النزاعات المسلحة في العالم :من أجل عالم أكثر دمارا

ان إعادة النظر في النزاعات المسلحة، وحفظ السلام، وإعادة بناء الدول التي مزقتها الحروب لا تزال من بين التحديات الأكثر صعوبة التي يواجهها العالم. ففي كل عام يموت ما لا يقل عن  000 250  شخص   في صراعات مسلحة يحدث معظمها داخل الدول وليس بينها. وقد أدت الحرب الأهلية الوحشية في سوريا إلى مقتل ما يزيد عن  250،000 شخص منذ بدء الحرب في عام 2011. ويؤدي النزاع المسلح وما يترتب عليه من آثار إلى تآكل كل جانب من جوانب المجتمع تقريبا: القانون والنظام وحقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية والاقتصادية والتعليم والخدمات الصحية الأساسية بيئة. وتبلغ التكاليف الاقتصادية العالمية لانعدام الأمن الناجمة عن الصراعات ما يقدر ب  400 بليون دولار كل سنة. وفي الوقت نفسه، فإن منع نشوب الصراعات والتخفيف من آثارها والاستجابة لها هي شواغل عالمية، لأن عدم الاستقرار غالبا ما يمتد عبر الحدود ويؤدي إلى القرصنة والاتجار بالمخدرات ومبيعات الأسلحة الصغيرة والاستغلال البيئي والإرهاب.

وبعد الفظائع الجماعية المروعة في رواندا والبوسنة في التسعينيات، من القرن الماضي كلفت الأمم المتحدة وعدة منظمات إقليمية مبادرات جديدة للتصدي للعنف. وقد عملت الأمم المتحدة رصد التطورات السياسية، والتخطيط لعمليات حفظ السلام ودعمها، وتنسيق الآليات المكلفة ببناء السلام. وفي الوقت نفسه، أدت الترتيبات الجديدة في إطار الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي ومنظمة الدول الأمريكية والمنظمات الإقليمية الأخرى إلى زيادة الاستجابة لعدم الاستقرار والعنف داخل مناطقها، وإن كان ذلك بمستويات متفاوتة من المشاركة، والفعالية و يعود ذلك الي عجز مجلس الأمن الدولي وفي أحيان كثيرة عن القيام بالمهمة الموكلة إليه (حفظ الأمن والسلم الدوليين) بسبب الاستخدام المتكرر لحق الفيتو وخاصة من قبل الاتحاد السوفيتي ، الأمر الذي أدى إلى تعطيل أحكام الفصلين السادس والسابع من الميثاق وعلى نحو لا يتفق مع روحه (الميثاق) وبالتالي فإن هذا الأمر قد أدى إلى عجز الأمم المتحدة عن صيانة الأمن والسلم الدوليين أو أعادتهما إلى نصابهما عند الإخلال بهما ، لهذا السبب وغيره من الأسباب بدأت تظهر أراء تدعو إلى أيجاد الحلول التي تضمن أعمال نصوص الميثاق بما يجعل المنظمة الدولية قادرة على أداء دورها وتحقيق الغاية التي وجدت من أجلها، وقد اتجهت هذه الآراء إلى تلمس الحل في اختصاصات الجمعية العامة التي هي الجهة الوحيدة التي تشارك مجلس الأمن في حفظ السلم والأمن الدولي أو أعادته إلى نصابه عند اختلاله، فأخذ أصحاب هذا الآراء بدراسة نصوص الميثاق المتعلقة بالجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي ويتوسعون في تفسيرها وكان من بين ما ينشدونه القضاء على التمييز بين أعضاء الأمم المتحدة هذا التمييز الذي كرس بشكل واضح في مجلس الأمن الدولي والذي لا يظهر ضمن نطاق الجمعية العامة ،يرى بعض الفقهاء أن قياس نجاح الأمم المتحدة في جهودها لتحقيق الأهداف التي أوجدت من اجلها يتم في ضوء أمرين ، أولهما استجابة الدول الأعضاء وخاصة الدول الأطراف في النزاعات لقرارات المنظمة الدولية ووضع هذه القرارات موضع التنفيذ ، والثاني فاعلية هذه القرارات ليس فقط في تحقيق ما توخته من أغراض خاصة ، بل أيضاً في تحقيق ما قامت عليه الأمم المتحدة من أغراض ومقاصد ولاسيما ما يتعلق بصيانة السلم والأمن الدوليين وإقامة علاقات ودية بين الدول ، وبالنسبة للجمعية العامة فأن معيار الاستجابة لقراراتها هو قيام الأعضاء المعنيين أو مجموعة أعضاء الجمعية العامة أو كليهما بتنفيذ ما تطلبه الجمعية وتوصي به ، أما فاعلية القرارات فهو عدم الاقتصار على إنجاز أغراض معينة، بل توسيع هذا الإنجاز بإحداث تأثير في سياسات رجال السياسة المعنيين في إنهاء الخلاف القائم ، وللفترة من عام 1946 إلى 1962 أصدرت الجمعية العامة تسعة وعشرين قراراً بشأن العديد من المسائل الهامة التي عرضت عليها ، ولقد نجحت الجمعية على حل أنواع كثيرة من المنازعات الدولية ولو من غير طريق الإلزام إذ كانت الجمعية تحاول التوصل إلى تسوية للنزاعات عن طريق التوفيق دون ممارسة أي ضغط عل أي من أطرافها ، كما كان التحقيق يساهم في تخفيف التوترات وتجنب قيام نزاع دولي، وقد أعترف بهذه الوسيلة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها المرقم (د-18) المؤرخ في كانون الأول 1963 وموضوعه (مسألة طرق استقصاء الوقائع) إذ أعربت الجمعية العامة في هذا القرار عن اعتقادها في إمكانية فض المنازعات بطريقة سلمية دون قيامها بتقرير إجراء حيادي لاستقصاء الوقائع في إطار المنظمات الدولية وفي الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف، كما كانت الجمعية العامة تحث الدول التي تدخل في منازعات على حلها عن طريق المفاوضات ، وتعتبر المفاوضات من أكثر الوسائل التي أوصت بها الجمعية العامة ويعد قرار الجمعية العامة المرقم 40/9 في 1985 من القرارات الهامة التي ناشدت من خلالها الجمعية العامة الدول المتنازعة على حل خلافاتها عن طريق المفاوضات والوسائل السلمية الأخرى .

وقد ساهمت الجمعية العامة في تخفيف حدة التوتر خاصة عندما كانت الأمور تتأزم في مجلس الأمن الدولي بين الدول الكبرى بسبب لجوء أحدها إلى استخدام حق النقض (الفيتو) وما كان يؤدي إليه هذا الاستخدام من خلافات داخل المجلس وقد كان قرار الاتحاد من أجل السلم الذي اتخذته الجمعية العامة عام 1950 أبان الحرب الكورية أساساً للعديد من القرارات التي اتخذت في وقت لاحق عندما فشل أيضاً مجلس الأمن الدولي في التوصل إلى اتفاق حول العديد من المسائل كما حصل في مشكلة تأميم قناة السويس وما أدت إليه من عدوان ثلاثي على مصر عام 1956 كذلك أزمة الكونغو عام 1960 والنزاع بين الهند وباكستان عام 1971 ففي جميع هذه الحالات حلت الجمعية العامة محل مجلس الأمن الدولي بسبب تقاعسه عن عقد اجتماع أو اتخاذ قرار مناسب .

من المؤكد أن النظام العالمي الحالي له سمات أو خصائص تميزه عن النظام العالمي الذي كان سائدا في الحقبة الماضية مما جعل التغير يلقي بظلاله على هيكل التنظيم الدولي المعاصر والنظام القانوني السائد فيه، ولعل أهم ما يميز النظام القانوني الدولي الحالي أنه نظام يتميز بزيادة القطب الواحد وهو الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عالمية وحيدة لا منافس لها، وسيادة القيم والمفاهيم الغربية فإنها تقلص الدور الحقيقي للمنظمات الدولية في حل المنازعات الدولية كذلك الطابع المؤقت للنظام العالمي الجديد ولعل تغير ملامح النظام العالمي أدى إلى تغير شكل ودور الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية في المنازعات الدولية وهو أمر بدت سماته بوضوح من خلال مسلك المنظمة الدولية ذاته في ظل هذا النظام حيث كثر تدخل المنظمة في الشؤون الدولية واتسع مدلول التدخل وتعددت أسبابه ومبرراته وكذلك كثرت اللجوء إلى التدخل المسلح وظهرت له أسباب جديدة إلى جانب الأسباب القديمة والتقليدية فظهر إلى جانب جريمة الحرب والعدوان المسلح الإرهاب الدولي كمبرر وسبب حقيقي وراء التدخل المسلح من قبل المنظمة الدولية، كذلك انتهاك حقوق الإنسان وحرياته الأساسية كذلك إهدار الديمقراطية داخل البلاد الحقيقة أن مواجهة الأمم المتحدة للعدوان العراقي على الكويت أذهل المجتمع الدولي لما اتسمت به هذه المواجهة من حسن نية وجدية غير معهودة في تاريخ المنظمة الدولية، ولذلك كان أسلوب المنظمة الدولية في مواجهة العدوان العراقي على دولة الكويت فاصلا مميزا بين مرحلتين هامتين من تاريخ المنظمة الدولية.

المرحلة الأولى : وتمثل مرحلة الفشل والعجز التام للمنظمة الدولية في مواجهة المنازعات الدولية وحالات تهديد السلم والأمن الدولي عموما وذلك بسبب انقسام الدول الكبرى على نفسها وسيادة مفاهيم الحرب الباردة بين القطبين العظيمين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، وظلت هذه المرحلة ردحا من الزمن حتى بداية التسعينات حتى حدت العدوان العراقي على دولة الكويت.

أما المرحلة الثانية : فتتمثل في مواجهة الأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن للعدوان العراقي على الكويت وقد مثل أسلوب المواجهة تحولا جدريا في أسلوب المنظمة في مواجهة الأحداث الدولية، حيث كانت جميع قرارات مجلس الأمن تشير إلى أحكام الميثاق من غير الفصل السابع رغم أن القلة منها كانت تشير على إستحياء إلى الفصل السابع وكان من أهمها قراراته التي صدرت بمناسبة العدوان على كوريا الجنوبية عام 1950، وترجع مقدرة مجلس الأمن على مواجهة الظروف والأحداث إلى استعادة التعاون فيما بين القوى العظمى على صعيد العلاقات الدولية والذي جاء كرد فعل لانتهاء الحرب الباردة بين القطبين العظيمين فلم يعد حق الفيتو حائلا يقف أمام قيام مجلس الأمن وممارسته لوظائفه وسلطاته، فلقد واجهت الأمم المتحدة مشكلة الخليج وأصدر بمناسبتها مجلس الأمن عددا من القرارات غير مسبوق صدوره في أي نزاع آخر وكلها كانت مستندة إلى أحكام الفصل السابع من الميثاق، ولقد عكست كل هذه القرارات من حيث اعتمدها على معايير جديدة في تكييف ما يعتبر تهديد مع أداء مجلس الأمن منذ عام 1990 على عكس ما كان متبعا وسائدا في الفترة السابقة، ومن ثم فاستنادا إلى السلطة التقديرية الواسعة لمجلس الأمن والمستمدة أصلا من المادة 49 من الميثاق قام مجلس الأمن بتحديد الأعمال التي تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين ولم تعد تلك العوامل قاصرة على المنازعات بين الدول وأعمال القتال واسعة النطاق داخل حدود الدول بل أصبح تهديد السلم يشمل قمع الأقليات وكذلك الأعمال الإرهابية وكافة المآسي الإنسانية. وكافة المآسي الإنسانية الناتجة عن الاقتتال الداخلي وكذلك إهدار الديمقراطية في الداخل.

ان عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر توسع مجلس الأمن في هذا المفهوم واعتبر ما تعرضت له أمريكا في الحادي عشر من سبتمبر عملا إرهابيا وقرر بأن جميع الأعضاء متفقون على أن الإرهاب جريمة دولية يجب القضاء عليها أيضا اعتبر المجلس أن حيازة بعض الدول لأسلحة الدمار الشامل مما يخشى من أنظمتها وسياستها مع الدول المجاورة عملا من الأعمال التي تشكل تهديدا للسلام والأمن الدوليين بدليل إصداره 1441 بإلزام العراق يفتح حدودها ومنشأتها النووية والحرية أمام فريق التفتيش الدولي عن أسلحة الدمار الشامل، وهو الأمر الذي ترتب عليه العدوان على العراق وأفغانستان واحتلال أراضي العراق بكاملهاوالنتيجة المنطقية على توسيع مجلس الأمن في مفهوم تهديد السلم والأمن هي زيادة قدرة مجلس الأمن على التدخل وهي نتيجة ليس من ورائها إلا هدفا واحدا هو إطلاق يد مجلس الأمن في التدخل بمعاونة وتوجيه من الدول الكبرى في أي وقت شاء وبأي كيفية شاء، ولذلك أثارت تدخلات المجلس في شمال العراق وليبيا والصومال والبوسنة والهرسك وهاييتي، ومن بعد في فتح الباب أمام الولايات المتحدة وحلفائها للتدخل في الشؤون العراقية وإسقاط نظام الحكم فيه واحتلال كامل أراضيه العديد من التساؤلات حول مدى حرية المنظمة الدولية وعلى الأخص مجلس الأمن في التدخل في شؤون الدول تحت شعار حفظ السلم والأمن الدوليين.

.وبالرغم من كل ذلك، فإن السبب الرئيسي في أن الأمم المتحدة تبدو عقيمة هو أن الدول الأعضاء غير متعاونة على الإطلاق مع بعضها البعض، فالأمم المتحدة عبارة عن كتلة من الأجزاء وعندما تعمل هذه الأجزاء ضد بعضها البعض فإن النتيجة الحتمية ستكون الجمود والعجز يبدو مقر الأمم المتحدة المكون من 39 طابقا على مشارف نهر الشرق في نيويورك وكأنه برج بابل الحديث، لكن مرة أخرى، إنه خطأ الدول وليس الأمم المتحدة. وربما أفضل وصف لهذه الحالة ربما يكون ما قاله ريتشارد هولبروك السفير الأمريكي السابق لدى الأمم المتحدة الذي اعتبر أن “توجيه اللوم للأمم المتحدة حينما يحدث شيء خطأ هو أشبه بإلقاء اللوم على فريق ماديسون سكوير غاردن (للهوكي) حينما يقدم (نيويورك) نيكس أداء سيئا.

تفاقم جوانب القصور المؤسسي في الأمم المتحدة بلا جدال من عجزها، وقد كان منح حق النقض “الفيتو” للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وهي الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين، بمثابة وصفة للجمود بشكل واضح لكن للأسف، كان هذا هو الثمن الذي كان من الضروري دفعه لضمان مشاركة القوى الكبرى بعد فترة الحرب العالمية الثانية، ولمنح الأمم المتحدة فرصة للنجاح فيما فشلت فيه عصبة الأمم.

وقد أعادت الأزمة السورية الأنظار إلى عجز منظومة الأمم المتحدة عن القيام بالدور المنوط بها في حفظ السلام والأمن العالميين، وأعادت التظليل على إخفاق المسعى الغربي بإنشاء سلطة فوق وطنية «Supranatioanl»، تراقب مدى التزام الدول باحترام القانون الدولي. أما مجلس الأمن، وهو الهيئة الأممية الأكثر رصانة باعتباره الجسد الوحيد ذا القرارات الملزمة لدول العالم، فقد خسرته الأزمة الكثير من هيبته حين عجز عن تمرير قرارات تطالب بمجرد فتح ممرات آمنة للمدنيين!واليوم ينتقل الملف السوري من أيدي المنظومة الغربية، لتحتكره روسيا، التي برزت مكانتها في سوريا عبر تحدّي النظام الدولي، بتعطيلها مجلس الأمن وانتهاكها جميع قوانين الحرب على الأرض. إذ تبدو وكأنها استطاعت عبر سلوكها المارق سحب البساط من تحت أقدام القوى الغربية بتجميعها للفرقاء السوريين في مباحثات الأستانة، لتكون بديلًا عن مفاوضات الأمم المتحدة التي انعقدت على مدار ثلاثة أعوام ونصف العام أما أمنيًا، فما زال مجلس الأمن يخفق المرة تلو الأخرى في التوصل إلى تكتيكات تحقن الدماء، وذلك على وقع الفيتو الروسي والصيني الذي أحبط 6 قرارات، فضلًا عن إفشال عشرات مشاريع القرارات قبل رفعها إلى التصويت. أما لجوء مجلس الأمن لاستخدام القوة تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بعد استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيماوية، فانحرف عن هدف معاقبة مستخدمي الأسلحة المحرّمة دوليًا، نحو قصف تنظيم الدولة «داعش» فقط.

وإن كان من الطبيعي أن تفقد الشعوب إيمانها بمنظومة الأمم المتحدة، نظرًا لتخلي المجتمع الدولي عن إنصافها، فإن المثير اليوم أن أصوات غربية بارزة باتت توجه سهام النقد العلني للأمم المتحدة وتتهم المجتمع الدولي بالشراكة في فظائع الحرب في سوريا، كما فعل الرئيس الألماني يواخيم غاوك ، أضف إليه اعتراف بان كي مون المتكرر بالفشل والعجز في الأزمة السورية، وإقراره بأن مجلس الأمن أسهم في تحويل سوريا إلى دولة فاشلة وقد طرحت العديد من المبادرات لتوسيع عضوية مجلس الأمن من 5 أعضاء دائمين إلى 10، وجعل «الفيتو» غير ممكن إلا إذا وافق عليه اثنان، منعًا للوصول المتكرر لحالة الشلل الذي يعاني منها اليوم ، وللحد من تحوله إلى مسرح بلاغي يبدأ بكيل الإدانات للنظام السوري وحلفائه وينتهي بفيتو روسي وبكثير من الدماء على الأرضلكن مثل هذه الأطروحات تبقى حبيسة التداول الأكاديمي وعلى ألسنة الزعماء السابقين، في ظل عزوف الدول دائمة العضوية عن الإقدام على فتح ملف الإصلاح، والذي يشترط بالأساس موافقة الدول دائمة العضوية ذاتها! مما يعكس واقع الدوران في الحلقة المفرغة نفسها وفي الوقت الذي تقاوم فيه المنظمة الدولية انهدام كيانها، يؤكد الواقع الذي عليه العالم اليوم انهيار عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي أفرز هذه الأمم «غير المتحدة»، والتي تحولت من كيان حام إلى سكرتارية تخدم قوة مستحكمة، تباينت الآراء في أنها قوة واحدة أم قوى متعددة. كما أن النظام العالمي الذي بني على أنقاض هزيمة دور المحور (ألمانيا، اليابان وإيطاليا) ، لم يعد يملك أي شكل لنظام يمكن التعويل عليه في حل القضايا التي تتراكم على طاولات المنظمة الدولية.

ولكن يبقى رغم الصكوك الدولية لم تحقق الامم المتحدة نجاحا .  في كثير من الحالات، تفتقر المؤسسات الدولية المكلفة بتعزيز السلام والاستقرار إلى توافق الآراء السياسي والموارد المالية للوفاء بولاياتها. وعلاوة على ذلك، لا تزال هذه المؤسسات تتفاعل بشكل غير متناسب وغالبا ما تهمل منع نشوب الصراعات كأداة حاسمة لإدارة الصراعات المسلحة. فمعظم جهود حفظ السلام تفتقر إلى ما يكفي من القوى العاملة والمال والمعدات لتلبية ولاياتها المفرطة. وكثيرا ما تفشل المؤسسات الدولية في تعزيز السلام والانتعاش في البلدان التي مزقتها الحروب.

استمرار حمام الدم في سوريا والعنف في ليبيا والأزمة اليمينة لسنوات طويلة، يعكس حتما في أحد جوانبه نهج الأمم المتحدة في التعامل مع الملفات الساخنة في العالم، الذي تدرج من فشل وعجز إلى تخاذل وصولا إلى التواطؤ في بعض الحالات فسجلات الأمم المتحدة في هذا السياق حافلة بتقارير مغلوطة بسبب اعتمادها على منظمات ومؤسسات محلية إما خاضعة لقوى أمر الواقع المتمثلة بالحالة اليمنية بالميليشيات المسلحة، أو موالية لقوات مرتبطة بنظام شمولي يعمل على استمالتها عبر سياسة العصا والجزرة.

ان وضع الأمم المتحدة الحالي يعد في أسوأ موقف في تاريخها فالولايات المتحدة لم تضع لها أي اعتبار باستخدامها منطق القوة متجاهلة اختصاصات الامم المتحدة ومجلس الأمن في السماح باستخدام القوة في النزاعات الدولية، وبالتالي فقد أفرغتها من مضمونها ان هذا التصرف الامريكي يضع احتمالاً قوياً لامكانية انهيار الامم المتحدة وهو ما تريده الادارة الامريكية الحالية التي تحمل ضغينة وحقداً كبيراً على هذه المنظمة الدولية التي لم تستجب لاطماعهم وتتيح لهم غطاء شرعيا لشن حربهم العدوانية على الدول العربية استناداً إلى حجج واهية.

ان ما حدث للعراق و سوريا و اليمن و ليبيا و قطر اليوم سوف تكون له نتائج وخيمة خاصة في ظل التراجع الرسمي في المواقف الدولية وهو ما يثير قضية القانون الدولي والخروج عنه من جانب البعض والانتقاء من ميثاق الامم المتحدة والقانون الدولي الانساني وما يتفق والمصالح الخاصة للدول، وما يحدث الان من قصف وهجمات هي اعمال سافرة ضد المدنيين نتيجة لانتهاك تلك القواعد، مما يعرض الشعوب للمحن والمهانة مما يترتب عليه ضرورة تقديم المسئولين عنها للمحاكمة.

ان السلام في العالم مهدد بسبب عدم وجود سياسة دولية مشتركة بشأن الازمات التي يعاني منها العالم، انها “الحلقة المفرغة” التي تدور فيها هذه النزاعات هي التي تؤدي الى “اطالة امدها وانتشارها اقليميا فمنصة الامم التحدة التي أُوجدت بغرض حل النزاعات الدولية بالطرق السلمية، وإيجاد مجتمع دولي على أساس احترام القانون، وتحييد كل ما له علاقة بالأعمال العدائية، إلا أن واقع الحال الذي وصلت إليه الأمم المتحدة اليوم جعل منها منبراً للتصعيد، وفرصة للكثيرين من أجل صب الزيت على نيران الأزمات المشتعلة أزمات كان على المُجتمعين نقاشها في إطار العديد من القضايا ذات الاهتمام الدولي ومحاولة تقريب وجهات النظر تجاهها، لكن الخطاب الانفعالي خيّم على الأجواء، وتحوّل بصعود الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى المنصة لأول مرة منذ توليه الرئاسة، إلى خطاب تهديد وإعلان حرب مبطّن وبعيداً عن الخلافات والتفكّك الواضح للمنظّمة الدولية، فإن قادة العالم، كما جرت العادة خلال السنوات الماضية، اتفقوا على أمر واحد خلال مداخلاتهم؛ حيث تحدث الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن استراتيجية جديدة لمواجهة الإرهاب، كما أجمعت كلمات المشاركين على ضرورة التصدّي بحزم للإرهاب، والعمل المشترك من أجل تجفيف منابع تمويل ودعم التنظيمات الإرهابية لكن يبقى هذا التوحّد اللفظي فيما يتعلق بملف الإرهاب غير كافٍ لإنقاذ مستقبل الأمم المتحدة، التي عكست دورة جمعيتها العامة الحالية حجم التهديدات التي تواجهها على مستوى العمل الدولي المشترك بالتأكيد لا يمكن إلقاء اللوم على المنظمة بهيكليتها، لكن تحوّلها إلى حلبة مصارعة بين الدول الكبرى من جهة، وتغلغل البيروقراطية بداخلها كما أشار أمينها العام من جهة ثانية، بالإضافة إلى عدم احترام الكثيرين لميثاقها وأهدافها يضع العمل الجماعي الدولي على المحك.

DR. HAKIM GHERIEB

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button