الموقف الإيراني من الحرب على سورية

مجلة جامعة الفرات للدراسات والبحوث العلمية

العدد /44/، العام 2019ا

الموقف الإيراني من الحرب على سورية

                                                                     د. د.شاهر إسماعيل الشاهر

الملخص:

تعود العلاقات السورية الإيرانية إلى العام 1961، حيث أحدثت بموجب المرسوم رقم /102/ تاريخ 25/10/1961. وتعززت هذه العلاقات بشكل كبير بعد قيام الثورة الإسلامية الإيرانية في العام 1979، والتنسيق بين قيادتي البلدين يتم على أعلى المستويات إلى أن وصلت العلاقات السورية الإيرانية إلى درجة العلاقات الاستراتيجية. ومع بداية الأزمة في سورية وصلت علاقات البلدين إلى حالة من العمق الاستراتيجي نتيجة الدعم السياسي والعسكري والمالي الإيراني للحكومة السورية في حربها ضد التنظيمات الإرهابية المسلحة.

الكلمات المفتاحية:

إيران، سورية، الحرب على سورية، الأزمة، الموقف الإيراني.

The Iran’s position on the war against Syria

Abstract:

Syrian-Iranian relations date back to 1961, which were established by Decree No. 102 in October 25, 1961. These relations were greatly strengthened after the 1979 Islamic Revolution in Iran, and coordination between the two countries’ leaderships is at the highest level until Syrian-Iranian relations reach the level of strategic relations. With the beginning of the crisis in Syria, the relations between the two countries reached a state of strategic depth due to the Iranian political, military and financial support to the Syrian government in its war against the armed terrorist organizations.

المقدمة:

تسعى إيران لأن تكون في العام 2025 الدولة المركزية في المنطقة. وما سيوصلها إلى ذلك هو التطور العلمي والتكنولوجي. فإنتاج إيران (العلمي) يتضاعف كل ثلاث سنوات، واليوم إيران تحتل المركز الأول عالمياً في البحوث العلمية المحكمة المنشورة وبفارق عن الدولة التي تليها مباشرة (اليابان) بـ 12000 بحث .

لقد باتت سورية خط الدفاع الأول عن الأمن السياسي والاقتصادي الروسي والصيني والإيراني، خاصة بعد أن اعتمدت سورية استراتيجية البحار الأربعة وطريق الحرير، التي تلاقت مع استراتيجية الصين لكسر الطوق الأمريكي عليها في مضيق ملقا. ولم ترضخ سورية لمشيئة الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، بل عملت مع إيران على تقويض السياسة الأمريكية والأطلسية والإسرائيلية وافشالها عبر دعم المقاومات في لبنان والعراق وفلسطين.

أهمية البحث

تمثل سورية قاعدة استراتيجية بالغة الأهمية للنفوذ الإيراني في الجوار العربي المشرقي، حيث توفر نافذة على المتوسط، وطريقاً آمناً إلى لبنان وشريكاً يعتمد عليه، يجعل من إيران طرفاً في الصراع العربي– الإسرائيلي، كما أن التحالف الإيراني– السوري يعد ضمانة حيوية للنفوذ الإيراني في العراق، حيث تبذل إيران كل جهد ممكن للحفاظ على أمن واستقرار سورية.

أهداف البحث:

يهدف البحث إلى دراسة وتحليل الدور والموقف الإيراني من الحرب على سورية ومستقبل العلاقات بين البلدين.

تساؤلات البحث:

يسعى البحث للإجابة عن التساؤل التالي:

– هل الموقف الإيراني من الحرب على سورية ينطلق من مبادئ في السياسة الخارجية الإيرانية وموقف طهران من القضية الفلسطينية والصراع العربي- الصهيوني أم أن هناك مصالح استراتيجية لطهران في سورية.؟؟

أولاً: تحكم الجغرافية في العلاقات السورية الإيرانية

تركز الدراسات الكلاسيكية والحديثة في العلاقات الدولية على أن هناك علاقة بين الموقع الجغرافي والسياسي وقد اعتبر نابوليون بونابارت أن الجغرافيا تتحكم وتدير سياسة الأمم وبذلك فالجغرافيا هي العنصر الدائم في السياسة مما يعني أن الموقع الجغرافي له تأثير كبير في تحديد نوعية ومظاهر العلاقات الدولية .

من هذا المنطلق فإن أهمية الدولتين الاستراتيجية والأمنية ساهمت في تحقيق التقارب بينهما، فرغم عدم وجود حدود مشتركة بينهما، إلا أن إيران تتقاسم حدودها مع تركيا والعراق والجمهوريات السوفياتية السابقة إضافة إلى حدودها مع الخليج العربي وبحر قزوين. كما أن سوريا لها حدود مشتركة مع العراق وتركيا والأردن وفلسطين، لبنان البحر الأبيض المتوسط. مما أهل المنطقة لشغل دور طلائعي منذ القديم، علاوة على ما تزخر به البلدين من ثروات طبيعية جعلتهما محط اهتمامات وتجاذبات إقليمية ودولية، كما تشكل سوريا بوابة إيران إلى لبنان حيث حزب الله والمنفذ إلى البحر المتوسط.

فالجغرافيا سهلت عملية التفاعل بين البلدين إلى درجة كبيرة، حيث إن الموارد والثروات الموجودة فى البلدين سمحت بتفاعل حضاري وتجاري بينهما، والذى جمع البلدين قديماُ عن طريق القوافل التجارية، وحديثاً عن طريق الاستثمارات المتبادلة بين الطرفين وفتح أسواق مشتركة .

وتعد منطقة الشرق الأوسط إحدى مناطق الصراعات الدولية التي تجري على عدّة محاور، حيث تشهد “إعادة تشكيل” تطال الحدود الجغرافية والمكونات الاجتماعية ومناطق النفوذ والمجال الحيوي لكل دولة، والقوة هي العامل البارز ، والأزمة السورية ليست خارج هذا النطاق، حيث أن الانقسام الإقليمي الدولي انتظم على شكل محاور تشكّل كل منها نسقاً موحّداً لا تنفصل دوله عن بعضها بنواحي التنسيق ومستوياته كافة، فقد شهدت الأزمة السورية نزاعاً بين محوريين الأول أمريكي مؤلف من “فرنسا وتركيا و”إسرائيل” والسعودية وقطر”، والثاني يستند إلى قوتّين عظميين “روسيا والصين”، ويمتّد في الجغرافيا السياسية باتجاه “إيران والعراق وسورية، ليعزل تركيا “العثمانيين الجدد” عن المجال العربي من جهة، وعن آسيا الوسطى المتاخمة لروسيا وإيران والصين من جهة أخرى ، فكان ما شهده النظام العالمي الجديد من تعدّد الأقطاب خلعاً لنظام القطبية الأحادية الأميركية الذي فرضته نتيجة الحرب الباردة.

