال  السياسي يعني كل أشكال التواصل التي يقوم بها الفاعلون السياسيون لتحقيق أهداف معينة.(20)

ومفهوم التواصل هو الأقرب للحديث في هذا الباب من الاتصال ، كون التواصل يقوم على التفاعل و التأثير في الناس إما بإكسابهم معرفة سياسية ، أو تأثيرا في قراراتهم و خياراتهم ، وهو ما يستوجب في جميع الحالات ردة فعل أو تغذية رجعية من المرسل إليه.(21)

ليس من المنطقي تصور العملية السياسية بدون عملية تواصلية إعلامية ، و الواقع أن العلاقة بين طرفي المعادلة هي علاقة جدلية بكل المقاييس ، إذ تختلف  دائرة التأثير بينهما باختلاف الأنظمة السياسية  السائدة ، فالنظامان  أي التواصل و السياسة كلاهما يتأثر بالأخر و يؤثر فيه ، وإن كان التأثير الذي يمارسه النظام السياسي على الاتصال في البلدان النامية بشكل خاص أكبر من تأثير الاتصال و الاعلام على النظام السياسي .(22)

و يقرر يورغن هبرماس  J.Habermas  أن للاعلام و الاتصال أربعة وظائف من المفترض أن يؤديها تتمثل في تشكيل الاتجاهات المختلفة داخل المجتمع ، زيادة على حماية مصالح المجتمع ، توفير المعلومات و الأخبار للجمهور ، و العمل على تحقيق  الانسجام الاجتماعي .(23)

ومن ضمن وظائف الاعلام السياسي هو الاسهام في ترسيخ المشاركة السياسية من خلال إتاحة المعلومات للأفراد ، و التي تؤهلهم للمشاركة  و التصويت و مناقشة القضايا السياسية ، زيادة على وظيفة المساهمة في صنع القرار السياسي كون وسائل الاعلام تمثل المؤيد أو الناقد للسياسات العامة للدولة ، كما يشكل الاعلام السياسي معيارا أو ميزانا لصانع القرار من أجل اختبار مدى مشروعية وصلاحية قراراته.(24)

المحور الثاني:سطوة الرقمنة وسيادة الاعلام و المعلوماتية في عصر العولمة.

     يبدو أن ثمة معضلة حقيقية تعانيها  المنظومات السياسية و الأمنية الوطنية في ظل ظاهرة العولمة ولاسيما في شقها أو مجالها الإعلامي ،إذ تتمثل هذه المعضلة في اختراقية وسائل الإعلام و الاتصال لجدار السيادة الوطنية ولشتى المنظومات الوطنية السياسية  القيمية والأمنية .

     إن تصاعد الثورة المعلوماتية و ما شهدته من تطور هائل في تكنولوجيتها قد جسد ت نفسها فيما يعرف بالتكامل أو التعدد في وسائل الاتصال  Multimedia   فأجهزة استقبال الأقمار الصناعية وشبكات الأنترنيت و غيرها ، تؤكد مدى القدرة المتاحة لحركة المعلومات على المستوى العالمي متجاوزة كل الحواجز القومية . (25)

    إن الثورة الرابعة للاتصال أي الثورة الرقمية Degital ،    أوجدت مناخا مغايرا كليا وفر المعلومات و الآراء ووجهات النظر المتباينة للأفراد من خلال التدفقات الإعلامية flux، وكذا الطريق  السريع للمعلومات  In formation super highway دون استئذان للسيادة الوطنية أو للحكومات و الدول .

    لقد أضحت السياسة العالمية تفسر من خلال قيم العولمة ووسائلها ، حيث أعادت رسم الحدود بين الدول من خلال وسائل تكنولوجيا الاعلام و الاتصال ، بل وجعلتها أكثر هشاشة و مهترئة أمنيا .(26)

   تروّج العولمة اليوم للأنموذج الشامل ، ويبدو أن هذا الترويج يستند على قوة بث هائلة تجد روافدها في الثورة التكنولوجية و الاتصالية و الإعلامية المتعاظمة التي يحوزها صاحب هذا الانموذج ، حيث تعمل قوى البث هاته Diffusion powers  المتمثلة في وسائل الاعلام و الاتصال ، و المتمخضة عن زخم الثورة الرقمية على نشر وتعميم أُطُرُ و قيم ذلك النموذج ليشمل  العالم ككل من خلال تفكيك وإزاحة النماذج و المنظومات المحلية الوطنية ليحل محلها.

إن التكنولوجيا الجديدة للكابلات و الأقمار الصناعية و الرقمنة ، ولأنها تمثل واقعا إجتماعيا جديدا ، ومن ثم تخلق موقفا سياسيا جديدا ،وهي في أشكالها التي يمكن التنبؤ بها عابرة للقوميات ، وسيتم تحريض المجتمعات القائمة بحجة الأسباب التقنية على أن تسترخي أو تزيح بالفعل سلطاتها التنظيمية في الداخل ، و الثمن الاجتماعي لهذا ، والنتائج التي ستترتب عن هذا التغلغل من جانب النظم العابرة للقوميات و المُحَلّقَة عاليا ، سَيُتْرَكُ أمره للكيانات السياسية القومية الموجودة لتدفعه أو تتخلف عن الوفاء به .(27)

لقد كان لفليب بروتن Philippe Breton بعض الحق في كون الاعلام يساهم في تأسيس العالم ، فنظرا للأهمية القصوى التي تتبوأها اليوم ثقافة الصورة و البث المتلفز الذي أضعف العمل بنظام المخاطبة التقليدية عبر الصحف و المجلات وصولا إلى المدارس و الجامعات ، ومن ثم فإن المشروع الغربي في عصر العولمة قد أصبح في عهد الامبراطوريات السمعية البصرية بما تملكه من نفوذ ، وإمكانات و سلطة تمكنها من تقديم مادتها الإعلامية للمتلقي في قالب مُشَوّقْ يجذب الانتباه عبر تكنولوجيات الإثارة و التشويق ، ويقارب عتبة المتعة ، ومعه يُبلّغ خطابه الأيديولوجي و أهدافه  الاستهلاكية ، ويسهم في وأد حاسة النقد لدى الملتقى الذي يجد نفسه في النهاية قابلا ً لتمرير و تقبل جميع القيم و المواقف السلوكية ، دون اعتراض عقلي أو ممانعة نفسية . (28)

إن التطور المعرفي المذهل في مجال الاتصالات ساهم في تقارب الأمكنة و اختزال المسافات بكيفية توحي بانكماش المكان من جهة ، وأفضى إلى تكثيف برامج الأعمال بصورة تنم عن انكماش الزمان من جهة أخرى ، و ذلك من خلال العلاقات التفاعلية بين قطاع الاتصال وبقية قطاعات المجتمع الأخرى ، التي نتج منها بروز ما يسمى بمجتمع ما بعد الصناعة Post-industrial Sosiety ) ( الذي صار يسمى “بمجتمع المعلومات” أو “مجتمع الموجة الثالثة”Third wave Sosiety  على حد تعبير هايدي توفلر H.Toffler .(29)

يشهد العالم اليوم تناميا كبيرا للثورة المعلوماتية ، وتطورا هائلا في تكنولوجياتها وتعدد الوسائط الإعلامية      و الاتصالية   Multi Media التي تعمل على التدفق الكبير للمعلومات  و انسيابها بلا حدود أو قيود ، إذ باتت تختزل الفواصل المكانية الجغرافية و الزمانية ، وتعمل في آن واحد على غرس قيم جديدة مُحْدثَة نوعا من الخلل الوظيفي Dysfonctionement في منظومات الدولة ، وفي ظل هكذا وضع أضحت الدولة الوطنية مثقلة بهذه المدخلات الاضطرابية ، حيث تلاشت معها قوى التحكم و الضبط الاجتماعي ، وتناقصت مناعتها الأمنية ، في ظل ما أسماه توماس ماك Thomas Mack “بالإمبراطورية الالكترونية” .

