دراسات سياسية

المواطنة ودورها في التنمية المحلية

بقلم الدكتوراه بلحاجي أمينة

مقدمة

تُعدّ المُواطَنَة الصالحة من أسمى الأهداف العليا للمجتمعات الإنسانيّة،ويُعَدّ ازدياد الشعور بالمُواطَنَة من التوجّهات المدنية الأساسية التي من أهمّ مؤشّراتها الموقف من احترام القانون والنظام العامّ، والموقف من ضمان الحرّيات الفردية واحترام حقوق الإنسان، والتسامح وقبول الآخر، وحرّية التعبير، وغيرها من المؤشّرات التي تمثّل القيَم الأساسية للمواطَنة ولعل أهم تطور عرفته البشرية بالقيم كان نتيجة ظهور العقيدة الإسلامية التي رسمت القيم الإنسانية الفاضلة في شتى مجالات الحياة، وأهمها المواطنة باعتبارها محور التنمية البشرية المستدامة فقد أجمل صلى الله عليه وسلم رسالته السماوية في القيم فقال: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، فمسايرة مؤشرات التنمية المستدامة أصبحت حتمية لا مفر منها من اجل عدم التخلف سياسيا من جهة ومن جهة أخرى في تطبيق مؤشرات التنمية المستدامة،وعليه نطرح الإشكالية التالية:كيف تساهم المواطنة في تحقيق التنمية المحلية؟

دور المواطنة في تحقيق التنمية المستدامة 

يشكل الإنسان جوهر التنمية المستدامة وهدفها النهائي من خلال الاهتمام بالعدالة الاجتماعية ومكافحة الفقر وتوفير الخدمات الاجتماعية إلى جميع المحتاجين لها بالإضافة إلى ضمان الديمقرطية من خلال مشاركة الشعوب في اتخاذ القرار بشكل من الشفافية و النزاهة واستدامة المؤسسات في ظل التنوع الثقافي.
وعليه فان عملية التنمية المستدامة تتضمن تنمية بشرية تهدف إلى تحسين مستوى الرعاية الصحية والتعليم، والمشاركة السياسية في صنع القرارات التنموية التي تؤثر في حياتهم، حيث يشكل الإنسان محور عنصر التنمية المستديمة، والعنصر الهام الذي تشير إليه تعريفات التنمية المستدامة ، أيضا العدالة أو الإنصاف والمساواة.
ويكون النظام مستديما اجتماعيا في إيصال الخدمات الاجتماعية كالصحة في حال حقق العدالة في التوزيع والتعليم والمساواة في النوع الاجتماعي والمحاسبة السياسية والمشاركة الشعبية والانتقال بالمواطن من حالة ومستوى أدنى إلى حالة ومستوى أفضل، ومن نمط تقليدي إلى نمط آخر متقدم كما ونوعا وتعد حلا لابد منه في مواجهة المتطلبات الوطنية في ميدان وهكذا تصبح عملية التنمية هي عملية تطوير القدرات وليست عملية تعظيم المنفعة الإنتاج والخدمات، أو الرفاهية الاقتصادية فقط بل الارتفاع بالمستوى الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، وحق التعبير والحفاظ على البيئة وحق المشاركة في تقرير شؤون الأفراد بين الأجيال الحالية والمقبلة.

إن التنمية كظاهرة هي قديمة ظهرت مع ظهور البشر والتجمعات السكانية لكن التنمية كمفهوم فهي حديثة النشأة حيث بدأ الاهتمام بها من قبل الباحثين والمفكرين وصناع القرار بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتتضمن أبعادا متعددة تتداخل فيما بينها لذلك فإن فهم العلاقات المتبادلة بين العمليات البيئية والاجتماعية والاقتصادية ضروري لفهم التنمية المستديمة لأن من أهم الخصائص التي جاء بها مفهوم التنمية المستديمة هو الربط العضوي التام ما بين الاقتصاد والبيئة والمجتمع بحيث لا يمكن النظر إلى أي من هذه المكونات بشكل منفصل عن بعضها البعض.
لذا فان دراسة البعد الاجتماعي للتنمية المستديمة في الجزائر خاصة في ظل انخفاض أسعار البترول يكشف لنا الانعكاسات السلبية على الجبهة الاجتماعية لانخفاض وتراجع سعر البترول في الأسواق العالمية دون مراعاة للاستدامة هذا المورد للأجيال المقبلة ،مع العلم أن الجزائر من بين أهم الدول النامية التي تبنت التنمية المستديمة في كل خطاباتها وخاصة الاجتماعية بالاهتمام بالإنسان الذي يعتبر عماد التنمية واحد أهم مؤشراتها . وحسب المختصين والخبراء فان النظام الاجتماعي يكون مستديما اجتماعيا في حال حقق العدالة في إيصال الخدمات الاجتماعية كالصحة والتعليم إلى محتاجيها والمساواة في النوع الاجتماعي.