ثانياً: “خط الغاز الإسلامي” الإيراني واستهداف سورية

رفضت سورية في العام 2009 العرض القطري بتمرير أنبوب للغاز من قطر يمر بالسعودية والأردن وسوريا لينقل الغاز القطري إلى أوروبا عبر تركيا، وذلك لصالح “خط الغاز الإسلامي” الإيراني والذي يمر عبر العراق إلى سوريا ومنها إلى لبنان ثم إلى أوروبا عبر قبرص، والذي تم توقيعه 2011 بعد مفاوضات بدأت في 2009، حيث ستمتد الأنابيب على مسافة 5600 كيلومتر سينقل عبرها 110 ملايين متر مكعب يومياً.

يعد خط الأنابيب الإيراني تهديداً لمصالح قطر وتركيا وروسيا، التي تحتكر تقريباً توريد الغاز إلى أوروبا وترغب بإبقاء إيران تصدر فقط إلى آسيا والصين وبعيدة عن أوروبا، لذا فإن الدخول الروسي على خط الأزمة السورية إنما يأتي على حساب الدور الإيراني وطموحات إيران بوصول غازها إلى أوروبا عبر المتوسط.

إن امتلاك إيران لمنفذ على المتوسط سيحرم تركيا من أهم ورقة لدخولها الاتحاد الأوروبي، لذلك فإن الموقف السوري من خط الغاز الإسلامي الإيراني كان أحد الأسباب الجيوسياسية لاستهداف سورية.

وفي العام 2009 عقدت إيران مفاوضات أولية مع كل من العراق وسوريا لمناقشة المشروع وفي يوليو 2011 توصلت الثلاث دول لاتفاق لتنفيذ للمشروع بتكلفة 10 مليار دولار, وفي آذار 2013 توصلت جميع الأطراف لاتفاق نهائي, وأخيراً في يوليو 2013 اتفق الجانب العراقي مع الإيراني على زيادة حجم الغاز الذي سيتم تصديره.

ومن المتوقع أن يبلغ طول خط الغاز الإسلامي الممتد حتى سوريا والجنوب اللبناني تقريباً 2000 كيلو متر. سينطلق خط الغاز من عسلوية المُطلة على الخليج وصولاً إلي الحدود العراقية, ليتم ضخ الغاز إلى العراق عن طريق خطين فرعيين, خط عيلام الذي سيغذي بغداد, المنصورية والصدر وخط خرم شهر الذي سيغذي البصرة، ومن المتوقع أن يبلغ حجم الغاز المُصدر إلى العراق عن طريق الخطين 40-45 مليون متر مكعب يومياً، ثم سيتفرع خط الغاز العراقي الذي سيبلغ 500 كيلو من داخل الأراضي العراقية ليغذي دمشق بطاقة 25- 30 مليون متر مكعب يومياً عبر خط يبلغ طوله 600 – 700 كيلومتر، كما أن الخط سيتفرع من داخل الأراضي السورية ليغذي الجنوب اللبناني بطاقة 5 – 7 مليون متر مكعب يومياً. ستكون طاقة ضخ الخط الإسلامي كلياً حوالي 110 مليون متر مكعب من الغاز يومياً و 40 بليون متر مكعب سنوياً. من المتوقع أن تدير صادرات الغاز من هذا الخط 3.7 مليار دولار سنوياً إلى الخزانة الإيرانية، أما في المستقبل البعيد فإن إيران تخطط لمد خط الغاز إلى قبرص فاليونان ثم إيطاليا من لبنان عبر المتوسط ليبلغ طول الخط 4900 كيلو متر .

ثالثاً: الجيوبولتيك والحرب على سورية

إن الموقع الجغرافي لسورية جعلها ضحية لثلاثة مشاريع إقليمية متنافسة ومتصارعة، يدعم كل منها ظهير عالمي، تلك المشاريع هي :

– المشروع الإيراني الهادف إلى دور إيراني قائد لمحور المقاومة والوصول إلى المتوسط لنقل الغاز الإيراني إلى أوروبة، والذي يتقاطع مع طموح روسيا والصين في كسر سياسة القطب الواحد الأمريكية.

– مشروع تركي يهدف إلى التكامل مع سورية في التحول إلى طريق عبور للطاقة من الشرق الأوسط إلى أوروبا، يلاقي هذا المشروع دعماً أوروبياً وأمريكياً وعدم ارتياح إقليمي .

– مشروع إسرائيلي منافس للمشروعين يقوم على تحويل إسرائيل إلى همزة وصل بين أوروبا وآسيا، يبدو هذا المشروع مستحيلاً إقليمياً ودولياً لاعتبارات عديدة سياسية وأمنية، ولكن إسرائيل تسعى بخطوات حثيثة لفرضه عبر تدمير سورية وإضعاف مصر وتطويقها بأزمات سياسية وأمنية واقتصادية تحتاج لعقود كي تحل، وذلك لدرء حرب قادمة لا محالة حول حقول غاز شرق المتوسط، وإظهار نفسها كبديل وحيد وإجباري لهما في مرور الطاقة والتجارة بين آسيا وأوروبا.

انقسمت دول العالم على المستوى الدولي بين مؤيد ومعارض للقضية السورية التي استحقت بعد تدويلها لقب القضية، نظراً لحجم الأموال والأسلحة التي تم إعدادها لإسقاط الدولة السورية، إضافة إلى عدد الدول التي انخرطت أو زجّت بنفسها في الصراع على الأراضي السورية، لتنقسم الدول بذلك إلى مساندين للدولة السورية من جهة، ومتآمرين عليها من جهة أخرى .

إن أهم أهداف الحرب على سورية، يمكن تحديدها بالأهداف الاستراتيجية التالية:

1- ضمان أمن “إسرائيل”.

2- إفشال خط أنابيب الغاز بين إيران والعراق وسورية، والذي يشكل خطراً على خط الغاز القطري الذي كان يخطط من أجل إنشائه عبر الأراضي السورية وصولاً إلى السوق الأوروبية.

