المواجهة الإيرانية الأمريكية والفائز اسرائيل

وليد عبد الحي

سلسلة من التهديدات عالية النبرة من ايران ومثلها من الولايات المتحدة، اغتيال لقائد ايراني كبير، ورد ايراني بقصف اكبر القواعد الأمريكية في العراق، وكلٌ يدعي النصر، وبين المتصارعيّن رأي عام عربي منقسم على نفسه لكنه انقسام لا ينم عن ديمقراطية الاختلاف بل هو صورة متجددة للغرائزية المطلقة.
كانت نبرة التهديدات من طرفي المعادلة اقرب للتبجح، وهو أمر مفهوم في إطار الحرب النفسية، وقلت قبل ذلك أن ايران ستضرب وستنفخ في نتائج ضربها لكنها ستعمل على ان تقنع شعبها من ناحية بتوازن الضربة مع خسارة سليماني وبعدم وصول الضرر لنقطة الاحراج القصوى لترامب من ناحية ثانية ، وستتفهم الولايات المتحدة هذا المنحى الإيراني.
وفي خلفية المشهد الأمريكي الإيراني الطاغي حاليا ، هناك اعلان اسرائيلي عن ضم المنطقة ” ج ” من الضفة الغربية والتي تضم 62% من الضفة الغربية من جهة ، ومن جهة ثانية ضم الشريط الفلسطيني من غور الأردن الذي تمثل مساحته حوالي 28% من مساحة الضفة الغربية المحتلة، علما أن اسرائيل تغلق حوالي 55% من مساحته بذرائع عسكرية وأمنية منذ عام 1967 ، ذلك يعني أن اسرائيل ضمت ما مجموعه حوالي ثلاثة ارباع الضفة الغربية ، انه استغلال اسرائيلي هادئ لمشهد صراع دولي اقليمي خطف الأضواء، بهدف تحقيق مكاسب جديدة أو تكريس مكاسب قديمة على حساب اقليم صنفه ثلاثة من ابرز علماء العلاقات الدولية المعاصرين بأنه ” الاقليم السياسي الأكثر اختراقا في العالم “.
وعلى الأرجح فان المواجهة الايرانية الأمريكية لن تقف عند هذه النهاية، فحجم التناقض بين الطرفين يجعل الفتق متسعا على الراتق، فالحصار الاقتصادي الأمريكي والبرنامج النووي الإيراني والعلاقات الاقليمية وشبكة التحالفات الدولية لكل منهما والضغائن التاريخية والمنظور الديني في مواجهة المنظور البراغماتي يجعل الأمر لا ينتهي بجولة او جولات بدأت منذ اربعين عاما.
ما هو الهدف ألاستراتيجي لكل من طهران وواشنطن ؟
أرى ان ايران تسعى وبدون هوادة لكي تكون المركز الاقليمي للشرق الأوسط(الدولة المركز)، وتوظف هذا المركز لمصالحها، ولتحقيق هذا الهدف لا بد لها من أن تنخرط في تعقيدات المشهد الاقليمي، وترى القيادة الايرانية ان تحالفاتها الإقليمية الحالية هي الأنسب – رغم كل اعباء هذا التحالف- لتحقيق هدفها الجيواستراتيجي، ومن هنا نفهم الاصطفاف الخليجي الإسرائيلي الأمريكي وبعض الأوروبي ضدها ، و يقابله الفريق الروسي الصيني الإيراني السوري وبعض الفلسطيني.
تدرك إيران ان تركيا وإسرائيل- بعد اخراج السادات ومن تلاه لمصر من مركزها الاقليمي – لهما مكانة في البناء الاستراتيجي الغربي في الشرق الأوسط يعلو على مكانة إيران لأسباب كثيرة ، ويبدو أن النخبة الإيرانية الحاكمة تدرك أن عضوية تركيا في حلف الاطلسي بخاصة إذا تمدد الأطلسي للشرق الاوسط طبقا لما اعلنه ترامب في خطابه الأخير بعد ضرب عين الاسد، وهو تذكير بما قرره الناتو في مؤتمر براغ عام 1993 بالتمدد شرقا وجنوبا_ أي الشرق الأوسط .ولا شك أن تحقيق مكانة استراتيجية اقليمية في حال تحققها تجعل حصد المكاسب الاقليمية والدولية قابلة للتحقق لمن يصل الى هذا المركز- أي عاصمة الاقليم الشرق أوسطي-.