و كما أن للعولمة وسائل بث إعلامية وإتصالية ، فإنها تمتلك أيضا دعاة و أقلاما و نظريات ، فمن ضمن نظريات العولمة تلك التي تنادي بتوحيد الأنماط الثقافية و النظم المسماة بنظرية التقارب و الالتقاء  (30)  والتي يرى أنصارها على غرار جون كنيث  غالبرايث J.k.Galbraith    وكذا ريمون أرون R . Aron  أن التطور التقني سَيُفْضي إلى تقارب والتقاء النظم الاجتماعية و القيمية مع المجتمع العالمي ، و هناك أيضا نظريات أخرى على غرار نظرية نهاية الأيديولوجيا The End Of Ideology  لأكثر من مفكر مثل إدورد تشيلز E. Shills  في كتابه أفيون المثقفين  L’opium des intelectuelles  وكذلك دي بيل D.Bell و ليبست N.Liepest  في كتابهما الصناعة الجديدة The New Industry والذي جاء فيه أن التكنولوجيا و الابداعات والمعلومة هي التي تقرر شكل المجتمعات و قولبتها ، وهناك أيضا من النظريات الداعية على ضرورة اعتناق العولمة وتوظيف آلية التفتيت و التفكيك الاجتماعي ، عندما تطرح ذات النظريات بأن التخلص من الوطنية

Nationalism أمر ضروري ، كونها العائق الأكبر للنمو العالمي ، حينئذ ينبغي تجاوز فكرة وحدة الأمة ، فكل الذين يتعاقدون في بلدان العالم مع حكوماتهم الوطنية يعتبرون أعداءً  للوحدة العالمية وللإنسانية .(31)

ومن بين أساليب وطرق الاختراق في ظل العولمة وإحداث التغيير في المجتمعات ، الاعتماد الكبير على علم السيبرنطيقا Cybernitique  أو علم التحكم Science Of Control  كما حدده الأمريكي روبرت واينر R.Winner  مؤسس علم السبرنطيقا و هو العلم  الذي يؤثر في مجالات السياسة و الدعاية و الإعلانات

و التثاقف  Acculturation  و من ثم يتجلى كعلم للتحكم في الأفعال و توجيه ردود الأفعال و توجيهها وفق الحاجة أو الهدف ، فهو علم ميكانيزم الضبط الذي يتضمن حسب مُسْتَحْدثه  ” واينر”  أنه عندما يتم إعطاء أمر لآلة معينة ، فإن الوضع لا يختلف كثيرا عن ذلك الوضع الذي يحدث عندما يُعطى الأمر للإنسان ، أي تحويله لآلة متلقية و متحكم فيها .(32)

إن الثورة التقنية في مجال الاعلام و الاتصال و على الرغم من ما وفرته من أريحية و كماليات للبشر ، فإنها  بالمقابل أضحت مصدر قلق و تهديد  بفعل اختراقها للفضاءات الوطنية حيث صارت تمثل تهديدا متزايدا للأمن السياسي و الأمن المجتمعي  عموما ، وعلى هذا النحو فقد ساقت ظاهرة العولمة الإعلامية و الاتصالية تغيرات ونتائج عميقة على الخصوصيات الوطنية سواء كان مصدر الرسائل الإعلامية داخليا أو خارجيا.

و هناك من المفكرين من يدعو إلى عدم  المقاومة  ، بل الاستسلام لقوى العولمة ، إذ يرى جيمس روزنو        J.Rosneau  أنه ينبغي التمييز بين مرحلتين من السياسة العالمية ، فقد تركت البشرية عصر السياسة

الدولية خلفها ، فالدولة الوطنية هيمنت على المشهد العالمي و احتكرته ، والآن بدأ عصر “ما بعد السياسة الدولية ” الذي يجب فيه على ممثلي الدولة الوطنية أن يقتسموا المشهد مع المنظمات الدولية ، و الشركات

و مؤسسات  الاعلام ، و يشاطره الرؤية المفكر “هيلد” D.Held   الذي يعتقد بدوره ، أنه ينبغي أن تُفْهَمَ السيادة اليوم على أنها قوة مفصومة  ،   كما ينبغي إدراكها على أنها مقسمة بين سلسلة من الممثلين الوطنيين و  الدوليين .(33)

 و يقرر من جهته  كينيشي أما Kenichi  ohmae في كتابه الشهير ، “عالم بلا حدود : الجغرافية السرية للاقتصاد المعاصر ” بأن الدولة الوطنية بمكوناتها القيمية و السياسية تتحول بشكل تدريجي من متغير مستقل إلى متغير تابع ، وهي بالتالي لم تعد ضرورية لتنظيم النشاط الإنساني ، فالعولمة صارت تشكل تحديا كبيرا لسيادة الدولة و مكوناتها الثقافية الاقتصادية و السياسية و الأمنية.(34)

لقد أصبحت بعض وظائف الدولة تنتقل في ظل العولمة إلى أعلى أي مؤسسات فوق قومية (قوى العولمة) وبعضها الآخر إلى الأسفل ، أي المنظمات و البنى التحتية (مجتمع مدني ) فالدولة صارت تتعرى ويتم تجريدها من الفعل السياسي الدولاتي ، و تنتهك ثقافيا ، و تخترق أمنيا.(35)

وهكذا تجد المجتمعات – بمنظوماتها السياسية الاقتصادية والأمنية – نفسها أمام مأزق التفكيك والاختراق

و الاستقطاب من قبل قوى العولمة  ولاسيما الفواعل الاتصالية المعلوماتية و الإعلامية ، و لعل أبرز من عبر عن هكذا وضع عالم الاجتماع الأمريكي دانيال بال D.Bell  في مقولته الشهيرة :”الدولة أصبحت أصغر من أن تتعامل مع المشكلات الكبرى ، و أكبر من أن تتعامل بفعالية مع المشكلات الصغرى في ظل العولمة .”

The state was becoming too small to hanlereally big problems and large to deal effectively with small once.

و مع ذلك تبقى رؤى ونظريات العولمة تحتكم إلى الفكر الواحد الاقصائي pensée unique  و هو ما يجعل البعض منها غير مقنعة و غير عقلانية ، بل وكما يقول أمارتيا سان Amartya Sen  أن العالم اليوم يزخر بنظريات ساذجه بل وحتى “وقحة” والتي دوما ما كان لها حظ الجذب الفوري و التأثير المدّمر ،لأنها لا تحتاج إلى عقل ناضج بالمفهوم المعرفي لا البيولوجي ، وبالتالي لا تتطلب عملية ذهنية مركبة للفهم و التدقيق ،  مما يجعلها تتمتع بسلطة قوية في توجيه سلوك الأفراد و الجماعات و يجعلها في ذات الوقت تتمتع بحظوة التطبيق الثائر .

وإن هذه السلطة القوية “الرابعة” لا سيما ما يعرف بالإعلام السياسي أضحى مصدر قلق وهاجس لما يمثله من تهديدات على الأمن السياسي  و المجتمعي ، من خلال ما يُسوّقه من أخبار و قيم ورموز مؤثرة في الرأي العام عموما ، و النخب وكذا الطبقة السياسية .