3- الولايات المتحدة ترغب في مكان مثالي لرؤية روسيا تفقد نفوذها في البحر المتوسط من قاعدة طرطوس من خلال تدمير سورية، ويسمح بالتوسع التركي العثماني الجديد وصولاً إلى باكستان.

4- القضاء نهائياً على المد القومي والوطني السوري، والذي يعد المحرك العربي الذي يقف عائقاً ومانعاً ومقاوماً للمشاريع الغربية والأساليب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لهذه المنظومة الغربية.

5- القضاء على الأسس الروحية والدينية المشرقة التي تجسدها سورية في ظل الانسجام المجتمعي والاعتدال والحريات الدينية، بعد أن تم خرق المجتمعات العربية وتشكيل مجموعة الصهيونية العربية والناتو العربي المتمثلة في دول البترو دولار، تلك الدول التي أصبحت تنفذ مخططات منظومة الصهيونية المسيحية من خلال تبني “الفكر الوهابي”.

6- إن حقيقة التآمر الذي استهدف سورية هو استهداف لها بمواقفها، وبموقعها الاستراتيجي وبعقيدة جيشها المعادي لـ “إسرائيل”، إن استهداف سورية لأجل حرف مسارها عن محور الممانعة والمقاومة وتقديم أوراق اعتمادها للبيت الأبيض الأمريكي لنيل رضا الإيباك الصهيوني.

7 – إن إصرار سورية على مواقفها السياسية جعلها مستهدفه، وعرّى المتحالفين مع الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل” لأجل إسقاط سورية، من المرتزقة من مختلف الجنسيات الذين زج بهم إلى سورية لأجل تدميرها واستنزاف قدرات الجيش العربي السوري كي يستطيعوا النيل من عزيمة وصمود عاصمة بلاد الشام سورية.

8- إن هدف المتآمرين على سورية السير بمخطط تصفية القضية الفلسطينية، ويأتي حصار “إسرائيل” للفلسطينيين وحجب الدعم المالي العربي والدولي عن الفلسطينيين جزءاً من المخطط التآمري الذي يستهدف سورية والقضية الفلسطينية.

رابعاً: الموقف الإيراني من استهداف سورية

إيران إحدى الدول المحورية في منطقة الشرق الأوسط في ضوء ما تمتلكه من مقومات حضارية وثقافية وموقع جيواستراتيجي بالغ الأهمية يضم بداخله جميع مقومات القوة الشاملة للدولة بما جعلها إحدى القوى الرئيسة التي يصعب تجاهلها، فإيران تعد وستظل إحدى دول التنافس الحضاري في منطقة الشرق الأوسط .

ومع وصول الرئيس روحاني إلى السلطة في إيران عام 2013، لم يحصل أي تغيير جذري في توجهات السياسة الخارجية الإيرانية، إلا أن ملامح التغير قد تتضح في الآتي :

1. التغير في أدوات السياسة الخارجية الإيرانية نحو إعطاء دور أكبر للدبلوماسية الإيرانية في العمل بالقضايا الشائكة، مثل قضية البرنامج النووي الإيراني، والعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، والعلاقات مع دول الخليج العربي. فقد أكد روحاني على التفاهمات المشتركة مع دول الجوار، وإيجاد مصالح مشتركة، ونبذ الخلاف، وهو دبلوماسي ماهر ذو خبرة كبيرة في السياسة الخارجية.

2. تخفيف حدة خطاب السياسة الخارجية الإيرانية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، مع التأكيد على ثوابت السياسة الخارجية الإيرانية، كونها سياسة لا شرقية ولا غربية قائمة على مبادئ الثورة، وترفض التدخلات الخارجية في شؤونها، ولا يحمل ذلك أي تغيير في مضمون العلاقات أو القضايا وإن اختلف في الأسلوب والأداة، إذ إن الرئيس نجاد كان ينتهج خطاباً شديد اللهجة تجاه تلك الدول.

3. تخفيف الضغوط الداخلية والخارجية على إيران، عبر التفاوض ودعم العلاقات المشتركة، والتركيز على الملف الاقتصادي، مما يعني خلق مصالح أوسع مع الدول الأخرى، وإن كان الرئيس محمود أحمدي نجاد قد بدأ ذلك بالفعل عبر توسيع علاقة إيران بأمريكا اللاتينية وأفريقيا.

4. تتجه إيران في ظل الرئيس روحاني إلى دعم قوتها الناعمة، وتأكيد دور الدبلوماسية في السياسة الخارجية كإحدى أهم أدوات القوة الناعمة. وجدير بالذكر أن الرئيس نجاد قد انتهج سياسة قائمة على “القوة الذكية” التي تجمع بين أدوات القوة الناعمة والصلبة في تحركات السياسة الخارجية دون إهمال أي منهما.

شكّلت الأزمة السورية نقطة اشتباك بين نظم إقليمية ودولية، فبعض الدول الإقليمية مثل تركيا وبعض الدول العربية والقوى الدولية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، تريد إسقاط الدولة السورية، وبالمقابل هناك قوى دولية متمثلة بروسيا الاتحادية والصين تقف إلى جانب الحكومة السورية، واستخدمت كل منهما حق النقض (الفيتو) مرات عديدة، ووقفت ضد صدور قرارات عن مجلس الأمن بفرض عقوبات على سورية، ورفضت التدخل العسكري الغربي في الأزمة السورية.

وفي ظل تفاقم الأوضاع الداخلية في سورية، وتحت مبررات ارتداد الصراع وانعكاس أثاره على بلدانهم، كانت بعض الدول من المنخرطين في الأحداث السورية بما يكفل ضمان مصالحهم، وتحقيق أهدافهم الاستراتيجية على المدى البعيد.

إن الموقف الإيراني المؤيد لسورية والداعم لها يرجع في جزء كبير منه إلى :

– الرغبة في عدم فقدان التأثير الإيراني على الساحة اللبنانية بحكم الدور السوري الذي يوفر التسهيلات الكبيرة كجسر لذلك التأثير.

– توافق الموقف السوري مع الموقف الإيراني فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي.

– محاولة الحد من التأثير الغربي على الساحة السورية.

– تقليص النفوذ السعودي على الساحة اللبنانية.

– قطع الطريق أمام تركيا لكي تكون طهران في الريادة وأن يكون لها دور فاعل في الأحداث على الساحة السورية.

