وليد عبد الحي
ربما تكون جماعة الاخوان المسلمين هي الحزب الأكبر عربيا – وهو الأرجح- ، ورغم اللغط الذي يثار حول هذه الجماعة ، فانا بعيد عن تيار التهم الجزافية لهم ، فهم في نهاية المطاف ككل الاحزاب العربية ضحايا لبنية مجتمعية عربية ينخرها التخلف، فالشيوعيون وصلوا للسلطة في اليمن وعندما اختلفوا فر كل فريق مستنجدا بقبيلته لا بطبقته، والبعثيون تسلموا السلطة في بلدين عربيين متجاورين وكان العداء بين اجنحتهم هو الاقسى في التاريخ العربي المعاصر، والناصريون تشرذموا وانكفأوا بين عشية وضحاها ….وعلى ذلك قس.
لكني ارى ان الاخوان المسلمين لديهم مشكلة عدم الموضوعية في بعض المواقف الخطيرة ، ويمكن ان اقدم نماذج كثيرة على هذه المسالة ولكني اتوقف عند نموذج محدد وهو مقارنة موقفهم من أردوغان مع موقفهم المستمر حتى هذه اللحظة من التجربة الناصرية وتحديدا عبد الناصر..
فأردوغان يعترف باسرائيل دبلوماسيا اعترافا كاملا وكانت دولته هي الاولى في العالم الاسلامي التي تعترف باسرائيل وبقي على نفس الموقف
..وأردوغان هو الشريك التجاري الأول لاسرائيل في الشرق الاوسط بل ان تجارته مع اسرائيل تساوي اربع اضعاف تجارة كل الشرق الاوسط مع اسرائيل،
كما ان أردوغان عضو رسمي فاعل في حلف الناتو (الغربي او المسيحي أو الاستعماري او كل ما تريد من اوصاف)،
الى جانب ان أردوغان يلهث خلف اوروبا لتقبله عضوا في الاتحاد الاوروبي،
رغم كل ما سبق لم اسمع نقدا واحدا لاردوغان ، لا لسبب الا لانه ” يأوي الاخوان المسلمين ويفتح لهم اذاعات ومكاتب وفضائيات”…وعندما زار شيمون بيريز قطر وبشكل علني والتقت تسيبي ليفني امير قطر واجرى بيريز مقابلة وزيارة للجزيرة لم نسمع تحليلا وموقفا اخوانيا واضحا..فانتم تطلبون من الاردن ومصر وسلطة التنسيق الامني قطع العلاقة مع اسرائيل، فلماذا لا تطلبون الطلب ذاته من اردوغان ولا تطالبون قطر بوقف دبلوماسية الانابة واستضافة قادة الموساد وابقاء ابواب الجزيرة مشرعة امام الاعلام الاسرائيلي…أنتم محقون تماما في مطالبكم لمصر والاردن وسلطة التنسيق الامني، ولكن لماذا لا تمارسون الضغط ذاته على أردوغان وقطر وتطبيع الغنوشي الصامت بل ورفضه ان يُنص على منع التطبيع في الدستور التونسي؟
نعم جرى عليكم انقلاب في مصر وسلبوا حقكم الرئاسي، لكن المقارنة بين موقفكم من الرئيس المصري وموقفكم من النظام السعودي الذي أدرج اسمكم في قوائم الارهاب واعتقل كل من يمثلكم او يقترب منكم بل منع اي جمع للمساعدة حتى لمجاهدي غزة يشير الى موقف فيه مفارقات هائلة.
للسياسة احكامها وضروراتها، وردات فعل الاخوان على ما لحق بهم من ظلم واضطهاد واجهوه بقدر كبير من الثقافة الثارية، وعرف حزبهم الانشقاقات كغيرهم من الاحزاب فمن يفشل في الحفاظ على وحدته الحزبية كيف له ان يحقق حلم الامة الاسلامية.
لقد وقف الاخوان ضد الغزو الامريكي للعراق بينما ارسل يساريون عرب جيوشهم الى جانب الجيش الامريكي، فخسر الاخوان العطف السعودي ، ولم يستفد القوميون العرب ممن شارك القوات الامريكية ولو بخردلة.
ان الثقافة الثارية لا تصلح للعمل السياسي، والتصفيق لاردوغان نكاية في غيره دون حساب النتائج بعيدة المدى لكل ما يجري امر محزن للغاية.
اتمنى من الاخوان المسلمين ” وقفة مع النفس” ، وجرأة في نقد الحليف قبل العدو، لقد كان للحركات الاسلامية دورها الكبير في التخلص من الاستعمار ( في الجزائر التي كانت اغلب ثوراتها ثورات ذات طابع ديني من المقراني الى بوعمامة والامير عبد القادر وابن باديس..الخ، وفي ليبيا عمر المختار وفي فلسطين عزالدين القسام وفي مصر حسن البنا وتاييد جماعته لثورة يوليو في البداية ، وها هي حماس والجهاد الاسلامي تواصل في حدود طاقتهما…لكني اقول لقادة هذه الجماعة ان جهاد النفس هو اعظم الجهاد..وما حدث لكم في الخليج قد يتكرر في اماكن اخرى، ولعل تجربة الانفتاح التي قام بها السادات وفتح لكم ابواب العمل السياسي ثم قفز ليخطب في الكنيست بعد سنوات قليلة تمثل تجربة أخرى للجحر الذي لُسعتم منه الف مرة…فانتبهوا ..فامتنا منهكة حد الخوار..