النزاعات الاثنية في افريقيا واشكالية الأمن والتنمية: نيجيريا انموذجا

شهد النصف الثاني من القرن العشرين تغيرات هيكلية جذرية مست المنظومة الدولية، هذا بظهور العديد من الدول الجديدة، في ظل النظام العالمي المنقسم على نفسه، تكتل شرقي اشتراكي شيوعي يتزعمه الاتحاد السوفييتي وتكتل غربي رأسمالي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية، ما وضع هذه الدول الحديثة أمام تحديات كبيرة لايجاد مكانة لها على الساحة الدولية المظطربة، نتيجة سعي كلا من التكتلين کسب مناطق النفوذ، في إطار الحرب الباردة، من خلال دعم طرف على الطرف الآخر في هذه البلدان، أو مايعرف بالنزاعات بالوكالة بين التكتلين الشرقي والغربي، خاصة في دول – العلم الثالث- ولم تكن الدول الأفريقية بعيدة عن هذه الأحداث حيث شهدت نزاعات داخلية من أجل السلطة، ومع نهاية الحرب الباردة وتفكك التكتل الشرقي الذي شكل نقطة تحول في النظام الدولي القائم والعلاقات الدولية وظهور النظام الدولي الجديد، حيث تغير نمط النزاعات من النزاعات الدولية إلى النزاعات الداخلية البحتة ذات الأبعاد الإثنية، وبروز المجموعات الإثنية كفاعل جديد في حقل العلاقات الدولية، تطالب بحقوقها السياسية و الاقتصادية والثقافية و اللغوية والدينية، ما أدى إلى حدوث اضطرابات سياسية واجتماعية واقتصادية أدت إلى تفكك العديد من الدول إلى كيانات سياسية مستقلة على الأسس الإثنية

إن هذه الأحداث والتغيرات التي عرفها العالم على مستوى العلاقات الدولية والبنى التفاعلية، كانت القارة الأفريقية المنطقة الأكثر تأثرا بهذه التغيرات، حيث زادت حدة النزاعات وأخذت الملحي الاثني في النزاعات التي عرفتها وكانت أكثر تهديدا لوجود الدولة في أفريقيا، هذا بالرغم من أنها | عرفت نزاعات بين مختلف الإثنيات منذ الاستقلال، إلا أن الوضع الدولي الذي ساد بعد نهاية الحرب الباردة كان بمثابة الدفعة القوية و الفرصة المواتية و الأرض الخصبة لهذه المجموعات الإثنية في محاولة التعبير والمطالبة بحقوقها، وظهور المتغير الاثني كفاعل قوي في العلاقات الدولية له التأثير في التفاعلات على المستوى الدولي أو على مستوى داخل الدول، هذا لفرض وجودها وذاتها وتميزها | عن باقي المجموعات الإثنية داخل الكيان السياسي الذي يجمعهم، حيث كان للقوى الاستعمارية الدور بطريقة أو بأخرى في تأجيج النزاعات بين مختلف المجموعات الإثنيات، انطلاقا من سياسة – فرق تسد – بين هذه المجموعات عن طريق منح الامتيازات السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية المجموعة دون أخرى على أسس إثنية، ما أدى إلى حالة عدم الاستقرار في معظم البلدان الأفريقية.

وإن زيادة الاهتمام بالمجموعات الإثنية على الصعيد العالمي لتصبح إحدى أهم القضايا في حقل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية في مراكز البحوث، بسبب زيادة حدتها و الآثار التي تخلفها من انتهاكات ترتكب من قبل أطراف النزاع في حق المدنيين على أسس إثنية كما حدث في العديد من الدول الأفريقية حيث راح ضحيتها الملايين من البشر بين قتيل ومشرد و لاجئ فالقارة إفريقيا من بين أكثر المناطق تأثرا بظاهرة النزاعات الإثنية في العالم، حيث كانت أسبابها عديدة ومتعددة، ونتائجها وأحدة، كان لها تأثير على الأمن وفرص تحقيق التنمية، من خلال توظيف الطاقات سواء الطبيعية أو البشرية التي تتمتع بها هذه القارة في غير موضعها.