وكان السفير الإيراني في لبنان، غضنفر ركن أبادي قد لخص الموقف الإيراني من الأحداث في المنطقة العربية على الشكل الآتي :

1. “الثورات والحركات العربية” في طور النموّ والتصعيد، ولم تتبلور وجهتها النهائية بعد، مع أنها تبشّر بالخير في مصر وتونس واليمن والبحرين، لجهة زوال الحكم وتحكّم هذه الشعوب بمصيرها؛ وهي شعوبٌ معاديةٌ للولايات المتحدة الأمريكية و”لإسرائيل” بالأصل.

2. علينا أن نحوّل التهديدات المتصاعدة لشعوبنا ولدولنا إلى فرص، من خلال توحيد الجهود ورسم خُطط العمل والمواجهة، لتحديد نقاط الضعف والقوة.

3. إن أوضاع المحور المعادي للمقاومة والممانعة سيئة جداً. فالأمريكيون ينسحبون من العراق بذلٍ وبهزيمة سياسية؛ وفشلوا في أفغانستان، كما في لبنان وإيران؛ فضلاً عن الأزمة الاقتصادية الخطيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، بما يمنع هذه الأخيرة من شنّ حروب أو اعتداءات في المنطقة أو خارجها. وكذلك هي حال الكيان الصهيوني الذي هُزم أمام المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، وهو يعاني قلقاً وجودياً وإرباكاً استراتيجياً لناحية شنّ الحروب والاعتداءات على الدول المحيطة به أو البعيدة عنه.

4. النظام في سورية قوي وشعبيته واسعة، وهو سيخرج من أزمته الداخلية أكثر منعة وقوة، ولن يسقط، وإيران تدعم بالكامل النظام والشعب في سورية لمواجهة المؤامرة الغربية الجديدة.

5. يحاول الأمريكيون والغربيون (سراً وعلناً) إطلاق قناة اتصال مباشر مع إيران، لمعالجة ما يسمونه الملف النووي الإيراني وقضايا المنطقة التي تدعمها إيران، كونها قضايا تحرر وحق وعدالة، ضمن صفقة متكاملة، يتصور هؤلاء أن إيران قد تقبل بها لقاء بعض المغريات أو لإزالة التهديدات عنها.

6. بالنسبة لتركيا، فهي فعلاً قلقة مما يجري في سورية، وتتدخل بقوة على هذا الأساس (الحدود الطويلة لها مع سورية والتداخل الديموغرافي)، مع عدم اعتقادنا بأنها تريد أدواراً إقليمية كبرى لها في المنطقة على حساب إيران أو سورية أو السعودية، ومن دون التقليل من مساوئ هذا الدور التركي. إن إيران صاحبة مبادئ ولديها استراتيجيات واضحة، وهي تتعامل مع تركيا وغيرها ضمن هذه المبادئ والقيم، وعلى أساس المصالح المشتركة وموازين القوى.

7. إيران ليست لديها سياسات مذهبية في المنطقة، ومن يقرأ الدستور الإيراني بدقة يدرك أن الدعم الإيراني لحركات المقاومة والتحرر هو واجب إيراني يشمل هذه الحركات والقوى، مهما كانت هويتها (رفض مقولة الهلال الشيعي).

8. إيران تريد أن تستأنف علاقاتها الكاملة مع مصر بعد الأحداث، بهدف تقوية إمكانات الأمة وتوحيدها بمواجهة الأعداء المتربصين بها؛ والمسألة متعلقة بمصر نفسها وليس بإيران. وهذه الحال كانت منذ سنين طويلة.

9. تسعى إيران للتوحيد أو التقريب بين المذاهب الإسلامية، لإبعاد خطر الفتن المذهبية، ومن أجل ضمان النصر على الأعداء المدججين بالسلاح، وبالأفكار العنصرية الحاقدة على الشعوب العربية والإسلامية. والجهود الإيرانية في هذا المجال ليست خافية على أحد منذ عقود.

10. قضية القدس هي جوهر القضية الفلسطينية، التي تُعد من أولى أولويات إيران منذ سنين طويلة، وخاصة بعد خروجها من تداعيات الحرب مع العراق عام 1980، وما يجري من تهويد للقدس، ومن استيطان شامل في الضفة الغربية والنقب، يستدعي من دولنا ومن شعوبنا الاستنفار الكامل لدعم صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة المؤامرة الصهيونية الجديدة. وإيران ستكون في المقدمة للتصدي لهذه المؤامرة؛ كما لأي عدوان أو حرب عسكرية أمريكية أو “إسرائيلية” على إيران، والتي هي على أتم الجهوزية والاستعداد، على المستويات الرسمية والعسكرية والشعبية.

    وتخشى إيران من فقدان الحليف السوري، فهذا الحليف الوثيق قد يفقد إيران الكثير من الأوراق الأساسية التي تمتلكها في المنطقة في حال خسارتها له، فهي بحاجته لأنه يشكل لها ممراً أساسياً نحو منطقة الشرق الأوسط وبالذات نحو لبنان وفلسطين ودول الخليج العربي، وفقدان إيران لهذه البوابة المصيرية يعني محاصرة إيران تماماً بين أعدائها.

خامساً: الدعم الإيراني لسورية في مواجهتها للإرهاب الدولي

قدمت طهران دعماً عسكرياً كبيراً لسورية في حربها ضد الإرهاب التكفيري، ويمكن إيجاز هذا الدعم بما يلي:

أ – الدعم التقني والتدريب وتقديم المشورة: حيث أرسلت طهران مستشارين في المجال الإعلامي وقامت بتزويد الإدارة السياسية في الجيش العربي السوري بتوجيهات ومحاضرات عن دور الإعلام وكيفية إدارته في الأزمات الداخلية للدول، وكذلك تزويد الأجهزة الأمنية ببعض المعدات التقنية وتكنولوجيا مراقبة البريد الإلكتروني والهواتف المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي .

ب – الدعم الإعلامي: الذي بدء في العام 2012، حيث قدمت طهران الدعم الإعلامي الواسع، وفضح المؤامرة التي تستهدف سورية، وكشف المخططات التي تستهدف نشر الطائفية وإثارة مخاوف الأقليات على مستقبلهم في سوريا والمنطقة، ومنع ظهور الخطاب الطائفي، والعمل على سياسة الحشد والتجييش للمواقف التي يمارسها محور المقاومة والممانعة.