فالتنمية بشكل عام تعتمد وترتكز إلى عديد من العناصر المحققة لأهدافها، ويأتي وعي المواطن وإدراكه لأهميتها وأهمية شراكته فيها، عنصرا فاعلا ومهما وإيجابيا لتحقيق تلك الأهداف، ويؤكد الباحثون والمهتمون بالشأن التنموي أن أحد أهم معوقات التنمية هو غياب الوعي بأهمية شراكة المواطن في معرفة أهداف التنمية، ويذهب البعض منهم إلى أهمية مشاركته في إعدادها وتحديد أهدافها ومخرجاتها ومتابعتها، بحيث يكون شريكا ورقيبا على أدائها، وهو ما يضمن تحقيق التكامل التنموي بين أطياف المجتمع ومؤسساته العامة والخاصة والأهلية والأكاديمية والإعلامية.

إن أكثر ما يلفت النظر في برنامج التنمية في كثير من دول العالم، هو غياب الشراكة المجتمعية في تحديد متطلبات وأهداف التنمية، خصوصا ما يتعلق بمتطلباتهم، ولهذا يصبح المواطن وفقا لذلك عدوا للتنمية المستدامة، وفي أضعف الأمور معارضا لها وغير داعم أو حام لها، وخير مثال يمكن استحضاره ما نسمعه من كثير من المواطنين عن أي مشروع ينشأ لخدمتهم أنه “مال الدولة”  أو  “أصحاب الشكارة”، وهذه المصطلحات يعني عدم الاهتمام بهذا المشروع أو حمايته من العبث أو التخريب، حتى إن كانت تلك المشروعات هي لخدمتهم مباشرة مثل المستشفيات والمدارس والحدائق والطرق، ويعظم هذا الأثر السلبي غياب التوعية الإعلامية والمجتمعية لمثل هذه التصرفات غير المسؤولة التي تفقد المواطن هيبته.

إن وعي المواطن بأهمية دوره في تحقيق التنمية وحماية مكتسباتها سيعزز من الاستفادة من تلك المشروعات ويمد في عمرها الافتراضي لتقديم مزيد من الخدمات بشكل أفضل بدلا من تخريبها والعبث فيها، وهنا تبرز أهمية الوعي المجتمعي وتعزيز الشعور بالمسؤولية المجتمعية لحماية المكتسبات الوطنية أو ما يمكن تسميته ”حماية الأملاك العامة”  من التخريب والعبث أو السرقة في بعض الأحيان،إن تزامن الاهتمام بتعزيز وتقوية دور المواطن في شراكة حقيقية مع صناع استراتيجيات التنمية سيعزز إحساسه بمسؤوليته عن تنفيذها، ويقابل ذلك أهمية زرع ثقافة الوعي المجتمعي أو وعي المواطن بدوره في حماية قريته أو مدينته ووطنه من الإفساد.