1- أهمية الدراسة:

ترجع أهمية الدراسة إلى الإهتمام الكبير الذي توليه الدوائر الرسمية وغير الرسمية من مراكز الدراسات والأبحاث ومفكري ومنظري العلاقات الدولية و العلوم السياسية لمسالة الإثنيات و الأقليات عبر العالم، نظرا لتغير المنظور التقليدي لدورها على الساحة الدولية – خاصة بعد نهاية الحرب الباردةحيث ظهرت كيانات سياسية في الكثير من المناطق في العالم على أسس التية كما في أوروبا الشرقية و أسيا وأفريقيا، وظهرت أيضا نزاعات انفصالية على أسس اثنيه في العديد من الدول الأفريقيةالسودان، وأثيوبيا، و أنغولا، ونيجيريا، وعرفت منطقة البحيرات الكبرى مجازر كبيرة و إبادة جماعية راح ضحيتها مايقارب المليون شخص من إثنيئي التونسي والهوتو ، حيث وصلت تلك النزاعات إلى حد الإبادة على الأسس الإنتماءات الإثنية بين المجموعات المتنازعة، انطلاقا مما تراه وتؤمن به هذه المجموعات، بأنه دفاع عن وجودها ومصيرها ومصالحها في هذه المناطق.

فافريقيا قارة متعددة الإثنيات و اللغات والديانات، وعرفت العديد من النزاعات الإثنية بعد موجة الحركات التحررية التي عرفتها مختلف بلداها، وبصفة خاصة مع نهاية الحرب الباردة، بين مختلف المجموعات الإثنية، الأمر الذي أثر على تطور وازدهار وتقدم هذه البلدان في مختلف المجالات، بالرغم من توفرها على كامل مقومات النهوض والتقدم سواء من الناحية المقومات الطبيعة أو البشرية وبالتالي من خلال هذه الدراسة، العمل على تشخيص والبحث في العلاقة بين هذه النزاعات الإثنية للوصول إلى كيفية تحقيق الأمن والتنمية لما بعد النزاع، والوصول إلى الحلول التي من خلالها يتم الخروج من ظاهرة النزاعات الإثنية والتخلف في مختلف المجالات التي تعاني منها القارة الأفريقية، فطموح كل مجموعة إثنية للحصول على امتيازات سواء سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا أو ثقافيا أو حتى دينيا، على حساب المجموعات الإثنية الأخرى، يؤدي حتما إلى رد فعل المجموعات الأخرى لمنع تحقيق هذه المجموعة لغاياتها وقد يكون بأكثر حدة وعنف، ومثل هذه الأعمال تفتح المجال لنزاعات تؤثر على العمليات التنموية وتقوض الأمن وزيادة حدة النزاعات على أسس إثنية في تلك الدول، هذا مايؤدي إلى تسخير مختلف الموارد لحفظ أو إستعادت الأمن، بدل توظيفها في مجالات التنمية والتطوير.

فموضوع النزاعات الإثنية والأمن والتنمية في أفريقيا، له أهمية كبيرة، تتجلى من خلال الآثار التي تنتج عنها على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي و البيئي في بعض الأحيان، وبالتالي بحث و دراسة العلاقة التي تتحكم فيها، للوصول إلى تحديد الخلل للوصول إلى وضع الحلول للحد من النزاعات الإثنية عبر أليات واضحة من خلال سياسات وبرامج تنموية دقيقة وطموحة تراعي خصوصيات – التعدد الاثني- المجتمعات الأفريقية، لإعطاء تلك المجموعات الاثنية انطباع بعدم التهميش، والعمل على ترسيخ الاندماج المجتمعي بين مختلف الاثنيات، وتكريس مفهوم الوطن الواحد للجميع، والولاء للدولة كبديل لمفهوم الولاء للجماعة الإثنية، التي تؤثر بشكل أو بآخر على الإستقرار والأمن والبرامج التنموية في البلد، في إطار أوسع يشمل كل أطياف المجتمع ضمن بلدة واحد يستوعب التعدد والتنوع الاثني ويضمن لهم حقوقهم في اطار التساوي أمام القانون.

2- أهداف الدراسة:

إن أي دراسة أو عمل أكاديمي يقوم به الطالب أو الباحث أو مراكز بحوث ودراسات، يكون له هدف أو مجموعة من الأهداف التي يصبوا للوصول إليها، سواء تبيان الخلل و إزالوة اللبس والغموض عن الموضوع محل الدراسة، وبالتالي محاولة طرح و ايجاد الحلول المناسبة للإشكالية المطروحة في الدراسة، وهذا وفقا لمنظور ورؤيا تكون متناسية و خصوصیات موضوع الدراسة. ومنه نحاول من خلال هذه الدراسة الوصول إلى تلك الأهداف الموضوعة لها، والخروج بالحلول والكليات المناسبة له.

تحميل الرسالة

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button