ج – الدعم العسكري للجيش السوري: والذي ازداد منذ بداية العام 2013، وظهرت نتائج التدخل العسكري الإيراني المبكر في سورية والمتمثلة بتشكيل قوات الدفاع الوطني . وتدخلت القوات الإيرانية بالمشاركة مع قوات حزب الله اللبناني في 21 نيسان 2013 لمساعدة الجيش السوري في محاصرة مدينة القصير، لتكون أول مرة تدخل فيها القوات الإيرانية في عملية واسعة علناً في سورية، خسرت فيها المئات من المقاتلين، كما خسرت ثمانية من قادتها التابعين لفيلق القدس كانوا يقاتلون في القصير.

وعندما ظهر تنظيم داعش الإرهابي ISIS وسيطر على مساحات واسعة في محافظات حلب وإدلب والرقة والحسكة ودير الزور. أرسلت طهران قوات منها لواء أبو الفضل العباس وعصائب أهل الحق إلى سوريا لقتال تنظيم داعش. وشاركت القوات الإيرانية بشكل مباشر في المعارك جنوب سوريا وانتدب قاسم سليماني ليكون على رأس المهام القتالية هناك، بعد استشهاد عدد من القادة العسكريين الإيرانيين في القنيطرة إثر الغارات الإسرائيلية.

د- الدعم المالي: أما في إطار الدعم المالي، فقد قامت إيران وسوريا في 2013 بتوقيع اتفاقية تتيح لدمشق الاقتراض من إيران حتى سقف مليار دولار وذلك بفوائد ميسرة، وهي اتفاقية “خط التسهيل الائتماني”، لتلبية الاحتياجات الأساسية للحكومة السورية. كما تم الاتفاق على عدة عقود في مجال انتقال الطاقة والمعدات الكهربائية . وبتاريخ 19/5/2015 تم التوقيع على اتفاقية فتح خط إئتماني ثاني بقيمة مليار دولار على أن تكون التوريدات من داخل إيران بنسبة 100%.

سادساً: التعاون الاقتصادي السوري الإيراني

يعد العامل الاقتصادي متغيراً أساساً في العلاقات الدولية خاصة بعد انهيار نظام القطبية الثنائية واتجاه دول العالم إلى خلق تكتلات اقتصادية إقليمية ودولية، لمواجهة النظام العالمي الجديد. وهكذا تعززت العلاقات الاقتصادية بين الطرفين حيث بلغت الاستثمارات الإيرانية بسوريا سنة 2006 حوالي مليار دولار، كما تم توقيع مذكرات تعاون في آذار 2008، وبذلك اتجهت الدولتان إلى تعزيز علاقاتهما الاقتصادية وخلق فرص جديدة للاستثمار وتنمية الاقتصاد السوري. وقدمت طهران مساعدات اقتصادية لدمشق بلغت 7 مليار دولار لمواجهة الأزمة، كما أقامت مشاريع اقتصادية مشتركة بسوريا كمحطات إنتاج السيارات، ومحطات الكهرباء علاوة على إعفاء الصادرات السورية إلى إيران. وبذلك تسعى الدولتان إلى خلق الأجواء المنافسة لها خاصة مع تزايد الضغط الإقليمي والدولي على سورية، ورغم ذلك فقد صوت البرلمان الإيراني في 2011 على اتفاقية التبادل الحر مع دمشق.

تحكم العلاقات الاقتصادية السورية الإيرانية اتفاقية التعاون الاقتصادي المشترك الموقعة بتاريخ 16/3/2015، وبموجبها تم التوقيع على عقود لمشاريع استثمارية خاصة بتاريخ 16/8/2016، وهي:

– عقد اتفاق خاص لحق الاستفادة من إنتاج الفوسفات السوري وتطوير الاستثمار في منجم الشرقية.

– مذكرة تفاهم المشغل الخليوي الثالث.

– عقد استثمار منشأة أبقار زاهد في محافظة طرطوس والأراضي الملحقة بها.

– معالجة مستحقات وكفالات الشركات الإيرانية العاملة في سورية (الشركات المتعثرة) منذ ما قبل الأزمة، وفقاً للعقود الموقعة (المادة 8 من اتفاقية التعاون الاقتصادي المشترك).

– استثمار أراضي زراعية بمساحة /5/ آلاف هكتار.

كما أكد السفير الإيراني في دمشق جواد ترك أبادي في العاشر من شباط 2018 أنّ بلاده ستقف إلى جانب سورية في مرحلة إعادة الإعمار وستكون شريكة لها وتقدم كل إمكاناتها لإعادة البناء حتى تعود سورية أفضل مما كانت عليه قبل الأزمة، وأن كل ما في بلاده سيكون مسخراً للأشقاء في سورية الذين امتزجت دماء ابنائنا بدماء أبنائهم، نظراً لوجود رغبة مشتركة بين شعبي وقيادتي البلدين في تمتين العلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية .

سابعاً: المبادرات التي قدّمتها إيران لحل الأزمة السورية

من الواضح أن السياسات الدولية– الإقليمية في سورية لا يمكنها إنتاج أكثر من «تسوية» في أفضل الاحتمالات، لكنها لا تستطيع إنتاج حل سياسي، لأن مفهوم «التسوية» مختلف كلياً عن مفهوم الحل السياسي في مسائل كثيرة، من أبرزها :

أولاً: تقوم «التسوية» على تثبيت واقعة الانقسام المجتمعي والتعبير عنها في نظام محاصصة سياسية، بوصفها تسوية بين مكوّنات مجتمعية ما قبل وطنية، وتطرد مفاهيم مثل: المجال العام، الغالبية والأقلية السياسيتين، الدولة والشعب، المواطنة والعدالة والمساواة، أي المفاهيم التي ينبني عليها الحل السياسي .

ثانياً: «التسوية» هي عملية تنضيد لعلاقات القوة بين الطوائف والمذاهب والإثنيات، وفق ظروف اللحظة التاريخية التي فرضتها، وهذا يؤسس لشروط انفجار أزمات وحروب، تبقى مطروحة على الدوام، بمجرد تغيّر الظروف التي أنتجت «التسوية» المذكورة. بينما الحل السياسي يذهب باتجاه وضع سورية على سكة الإصلاح السلمي الديموقراطي، لأنه قائم على علاقات سياسية ومدنية بين مواطنين أحرار، ينظّمها القانون العام الذي يتوافق السوريون على وضعه، إما بواسطة جمعية تأسيسية أو بواسطة برلمان منتخب.