ولعل توجيه المصطفى عليه الصلاة والسلام بأهمية النظافة بقوله:  ”إماطة الأذى عن الطريق صدقة”، وقوله عليه الصلاة والسلام:  ”كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”، وغيرها من التوجيهات النبوية المؤكدة على أهمية الوعي والإدراك بحجم ونوع المسؤولية الملقاة على عاتق كل واحد منا من موقعه الذي يعمل ويعيش فيه، وهي رسالة تحمل المسؤولية المشتركة على الكبير والصغير، الرجل والمرأة، المواطن والمقيم. إن وعي المواطن بمسؤوليته وإدراك المسؤول أهمية هذا الوعي، سيحقق المعادلة الأصعب المتمثلة في زرع الشراكة بين الواجب والمسؤولية، أو بمعنى آخر هو تعزيز مفهوم المواطنة السليمة الصالحة المنتجة التي تضمن ترابط جميع أطياف ومؤسسات المجتمع بعضها ببعض، وإحساس كل طرف بمتطلبات الآخر وأهمية عطائه وإنجازه، والعمل جميعا على حماية المنجزات وتحقيق استدامتها بما يضمن استفادة الجميع منها، خصوصا الأجيال القادمة، لأن ما نراه اليوم من حجم الإنفاق على مختلف المشروعات الإنسانية والمكانية، يتطلب جهد موازيا أو أكبر للتوعية وتعزيز الشراكة المجتمعية، وحماية وصيانة الأملاك العامة والخاصة.

الفاعلون في التنمية المحلية في الجزائر

يشهد تكاثر المبادرات المتعددة و المتنوعة حاليا دعم من طرف الدولة التي تقوم بعدة وظائف في سياق الشراكة مع الأطراف الأخرى عن طريق إرساء العدالة و تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين كونها صاحبة السلطة فهي تعمل على ممارسة القوة و المصلحة بين الفرقاء السياسيين و الاجتماعيين و الثقافيين كما أنها تولي اهتماما بتقديم الخدمات العامة للمواطنين و تهيئة المناخ للإبداع و الحركة ودفع المواطن إلى التنمية البشرية 8 ومن ثم ضرورة التحرك على المستوى المحلي عن طريق فواعل التنمية المحلية و هم المنتخبين المحليين و المجتمع المدني و القطاع الخاص.

الجماعات المحلية:

 تتوفر هذه الأخيرة حاليا على امتيازات واسعة في مجال التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية من خلال الهيئات اللامركزية الإقليمية أي البلدية و الولاية،فالمشاركة الفعلية للبلدية في مجال التنمية هو من أجل تنفيذ ما يخص انشغالات مواطنيها فهي القاعدة الأساسية للتنمية المحلية من أجل تخفيف الضغط على السلطات المركزية و ارتباطها بالمواطنين من خلال المجالس المنتخبة و تمثيلها للدولة على مستوى المجلس القاعدي و بالتالي فهي ملزمة بالتكفل ببعض الأمور الأساسية لمواطنيها من خلال الصلاحيات المنوطة بها 9،كما أن للولاية الدور الأساسي في مجال التنمية المحلية و يتححد دورها من خلال القوانين التنظيمية الخاصة بها وقد تحدد دورها من خلال قانون الولاية 90 – 09 الذي تحدث عن التعاون بين رئيس المجلس الشعبي الولائي و الوالي عن طريق بناء جمعيات في الثقافة و الرياضة و النظافة من أجل هيكلة المواطنين،و قد أكد قانون الولاية 12 – 07 في المادة 03 على مايلي:”تتوفر الولاية بصفتها الجماعة الإقليمية اللامركزية على ميزانية خاصة بها لتمويل الأعمال و البرامج المصادق عليها في المجلس الشعبي الولائي و لا سيما تلك المتعلقة بما يأتي:التنمية المحلية و مساعدة البلديات،تغطية أعبائها تسييرها،المحافظة على أملاكها وترقيتها.

المجتمع المدني:

يطلق هذا المصطلح على تجمعات و هيئات منظمة تحتل مركزا وسطا بين الدولة و الأسرة و هو يستعمل تقريبا بما يفيد التعددية ومع أن المجتمع المدني قد يكون مجالا للنشاط المنظم المستقل عن الدولة ،و يعرف المجتمع المدني على أنه:”شبكة من التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة و الدولة،و تعمل على تحقيق المصالح المادية و المعنوية لأفرادها و الدفاع عن هذه المصالح،و ذلك في إطار الالتزام بقيم و معايير الاحترام و يرجع ازدياد قوة المجتمع المدني إلى انتشار النظام الديمقراطي ذلك إلى جانب عدم قدرة الدولة وحدها على سد احتياجات المجتمع مما أسفر عن ظهور أهمية المجتمع المدني أو القطاع الثالث في المشاركة الفعلية في العملية التنموية .
و لقد ظهرت منظمات المجتمع المدني في الجزائر بشكل واضح خلال الفترة الممتدة ما بين أحداث أكتوبر 1988 و 1995 ، حيث لم يعرف مفهوم المجتمع المدني هذا الشيوع إلا خلال هذه الفترة، كما كان للأزمة الاقتصادية التي عرفتها الجزائر بداية من 1986 كان لها دور في نشأة المجتمع المدني الجزائري ترجع الانطلاقة الحقيقية لنشأته في الجزائر مع تأسيس اللجان والجمعيات لحماية لتأتي بعدها جمعيات مختلفة،التي كان لها أثر على الجماعات المحلية في تجسيد التنمية المحلية و التحولات الاقتصادية والسياسية وذلك من خلال التطرق إلى وظائف ومهام الوحدات المحلية وعلاقاتها بالسلطة المركزية.

القطاع الخاص: 

تسعى العديد من الدول على تنمية القطاع الخاص المحلي و تشجيع الخوصصة و بناء المؤسسات الإقتصادية الحرة حيث يشمل القطاع الخاص كل المشاريع الخاصة غير المملوكة من الدولة في قطاعات الصناعة و غيرها،كما يقوم بوظائف أخرى كالبيئة و النظافة و تهيئة الإقليم، حيث أن تحقيق التنمية المحلية يتطلب وضع إستراتيجية تقوم على الشراكة ذلك أنها بمثابة الخريطة الإقتصادية خاصة و أن القطاع الخاص يتميز بالقدرة على الإبتكار و التجديد و تقديم الخدمات بالصفات المطلوبة،فنمو القطاع العام منذ الاستقلال بصورة حصرية لم يمنع من تواجد نمو قطاع خاص محلي أو الخوصصة خاصيته الأساسية هو أنه تطوير و دعم التنمية تحت ظل الدولة و هياكلها الإدارية و الاقتصادية لتنظيم الصفقات و الامتيازات و الرخص، و لم يقتصر القطاع الخاص بالدولة بل تعداه على المستوى المحلي حيث يرمي إلى إصلاح أنظمة الحكم المحلي و ذلك لما يمثله القطاع الخاص من الكفاءة الإقتصادية في إستخدام الموارد عن طريق تصفية المؤسسات العاجزة و تحسين مقاييس الرقابة و التسيير و ترشيد الدعم لها و منحها جزء كبير من الصفقات، لذا يجب إحداث تعاون بين الفاعلين و تسريع الديناميكية المحلية الملاحظة داخل التراب الوطني عن طريق المساهمة الحقيقية في حل المشاكل على المستوى المحلي في مجال التنمية،و قد اثبت الواقع الميداني طبيعة العلاقة بين هذه الأطراف تفسر فاعليتها و مشاركتها في التنمية المحلية لذا يجب ترسيخ قيم المشاركة الفعلية للجماعات المحلية و القطاع الخاص و المجتمع المدني في كل مجالات التنمية.