ذلك يعني ان المواجهة لم تنته، وكل من الطرفين لديه بعض القناعات بأنه حقق اهدافا تغريه على استمرار الالتزام بقواعد اللعبة المستقرة منذ 40 عاما على النحو التالي:
أ‌- تعتبر إيران أن الموضوع الفلسطيني هو نقطة العبور للميدان العربي وفتح الأفاق لتكون المركز ، ومن هنا تكثف تنافسها وصراعها مع اسرائيل والولايات المتحدة في هذا الاتجاه، وعليه فركيزة ايران هي الموضوع الفلسطيني استنادا لتصور –منذ الخوميني- أن التمدد في الشرق الاوسط يمر عبر الموضوع الفلسطيني.
ب‌- أما تركيا فترى ان الوزن الشعبي للاخوان المسلمين بشكل خاص والاسلام السياسي بشكل عام هو مفتاح النفوذ فولجت من بابه ، لكن التعثر في النتائج بعد الانقلاب المصري العسكري هو ما يفسر هذه المراوحة التركية بين أنها تتصادم مع الأمريكيين في الشأن الكردي وتنسق معهم في ارباك الدولة السورية، وتشتري سلاحا استراتيجيا من روسيا وتتشابك مع روسيا في ليبيا وتنسق معها في سوريا، وتفتح ذراعيها لحماس من ناحية بينما هي الشريك التجاري الأول لاسرائيل في الشرق الاوسط برمته.
ت‌- أما اسرائيل فهدفها هو توسيع قاعدة الاعتراف الاقليمي بها رغبة في الوصول لمرحلة الدولة الشرعية، ويبدو ان نجاحها في هذا الجانب هو الأبرز قياسا لحجم النجاح الإيراني او التركي هنا او هناك.
ماذا يعني ذلك كله ؟
ان القوى الاقليمية الثلاث( ايران وتركيا واسرائيل) لها مشاريع واستراتيجيات وتكتيكات للوصول لغاياتها بغض النظر عن مستويات النجاح لكل منها ، ويقابل هذه القوى الثلاث دول عربية محكومة بخبراء الذكورة والغيبيات والوجاهات القبلية ومراكز سلطوية تحددها الحيوانات المنوية ويسيرها الفساد الإداري والاقتصادي ويُنَظِرُ لها جنرالات الهزائم الذين تحولوا لخبراء شرح معارك الآخرين على الشاشات مع أنهم لم ينتصروا يوما.
في المدى القصير والمتوسط تبدو اسرائيل تقطف ثمار هذه المعركة الاستراتيجية على الدولة المركز شرق أوسطيا، وتساندها سلطة تتحول تدريجيا لفرع من إدارة الاحتلال.
لن يتوقف التلاكم، ولكني أعتقد -وهو ما يمكن العودة له لاحقا – أن اسرائيل ستكون هي الخاسر في هذا السباق على المدى البعيد، لان القوى الاقليمية التي تزحف نحو اسرائيل هي قوى محسوبة على نفايات التاريخ من ناحية ، ناهيك عن أن المكانة الإستراتيجية للشرق الأوسط هي في تراجع من منظور حسابات من تقوم اسرائيل بدور وكيلهم من ناحية ثانية مما سيفقد المكانة الاسرائيلية قدرا من بريقها ..وللاسف فإن العرب ” خلدونيون” حتى لو لم يأت ابن خلدون يوما ، وهو ما يجعل تاريخهم مماطلا…..ربما.

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button