ثالثاً: تتصل «التسوية» بموازين القوى الإقليمية والدولية وبمصالح الدول المشاركة فعلياً بصناعتها، عن طريق انجدال القوى الطائفية والإثنية والجهوية المحلية على حبال القوى الخارجية، بعد تفتيت المجال الوطني واغتيال فكرتي العمومية والمواطنة، فتغدو سورية مع هذا الانجدال بين قوى ما دون وطنية داخلياً ومصالح خارجية عمياء، ساحة نفوذ في أوقات السلم، وساحة تفريغ صراعات في أوقات التوتر والحروب، متحولة بذلك إلى وضعية الوطن– الساحة. فيما يتجه الحل السياسي إلى تحييد سورية عن تجاذبات الخارج باستناده إلى المصلحة الوطنية النافية للمصالح الجزئية.

رابعاً: تجهد قوى الأمر الواقع (قوى الحرب) إلى إجهاض الحلول السياسية، وإلى التمسك بتسويات تُبقي نفوذها حتى في أوقات السلم الفاصلة بين حربين، وتسمح بهروبها من العدالة والمساءلة القانونية. فالعدالة من المداخل المهمة لأي حل سياسي قابل للاستمرار وتوليد الحياة بدل تعميم الموت.

خامساً: إن أي «تسوية» تُطبخ دولياً وإقليمياً ليصار إلى فرضها على السوريين، وتؤدي إلى نظام محاصصة، في حيّز جيوسياسي يقع بين تجربتي محاصصة فاشلتين (التجربة اللبنانية والتجربة العراقية)، يصبح معها المشرق العربي في حالة سيلان مذهبي وطائفي وإثني، وتصبح حدود الهويّات هي حدود «الأوطان» الحقيقية.

سادساً: الحل السياسي المبني على المسألة الوطنية، يفتح أمام السوريين إمكانات التقدم على كل المستويات، ويضعهم على مسار البحث عن دور إقليمي– اقتصادي لسورية، وإعادة بنائها عمرانياً وسوسيولوجياً، ووصلها بالبشرية العاقلة والمتمدنة، في حين تُبقي «التسوية» بين المذاهب والإثنيات والطوائف، السوريين مجرد رعايا مذهبيين لهذه الجهة الإقليمية أو تلك، أي تحوّلهم إلى طوائف للإيجار ومتناحرة في ما بينها تناحراً عدمياً.

 فعلى الصعيد السياسي ترى إيران أنّ حل الأزمة السورية يكمن بالإصلاح الذي ينادي بتحول سورية لنظام سياسي أكثر انفتاحاً، وبتعددية سياسية حذرة , ومن الناحية العملية، فإنّ إيران تقدم دعماً سياسياً وعسكرياً واسعاً لسورية شعباً وقيادة، بما يمكنه من الصمود أما الضغوط الداخلية والخارجية، وبغية تحقيق المصالح الإيرانية المتوخاة من التدّخل في الصراع الدولي والإقليمي حول سورية.

ولم تشارك إيران في مؤتمر جنيف 1 لحل الأزمة السورية في 30 حزيران 2012، حيث أعلنت مراراً عن استحالة حل الأزمة السورية عسكرياً، وإنما يتم حلها عن طريق الحوار الوطني بين الأطراف المتصارعة. وانتقد رئيس مجلس الشورى الإيراني على لاريجاني عدم التزام الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الإقليمين بوعودهم في ذلك المؤتمر .

وفي إطار الدعم السياسى الإيراني لسورية، دعت طهران إلى لقاء تشاوري حول الأزمة السورية في 9 آب 2012 بمشاركة 30 دولة حيث أعلن وزير خارجية إيران وقتها علي أكبر صالحي أن إيران ستقدم مبادرة لحل الأزمة السورية سلمياً في مؤتمر دول عدم الانحياز، وأن طهران تجري اتصالات مع مصر للتشاور حول المبادرة وشروطها، وذلك كرد على سلسلة المؤتمرات التي عقدتها الدول المعادية لسورية واجتماع مجموعة الاتصال الدولية في جنيف، وقد أبدت إيران استعدادها للمشاركة في أي حل سياسي للأزمة في سوريا. بالإضافة إلى ماقدمته تحت ما يسمى “خارطة الطريق” والتي اقترحت بواسطة الرئيس المصري الأسبق محمد مرسى بمشاركة السعودية وتركيا وإيران من أجل إيجاد مبادرة للحل في سوريا.

وفي آذار 2014، عرضت إيران على الأخضر الإبراهيمي مبادرة جديدة تضمنت الإطار العام الذي تم الاتفاق عليه في مؤتمر جنيف 1 للسلام حول سورية، في شأن نقل السلطة بشكل سلمي بما يكفل حل الأزمة السورية حلّاً يمنع استنزاف الدولة السورية الذي يصب في مصلحة أصحاب المصالح من الدول الكبرى في المنطقة العربية ككل.

 ثم تدخلت إيران عسكرياً وبشكل مباشر في سورية، ومن خلال ذلك التدخل تم تغيير ميزان القوى لصالح الدولة السورية وبدأ الجيش العربي السوري يستعيد زمام المبادرة ويستعيد الأراضي التي احتلت من قبل العصابات الإرهابية.

    وتهدف إيران من خلال العمل على إيجاد حل سياسي للأزمة السورية إلى لعب دور إقليمي يؤهلها لتكون دولة بارزة إقليمياً ودولياً من خلال طرحها مبادرة للحل السياسي في سوريا تسمى مبادرة النقاط الأربع عام 2015، والتي تتضمن أربعة بنود وضعها وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف كحل للأزمة السورية تضمنت هذه المبادرة: وقف إطلاق النار، والسيطرة على الحدود السورية ومنع دخول المقاتلين الأجانب والسلاح إليها، وفتح الأبواب أمام المساعدات، بالإضافة إلى بند الحكومة الانتقالية. كانت هذه المبادرة متطابقة مع مبادرة المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي في تشكيل حكومة وحدة وطنية وتعديل الدستور وإجراء انتخابات، لكن كل هذا لم يفضي للتوصل لحل للأزمة السوية .