و يبدو أن مفهوم أمن الدولة في الوقت الراهن لم يعد يستجيب للأطر التقليدية الضيقة التي تحصر التهديد الأمني في الجانب العسكري ، بل تتعداه إلى فواعل و مصادر تهديدات أخرى جديدة ، وهو ما يكتنف طبيعة الفواعل المعنيين بالأمن ، وينسحب الأمر كذلك على مدى ملاءمة البنى التقليدية للعلاقات الداخلية ، وحتى بين الدول للقضايا  الأمنية المستجدة .

وفي هذا المضمار يقول بلادوين D.Bladwin  :”يبدو بأن حقل الدراسات الأمنية ومنذ مدة كان مجّهزا مفاهيميا بشكل سطحي لا يسمح له بالتعامل مع متغيرات عالم ما بعد الحرب الباردة ، وذلك لضيق مفهوم الأمن الذي كان متداولا” (36) ومن جهة ثانية يظهر الاعلام السياسي اليوم وأنه بصدد تجاوز أبعاده المهنية الصرفة وكذا الموضوعية المتعارف عليها ، بل وحتى أبعاده الأخلاقية Déontologique  طالما أنه أصبح إعلام “فتن” و”تحريض” و”تهويل” وزرع الا استقرار Destabilisateur  للنظم السياسية و الاجتماعية ، ما جعله ضمن مجموع الآليات أو المصادر العصرية للتهديد الأمني وبامتياز، بالنظر إلى القدرة العالية التي تتركها صناعة الخبر والصورة.

فلم يعد الاعلام قائما بوصفه  “مرآة” للواقع أو القائم بدور “الناقل الموضوعي ” لما يجري في الحياة الواقعية ، بل إن الآليات و الشروط و القيم المتحكمة في صناعة الخبرية في وسائل الاعلام الجماهيرية تؤدي بحكم تركيبتها وأنماط تفاعلاتها إلى إنتاج الرسائل الإعلامية المضللة أو التبسيطية أو الموجهة ، إن عملية تمثيل الواقع إعلاميا تشبه عملية رؤية الأمور من إطار الشّباك ، فصورة الواقع من  الشبّاك تبدو حقيقية لكنها أيضا مهما بدت حقيقية فهي محدودة  بأبعاد إطار الشبّاك وبزاوية الرؤية التي يوفرها ، ما يعني أن ما نراه من خلال هذا الإطار، و مهما اقترب من حقيقة ما هو خارج الإطار ، سيختلف بأي حال عما يمكن أن نراه لو كنا في وسط المجال الخارجي الذي يظل عصيا على استيعابه كما هو، لأن رؤيته تظل مشروطة بمكاننا منه ، وبمدى رؤيتنا ومدى صفاء تلك الرؤية.(37)

لقد أخذت وسائل الاعلام تنأى شيئا فشيئا عن وظائفها التقليدية المعروفة المتمثلة في الوظيفة الإعلامية الخبرية و الوظيفة التفسيرية و كذا الوظيفة التعليمية التثقيفية فضلا عن وظيفة التسلية ، وهي وظائف عهدها عليها المتلقي منذ نشوئها .(38)

إن الاعلام السياسي صار شبيها بالآلة الحربية، بالنظر إلى الوظائف و المهام الذي بات يضطلع بها في خلق بؤر التوتر و التشويش ، و التدخل السافر في شؤون السياسية و المجتمعية للدول .

إن الأبعاد التي أخذتها العولمة الإعلامية لم تتوقف عند هذا الحد ،بل تعدته لتصبح أحد أدوات بث الفتن

و الحروب ، و مؤججة  للنزاعات بدلا من أن يكون دورها الأساسي هو مساعدة الشعوب على التخلي عن العنف و الصدام ، حيث أن أغلب وسائل الاعلام تحولت إلى قاعات للعمليات تتمثل مهمتها الرئيسية في إشعال الحروب ، و العمل على عدم إطفائها و الإبقاء على حالة التأزم ، ومن ثم تخلت عن قيم السلام و التواصل التي كان من المفروض على الميديا أن تقوم بها ، وذلك بسبب ابتعاد المنظومة الإعلامية عن رسالتها المبدئية ، وكذا عدم احترافيتها بشكل يجعلها تضطلع بوظيفتها على أكمل وجه من جهة ، و من جهة ثانية انخراطها في استراتيجيات سياسية و فكرية تهدف كلها إلى إحكام سيطرتها على العالم بواسطة خلق حالات التشويش.(39)

إن العديد من حالات الااستقرار و التوترات و الفوضى و حتى النزاعات التي تبرز على الساحة الدولية لا تبتعد في جذورها عن الدعاية الإعلامية المغرضة و المضللة التي تتفنن المصادر و القنوات الإخبارية اليوم في صناعتها ونشرها و هو الأمر الذي سنحاول الوقوف عليه خلال الفصل الموالي .

المحور الثالث : الفجوة الأمنية في ظل الاعلام السياسي : مقتضيات الإصلاح و التحيين .

من خلال المحاور السابقة يبدو جليا أن ثمة علاقات ارتباطية Correlation  بين النظم السياسية و النظم الإعلامية باعتبار الأخيرة القناة الرئيسية لتداول المعلومات في المجتمع ، ومن ثم كان لكل نظام سياسي على مدى التاريخ نظامه الاتصالي الإعلامي ، حيث أن تطور النظم السياسية في اتجاه معين يؤدي إلى تطور نظم الاتصال و الاعلام ، وتتجه معظم النظم السياسية إلى التحكم في تداول المعلومات السياسية في المجتمع ، وإن اختلفت مستويات وأساليب هذا التحكم و مبرراته .

ومن الواضح أن التحكم  Control في المعلومات يعد من وجهة نظر القائمين على السلطة السياسية و مؤسسات الحكم بمثابة عنصر من عناصر القوة السياسية و حتى الأمن الوطني ، حيث أن هذا التحكم يتيح هامشا للحركة

والقدرة على المناورة السياسية  واتخاذ القرار ، و حتى في تحقيق الأمن الوطني ، و يقدم لنا التاريخ السياسي للنظم نماذج عديدة لأساليب الرقابة و التحكم في تداول المعلومات السياسية و الأخبار إلا أن التطور الهائل في تكنولوجيا الاعلام و الاتصال قد أضعفت  من “كفاءة ” التحكم هاته التي عهدتها النظم السياسية فلم يعد بمقدورها حجب المعلومات  و الخبر عن التداول الاجتماعي ،فإذا كان التساؤل في الماضي يدور حول الحد الأدنى من المعلومات و الأخبار التي يجب أن تتاح  للمواطن العادي أو للمجتمع لكي يكوّن رأيه اتجاه المسائل السياسية، فإن التساؤل الآن الذي يجب أن يعيه القائمون على النظم السياسية هو كيف يستطيع الاعلام الوطني أن  يضمن كفاءة وجود ة  المعلومة والخبر مقارنة بوسائل الاعلام الخارجية ، في ظل انسياب المعلومات التواصل الفوري ، وكلها تقع ضمن أبجديات  تحقيق المصداقية للنظام السياسي الوطني وفي الوقت نفسه تتعلق المسألة بمدى تجسيد مناعة أمنية وطنية ذلك أن المعلومة و الخبر صارا مّصْدَرَيْن للتهديد الأمني .