دور الجماعات المحلية في تحقيق التنمية المحلية

يعد الاقتصاد من أهم دعائم الدولة القوية لذا سعت الجزائر دوما لإصلاح نظامها الاقتصادي و تطويره بدءا من المركز،إلا أن النظام المركزي لوحده لم يكن كافيا لخروجها من قوقعتها نظرا لتراكم الأعمال و الضغط الحاصل في القمة في حين معاناة عدد كبير من الولايات و البلديات خاصة المنعزلة و النائية، فأصبحت بذلك الحاجة الماسة لنظام لامركزي يأخذ بعين الاعتبار كل التراب الوطني لتحقيق التوازن بين مختلف الوحدات المحلية و تنميتها باعتبار التنمية المحلية لا يمكن أن تتحقق إلا بالانطلاق من الأساس و القاعدة المحلية و بالتحديد من البلدية لأنه من دون الجماعات المحلية لا يمكن تحقيق نجاح السياسات الوطنية المسطرة من طرف الدولة، الأمر الذي أدى بالسلطات المعنية إلى تسطير برامج من أجل تجسيد هذه التنمية المحلية على أرض الواقع على مختلف المستويات المركزية القطاعية، الولائية ، البلدية وهذه الأخيرة اتخذت وسيلة مهمة ساعدت مختلف البلديات و الولايات على التخلص من ضعفها و قلة مرافقها أو على الأقل التخفيف من ضعفها و ذلك من خلال المخطط البلدي للتنمية الذي يعتبر الوسيلة المنهجية للترقية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و ذلك من خلال ما تضمنته من مشاريع تمس مختلف هذه المجالات و قد جاءت مختلف القوانين بمنح الجماعات المحلية دورا هاما في تحقيق التمنية من خلال مشاركتها في المشاريعة التنموية سواء من ناحية اختيارها أو تقييمها أو تنفيذها بعد معرفة متطلبات البلدية و الولاية ككل و خصوصياتهما لذلك فإن أهمية مبدأ النظام الإداري اللامركزي تتأتى من منحه وتفويضه الصلاحيات الواسعة للحكومات المحلية في المحافظات والأقاليم المحلية من أجل إدارة الموارد الاقتصادية والمالية المحلية من قبل المواطنين المحليين وإعطائهم الدور الأساس في التنمية المحلية، فهم أعرف إلى احتياجاتهم،لذا فإن عملية التنمية الاقتصادية المحلية والتخطيط تستمر بطريقة المشاركة بعيداً عن التهميش من قبل الحكومة المركزية كما كان أي من الأسفل إلى الأعلى،بمعنى تعاون الحكومات المحلية مع الحكومة الاتحادية التي بدورها تأخذ بنظر الاعتبار تلك المحليات وتعيد ترجمتها إلى أرقام في خطة التنمية الوطنية ومن ثم يتحمل السكان المحليون مسؤولية مواجهة المشاكل المحلية والعمل على حلها فالسعي وراء تحقيق تنمية محلية من خلال تقوية اللامركزية يحتم على الجزائر إعادة النظر في الطرح المؤسساتي تماشيا مع التحديات الجديدة و المشاكل المختلفة التي تعاني منها كل المجالات فيها و أيضا التغييرات التي شاهدتها الدولة. 

فمن خلال هذا يمكن القول إن التسيير الفعال المحلي لن يعرف تطبيقاته إلا من خلال إصلاح مؤسساتي الذي يؤخذ بعين الاعتبار الجوانب الإدارية و المنطق الاقتصادي التي تجعل القرارات المتخذة تخلق مشاريع التنمية سواء في الآجال القصيرة، متوسطة أو الطويلة حسب ما تقتضيه الحاجة و في التنظيم الإداري الجزائري و الذي و إن نجده منبثق و مشتق من التنظيم الفرنسي و الموروث عنه إلا انه لا يعطي للجهوية أو الجماعات المحلية نفس الأهمية رغم أن الواقع الإقليمي التاريخي، الاجتماعي،الاقتصادي،و الثقافي.خاصة لا يمكن تجاهله،حيث إذا ما تم تشجيع تفعيل اللامركزية لابد إذن من تقوية عدم التركيز أي الجهة و التي بواسطتها لن تكون اللامركزية مجبرة كل مرة إلى العودة السلطة المركزية لمعالجة المشاكل المحلية أو الإقليمية فهي تساعدها و تسهل مهامها باتخاذ القرارات و وضع حلول تتناسب مع كل إقليم.

كما أن التنظيم الإداري يتطلب تدعيم اللامركزية لتحقيق التنمية المحلية و إعادة النظر في طرق تسييرها و منحها أكثر استقلالية عن طريق توفير عناصر الاستقلالية،وهذه الأخيرة تجعلها أكثر مسؤولية في جميع الأعمال التي تقوم بها، و الاهتمام بعدم التركيز و وضع الجهوية كقاعدة أساسية في التطوير ،لذا فإن عملية التنمية الاقتصادية المحلية والتخطيط تستمر بطريقة المشاركة بعيداً عن التهميش من قبل الاجتماعي و الثقافي بخلق تصور جديد يجعل الجماعات المحلية كجهاز مخصص لتوفير عناصر الدولة الحديثة و منها اللامركزية،الديمقراطية،التفويض و مبدأ التخصص،وتجدر الإشارة أن التنمية المحلية في الجزائر أخذت اتجاهين الأول كان في ظل نظام التخطيط و الاتجاه الثاني كان بعد 1990 أي بعد صدور قانون الولاية و البلدية و يتمثل في البرامج القطاعية غير الممركزة ” P.S.D ” المسند أمر تسييرها إلى الولايات،و البرامج البلدية للتنمية ” P.C.D “المسند أمرها إلى البلدية حيث مرت التنمية المحلية بعدة تطورات بدءا من:

1 – مرحلة التخطيط بين 1967 إلى 1989:

حيث انصبت هذه المرحلة تطبيق مجموعة من المخططات ذات البعد الزمني وهي المخطط الثلاثي و المخطط الرباعي،و المخطط الخماسي الأول و الثاني و شملت هذه المخططات القطاع المنتج و قطاع الخدمات و قطاع البنية الأساسية هذه القطاعات الثلاثة تضمنت برامج ذات بعد وطني و برامج قطاعية غير ممركزة اسند تسييرها إلى الإدارة المحلية ذات البعد الإقليمي لكناه كانت غير مسايرة للأوضاع الاقتصادية و تم تهميش المشاركة الشعبية و القطاع الخاص في عملية التنمية مما أدى إلى نقص الكفاءة و الفعالية.

2 – مرحلة اقتصاد السوق ما بعد 1990 :

عرفت الجزائر تحولات اقتصادية و اجتماعية و سياسية كبيرة و لهذا طبقت مجموعة من الإصلاحات منها مرحلة التثبيت الهيكلي سنة 1994 – 1995 ثم مرحلة التصحيح الهيكلي 1995 – 1998 وتلتها مرحلة الإنعاش الاقتصادي الأول والثاني و نستطيع القول انه بعد عودة
الاستقرار السياسي والأمني بدرجة كبيرة بعد سنة 1997 شرعت الجزائر في تطبيق مجموعة من البرامج التنموية منها برنامج الإنعاش الإقتصادي 2001 – 2004 ثم برنامج دعم النمو 2005 – 2009للبرامج المحلية.
إن إستراتيجية التنمية في الجزائر حاليا تندرج على المستوى الداخلي في الدعم أي اللامركزية الإدارية منطلقة بذلك من الجماعات المحلية حيث تدعم الدولة هذه البرامج التنموية الطموحة لتحقيق التنمية المحلية 15 ،و ظهر إلى جانب مصطلح التنمية الاقتصادية عدة مسميات كالتنمية الاجتماعية، و التنمية البشرية المستديمة، والتنمية الإنسانية وبرزت عدة مفاهيم تعنى بتحديد نطاق التنمية، من قبيل التنمية المحلية التي تستجيب إلى ما يحتاج إليه السكان، فضلا عن ضرورة إحياء مراكز محلية تستغل استغلالا أمثل الموارد الطبيعية والبشرية المحلية.
وانطلاقا من كل هذه الاعتبارات وتماشيا مع الإصلاحات الشاملة التي أقرتها الحكومة الجزائرية، جاء القانون البلدية و قانون الولاية ليحددا مسارا جديدا في التنظيم الإداري المحلي وليواكب التحولات الدولية وتأثيراتها على وظائف الدولة ويتماشى مع التنمية المحلية التي تمثل الوحدة الأساسية خاصة إذا تعلق الأمر بالخدمة العمومية وتنفيذ السياسات العامة للدولة تحقيقا لتنمية المحلية وتقديم الخدمات العامة، بالتركيز على البلدية و الولاية، وهذا حسب النصوص القانونية. 