لقد أدى صعود تنظيم “داعش” إلى تقارب أميركي إيراني، وصل إلى حد التنسيق الاستخباراتي واللوجيستي المشترك، وغير المباشر، في العراق، رغم استبعاد طهران، ابتداء، من التحالف الدولي، وذلك في ظل الحاجة لنفوذها على أطراف المعادلة السياسية العراقية نحو توحيد جهدهم ضد “داعش”، أمام عجز سلاح الجو الأمريكي بمفرده عن إلحاق الهزيمة به، ورفض إرسال قوات عسكرية برية إلى هناك، فضلاً عن قلق واشنطن على مستشاريها العسكريين في العراق من أي توتر محتمل مع إيران قد يرتد سلبياً عليهم. ولاشك في أن هذا التعاون الثنائي يصب في مصلحة إيران باتجاه محاربة التنظيم الذي شكل ضربة قاصمة لمشروعها في المنطقة، عبر سيطرته على مساحات شاسعة من العراق، وقطعه صلة التواصل الجغرافي بين طهران وحليفها في دمشق. إلا أن التنسيق بين الطرفين لا ينفي حالة الصراع بينهما، كما أن الاتفاق النووي الإيراني، رغم ما يسهم به من تقارب مفقود طويلاً، وفتح فضاءات، سياسية واقتصادية، كانت مغلقة أمام طهران، في ظل محددات سعودية وتركية وإسرائيلية، كل على حدة، تقف أمام النفوذ الإيراني المؤثر في المنطقة.

ثامناً: الأزمة الخليجية وأثرها على الموقف الإيراني من الحرب في سورية

للأزمة الخليجية تداعيات وانعكاسات على مجمل الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، فهي كانت محصلة لإعادة تموضع الكثير من الكيانات والحركات السياسية، خاصة عقب فشل المشروع الأمريكي في المنطقة، إلا إن الأزمة السورية، والمعارضة السورية، المدعومة من دول الخليج، كانت الأكثر تأثرًا بهذه الأزمة، التي عصفت بكل المنطقة.

فالأزمة الخليجية لابد أن تترك تداعيات خطيرة على الوضع في سورية، فقد رأت سورية في الأزمة الخليجية فرصة للتأكيد على صحة رأيها بتدخل بعض الدول في شؤونها الداخلية، وأن هذه الأزمة تؤكد دعم قطر ودول الخليج للجماعات الإرهابية في سورية. وفي هذا السياق أكد نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد أن الواقع السوري في ضوء الأزمة الخليجية جيد ونحن متفائلون، معتبراً أن “المهزلة التي تشهدها منطقة الخليج توضح للجميع أننا على حق”. وفي تصريح لصحيفة الوطن السورية، قال المقداد: “الواقع الميداني الآن جيد، وأنا دائماً متفائل، وأعتقد أن هذه المهزلة توضح للقاصي والداني أن سوريا كانت دائما على حق”. وأضاف، “كنا، ومنذ البداية نقول إن بعض دول الخليج، تقف مع الإرهاب وتموله وتسلحه.. “نعتقد أن قطر والسعودية متورطتان في كل الإرهاب الذي يمارس على الأرض السورية.

لقد تم تحقيق نجاحات كبرى ضد تنظيم “داعش” الذي تأثر بسوء العلاقات السعودية- التركية، وربما لن يطول الوقت حتى يختفي من هاتين الدولتين، لكن زوال “داعش” لن يكون خاتمة الأحزان، بل ربما يكون بداية لآلام أخرى من نوع جديد، فالتنظيم أقام دولة التطرف بكل مقوماتها، وشكّل جيشاً من الإرهابيين الحاقدين على الإنسانية، فظهور التطرف بهذا الشكل الخطر، في العراق وسورية، يطرح أسئلة حقيقية عن المستقبل في هاتين الدولتين .

كما أثرت الأزمة الخليجية على إيران وهي الدولة الاقليمية الأهم في تحديد مسار الأزمة السورية. ولا يمكن تجاهل الفوائد السياسية التي قد تجنيها طهران على الأقل في المدى القريب؛ حيث أن الأزمة الخليجية الحالية أدَّت إلى تشتيت الجهات الفاعلة الرئيسة وإعاقة جهود السعودية في تشكيل تحالف عريض للتصدي لما تعتبره تزايدًا في الخطر/النفوذ الإيراني. كما أن تصدع الجبهة الداخلية لمجلس التعاون الخليجي قد يُسرِّع من تراجع مكانة مجلس التعاون الاستراتيجية على المستوى العالمي، الأهم، أن دولًا خليجية مثل الكويت وسلطنة عُمان وقطر ستُبقي خطوطها السياسية والاقتصادية مفتوحة مع إيران تحسباً لأية تطورات مستقبلية. وهنا، يمكن القول: إنه رغم المساعي الإيرانية لتسجيل المزيد من النقاط في الأزمة الخليجية لصالحها، فإن سياسة طهران تبدو إلى حدٍّ ما حذرة في استغلال الانقسامات الداخلية لدول مجلس التعاون الخليجي خوفاً، في حال تصاعدها، من أن تتطور إلى صراع إقليمي أوسع قد يكون له عواقب وخيمة على إيران وحلفائها في المنطقة . فالتقارب الإيراني القطري واضحاً وملموساً بشواهد عدة، وأبرزها العرض القطري لإيران لمساعدتها في استخراج الغاز الإيراني من حقل الشمال، كذلك تردد الأنباء عن استعداد الدولتين للقيام بمناورات عسكرية مشتركة وهو ما يوضح مدى متانة العلاقات بين الدولتين.

تاسعاً: الموقف الإيراني من عملية “غصن الزيتون” التركية

تركز سياسة تركيا في شمال سورية على احتواء النفوذ المتزايد للجماعات الكردية التي أسست لنفسها مناطق حكم ذاتي منذ بداية الحرب السورية في 2011. وتقول أنقرة: إن وحدات حماية الشعب تمثل تهديداً أمنياً وتراها امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يشن تمرداً على الدولة التركية منذ عشرات السنين.

وفي العشرين من كانون الثاني 2018 بدأت تركيا عملية عسكرية برية في منطقة عفرين السورية ضد ما يسمى بوحدات حماية الشعب الكردي التي تشكلت بمباركة أميركية، عملية سبقتها موجة من العمليات الجوية وعمليات استخباراتية على الأرض بهدف جمع معلومات حول وجود تلك الوحدات وانتشارها في الشمال والشمال الشرقي لسوريا.

واعتبر الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أن عملية “غصن الزيتون” التي تشنها تركيا على منطقة عفرين شمالي سوريا لن تحقق أهدافها، مؤكداً رفض بلاده دخول أي جيش أراضي دولة أخرى دون موافقتها . كما أعلنت وزارة النفط الإيرانية وقف تصدير الغاز الطبيعي لتركيا بالمجان، وكانت طهران قد قامت بتصدير ما يقرب من 8 مليار متر مكعب من الغاز لتركيا مجاناً. وتركيا تعتمد بشكل رئيس على استيراد الغاز من إيران، إذ يُمثل الغاز الإيراني 16 بالمئة من استهلاك تركيا، وتُعتبر هذه الخطوة ضربة اقتصادية توجهها طهران لأنقرة كرد فعل للأزمة السياسية الناشبة بين البلدين بسبب التدخل العسكري التركي في سوريا .

الخاتمة والنتائج:

ختاماً لابد من القول: إن إيران سوف تكون أحد أقوى دولتين في المنطقة، فهي تتمتع بثروة كبيرة، وتُعد أكبر القوى الخارجية من حيث تأثيرها في العراق، ولها نفوذ لا يستهان به على “حزب الله” وحركة حماس ودعمها لهم، فهي قوة تقليدية لها طموحاتها وتهدف إلى إعادة صياغة المنطقة وفق رؤيتها الخاصة، كما إن لها القدرة على ترجمة هذه الأهداف إلى واقع. والتحدي الأساس الذي يواجه سياسة إيران الخارجية، هو إيجاد التوازن بين العنصر الجيوبولتيكي والعنصر العقائدي الموجود طوال تاريخ إيران، والذي بلغ القمة خلال عهد الثورة الإسلامية.

وإن النجاحات في السياسة الخارجية السورية لم تكن لتتحقق لولا الوقوف عند مجموعة من العوامل:

– الرؤية الاستراتيجية الدقيقة التي تميزت بها القيادة السورية، وحسن قراءتها لمآل الملفات في المنطقة، وسبل حلّها بالشكل الذي يخدم الأهداف القومية والوطنية.

– الحس الوطني والقومي الذي تميز به الشعب العربي السوري، والتفافه حول قيادته السياسية، ودعمه للقضايا العربية دون أن تكون له مطالب أو مقاصد.

– الثبات في المواقف الاستراتيجية التي تخص الكرامة العربية والأرض العربية، مهما كان حجم الضغوط.

– استشراف المواقف السياسية من نبض الشارع وبما لا يتجاوز الشعوب وإرادتها.

– دعم الأصدقاء وعلى وجه الخصوص الدعم الروسي والإيراني الذي كان عاملاً مساعداً وبقوة في إفشال المخططات التي حيكت لسورية.

المراجع:

1- آيزنشتات، مايكل- “التدخل العسكري الإيراني في سورية: الآثار طويلة الأمد”، معهد واشنطن، تاريخ 15 تشرين الأول 2015.

2- بدوي، تامر- “ماذا تعني سورية بالنسبة لإيران جيو- استراتيجياً”، نون بوست، تاريخ 6/9/2013.

3- التميمي، ناصر- “الأزمة الخليجية وتداعياتها على مستقبل مجلس التعاون”، مركز دراسات الجزيرة، بتاريخ 14/2017.

4- الخطيب، منير- “عن الفرق بين التسوية والحل السياسي في سورية”، صحيفة الحياة، تاريخ 5/10/2016.

5- راشد، سامح- “تداعيات الأزمة السورية إقليمياً ودولياً”، مؤسسة الأهرام، مجلة شؤون عربية، العدد 156، 2013.

6- الشاهر، شاهر إسماعيل- “خرائط ما بعد سايكس بيكو… من التقسيم إلى التفكيك”، المركز الديمقراطي العربي، تاريخ 31/7/2017.

7- الشاهر، شاهر إسماعيل- الدولة في التحليل السياسي المقارن، دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب، 2015.

8- الشاهر، شاهر إسماعيل وآخرون- الدولة السورية والتحديات الراهنة، دمشق: مركز الدراسات العسكرية، 2017.

9- عبد الحي، وليد- مستقبل المكانة الاقليمية لإيران عام 2020، الجزائر: مركز الدراسات التطبيقية والاستشراف، 2010.

10- عبد الصبور، سماح- “التغيرات المحتملة: السياسة الخارجية الإيرانية بعد فوز روحاني بالرئاسة”، القاهرة: المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية، بتاريخ 17/6/2013.

11- العدوان، طايل يوسف عبد الله- الاستراتيجية الاقليمية لكل من تركيا وإيران نحو الشرق الأوسط، رسالة ماجستير، جامعة الشرق الأوسط: كلية الآداب والعلوم، 2013.

12- العلو، سقراط- “سورية ضحية الجغرافية: مدخل جيوسياسي لفهم تعقيدات الأزمة السورية”، ألمانيا: المركز الديمقراطي العربي، تاريخ 20. يونيو 2016.

13- عليوي، حسين+ الياسري، إيسر- “الأزمة السورية: المواقف الإقليمية والدولية”، مجلة الكوفة، العدد 17، تاريخ 17 نوفمبر 2013.

14- العمار، منعم صاحي- الهيمنة الأمريكية وجدلية المواجهة، العراق: مركز الدراسات الدولية، ط1، 2002.

15- فولتون، ويل ـ هوليداي، جوزيف ـ واير، سام- “الاستراتيجية الإيرانية في سورية”، أيار 2013.

16- محمد، محمود- “غصن الزيتون تُحرم تركيا من الغاز الإيراني”، اليوم الجديد، تاريخ 6/2/2018.

17- مزوري، عبلة- العلاقات الإيرانية– السورية فى ظل التحولات الدولية الراهنة، رسالة ماجستير، جامعة باتنة، كلية الحقوق، 2010.

18- مزيان، محمد- “التقارب السوري الإيراني في ظل التحولات”، صحيفة الزمان، تاريخ 15/11/2013.

19- المقداد، فيصل- “المبادرة الإيرانية لحل الأزمة السورية”، على الرابط: www.aljazeera.net

20- ناجي، محمد عباس- “إيران والأزمة السورية… خيارات صعبة وخطوات ضرورية”، مجلة البيان، العدد: 297، تاريخ 18/3/2012.

المراجع باللغة الانكليزية:

 – al-Saadi Salam,” Iran’s Stakes in Syria’s Economy”,CARNEGIE ENDOWMENT FOR INTERNATIONAL PEACE, June 2, 2015.

الندوات:

ندوة بعنوان: “موقف إيران من الثورات العربية ومن القضية الفلسطينية”، بيروت: مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية، 12/12/2011.

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button