وما يجعل المعلومة و الخبر اليوم مصدر للتهديد يتجلى في صناعة المعلومات بحد ذاتها ، فكما يقول كارل دويتش K.Deutch أن المعلومات المنقولة ليست هي الأحداث كما هي ولكنها علاقة مكيفة وفقا لنموذج معين يربط بين عناصر الحدث ، ومن ثم يمكن أن نتصور وجود نماذج عديدة  من المعلومات تنقل لنا حدثا واحدا.(40)

هناك من يرى أن الاعلام والرأي العام يُعَدّان من ركائز تحقيق الأمن القومي، حيث تزداد الدولة أمانا بازدياد

قوتها  وقدرتها على تأمين حدودها ، بتوفير الوسائل العسكرية و الدفاعية لصد الهجمات الخارجية و أيضا إشباع الحاجات  الاقتصادية و الاجتماعية لشعبها ، حيث تستمد الدولة  قوتها تلك حسب ما يراه “كار”Caar  من ثلاثة  عناصر وهي : القوة العسكرية ، القوة الاقتصادية ، وقوة السيطرة على الاتصال و الرأي .(41)

بات الاعلام السياسي في ظل الثورة الرقمية يشكل هاجسا أمنيا على المنظومات الأمنية في ظل تعدد وسائل الاعلام و الاتصال ، حيث انكسرت القيود الإعلامية واحتكارات البث و الاتصال ، لاسيما مع شبكات التواصل التي أحدثت انسيابا وتدفقات مكثفة و حرّة للمعلومات و الأخبار و فرضت نوعا من الانكشاف** و الشفافية المحتومة أو القسرية على النظم و الظواهر و الأحداث.

إن  هذا التدفق و الانسياب الإعلامي الذي تجاوز قيود الزمن و الجغرافية بات يحرج و يفضح كافة الأنظمة  السياسية المتقدمة منها أو النامية لاسيما هذه الأخيرة المتسمة بالضعف و الانغلاق التي باتت أكثر عرضة للانكشاف و الاهتزاز على غرار الدول العربية .

لقد أصبح الاعلام صناعة قائمة بحد ذاته بالنظر إلى الإمكانات و التقنيات و البرامج التي تحوزها ، حيث أضحى الحديث عن إمبراطوريات إعلامية بإمكانها تقويض النظم الأمنية و السياسية مهما بلغت قوتها ، حيث أضحت مثلا وكالات الأنباء مصنع للأخبار في العالم تستخدمها الدول ، فهي مؤسسات كاملة واحتكارات دولية لا يستهان بها تستخدمها الدول الكبرى في تنفيذ سياستها نشرا هجوما و دفاعا و دسائسا ، فهي السلاح الرابع بعد أسلحة البر و الجو و البحر .(42)

ومنذ تسعينيات القرن المنصرم ظهرت الوكالات الإعلامية و القنوات المرافقة للآلة الحربية والمصاحبة للنزاعات عبر العالم على غرار قوى البث التي تحتكرها قناة CNN   و  CBC نيوز الأمريكيتين و وكالة الأخبار البريطانية Reuters  و الوكالة الفرنسية AFP  ووكالات صحفية مثل Freedom group ، و القناة الروسية

RTV  و غيرها من كبريات المؤسسات الإعلامية العالمية المؤثرة في الرأي العام العالمي و في السياسات الوطنية .(43)

إن المتمعن في الميديا العالمية يقف على جملة من الحقائق و من بينها اعتماد الابهار و الصخب و المؤثرات القوية التي تعمد أساسا إلى قتل  روح النقد لدى المتلقي ، و تجعله يستقيل فكريا من عملية المقاومة أو القدرة على الاختيار بين ما ينفعه  و ما يضره ، بحيث أن أكبر إعلام في العالم هو الأمريكي يركز من خلال قنواته مثل CNNوFox News   وCBS وغيرها  على تحويل الوظيفة الإعلامية البناءة إلى مجرد أداة لخدمة استراتيجية المبنية على الهيمنة و السيطرة و تحوير الآخر بقوة .(44)

ففرض النموذج الأمريكي لم يكن فقط  بفعل السيطرة العسكرية و الاقتصادية أي القوة المادية ، بل كان أيضا بواسطة القوة الناعمة Soft Power  ، وذلك من خلال تقديم منتوج اعلامي فكري ، يعمل مع الوقت على استمالة العقول و التحكم عن بعد في صناعة المعلومات واحتكارها ، ولتجسيد ذلك تستخدم حوالي 100 قمرا صناعيا عسكريا و 150 قمرا صناعيا آخر مدنيا ، من خلال نظام التحديد الشامل GPS و هو ما مكنها من السيطرة على الفضاء ، و حتى مجال تطبيق الشرعية الدولية تضع له وسائل الاعلام الأمريكية حدودا مثل حملة “الشرعية ” التي قادتها قناة CNN  أثناء غزو العراق سنة 2003 وهو ما يعبّر عن الانتقائية و المعايير المزدوجة التي يتعامل مع مثل هذا الاعلام  و هو ما يذهب إليه نعوم تشومسكي الذي يرى :”أن العولمة هي التوسع في التعدي على القوميات من خلال الشركات العملاقة ، يحركها أولا الاهتمام بالربح و تشكيل الجمهور وفق نمط خاص ، بحيث بات الجمهور يُدمن أسلوب حياة قائمة على حاجات مصطنعة مع تجزئة الجمهور ، حتى لا يدخل الجمهور الساحة السياسية و يزعج أو يهدد نظام القوى و السيطرة “.(45)

وإن النظم السياسية في حالة قيامها بإجراءات أو محاولة فرض الرقابة و التحكم في تداول المعلومات، تواجه بقيد معنوي وهو مبدأ حرية الاعلام ، أو تتهم بانتهاك حق من الحقوق الأساسية للمواطن – في الاعلام – التي كفلتها المواثيق الدولية ***. و حتى في المجال الحربي الاستراتيجي أضحى التفوق العسكري لا يخضع فقط للآلة الحربية ، بل إلى المعلومة Information  و المعطى DATA  في ظل التطور الكبير في تكنولوجيا الاعلام  و الاتصال NTIC  التي باتت هي الفاصل في المعارك ، أو ما يطلق عليه برقمنة فضاءات المعارك

Numérisation des champs de Batailles  وكذا تطوير المعارف الاتصالية للمقاتل .(46)

إن التطور التكنولوجي المذهل الذي يعرفه العالم اليوم برزت في طياته أشكال وأنماط جديدة من النزاعات ، بل و من الحروب على غرار الحروب الإعلامية Information wars  و الحروب المعلوماتية Cyber Wars

وحروب شبكات  Net Wars  فمثلا تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية ” مركزا تدريبيا ” أو مدرسة لتعليم و لتخطيط  الحروب الإعلامية ، حيث توظّف كتابة الدولة للدفاع حوالي عشرون ألف مقاتل إلكتروني معلوماتي

Cyber Combattants للدفاع عن المواقع الإعلامية وشبكات المعلوماتية الأمريكية ، وكذا مراكز البحث التابعة للدوائر الأمنية و البنتاغون و جهاز المخابرات .(46)

وهي كلها أساليب تهدف إلى تحصين وتأمين الداخل الأمريكي ، و بالمقابل اختراق منظومات الدول الأخرى وليس منا ببعيد فضائح التصنت على المكالمات الرسمية للرؤساء و الوزراء الأوروبيين وحتى من الدول العربية و إيران التي قامت بها المخابرات الأمريكية .

وكان الاعلام السياسي الأقوى حضورا في القرن الماضي من خلال حرب الخليج الثانية في القرن الحالي مع حرب الخليج الثالثة ، أين حشدت الولايات المتحدة ألتها الحربية وأرفقتها بترسانة إعلامية هائلة ، وفرضت مصفاة إعلامية حربية تمر عبرها كل وسائل الاعلام الأمريكي حتى لا تتعارض مع حملتها الحربية وفرض رقابة شديدة على وسائل الاعلام (47).لقد بلغت قناعة الولايات المتحدة بفعالية وأهمية الاعلام بشكل عام و السياسي بشكل خاص أن صرفت النظر عام 1990 عن المضي في استكمال خطة لتطوير صاروخ ( (MX الذي يكلف 1.8 مليار دولار ، في الوقت الذي قبلت فيه أن تنفق 2.3 مليار دولار على مشروع تطوير أداء إذاعة صوت أمريكا لكي تُسمع في جميع دول العالم بصورة أكثر تأثير ، كما أُطلق على حرب الخليج الثانيةو الثالثة حرب الخطاب السياسي الإعلامي ، أو حرب CNN على العراق .(48)

وكثيرا ما يستخدم الاعلام السياسي طريقة الإغراق بالمعلومات Info-Dumping  حتى لا يستطيع الجمهور المتلقي التمييز بين المعلومات و تشتيت ذهنه ، حيث تعمد هذه الاستراتيجية الإعلامية إلى بث كم هائل من المعلومات والصور و البيانات و الأخبار لإغراق المتلقي .

إن مكامن الخطر و التهديدات الأمنية التي تتعرض لها الدول النامية و من ضمنها العربية ، تأتي من قوة الاعلام الأجنبي وضعف الاعلام المحلي .إن قوة ثقافة المعلومات للبلدان الصناعية و ما بعد الصناعية  تشكل تهديدا مباشرا ورئيسيا للبلدان النامية من خلال وسائل الاتصال ، على غرار أن الولايات المتحدة وأوروبا تنتجان معظم المعلومات العالمية ، وحتى فترة قريبة كانت البلدان النامية محمية من أثر المعلوماتية ، أما اليوم فإن إعادة الإنتاج غير المكلفة و النقل السريع قد وضعا البلدان النامية وجها لوجه مع العرض الغربي الباهر .(50)

إن الأقمار الصناعية و الفضائيات قد قلصت من هيمنة الدول و طمست حدودها ، وقدمت فرصا للرأي العام والمعارضة السياسية و القوى الفاعلة في المجتمع للتحرر  من سيطرة الدولة الإعلامية و من احتكارها للمعلومات و الحقائق الاجتماعية ، زيادة على بروز منظمات غير حكومية تتحرك بفعالية وتضغط على الدول لتحقيق سطوتها في مجال الحريات و حقوق الانسان ، و تحد من قدرة الدولة و قوتها و تجعل مفهوم السيادة التقليدي يضمحل ، لقد جعلت هذه التحولات كل ما هو وطني يتراجع ويتاكل لصالح كل ما هو دولي و عالمي ،فما الذي بقي من مفهوم الامن الوطني في ظل اقتصاد معولم ؟ و سياسة معولمة واعلام معولم ، وهل ما زالت الحاجة للحديث عن أمن وطني . (51)

و من الفرضيات التي قدمها غراهم أليسون G.Allison  حول أثار العولمة في المصالح الأمنية الوطنية أن تفرض هذه الظاهرة تغيرات جذرية في الدول وتؤدي إلى عجز الحكومات الوطنية عن ضبط أمن مواطنيها ، وعدم سد حاجاتهم القيمية ، وتلاشي المنظومات العقائدية و الثقافية بفعل آليات الابهار الاعلامي و التقني

و الثقافي . و يبدو أن عدم كفاءة الاعلام الوطني أو استطاعته و قدرته في تلبية الحاجة الإعلامية يؤدي بالضرورة بالرأي العام  الوطني أو الجمهور المتلقي إلى التعرض للإعلام الأجنبي للسبب المذكور آنفا ،و أيضا قد يكون لفقدان الثقة في الاعلام الوطني و تقلص هامش حركة وحرية هذا الأخير في النظم السياسية المغلقة و المستبدة ،و بالمقابل تمتع الاعلام الغربي بحرية واسعة و قدرات عالية في تغطية الأحداث و المستجدات أو ما يطلق عليه إعلاميا فورية المتابعة الإعلامية Immediacy of information  .

على الرغم من التقنيات الحديثة المستعملة في الاعلام السياسي من ممارسات تضليلية لا سيما في الدول القوية الموجّه نحو الدول الضعيفة من خلال تقنيات و أساليب إثارة الرعب و التخويف panic mongering , ونشر الأخبار الكاذبة و التهويل و إثارة عواطف الجمهور, و التركيز على الجوانب الدرامية للأحداث  وأخبار  التلفيق و الاتهام و الفبركة السمعية البصرية, و الاستعانة بالرموز, و النظرة التجزيئية Fragmentation  وحصر المشكلات في بؤر معينة focalized view وغيرها من التقنيات التي يتفنن في استعمالها الاعلام الغربي, كل هذا لا يعفي المنظومات الإعلامية الوطنية من مسؤولياتها اتجاه دولها و اتجاه المنظومات الأمنية الوطنية التي تنتمي إليها.

إن ضعف أو هشاشة المنظومات الأمنية للدول  النامية ومنها الدول العربية, لا يمكن بأي حال إيعازه أو تبريره فقط بسطوة العولمة و إعلام الدول الكبرى, ولكن يجد تبريره أيضا في ضعف المنظومات الإعلامية الوطنية بل و حتى ضعف النظم السياسية العربية بحد ذاتها.

فكثيرا ما كرس الاعلام العربي صورة أصلية من النظام السياسي, أي يؤدي إلى انتاج ما يُعرف إعلاميا بالاتجاه السائد Main stream الذي يقوم على مطابقة الأجندة الإعلامية بالاجندة السياسية وذلك إلى وقت قريب.

في كتابه الصحافة العربية صنف ويليام روغ W.Rugh  الاعلام العربي ضمن نظرية السلطة, وفي أبسط صورها ترى أن الاعلام خاضع للسلطة ينطق باسمها ويعمل بتوجيهاتها, ويقدم وجهة نظرها عكس الاعلام الليبرالي أو اعلام الحرية الذي يقوم على أساس أن الاعلام سلطة رابعة رقابية يعتمد العقلانية و يوجه النقد للحكومات, وقد وجد ويليام روغ ” فروقا طفيفة في الدرجة لا في النوع بين أجهزة إعلام الأقطار العربية في وقت سابق للثورة الرقمية حيث صنف الاعلام العربي إلى ثلاث درجات: الاعلام الموالي loyalist  , كما في الأنظمة الملكية, و التعبوي Mobilization  كما في الأنظمة الجمهورية, و الاعلام المتنوع Diversified   الذي يقدم الحدّ الأدنى من حرية الرأي كما في الصحافة اللبنانية و الكويت آنئذ, غير أن ذات الباحث أصدر كتابًا آخر بعد ربع قرن بعنوان الاعلام العربي بعد الثورة الرقمية, حيث أبقى على الدرجات الثلاث السابقة, لكنه أجرى مناقلات بين أقطار عربية حيث تغير إعلامها وتطور نسبيًا, فجاء بدرجة رابعة هي الاعلام الانتقالي Transitional   والذي من خصائصه أنه يسمح بسيطرة حكومية في ذات الوقت تظهر فيه درجة من حرية التعبير و التنوع.(52)

لقد ألغت أنظمة الحكم العربية الدولة كمؤسسة و المجتمع كهيئات و منظمات, فسادت ظاهرة شخصنة النظام وترسخت أنظمة ليس فيها مساحة للتفكير و الحرية وصنع القرار سوى لشخص واحد أو للحزب الواحد, كما تمثلت المهمة المركزية للأنظمة العربية في الحفاظ على وجودها و ضمان إنتاج ميكانيزمات السلطة التي تضمن استمراريتها, وأتقنت فن البقاء بالاعتماد على جهازين رئيسيين: جهاز القمع الذي يضمن السلطة للنظام, و الجهاز الثاني هو جهاز الاعلام الذي يعطي للقمع مشروعيته, وحرصت هذه الأنظمة على منع النظرة العقلانية للواقع الموضوعي و معطياته, ومنعت بإصرار عملية البحث هن الأسباب الكامنة وراء المشاريع الفاشلة و الهزائم المتلاحقة , وحرصت على تكريس نزعة نرجسية و عزو أسباب الفشل إلى أسباب خارجية, وتم استغلال هذه الأسباب و المخاطر الخارجية لإحكام القبضة السياسية و الاعلامية و القمعية على الشعوب.(53)

وقد بررت الدول العربية سيطرتها على وسائل الاعلام بالظروف الوطنية والقومية, وبمتطلبات التنمية وبمستلزمات درء التهديد الخارجي, وسد الثغرات الأمنية وغيرها ن المبررات, وبدى جليًا أنها لم تكن مستعدة لما سيأتي لاحقا من ثورة رقمية امتدت لتتجاوز الحدود وجدران السيادة الوطنية وحتى الأبنية و المؤسسات السياسية, وأصبحت المعلومة حرة طليقة متاحة تتجاوز عقبات وترسبات ” الرقابة ” و “التحكم ” و “السرية “, مما فرض على الدول العربية جبرًا و قسرًا تحرير الاعلام  وتم ذلك أحيانًا بصفة جزئية و أحيانًا  بصيغة ” فوضوية ” قد تهدد هي الأخرى المنظومات الأمنية العربية ، طالما أن هناك من يقول أن الفارق الزمني بين الغرب و الشرق قد أوجد فجوة علمية ثقافية و إعلامية فتعزز عند الغرب ” المنطق العقلي التحليلي البارد ” – على حد تعبير الباحث عصام سليمان – مقابل ” المنطق الشفهيالعاطفي ”  عند العرب ؛ زيادة على كون المنطقة العربية خاملة علميا.وعلى صعيد  وسائل التواصل الاجتماعي تحديدا ارتبط بروز الاهتمام بدورها السياسي و الأمني بمنطقة الشرق الأوسط ، و بدأ ذلك عقب انتخابات الرئاسة الإيرانية عام 2009 ، و سميت ثورة تويتر Twiter ، غير أن ذروة الاهتمام إعلاميا جاءت في سياق ما يعرف بثورات ” الربيع ” العربي نهاية سنة 2010 و التي وصفت بثورات” الفايسبوك  و التويتر و اليوتيوب ” حيث شكلت هذه الوسائل الاتصالية الإعلامية مصادرا جديدة للمعلومات و الأخبار و التواصل غير خاضعة للرقابة الحكومية (54).

وتعد دراسة كريستوفر كيدزي Christopher Kiedzie أولى الدراسات التي تناولت العلاقة بين ثورة المعلومات وظاهرة التحول الديمقراطي ، حيث أشارت الدراسة إلى التحولات العميقة التي أحدثتها الثورة الرقمية على صعيد الأبنية الاجتماعية و السياسية وانتشار الوعي  السياسي و الحقوقي بين أفراد المجتمع و تنظيماته (55).

لقد تسببت تكنولوجيا الاتصال في اختراق السيطرة الرسمية هو ما يشار إليه بالحتمية التكنولوجية Technological Determinism   ، وحدث هذا حينما أرغمت الثورة الرقمية الحكومات على التوقف عن ممارسة الرقابة ، لقد زادت الضغوط التي فرضتها العولمة باتجاه الإصلاح السياسي و الاجتماعي تحت ضغوط الرقمنة  و الحتمية

التكنولوجية . وفي هذا الصدد يقول مراقب أكاديمي في معرض تعليقه على عمليات الإصلاح التي أجرتها العديد من الأنظمة العربية :” لا يمكننا المكابرة و تجاهل ما حدث مؤخرا في أكثر من بلد عربي ،  واعتباره حالات طبيعية كان  يمكن أن تحدث دون ضغوط خارجية “(56).

و أمام هكذا وضع ازدادت قوة الحقوق المعنوية التي يتمتع بها المواطن في هذا العصر مقارنة بالمرحلة السابقة ، فلم يعد يُتمَسَك اليوم بحق الرأي وإنما يُتَمَسَكُ بحق الاتصال ، بمعنى حرية تداول المعلومات من أسفل إلى أعلى ، ومن أعلى إلى اسفل، الأمر الذي يجعل من التعامل الاتصالي الإعلامي القائم على الحوار و الاقناع ضرورة من ضروريات الممارسة

السياسية في عالم اليوم ، كبديل عن أساليب العنف و الرقابة و الحجب ، فلم يعد النظام السياسي

قادرا على إخفاء المعلومات لأن ما يخفيه بالداخل يمكن الحصول عليه من الخارج :بل أصبح مطلبا بمصارحة المواطنين و المجتمع و الاصغاء لأراءهم و مشاركتهم في القرارات .

إن النظم السياسية في حالة قيامها بمحاولة فرض الرقابة أو التحكم في تداول المعلومات (مثلا : منع الفايسبوك في الصين أو حجب بعض المواقع الالكترونية عند بعض الدول ) قد تواجه بقيد حقوقي أو معنوي وتنتقد من باب حرية الاعلام و الحق في الاتصال ، و بالتالي فهي تعيش بين هذا القيد وبين بعض  ضرورات “الخصوصية القومية ” أو “الأمن المجتمعي” أو ” الضرورات الوطنية و القيمية ” مما يجعلها تتخبط في معضلة حقيقية لاهي قادرة على الانغلاق ولاهي قادرة أو على الأقل مستعدة على الإنفتاح .

و بالرغم من ضرورة الغاء كافة القيود على تداول المعلومات في المجتمع إعمالا لحق الانسان في الاعلام و الاتصال إلى أن المجتمع بحاجة إلى ما يمكن أن نطلق عليه – بعض القيود الحميدة التي تمثل سياجا لحماية المجتمع من التهديدات الناتجة عن عولمة الاعلام و الاتصال على غرار تهديد الهوية الوطنية و التهديد الاقتصادي و السياسي و الأمني (57) .

إن التدفق الإعلامي المعولم  يشكل تحديا قويا لاعلام الدولة العربية ، و السبيل الوحيد لمواجهة هذا التحدي لا يتمثل في رفع شعارات “الغزو الإعلامي ” و “انتهاك السيادة الوطنية ” و ” المؤامرة الخارجية ” و غيرها و بالتالي الحديث عن الانعزال و اغلاق النوافد و الأبواب ، بل من الضروري مواجهة هذا التحدي و التفاعل معه و مراجعة السياسات الاعلامية السابقة التي دمرت الاعلام الوطني و أوجدت التربة المناسبة و الظروف المواتية لتعاظم قوة التدفق الإعلامي الخارجي ، و الوصول بعد ذلك إلى تقديم خطاب إعلامي وطني يستجيب لواقع الوطن و لمصالح الشعب و لقوانين الإعلام و نظرياته ، و يستطيع أن يكون وطنيا  و قوميا و إنسانيا في آن واحد (58).

خاتمة:  

يمكن الإقرار بأن عولمة الاعلام السياسي قد وضعت الدول النامية ومن ضمنها العربية على محك معضلة أمنية  شائكة بالنظر إلى قوة التوغل و الاختراق التي تتمتع بها وسائل الاعلام الجديد المعولم ، و التي باتت تشكل هاجسا أمنيا يصعب مواجهته ، ومع ذلك فإن تحصين  المنظومات الأمنية الوطنية  لا يمر بمواجهة هذه التدفقات الخارجية فحسب ، وإنما يتطلب أيضا  إصلاح عميق للنظم الإعلامية وجعلها تستجيب  للقضايا المجتمعية و تتفاعل معها ، و الأمر ذاته  ينسحب على النظام السياسي الذي ينبغي عليه تحيين خطاباته وجعلها أكثر واقعية وتفاعلا مع المجتمع و المواطن ، وتجاوز لغة الخشب و نظريات المؤامرة ، وتحرير الاعلام و الاتصال في ظل ضوابط احترافية مهنية ة أخلاقية ، حينذاك سيصبح الاعلام السياسي نظاما فرعيا من النظام السياسي و الاجتماعي ويسهر على شاكلة الجيوش النظامية على حماية الأمن الوطني .

قائمة الهوامش:

(1) حسن عثمان ، نادية  جبر عبد الله ، العولمة و سيادة الدولة الوطنية ، الجزائر : دار الهدى للنشر و التوزيع ، 2004 ، ص ، 09 .

(2) Paquin  Stephane , Economie Politique Internationale , Bruxelles :Editions Montchrestion ,

2005 ,p,21.

(3) السيد ياسين ،في مفهوم العولمة ، العولمة و العرب ، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية ،1998،ص،26.

(4) عبد الله عبد الخالق ، العولمة السياسية ، المستقبل العربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، العدد278  ، أبريل

  2002،ص،25.

(5) كامل الخزرجي ، ياسر المشهداني ، العولمة و فجوة الأمن في الوطن العربي ، عمان : دار المجد لاوي للنشر و التوزيع ، 2004 ص،21  .

(6) سمير أمين وأخرون ، المجتمع العربي في القرن العشرين ، بيروت :مركز دراسات الوحدة العربية ، 200 ، ص، 269.

(7) محند برقوق ، العولمة و إشكالية الأمن الإنساني إستراتيجية ،الجزائر : مركز البصيرة للدراسات و البحوث ، العدد12، سبتمبر 2010 ، ص،6.

(8) نادبة مصطفى ، دراسة التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية في القرن المقبل ،رابطة الجامعات الإسلامية ،1998 ، ص ص،50 -51 .

(9) عبد النور بن عنتر ، البعد المتوسطي للأمن الجزائري ، الجزائر : المكتبة العصرية للطباعة و النشر ،2005 ، ص13، .

(10) ساندرين ليفانس “البعد الصحيح حيال التعامل مع العنف ” ( ترجمة : حمدي الزيات ) مجلة العلوم الاجتماعية الصادرة عن منظمة اليونيسكو ، العدد 174 ، ديسمبر 2002 ، ص، 45.

(11) David Charles Philippe , La Guerre et La Paix , 2 endt , paris : presses de science po ,2006 , pp,46 – 48 .

(12) Barry Buzan people ,state and Fear : an Agenda For International Security Studies in Cold War ,lynner publishers 1991 , p17.

(13) J.A .Tickner “ Revisioning Security “ In Ken Booth and Steve Smith (eds) International Relation Theory Today ,cambridge polity press ,1995 ,p,183.

(14) Mohamed Ayub ,”The Security Problematic of Third  World “ world politics N 2, junuary 1991,p,86.

(15) Abdul Moomen ALMACHAT National Security  , calorado : west view ,Replica Editions , 1985 , p, 20.

(16) Taylor Owen ,Human Security : conflicts critic and consensus , Security dialogue , vol 35 ,N 3 , p, 381.

(17) عامر مصباح ، الأمن المجتمعي في تشكيل العلاقات الدولية الجديدة ،القاهرة : دار الكتاب الحديث ،2015 ،ص ص14- 15.

(18) الموسوعة الحرة ويكيبيديا باللغة العربية.

(19) ياسر قطيشات ، ” سيكولوجيا تأثير الاعلام المعاصر في السياسة الدولية “، المنبر ،  العدد32 ، نوفمبر2009 .

(20) يحي اليحياوي ،” في تجاذبات العلاقة بين الاعلام و الاتصال و السياسة ” مركز الجزيرة  للدراسات 2014 ، على الرابط

www. Aljazeera.Net

(21) محمد البشير ، مقدمة في الاتصال السياسي ، الرياض : مكتبة العبيكان ، 1997 ، ص،15.

(22) كمال الدين جعفر عباس ، الاتصال السياسي ، دمشق : منشورات المكتبية الإسلامي ، 2004 ، ص ص ، 42- 41 .

(23) Jurgen Habermas , Structural Transformation of The public sphere Cambridge :Mit press ,

1989 , pp, 170 – 175.

(24) Jennings Brayan , Susan Thompson , Fundamentals of Media effects , New Y ork : Mc Graw Hill , 2002   ,p,308.

(25) محمد علم الدين ، “وسائل الاعلام و الاتصال في عصر    المعلومات ” الوسائل و السمات مجلة النيل ، القاهرة : وزارة الاعلام : الهيئة العامة للاستعلامات ، العدد 70 ، 1998 ، ص ، 70.

  (26) Stanly Hofman ,Clash of Globalization , Foreing Affairs , vol 81, N 4 , july 2000, pp , 104 – 106.

(27) منصف بوزفور ، العولمة و النظم الحارسة ، الجزائر : المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية ، 2004 ، ص 320.

(28) نفس المرجع ، ص ، 262 .

(29) عبد الناصر جندلي ، ” إشكالية تكيّف المنظور الواقعي للعلاقات الدولية مع التحولات الدولية لما بعد الحرب الباردة ” المستقبل العربي مركز دراسات الوحدة العربية ، العدد376 ، السنة 33، جوان 2010 ، ص ، 35 .

(30) عبد الحسين شعبان ، الصراع الايديولوجي  في العلاقات الدولية و تأثيره على العالم العربي ، الاذقية (سوريا ): دار الحوار، 1995 ، ص، 68.

أيضا أنظر مزيد من التفاصيل في : المهدي المنجرة ، الحرب الحضارية الأولى ، مستقبل الماضي و ماضي المستفيل ، القاهرة : مكتبة الشروق 1995 .

(31) حازم الببلاوي ، على أبواب  عصر جديد ، الطبعة 2، القاهرة : دار الشروق 1991 ، ص، 165 .

(32) حازم الببلاوي ، المرجع السابق ، ص، 167 .

(33) أولريش بك ، ما هي العولمة ؟(ترجمة : أبو العيد دودو ) ألمانيا : منشورات الجمل ، 1999 ،ص، 58 .

(34) Kennichi Ohmae ,Géographie Secrete de la Nouvelle économie , (traduit par Michael seache) paris : Edition village Mondial , p, 284.

(35) Richard Higgt ,Globalization and Regionalization , New trends in world politics , the Emarates  center for strategic studies and research , Abu Dhabi , 1998 , p ,13.

(36) David Bladwin  ,”Security and the end of the cold war “ in world politics  (vol N1 , N 48 ? 1995 ° P123.

(37) حارث القرعاوي ، “معالجة نقدية لصناعة الخبر السياسي في وسائل الاعلام الجماهرية “، المستقبل العربي، بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية ، العدد : 393 ، السنة 34 ، نوفمبر 2011 ، ص ص ، 101 – 102 .

(38) للمزيد من التفاصيل أنظر الرابط :

Http :w w w . onthemedia .org /blogs/on –the- Media /2012/ ong /24/Story – times – gory – empire – State .

(39) إسماعيل معراف ، أثر العولمة الإعلامية على المنظومة القيمية ، إستراتيجيا ، مجلة دراسات الدفاع و الاستقبال المعهد العسكري للوثائق و التقويم الجزائر ، العدد 03،2015 ، ص، 149 .

*توصف المؤسسة الإعلامية بأنها نسق فرعي (Sub -Sydtem ) واحد ضمن مجموعة أنساق فرعية أخرى في مصفوفة  تشكل النسق الكلي System  أو الرئيسي للنظام ، وفي العادة يعكس النسق الفرعي خصائص النسق الأم الذي هو مؤسسة الدولة : فتتأثر به و تؤثر فيه ومن ثم فالعلاقة بين الاثنين هي علاقة ترابط و تداخل .للمزيد من التفاصيل أنظر : عصام سليمان الموسى ، الثورة  الرقمية تضع الاعلام العربي على مفترق الطرق ، المستقبل العربي مركز دراسات الوحدة العربية ، العدد 376، جوان 2010 ، ص، 96.

أنظر أيضا :

Steghr w . Jhon , theories of Human communication colombus , ohio , Merril ,1978 ,p,03.

(40) محمد سعيد أبو عامود ” الاعلام و السياسة في عالم متغير ” ، القاهرة : مركز البحوث و الدراسات السياسية ، سلسلة بحوث سياسية  ، العدد 82 ، جوان 1994 ، ص 41.

(41) محمد شومان ، عولمة الاعلام و مستقبل النظام الإعلامي العربي ، عالم الفكر ، المجلد 28 ، العدد 02 ، 1999 ،ص ص  47 – 48.

** على غرار الفضائح السياسية المسرّبة ويكليس

(42) بيار بورديو ، التلفزيون و آليات التلاعب بالعقول ، ( ترجمة : درويش الحلوجي) ط1 ، دمشق : دار كنعان للنشر ، 2004 ،

ص 22.

(43) لمزيد من التفاصيل أنظر : سليمان تقي الدين ، تحولات المجتمع و السياسة و الاعلام ، بيروت : دار الحداثة للطبع و النشر و التوزيع، 2004، ص ص، 156- 160.

(44) إسماعيل معراف ، ” أثر العولمة الإعلامية على المنظومة القيمية ” ، استراتيجيا مجلة دراسات الدفاع و الإستقبالية ، المعهد العسكري للوثائق و التقويم ، العدد03 ،2015 ، ص 150.

(45) نفس المرجع السابق ، ص 151 .

أنظر أيضا : نعوم تشومسكي ، الهيمنة أم البقاء : السعي الأمريكي للسيطرة على العالم ، (ترجمة : سامي الكعكي ) بيروت : دار الكتاب العربي ، 2004 ، ص 113 و ما يليها .

*** على غرار اتفاقية حقوق الانسان لعام 1966 ، الحق في الاعلام و كذا اعلان اليونسكو الصادر عام 1972 حول حقوق اتاحة الاعلام و الاتصال للأفراد ، وهو ذات الإعلان الذي أدان الدعاية المقصورة لتهديد السلم و أمن الدول كما أصدر بندا يتعلق بعدم جواز التدخل إعلاميا في شؤون الدول الأخرى .

(46) Jeffrey Mckittrik ,jams blackwell  ” Revolution in Military Affairs” in

http ://www.airpower .Maxwell .af .Mil / airchronicles / batte / chap 3 .html.

(47) Philippe Richardot , les ETATS unis  hyperpuissance militaire , 20 éditions , paris : ECONMICA , 2005, p ,310.

(48) أنظر مزيد من التفاصيل في : نعوم تشومسكي ، هيمنة الاعلام : الإنجازات المذهلة للدعاية ، ط2 ( ترجمة : إبراهيم الشهابي ) بيروت : دار الفكر 2005.

(49) ياسر قطيشلت ، “سيكولوجيا تأثير الاعلام المعاصر في السياسة الدولية ”  ، مرجع سابق .

(50) أنطوان زحلان ، العرب العلم و الثقافة  ، بيروت : مركز  دراسات الوحدة العربية ، 1988 ، ص 87 .

(51) محمد شلبي ، ” الأمن الوطني في ظل التحولات الدولية الراهنة ” ورقة مقدمة ضمن الملتقى الدولي حول الدولة الوطنية و التحولات الدولية الراهنة لكلية العلوم السياسية و الاعلام ، الجزائر ، أكتوبر 2003 ، ص 164.

**** هي تقنيات عديدة يتم تطويرها و تحسينها باستمرار من خلال الاستعانة بخبراء و أكادميين  في المجال الإعلامي و حتى السيكولوجي للمزيد من التفاصيل  أنظر : بعزيز إبراهيم ، ” تقنيات و أساليب التضليل الإعلامي المعاصرة بين تغييب الوعي و توجيه اهتمامات الأفراد”

مجلة استراتيجيا ، المعهد العسكري للوثائق و التقويم و الاستقبالية الجزائر ، العدد6 ، 2016 ، ص ص ، 59 – 61 .

(52) عصام سليمان الموسى ، ” الثورة الرقمية تضع الاعلام العربي على مفترق الطرق ” المستقبل العربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، العدد 376، السنة 33 ، جوان 2010 ، ص 98.

(53) أديب خضور ، ” التحديات التي تواجه الدولة القطرية العربية واعلامها ” ورقة مقدمة ضمن الملتقى الدولي  حول الدولة الوطنية و التحولات الدولية الراهنة ” الجزائر : كلية العلوم السياسية و الاعلام ، أكتوبر 2003 ، ص ص 187 – 189.

(54) منار الرشواني ، ” الاعلام الجديد و التغير السياسي ” مدونة bloc  صادرة عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات ( أكدال ، الرباط : المملكة المغربية ) مارس 2014.

(55) Christopher Kiedzie, communication and democracy coincident Revolutions and the emergent dictatos (Santa Monica , CALIFORNIA :RAND corporation )19997 , pp,36 -39 .

(56) عصام سليمان الموسى ، مرجع سابق ، ص 99.

***** حق مكفول في المواثيق الدولية و أساسا في اتفاقية حقوق الانسان لعام 1966.

(57) أنظر : محمد سعد أبو عامود ، النظم السياسية في ظل العولمة ، الإسكندرية : دار الفكر الجامعي ، 2008 ، ص ، 248.

(58) أديب خضور ، “التحديات التي تواجه  الدولة القطرية العربية و اعلامها ” مرجع سابق ، ص، 194.

ورقة بحثية مقدمة ضمن الندوة الدولية حول عولمة الإعلام السياسي وأثره على الامن القومي للدول النامية

جامعة ورقلة مارس 2017

بقلم الدكتور: فاروق العربي أستاذ محاضر بكلية العلوم السياسية – جامعة الجزائر 3

EMAIL :Farouklarbi123@gmail.com

TEL :0550068713

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button