تتجلى أهمية الهيئات المحلية في الدور الذي تلعبه في خدمة المواطن التنمية والتطوير فالهيئات المحلية تكون دائما على تماس يومي ومباشر مع كافة مناحي الحياة اليومية كما تعتبر مؤسسات الحكم المحلي، والبلديات بصورة خاصة فبالإضافة إلى كونها ركيزة أساسية للممارسة العملية السياسية على الصعيد المحلي للمجتمع، تقع عليها مسؤوليات وأعباء إدارية وخدمية رئيسية تطال مختلف مجالات الحياة المجتمعية، ولن تحقق التنمية المحلية بالصورة المطلوبة إلا إذا توفر هيكل للتمويل المحلي ينطوي على موارد مالية محلية وتقل فيه إعانة الدولة إلى أقل درجة ممكنة 17 ، ومن هنا يتضح دور الجماعات المحلية في التغيير الجذري الحاصل لإصلاح شامل وتنمية عاجلة من أجل ضمان تحولها إلى تنمية بين أقطار المنطقة وتعمل جاهدة في سبيل تذليل العقبات التي تقف في سبيله، ولعل إدراك الحكومة لمشكلات الجماعات المحلية و عجز مؤسساتها و أجهزتها و مشروعاتها يمثل المدخل النفسي و الدافع المجتمعي من أجل خلق تغيير للوظيفة المحلية وتعديل توجهاتها لإدارة التنمية بين أقطار المنطقة لذلك لا بد من تقويم أداء الإدارة الراهنة في ضوء الحاجة المحلية التي تتطلبها إستراتيجية التنمية،تطبيقا للامركزية ومقتضيات تنمية الاقتصاد الوطني المخطط، هذا جعل الولاية والبلدية دعامتين للدولة من خلال تفويض مهام التنمية المحلية بشكل كامل في التنمية المحلية ذات العلاقة الاقتصادية والاجتماعية بالدولة المتدخلة،ولتطبيق مهامها،تتمتع الجماعات المحلية بوسائل مالية تضمن لها السماح بتغطية نفقاتها للتسيير ونفقاتها للتجهيز والاستثمار.

يمكن القول إن أغلب المهتمين يجمعون على أن التي لم يعد بالإمكان تأجيلها مكافحة الفساد من المسائل تحقيق التنمية. وأن خطوات جادة يجب أن تتخذ على جميع المستويات، ذلك أن مخاطر هذه المسألة وآثارها الضارة على مسيرة التنمية، أصبحت من القضايا الحساسة لذا يجب توسيع دائرة الشفافية والرقابة والمساءلة، مما يعني توسيع دائرة المشاركة الشعبية السياسية. والمضي على طريق إشاعة الأساليب الديمقراطية واستخدام الأساليب الإدارية الشفافة بتسليط الأضواء على “الفساد الكبير” في أعلى المواقع مع توفير الأجواء القانونية المناسبة، وضمان سلامة وعدالة أعمال الرقابة والتحقيق و إحداث إصلاح اقتصادي وإداري ومالي وقضائي. وهذا المحور لا يتعلق بمكافحة الفساد فقط, وإنما هو ضروري لعملية التنمية والخروج من دائرة الجمود والتخلف. واستخدام الأساليب العصرية في الإدارة، وإزالة أسباب الاختلالات الاقتصادية، وضمان سلامة الإجراءات القضائية، والقضاء على الروتين والبيروقراطية وإزالة العوائق أمام الاستثمار.ولا بد أن تراعى عملية الإصلاح وإعلاء شأن القيم والسلوك السوي لدى الأجيال الجديدة هذا ويتوقف النجاح في مكافحة الفساد على مجموعة من الشروط والظروف الموضوعية كل هذا يساعد على تحقيق تنمية شاملة و إصلاحية .

خاتمة:

إن وعي المواطن المحقق لأهداف التنمية المستدامة، مسؤولية عظيمة تتطلب  الالتفات لها، وهذا العمل يجب ألا نتأخر في تنفيذه، خصوصا مع المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية التي تحيط بنا، والتأثير الإعلامي الدافع نحو السلبية والإحباط وعدم المبالاة، وهو ما يؤدي إلى مزيد من الفجوة بين المواطن والمسؤول، ويعزز من مفهوم التنمية السلبية أو ما يسمى التنمية الرعوية، التي يتوقع طرف من الطرف الآخر أن يقدم له كل شيء وهو لن يقدم أي شيء، وهذا ما يحذر منه المختصون بالشأن التنموي. إن تعزيز دور المواطن في صناعة التنمية المستدامة والعمل على توعيته ومشاركته في إعدادها وتنفيذها وحمايتها، لم يعد ترفا فكريا، إنما واجب وطني تأخيره لا يحمل الخير لهذا الوطن.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى